تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

١
٢

٣

سُورَة الْفُرْقان مِكّيّة كُلّها وقال ابن عبّاس

الّا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة من قوله وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ الى

قوله غَفُوراً رَحِيماً عدد آيها سبع وسبعون بلا خلاف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير وقد سبق تفسير الفرقان في سورة آل عمران لِيَكُونَ العبد أو الفرقان لِلْعالَمِينَ نَذِيراً للجنّ والإنس منذراً أو إنذاراً كالنكير بمعنى الإنكار.

(٢) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً كما زعمه النّصارى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ كقول الثنوية وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً

القمّيّ عن الرضا عليه السلام قال : تدري ما التقدير قيل لا قال هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء تدري ما القضاء قيل لا قال هو إقامة العين.

(٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ لأنّ عبدتهم ينحتونهم ويصوّرونهم وَلا يَمْلِكُونَ ولا يستطيعون لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا دفع ضر وَلا نَفْعاً ولا جلب نفع وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً ولا يملكون إماتة أحد واحيائه اوّلاً وبعثه ثانياً ومن كان كذلك فبمعزل عن الألوهيّة.

(٤) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا يعنون القرآن إِلَّا إِفْكٌ كذب مصروف عن وجهه افْتَراهُ اختلقه وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ.

القمّيّ قالوا هذا الذي يقرؤه رسول الله ويخبرنا به انّما يتعلّمه من اليهود ويكتبه من علماء النصارى ويكتب عن رجل يقال له ابن قبيصة ينقله عنه بالغداوة والعشيّ فحكي سبحانه وتعالى قولهم فردّ عليهم.

٤

وعن الباقر عليه السلام : الافك الكذب وقَوْمٌ آخَرُونَ يعنون أبا فكيهة وحبراً وعداساً وعابساً مولى حويطب فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً

(٥) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ما سطره المتقدّمون اكْتَتَبَها كتبها بنفسه أو استكتبها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.

القمّيّ قول النّضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة.

(٦) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لأنّه أعجزكم عن آخركم بفصاحته وتضمّن اخباراً عن مغيبات مستقبله وأشياء مكنونة لا يعلمها الّا عالم الاسرار فكيف تجعلونها أساطير الأولين إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً فلذلك لا يعجل في عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته واستحقاقكم ان يصبّ عليكم العذاب صبّاً.

(٧) وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ الذي يزعم الرّسالة وفيه استهانة وتهكّم يَأْكُلُ الطَّعامَ كما نأكل وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لطلب المعاش كما نمشي والمعنى ان صحّ دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات فانّ تميز الرّسل ممن عداهم ليس بأمور جسمانية وانّما هو بأحوال نفسانية كما أشار إليه بقوله قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌلَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ليعلم صدقه بتصديق الملك.

(٨) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها على سبيل النزل اي ان لم يلق إليه كنز فلا أقلّ أن يكون له بستان كما للدّهاقين والمياسير فيتعيّش بريعه وقرء نأكل بالنون وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ ما تتبعون إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً سحر فغلب على عقله قيل وضع الظَّالِمُونَ موضع ضميرهم تسجيلاً عليهم بالظلم فيما قالوه.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : نزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا وَقالَ الظَّالِمُونَ لآل محمّد عليهم السلام حقّهم إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً

٥

(٩) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك الأحوال النادرة فَضَلُّوا عن الطريق الموصل الى معرفة خواص النبيّ صلّى الله عليه وآله والتمييز بينه وبين المتنبي فخبطوا خبط عشواء فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً الى القدح في نبوتك أو الى الرّشد والهدى.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : إلى ولاية عليّ عليه السلام وعليّ هو السبيل.

(١٠) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ في الدنيا خَيْراً مِنْ ذلِكَ مما قالوه ولكن اخره الى الآخرة لأنّه خير وأبقى جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً وقرئ يجعل بالرّفع.

في الاحتجاج وتفسير الإمام عليه السلام في سورة البقرة عند قوله سبحانه أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قال الإمام عليه السلام : قلت لأبي عليّ بن محمّد عليهما السلام هل كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم قال مراراً كثيرة وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان قاعداً ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة فابتدأ عبد الله بن أبي اميّة المخزوميّ فقال يا محمّد لقد ادّعيت دعوىً عظيمة وقلت مقالاً هائلاً زعمت أنّك رسول ربّ العالمين وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشراً مثلنا يأكل كما نأكل وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ كما نمشي وهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً الّا كثير مال عظيم خطير له قصور ودُور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهُم فهم عبيده ولو كنت نبيّاً لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده بل لو أراد الله ان يبعث إلينا نبيّاً لكان انّما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا ما أنت يا محمّد الا مسحوراً ولست بنبيّ ثم اقترحوا أشياء كثيرة مضى ذكرها في سورة بني إسرائيل ويأتي ذكر بعضها في سورة الزخرف إن شاء الله : فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله اللهمّ أنت السّامع لكلّ صوت والعالم بكلّ شيء تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليهم يا محمد وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ إلى قوله قُصُوراً مع آيات أخر قد مضت : قال فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا عبد الله امّا ما ذكرت من اني آكل

٦

الطعام كما تأكلون وزعمت انّه لا يجوز لأجل هذه ان أكون لله رسولاً فانّما الامر لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود وليس لي ولا لأحد اعتراض وكيف الا ترى انّ الله كيف أفقر بعضاً وأغنى بعضاً وأعزّ بعضاً وأذلَّ بعضاً وأصحّ بعضا وأسقم بعضاً وشرّف بعضاً ووضع بعضاً وكلّهم ممّن يأكل الطعام ثمّ ليس للفقراء أن يقولوا لم أفقرتنا وأغنيتهم ولا للوضعاء ان يقولوا لم وضعتنا وشرّفتهم ولا للزّمناء والضعفاء ان يقولوا لم أزمنتنا وأضعفتنا وصحّحتهم ولا لأذلاء ان يقولوا لم اذلتنا وأعززتهم ولا لقباح الصّور ان يقولوا لم أقبحتنا وجمّلتهم بل ان قالوا ذلك كانوا على ربّهم رادّين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين ولكن جوابه لهم انا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعزّ المذلّ المصحّح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم الّا التسليم لي والانقياد لحكمي فان سلّمتم كنتم عباداً مؤمنين وان أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين ثمّ انزل الله عليه يا محمد قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعني آكل الطّعام يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يعني قل لهم انا في البشريّة مثلكم ولكن ربّ خصّني بالنبوّة كما يخصّ بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر فلا تنكروا ان يخصّني أيضاً بالنبوة ثم أجاب عن مقترحاتهم الاخر بما سبق ذكره في سورتي بني إسرائيل والانعام : ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وامّا قولك ما أنت الّا رجل مسحور فكيف أكون كذلك وقد تعلمون أنّي في صحّة التّميز والعقل فوقكم فهل جرّبتم عليّ مُذْ نشأت الى ان استكملت أربعين سنة خزية أو ذلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفهاً من الرّأي أتظنّون انّ رجلاً يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوّته وذلك ما قال الله انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً الى ان يثبتوا عليك عمىً بحجّة أكثر دعاويهم الباطلة التي يبيّن عليك لتحصيل بطلانها

(١١) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ فقصرت انظارهم على الحطام الدنيويّة فظنّوا انّ الكرامة انّما هي بالمال وطعنوا فيك بفقرك وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً ناراً شديدة الاسعار

(١٢) إِذا رَأَتْهُمْ إذا كانت بمرأى منهم مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ

في المجمع عن الصادق عليه السلام والقمّيّ قال : من مسيرة سنة سَمِعُوا لَها

٧

تَغَيُّظاً وَزَفِيراً صوت تغيّظ.

(١٣) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ

القمّيّ قال مقيّدين بعضهم مع بعض دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً هلاكاً أي يتمنّون هلاكاً وينادونه.

(١٤) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً أي يقال لهم ذلك وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً لأنّ عذابكم أنواع كثيرة.

(١٥) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً.

(١٦) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً كان ما يَشاؤُنَ موعوداً حقيقاً بأن يسئل ويطلب أو سأله الناس بقولهم رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ او الملائكة بقولهم وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ.

(١٧) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ يعمّ كلّ معبود سواه فَيَقُولُ أيّ للمعبودين وقرء بالنّون فيهما أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ لإخلالهم بالنظر الصحيح واعراضهم عن المرشد النصيح وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة.

(١٨) قالُوا سُبْحانَكَ تعجّباً ممّا قيل لهم لأنّهم امّا ملائكة وأنبياء معصومون او جمادات لا تقدر على شيء واشعاراً بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده فكيف يليق بهم إضلال عبيده أو تنزيهاً لله عن الأنداد ما كانَ يَنْبَغِي لَنا ما يصحّ لنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ في المجمع عن الباقر عليه السلام : انّه قرء نتّخذ بضم النون وفتح الخاء وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ بأنواع النّعم واستغرقوا في الشهوات حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ حتّى غفلوا عن ذكرك والتذكّر لآلائك والتّدبّر في آياتك وَكانُوا قَوْماً بُوراً هالكين.

(١٩) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ التفات الى العبدة بالاحتجاج والإلزام على حذف القول والمعنى فقد كذبكم المعبودون بِما تَقُولُونَ في قولكم إنّهم آلِهة وهؤلاء اضلّونا وقرء

٨

بالياء اي كَذَّبُوكُمْ بقولهم سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنافَما يستطيعون أي المعبودون وقرء بالتاء على خطاب العابدين صَرْفاً دفعاً للعذاب عنكم وَلا نَصْراً فيعينكم عليه وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً وهو النار.

(٢٠) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ جواب لقولهم ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ.

في المجمع عن عليّ عليه السلام : انّه قرء يمشّون بضم الياء وبفتح الشين المشدّدة اي يمشيهم حوائجهم أو الناس وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ أيّها النّاس لِبَعْضٍ فِتْنَةً ابتلاء ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء والمرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وايذاؤهم لهم وهو تسلية للنبيّ صلى الله عليه وآله على ما قالوه بعد نقضهم أَتَصْبِرُونَ علّة للجعل اي لنعلم أيّكم يصبر وحثّ على الصبر على ما افتتنوا به وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً بمن يصبر ولا يصبر.

(٢١) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا بالخير لكفرهم بالبعث وأصل اللّقاء الوصول لَوْ لا هلّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فيخبرونا بصدق محمّد أو يكونون رسلاً إلينا أَوْ نَرى رَبَّنا فيأمرنا بتصديقه واتّباعه لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ في شأنها وَعَتَوْا وتجاوزوا الحدّ في الظلم عُتُوًّا كَبِيراً بالغاً أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها وَاقْتَرَحُوا لِأَنْفُسهم الخبيثة ما سدّت دونه مطامع النفوس القدسيّة.

(٢٢) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ملائكة الموت أو العذاب لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً يستعيذون منهم ويطلبون من الله ان يمنع لقاءهم وهي ممّا كانوا يقولون عند لقاء عدوّ أو هجوم مكروه.

(٢٣) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية فقال ان كانت أعمالهم لأشدّ بياضاً من القباطي فيقول الله عزّ وجلّ لها كوني هَباءً مَنْثُوراً وذلك انّهم كانوا إذا شرع لهم الحرام أخذوه وفي رواية : لم يدعوه.

٩

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : يبعث الله يوم القيامة قوماً بين أيديهم نور كالقباطيّ ثمّ يقول له كن هَباءً مَنْثُوراً ثم قال اما والله انّهم كانوا يصومون ويصلَّون ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه وإذا ذكر لهم شيء من فضل أمير المؤمنين عليه السلام أنكروه قال والهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في الكوّة من شعاع الشمس.

وفي البصائر عن الصادق عليه السلام : انه سئل أعمال من هذه فقال اعمال مبغضينا ومبغضي شيعتنا.

(٢٤) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا مكاناً يستقر فيه في أكثر الأوقات للتجالس والتحادث وَأَحْسَنُ مَقِيلاً مكاناً يؤوى إليه للاسترواح قيل تجوّز له من مكان القيلولة على التشبيه إذ لا نوم في الجنة.

وفي الكافي في حديث سؤال القبر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ثم يفتحان له باباً إلى الجنّة ثمّ يقولان له نم قرير العين نوم الشّابّ النّاعم فانّ الله يقول أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً.

والقّمي عن الباقر عليه السلام : بلغنا والله أعلم أنّه إذا استوى أهل النار إلى النار لينطلق بهم قبل أن يدخلوا النار فيقال لهم ادخلوا الى ظِلٍّ ذي ثَلثٍ شُعَبٍ من دخان النّار فيحسبون انّها الجنّة ثمّ يدخلون النّار أفواجاً وذلك نصف النّهار واقبل أهل الجنّة فيما اشتهوا من التّحف حتّى يعطوا منازلهم في الجنّة نصف النهار فذلك قول الله عزّ وجلَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ الآية.

وعن الصادق عليه السلام : لا ينتصف ذلك اليوم حتّى يقبل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.

(٢٥) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ تتشقق وقرء بتشديد الشين بِالْغَمامِ بسبب طلوع الغمام منها قيل هو الغمام المذكور في قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُوَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً وقرء وينزل من الانزال ونصب الملائكة قيل

١٠

أي في ذلك الغمام بصحائف الاعمال.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : بِالْغَمامِ أمير المؤمنين.

(٢٦) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ الثابت له لأنّ كلّ ملك يبطل يومئذ ولا يبقى الّا ملكه وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً شديداً.

(٢٧) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ من فرط الحسرة.

القمّيّ قال الأوّل يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : عليّاً وليّاً.

(٢٨) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً قال يعني الثاني.

(٢٩) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي قال يعني الولاية وَكانَ الشَّيْطانُ قال وهو الثاني لِلْإِنْسانِ خَذُولاً.

وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام وفي خطبة الوسيلة قال : في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع وطال لها الاستماع ولئن تقمّصها دوني الا شقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فليس ما عليه وردها ولبئس ما لأنفسهما مهداً يتلاعنان في دورهما ويتبرّء كلّ منهما من صاحِبه يقول لقرينه إذا التقيا يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ فيجيبه الأشقى على وثوبه يا لَيْتَني لَمْ اتَّخِذْكَ خَلِيلاً لَقَدْ اضْلَلْتَنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً فأنا الذِّكْرِ الذي عنه ضلَّ السبيل الذي عنه مال والايمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذّب والصراط الذي عنه نكب.

وفي الاحتجاج عنه عليه السلام في احتجاجه على بعض الزنادقة قال : انّ الله ورّى أسماء من اغترّوا فتن خلقه وضلّ واضلّ وكنّى عن اسمائهم في قوله وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ الآيتين

(٣٠) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً بأن تركوه وصدّوا عنه.

١١

(٣١) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ كما جعلناه لك فاصبر كما صبروا وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً لك عليهم وقد سبق في المقدّمة السادسة حديث من الاحتجاج فيه بيان لهذه الآية.

(٣٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أي انزل عليه كخبر بمعنى أخبر لئلّا يناقض قوله جُمْلَةً واحِدَةً دفعة واحدة كالكتب الثلاثة كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي كذلك أنزلناه مفرّقاً لنقّوي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ولأنّه إذا انزل به جبرئيل حالاً بعد حال يثبت به فؤادك وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً وقرأناه عليك شيئاً بعد شيء على تؤدة وتمهّل في عشرين سنة.

(٣٣) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ الدَّامغ له في جوابه وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً وبما هو أحسن بياناً ومعنى من سؤالهم.

(٣٤) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه سئل كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إنّ الذي أمشاه على رجليه قادر ان يمشيه على وجهه يوم القيامة.

(٣٥) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً يؤازره في الدّعوة وإعلاء الكلمة.

(٣٦) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني فرعون وقومه فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً أي فذهبا إليهم فكذَّبوهما فَدَمَّرْناهُمْ.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : فدمّرناهم على التأكيد بالنون الثقيلة وفي رواية : فدمّراهم قال وهذا كأنّه امر لموسى وهرون ان يدمّراهم.

(٣٧) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ بالطوفان وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً عبرة وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً.

(٣٨) وَعاداً وَثَمُودَ وجعلنا عاداً وَثَمُودَ ايضاً وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً واهل

١٢

اعصار بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً لا يعلمها إلّا الله.

(٣٩) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ بيّنا له القصص العجيبة من قصص الأوَّلين اعذاراً وإنذاراً فلمّا اصرّوا اهلكوا كما قال وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً فتّناه تفتيناً ومنه التَّبر لفتات الذهب والفضة.

وفي المعاني والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : يعني كسّرنا تكسيراً وزاد القمّيّ قال هي لفظة بالنبطيّة.

في العيون والعلل عن الرضا عن أبيه عن أبيه عن أبيه الحسين ابن عليّ عليه السلام قال : اتى عليّ بن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيّام رجل من اشراف تميم يقال له عمرو فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن أَصْحابَ الرَّسِ في أيّ عصر كانوا وأين كانت منازلهم ومن كان ملكهم وهل بعث الله إليهم رسولاً أم لا وبما إذا اهلكوا فانّى أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ولا أجد خبرهم فقال عليّ عليه السلام لقد سئلت عن حديثٍ ما سألني عنه أحد قبلك ولا يحدّثك به أحد بعدي الّا عنّي وما في كتاب الله تعالى آية الّا وانا اعرفها واعرف تفسيرها وفي أيّ مكان نزلت من سهل أو جبل وفي أيّ وقت من ليل أو نهار وانّ هنا لعلماً جمّاً وأشار الى صدره ولكن طلّابه يسيروا عن قليل تندمون لو فقدتموني كان من قصصهم يا أخا تميم انّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبر يقال له شاه درخت كان يافث بن نوح غرسها على شفيرة عين يقال لها روشاب كانت أنبتت النوح بعد الطّوفان وانّما سمّوا أَصْحابَ الرَّسِ لأنّهم رسّوا نبيّهم في الأرض وذلك بعد سليمان بن داود وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرسّ من بلاد المشرق وبهم سمّي ذلك النّهر ولم يكن يومئذ في الأرض نهر اغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا اعمر منها تسمّى احداهنّ ابان والثانية آذر والثالثة دي والرّابعة بهمن والخامسة إسفندار والسادسة فروردين والسابعة أرديبهشت والثامنة خرداد والتاسعة مرداد والعاشرة تير والحادية عشر مهر والثانية عشر شهريور وكانت أعظم مداينهم إسفندار وهي التي ينزلها ملكهم وكان يسمّى تركود بن غابور بن يارش بن سادن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم (ع) وبها

١٣

العين والصنوبرة وقد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصنوبرة فنبتت الحبّة وصارت شجرة عظيمة وحرّموا ماء العين والأنّهار ولا يشربون منها ولا أنعامهم ومن فعل ذلك قتلوه ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد ان ينقص من حياتها ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرسّ الذي عليه قراهم وقد جعلوا في كلّ شهر من السنة في كلّ قرية عيداً يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كِلّة من حرير فيها من أنواع الصّور ثمّ يأتون بشاة وبقر فيذبحونهما قرباناً للشجرة ويشعلون فيها النيران بالحطب فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خرّوا سجّداً للشجرة يبكون ويتضرّعون إليها ان ترضى عنهم وكان الشيطان يجيء فيحرّك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبيّ انّي قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون الدّست بند فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثمّ ينصرفون وانّما سمّت العجم شهورها بابان ماه وآذر ماه وغير هما اشتقاقاً من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا وعيد شهر كذا حتّى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليه صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من ديباج عليه أنواع الصور له اثنا عشر باباً كلّ باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجاً من السّرادق ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قرّبوا للشجرة التي في قراهم فيجيء إبليس عند ذلك فيحرّك الصنوبرة تحريكاً شديداً ويتكلّم من جوفها كلاماً جهوريّاً ويعدهم ويمنّيهم بأكثر ممّا وعدتهم ومنّتهم الشياطين كلّها فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلَّمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوماً ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثمّ ينصرفون فلمّا طال كفرهم بالله عزّ وجلّ وعبادتهم غيره بعث الله سبحانه إليهم نبيّاً من بني إسرائيل من ولد يهود من يعقوب فلبث فيهم زماناً طويلاً يدعوهم إلى عبادة الله عزّ وجلّ ومعرفته وربوبيته فلا يتّبعونه فلمّا رأى شدّة تماديهم في الغيّ والضّلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال يا ربّ انّ عبادك أبوا الّا تكذيبي والكفر بك وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضرّ فأيبس شجرهم اجمع

١٤

وأرهم قدرتك وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم فهالهم ذلك وقطع بهم وصاروا فرقتين فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرّجل الذي يزعم أنّه رسول إله السماء والأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم الى الهه وفرقة قالت لا بل غضب آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهائها لكي تغضبوا عليه فتضرّوا منه فأجمع رأيهم على قتله فاتّخذوا أنابيب طوالاً من رصاص واسعة الأفواه ثمّ أرسلوها في قرار العين الى على الماء واحدة فوق الأخرى مثل اليراع ونزحوا ما فيها من الماء ثمّ حفروا في قرارها بئر ضيّقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيّهم والقموا فاها صخرة عظيمة ثمّ اخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا نرجو الآن ان ترضى عنّا آلهتنا إذا رأت انّا قد قتلنا من كان يقع فيها ويصدّ عن عبادتها ودفنّاه تحت كبيرها يتشفّى منه فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان فبقوا عامّة يومهم يسمعون أنين نبيّهم وهو يقول سيّدي قد ترى ضيق مكاني وشدّة كربي فارحم ضعف ركني وقلّة حيلتي وعجّل بقبض روحي ولا تؤخّر إجابة دعوتي حتّى مات فقال الله تعالى لجبرئيل يا جبرئيل أَيظنّ عبادي هؤلاء الذين غرّهم حلمي وآمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي ان يقوموا لغضبي ويخرجوا من سلطاني كيف وانا المنتقم ممّن عصاني ولم يخش عقابي وانّي حلفت بعزّتي لأجعلنّهم عبرة ونكالاً للعالمين فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك الّا بريح عاصفة شديدة الحمرة فتحيّروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض ثمّ صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت تتوقّد واظلّتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبّة جمراً يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرّصاص في النّار فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ولا حول ولا قوّة الّا بالله العليّ العظيم والقمّيّ الرَّسِ نهر بناحية آذربايجان.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : انّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهنّ عن السَّحق فقال حدّها حدّ الزاني فقالت المرأة ما ذكر الله عزّ وجلّ ذلك في القرآن فقال بلى فقالت وأين هو قال هنّ أَصْحابَ الرَّسِ.

والقمّيّ عنه عليه السلام قال : دخلت امرأة مع مولاة لها على أبي عبد الله عليه السلام فقالت ما تقول في اللّواتي مع اللّواتي قال هنّ في النار إذا كان يوم القيامة اتي

١٥

بهنّ فألبسن جلباباً من نار وخفّين من نار وقناعاً من نار وادخل في اجوافهنّ وفروجهنّ اعمدة من نار وقذف بهنّ في النار فقالت ليس هذا في كتاب الله قال نعم قالت أين هو قال قوله وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ فهنّ الرسّيّات.

وفي المجمع عنهما عليهما السلام : انّ سحق النساء كان في أَصْحابَ الرَّسِ وبلفظ آخر : كان نساؤهم سحّاقات.

(٤٠) وَلَقَدْ أَتَوْا يعني قريشاً مرّوا مراراً في متاجرهم إلى الشام عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : وامّا الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ فهي سدوم قرية قوم لوط أمطر الله عليهم حجارة من سجّيل يقول من طين أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها في مرار مرورهم فيتّعظون بما يرون فيها من آثار عذاب الله بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً بل كانوا كفرة لا يتوقّعون نشوراً ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتّعظوا فمرّوا بها كما مرّت ركابهم.

(٤١) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ما يتّخذونك الّا موضع هزءٍ أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً أي يقولون ذلك تهكّماً واستهزاء.

(٤٢) إِنْ كادَ انّه كاد لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا ليصرفنا عن عبادتها بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يورد ممّا يسبق الى الذّهن انّها حجج ومعجزات لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها ثبّتنا عليها واستمسكنا بعبادتها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً فيه وعيد ودلالة على أنّه لا يهملهم وان امهلهم.

(٤٣) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ بأن أطاعه وبنى عليه دينه لا يسمع حجّة ولا يتبصّر دليلاً أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً حفيظاً تمنعه عن الشرك والمعاصي وحاله هذا فالاستفهام الأوّل للتّقرير والتعجّب والثاني للإنكار.

(٤٤) أَمْ تَحْسَبُ بل أتحسب أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ فتجدي لهم الآيات والحجج فتهتّم بشأنهم وتطمع في ايمانهم وهو أشدّ مذمّة ممّا قبله حتّى حقّ

١٦

بالإضراب عنه إليه وتخصيص الأكثر لأنّه كان منهم من آمن ومنهم من عقل الحق وكابر استكباراً وخوفاً على الرياسة إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ في عدم انتفاعهم بقرع الآيات آذانهم وعدم تدبّرهم فيما شاهدوا من الدّلائل والمعجزات بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً من الانعام لأنّها تنقاد من يتعهّدها وتميز من يحسن إليها ممّن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرّها وهؤلاء لا ينقادون لربّهم ولا يعرفون إحسان الرحمن من أساءة الشيطان ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتّقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ ولأنّها لو لم تعتقد حقّاً ولم تكتسب خيراً لم تعتقد باطلاً ولم تكتسب شرّاً بخلاف هؤلاء ولأنّ جهالتها لا تضرّ بأحد وجهالة هؤلاء تؤدّي الى هيج الفتن وصدّ الناس عن الحق ولأنّها غير متمكّنة من تحصيل الكمال فلا تقصير منها ولا ذمّ وهؤلاء مقصّرون ومستحقون أعظم العقاب على تقصيرهم ، القمّيّ قال نزلت في قريش وذلك انّه ضاق عليهم المعاش فخرجوا من مكّة وتفرّقوا وكان الرجل إذا رأى شجرة حسنة أو حجراً حسناً هواه فعبده وكانوا ينحرون لها النعم ويلطّخونها بالدم ويسمونها سعد صخرة وكان إذا أصابهم داء في إبلهم واغنامهم جاؤوا الى الصخرة فيتمسّحون بها الغنم والإبل فجاء رجل من العرب بابل له يريد أن يتمسّح بالصخرة ابله ويتبارك عليها فنفرت ابله وتفرّقت فقال الرجل أتيت الى سعد ليجمع شملنا فشتّتنا من سعد فما نحن من سعد وما صخر الّا صخرة مستودّة من الأرض لا تهدي لغيّ ولا رشد ومرّ به رجل من العرب والثعلب يبول عليه فقال :

وربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

(٤٥) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ الم تنظر إلى صنعه كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ كيف بسطه.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية قال الظِّلَ ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس قيل وهو أطيب الأحوال فانّ الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسدّ النظر وشعاع الشمس يسخن الهواء ويبهر البصر ولذلك وصف به الجنّة فقال وَظِلٍّ مَمْدُودٍوَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثابتاً من السّكنى أو غير متقلّص من السكون بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً فانّه لا يظهر للحسّ حتّى تطلع فيقع ضوؤها على بعض الاجرام فلولاها لما عرف الظّلّ ولا يتفاوت الّا بسبب حركتها

١٧

(٤٦) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا أي أزلناه بإيقاع الشّعاع موقعه لمّا عبّر عن احداثه بالمدّ بمعنى التّيسير عبّر من إزالته بالقبض إلى نفسه الذي هو في معنى الكفّ قَبْضاً يَسِيراً قليلاً قليلاً حسبما ترتفع الشمس لتنظم بذلك مصالح الكون ويتحصّل به ما لا يحصى من منافع الخلق.

(٤٧) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً شبّه ظلامه باللّباس في ستره وَالنَّوْمَ سُباتاً راحة للأبدان بقطع المشاغل وأصل السّبت القطع وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً ذا نشور اي انتشار ينتشر فيه الناس وفيه إشارة إلى انّ النوم واليقظة أنموذج للموت والنشور. وفي الحديث : النبويّ : كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون.

(٤٨) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً أي ناشرات للسّحاب أو مبشّرات على اختلاف القرّاء كما مضى في سورة الأعراف بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعني قدّام المطر وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً مطهّراً أو بليغاً في الطهارة وصفه به اشعاراً بالنّعمة فيه وتتميماً للمنّة فيما بعده فانّ الماء الطّهور أهنأ وانفع ممّا خالطه ما يزيل طهوريته

(٤٩) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً بالنبات وتذكر ميتاً لأنّ البلدة في معنى البلد وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً.

(٥٠) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ قيل صرّفنا هذا القول بين الناس في القرآن وساير الكتب أو المطر بينهم في البلدان المختلفة في الأوقات المتغايرة والصفات المتفاوتة من وابل وطل وغيرهما.

وفي الفقيه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ما اتى على أهل الدنيا يوم واحد منذ خلقها الله عزّ وجلّ الّا والسماء فيها يمطر فيجعل الله ذلك حيث يشاء لِيَذَّكَّرُوا ليتفكّروا ويعرفوا كمال القدرة وحقّ النعمة في ذلك ويقوموا بشكره ويعتبروا بالصرف عنهم وإليهم فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً الّا كفران النعمة وقلّة الاكتراث لها وجحودها بأن يقولوا أمطرنا نبؤ كذا من غير أنّ يروه من الله ويجعلوا الأنوار وسائط مسخّرات

(٥١) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً نَبيّاً ينذر أهلها فيخف عليك أعباء النبوّة لكن قصرنا الامر عليك اجلالاً لك وتعظيماً لشأنك وتفضيلاً لك على سائر الرّسل فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدّعوة وإظهار الحق.

١٨

(٥٢) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ فيما يريدونك عليه وهو تهييج له وللمؤمنين وَجاهِدْهُمْ بِهِ القرآن أو يترك طاعتهم جِهاداً كَبِيراً يعني انّهم يجتهدون في إبطال حقّك فقابلهم بالاجتِهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم فانّ مجاهدة السّفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسّيف.

(٥٣) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ خلّاهما متجاوزين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج دابتّه إذا خلاها هذا عَذْبٌ فُراتٌ بليغ العذوبة وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ بليغ الملوحة.

في الكافي عنهما عليهما السلام : ان الله جلّ وعزّ عرض ولايتنا على المياه فما قبل ولايتنا عذب وطاب وما جحد ولايتنا جعله الله مرّاً وملحاً اجاجاً وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً حاجزاً من قدرته وَحِجْراً مَحْجُوراً قيل تنافراً بليغاً أو حدّاً محدوداً وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقّه فتجري في خلاله فراسخ لا يتغّير طعمها والقمّيّ يقول حراماً محرّماً ان يغّير واحد منهما طعم الآخر.

(٥٤) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً قيل يعني الذي خمّر به طينة آدم (ع) ثم جعله جزء من مادّة البشر ليجتمع ويسلسل ويقبل الاشكال بسهولة أو النّطفة فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً فقسّمه قسمين ذوي نسب أي ذكوراً ينسب إليهم وذوات صهر اي اناثاً يصاهر بهنّ وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً حيث خلق من مادّة واحدة بشراً ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية فقال إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه فجرى بذلك الضّلع بينهما سبب ونسب ثمّ زوّجها إيّاه فجرى بينهما بسبب ذلك صهر فذلك قوله نَسَباً وَصِهْراً فالنسب ما كان بسبب الرّجال والصهرْ ما كان بسبب النساء.

وفي المجمع عن ابن سيرين : نزلت في النبيّ صلّى الله عليه وآله وعليّ بن أبي طالب عليه السلام زوّج فاطمة عليّاً وهو ابن عمّه وزوّج ابنته فكانت نَسَباً وَصِهْراً

١٩

وفي المعاني عن الباقر عن أمير المؤمنين عليهما السلام قال : ألا وانيّ مخصوص في القرآن بأسماء احذروا ان تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم انا الصّهر يقول الله عزّ وجل وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً.

وفي الأمالي بإسناده الى انس بن مالك عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : قلت له يا رسول الله عليّ أخوك قال نعم عليّ اخي قلت يا رسول الله صف لي كيف عليّ أخوك قال إنّ الله عزّ وجلّ خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاثة آلاف عام وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه إلى أن خلق آدم فلمّا خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم إلى أن قبضه الله تعالى ثمّ نقله الى صلب شيث فلم يزل ذلك الماء ينقل من ظهر الى ظهر حتّى صار في عبد المطّلب ثمّ شقّه عزّ وجلّ نصفين فصار نصفه في أبي عبد الله بن عبد المطلب ونصفه في أبي طالب فانا من نصف الماء وعليّ من النصف الآخر فعليّ اخي في الدنيا والآخرة ثمّ قرء رسول الله صلّى الله عليه وآله وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الآية ، وفي روضة الواعظين قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : خلق الله عزّ وجلّ نطفة بيضاء مكنونة فنقلها من صلب الى صلب حتّى نقلت النطفة الى صلب عبد المطلب فجعل نصفين فصار نصفها في عبد الله ونصفها في أبي طالب فأنا من عبد الله وعليّ من أبي طالب وذلك قول الله عزّ وجل وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الآية.

(٥٥) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً يظاهر الشيطان في العداوة والشّرك.

في البصائر عن الباقر عليه السلام : انّه سئل عنها فقال تفسيرها في بطن القرآن عليّ هو ربّه في الولاية والربّ هو الخالق الّذي لا يوصف.

اقولُ : يعني أنّ الربّ على الإطلاق الغير المقيّد بالولاية هو الله الخالق جلّ ذكره.

والقمّيّ قد يسمّى الإنسان ربّاً كقوله تعالى اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ وكلّ مالك لشيء يسمّى ربّه وقوله تعالى وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً فقال الْكافِرُ الثاني وكان علي امير

٢٠