تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

(٣٠) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ما يقلق النّفوس من حوادث الدّهر وقيل المنون الموت.

(٣١) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ اتربّص هلاككم كما تتربّصون هلاكي.

(٣٢) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ عقولهم.

القمّيّ قال لم يكن في الدنيا احلم من قريش بِهذا بهذا التناقض في القول فانّ الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر والمجنون مغطّى عقله والشاعر يكون ذا كلام مخيّل موزون ولا يتأتّى ذلك من المجنون أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ مجاوزون الحدّ في العناد.

(٣٣) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ اختلقه من تلقاء نفسه بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فيرمون بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم.

(٣٤) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ مثل القرآن إِنْ كانُوا صادِقِينَ في زعمهم إذ فيهم كثير ممّن عدّوا من الفصحاء فهو ردّ للأقوال المذكورة بالتحدّي أو ردّ للتقوّل خاصّة فانّ ساير الأقسام ظاهر العناد.

(٣٥) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ام أحدثوا وقد رووا من غير محدّث ومقدّر فلذلك لا يعبدونه أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ام خلقوا أنفسهم.

(٣٦) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ إذ لو أيقنوا لما اعرضوا عن عبادته.

(٣٧) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ خزائن رزقه حتّى يرزقوا النبوّة من شاءوا أو خزائن علمه حتّى يختاروا لها من شاءوا أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ الغالبون على الأشياء يدبّرونها كيف شاءوا وقرئ بالسّين.

(٣٨) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ مرتقى إلى السماء يَسْتَمِعُونَ فِيهِ صاعدين فيه الى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتّى يعلموا ما هو كائن فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ

٨١

بِسُلْطانٍ مُبِينٍ بحجّة واضحة تصدّق استماعه.

(٣٩) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ وهو ما قالت قريش انّ الملائكة بنات الله كذا رواه القمّيّ وفيه تسفيه لهم واشعار بأنّ من هذا رأيه لا يعدّ من العقلاء فضلاً ان يترقّى بروحه الى عالم الملكوت فيتطلّع على الغيوب.

(٤٠) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على تبليغ الرسالة فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ من التزام غرم مُثْقَلُونَ محملون الثقل فلذلك زهدوا في اتّباعك.

(٤١) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ اللّوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه.

(٤٢) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً قيل هو كيدهم في دار النّدوة برسول الله صلّى الله عليه وآله.

فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ هم الذين يحيق بهم الكيد أو يعود عليهم وبال كيدهم قيل وهو قتلهم يوم بدر.

(٤٣) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يعينهم ويحرسهم من عذابه سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ عن اشراكهم أو شركة ما يشركون به.

(٤٤) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً قطعة مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا من فرط طغيانهم وعنادهم سَحابٌ مَرْكُومٌ هذا سحاب تراكم بعضها على بعض وهو جواب قولهم فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ.

(٤٥) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ قيل هو عند النفقة الأولى.

(٤٦) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً في ردّ العذاب وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يمنعون من عذاب الله.

(٤٧) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا القمّيّ ظلموا آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم

٨٢

عَذاباً دُونَ ذلِكَ أي دون عذاب الآخرة.

القمّيّ قال عذاب الرجعة بالسيف وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ذلك.

(٤٨) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بإمهالهم وابقائك في عنائهم فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا في حفظنا وحرزنا بحيث نراك ونكلؤك وجمع العين لجمع الضمير والمبالغة بكثرة أسباب الحفظ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ القمّيّ قال لصلاة اللّيل.

(٤٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ قال صلاة اللّيل وَإِدْبارَ النُّجُومِ وإذا أدبرت النجوم من آخر اللّيل وقرئ بالفتح اي في أعقابها إذا اغربت أو خفيت.

في المجمع عنهما عليهما السلام في هذه الآية قالا : انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يقوم من اللّيل ثلاث مرّات فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من آل عمران الّتي آخرها إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم يفتتح صلاة اللّيل الحديث.

وعنهما عليهما السلام : وَإِدْبارَ النُّجُومِ يعني الركعتين قبل صلاة الفجر.

ورواه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وعليّ والحسن بن عليّ عليهما السلام وفي الكافي عن الباقر والقمّيّ عن الرضا عليهما السلام : مثله.

وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الطور جمع الله تعالى له خير الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى.

٨٣

سُورة النجم مكّيّة

وعن ابن عبّاس غير آية منها نزلت بالمدينة الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ

الْإِثْمِ الآية وعن الحسن قال هي مدنية عدد آيها اثنتان وستّون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) وَالنَّجْمِ إِذا هَوى اقسم بالنّجم إذا سقط.

(٢) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ ما عدل محمّد صلّى الله عليه وآله عن الطريق المستقيم وَما غَوى وما اعتقد باطلاً والمراد نفي ما ينسبون إليه.

(٣) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى.

(٤) إِنْ هُوَ أي الّذي ينطق به إِلَّا وَحْيٌ يُوحى يوحيه الله إليه.

في المجالس عن ابن عبّاس قال : صلّينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فلمّا سلّم اقبل علينا بوجهه ثمّ قال إنّه سينقضّ كوكب من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيّى وخليفتي والامام بعدي فلمّا كما قرب الفجر جلس كلّ واحد منّا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره وكان أطمع القوم في ذلك أبي العبّاس بن عبد المطّلب فلمّا طلع الفجر انقضّ الكوكب من الهواء فسقط في دار عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام يا عليّ والّذي بعثني بالنبوّة لقد وجبت لك الوصيّة والخلافة والإمامة بعدي فقال المنافقون عبد الله بن أبيّ وأصحابه لقد ضلّ محمّد في محبّة ابن عمّه وغوى وما ينطق في شأنه الّا بالهوى فأنزل الله تبارك وتعالى وَالنَّجْمِ إِذا هَوى يقول عزّ وجلّ وخالق النجم إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ يعنى في محبّة عليّ بن أبي طالب وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى يعني في شأنه إِنْ هُوَ إِلَّا

٨٤

وَحْيٌ يُوحى.

وعن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام : ما يقرب منه.

والقمّيّ عن الرضا عليه السلام : انّ النَّجْمِ رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وعن الباقر عليه السلام : يقول ما ضَلَ في عليّ عليه السلام وَما غَوى وَما يَنْطِقُ فيه عَنِ الْهَوى وما كان ما قاله فيه الّا بالوحي الّذي أوحي إليه.

وفي الكافي عنه عليه السلام : وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال اقسم بقبر محمّد صلّى الله عليه وآله إذا قبض ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ بتفضيله أهل بيته وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى يقول ما يتكلّم بفضل أهل بيت بهواه وهو قول الله عزّ وجلّ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى.

وفي المجالس عن الصادق عليه السلام : انّ رضى الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله الم ينسبوا نبيّنا محمّداً صلّى الله عليه وآله انّه ينطق عن الهوى في ابن عمّه عليّ عليه السلام حتّى كذّبهم الله فقال وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى.

(٥) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى قيل يعني جبرائيل والقمّيّ يعني الله عزّ وجلّ.

(٦) ذُو مِرَّةٍ ذو حصافة في عقله ورأيه فَاسْتَوى فاستقام قيل يعني جبرئيل استقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها فانّه روي : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمّد صلّى الله عليه وآله مرّة في السماء ومرّة في الأرض والقمّيّ يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن الرضا عليه السلام : ما بعث الله نبيّاً الّا صاحب مرّة سوداء صافية.

(٧) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى قيل يعني جبرئيل عليه السلام والقمّيّ يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله.

(٨) ثُمَّ دَنا قيل يعني جبرئيل من رسول الله صلّى الله عليه وآله والقمّيّ يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله من ربّه فَتَدَلَّى فزاد منه دنوّاً هذا تأويله وأصل التدلّي

٨٥

استرسال مع تعلّق والقمّيّ قال إنّما نزلت فَتَدانى.

وفي العلل عن الباقر عليه السلام : فَتَدَلَّى قال لا تقرأ هكذا اقرأ ثُمَّ دَنا فَتَدانى.

(٩) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قدرهما القمّيّ قال كان من الله كما بين مقبض القوس الى رأس السية.

أقولُ : ويأتي بيان ذلك وتأويله أَوْ أَدْنى قال بل ادنى من ذلك.

وعن الصادق عليه السلام : أوّل من سبق الى بلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وذلك انّه اقرب الخلق إلى الله وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لمّا اسري به إلى السماء تقدّم يا محمّد فقد وطأت موطأ لم يطأه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولو لا انّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان يبلغه وكان من الله عزّ وجلّ كما قال قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أي بَلْ ادْنى.

وفي العلل عن السجّاد عليه السلام : أنّه سئل عن الله عزّ وجلّ هل يوصف بمكان فقال تعالى الله عن ذلك قيل فلم اسري بنبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله إلى السماء قال ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه قيل فقول الله عزّ وجلّ ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله دنا من حجب النّور فرأى ملكوت السماوات ثمّ تدلّى فنظر من تحته الى ملكوت الأرض حتّى ظنّ انّه في القرب من الأرض ك قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى.

وعنه عليه السلام : فلمّا اسري بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وكان من ربّه كقاب قوسين أو ادنى رفع له حجاب من حجبه.

وفي الأمالي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : لمّا عرج بي إلى السماء ودنوت من ربّي عزّ وجلّ حتّى كان بيني وبينه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فقال لي يا محمّد من تحبّ من الخلق قلت يا ربّ عليّاً قال فالتفت يا محمّد فالتفت عن يساري فإذا عليّ بن أبي طالب.

وفي الاحتجاج عن السجّاد عليه السلام قال : انا ابن من علا فاستعلى فجاز

٨٦

سدرة المنتهى فكان من ربّه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى.

وعن الكاظم عليه السلام : أنّه سئل عن قوله دَنا فَتَدَلَّى فقال إنّ هذه لغة في قريش إذا أراد الرجل منهم أن يقول قد سمعت يقول قد تدلّيت وانّما التدلّي الفهم.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : انّه اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقلّ من ثلث ليلة حتّى انتهى إلى ساق العرش فدنا بالعلم فتدلّى فدنى له من الجنّة رفرف اخضر وغشي النّور بصره فرأى عظمة ربّه عزّ وجلّ بفؤاده ولم يرها بعينه فكان كقاب قوسين بينها وبينه أو ادنى.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل كم عرج برسول الله صلّى الله عليه وآله فقال مرّتين فأوقفه جبرئيل موقفاً فقال له مكانك يا محمّد فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ انّ ربّك يصلّي فقال يا جبرئيل وكيف يصلّي قال يقول سبّوح قدّوس انا ربّ الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي فقال اللهم عفوك عفوك قال وكان كما قال الله قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى قيل ما قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى قال ما بين سيتها الى رأسها قال فكان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ولا اعلمه إلّا وقد قال زبرجد فنظر في مثل سمّ الابرة الى ما شاء الله من نور العظمة فقال الله تعالى يا محمّد قال لبّيك رَبّي قال من لامّتك من بعدك قال الله أعلم قال عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين ثمّ قال الصادق عليه السلام والله ما جاءت ولاية عليّ من الأرض ولكن جاءت من السماء مشافهة.

أقولُ : لا تنافي بين هذه الروايات وكلّها صدر من معدن العلم على مقادير افهام المخاطبين وسية القوس بكسر المهملة قبل المثنّاة التحتانية المخفّفة ما عطف من طرفيها وهو تمثيل للمقدار المعنوي الرّوحاني بالمقدر الصوري الجسماني والقرب المكانتي بالدنوّ المكاني تعالى الله عمّا يقول المشبّهون علوّاً كبيراً فسّر الإِمام مقدار القوسين بمقدار طرفي القوس الواحد المنعطفين كأنّه جعل كلًّا منهما قوساً على حدة فيكون مقدار مجموع القوسين مقدار قوس واحد وهي المسمّاة بقوس

٨٧

الحلقة وهي قبل أن يهيّأ للرمي فانّها حينئذ تكون شبه دائرة والدائرة تنقسم بما يسمّى بالقوس وفي التعبير عن هذا المعنى بمثل هذه العبارة إشارة لطيفة الى انّ السائر بهذا السّير منه سبحانه نزل وإليه صعد وانّ الحركة الصعودية كانت انعطافيّة وانّها لم تقع على نفس المسافة النزولية بل على مسافة اخرى كما حقّق في محلّه فسيره كان من الله وإلى الله وفي الله وبالله ومع الله تبارك الله عزّ وجلّ والحجاب الذي كان بينهما هو حجاب البشريّة وانّما يتلألأ لانغماسه في نور الربّ تعالى بخفق اي باضطراب وتحرّك وذلك لما كاد ان يفنى عن نفسه بالكلية في نور الأنوار بغلبة سطوات الجلال وبانجذابه بشراشره الى جناب القدس المتعال وهذا هو المعني بالتدلّي المعنوي ووصف الحجاب بالزّبرجد كناية عن حضرته وذلك لأنّ النور الإلهي الذي يشبه بلون البياض في التمثيل كان قد شابته ظلمة بشرية فصار تُيَرا اي كأنّه اخضر على لون الزّبرجد وانّما سأله الله عزّ وجلّ عن خليفته لأنّه كان قد أهمه امر الإمامة وكان في قلبه ان يخلّف فيهم خليفته إذا ارتحل عنهم وقد علم الله ذلك منه ولذلك سأله عنه ولمّا كان الخليفة متعيّناً عند الله وعند رسوله قال الله ما قال ووصفه بأوصاف لم يكن لغيره ان ينال وفي هذا الحديث اسرار غامضة لا ينال إليها أيدي أفهامنا الخافضة فكلّما جهدنا في ابدائها زدنا في اخفائها ولا سيّما في معنى صلاة الله سبحانه وطلب العفو من نبيّه في مقابله ومع ذلك فقد أشرنا إلى لمحة من ذلك في كتابنا المسمّى بالوافى في شرح هذا الحديث ومن الله الاعانة على فهم اسراره.

(١٠) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى في إبهام الموحى به تفخيم له القمّيّ قال وحى مشافهة.

وفي الاحتجاج في الحديث الذي سبق ذكره : فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ الآية قال وكانت الولاية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم الى ان بعث الله محمّداً صلّى الله عليه وآله وعرضت على الأمم فأبوا ان يقبلوها من ثقلها وقبلها رسول الله صلّى الله عليه وآله وعرضها على أمّته فقبلوها الحديث وقد سبق تمامه في سورة البقرة.

٨٨

(١١) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى.

في التوحيد عن الكاظم عليه السلام : أنّه سئل هل رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله ربّه عزّ وجلّ فقال نعم بقلبه رآه أما سمعت الله يقول ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : انّ محمّداً صلّى الله عليه وآله رأى ربّه بفؤاده.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه سئل عن هذه الآية فقال رأيت نوراً.

وفي الكافي والتوحيد عن الرضا عليه السلام : أنّه سئل عن ذلك فقال ما كذب فؤاد محمّد صلّى الله عليه وآله ما رأت عيناه ثمّ اخبر بما رأى فقال لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى فآيات الله غير الله.

أقولُ : وقد سبق انّه رأى عظمة ربّه بفؤاده وانّما اختلفت الأجوبة لاختلاف مراتب افهام المخاطبين وغموض المسئول عنه.

(١٢) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى أفتجادلونه عليه من المراء وقرئ أفتمرونه أي أفتغلبونه في المراء أو أفتجحدونه وعلى لتضمين معنى الغلبة.

القمّيّ : سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ذلك الوحي فقال أوحى إليَّ انّ عليّاً سيّد المؤمنين وامام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين وأوّل خليفة يستخلفه خاتم النبيّين فدخل القوم في الكلام فقالوا أمِنَ الله أو من رسوله فقال الله جلّ ذكره لرسوله قل لهم ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ثم ردّ عليهم فقال أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أمرت فيه بغير هذا أمرت ان أنصبه للنّاس فأقول هذا وليّكم من بعدي وانّه بمنزلة السّفينة يوم الغرق من دخل فيها نجا ومن خرج عنها غرق.

(١٣) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى مرّة أخرى بنزول ودنوّ.

(١٤) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى الّتي ينتهي إليها أعمال أهل الأرض بالصعود كما يأتي.

(١٥) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى التي يأوي إليها المتّقون القمّيّ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى في السماء السابعة وجنّة المأوى عندها.

٨٩

وعن الرضا عليه السلام : لمّا اسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى خرق له في الحجب مثل سمّ الابرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله ان يرى.

وعن الباقر عليه السلام قال : فلمّا انتهى إلى سدرة المنتهى تخلّف عنه جبرئيل فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تخذلني فقال تقدّم امامك فو الله لقد بلغت مبلغاً لم يبلغه خلق من خلق الله قبلك فرأيت من نور ربّي وحال بيني وبينه السّبحة قيل وما السّبحة فأومى بوجهه إلى الأرض وبيده إلى السماء وهو يقول جلال ربّي جلال ربّي ثلاث مرّات.

وفي العلل عنه عليه السلام : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى يعني عندها وافى به جبرئيل حين صعد إلى السماء فلمّا انتهى الى محلّ السدرة وقف جبرئيل دونها وقال يا محمّد انّ هذا موقفي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه ولن اقدر على ان اتقدّمه ولكن امض أنت امامك الى السدرة فوقف عندها قال فتقدم رسول الله صلّى الله عليه وآله الى السدرة وتخلّف جبرئيل قال إنّما سمّيت سدرة المنتهى لأنّ اعمال اهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة الى محلّ السدرة والحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما يرفع إليهم الملائكة من أعمال العباد في الأرض قال فينتهون بها الى محلّ السدرة قال فنظر رسول الله صلّى الله عليه وآله فرأى أغصانها تحت العرش وحوله قال فتجلّى لمحمّد صلّى الله عليه وآله نور الجبّار عزّ وجلّ فلمّا غشي محمّد النّور شخص ببصره وارتعدت فرائصه قال فشدّ الله عزّ وجلّ لمحمّد صلّى الله عليه وآله قلبه وقوّى له بصره حتّى رأى من آيات ربّه ما رأى وذلك قول الله عزّ وجلّ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى يعني الموافاة قال فرأى محمّد صلّى الله عليه وآله ما رأى ببصرة من آيات ربّه الكبرى يعني أكبر الآيات قال عليه السلام وانّ غلظ السدرة لمسيرة مائة عام من أيّام الدنيا وانّ الورقة منها تغطّي اهل الدنيا.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : رأيت على كلّ ورقة من أوراقها ملكاً قائماً يسبّح الله تعالى.

٩٠

(١٦) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى تعظيم وتكثير لما يغشيها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عدّ القمّيّ قال لمّا رفع الحجاب بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله غشي نوره السّدرة.

(١٧) ما زاغَ الْبَصَرُ ما مال بصر رسول الله صلّى الله عليه وآله عمّا رآه وَما طَغى وما تجاوزه بل أثبته اثباتاً صحيحاً مستقيما.

(١٨) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى يعني رأى أكبر الآيات كما سبق.

وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال : وقوله في آخر الآيات ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى رأى جبرئيل في صورته مرّتين هذه المرّة ومرّة أخرى وذلك أنّ خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيّين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلّا الله ربّ العالمين وقيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمّد صلّى الله عليه وآله مرّتين مرّة في السماء ومرّة في الأرض.

والقمّيّ في هذه الآية يقول لقد سمع كلاماً لولا انّه قويّ ما قوى.

وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال رأى جبرئيل على ساقه الدرّ مثل القطر على البقل له ستّمائة جناح قد ملأ ما بين السماء والأرض.

والقمّيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : قال لعليّ يا عليّ انّ الله أشهدك معي في سبعة مواطن امّا أوّل ذلك فليلة اسري بي إلى السماء قال لي جبرئيل اين أخوك فقلت خلّفته ورائي قال ادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا مثالك معي وإذ الملائكة وقوف صفوف فقلت يا جبرئيل من هؤلاء قال هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة فدنوت فنطقت بما كان ويكون إلى يوم القيامة والثاني حين اسري بي في المرّة الثانية فقال لي جبرئيل اين أخوك قلت خلّفته ورائي قال ادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا مثالك معي فكشط لي عن سبع سماوات حتّى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلّ ملك منها والثالث حين بعثت الى الجنّ فقال لي جبرئيل اين أخوك قلت خلّفته ورائي فقال ادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا أنت معي فما قلت لهم شيئاً ولا ردّوا عليّ شيئاً الّا

٩١

سمعته والرابع خصّصنا بليلة القدر وليست لأحد غيرنا والخامس دعوت الله فيك وأعطاني فيك كلّ شيء الّا النبوّة فانّه قال خصصتك بها وختمتها بك وامّا السادس لمّا اسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيّين فصلّيت بهم ومثالك خلفي والسّابع هلاك الأحزاب بأيدينا.

وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام : ما لله عزّ وجلّ آية هي أكبر منّي.

(١٩) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى.

(٢٠) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى هي أصنام كانت لهم وقرئت اللّات بتشديد التاء على أنّه صورة رجل كان يلت السّويق بالسمن ويطعم الحاجّ والعزّى قال أصلها تأنيث الاعزّ ومناة فعلة من مناه إذا قطعه فانّهم كانوا يذبحون عندها القرابين ومنه منى وقرئ منأة على أنّها مفعلة من النوء كأنّهم يستمطرون الأنواء عندها تبركا بها.

القمّيّ قال اللَّاتَ رجل وَالْعُزَّى امرأة وَمَناةَ صنم بالمسلك الخارج من الحرم على ستّة أميال.

(٢١) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى قيل إنكار لما قالت قريش انّ الملائكة بنات الله وهذه الأصنام هيا كلها أو استوطنها جنيّات هنّ بناته تعالى عن ذلك.

(٢٢) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى جائرة حيث جعلتم له ما تستنكفون منه وهي فعلى من الضّيز وهو الجور لكنّه كُسِر فاؤه ليسلم الياء وقرئ بالهمزة من ضأزه إذا ظلمه على انّه مصدر نعت به.

(٢٣) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ الضمير للأصنام اي ما هي باعتبار الألوهيّة الا أسماء تطلقونها عليها لأنّكم تقولون انّها آلِهة وليس فيها شيء من معنى الألوهيّة سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ بهواكم ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ برهان تتعلّقون به إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ الّا توهّم انّ ما هم عليه حقّ تقليد أو توهّماً باطلاً وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وما تشتهيه أنفسهم وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى الرسول والكتاب فتركوه.

(٢٤) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى ام منقطعة والهمزة فيه للإنكار والمعنى ليس له كلّ ما يتمنّاه والمراد نفي طمعهم في شفاعة الآلِهة وقولهم لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ

٩٢

لَلْحُسْنى وقولهم لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ونحوها.

(٢٥) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى يعطي منها ما يشاء لمن يريد وليس لأحد ان يتحكّم عليه في شيء منهما.

(٢٦) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ في الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ من الملائكة ان يشفع أو من النّاس ان يشفع له وَيَرْضى ويراه اهلاً لذلك فكيف يشفع الأصنام لعبدتهم.

(٢٧) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى بأن سمّوهم بنات.

(٢٨) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً فانّ الحقّ الذي هو حقيقة الشيء لا يُدرك الّا بالعلم.

(٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا فاعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه فانّ من غفل عن الله واعرض عن ذكره وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همّته ومبلغ علمه لا يزيده الدّعوة الّا عناداً واصراراً على الباطل.

(٣٠) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ لا يتجاوزه علمهم والجملة اعتراض مقرّر لقصور هممهم على الدنيا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى يعني انّما يعلم الله من يجيب ممّن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك الّا البلاغ وقد بلغت.

(٣١) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقاً وملكاً لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا بعقاب ما عملوا من السوء وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى بالمثوبة الحُسنى.

(٣٢) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتّب الوعيد

٩٣

عليه بخصوصه وقد مرّ بيانه في سورة النساء وقرئ كبير الإثم على إرادة الجنس أو الشّرك وَالْفَواحِشَ ما فحش من الكبائر خصوصاً إِلَّا اللَّمَمَ الّا ما قلّ وصغر فانّه مغفور من مجتنبي الكبائر والاستثناء منقطع.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : الْفَواحِشَ الزنا والسرقة واللَّمَمَ الرّجل يلمّ بالذّنب فيستغفر الله منه.

وعنه عليه السلام : ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثمّ يلمّ به وهو قول الله تعالى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ قال اللّمام العبد الذي يلمّ بالذنب ليس من سليقته اي من طبيعة وفي رواية قال : الهنة بعد الهنة اي الذنب بعد الذنب يلمّ به العبد وفي أخرى قال : هو الذنب يلمّ به الرجل فيمكث ما شاء الله ثمّ يلّم به بعد.

أقولُ : يلمّ بالذنب اي يقاربه وينزل إليه فيفعله وقد طبع عليه اي لعارض عرض له يمكن زواله عنه ولهذا يمكنه الهجرة عنه ولو كان مطبوعاً عليه في أصل الخلقة وكان من سجيّته وسليقته لما أمكنه الهجرة عنه والهنة كناية عن الشيء إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ حيث يغفر الصّغاير باجتناب الكبائر وله ان يغفر ما شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها لمن يشاء هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ اعلم بأحوالكم منكم إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ علم أحوالكم ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب وحيثما صوّركم في الأرحام فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ فلا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير والطهارة عن المعاصي والرذايل هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى فانّه يعلم التّقى وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب آدم.

في العلل عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية قال يقول لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصيامه وزكاته ونُسكه لأنّ الله عزّ وجلّ اعلم بمن اتّقى منكم.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عنها فقال قول الإنسان صلّيت البارحة وصمت أمس ونحو هذا ثمّ قال ان قوماً كانوا يصبحون ويقولون صلّينا البارحة

٩٤

وصمنا أمس فقال عليّ عليه السلام لكنّي أنام اللّيل والنّهار ولو أجد بينهما شيئا لنمته.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام : ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجّها آذان السّامعين.

والعيّاشي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل هل يجوز ان يزكّي المرء نفسه قال نعم إذا اضطرّ إليه أما سمعت قول يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ وقول العبد الصالح وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ.

(٣٣) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى عن اتّباع الحقّ والثبات عليه.

(٣٤) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى وقطع العطاء في المجمع نزلت الآيات السبع يعني هذه وما بعدها في عثمان بن عفّان كان يتصدّق وينفق فقال له اخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سعيد ما هذا الذي تصنع يوشك ان لا يبقى لك شيء فقال عثمان انّ لي ذنوباً وانّي اطلب بما اصنع رضا الله وأرجو عفوه فقال له عبد الله اعطني ناقتك برحلها وانا اتحمّل عنك ذنوبك كلّها فأعطاه واشهد عليه وامسك عن النّفقة فنزلت أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى أي يوم أحد حين ترك المركز وَأَعْطى قَلِيلاً ثم قطع النفقة إلى قوله وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى فعاد عثمان الى ما كان عليه.

(٣٥) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى يعلم انّ صاحبه يتحمّل عنه.

(٣٦) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى.

(٣٧) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى وفرّ واتمّ ما امر به وبالغ في الوفاء بما التزمه على نفسه القمّيّ قال وفّى بما أمره الله به من الامر والنهي وذبح ابنه.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل ما عني بقوله وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال كلمات بالغ فيهنّ قيل وما هنّ قال كان إذا أصبح قال أصبحت وربّي محمود أصبحت لا أشرك بالله شيئاً ولا ادعو مع الله إلهاً ولا اتّخذ من دونه وليّاً ثلاثاً وإذا امسى قال ثلاثاً قال فأنزل الله عزّ وجلّ في كتابه وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى.

٩٥

وفي العلل عن الصادق عليه السلام : ما في معناه.

(٣٨) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لم ينبّأ بما في صحفهما انّه لا يؤاخذ احد بذنب غيره.

(٣٩) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى الّا سعيه اي كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير لا يثاب بفعله وما جاء في الاخبار من انّ الصدقة والحجّ ينفعان الميّت فذلك انّما هو لمحبّة زرعها الميّت في قلب الناوي له النّائب عنه بإحسان أو ايمان أو قرابة أو غير ذلك فهو من جملة سعيه وكذا المريض انّما يكتب له في أيّام مرضه ما كان يفعله في صحّته لأنّ في نيّته ان لو كان صحيحاً لفعله فهو انّما يثاب بالنيّة مع انّ المانع له من فعله ليس بيده وانّما غلب الله عليه فعلى فضل الله ان يثيبه.

(٤٠) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى يراه في الآخرة.

(٤١) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى أي يجزي العبد سعيه بالجزاء الأوفر.

(٤٢) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى انتهاء الخلائق ورجوعهم.

وفي الكافي والتوحيد عن الصادق عليه السلام : انّ الله يقول وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا والقمّيّ : مثله مع زيادة.

وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام : قيل له انّ الناس قبلنا قد أكثروا في الصفة فما تقول فقال مكروه اما تسمع الله عزّ وجلّ يقول وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى تكلموا فيما دون ذلك.

(٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى القمّيّ قال ابكى السماء بالمطر واضحك الأرض بالنبات قال الشاعر كلّ يوم باقحوان جديد تضحك الأرض من بكاء السماء.

(٤٤) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا لا يقدر على الإماتة والأحياء غيره.

(٤٥) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى.

(٤٦) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى القمّيّ قال تتحوّل النطفة من الدم فتكون أولاً دماً ثمّ

٩٦

تصير النّطفة في الدماغ في عرق يقال له الوريد وتمرّ في فقار الظّهر فلا تزال تجوز فقراً فقراً حتّى تصير في الحالبين فتصير ابيض وامّا نطفة المرأة فانّها تنزل من صدرها.

(٤٧) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى الأحياء بعد الموت وفاء بعهده.

(٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى وأعطى القنية وهي ممّا يتأصّل من الأموال.

في المعاني والقمّيّ عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام في هذه الآية قال : أغنى كلّ إنسان بمعيشته وأرضاه بكسب يده.

(٤٩) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى القمّيّ قال نجم في السماء يسمّى الشّعرى كانت قريش وقوم من العرب يعبدونه وهو نجم يطلع في آخر اللّيل.

(٥٠) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى.

(٥١) وَثَمُودَ وقرئ بغير تنوين فَما أَبْقى الفريقين.

(٥٢) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ من قبل عاد وثمود إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى من الفريقين لأنّهم كانوا يؤذون نوحاً وينفرون عنه ويضربونه حتّى لا يكون به حراك.

(٥٣) وَالْمُؤْتَفِكَةَ والقرى الّتي ائتفكت بأهلها اي انقلبت وهي قرى قوم لوط أَهْوى بعد ان رفعها وقلّبها.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : هم أهل البصرة هي المؤتفكة والقمّيّ قال المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة يا جند المرأة واتباع البهيمة رغا فأجبتم وعقر فهربتم ماؤكم زعاق وأحلامكم رقاق وفيكم ختم النّفاق ولعنتم على لسان سبعين نبيّاً انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبرني انّ جبرئيل أخبره انّه طوى له الأرض فرأى البصرة اقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء فيها تسعة أعشار الشرّ والدّاء العضال المقيم فيها مذنب والخارج منها برحمة وقد ائتفكت بأهلها مرّتين وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة.

٩٧

(٥٤) فَغَشَّاها ما غَشَّى فيه تهويل وتعميم لما أصابهم.

(٥٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى تتشكّك والخطاب لكلّ احد.

في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام : والشكّ على أربع شعب على المرية والهوى والتردّد والاستسلام وهو قول الله تعالى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى قيل المعدودات وان كانت نعماً ونقماً سمّاها آلاء من قبل لما في نقمه من العبر والمواعظ للمعنبرين والانتقام للأنبياء والمؤمنين والقمّيّ أي بأيّ سلطان تخاصم.

(٥٦) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عنها فقال إنّ الله تعالى لمّا ذرأ الخلق في الذرّ الأوّل أقامهم صفوفاً قدامه وبعث الله محمّداً صلّى الله عليه وآله حيث دعاهم فآمن به قوم وأنكره قوم فقال الله عزّ وجلّ هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى يعني محمّداً حيث دعاهم إلى الله عزّ وجلّ في الذرّ الأول وفي البصائر مثله.

(٥٧) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ القمّيّ قال يعني قربت القيامة.

(٥٨) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ ليس لها نفس قادرة على كشفها إلّا الله.

(٥٩) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : يعني بالحديث ما تقدّم من الأخبار تَعْجَبُونَ إنكارا.

(٦٠) وَتَضْحَكُونَ استهزاء وَلا تَبْكُونَ تحزّناً على ما فرّطتم.

(٦١) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ القمّيّ أي لا هون وقيل مستكبرُون.

(٦٢) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا أي واعبدوه دون الآلهة.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من كان يدمن قراءة والنّجم في كلّ يوم أو في كلّ ليلة عاش محموداً بين النّاس وكان مغفوراً له وكان محبوباً بين النّاس إن شاء الله.

٩٨

سُورة القَمر

مكيّة وهي خمس وخمسُون آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ القمّيّ قال اقتربت القيامة فلا يكون بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله الّا القيامة وقد انقضت النبوّة والرسالة قال وروي أيضاً قال : خروج القائم عليه السلام وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.

في المجمع عن ابن عبّاس : اجتمع المشركون الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا ان كنت صادقاً فشقّ لنا القمر فرقتين فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله ان فعلت تؤمنون قالوا نعم وكانت ليلة بدر فسأل ربّه أن يعطيه ما قالوا فانشقّ القمر فرقتين ورسول الله صلّى الله عليه وآله ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا وعن جبير بن مطعم : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل فقال ناس سحرنا محمّد صلّى الله عليه وآله فقال رجل ان كان سحركم فلم يسحر الناس كلّهم.

ورواه القمّيّ عن الصادق عليه السلام : بنحو آخر. وفيه ما فيه قال في المجمع وانّما ذكر سبحانه اقتراب الساعة مع انشقاق القمر لأنّ انشقاقه من علامة نبوّة نبيّنا ونبوّته وزمانه من آيات اقتراب الساعة.

(٢) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ مطّرد والقمّيّ أي صحيح وقيل محكم من المرّة يقال أمررته فاستمرّ إذا أحكمته فاستحكم.

(٣) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وهو ما زيّن لهم الشيطان من ردّ الحقّ بعد ظهوره

٩٩

القمّيّ أي كانوا يعملون برأيهم ويكذّبون أنبيائهم وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ منتهٍ الى غاية.

(٤) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ أي متّعظ من تعذيب أو وعيد.

(٥) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ غايتها لا خلل فيها فَما تُغْنِ النُّذُرُ نفي أو استفهام إنكار.

(٦) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ لعلمك انّ الانذار لا ينجع فيهم يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ فظيع تنكره النفوس لأنّها لم تعهد مثله القمّيّ قال الإمام عليه السلام : إذا خرج يدعوهم الى ما ينكرون وقيل هو هول يوم القيامة ويأتي ما يؤيّده وقرئ نكر بالتخفيف

(٧) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ أي يخرجون من قبورهم خاشعة ذليلةً أبصارهم من الهول كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ في الكثرة والتموّج والانتشار في الامكنة.

(٨) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ مسرعين مادي أعناقهم إليه أو ناظرين إليه القمّيّ إذا رجع فيقول ارجعوا يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ صعب.

في الكافي عن السجّاد عن أبيه عن أمير المؤمنين عليهم السلام في حديث يوم القيامة قال : فيشرف الجبّار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة فيأمر ملكاً من الملائكة فينادي فيهم يا معشر الخلائق انصتوا واسمعوا منادي الجبّار قال فيسمع آخرهم كما يسمع اوّلهم قال فتنكسر أصواتهم عند ذلك وتخشع أبصارهم وتضطرب فرائصهم وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم الى ناحية الصوت مهطعين الى الدّاع قال فعند ذلك يقول الكافر هذا يَوْمٌ عَسِرٌ.

(٩) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قبل قومك قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحاً وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ وزجر عن التبليغ بأنواع الاذيّة القمّيّ أي اذوه وأرادوا رجمه.

(١٠) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فانتقم لي منهم وذلك بعد يأسه منهم.

في الكافي عن الباقر عليه السلام قال : لبث فيهم نوح ألف سنة الّا خمسين عاماً يدعوهم سرّاً وعلانية فلمّا أبوا عتوا قال ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ.

١٠٠