تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ان يرى دلائله فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي أمهلتني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ في الفقيه : وسئل عن قول الله فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ قال أصدق من الصدقة وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال : الصلاح هنا الحجّ.

(١١) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : انّ عند الله كتباً موقوفة يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شيء يكون إلى مثلها فذلك قوله وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها إذا أنزله الله وكتبه كتاب السماوات وهو الذي لا يؤخره وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ وقرئ بالياء وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة

١٨١

سُورة التغابن

مدنية وقال ابن عبّاس مكّية غير ثلاث آيات من آخرها

عدد آيها ثماني عشرة آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

(٢) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ.

في الكافي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال عرف الله ايمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذرّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

(٣) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ حيث زيّنكم بصفوة أوصاف الكائنات وخصّكم بخلاصته خصائص المبدعات وجعلكم أنموذج جميع المخلوقات وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ فأحسنوا سرائركم حتّى لا يمسح بالعذاب ظواهركم.

(٤) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فلا يخفى عليه شيء.

(٥) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ كقوم نوح وهود وصالح فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ضرر كفرهم في الدنيا وأصل الوبال الثقل وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.

(٦) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا أنكروا

١٨٢

وتعجّبوا أن يكون الرسل بشر والبشر يطلق على الواحد والجمع فَكَفَرُوا بالرسل وَتَوَلَّوْا عن التدبّر في البيّنات وَاسْتَغْنَى اللهُ عن كلّ شيء فضلاً عن طاعتهم وَاللهُ غَنِيٌ عن عبادتهم وغيرها حَمِيدٌ يحمده كلّ شيء بلسان حاله.

(٧) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى تبعثون وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ بالمحاسبة والمجازاة وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ.

(٨) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ محمّد صلّى الله عليه وآله وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا قيل يعني القرآن والقمّيّ : النُّورِ أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام : الإمامة هي النور وذلك قوله تعالى فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا قال النور هو الإمام.

وعن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال النُّورِ والله الأئمّة لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشّمس المضيئة بالنّهار وهم الذين ينوّرون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فيظلم قلوبهم ويغشيهم بها والقمّيّ : ما في معناه مع زيادة وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

(٩) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ وقرئ بالنّون لِيَوْمِ الْجَمْعِ لأجل ما فيه من الحساب والجزاء والجمع جمع الأوّلين والآخرين ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ يغبن فيه بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في تفسيره قال : ما من عبد مؤمن يدخل الجنّة الّا أرِيَ مقعده من النّار لو أساء ليزداد شكراً وما من عبد يدخل النار الا ارِيَ مقعده من الجنّة لو أحسن ليزداد حسرة.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : يوم يغبن أهل الجنّة أهل النار وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وقرئ بالنّون فيهما ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

(١٠) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ

١٨٣

الْمَصِيرُ الآيتان بيان للتغابن وتفضيل له.

(١١) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ الّا بتقديره ومشيئته وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ القمّيّ أي يصدّق الله في قلبه فإذا بيّن الله له اختار الهدى ويزيده الله كما قال وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : انّ القلب ليترجّح فيما بين الصدر والحنجرة حتّى يعقد على الإيمان فإذا عقد على الإيمان قرّ وذلك قول الله عزّ وجلّ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ حتّى القلوب وأحوالها.

(١٢) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فلا بأس عليه فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وقد بلّغ.

(١٣) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ لأنّ الإيمان بالتوحيد يقتضي ذلك.

(١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ يشغلكم عن طاعة الله ويخاصمكم في أمر الدين أو الدنيا فَاحْذَرُوهُمْ ولا تأمنوا غوائلهم وَإِنْ تَعْفُوا عن ذنوبهم بترك المعاقبة وَتَصْفَحُوا بالاعراض وترك التثريب عليها وَتَغْفِرُوا باخفائها وتمهيد معذرتهم فيها فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعاملكم بمثل ما عاملتم ويتفضّل عليكم.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام في هذه الآية : انّ الرجل كان إذا أراد الهجرة الى رسول الله صلّى الله عليه وآله تعلّق به ابنه وامرأته وقالوا ننشدك الله ان تذهب عنّا وتدعنا فنضيع بعدك فمنهم من يطيع اهله فيقيم فحذرهم الله أبنائهم ونساءهم ونهاهم عن طاعتهم ومنهم من يمضي ويذرهم ويقول اما والله لئن لم تهاجروا معي ثمّ يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبداً فلمّا جمع الله بينه وبينهم أمره الله ان يحسن إليهم ويصلهم فقال وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

١٨٤

(١٥) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ اختبار لكم وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ لمن آثر محبّة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسّعي لهم.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه كان يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله إليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر وقال صدق الله عزّ وجلّ إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما ثمّ أخذ في خطبته وفي نهج البلاغة : لا يقولنّ أحدكم اللهم إنّي أعوذ بك من الفتنة لأنّه ليس أحد الّا وهو مشتمل على فتنة ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن فانّ الله سبحانه يقول وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ.

(١٦) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم وَاسْمَعُوا مواعظه وَأَطِيعُوا أوامره وَأَنْفِقُوا في وجوه الخير خالصاً لوجهه خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ انفاقاً خيراً لأنفسكم أو أتوا خيراً أو يكن الإنفاق خيراً وهو تأكيد للحث على الامتثال وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سبق تفسيره.

(١٧) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ بصرف المال فيما أمره قَرْضاً حَسَناً مقروناً بإخلاص وطيب نفس يُضاعِفْهُ لَكُمْ يجعل لكم بالواحد عشراً الى سبع مائة وأكثر وقرئ يضعّفه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ببركة الإنفاق وَاللهُ شَكُورٌ يعطي الجزيل بالقليل حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة.

(١٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ لا يخفى عليه شيء الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تامّ القدرة والعلم.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة التغابن في فريضة كانت شفيعة له يوم القيامة وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها ثمّ لا تفارقه حتّى يدخل الجنّة.

١٨٥

سورة الطلاق

وتسمّى سورة النساء القصرى مدنية بالإجماع عدد آيها اثنتا عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يا أَيُّهَا النَّبِيُ القمّيّ المخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وآله والمعنى للنّاس إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ وقت عدّتهن وهو الطهر القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : العدّة الطّهر من المحيض.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والسجّاد والصادق عليهما السلام : طلقوهن في قبل عدّتهنّ.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا أراد الرجل الطلاق طلّقها من قبل عدّتها بغير جماع.

وعن الباقر عليه السلام : انّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها أنت طالق أو اعتدّي يريد بذلك الطلاق ويشهد على ذلك رجلين عدلين وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ اضبطوها واكملوها ثلاثة قروء وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ في تطويل العدّة والإضرار بهنّ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ من مساكنهنّ وقت الفراق حتّى تنقضي عدّتهنّ وَلا يَخْرُجْنَ.

في الكافي عن الكاظم عليه السلام : انّما عني بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تخرج حتّى تطلق الثالثة فإذا طلّقت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها والمرأة التي يطلّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتّى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتّى تنقضي عدّتها إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.

١٨٦

في الفقيه عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عنه فقال الّا ان تزني فتخرج ويقام عليها الحدّ.

وفي الكافي عن الرضا عليه السلام قال : أذاها لأهل الرجل وسوء خلقها.

وعنه عليه السلام : يعني بالفاحشة المبيّنة ان تؤذي أهل زوجها فإذا فعلت فان شاء ان يخرجها من قبل أن تنقضي عدّتها فعل.

وفي المجمع عنه وعن الباقر والصادق عليهم السلام : ما في معناه والقمّيّ معنى الفاحشة ان تزني أو تشرف على الرجال ومن الفاحشة السّلاطة على زوجها فان فعلت شيئاً من ذلك حلّ له ان يخرجها.

وفي الإكمال عن صاحب الزمان عليه السلام : الفاحشة المبيّنة السّحق دون الزنى الحديث وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بأن عرضها للعقاب لا تَدْرِي أي النفس لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً وهي الرغبة في المطلّقة برجعة أو استيناف القمّيّ قال لعلّه ان يبدو لزوجها في الطلاق فيراجعها.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : أحبّ للرجل الفقيه إذا أراد أن يطلّق امرأته ان يطلّقها طلاق السنّة ثم قال : وهو الذي قال الله عزّ وجلّ لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً يعني بعد الطلاق وانقضاء العدّة التزويج بها من قبل أن تزوّج زوجاً غيره.

وعن الصادق عليه السلام : المطلّقة تكتحل وتختضب وتطيب وتلبس ما شاءت من الثياب لأنّ الله عزّ وجلّ يقول لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً لعلّها ان تقع في نفسه فيراجعها.

(٢) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ شارفن آخر عدّتهنّ فَأَمْسِكُوهُنَ راجعوهنّ بِمَعْرُوفٍ بحسن عشرة وانفاق مناسب أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ بإيفاء الحقّ والتمتيع واتّقاء الضّرار وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ على الطلاق القمّيّ معطوف على قوله إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ.

في الكافي عن الكاظم عليه السلام قال : لأبي يوسف القاضي انّ الله تبارك

١٨٧

وتعالى أمر في كتابه بالطلاق وأكد فيه بشاهدين ولم يرض بهما الّا عدلين وامر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود فأثبتم شاهدين فيما أهمل وأبطلتم الشاهدين فيما أكّد وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ أيّها الشهود عند الحاجة لِلَّهِ خالصاً لوجهه ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.

(٣) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : في دنياه.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه قرأها فقال مَخْرَجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت وشدائد يوم القيامة.

وعنه عليه السلام : انّي لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ الآية فما زال يقولها ويعيدها وفي نهج البلاغة : مَخْرَجاً من الفتن ونوراً من الظلم.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أي يبارك له فيما أتاه.

وفي الفقيه عنه عن آبائه عن عليّ عليهم السلام : من أتاه الله برزق لم يخطّ إليه برجله ولم يَمُدَّ إليه يده ولم يتكلّم فيه بلسانه ولم يشدّ إليه ثيابه ولم يتعرّض له كان ممّن ذكره الله عزّ وجلّ في كتابه وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ الآية.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : انّ قوماً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا نزلت هذه الآية أغلقوا الأبواب واقبلوا على العبادة وقالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله فأرسل إليهم فقال ما حملكم على ما صنعتم فقالوا يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة فقال إنّه من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطّلب.

وعنه عليه السلام : هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحمّلون به إلينا فيستمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويَتعبون أبدانهم حتّى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلوه إليهم فيعيه هؤلاء ويضيّعه هؤلاء فاولئك الّذين يجعل الله عزّ وجلّ لهم مخرجاً ويرزقهم من حيث لا يحتسبون وَمَنْ

١٨٨

يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ كافيه إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد وقرئ بالإضافة قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً تقديراً أو مقداراً لا يتغيّر وهو بيان لوجوب التوكّل وتقرير لما تقدّم من الأحكام وتمهيد لما سيأتي من المقادير.

في الكافي عن الكاظم عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال للتوكّل على الله درجات منها ان تتوكّل على الله في أمورك كلّها فما فعل بك كنت عنه راضياً تعلم أنّه لا يألوك خيراً وفضلاً وتعلم انّ في ذلك له فتوكّل على الله بتفويض ذلك إليه وثق به فيها وفي غيرها وفي المعاني مرفوعاً جاء جبرائيل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال له يا جبرئيل ما التوكّل على الله فقال العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع واستعمال اليأس من الخلق فإذا كان العبد كذلك لم يعتمد الى أحد سوى الله ولم يرج ولم يخف سوى الله ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكّل.

(٤) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ فلا يحضن إِنِ ارْتَبْتُمْ شككتم في امرهنّ أي جهلتم فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهنّ أم لعارض.

في المجمع عن أئمّتنا عليهم السلام : هنّ اللّواتي امثالهنّ يحضن لأنّهن لو كنّ في سنّ من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ روي : أنّه لمّا نزلت وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ قيل فما عدّة اللائي لم يحضن فنزلت وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أي واللّائي لم يحضن بعد كذلك وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ.

في المجمع عنهم عليهم السلام : هي في الطلاق خاصّة.

أقول : يعني دون الموت فانّ عدّتهنّ فيه أبعد الأجلين.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : سئل عن رجل طلق امرأته وهي حُبلى وكان في بطنها اثنان فوضعت واحداً وبقي واحد وقال تبين بالأوّل ولا تحل للأزواج حتّى تضع ما في بطنها.

١٨٩

وعنه عليه السلام : سئل عن الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوّج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشر فقال ان كان دخل بها فرق بينهما ثمّ لم تحلّ له أبداً واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل واستقبلت عدّة أخرى من الأخير ثلاثة قروء وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل وهو خاطب من الخطّاب وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ في أحكامه فيراعي حقوقها يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يسهّل عليه أمره ويوفّقه للخير.

(٥) ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من الأحكام أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ في أمره يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ فانّ الحسنات يذهبن السيئات وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بالمضاعفة.

(٦) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ أي مكاناً من سكناكم مِنْ وُجْدِكُمْ من وسعكم وَلا تُضآرُّوهُنَ في السّكنى لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ فتلجئوهن الى الخروج.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : لا يضارّ الرجل امرأته إذا طلّقها فيضيّق عليها حتّى تنتقل قبل أن تنقضي عدّتها فانّ الله قد نهى عن ذلك ثمّ تلا هذه الآية وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ فيخرجن من العدّة القمّيّ قال المطلّقة التي للزوج عليها رجعة لها عليه سكنى ونفقة ما دامت في العدّة فان كانت حاملاً ينفق عليها حتّى تضع حملها.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : انّ المطلّقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها انّما هي التي لزوجها عليها رجعة.

وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن المطلّقة ثلاثاً ألها النفقة والسّكنى؟ قال أحُبلى هي قيل لا قال فلا وفي معناه أخبار أخرى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ بعد انقطاع علقة النّكاح فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ على الإرضاع وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وليأتمر بعضكم بعضاً بجميل في الإرضاع والأجر وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ تضايقتم فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى امرأة أخرى وفيه معاتبة للأمّ على المعاسرة.

(٧) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ أي فلينفق كلّ من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها الّا وسعها وفيه

١٩٠

تطييب لقلب المعسر سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً أي عاجلاً وآجلاً وهذا الحكم يجري في كلّ انفاق.

ففي الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن الرجل الموسر يتّخذ الثياب الكثيرة الجياد والطّيالسة والقمص الكثيرة يصون بعضها بعضاً يتجمّل بها يكون مسرفاً قال لا لأنّ الله يقول لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ.

وفيه والقمّيّ عنه عليه السلام : في قوله وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ قال ان أنفق الرّجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع كسوة والّا فرّق بينهما.

(٨) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ اهل قرية عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ أعرضت عنه اعراض العاتي فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً بالاستقصاء والمناقشة وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً منكراً أو المراد امّا حساب الآخرة وعذابها وانّما عبّر بالماضي لتحقّقه وامّا استقصاء ذنوبهم وما أصيبوا به عاجلاً.

(٩) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها عقوبة كفرها ومعاصيها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً لا ربح فيها اصلاً.

(١٠) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً.

(١١) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ.

في العيون عن الرضا عليه السلام : في قوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ* انّ الذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله ونحن اهله قال وذلك بيّن في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول في سورة الطلاق فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ من الضلالة إلى الهدى وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وقرئ ندخله بالنّون قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً.

١٩١

(١٢) اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ في العدد يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ يجري أمر الله وقضاؤه بينهنّ وينفذ حكمه فيهنّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً علّة لخلق أو يتنزّل أو ما يعمّهما فانّ كلًّا من الأمرين يدلّ على كمال قدرته وعلمه.

القمّيّ عن الرضا عليه السلام : أنّه سئل عن قول الله تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ فقال هي محبوكة إلى الأرض وشبك بين أصابعه ثمّ بيّن كيفيّة خلق السماوات السّبع والأرضين السّبع واشتباكهما وانّ السماء الدنيا فوق هذه الأرض قبّة عليها وانّ الأرض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبّة وهكذا الى السابعة منهما ثمّ قال وهو قول الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ قال فامّا صاحب الأمر فهو رسول الله صلّى الله عليه وآله والوصيّ بعده قائم على وجه الأرض وانّما يتنزّل الأمر إليه من فوق السماء بين السماوات والأرضين وقد مضى تمام الحديث على وجهه في سورة الذّاريات.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الطلاق والتحريم في فريضته أعاذه الله من أن يكون يوم القيامة ممن يخاف أو يحزن وعوفي من النار وأدخله الله الجنّة بتلاوته ايّاهما ومحافظته عليهما لأنّهما للنبيّ صلّى الله عليه وآله.

١٩٢

سُورة التَّحريم

مدنيّة عدد آيها اثنتا عشرة آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : اطّلعت عائشة وحفصة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو مع مارية فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله والله ما أقربها بعد فأمره الله ان يكفّر عن يمينه وروي : أنّه خلا بمارية في يوم حفصة أو عائشة فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرّم مارية فنزلت وقيل : شرب عسلاً عند حفصة فواطأت عائشة وسودة وصفيّة فقلن له انّا نتبسّم منك ريح المغافير فحرّم العسل فنزلت ويأتي تمام الكلام فيه.

(٢) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ قد شرّع لكم تحليلها وهو حلّ ما عقدته بالكفارة وَاللهُ مَوْلاكُمْ متولي أموركم وَهُوَ الْعَلِيمُ بما يصلحكم الْحَكِيمُ المتقن في أفعاله وأحكامه.

(٣) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ أخبرت به وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ وأطلع الله النبيّ على الحديث اي على إفشائه عَرَّفَ بَعْضَهُ عرّف الرسول بعض ما فعلت وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ عن اعلام بعض تكرّماً وقرئ بالتخفيف في المجمع واختار التخفيف أبو بكر بن أبي عيّاش وهو من الحروف العشرة التي قال إنّي أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة عليّ بن أبي طالب عليه السلام حتّى استخلصت

١٩٣

قراءته يعني قراءة عليّ عليه السلام فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ القمّيّ : كان سبب نزولها انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان في بعض بيوت نسائه وكانت مارية القبطية تكون معه تخدمه وكان ذات يوم في بيت حفصة فذهبت حفصة في حاجة لها فتناول رسول الله صلّى الله عليه وآله مارية فعلمت حفصة بذلك فغضبت وأقبلت على رسول الله فقالت يا رسول الله في يومي وفي داري وعلى فراشي فاستحيى رسول الله صلّى الله عليه وآله منها فقال كفى فقد حرّمت مارية على نفسي ولا أطأها بعد هذا أبداً وانا افضي إليك سرّاً ان أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين فقالت نعم ما هو فقال إنّ أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثمّ بعده أبوك قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فأخبرت حفصة به عائشة من يومها ذلك وأخبرت عائشة أبا بكر فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له إنّ عائشة أخبرتني عن حفصة بشيء ولا أثق بقولها فاسأل أنت حفصة فجاء عمر الى حفصة فقال ما هذا الذي أخبرت عنك عائشة فأنكرت ذلك وقالت ما قلت لها من ذلك شيئاً فقال لها عمر انّ هذا حقّ فأخبرينا حتّى نتقدّم فيه فقالت نعم قد قال رسول الله فاجتمعوا أربعة على ان يسمّوا رسول الله صلّى الله عليه وآله فنزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله بهذه السورة قال وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ يعني أظهره الله على ما أخبرت به وما همّوا به من قتله عَرَّفَ بَعْضَهُ أى خبرها وقال لم أخبرت بما أخبرتك وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ قال لم يخبرهم بما يعلم ممّا همّوا به من قتله وفي المجمع : قيل انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله خلا في بعض يوم لعائشة مع جاريته أمّ إبراهيم مارية القبطيّة فوقفت حفصة على ذلك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لا تعلمي عائشة ذلك وحرّم مارية على نفسه فأعلمت حفصة عائشة الخبر واستكتمتها إيّاه فأطّلع الله نبيّه على ذلك وهو قوله وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً يعني حفصة ولمّا حرّم مارية القبطيّة اخبر حفصة انه يملك من بعده أبو بكر وعمر فعرفها بعض ما افشت من الخبر وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ انّ أبا بكر وعمر يملكان بعدي قال وقريب من ذلك ما رواه العيّاشي عن أبي جعفر عليه السلام الّا انّه زاد في ذلك : أنّ كلّ واحدة منهما حدّثت أباها بذلك فعاتبهما في أمر مارية وما أفشتا عليه من ذلك واعرض عن ان يعاتبهما في الأمر الآخر.

١٩٤

(٤) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة الرسول بحبّ ما يحبّه وكراهة ما يكرهه وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ وَان تتظاهرا عليه بما يسوؤه وقرئ بالتخفيف.

في المجمع والأمالي عن ابن عبّاس : انّه سأل عمر بن الخطّاب من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال عائشة وحفصة.

وفي الجوامع عن الكاظم عليه السلام : انّه قرأ وان تظاهروا عليه.

أقولُ : كأنّه أشرك معهما أبويهما فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ فلن يعدم من يظاهره فانّ الله ناصره وجبرئيل رئيس الكرّوبيّين قرينه وعليّ بن أبي طالب أخوه ووزيره ونفسه وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ مظاهرون.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وفي المجمع عنه عليه السلام قال : لقد عرّف رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً أصحابه مرّتين امّا مرّة فحيث قال من كنت مولاه فعليّ مولاه وامّا الثانية فحيث ما نزلت هذه الآية فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله بيد عليّ عليه السلام وقال يا أيّها الناس هذا صالح المؤمنين وقالت أسماء بنت عميس النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

قال ووردت الرواية من طريق العام والخاص انّ : المراد بصالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

(٥) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ وقرئ بالتخفيف أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ صائمات ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً وسط العاطف بينهما لتنافيهما ولأنّهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيّبات والأبكار.

١٩٥

(٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ بترك المعاصي وفعل الطاعات وَأَهْلِيكُمْ بالنصح والتأديب ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ تلي أمرها وهم الزّبانية غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : لمّا نزلت هذه الآية جلس رجل من المسلمين يبكي وقال عجزت عن نفسي كلّفت أهلي فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله حسبك ان تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك.

والقمّيّ عنه عليه السلام : قيل له هذه نفسي أقيها فكيف أقي أهلي قال تأمرهم بما أمرهم الله به وتنهاهم عمّا نهاهم الله عنه فان أطاعوك كنت قد وقيتهم وان عصوك كنت قد قضيت ما عليك.

وفي الكافي : ما يقرب منه.

(٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النّار والنّهي عن الاعتذار لأنّه لا عذر لهم أو العذر لا ينفعهم.

(٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً بالغة في النصح وهو صفة التائب فانّه ينصح نفسه بالتوبة وصفت به على الاسناد المجازيّ مبالغة وقرئ بضمّ النون وهو المصدر.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال يتوب العبد من الذنب ثمّ لا يعود فيه وفي رواية : قيل له وايّنا لم يعد فقال إنّ الله يحبّ من عباده المفتن التوّاب.

والقمّيّ عن الكاظم عليه السلام في هذه الآية قال : يتوب العبد ثمّ لا يرجع فيه وأحبّ عباد الله إلى الله المفتن التائب.

وفي الكافي عنه عليه السلام : ما في معناه.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : التوبة النصوح أن يكون باطن الرجل كظاهره وأفضل.

١٩٦

وفي الكافي عنه عليه السلام : إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة قيل وكيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ويوحي الى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه ويوحي الى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب فيلقى الله حين يلقاه وليس يشهد عليه بشيء من الذنوب عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قيل ذكر بصيغة الاطماع جرياً على عادة الملوك واشعاراً بأنّه تفضّل والتوبة غير موجب وانّ العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : يسعى أئمّة المؤمنين يوم القيامة بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتّى ينزلوهم منازلهم في الجنّة والقمّيّ عنه عليه السلام : ما يقرب منه.

وعن الباقر عليه السلام : فمن كان له نور يومئذ نجا وكلّ مؤمن له نور يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

(٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : انّه قرأ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالمنافقين قال إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يقاتل منافقاً قطّ انّما كان يتألّفهم.

والقمّيّ عنه عليه السلام في قوله جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ قال : هكذا نزلت فجاهد رسول الله صلّى الله عليه وآله الكفّار وجاهد عليّ عليه السلام المنافقين فجاهد عليّ عليه السلام جهاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد سبق تمام بيانه في سورة التوبة وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

(١٠) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما بالنفاق والتظاهر على الرسولين مثل الله حال الكفّار والمنافقين في أنّهم يعاقبون بكفرهم ونفاقهم ولا يحابون بما بينهم وبين النبيّ

١٩٧

صلّى الله عليه وآله والمؤمنين من النّسبة والمواصلة بحال امرأة نوح وامرأة لوط وفيه تعريض بعائشة وحفصة في خيانتهما رسول الله صلّى الله عليه وآله بإفشاء سرّه ونفاقهما إيّاه وتظاهرهما عليه كما فعلت امرأتا الرسولين فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً فلن يغن الرّسولان عنهما بحقّ الزواج إغناء ما وَقِيلَ لهما عند موتهما أو يوم القيامة ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء.

(١١) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ومثل حال المؤمنين في أنّ وصلة الكافرين لا تضرّهم بحال آسية ومنزلتها عند الله مع أنّها كانت تحت أعدا أعداء الله إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ من نفسه الخبيثة وعمله السيّء وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ من القبط التابعين له في الظلم.

(١٢) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها.

القمّيّ قال لم ينظر إليها فَنَفَخْنا فِيهِ في فرجها مِنْ رُوحِنا من روح خلقناه بلا توسّط أصل والقمّيّ أي روح مخلوقة وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وقرئ بكتابه وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ من المواظبين على الطاعة.

والقمّيّ من الدّاعين والتذكير للتغليب والإشعار بأنّ طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتّى عدّت من جملتهم.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الّا أربعة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله.

وفي الخصال عنه عليه السلام : أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد وفاطمة عليها السلام بنت محمّد صلّى الله عليه وآله ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.

١٩٨

وفي الفقيه : دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله على خديجة وهي لما بها فقال لها بالرّغم منّا ما نرى بك يا خديجة فإذا قدمت على ضرائرك فاقرئيهنّ السلام فقالت من هنّ يا رسول الله فقال مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى عليه السلام وآسية امرأة فرعون فقالت بالرّفاء يا رسول الله قد سبق ثواب قراءتها.

١٩٩

سُورة المُلك

وتسمّى سورة المنجية لأنّها تنجي صاحبها من عذاب القبر وتسمّى

الواقية وهي مكيّة عدد آيها احدى وثلاثون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلّها وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

(٢) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ القمّيّ قال قدّرهما ومعناه قدّر الحياة ثمّ الموت.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : انّ الله خلق الحياة قبل الموت.

وعنه عليه السلام : الحياة والموت خلقان من خلق الله فإذا جاء الموت فدخل في الإنسان لم يدخل في شيء إلّا وقد خرجت منه الحياة لِيَبْلُوَكُمْ ليعاملكم معاملة المختبر بالتكليف أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وذلك لأنّ الموت داع الى حُسن العمل وموجب لعدم الوثوق بالدنيا ولذّاتها الفانية والحياة يقتدر معها على الأعمال الصالحة الخالصة.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه سئل عن قوله أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ما عني به فقال يقول أيّكم أحسن عقلاً ثمّ قال اتمّكم عقلاً وأشدّكم لله خوفاً وأحسنكم فيما أمر الله به ونهى عنه نظراً وان كانوا اقلّكم تطوّعاً وفي رواية : أيّكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله واسرع في طاعة الله.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : ليس يعني أكثر عملاً ولكن أصوبكم عملاً وانّما الإصابة خشية الله والنيّة الصادقة. ثمّ قال الإبقاء على العمل حتّى يخلص

٢٠٠