تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

عليّ عليه السلام.

(٢٩) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أي ليعلموا ولا مزيدة أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

في المجمع ما معناه : انّه لمّا نزل قوله أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا في أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسمع ذلك الذين لم يؤمنوا به فخروا على المسلمين فقالوا يا معشر المسلمين امّا من آمن منّا بكتابكم وكتابنا فله أجران ومن آمن منّا بكتابنا فله اجر كاجوركم فما فضلكم علينا فنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية

وفي رواية : فخر الذين آمنوا منهم بمحمّد صلّى الله عليه وآله أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وقالوا نحن أفضل منكم لنا أجران ولكم اجر واحد فنزل لِئَلَّا يَعْلَمَ الآية.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الحديد والمجادلة في فريضة وأدمنها لم يعذّبه الله حتّى يموت أبداً ولا يرى في نفسه ولا اهله سوء أبداً ولا خصاصة في بدنه.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : من قرأ المسبّحات كلّها قبل أن ينام لم يمت حتّى يدرك القائم صلوات الله عليه وإن مات كان في جوار رسول الله صلّى الله عليه وآله.

١٤١

سُورة المجادلة

مدنيّة عدد آيها احدى وعشرون آية مكّي والمدنيّ الأخير وآيتان في

الباقين اختلافها آية في الأذلّين غير المكّي والمدنيّ الأخير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما تراجعكما الكلام إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ للأقوال والأحوال.

(٢) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ الظهّار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر امّي مشتقّ من الظهر وقرئ يظهرون من أظهر ويظاهرون من ظاهر ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ على الحقيقة إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ لما سلف منه.

(٣) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قيل أي الى قولهم بالتدارك بنقض ما يقتضيه ويأتي له تفسير آخر عن قريب فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ لكي ترتدعوا عن مثله وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لا يخفى عليه خافية.

(٤) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الرقبة فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ بأن يصوم شهراً ومن الآخر شيئاً متّصلاً به ثمّ يتمّ الآخر متوالياً أو متفرّقاً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا بالمجامعة فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصيام من مرض أو عطاش أو نحو ذلك فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً بقدر شبعهم أو إعطاء مدّ لكلّ مسكين ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ فرض ذلك لتصدّقوا بالله ورسوله في قبول شرايعه ورفض ما كنتم عليه في جاهليّتكم وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ لا يجوز تعدّيها وَلِلْكافِرِينَ الذين لا يقبلونها عَذابٌ أَلِيمٌ القمّيّ قال : كان سبب نزول هذه الآية انّه أوّل

١٤٢

من ظاهر في الإسلام كان رجلاً يقال له أوس بن الصامت بن الأنصار وكان شيخاً كبيراً فغضب على اهله يوماً فقال لها أنت عَلَيَّ كظهر امّي ثمّ ندم على ذلك قال وكان الرجل في الجاهليّة إذا قال لأهله أنت عليّ كظهر امّي حرمت عليه آخر الأبد وقال أوس لأهله يا خولة انّا كنّا نحرّم هذا في الجاهليّة وقد أتانا الله بالإسلام فاذهبي الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فاسألي عن ذلك فأتت خولة رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت بأبي أنت وأمّي يا رسول الله انّ أوس بن الصامت هو زوجي وأبو ولدي وابن عمّي فقال لي أنت عليّ كظهر امّي وانّا نحرّم ذلك في الجاهليّة وقد أتانا الله بالإسلام بك.

وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام ما في معناه وزاد في آخره : فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله ايّتها المرأة ما اظنّك إلّا وقد حرمت عليه فرفعت المرأة يدها إلى السماء فقالت أشكو إلى الله فراق زوجي فأنزل الله يا محمّد قَدْ سَمِعَ اللهُ إلى قوله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ قال ثمّ أنزل الله الكفّارة في ذلك فقال وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ الى عَذابٌ أَلِيمٌ.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام انّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : انّ امرأة من المسلمات أتت النبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله انّ فلاناً زوجي وقد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته لم يرمّني مكروهاً أشكوه إلى الله وإليك فقال ممّا تشكينه فقالت انّه قال أنت عليّ حرام كظهر امّي وقد اخرجني من منزلي فانظر في أمري فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله ما أنزل الله تبارك وتعالى كتاباً أقضي فيه بينك وبين زوجك وانا اكره ان أكون من المتكلّفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عزّ وجلّ وإلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وانصرفت قال فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله صلّى الله عليه وآله في زوجها وما شكت إليه فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك قُرآناً بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما يعني محاورتها لرسول الله صلّى الله عليه وآله في زوجها إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ الآية قال فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله الى المرأة فأتته فقال لها جيئيني بزوجك فأتت به فقال

١٤٣

أقلت لامرأتك هذه أنت عَلَيَّ حرام كظهر امّي فقال قد قلت لها ذاك فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفي امرأتك قرآناً فقرأ عليه ما انزل الله قَدْ سَمِعَ اللهُ إلى قوله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ثم قال فضمّ إليك امرأتك فانّك قد قلت منكراً من القول وزوراً وقد عفا الله عنك وغفر لك ولا تعد قال فانصرف الرجل وهو نادم على ما قاله لامرأته وكره الله عزّ وجلّ ذلك للمؤمنين بعد وأنزل الله الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال يعني ما قال الرجل الأول لامرأته أنت عليّ كظهر امّي قال فمن قالها بعد ما عفا الله وغفر للرجل الأوّل فانّ عَلَيْهِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا يعني مجامعتها ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ قال فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ يعني مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً قال فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا ثمّ قال ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ قال هذا حدّ الظهّار ثمّ قال عليه السلام ولا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب ولا يكون ظهار الّا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : ان امرأة الحديث بأدنى تفاوت في ألفاظه.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن رجل مملك (١) ظاهر من امرأته قال لا يكون ظهار ولا إيلاء حتّى يدخل بها وتفاصيل احكام الظهار تطلب من كتب الأخبار.

(٥) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ يعادونهما فان كلّا من المتعاديين في حدّ غير حدّ الآخر وقيل يضعون حدوداً غير حدودهما كُبِتُوا أخروا واهلكوا وأصل الكبت الكبّ كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كفّار الأمم الماضية وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ تدلّ على صدق الرسول وما جاء به وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ يذهب عزّهم وتكبّرهم.

(٦) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً كلّهم لا يدع أحداً أو مجتمعين فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أي على رؤوس الأشهاد تقريراً لعذابهم أَحْصاهُ اللهُ أحاط به عدداً لم يغب منه شيء.

__________________

(١) الاملاك : التزويج في عقد النكاح.

١٤٤

وَنَسُوهُ لكثرته أو تهاونهم به وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ لا يغيب عنه شيء.

(٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ من تناجي ثلاثة أو من متناجين ثلاثة إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ إلّا الله يجعلهم أربعة إذ هو مشاركهم في الاطّلاع عليها وَلا خَمْسَةٍ ولا نجوى خمسة إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ يعلم ما يجري بينهم أَيْنَ ما كانُوا فانّ علمه بالأشياء ليس لقرب مكانيّ حتّى يتفاوت باختلاف الامكنة.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : يعني بالإحاطة والعلم لا بالذات لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات الزمها الحواية.

و : سئل عن أمير المؤمنين عليه السلام عن الله أين هو فقال هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا ثمّ تلا هذه الآية أشار الى انّه انّما هو رابع الثلاثة وسادس الخمسة المتناجين باحاطته بهم وغلبته عليهم وعلمه بما يتناجون به وشهوده لديهم في تناجيهم لا انّه واحد منهم وفي عدادهم بذاته المقدّسة لأنّ ذلك يستلزم الحدّ والمكان والحواية ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ تقريراً لما يستحقّونه من الجزاء إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا يخفى عليه خافية.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : نزلت هذه الآية في فلان وفلان وأبي عبيدة ابن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتواثقوا لئن مضى محمّد صلّى الله عليه وآله لا يكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوّة أبداً والقمّيّ : ما في معناه.

(٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ قيل نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين فنهاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ عادوا لمثل فعلهم وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ أي بما هو اثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول وقرئ ويتنجون ويشهد لها حديث : ما انتجيته بل الله انتجاه في شأن عليّ عليه السلام وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ فيقولون السّام عليك أو أنعم صباحاً

١٤٥

وأنعم مساء والله سبحانه يقول وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى.

في روضة الواعظين روي : ان اليهود أتت النبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت السّام عليك يا محمّد والسّام بلغتهم الموت فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليكم فأنزل الله هذه الآية والقمّيّ : إذا أتوه قالوا له أنعم صباحاً وأنعم مساء وهي تحيّة اهل الجاهلية فأنزل الله هذه الآية فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله : قد أبدلنا الله بخير من ذلك تحيّة أهل الجنّة السلام عليكم وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ فيما بينهم لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ هلّا يعذّبنا بذلك لو كان محمّد نبيّاً حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ عذاباً يَصْلَوْنَها يدخلونها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ جهنّم.

(٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ كما يفعله المنافقون وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى بما يتضمّن خير المؤمنين والاتّقاء عن معصية الرسول وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيما تأتون وتذرون فانّه مجازيكم عليه.

(١٠) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ فانّه المزيّن لها والحامل عليها لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا بتوهّمهم انّها في نكبة أصابتهم وَلَيْسَ الشيطان أو التناجي بِضارِّهِمْ بضارّ المؤمنين شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ بمشيّته وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ولا يبالوا بنجواهم.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن قول الله إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ قال الثاني.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فانّ ذلك يحزنه وفيه وقيل ان المراد بالآية أحلام المنام التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : كان سبب نزول هذه الآية انّ فاطمة عليها السلام رأت في منامها انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله همّ ان يخرج هو وفاطمة وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة فخرجوا حتّى جازوا من حيطان

١٤٦

المدينة فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات اليمين حتّى انتهى الى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلّى الله عليه وآله شاة ذراء وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلمّا أكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة عليها السلام باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك فلمّا أصبحت جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله بحمار فأركب عليه فاطمة عليها السلام وامر ان يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة كما رأت فاطمة عليها السلام في نومها فلمّا خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها السلام حتّى انتهوا الى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلّى الله عليه وآله شاة ذراء كما رأت فاطمة عليها السلام فأمر بذبحها فذبحت وشويت فلمّا أرادوا أكلها قامت فاطمة عليها السلام وتنحّت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى وقع عليها وهي تبكي فقال ما شأنك يا بنيّة قالت يا رسول الله رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد فعلت أنت كما رأيته فتنحّيت عنكم لئلّا أراكم تموتون فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله فصلّى ركعتين ثمّ ناجى ربّه فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمّد هذا شيطان يقال الزّها وهو الذي أرى فاطمة هذه الرّؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمّون فأمر جبرئيل عليه السلام فجاء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال له أنت الذي أريت فاطمة هذه الرّؤيا فقال نعم يا محمّد فبزق عليه ثلاث بزقات قبيحة في ثلاث مواضع ثمّ قال جبرئيل لمحمّد صلّى الله عليه وآله يا محمّد إذا رأيت شيئاً في منامك تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل اعُوذُ بِما عاذَتْ بِهِ مَلائِكَةُ اللهِ الْمُقَرَّبُونَ وأنبياء اللهِ الْمُرْسَلُونَ وعباد الله الصالحون من شرّ ما رأيت في رؤياي ويقرأ الحمد والمعوّذتين وقل هو الله أحد ويتفل عن يساره ثلاث تفلات فانّه لا يضرّه ما رأى فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ الآية.

وفي الكافي عنه عليه السلام قال : إذا رأى الرّجل منكم ما يكره في منامه فليتحوّل عن شقّه الذي كان عليه نائماً وليقل إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ثمّ ليقل عُذْتُ بِما عاذت به ملائكة الله المقرّبون

١٤٧

وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شرّ ما رأيت ومن شرّ الشيطان الرجيم.

(١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ توسّعوا فيها وليفسح بعضكم عن بعض من قولهم افسح عنّي اي تنح قيل كانوا يتضامّون بمجلس النبيّ صلّى الله عليه وآله تنافساً على القرب منه وحرصاً على استماع كلامه وقرئ في المجلس فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ فيما تريدون التفسّح به من المكان والرّزق والصدر وغيرها وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا انهضوا للتوسعة فَانْشُزُوا وقرئ بضمّ الشّين فيهما القمّيّ قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا دخل المسجد يقوم له النّاس فنهاهم الله ان يقوموا له فقال تفسّحوا اي وسّعوا له في المجلس وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يعني إذا قال قوموا فقوموا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وايوائهم غرف الجنّات في الآخرة وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ويرفع العلماء منهم خاصّة مزيد رفعة.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : فضل العالم على الشهيد درجة وفضل الشهيد على العابد درجة وفضل النبيّ على العالم درجة وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وفضل العالم على سائر الناس كفضلي على أدناهم وفي الجوامع عنه صلّى الله عليه وآله : فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وعنه صلّى الله عليه وآله : بين العالم والعابد مائة درجة بين كلّ درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة وعنه صلّى الله عليه وآله : تشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشهداء.

وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام : إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجّح مداد العلماء على دماء الشهداء.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين الف عابد والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تهديد لمن

١٤٨

لم يمتثل الامر واستكرهه.

(١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً فتصدّقوا قدّامها مستعار ممّن له يدان وفي هذا الأمر تعظيم الرسول وإنفاع الفقراء والنّهي عن الافراط في السؤال والميز بين المخلص والمنافق ومحبّ الآخرة ومحبّ الدنيا القمّيّ قال : إذا سألتم رسول الله صلّى الله عليه وآله حاجة فتصدّقوا بين يدي حاجتكم ليكون اقضى لحوائجكم فلم يفعل ذلك أحدٌ الّا أمير المؤمنين عليه السلام فانّه تصدّق بدينار وناجى رسول الله صلّى الله عليه وآله عشر نجوات.

وعن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال قدّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام بين يدي نجواه صدقة ثمّ نسختها قوله أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا الآية وبإسناده الى مجاهد قال قال عليّ عليه السلام : انّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النّجوى انّه كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فجعلت أقدّم بين يدي كلّ نجوى أناجيها النبيّ صلّى الله عليه وآله درهماً قال فنسختها قوله أَأَشْفَقْتُمْ إلى قوله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.

وفي الخصال عنه عليه السلام : في احتجاجه على أبي بكر قال فأنشدك بالله أنت الذي قدّم بين يدي نجواه لرسول الله صلّى الله عليه وآله صدقة فناجاه وعاتب الله تعالى قوماً فقال أَأَشْفَقْتُمْ الآية أم أنا قال بل أنت ذلِكَ أي ذلك التصدّق خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ لأنفسكم من الزينة وحبّ المال فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن لم يجد حيث رخّص له في المناجات بلا تصدّق.

(١٣) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ أخفتم الفقر من تقديم الصدقة أو خفتم التقديم لما يعدكم الشيطان ليه من الفقر وجمع صدقات لجمع المخاطبين أو لكثرة التناجي فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ بأن رخّص لكم ان لا تفعلوه.

في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية : فهل تكون التوبة الّا

١٤٩

عن ذنب فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ولا تفرّطوا في أدائهما وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ في سائر الأمور لعلّها تجبر تفريطكم في ذلك وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ظاهراً وباطناً.

(١٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا والوا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ يعني اليهود ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ لأنّهم منافقون مذبذبون بين ذلك وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ انّ المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس.

(١٥) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

(١٦) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً وقاية دون دمائهم وأموالهم فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فصدّوا النّاس في خلال امنهم عَن دين الله بالتحريش والتّثبيط فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.

(١٧) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وقد سبق مثله.

(١٨) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ أي لله تعالى كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ في الدّنيا وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ إذ تمكنّ النّفاق في نفوسهم بحيث يخيّل إليهم في الآخرة انّ الايمان الكاذبة تروّج الكذب على الله كما تروّجه عليكم في الدّنيا أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ البالغون الغاية في الكذب حيث يكذبون مع عالم الغيب والشّهادة ويحلفون عليه.

(١٩) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ استولى عليهم فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ لا يذكرونه بقلوبهم ولا بألسنتهم أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ جنوده واتباعه أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ لانّهم فوتوا على أنفسهم النّعيم المؤبد وعرضوها للعذاب المخلّد.

القمّيّ قال : نزلت في الثّاني لانّه مرّ به رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو جالس عند رجل من اليهود يكتب خبر رسول الله صلّى الله عليه وآله فانزل الله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا الآية فجاء الثاني إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله رايتك تكتب عن اليهود وقد نهى الله عزّ وجلّ عن ذلك فقال يا رسول الله كتبت عنه ما في التوراة من صفتك واقبل يقرأ ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو صلّى الله عليه وآله غضبان فقال له رجل من الأنصار ويلك أما ترى غضب النبيّ

١٥٠

صلّى الله عليه وآله عليك فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله انّى انّما كتبت ذلك لمّا وجدت فيه من خيرك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا فلان لو أنّ موسى بن عمران فيهم قائما ثمّ أتيته رغبة عمّا جئت به لكنت كافرا بما جئت به وهو قوله اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً احجاباً بينهم وبين الكفّار وايمانهم إقرارا باللّسان خوفا من السّيف ورفع الجزية وقوله يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ. قال إذا كان يوم القيمة جمع الله الذين غصبوا آل محمّد حقّهم فيعرض عليهم أعمالهم فيحلفون له انّهم لم يعلموا منها شيئا كما حلفوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله في الدّنيا حين حلفوا ان لا يردّوا الولاية في بنى هاشم وحين همّوا بقتل رسول الله صلّى الله عليه وآله في العقبة فلمّا اطلع الله نبيّه صلّى الله عليه وآله وأخبره حلفوا انّهم لم يقولوا ذلك ولم يهمّوا به حين أنزل الله على رسوله يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ قال إذا عرض الله عزّ وجلّ ذلك عليهم في القيمة ينكروه ويحلفوا له كما حلفوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وهو قوله يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً الآية وقد سبق فيه حديث آخر في سورة يس وحَم السّجدة.

(٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ في جملة من هو اذّل خلق الله.

(٢١) كَتَبَ اللهُ في اللّوح لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي بالحجّة إِنَّ اللهَ قَوِيٌ على نصر أنبيائه عَزِيزٌ لا يغلب عليه في مراده في المجمع روى : انّ المسلمين قالوا لمّا رأوا ما يفتح الله عليهم من القرى ليفتحنّ الله علينا الرّوم وفارس فقال المنافقون أتظنّون انّ فارس والرّوم كبعض القرى الّتي غلبتم عليها فانزل الله هذه الآية.

(٢٢) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ولو كان المحادّون أقرب النّاس إليهم أُولئِكَ أي الّذين لم يوادّوهم كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أثبته فيها وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ من عنده.

في الكافي عنهما عليهما السَّلام : هو الايمان.

١٥١

وعن الصّادق عليه السلام : ما من مؤمن الّا ولقلبه أذنان في جوفه اذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس واذن ينفث فيها الملك فيؤيّد الله المؤمن بالملك فذلك قوله وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.

وعن الكاظم عليه السلام : انّ الله تبارك وتعالى ايّد المؤمن بروح منه تحضره في كلّ وقت يحسن فيه ويتقى وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدى فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند اسائته فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاح أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا رحم الله امرأ همّ بخير فعمله أو همّ بشرّ فارتدع عنه ثمّ قال نحن نؤيد الرّوح بالطّاعة لله والعمل له.

وعن الباقر عليه السّلام : في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا زنى الرّجل فارقه روح الايمان قال هو قوله وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ذاك الّذي يفارقه وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بطاعتهم وَرَضُوا عَنْهُ بقضائه وبما وعدهم من الثواب أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ جنده وأنصار دينه أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بخير الدّارين وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر سورة الحديد.

١٥٢

سُورَة الْحشَر

مدنية عدد آيُهَا اربع وعشرون آية بالأِجْماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

(٢) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ أي لأوّل جلائهم إلى الشّام وآخر حشرهم إليه يكون في الرّجفة كما مرّت الإشارة إليه في سورة الدّخان والحشر إخراج وجمع من مكان إلى آخر.

في المجمع عن ابن عبّاس : قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وآله اخرجوا قالوا إلى أين قال إلى أرض المحشر.

والقمّيّ عن الحسن المجتبى عليه السلام في حديث : ملك الرّوم ثمّ يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدين فيحشر النّاس عند صخرة بيت المقدّس والقّمي قال : سبب ذلك انّه كان بالمدينة ثلثة ابطن من اليهود بنى النّضير وقريظة وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله عهد ومدّة فنقضوا عهدهم وكان سبب ذلك بنى النّضير في نقض عهدهم انّه أتاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله يسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة يعني يستقرض وكان قصد كعب بن الأشرف فلمّا دخل على كعب قال مرحبا يا أبا القاسم واهلاً وقام كأنّه يصنع له الطّعام وحدث نفسه ان يقتل رسول الله صلّى الله عليه وآله ويتبع أصحابه فنزل جبرئيل فأخبره بذلك فرجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة وقال لمحمّد بن مسيلمة الانصَارى اذهب إلى بنى النّضير فأخبرهم انّ الله تعالى قد أخبرني بما هممتم به من الغدر

١٥٣

فامّا ان تخرجوا من بلدنا وإمّا أن تأذنوا بحرب فقالوا نخرج من بلادك فبعث إليهم عبد الله ابن أبيّ الّا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمّد الحرب فانّى أنصركم انا وقومي وحلفائى فان خرجتم خرجت معكم وان قاتلتم قاتلت معكم فأقاموا فأصلحوا حصُونهم وتهيّؤا للقتال وبعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله انا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وكبّر أصحابه وقال لأمير المؤمنين عليه السّلام تقدّم الى بنى النّضير فأخذ أمير المؤمنين عليه السّلام الراية وتقدّم وجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وأحاط بحصنهم وغدر بهم عَبد الله بن أبيّ وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ظهر بمقدّم بيوتهم حصّنوا ما يليهم وخرّبوا ما يليه وكان الرّجل منهم ممن كان بيت حسن حزبه وقد كان امر رسول الله صلّى الله عليه وآله امر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك وقالوا يا محمّد انّ الله يأمرك بالفساد ان كان لك هَذا فخذوه وإن كان لنا فلا تقطعه فلمّا كان بعد ذلك قالوا يا محمّد نخرج من بلادك فأعطنا ما لنا فقال لا ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإِبل فلم يقبلوا ذلك فبقوا أيّاماً ثمّ قالوا نخرج ولنا ما حملت الإِبل فقال لا يحمل أحد منكم شيئاً فمن وجَدنا معه شيء من ذلك قتلناه فخرجوا على ذلك ووقع قوم منهم الى فدك ووادي القرى وخرج قوم منهم إلى الشام فانزل الله فيه هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآيات ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لشدّة بأسهم ومنعتهم وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ انّ حصونهم تمنعهم من باس الله فَأَتاهُمُ اللهُ أي عذابه وهو الرّعب والاضطرار الى الجلاء.

في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السّلام : يعني أرسل عليهم عذاباً مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا لقّوة وثوقهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ واثبت فيها الخوف الّذى يرعبها اي يملأها يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ضنّا بها على المسلمين وإخراجا لما استحسنوا من آلاتها وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ وانهم أيضاً كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعا لمجال القتال وعطفها على أيديهم من حيث انّ تخريب المؤمنين مسبّب عن بغضهم فكأنهم استعلموهم فيه وقرء يخرّبون بالتّشديد وهو ابلغ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ فاتّعظوا بحالهم فلا تغدروا ولا تعتمدوا على غير الله.

(٣) وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ الخروج من أوطانهم لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل

١٥٤

والسبّى كما فعل ببني قريظة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ يعنى ان نجوا من عذاب الدّنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة.

(٤) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

(٥) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ نخلة كريمة.

في الكافي عن الصّادق عليه السلام : يعني العجوّة وهي أمّ التمر وهي الّتي أنزلها الله من الجنّة لآدم أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ فبامره القّمي نزلت فيما عاتبوه من قطع النّخل وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ واذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه.

(٦) وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ أي ردّه عليه فانّ جميع ما بين السّماء والأرض لله عزّ وجلّ ولرسوله ولأتباعهم من المؤمنين المتصفين بما وصفهم الله به في قوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآية فمَا منه في أيدي المشركين والكفّار والظّلمة والفجّار فهو حقّهم أفاء الله عليهم وردّه إليهم.

كذا عن الصادق عليه السّلام في حديث رواه في الكافي مِنْهُمْ من بني النضيرة فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ فما أجريتم على تحصيل من الوجيف وهو سرعة السّير مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ما يركب من الإبل غلب فيه فيل وذلك لأنَّ قراهم كانت على ميلين من المدينة فمشوا إليها رجالا غير رسول الله صلّى الله عليه وآله فانه ركب جملا أو حمارا ولم يجر مزيد قتال ولذلك لم يعط الأنصار منه شيئاً الّا رجلين أو ثلاثة كانت بهم حاجة وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ يقذف الرّعب في قلوبهم وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيفعل ما يريد تارة بالوسائط الظاهرة وتارة بغيرها.

(٧) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى بيان للأوّل ولذلك لم يعطف عليه فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.

في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السّلام : نحن والله الذّين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه فقال ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي

١٥٥

الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ منّا خاصّة ولم يجعل لنا سهماً في الصّدقة أكرم الله نبيّه وأكرمنا ان يطعمنا أوساخ ما في أيدي النّاس وفي المجمع عن السّجاد عليه السّلام : قرباؤنا وأيتامنا ومساكيننا وأبناء سبيلنا قال وقال جميع الفقهاء هم يتامى النّاس عامّة وكذلك المساكين وأبناء السّبيل قال :

وقد روى أيضا ذلك عنهم عليهم السّلام وتمام الكلام فيه قد سَبق في سورة الانفال كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ كى لا يكون الفيء شيئاً يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما كان في الجاهلية وقرء تكون بالتّاء ودولة بالرّفع وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ من الامر فَخُذُوهُ فتمسّكوا به وَما نَهاكُمْ عَنْهُ عن إتيانه فَانْتَهُوا عنه وَاتَّقُوا اللهَ في مخالفة رسول الله صلّى الله عليه وآله إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن خالف في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السّلام : اتَّقُوا اللهَ في ظلم آل محمّد صلوات الله عليهم إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن ظلمهم.

وعن الصادق عليه السلام قال : انّ الله عزّ وجلّ أدّب رسوله حتّى قومه على ما أراد ثمّ فوّض إليه فقال عزّ ذكره وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فما فوّض الله الى رسوله فقد فوّضه إلينا وفي رواية : فوّض إلى نبيه امر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثمّ تلا هذه الآية والأخبار في هذا المعنى كثيرة وزاد في بعَضها : فحرّم الله الخمر بعينها وحرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله كلّ مسكر فأجاز الله ذلك له ولم يفوّض إلى أحد من الأنبياء غيره وفي بعضها عدّا أشياء أخر ممّا أجاز الله.

(٨) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الذّين هاجروا من مكّة إلى المدينة ومن دار الحرب إلى دار الإسلام قيل بدل من لِذِي الْقُرْبى وما عطف عليه ومن أعطى أغنياء ذوى القربى خصّ الابدال بما بعده والفيء بفيء بنى النّضير الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ أخرجوهم كفّار مكّة وأخذوا أموالهم يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ بأنفسهم وأموالهم أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في ايمانهم.

(٩) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ عطف على المهاجرين أو استيناف خبره يُحِبُّونَ إذ لم

١٥٦

يقسم لهم من الفيء شيء والمراد بهم الأنصار فانّهم لزموا المدينة والايمان وتمكنوا فيهمَا وقيل تبّوؤا دار الهجرة ودار الايمان.

في الكافي عن الصّادق عليه السلام : الْإِيمانَ بعضه من بعض وهو دار وكذلك الإسلام دار والكفر دار مِنْ قَبْلِهِمْ من قبل هجرة المهاجرين يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ولا يثقل عليهم وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ممّا أعطى المهاجرون من الفيء وغيره وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ويقدّمون على أنفسهم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ فقر وحاجة وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ حتّى يخالفها فيما يغلب عليها من حبّ المال وبغض الإنفاق فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالثناء العاجل والثواب الأجل.

في الكافي والفقيه عن الصّادق عليه السلام : الشحّ أشدّ من البخل ان البخيل يبخل بما في يده والشحّيح يشحّ بما في أيدي النّاس وعلى ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي النّاس شيئا الّا تمنّى أن يكون له بالحلّ والحرام ولا يقنع بما رزقه الله.

في الأمالي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه جاء إليه رجل فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بيوت أزواجه فقلن ما عندنا الّا الَماء فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله من لهذا الرّجل اللّيلة فقال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام انا له يا رسول الله واتى فاطمة عليها السّلام فقال لها ما عندك يا ابنة رسول الله فقالت ما عندنا الّا قوت العشّية لكنّا نؤثر ضيفنا فقال يا ابنة محمّد نوّمى الصبيّة وأطفئ المصباح فلمّا أصبح عليّ عليه السّلام غدا على رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبره الخبر فلم يبرح حتّى أنزل الله عزّ وجلّ وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ الآية.

في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام : انّه قال للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب في حديث عدّ المناقب نشدتكم بالله هل فيكم أحد أنزلت فيه هذه الآية وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ الآية غيرى قالوا لا.

(١٠) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد المهاجرين والأنصار يعمّ سائر المؤمنين يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ أي لإخواننا في الذّين وَلا تَجْعَلْ فِي

١٥٧

قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا حقدا لهم رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فحقِيق بأن تجيب دعائنا.

(١١) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا القّمي نزلت في ابن أبيّ وأصحابه يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعنى بنى النّضير لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من دياركم لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ في قتالكم أو خذلانكم أَحَداً أَبَداً أي من رسول الله صلّى الله عليه وآله والمسلمين وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لعلمه بانّهم لا يفعلون ذلك.

(١٢) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وكان ذلك فانّ ابن أبيّ وأصحابه أرسلوا بنى النّضير بذلك ثمّ اخلفوهم كما مرّ في أوّل السّورة وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفرض والتقدير لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ انهزاما ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ بعد.

(١٣) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً مرهوبين فِي صُدُورِهِمْ فانّهم كانوا يضمرون مخافتهم من المؤمنين مِنَ اللهِ على ما يظهرونه نفاقاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يعلمون عظمة الله حتّى يخشوه حقّ خشيته ويعلموا انّه الحقيق بأن يخشى.

(١٤) لا يُقاتِلُونَكُمْ اليهود والمنافقون جَمِيعاً مجتمعون إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ بالدروب والخنادق أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ لفرط رهبتهم وقرئ جدار بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ أي وليس ذلك لضعفهم وجبنهم فانّه يشتدّ بأسهم إذا حارب بعضهم بعضاً بل لقذف الله الرغب في قلوبهم ولأنّ الشجاع يجبن والعزيز يذلّ إذا حارب الله ورسوله تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً مجتمعين متفقين وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى متفرّقة لافتراق عقائدهم واختلاف مقاصدهم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ما فيه صلاحهم وانّ تشتّت القلوب يوهن قواهم.

(١٥) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ القّمي يعني بني قينقاع قَرِيباً في زمان قريب ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ سوء عاقبة كفرهم في الدنيا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.

(١٦) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال ثمّ نكوصهم كمثل الشيطان القّمي ضرب الله في ابن أبي وبني النضير مثلاً فقال كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ اغراه للكفر إغراء الامر المأمور فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي

١٥٨

بَرِيءٌ مِنْكَ تبرّأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك وقال إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

(١٧) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ.

(١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ليوم القيامة سمّاه به لدنّوه أو لأنّ الدنيا كيوم والآخرة غده وتنكيره للتعظيم وَاتَّقُوا اللهَ تكرير للتّأكيد إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ وهو كالوعيد على المعاصي.

(١٩) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ نسوا حقّه فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ فجعلهم ناسين لها حتّى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلّصها أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ الكاملون في الفسوق.

(٢٠) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ الّذين استمهنوا أنفسهم فاستحقوا النار والذين استكملوها فاستأهلوا للجنّة أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ بالنعيم المقيم.

في العيون عن الرضا عليه السلام : انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله تلا هذه الآية فقال أَصْحابُ الْجَنَّةِ من أطاعني وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام بعدي وأقرّ بولايته وأَصْحابُ النَّارِ من سخط الولاية ونقض العهد وقاتله بعدي.

(٢١) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ متشقّقاً منها قيل تمثيل وتخيّل كما مرّ في قوله إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ والمراد توبيخ الإنسان على عدم تخشّعه عند تلاوة القرآن لقساوة قلبه وقلّة تدبّره وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

(٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قيل أي ما غاب عن الحسّ وما حضر له أو المعدوم والموجود أو السرّ والعلانيّة.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : الْغَيْبِ ما لم يكن وَالشَّهادَةِ ما كان هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ.

١٥٩

(٢٣) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ البليغ في النزاهة عمّا يوجب نقصانا القّمي قال هو البريء من شوائب الآفات الموجبات للجهل السَّلامُ ذو السلامة من كلّ نقص وآفة الْمُؤْمِنُ واهب الأمن القّمي قال يؤمن أوليائه من العذاب الْمُهَيْمِنُ الرقيب الحافظ لكلّ شيء القّمي قال اي الشاهد الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الذي ينفذ مشيّته في كلّ أحد ولا ينفذ فيه مشيّة كلّ أحد والذي يصلح أحوال خلقه الْمُتَكَبِّرُ الذي تكبّر عن كلّ ما يوجب حاجة ونقصانا سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه سئل ما تفسير سُبْحانَ اللهِ فقال هو تعظيم جلال الله وتنزيهه عمّا قال فيه كلّ مشرك فإذا قالها العبد صلّى عليه كلّ ملك.

(٢٤) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ كلّما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر الى تقدير اوّلا وعلى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً والى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً فالله سبحانه هو الخالق البارئ المصوّر بالاعتبارات الثلاثة لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الدالّة على محاسن المعاني.

في التوحيد عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً اي مائة الّا واحداً مَن أحصاها دخل الجنّة ثمّ ذكر تلك الأسماء.

قال شيخنا الصدّوق احصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها وليس معنى الإحصاء عدّها.

أقولُ : وقد ذكرنا لهذا الحديث معاني أخرى وفسّرنا كلّ اسم اسم في كتابنا المسمّى بعلم اليقين من أرادها فعليه به يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لتنزّهه عن النقايص كلّها وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الجامع لكلّ كمال لاندراج الكلّ في القدرة والعلم.

في ثواب الأعمال والمجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : من قرء سورة الحشر لم يبق جنّة ولا نار ولا عرش ولا كرسيّ ولا حجاب ولا السماوات السبع والأرضون السبع والهواء والريح والطير والشجر والجبال والدوابّ والشمس والقمر والملائكة الّا صلّوا عليه واستغفروا له وإن مات في يومه أو ليلته مات شهيداً إن شاء الله.

١٦٠