قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

اللّباب في علوم الكتاب [ ج ٣ ]

229/544
*

قال ابن عطيّة (١) ويحتمل أن يكون مصدرا كالقصاص ، أي أنّه إذا قصّ أثر القاتل قصصا ، قتل.

ويحتمل أن يكون قوله : (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) أي فيما أقصّ عليكم من حكم القتل والقصاص.

فصل في الردّ على احتجاج المعتزلة بالآية

قالت المعتزلة : دلّت هذه الآية على أنّ القصاص سبب للحياة ؛ لقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) ، فدلّ ذلك على أنّه لو لم يشرع القصاص ، لكان ذلك سببا للموت قبل حلول وقته ، وكذلك كلّ ما نتج من الحيوان ، فإنّ هلاكه قبل أجله ؛ بدليل أنّه يجب على القاتل الضّمان والدّية.

وأجيب بقوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) [آل عمران : ١٤٥] وقوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: ٣٤] (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) [نوح : ٤] (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [الرعد : ٣٨] فمتى قتل العبد علمنا أنّ ذلك أجله (٢) ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه لو لم يقتل ، لعاش ؛ لما ذكرنا من الآيات.

أمّا وجوب الضمان والدّية ، فللإقدام على القتل وللزجر عن الفعل.

فصل في كون الآية في أعلى درجات البلاغة

اتفق علماء البيان على أنّ هذه الآية في الإيجاز مع جميع المعاني باللّغة بالغة أعلى

__________________

(١) ينظر : المحر الوجيز ١ / ٢٤٧.

(٢) مختار أهل السنة : وجوب اعتقاد أن الأجل بحسب علم الله تعالى واحد لا تعدد فيه ، وأن كل مقتول ميت بسبب انقضاء عمره ، وعند حضور أجله في الوقت الذي علم الله في الأزل حصول موته فيه ؛ بإيجاده تعالى ، وخلقه من غير مدخلية للقاتل فيه لا مباشرة ولا تولّدا ، وأنه لو لم يقتل ، لجاز أن يموت في ذلك الوقت ، وألا يموت من غير قطع بامتداد العمر ، ولا بالموت بدل القتل ؛ بدليل أن الله تعالى قد حكم بآجال العباد على ما علم من غير تردّد ، وأنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، في آيات وأحاديث دالة على أن كلّ هالك يستوفى أجله من غير تقدّم عليه ولا تأخر عنه ، وحديث : إن بعض الطاعات يزيد في العمر لا يعارض القواطع ؛ لأنه خبر واحد ، وأن الزيادة فيه بحسب الخير والبركة ، أو بالنسبة إلى ما أثبتته الملائكة في صحفها ، فقد يثبت فيها الشيء مطلقا وهو في علم الله تعالى مقيّد ، ثم يئول إلى موجب علمه سبحانه ، على ما يشير إليه قوله تعالى : «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ». فالمعتبر إنّما هو ما تعلّق العلم الأزلي ببلوغه ، هذا ما عليه أهل الحق (وغير هذا) من مذاهب المخالفين ؛ كمذهب الكعبي من المعتزلة : أنّ المقتول ليس بميّت ؛ لأن القتل فعل العبد ، والموت فعله تعالى وأثر صنيعه ، فالمقتول له أجلان : القتل ، والموت ، وأنه لو لم يقتل ، لعاش إلى أجله الذي هو الموت ؛ وكمذهب الكثير من المعتزلة : أن القاتل قطع على المقتول أجله ، وأنه لو لم يقتل ، لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله موته فيه لو لا القتل ، أو لمات في ذلك الوقت (باطل) أي : غير مطابق للواقع ؛ لمنافاته للقواطع التي لا تقبل التّأويل ، وكل باطل (لا يقبل) عند العقلاء المتمسّكين بالحق.

ينظر : التعليقات على شارح الجوهرة ص ١٣٨ ـ ١٤٠.