تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : بما نزّل على محمّد صلّى الله عليه وآله في عليّ عليه السلام هكذا نزلت وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ القمّيّ نزلت في أبي ذر وسلمان وعمّار والمقداد لم ينقضوا العهد قال وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله اي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله وَهُوَ الْحَقُ يعني أمير المؤمنين عليه السلام بالَهُمْ أي حالهم.

(٣) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ قال وهم الذين اتبعوا أعداء رسول الله وأمير المؤمنين عليهما صلوات الله وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : في سورة محمّد صلّى الله عليه وآله آية فينا وآية في أعدائنا.

(٤) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا في المحاربة فَضَرْبَ الرِّقابِ فاضربوا الرقاب ضرباً حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ أكثرتم قتلهم واغلظتموه من الثخين وهو الغليظ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فاسروهم واحفظوهم والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً فامّا تمنّون منّا أو تفدون فداء والمراد التخيير بعد الأسر بين المنّ والإطلاق وبين أخذ الفداء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها الاتها واثقالها التي لا تقوم الّا بها كالسلاح والكراع أي ينقضي الحرب ولم يبق إلّا مسلم أو مسالم ، في الكافي والتهذيب عن الصادق عليه السلام قال : كان أبي يقول ان للحربِ حكمين إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فانّ الامام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحّط في دمه حتّى يموت وهو قول الله عزّ وجلّ إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ الآية قال والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً ذلِكَ الامر ذلك وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ لانتقم منهم بالاستيصال وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بان يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم والكافرين بالمؤمنين بان يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم من الكفر وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أي جاهدوا وقرئ قُتِلوا أي

٢١

استشهدوا فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ فلن يضيّعها

(٥) سَيَهْدِيهِمْ الى الجنة وَيُصْلِحُ بالَهُمْ

(٦) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ القمّيّ أي وعدها ايّاهم وادّخرها لهم.

(٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ ان تنصروا دينه ورسوله ووصيّ رسوله يَنْصُرْكُمْ على عدوّكم وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ في القيام بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفّار.

(٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ فعثوراً وانحطاطاً وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ.

(٩) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : نزل جبرئيل على محمّد صلّى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ في عليّ الّا انّه كشط الاسم فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ

وفي المجمع عنه عليه السلام قال : كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ في حقّ علّي عليه السلام.

(١٠) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ القمّيّ : أي أولم ينظروا في اخبار الأمم الماضية اهلكهم وعذّبهم وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها قال يعني الذين كفروا وكرهوا ما أنزل الله في عليّ عليه السلام لهم مثل ما كان للأمم الماضية من العذاب والهلاك.

(١١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ناصرهم على أعدائهم.

القمّيّ يعني الذين ثبتوا على امامة أمير المؤمنين عليه السلام وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ فيدفع العذاب عنهم قيل هذا لا يخالف قوله تعالى وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ فانّ المولى فيه بمعنى المالك.

(١٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ ينتفعون بمتاع الدنيا وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ

٢٢

حريصين غافلين عن العاقبة وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ منزل ومقام.

(١٣) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ بأنواع العذاب فَلا ناصِرَ لَهُمْ يدفع عنهم.

(١٤) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ.

القمّيّ يعني أمير المؤمنين عليه السلام كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ يعني الذين غصبوه

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : هم المنافقون.

(١٥) مَثَلُ الْجَنَّةِ أي مثل أهل الجنّة.

وفي المجمع عن عليّ عليه السلام : انّه قرأ أمثال الجنّة بالجمع الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ غير متغيّر الطعم والريح وقرئ اسِن وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لذيذة لا يكون فيها كراهة وريح ولا غائلة سكر وخمار القمّيّ إذا تناولها وليّ الله وجد رائحة المسك فيها وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرهما وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ كمثل من هو خالد في النار وَسُقُوا ماءً حَمِيماً مكان تلك الاشربة فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ من فرط الحرارة.

القمّيّ قال ليس من هو في هذه الجنّة الموصوفة كمن هو في هذه النار كما ان ليس عدّو الله كولّيه.

وعن أبيه عليه السلام مرفوعاً قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا دخلت الجنّة رأيت في الجنّة شجرة طوبى ويجري نهر في أصل تلك الشجرة ينفجر منه الأنّهار الأربعة نهر مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ إلى قوله مُصَفًّى.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : في حديث قال وليس من مؤمن في الجنّة الّا وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات وأنّهار من خمر وأنّهار من ماء وأنّهار من لبن وأنّهار من عسل.

٢٣

(١٦) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً القمّيّ نزلت في المنافقين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله ومن كان إذا سمع شيئاً لم يكن يؤمن به ولم يعه فإذا خرج قال للمؤمنين ما ذا قال محمّد آنفاً.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : انا كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله فيخبرنا بالوحي فأعيه انا ومن يعيه فإذا خرجنا قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يدعو أصحابه فمن أراد الله به خيراً سمع وعرف ما يدعوه إليه ومن أراد الله به شرّاً طبع على قلبه لا يسمع ولا يعقل وهو قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ الآية.

(١٧) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ.

(١٨) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ فهل ينتظرون غيرها أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فقد ظهر أماراتها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ تذكرهم ولا ينفع حينئذ ولا فراغ لهم.

في الخصال عن الصادق عليه السلام قال : سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الساعة فقال عند ايمان بالنجوم وتكذيب بالقدر.

وفي العلل عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : في اجوبة مسائل عبد الله بن سلام : امّا أشراط الساعة فنار تحشر النّاس من المشرق الى المغرب.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : من أشراط الساعة ان يفشوا الفالج وموت الفجأة.

وفي روضة الواعظين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّ من أشراط الساعة ان يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشوا الزنا ويقلّ الرجال وتكثر النساء حتّى ان الخمسين امرأة فيهنّ واحد من الرجال.

والقمّيّ عن ابن عبّاس قال : حججنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله حجّة الوداع

٢٤

فأخذ بحلقة باب الكعبة ثمّ اقبل علينا بوجهه فقال الا اخبركم بأشراط الساعة فكان ادنى الناس منه يومئذ سلمان رحمة الله عليه فقال بلى يا رسول الله فقال إنّ من أشراط القيامة اضاعة الصلوات واتباع الشهوات والميل مع الأهواء وتعظيم أصحاب المال وبيع الدين بالدنيا فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع ان يغيّره قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان انّ عندها يليهم أمراء جورة ووزراء فَسَقَة وعرفاء ظلمة وأمناء خونة فقال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان ان عندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكراً ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها تكون امارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان على المنابر ويكون الكذب ظرفاً والزكاة مغرماً والفيء مغنماً ويجفو الرجل والدية ويبرّ صديقه ويطلع الكوكب المذنب قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ويكون المطر غيضاً يغيض الكرام غيضاً ويحتقر الرجل المعسر فعندها تقارب الأسواق قال هذا لم أبع شيئاً وقال هذا لم اربح شيئاً فلا ترى الّا ذامّاً لله قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها يليهم أقوام ان تكلّموا قتلوهم وان سكتوا استباحوهم ليستأثرون بفيئهم وليطئون حرمتهم وليسفكنّ دماءهم وليملأنّ قلوبهم دغلاً ورعباً فلا تراهم الّا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان انّ عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلّون أمّتي فالويل لضعفاء أمّتي منهم والويل لهم من الله لا يرحمون صغيراً ولا يوقّرون كبيراً ولا يتجافون عن مسيء جثّتهم جثّة الآدميّين وقلوبهم قلوب الشياطين قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وتركب ذوات الفروج السروج فعليهنّ من أمّتي لعنة الله قال سلمان وانّ هذا لكائن يا

٢٥

رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان انّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرفه البيع والكنائس وتحلّى المصاحف وتطول المنارات وتكثر الصفوف قلوب متباغضة والسن مختلفة قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تحلّى ذكور أمّتي بالذّهب ويلبسون الحرير والديباج ويتّخذون جلود النمور صفافاً قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها يظهر الربا ويتعاملون بالعينة (١) والرّشا ويوضع الدين وترفع الدنيا قال سلمان وانّ ذلك لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها يكثر الطلاق فلا يقام لله حدّ ولن يضرّوا الله شيئاً قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تظهر القينات والمعازف وتليهم أشرار أمّتي قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها يحجّ أغنياء أمّتي للنّزهة ويحجّ أوساطها للتجارة ويحجّ فقراؤهم للرياء والسمعة فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن ويتهافتون بالدنيا قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان ذاك إذا انتهكت المحارم واكتسبت المآثم وسلّط الأشرار على الأخيار ويفشو الكذب وتظهر اللجاجة ويفشوا الفاقة ويتباهون في اللباس ويمطرون في غير أوان المطر ويستحسنون الكوبة والمعازف وينكرون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى يكون المؤمن في ذلك الزمان اذلّ من الأمة ويظهر قرّاؤهم وعبّادهم فيما بينهم التّلاؤم فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الارجاس الانجاس قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله قال اي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها لا يخشى الغني على الفقير حتّى انّ السائل يسئل في الناس فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في كفّه شيئاً قال سلمان وانّ هذا لكائن يا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال اي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها يتكلّم الرّويبضة (٢) فقال سلمان ما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمّي قال يتكلّم في امر العامّة من لم يكن يتكلّم فلم يلبثوا الّا قليلاً حتّى تخور الأرض خورة فلا يظنّ كل قوم

__________________

(١) العينة بالكسر : السلعة.

(٢) تصغير الرابضة : وهو الرجل التافه.

٢٦

الّا انّها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثمّ يمكثون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ كبدها قال ذهباً وفضّة ثمّ أومى بيده الى الأساطين فقال مثل هذا فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضّة فهذا معنى قوله فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها.

(١٩) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وافعالها وهضمها بالاستغفار لذنبك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريص على ما يستدعي غفرانهم وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ في الدنيا فلها مراحل لا بدّ من قطعها وَمَثْواكُمْ في العقبى فانّها دار اقامتكم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الاستغفار وقول لا اله الّا الله خير العبادة قال الله العزيز الجبّار فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ.

(٢٠) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ هلّا نزلت سورة في أمر الجهاد فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ مبيّنة لا تشابه فيها وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ أي الامر به رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ جبناً ومخافة فَأَوْلى لَهُمْ فويل لهم.

(٢١) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خير لهم وعن ابيّ انّه قرأ يقولون طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ أي جدّ أسند عزم أصحاب الامر الى الامر مجازاً وجوابه محذوف فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد لَكانَ الصدق خَيْراً لَهُمْ

(٢٢) فَهَلْ عَسَيْتُمْ فهل يتوقّع منكم انْ تَوَلَّيْتُمْ أمور الناس وتأمُرتم عليهم أو أعرضتم وتولّيتم عن الإسلام أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ تناحراً على الولاية وتجاذباً لها أو رجوعاً الى ما كنتم عليه في الجاهليّة من تغاور ومقاتلة مع الارقاب والمعنى انّهم لضعفهم في الدّين وحرصهم على الدنيا احقّاء بان يتوقّع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم فَهَلْ عَسَيْتُمْ وقرئ تولّيتم أي ان تولّاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموه في الإفساد وقطيعة الرّحم.

٢٧

ونسب في المجمع هذه القراءة الى أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي الكافي والقمّيّ عنه عليه السلام : انّها نزلت في بني أميّة.

(٢٣) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ عن استماع الحقّ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ فلا يهتدون سبيله.

(٢٤) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ.

في المجمع عن الصادق والكاظم عليهما السلام : يعني أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ فيقضون ما عليهم من الحقّ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها امر وإضافة الاقفال إليها للدلالة على أقفال متناسبة لها مختصّة بها لا تجانس الاقفال المعهودة.

وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام : انّ لك قلباً ومسامع وانّ الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبداً وهو قول الله عزّ وجلّ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها.

(٢٥) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ الى ما كانوا عليه من الكفر مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ سهّل لهم وَأَمْلى لَهُمْ قيل وامدّ لهم في الآمال والأماني ويأتي له معنى آخر.

وقرئ واملى لهم أي وانا املي لهم اي امهلهم واملي على البناء للمفعول.

(٢٦) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ وقرئ على المصدر.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية قال فلان وفلان ارتدّا عن الايمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قال : نزلت والله فيهما وفي أتباعهما وهو قول الله عزّ وجلّ الذي نزل به جبرئيل على محمّد صلّى الله عليه وآله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ في عليّ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قال دعوا بني أميّة الى

٢٨

ميثاقهم الّا يصيروا الامر فينا بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله ولا يعطونا من الخمس شيئاً وقالوا ان أعطيناهم إيّاه لم يحتاجوا إلى شيء ولم يبالوا أن لا يكون الامر فيهم فقالوا سنطيعكم في بعض الامر الذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ان لا نعطيهم منه شيئاً والذي نزّل الله ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وكان معهم ابو عبيدة وكان كاتبهم فأنزل الله أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ الآية والقمّيّ ما في معناه بزيادة ونقصان.

وعنه عليه السلام : الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ يعني الثاني.

وفي المجمع عنهما عليهما السلام : انّهم بنو أميّة كرهوا ما أنزل الله في ولاية علي عليه السلام.

(٢٧) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ فكيف يعملون ويحتالون وحينئذ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.

(٢٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ لذلك.

في روضة الواعظين عن الباقر عليه السلام : قال : كرهوا عليّاً امر الله بولايته يوم بدر ويوم حنين وببطن نخلة ويوم التروية ويوم عرفة ونزلت فيه خمس عشرة آية في الحجّة التي صدّ فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله عن المسجد الحرام وبالجحفة وبخم والقمّيّ ما أَسْخَطَ اللهَ يعني موالاة فلان وفلان وظالمي أمير المؤمنين عليه السلام فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ يعني التي عملوها من الخيرات.

(٢٩) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ ان لن يبرز الله لرسوله والمؤمنين أحقادهم.

(٣٠) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ لعرفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ بعلاماتهم التي نسمهم بها وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ في أسلوبه وامالته الى جهة وتورية.

في الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قلت أربع كلمات أنزل الله تعالى

٢٩

تصديقي بها في كتابه قلت المرء مخبوّ تحت لسانه فإذا تكلّم ظهر فأنزل وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ.

وفي المجمع عن أبي سعيد الخدريّ قال : لَحْنِ الْقَوْلِ بعضهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال وكنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال وروي مثل ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

وعن عبادة بن الصامت قال : كنّا نبوّر أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإذا رأينا أحدهم لا يحبّه علمنا أنّه لغير رشده قال انس ما خفي منافق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد هذه الآية وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ فيجازيكم على حسب قصدكم إذ الأعمال بالنيّات.

(٣١) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ على مشاقّها وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ عن ايمانكم وموالاتكم المؤمنين في صدقها وكذبها وقرئت الافعال الثلاثة بالياء ليوافق ما قبلها.

ونسبه في المجمع الى الباقر عليه السلام أيضاً وقرئ ونبلو بسكون الواو اي ونحن نبلو.

(٣٢) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ القمّيّ قال عن أمير المؤمنين عليه السلام : وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى قال قطعوه في أهل بيته بعد اخذه الميثاق عليهم له لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً بكفرهم وصدّهم وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ.

(٣٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ.

في ثواب الأعمال عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من قال سبحان الله غرس الله له بها شجرة في الجنّة ومن قال الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنّة ومن قال لا اله الّا الله غرس الله له بها شجرة في الجنّة ومن قال الله أكبر غرس الله له بها شجرة في الجنّة فقال رجل من قريش يا رسول الله انّ شجرنا في الجنّة لكثير قال نعم ولكن إيّاكم ان ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها وذلك أنّ الله تعالى يقول يا

٣٠

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ.

(٣٤) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ.

(٣٥) فَلا تَهِنُوا فلا تضعفوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ولا تدعوا الى الصُّلح خورا وتذلّلاً وقرئ بكسر السين وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ الأغلبون وَاللهُ مَعَكُمْ ناصركم وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ولن يضيع أعمالكم من وترت الرجل إذا قتلت متعلّقاً له من قريب أو حميم فأفردته عنه من الوتر شبّه به تعطيل ثواب العمل وافراده منه والآية ناسخة لقوله تعالى وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها كما مرّ.

(٣٦) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ لاثبات لها وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ثواب ايمانكم وتقواكم وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ جميع أموالكم بل يقتصر على جزء يسير كالعشر ونصف العشر وربع العشر.

(٣٧) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ فيجهدكم بطلب الكلّ والإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية تَبْخَلُوا فلا تعطوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ القمّيّ قال العداوة التي في صدوركم.

(٣٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ قيل أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون والقمّيّ معناه أنتم يا هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ يعمّ نفقة الغزو والزكاة وغيرهما فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ ناس يبخلون وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ فانّ نفع الإنفاق وضرّ الإمساك عائدان إليه وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ فما يأمركم به فهو لاحتياجكم فان امتثلتم فلكم وان تولّيتم فعليكم وَإِنْ تَتَوَلَّوْا عطف على وَإِنْ تُؤْمِنُوا.

القمّيّ يعني عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ يقم مكانكم قوماً آخرين.

القمّيّ قال يدخلهم في هذا الامر ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ قال في معاداتكم وخلافكم وظلمكم لآل محمّد صلوات الله عليهم.

وعن الصادق عليه السلام : أعني أبناء الموالي المعتقين.

٣١

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : قال إِنْ تَتَوَلَّوْا يا معشر العرب يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ يعني الموالي.

وعن الصادق عليه السلام قال : قد والله أبدل بهم خيراً منهم الموالي وفيه روي : انّ اناساً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه وكان سلمان الى جنب رسول الله صلّى الله عليه وآله فضرب يده على فخذ سلمان فقال هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الايمان منوطاً بالثّريا لتناوله رجال من فارس.

في ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الذين كفروا لم يرتب أبداً ولم يدخله شكّ في دينه أبداً ولم يبله الله تعالى بفقر أبداً ولا خوف من سلطان أبداً ولم يزل محفوظاً من الشكّ والكفر أبداً حتّى يموت فإذا مات وكّل الله به في قبره ألف ملك يصلّون في قبره ويكون ثواب صلواتهم له ويشيعونه حتّى يوقفونه موقف الآمن عند الله تعالى ويكون في أمان الله وأمان محمّد صلّى الله عليه وآله.

وفي المجمع مثله بأدنى تفاوت.

وعنه عليه السلام : من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمّد صلّى الله عليه وآله فانّه يراها آية فينا وآية فيهم.

٣٢

سُورة الفتح

مدنية عدد آيها تسعٌ وعشرون آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : لمّا نزلت هذه الآية لقد نزلت عليّ آية هي أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : سبب نزول هذه السورة وهذا الفتح العظيم انّ الله عزّ وجلّ امر رسوله في النّوم ان يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلّقين فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا فلمّا نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن وساق رسول الله صلّى الله عليه وآله ستّة وستّين بدنة وأشعرها عند إحرامه وأحرموا من ذا الحليفة ملبّين بالعمرة وقد ساق من ساق منهم الهدي شعرات مجلّلات فلمّا بلغ قريشاً ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مأتي فارس كميناً ليستقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان يعارضه على الجبال فلمّا كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذّن بلال فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله بالنّاس فقال خالد بن الوليد لو كنّا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم فانّهم لا يقطعون صلاتهم ولكن يجيء الآن لهم صلاة اخرى أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا إليهم فنزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله بصلاة الخوف في قوله عزّ وجلّ وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية في سورة النّساء وقد كتبنا خبر صلاة الخوف فيها فلمّا كان في اليوم الثاني نزل رسول الله صلّى الله عليه

٣٣

وآله الحديبية وهي على طرف الحرم وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يستنفر الاعراب في طريقه معه فلم يتبعه أحد ويقولون أيطمع محمّد وأصحابه ان يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم انه لا يرجع محمّد وأصحابه الى المدينة أبداً فلما نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله يدخل الحديبية خرجت قريش يحلفون باللّات والعزّى لا يدعون رسول الله صلّى الله عليه وآله يدخل مكّة وفيهم عين تطرف فبعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله انّي لم آت لحرب وانّما جئت لأقضي مناسكي وانحر بدني واخلّي بينكم وبين لحمانها فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي وكان عاقلاً لبيباً وهو الذي أنزل الله فيه وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فلمّا اقبل الى رسول الله صلّى الله عليه وآله عظم ذلك وقال يا محمّد تركت قومك وقد ضربوا الابنية واخرجوا العود المطافيل يحلفون باللّات والعزّى لا يدعوك تدخل مكّة وحرمهم وفيهم عين تطرف أفتريد ان تبيد أهلك وقومك يا محمّد فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله ما جئت لحرب وانّما جئت لأقضي مناسكي وانحر بُدني واخلّي بينكم وبين لحمانها فقال عروة والله ما رأيت كاليوم أحداً صدّ كما صددت فرجع إلى قريش فأخبرهم فقالت قريش والله لئن دخل محمّد مكّة وتسامعت به العرب لنذلنّ ولتجرئنّ علينا العرب فبعثوا حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو فلمّا نظر اليهما رسول الله صلّى الله عليه وآله قال ويح قريش قد نهكتهم الحرب الا خلّوا بيني وبين العرب فان أك صادقاً فانّما اجرّ الملك إليهم مع النبوّة وان أك كاذباً كفتهم ذؤبان العرب لا يسألني اليوم امرؤ من قريش خطّة ليس لله فيها سخط الا أجبتهم إليه فلمّا وافوا رسول الله صلّى الله عليه وآله قالوا يا محمّد ألا ترجع عنّا عامك هذا إلى أن ننظر إلى ما يصير أمرك وأمر العرب فإنّ العرب قد تسامعت بمسيرك فإذا دخلت بلادنا وحرمنا استذلّتنا العرب واجترأت علينا ونخلّي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيّام حتّى تقضي نسكك وتنصرف عنّا فأجابهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى ذلك وقالوا له تردّ إلينا كلّ من جاءك من رجالنا ونردّ إليك من جاءنا من رجالك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه ولكن على أنّ المسلمين بمكّة لا يؤذون

٣٤

في إظهارهم الإسلام ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام فقبلوا ذلك فلمّا أجابهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الصلح أنكر عامة أصحابه وأشدّ ما كان إنكاراً عمر فقال يا رسول الله ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل فقال نعم قال فنعطي الذلّة في ديننا فقال إنّ الله عزّ وجلّ قد وعدني ولن يخلفني قال ولو أنّ معي أربعين رجلاً لخالفته ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم بالصلح فقال عمر يا رسول الله ألم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام ونحلق مع المحلقين فقال أمن عامنا هذا وعدتك قلت لك إنّ الله عزّ وجلّ قد وعدني أن أفتح مكّة وأطوف وأسعى وأحلّق مع المحلقين فلمّا أكثروا عليه قال لهم إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم فمرّوا نحو قريش وهم مستعدون للحرب وحملوا عليهم فانهزم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله هزيمة قبيحة ومرّوا برسول الله فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ قال يا علي خذ السيف واستقبل قريشاً فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام سيفه وحمل على قريش فلمّا نظروا إلى أمير المؤمنين عليه السلام تراجعوا ثمّ قالوا يا علي بدا لمحمّد صلّى الله عليه وآله فيما أعطانا فقال لا وتراجع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله مستحيين وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله ألستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل الله عزّ وجلّ فيكم إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ألستم أصحابي يوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ألستم أصحابي يوم كذا فاعتذروا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وندموا على ما كان منهم وقالوا الله أعلم ورسوله فاصنع ما بدا لك ورجع حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالا يا محمّد قد أجابت قريش إلى ما اشترط من إظهار الإسلام وأن لا يكره أحد على دينه فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله بالمكتب ودعا أمير المؤمنين عليه السلام وقال له اكتب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل بن عمرو ولا نعرف الرّحمن اكتب كما كان يكتب آباؤك باسمك اللهمّ فقال رسول الله اكتب باسمك اللهمّ فإنّه اسم من أسماء الله ثمّ اكتب هذا ما تقاضى عليه محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله والملأ من قريش فقال سهيل بن عمرو ولو

٣٥

علمنا انّك رسول الله ما حاربناك اكتب هذا ما تقاضى عليه محمّد بن عبد الله أتأنف من نسبك يا محمّد فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله انا رسول الله وان لم تقرّوا ثمّ قال امح يا عليّ واكتب محمّد بن عبد الله فقال أمير المؤمنين عليه السلام ما أمحو اسمك من النبوّة أبداً فمحاه رسول الله صلّى الله عليه وآله بيده ثمّ كتب هذا ما اصطلح به محمّد بن عبد الله والملأ من قريش وسهيل بن عمرو واصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن يكفّ بعضنا عن بعض وعلى انه لا اسلال ولا أغلال وانّ بيننا وبينهم غيبة مكفوفة وانّ من أحبّ أن يدخل في عهد محمّد صلّى الله عليه وآله وعقده فعل ومن أحبّ أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل وانّه من اتى محمّداً بغير إذن وليه ردّه إليه وانّه من اتى قريشاً من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله لم تردّه إليه وأن يكون الإسلام ظاهر بمكّة ولا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعيّر وانّ محمّد يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه ثمّ يدخل علينا في العام القابل مكّة فيقيم فيها ثلاثة أيّام ولا يدخل عليها بسلاح الّا سلاح المسافر السيوف في القراب وكتب عليّ بن أبي طالب عليه السلام وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا عليّ انّك أبيت ان تمحو اسمي من النبّوة فو الذي بعثني بالحقّ نبيّاً لتجيبنّ أبنائهم الى مثلها وأنت مضيض مضطهد فلمّا كان يوم صفّين ورضوا بالحكمين كتب هذا ما اصطلح أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فقال عمرو بن العاص لو علمنا انّك أمير المؤمنين (عليه السلام) ما حاربناك ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق الله ورسوله أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك قال فلمّا كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت نحن في عهد محمّد رسول الله وعقده وقامت بنو بكر فقالت نحن في عهد قريش وعقدها وكتبوا نسختين نسخة عند رسول الله صلّى الله عليه وآله ونسخة عند سهيل بن عمرو ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف الى قريش فأخبروهم وقال رسول الله لأصحابه انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم فامتنعوا وقالوا كيف ننحر ونحلّق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة فاغتم لذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وشكا ذلك الى أمّ سلمة

٣٦

فقالت يا رسول الله انحر أنت واحلق فنحر القوم على حيث يقين وشكّ وارتياب فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله تعظيماً للبدن رحم الله المحلّقين وقال قوم لم يسوقوا البدن يا رسول الله والمقصرين لأنّ من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله ثانياً رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي فقالوا يا رسول الله والمقصرين فقال رحم الله المقصّرين ثمّ رحل رسول الله صلّى الله عليه وآله نحو المدينة الى النعيم ونزل تحت الشجرة فجاء أصحابه الذين أنكروا عليه الصلح واعتذروا وأظهروا الندامة على ما كان منهم وسألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله ان يستغفر لهم فنزلت آية الرضوان.

أقول : هذه القصة مذكورة في روضة الكافي عن الصادق عليه السلام بزيادة ونقصان من أرادها رجع إليه.

(٢) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ علّة للفتح من حيث إنّه مسبّب عن جهاد الكفّار والسعي في إزاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهراً ليصير ذلك بالتدريج اختباراً وتخليص الضعفة عن أيدي الظلمة.

في المجمع والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال ما كان له ذنب ولا همّ بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثمّ غفرها له.

وفي المجمع عنه عليه السلام : أنّه سئل عنها فقال والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له ان يغفر ذنوب شيعة عليّ عليه السلام ما تقدّم من ذنبهم وما تأخّر قال بعض أهل المعرفة قد ثبت عصمته صلّى الله عليه وآله فليس له ذنب فلم يبق لإضافة الذنب إليه الّا أن يكون هو المخاطب والمراد أمّته كما قيل ايّاك ادعوا واسمعي يا جارة قال ما تقدم من ذنبك من آدم الى زمانه وما تأخر من زمانه إلى يوم القيامة فانّ الكلّ أمّته فانّه ما من أمّة الا وهي تحت شرع محمّد صلّى الله عليه وآله من اسم الباطن من حيث كان نبيّاً وآدم بين الماء والطين وهو سيّد النبيين والمرسلين فانه سيّد الناس فبشر الله تعالى محمّد صلّى الله عليه وآله بقوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ لعموم رسالته إلى الناس كافة وما يلزم الناس رؤية شخصه فكما وجّه في زمان ظهوره رسوله

٣٧

عليّاً عليه السلام الى اليمن لتبليغ الدعوة كذلك وجه الرسل والأنبياء الى أممهم من حين كان نبيّاً وآدم بين الماء والطين فدعا الكل إلى الله فالكلّ أمّته من آدم إلى يوم القيامة فبشّره الله بالمغفرة لما تقدّم من ذنوب الناس وما تأخّر منها وكان هو المخاطب والمقصود الناس فيغفر الكل ويسعدهم وهو اللّايق بعموم رحمته التي وسعت كل شيء وبعموم مرتبة محمّد صلّى الله عليه وآله حيث بعث إلى الناس كافّة بالنص ولم يقل أرسلناك إلى هذه الأمة خاصّة وانّما اخبر انّه مرسل إلى الناس كافّة والناس من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة فهم المقصودون بخطاب مغفرة الله لما تقدّم من ذنبه ولما تأخّر.

أقولُ : وقد مضى في المقدّمة الثالثة ما يؤدي هذا المعنى.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال : انّه سئل عن هذه الآية فقال لم يكن احد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنباً من رسول الله صلّى الله عليه وآله لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً فلمّا جاءهم بالدعوة الى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إلى قوله إِلَّا اخْتِلاقٌ فلمّا فتح الله تعالى على نبيّه صلّى الله عليه وآله مكّة قال تعالى يا محمد إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ عند مشركي أهل مكّة بدعائك الى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذ دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم مغفوراً بظهوره عليهم وفي رواية ابن طاوس عنهم : انّ المراد منهم لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ عند أهل مكّة وقريش يعني ما تقدّم قبل الهجرة وبعدها فانّك إذا فتحت مكّة بغير قتل لهم ولا استيصال ولا أخذهم بما قدّموه من العداوة والقتال غفروا ما كان يعتقدونه ذنباً لك عندهم متقدّماً أو متأخّراً وما كان يظهر من عداوته لهم في مقابلة عداوتهم له فلمّا رأوه قد تحكم وتمكّن وما استقصى غفروا ما ظنّوه من الذنوب وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بإعلاء الدين وضمّ الملك الى النبوّة وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة.

٣٨

(٣) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً نصراً فيه عزّ ومنعة.

(٤) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الثبات والطمأنينة.

في الكافي عنهما عليهما السلام : هو الايمان فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ القمّيّ هم الذين لم يخالفوا رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم ينكروا عليه الصلح لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ يقيناً مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها أو ليزدادوا ايماناً بالشرائع مع إيمانهم بالله واليوم الآخر وقد مضى لزيادة الايمان في أواخر سورة التوبة وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يدبّر أمرها فيسلّط بعضها على بعض تارة ويوقع فيما بينهم السلم كما يقتضيه حكمته وَكانَ اللهُ عَلِيماً بالمصالح حَكِيماً فيما يقدّر ويدبّر.

(٥) لِيُدْخِلَ فعل ما فعل ودبّر ما دبّر لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يغطّيها ولا يظهرها وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً لأنّه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضرّ.

(٦) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ وهو ان لا ينصر رسوله والمؤمنين عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ دائرة ما يظنّونه ويتربّصونه بالمؤمنين لا يتخطّأهم وقرئ السُّوء بالضمّ القمّيّ وهم الذين أنكروا الصلح واتهموا رسول الله صلّى الله عليه وآله وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً.

(٧) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً.

(٨) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على امّتك وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً على الطاعة والمعصية

(٩) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وتقوّوه بتقوية دينه ورسوله وَتُوَقِّرُوهُ وتعظموه وَتُسَبِّحُوهُ وتنزّهوه بُكْرَةً وَأَصِيلاً غدوة وعشيّاً وقرأ الأربعة بالياء.

(١٠) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ لأنّه المقصود ببيعته يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم ايّاك انّما هي بمنزلة يد الله لأنّهم في الحقيقة يبايعون الله عزّ وجلّ ببيعتك.

٣٩

وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث : بيعة الناس له قال عقد البيعة هو من على الخنصر الى على الإبهام وفسخها من اعلى الإبهام الى اعلى الخنصر وفي إرشاد المفيد في حديث : بيعتهم له قال فرفع الرضا عليه السلام يده فتلقى بها وجهه وببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا عليه السلام انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم فَمَنْ نَكَثَ نقض العهد فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ فلا يعود ضرر نكثه الّا عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ وفي الكافي : مبايعته فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً وهو الجنّة وقرئ عليه بضمّ الهاء فسنؤتيه بالنون القمّيّ نزلت في بيعة الرضوان لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ واشترط عليهم ان لا ينكروا بعد ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وآله شيئاً يفعله ولا يخالفوه في شيء يأمرهم به فقال الله عزّ وجلّ بعد نزول آية الرضوان إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الآية وانّما رضي الله عنهم بهذا الشرط ان يفوا بعد ذلك بعهد الله وميثاقه ولا ينقضوا عهده وعقده فبهذا العقد رضي الله عنهم فقدّموا في التأليف آية الشرط على آية الرضوان وانّما نزلت اوّلاً بيعة الرضوان ثمّ آية الشرط عليهم فيها.

(١١) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ قيل هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استفزهم رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الحديبية فتخلّفوا واعتلّوا بالشّغل بأموالهم وأهاليهم وانّما خلّفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف عن مقاتلة قريش ان صدّوهم.

والقمّيّ هم الذين استنفرهم في الحديبيّة ولمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة من الحديبية غزا خيبر فاستأذنه المخلّفون أن يخرجوا معه فقال الله تعالى سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إلى قوله إِلَّا قَلِيلاً شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا إذ لم يكن لنا من يقوم باشغالهم لنا فَاسْتَغْفِرْ لَنا من الله على التخلّف يَقُولُونَ بألسنتهم ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا ما يضرّكم كقتل أو هزيمة وخلل في المال والأهل وعقوبة على التخلف وقرئ بالضم أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ما يضادّ ذلك بَلْ كانَ

٤٠