تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

أشدّ من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله عزّ وجل والنيّة أفضل من العمل ألا وإنّ النيّة هو العمل ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ يعني نيّته.

أقولُ : لعلّ المراد بالابقاء على العمل ان لا يحدّث به إرادة الحمد من الناس حتّى يبقى خالصاً لله ولا يخفى انّه أشدّ من العمل وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل الْغَفُورُ لمن تاب منهم.

(٣) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً مطابقة.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : بعضها فوق بعض ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ من اختلاف القمّيّ قال يعني من فساد وقرئ تفوّت وهو بمعناه فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ من خلل قال يعني قد نظرت إليها مراراً فانظر إليها مرّة أخرى متأمّلاً فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها.

(٤) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ أي رجعتين اخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبّيك وسعديك والقمّيّ قال انظر في ملكوت السماوات والأرض يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً بعيداً عن اصابة المطلوب كأنّه طرد عنه طرداً بالصّغار وَهُوَ حَسِيرٌ كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة.

(٥) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أقرب السماوات إلى الأرض بِمَصابِيحَ القمّيّ قال بالنجوم وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ ترجم بها جمع رجم بالفتح بمعنى ما يرجم به قيل أريد به انقضاض الشّهب المسبّبة عنها وقيل أي رجوماً وظنوناً لشياطين الإنس وهم المنجمون وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ في الآخرة بعد الإحراق بالشّهب في الدنيا.

(٦) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ من الشياطين وغيرهم عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

(٧) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً صوتاً كصوت الحمير وَهِيَ تَفُورُ تغلي بهم غليان المرجل بما فيه.

(٨) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ تتفرّق غضباً عليهم وهو تمثيل لشدّة اشتعالها.

٢٠١

القمّيّ قال من الغيظ على اعداء الله كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ جماعة منهم سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوّفكم هذا العذاب وهو توبيخ وتبكيت.

(٩) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ أي فكذّبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتّى نفينا الانزال والإرسال رأساً وبالغنا في نسبتهم الى الضلال.

(١٠) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ كلام الرّسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتماداً على صدقهم أَوْ نَعْقِلُ فنتفكّر في حكمه ومعانيه تفكّر المستبصرين ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ في عدادهم وفي جملتهم.

(١١) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ حين لا ينفعهم فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ فأسحقهم الله سحقاً اي أبعدهم بعداً من رحمته وقرئ فسُحُقاً بضمّتين والقمّيّ قال قد سمعوا وعقلوا ولكنّهم لم يطيعوا ولم يقبلوا كما يدلّ عليه اعترافهم بذنبهم.

في الاحتجاج في خطبة الغديرية النبويّة : انّ هذه الآيات في اعداء عليّ وأولاده عليهم السلام والتي بعدها في أوليائهم.

(١٢) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ تصغر دونه لذائذ الدّنيا.

(١٣) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بالضمائر قبل أن يعبّر بها سرّاً أو جهراً.

(١٤) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ المتوصّل علمه الى ما ظهر من خلقه وما بطن وان صغر ولطف لا يغرب عنه شيء ولا يفوته روي : أنّ المشركين كانوا يتكلّمون فيما بينهم بأشياء فيخبر الله بها رسوله فيقولون أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ لئلّا يسمع اله محمّد صلّى الله عليه وآله فنبّه الله على جهلهم.

٢٠٢

(١٥) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً ليّنة يسهل لكم السلوك فيها فَامْشُوا فِي مَناكِبِها في جوانبها أو جبالها قيل هو مثل لفرط التذلّل فان منكب البعير ينبو عن ان يطأه الرّاكب ولا يتذلّل له فإذا جعل الأرض في الذلّ بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء منها لم يتذلّل وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ والتمسوا من نعم الله وَإِلَيْهِ النُّشُورُ المرجع فيسألكم عن ما أنعم عليكم.

(١٦) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ يعني الملائكة الموكّلين على تدبير هذا العالم وقرئ وأمنتم بقلب الهمزة الأولى واوا لانضمام ما قبلها وبقلب الثانية الفاً أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فيغيبكم فيها كما فعل بقارون فَإِذا هِيَ تَمُورُ تضطرب.

(١٧) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ان يمطر عليكم حصباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ.

(١٨) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري عليهم بانزال العذاب وهو تسلية للرّسول صلّى الله عليه وآله وتهديد لقومه.

(١٩) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ باسطات اجنحتهنّ في الجوّ عند طيرانها فانهنّ إذا بسطنها صففن قوادمها وَيَقْبِضْنَ ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهنّ وقتاً بعد وقت للاستعانة به على التحرك ما يُمْسِكُهُنَ في الجوّ على خلاف الطبع إِلَّا الرَّحْمنُ الواسع رحمته كلّ شيء إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف ينبغي أن يخلقه.

(٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ يعني أولم تنظروا في أمثال هذه الصنايع فتعلموا قدرتنا على تعذيبكم بنحو خسف أو إرسال حاصب أم هذا الذي تعبدونه من دون الله لكم جند ينصركم من دون الله أو يرسل عليكم عذابه فهو كقوله أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تمنعهم من دوننا وفيه إشعار بأنّهم اعتقدوا القسم الثاني إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ لا معتمد لهم.

(٢١) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بإمساك المطر وساير الأسباب

٢٠٣

المحصّلة والموصلة له إليكم بَلْ لَجُّوا تمادوا فِي عُتُوٍّ عناد وَنُفُورٍ وشراد عن الحقّ تنفر طباعهم عنه.

(٢٢) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ يعثر كلّ ساعة ويخرّ على وجهه لوعورة طريقه بحيث لا يستأهل ان يسلك أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا قائماً سالماً من العثار عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مستوى الاجزاء والجهة صالح للسّلوك والمراد تمثيل للمشرك والموحّد بالسّالكين والدّينين بالمسلكين.

في الكافي والمعاني عن الباقر عليه السلام : القلوب أربعة قلب فيه نفاق وايمان وقلب منكوس وقلب مطبوع وقلب أزهر أنور قال فامّا المطبوع فقلب المنافق وامّا الأزهر فقلب المؤمن ان أعطاه الله عزّ وجلّ شكر وان ابتلاه صبر وامّا المنكوس فقلب المشرك ثمّ قرأ هذه الآية وذكر الرّابع.

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال إنّ الله ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ عليه السلام كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّاً على صراطٍ مستقيم والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.

(٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لتسمعوا مواعظه وتنظروا الى صنايعه وتتفكّروا وتعتبروا قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ باستعمالها فيما خلقت لأجلها.

(٢٤) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ للجزاء.

(٢٥) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي الحشر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعنون النبيّ صلّى الله عليه وآله والمؤمنين.

(٢٦) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ أي علم وقته عِنْدَ اللهِ لا يطّلع عليه سواه وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ.

(٢٧) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً أي ذا قرب (١) سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بان عليها الكآبة

__________________

(١) يعني يوم بدر ، وقيل معاينة وقيل إن اللفظ ماضٍ والمراد به المستقبل.

٢٠٤

وساءتها رؤيته وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ تطلبون وتستعجلون من الدعاء.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : هذه نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه الذين عملوا ما عملوا يرون أمير المؤمنين عليه السلام في أغبط الأماكن لهم فيسيء وجوههم ويقال هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ الذي انتحلتم به اسمه وفي المجمع عنه عليه السلام : فلمّا رأوا مكان عليّ من النبيّ صلّى الله عليه وآله سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني الذين كذّبوا بفضله وعن الأعمش قال : لما رأوا ما لعليّ بن أبي طالب عند الله من الزلفى سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا القمّيّ أن قال : إذا كان يوم القيامة ونظر اعداء أمير المؤمنين عليه السلام إليه والى ما أعطاه الله من الكرامة والمنزلة الشريفة العظيمة وبيده لواء الحمد وهو على الحوض يسقي ويمنع تسودّ وجوه أعدائه فيقال لهم هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ منزلته وموضعه واسمه.

(٢٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ اماتني وَمَنْ مَعِيَ من المؤمنين أَوْ رَحِمَنا بتأخير آجالنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو بقينا وهو جواب لقولهم نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ.

(٢٩) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ الذي أدعوكم إليه مولى النّعم كلّها آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ منّا ومنكم وقرئ بالياء.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : فَسَتَعْلَمُونَ يا معشر المكذّبين حيث أنبأتكم رسالة ربّي في ولاية عليّ والأئمّة عليهم السلام مِنْ بَعْدِهِ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ كذا نزلت.

(٣٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً غائراً في الأرض بحيث لا تناله الدلاء فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ جار أو ظاهر سهل التناول القمّيّ قال أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ إمامكم غائباً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بإمام مثله.

وعن الرضا عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال ماؤُكُمْ أبوابكم الأئمّة عليهم السلام والأئمّة أبواب الله فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ أي يأتيكم بعلم الإِمام.

٢٠٥

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام : إذا غاب عنكم إمامكم فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بإمام جديد.

وفي الإكمال عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن تأويلها فقال إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فما ذا تصنعون.

وعنه عليه السلام قال : هذه نزلت في الإمام القائم عليه السلام يقول إِنْ أَصْبَحَ إمامكم غائباً عنكم لا تدرون أين هو فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بإمام ظاهر يأتيكم باخبار السماوات والأرض وحلال الله وحرامه ثمّ قال والله ما جاء تأويل هذه الآية ولا بدّ ان يجيء تأويلها.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ تبارك الذي بيده الملك في المكتوبة قبل أن ينام لم يزل في أمان الله حتّى يصبح وفي أمانه يوم القيامة حتّى يدخل الجنّة اللهم ارزقنا تلاوته.

٢٠٦

سُورَة القلم

(وتسمّى سُورة ن وهي مكّيّة وقال ابن عبّاس من أولها إلى قوله سَنَسِمُهُ عَلَى

الْخُرْطُومِ مكّي وما بعده إلى قوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ مدنيّ وما بعده إلى قوله يَكْتُبُونَ

مكيّ وما بعده مدنيّ وهي اثنتان وخمسون آية بالإجماع)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ.

في المعاني عن سفيان عن الصادق عليه السلام قال : وامّا ن فهو نهر في الجنّة قال الله عزّ وجلّ اجْمِدْ فجمد فصار مداداً ثمّ قال عزّ وجلّ للقلم اكتب فسطر الْقَلَم في اللّوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فالمداد مداد من نور والْقَلَمِ قلم من نور واللّوح لوح من نور قال سفيان فقلت له يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله بيّن لي امر اللّوح والقلم والمداد فضل بيان وعلّمني ممّا علّمك الله فقال يا ابن سعيد لو لا أنت أهل للجواب ما أجبتك فنون ملك يؤدّي الى القلم وهو ملك والقلم يؤدّي الى اللّوح وهو ملك واللّوح يؤدّي الى إسرافيل وإسرافيل يؤدّي الى ميكائيل وميكائيل يؤدّي الى جبرئيل وجبرئيل يؤدّي الى الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم قال ثمّ قال لي قم يا سفيان فلا آمن عليك.

وفي العلل عنه عليه السلام : وامّا ن فكان نهراً في الجنّة أشدّ بياضاً من الثلج وأحلى من العسل قال الله عزّ وجلّ له كن مداداً ثمّ أخذ شجرة فغرسها بيده ثمّ قال واليد القوّة وليس بحيث يذهب إليه المشبّهة ثمّ قال لها كوني قلماً ثمّ قال له اكتب فقال له يا ربّ وما اكتب قال ما هو كائن إلى يوم القيامة ففعل ذلك ثمّ ختم عليه وقال لا تنطقنّ إلى يوم الوقت المعلوم.

والقمّيّ عنه عليه السلام : أوّل ما خلق الله الْقَلَمِ فقال له اكتب فكتب ما كان وما

٢٠٧

هو كائن إلى يوم القيامة.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : ن نهر في الجنّة قال الله له كن مداداً فجمد وكان أبيض من اللبن وأحلى من الشهد ثمّ قال للقلم اكتب فكتب الْقَلَمِ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وقد مرّ حديث آخر في هذا المعنى في سورة الجاثية.

وفي الخصال عنه عليه السلام قال : انّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله عشرة اسماء خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن فمحمد واحمد وعبد الله ويس ون صلّى الله عليه وآله.

(٢) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ جواب القسم اي ما أنت بمجنون منعماً عليك بالنبوّة وحصافة الرّأي وهو جواب لقولهم يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ.

(٣) وَإِنَّ لَكَ على تحمّل أعباء الرّسالة وقيامك بمواجبها لَأَجْراً لثواباً غَيْرَ مَمْنُونٍ غير مقطوع أو غير ممنون به عليك.

(٤) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله غيرك.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّ الله عزّ وجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه فلمّا أكمل له الأدب قال إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وفي رواية : أدّب نبيّه صلّى الله عليه وآله على محبّته وفي البصائر مقطوعاً : إنّ الله أدّب نبيّه صلّى الله عليه وآله فأحسن تأديبه فقال خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ فلمّا كان ذلك أنزل الله إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول على دين عظيم.

ومثله في المعاني وعنه عليه السلام : هو الإسلام.

(٥) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ.

(٦) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ايّكم الّذي فتن بالجنون والباء مزيدة أو بأيّكم الجنون على

٢٠٨

انّ المفتون مصدراً وبأيّكم أحرى هذا الاسم أنت أم هم.

في المحاسن عن الباقر عليه السلام : قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ما من مؤمن إلّا وقد خلص ودّي الى قلبه وما خلص ودّي الى قلب أحد إلّا وقد خلص ودّ عليّ الى قلبه كذب يا عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك قال فقال رجلان من المنافقين لقد فتن رسول الله صلّى الله عليه وآله بهذا الغلام فأنزل الله تبارك وتعالى فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ قال نزلت فيهما إلى آخر الآيات وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة كان يمنع عشيرته عن الإسلام وكان موسراً وله عشر بنين فكان يقول لهم وللحمته من أسلم منكم منعته رفدي وكان دعيّاً ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده كذا في الجوامع.

(٧) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.

(٨) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ.

(٩) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ تلاينهم فيلاينوك القمّيّ قال : أي أحبّوا ان تغشّ في عليّ عليه السلام فيغشون معك.

(١٠) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ كثير الحلف مَهِينٍ حقير الرّأي.

(١١) هَمَّازٍ عيّاب طعّان مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ نقّال للحديث على وجه السّعاية.

(١٢) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع الناس عن الخير من الإيمان والإنفاق والعمل الصالح مُعْتَدٍ متجاوز في الظلم أَثِيمٍ كثير الآثام.

(١٣) عُتُلٍ جاف غليظ بَعْدَ ذلِكَ بعد ما عدّ من مثالبه زَنِيمٍ.

في المعاني عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن قوله تعالى عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ فقال العتلّ العظيم الكفر والزّنيم المستهتر بكفره.

في المجمع : سئل النبيّ صلّى الله عليه وآله عن العتلّ والزنيم فقال هو الشديد الخلق المصحاح الأكول الشّروب الواجد للطّعام والشراب الظلوم للنّاس الرّحب

٢٠٩

الجوف وعنه عليه السلام : لا يدخل الجنّة جوّاظ ولا جعظريّ ولا عتلّ زنيم قيل فما الجوّاظ قال كلّ جمّاع منّاع قيل فما الجعظريّ قال الفظّ الغليظ قيل فما العتلّ الزّنيم قال كلّ رحب الجوف سيّء الخلق أكول شروب غشوم ظلوم.

وعن عليّ عليه السلام : الزّنيم هو الذي لا أصل له والقمّيّ قال : الحلّاف الثاني حلف لرسول الله صلّى الله عليه وآله انّه لا ينكث عهداً هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ قال كان ينمّ على رسول الله صلّى الله عليه وآله ويهمز بين أصحابه مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ قال الخير أمير المؤمنين عليه السلام مُعْتَدٍ قال اي اعتدى عليه عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ قال العتلّ العظيم الكفر والزنيم الدّعيّ.

(١٤) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ لان كان متموّلاً مستظهراً بالبنين وهو امّا متعلّق بلا تطع أو بما بعده وقرئ ان كان على الاستفهام.

(١٥) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي اكاذيبهم قاله من فرط غروره.

(١٦) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ على الأنف قيل وقد أصاب انف الوليد جراحة يوم بدر فبقى اثره وقيل انّه كناية عن ان يذله غاية الاذلال كقولهم جدع انفه ورغم انفه والقمّيّ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ قال كنّى عن الثاني قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي أكاذيب الأوّلين سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ قال في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين عليه السلام ويرجع أعداؤه فيسمهم بميسم معه كما يوسم البهائم على الخراطيم الانف والشفتان.

أقولُ : وقد مضى بيانه في تفسير دَابَّةُ الْأَرْضِ في سورة النحل.

(١٧) إِنَّا بَلَوْناهُمْ اختبرنا أهل مكّة بالقحط كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ اصحاب البستان الذي كان بدون صنعاء.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : انّ أهل مكّة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنّة وهي جنّة كانت في الدنيا وكانت باليمن يقال له الرضوان على تسعة أميال من صنعاء إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ ليقطعنّها وقت الصباح.

٢١٠

(١٨) وَلا يَسْتَثْنُونَ ولا يقولون إن شاء الله وانّما سمّي استثناء لما فيه من الإخراج.

(١٩) فَطافَ عَلَيْها على الجنّة طائِفٌ بلاء طائف مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ.

(٢٠) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ قيل كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء أو كالليل المظلم باحتراقها واسودادها أو كالنّهار بابيضاضها من فرط اليبس والصّريمان اللّيل والنهار لانصرام أحدهما من الآخر.

(٢١) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ.

(٢٢) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ اخرجوا إليه غدوة ضمن معنى الإقبال أو الاستيلاء فعدّى بعلى إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ قاطعين له.

(٢٣) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ يتسارّون فيما بينهم.

(٢٤) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ.

(٢٥) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ على نكد قادرين لا غير مكان قدرتهم على الانتفاع يعني أنّهم عزموا ان يتنكّدوا على المساكين فتنكّد عليهم بحيث لم يقدروا فيها الّا على النّكد والحرمان.

(٢٦) فَلَمَّا رَأَوْها أول ما رأوها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ اخطأنا طريق جنّتنا وما هي بها.

(٢٧) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي بعد ما تأمّلوا وعرفوا انّها هي قالوا نحن حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا.

(٢٨) قالَ أَوْسَطُهُمْ خيرهم أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ لو لا تذكرون الله وتشكرونه بأداء حقّه وتتوبون إليه من حيث نيّتكم.

(٢٩) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ.

(٣٠) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ يلوم بعضهم بعضاً فانّ منهم من

٢١١

أشار بذلك ومنهم من استصوبه ومنهم من سكت راضياً ومنهم من أنكره.

(٣١) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ متجاوزين حدود الله.

(٣٢) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة وقد روي انّهم ابدلوا خيراً منها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ راجون العفو طالبون الخير.

في الكافي عن الباقر عليه السلام قال : انّ الرجل ليذنب الذنب ويدرأ عليه الرّزق وتلا هذه الآية إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها إلى قوله وَهُمْ نائِمُونَ.

والقمّيّ عن ابن عبّاس : انّه قيل له انّ قوماً من هذه الأمّة يزعمون انّ العبد قد يذنب الذنب فيحرم به الرّزق فقال ابن عبّاس فو الّذي لا إله غيره لهذا نور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكر الله في سورة ن والقلم انّ شيخاً كانت له جنّة وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا الى منزله حتّى يعطي كلّ ذي حقّ حقّه فلمّا قبض الشيخ ورثه بنوه وكان له خمس من البنين فحملت جنّته في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملاً لم يكن حملت قبل ذلك فراحوا الفتية الى جنّتهم بعد صلاة العصر فاشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم فلمّا نظروا الى الفضل طغوا وبغوا وقال بعضهم لبعض انّ أبانا كان شيخاً كبيراً قد ذهب عقله وخرف فهلمّوا فلنتعاقد عهداً فيما بيننا ان لا نعطي أحداً من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئاً حتّى نستغني وتكثر أموالنا ثمّ نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة فرضي بذلك أربعة وسخط الخامس وهو الذي قال الله قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ فقيل يا ابن عبّاس كان أوسطهم في السنّ فقال لا بل كان أصغر القوم سنّاً وكان أكبرهم عقلاً وأوسط القوم خير القوم قال الله وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فقال لهم أوسطهم اتّقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا فبطشوا به فضربوه ضرباً مبرماً فلمّا أيقن الأخ انّهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارهاً لأمرهم غير طائع فراحوا الى منازلهم ثمّ حلفوا بالله ان يصرموا إذا أصبحوا ولم يقولوا إن شاء الله فابتلاهم الله بذلك الذنب وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه فأخبر عنهم في الكتاب وقال إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ

٢١٢

عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ قال كالمحترق فقيل لابن عبّاس ما الصّريم قال اللّيل المظلم ثمّ قال لا ضوء به ولا نور فلمّا أصبح القوم فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ قال فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ قيل وما التخافت يا ابن عبّاس قال يتسارّون يسارّ بعضهم بعضاً لكيلا يسمع أحد غيرهم فقالوا أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ وفي أنفسهم ان يصرموها ولا يعلمون ما قد حلّ بهم من سطوات الله ونقمته فَلَمَّا رَأَوْها وعاينوا ما قد حلّ بهم قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئاً.

(٣٣) كَذلِكَ الْعَذابُ مثل ما بلونا به أهل مكّة وأصحاب الجنّة العذاب في الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ أعظم منه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ لاحترزوا عمّا يؤدّيهم إلى العذاب.

(٣٤) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ جنّات ليس فيها الّا التنعّم الخالص.

(٣٥) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ إنكار لقولهم ان صحّ انّا نبعث كما يزعم محمّد صلّى الله عليه وآله ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالاً منهم كما نحن عليه في الدنيا.

(٣٦) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ التفات فيه تعجيب من حكمهم واستبعاد له وإشعار بأنّه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي.

(٣٧) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ من السماء فِيهِ تَدْرُسُونَ تقرءون.

(٣٨) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ انّ لكم ما تختارونه وتشتهونه يقال تخيّر الشيء واختاره أخذ خيره وكسر ان لمكان اللّام ويحتمل الاستيناف.

(٣٩) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا عهود مؤكّدة بالأيمان بالِغَةٌ متناهية في التوكيد إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا يخرج عن عهدته حتّى نحكمكم في ذلك

٢١٣

اليوم إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ جواب القسم المضمّن في أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ.

(٤٠) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ بذلك الحكم كفيل يدعيه ويصحّحه.

(٤١) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ يجعلونهم في الآخرة مثل المؤمنين أو يشاركونهم في هذا القول فهم يقلّدونهم إذ لا أقلّ من التقليد فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ في دعواهم.

(٤٢) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ.

(٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يوم يشتدّ الامر ويصعب الخطب وكشف السّاق مثل في ذلك وأصله تشمير المحذورات عن سوقهنّ في الهرب أو يوم يكشف عن أصل الامر وحقيقته بحيث يصير عياناً مستعار من ساق الشجر وساق الإنسان وتنكيره للتّهويل أو للتعظيم.

في المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلام : انّهما قالا في هذه الآية افحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلّة وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام : مثله.

وفيه وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال : حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجّداً ويُدَبِّخُ أصلاب المنافقين فَلا يَسْتَطِيعُونَ السّجود وفي المجمع في الخبر : انّه يصير ظهور المنافقين كالسفافيد وفي الجوامع في الحديث : تبقى أصلابهم طبقاً واحداً اي فقارة واحدة لا تثنّى وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ.

في التوحيد عن الصادق عليه السلام : وَهُمْ سالِمُونَ أي مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه ولذلك ابتلوا ثمّ قال ليس شيء ممّا امروا به ونهوا عنه الّا ومن الله عزّ وجلّ فيه ابتلاء وقضاء قيل وفيه وعيد لمن سمع النداء الى الصلاة فلم يجب وقعد عن الجماعة والقمّيّ قال : يكشف عن الأمور التي خفيت وما غصبوا آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ قال يكشف لأمير المؤمنين عليه السلام فتصير أعناقهم مثل صياصي البقر يعني قرونها فَلا يَسْتَطِيعُونَ ان يسجدوا وهي عقوبة لأنّهم لم يطيعوا الله في الدنيا في أمره وهو قوله وَقَدْ

٢١٤

كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ قال إلى ولايته في الدنيا وهم يستطيعون.

(٤٤) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ كلّه إليّ فانّي أكفيكه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ سندنيهم من العذاب درجة درجة بالامهال وإدامة الصحّة وازدياد النعمة وإنساء الذكر مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ انّه استدراج.

(٤٥) وَأُمْلِي لَهُمْ وامهلهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ لا يدفع بشيء سمّاه كيداً لأنّه في صورته وقد مضى بيان الاستدراج وتفسير الآية في سورة الأعراف.

(٤٦) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على الإرشاد فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ من غرامة مُثْقَلُونَ بحملها فيعرضون عنك.

(٤٧) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه ما يحكمون ويستغنون به عن علمك.

(٤٨) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ يعني يونس لمّا دعا على قومه ثمّ ذهب مغاضباً لله إِذْ نادى في بطن الحوت وَهُوَ مَكْظُومٌ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : مغموم.

(٤٩) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ التوفيق للتوبة وقبولها القمّيّ قال النعمة الرحمة لَنُبِذَ بِالْعَراءِ بالأرض الخالية عن الأشجار والسقف القمّيّ قال الموضع الذي لا سقف له وَهُوَ مَذْمُومٌ مليم.

(٥٠) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ بأن ردّ إليه الولاية فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ من الكاملين في الصلاح وقد مضى قصّته في سورته.

(٥١) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ.

(٥٢) وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ يعني انّهم لشدّة عداوتهم وانبعاث بُغْضهم وعهدهم عند سماع القرآن والدعاء إلى الخير ينظرون إليك شزراً بحيث يكادون يزلون قدمك فيصرعونك من قولهم نظر الي نظراً يكاد يصرعني اي لو أمكنه بنظرة الصّرع لفعله.

٢١٥

في الكافي والفقيه عن الصادق عليه السلام : انّه مرّ بمسجد الغدير فنظر إلى ميسرة المسجد فقال ذاك موضع قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث قال من كنت مولاه فعليّ مولاه ثمّ نظر إلى الجانب الآخر فقال ذاك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجرّاح فلمّا ان رأوه رافعاً يده قال بعضهم لبعض انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون فنزل جبرئيل بهذه الآية القمّيّ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ قال لمّا أخبرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله بفضل أمير المؤمنين عليه السلام قال وَما هُوَ يعني أمير المؤمنين عليه السلام إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وقيل المعنى انّهم يكادون يصيبونك بالعين إذ روي : أنّه كان في بني أسد عيّانون فأراد بعضهم على ان يعينه فنزلت وفي الحديث : انّ العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر.

وفي المجمع جاء في الخبر : انّ أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله انّ بني جعفر تصيبهم العين فأسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين وقرئ ليزلقونك بفتح الياء.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة ن والقلم في فريضة أو نافلة آمنه الله عزّ وجلّ من أن يصيبه فقر أبداً وأعاذه الله تعالى إذا مات من ضمّة القبر.

٢١٦

سُورة الحاقة

مكّيّة عدد آيها احدى وخمسون آية بصري شاميّ وآيتان في الباقين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الْحَاقَّةُ قيل الساعة التي يحقّ وقوعها أو تحقّ فيها الأمور اي تجب وتعرف حقائقها أو تقع فيها حواقّ الأمور من الحساب والجزاء.

(٢) مَا الْحَاقَّةُ أي شيء هي وضع الظاهر موضع الضمير تفخيماً لشأنها وتهويلاً لها.

(٣) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ وأي شيء أعلمك ما هي اي انك لا تعلم كنهها فانّها أعظم من أن تبلغها دراية.

(٤) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ بالحالة التي تقرع الناس بالافزاع والأهوال والاجرام بالانفطار والانتشار وانّما وضعت موضع الضمير الحاقّة زيادة في وصف شدّتها.

(٥) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ بالواقعة المجاوزة للحدّ في الشدّة وهي الصيحة والرّجفة كما مضى بيانه في سورتي الأعراف وهود.

(٦) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ القمّيّ أي باردة عاتِيَةٍ قال قال خرجت أكثر ممّا امِرت به.

(٧) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سلّطها الله عليهم بقدرته سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً متتابعات القمّيّ قال : كان القمر منحوساً بزُحَل سبع ليال وثمانية أيّام حتّى هلكوا.

أقولُ : وقد سبق في سورة القمر انّ أوّل الثمانية وآخرها كانا يوم الأربعاء وانّه نحس مستمرّ فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى موتى جمع صريع كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ اصول نخل خاوِيَةٍ متآكلة الأجواف.

٢١٧

(٨) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (١) قد سبقت قصّتهم في سورتي الأعراف وهود.

(٩) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ ومن تقدّمه وقرئ ومن قِبَلَهُ أي ومن عنده من اتباعه وَالْمُؤْتَفِكاتُ قرى قوم لوط والمراد أهلها بِالْخاطِئَةِ بالخطإ والقمّيّ الْمُؤْتَفِكاتُ البصرة والخاطئة فلانة.

(١٠) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فعصت كلّ أمّة رسولها فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً زائدة في الشدّة زيادة أعمالهم في القبح.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : والرابية التي رابت على ما صنعوا.

(١١) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ جاوز حدّه المعتاد يعني في الطّوفان حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ حملنا آبائكم وأنتم في أصلابهم في سفينة نوح.

(١٢) لِنَجْعَلَها لنجعل الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لَكُمْ تَذْكِرَةً عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته وَتَعِيَها وتحفظها أُذُنٌ واعِيَةٌ من شأنها ان تحفظ ما يجب حفظه بتذكّره واشاعته والتفكّر فيه والعمل بموجبه وقرئ اذن بالتخفيف.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّه قال لعليّ عليه السلام : يا عليّ انّ الله تعالى أمرني ان أدنيك ولا أقصيك وان أعلّمك وتعي وحقّ على الله ان تعي فنزل وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ.

وفيه وفي العيون والجوامع عنه عليه السلام : انّه لما نزلت هذه الآية قال سألت الله عزّ وجلّ ان يجعلها اذنك يا عليّ وفي رواية : لمّا نزلت قال اللهمّ اجعلها اذن عليّ ثمّ قال عليّ عليه السلام فما سمعت شيئاً من رسول الله صلّى الله عليه وآله فنسيته وزاد في أخرى : وما كان لي ان انسى.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : لما نزلت وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله هي اذنك يا عليّ.

__________________

(١) أي من نفسٍ باقية وقيل من بقاء.

٢١٨

(١٣) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ لمّا بلغ في تهويل القيامة وذكر مال المكذّبين بها عاد الى شرحها والمراد بالنفخة الأولى التي عندها خراب العالم.

(١٤) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ رفعت من أماكنها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً القمّيّ قال وقعت فدكّ بعضها على بعض.

(١٥) فَيَوْمَئِذٍ فحينئذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ قامت القيامة.

(١٦) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ضعيفة مسترخية.

(١٧) وَالْمَلَكُ والجنس المتعارف بالملك عَلى أَرْجائِها على جوانبها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة ايّدهم بأربعة اخرى فيكونون ثمانية.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : حملة العرش والعرش العلم ثمانية أربعة منّا وأربعة ممّن شاء الله والقمّيّ قال : حملة العرش ثمانية لكلّ واحد ثمانية أعين كلّ عين طباق الدّنيا قال وفي حديث آخر قال : حملة العرش ثمانية أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وامّا الأربعة من الآخرين فمحمّد وعليّ والحسن والحسين صلوات الله عليهم ومعنى يحملون العرش يعني العلم.

(١٨) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ سريرة وقرئ بالياء.

(١٩) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ تفصيل للعرض فَيَقُولُ تحجّجاً هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ هاؤم اسم لخذوا والهاء في «كتابيه» ونظائره الآتية للسّكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل.

(٢٠) إِنِّي ظَنَنْتُ أي تيقّنت كذا في التّوحيد والإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : والظنّ ظنّان ظنّ

٢١٩

شكّ وظنّ يقين فما كان من امر المعاد من الظنّ فهو ظنّ يقين وما كان من أمر الدنيا فهو ظنّ شكّ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ قال إنّي ابعث وأحاسب.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : كلّ أمّة يحاسبها إمام زمانها ويعرف الأئمّة أوليائهم وأعدائهم بسيماهم وهو قوله وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ وهم الأئمّة عليهم السلام يعرفون كلّا بسيماهم فيعطوا أوليائهم كتابهم بيمينهم فيمرّوا إلى الجنّة بلا حساب ويعطوا أعداءهم كتابهم بشمالهم فيمرّوا إلى النّار بلا حساب فإذا نظر أولياؤهم في كتابهم يقولون لإخوانهم هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ.

(٢١) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ القمّيّ أي مرضية فوضع الفاعل مكان المفعول.

(٢٢) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ.

(٢٣) قُطُوفُها جمع قطف وهو ما يجتنى بسرعة دانِيَةٌ ينقاد لها القائم والقاعد.

(٢٤) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ بما قدّمتم من الأعمال الصالحة في الماضية من أيّام الدنيا.

في المجمع عن النَّبي صلّى الله عليه وآله : أنّه جاء إليه رجل من أهل الكتاب فقال يا أبا القاسم تزعم أنّ أهل الجنّة يأكلون ويشربون فقال والّذي نفسي بيده انّ الرجل منهم ليؤتى قوّة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع قال فانّ الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة فقال عرق يفيض مثل ريح المسك فإذا كان ذلك ضمر له بطنه.

(٢٥) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ القمّيّ قال نزلت في معاوية فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ.

(٢٦) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يقولها لما يرى من سوء العاقبة.

(٢٧) يا لَيْتَها يا ليت الموتة الّتي متّها كانَتِ الْقاضِيَةَ القاطعة لامري فلم ابعث بعدها.

٢٢٠