تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

سُورة الممتحنة

وقيل سورة الامتحان وقيل سورة المودّة مدنيّة

وهي ثلاث عشرة آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ القمّيّ : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ولفظ الآية عامّ ومعناها خاصّ وكان سبب ذلك ان حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة وكان عياله بمكّة فكانت قريش تخاف ان يغزوهم رسول الله صلّى الله عليه وآله فصاروا الى عيال حاطب وسألوهم ان يكتبوا الى حاطب يسألوه عن خبر محمّد صلّى الله عليه وآله وهل يريد أن يغزو مكّة فكتبوا الى حاطب يسألوه عن ذلك فكتب إليهم حاطب انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يريد ذلك ودفع الكتاب الى امرأة تسمّى صفيّة فوضعته في قرونها ومرّت فنزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخبره بذلك فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام والزبير بن العوام في طلبها فلحقاها فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام أين الكتاب فقالت ما معي شيء ففتّشوها فلم يجدوا معها شيئاً فقال الزبير ما نرى معها شيئاً فقال أمير المؤمنين عليه السلام والله ما كذبنا على رسول الله صلّى الله عليه وآله ولا كذب رسول الله صلّى الله عليه وآله على جبرئيل ولا كذب جبرئيل على الله جلّ ثناؤه والله لئن لم تظهري الكتاب لاردّنّ رأسك إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت تنحّيا عنّي حتّى أخرجه فأخرجت الكتاب من قرونها فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وجاء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا حاطب ما هذا فقال حاطب والله يا رسول الله ما نافقت ولا غيّرت ولا بدّلت وانّي أشهد أن لا إله إلّا الله وانّك رسول الله حقّاً ولكن أهلي وعيالي كتبوا إليّ بحُسن

١٦١

صنع قريش إليهم فأحببت ان أجازي قريشاً بحسن معاشرتهم فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ تفضون إليهم المودّة بالمكاتبة والباء مزيدة وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أي من مكّة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ بسبب ايمانكم إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ من أوطانكم جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي جواب الشرط محذوف دلّ عليه لا تَتَّخِذُوا تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ أي منكم أو اعلم مضارع والباء مزيدة وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي يفعل الاتّخاذ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اخطأه.

(٢) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يظفروا بكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً ولا ينفعكم إلقاء المودّة إليهم وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ما يسوؤكم كالقتل والشتم وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ وتمنّوا ارتدادكم ومجيئه وحده بلفظ الماضي للاشعار بأنّهم ودّوا ذلك قبل كلّ شيء وانّ ودّهم حاصل وان لم يثقفوكم.

(٣) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ قرابتكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين توالون المشركين لأجلهم يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ يفرّق بينكم بما عراكم من الهول فيفرّ بعضكم من بعض فما لكم ترفضون اليوم حقّ الله لمن يفرّ عنكم غداً وقرئ يفصل على البناء للفاعل وبالتشديد على البنائين وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه.

(٤) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قدوة اسم لما يوتسى به فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ آمنوا مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ تبرّأنا منكم.

كذا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : والكفر في هذه الآية البراءة.

رواه في التوحيد ومثله في الكافي عن الصادق عليه السلام وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ فتنقلب العداوة والبغضاء الفة ومحبّة إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ استثناء من قوله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فان استغفاره لأبيه الكافر ليس ممّا ينبغي أن تأتسوا به فانّه كان لموعدة وعدها إيّاه كما سبق في سورة التوبة وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ من تمام قوله المستثنى ولا يلزم من استثناء المجموع

١٦٢

استثناء جميع اجزائه رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ متّصل بما قبل الاستثناء.

(٥) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا بأن تسلّطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نتحمّله أو تشمتهم بنا.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : ما كان من ولد آدم مؤمن الّا فقيراً ولا كافراً الّا غنيّاً حتّى جاء إبراهيم عليه السلام فقال رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا فصيّر الله في هؤلاء أموالاً وحاجة وفي هؤلاء أموالاً وحاجة وَاغْفِرْ لَنا ما فرط منّا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ومن كان كذلك كان حقيقاً بأن يجبر المتوكّل ويجيب الدّاعي.

(٦) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تكرير لمزيد الحثّ على التأسّي بهم بإبراهيم ولذلك صدّر بالقسم وأكّد بما بعده لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ فاشعر بأنّ ترك التأسّي بهم ينبئ عن سوء العقيدة وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.

(٧) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ على ذلك وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لما فرط منكم من موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : انّ الله أمر نبيّه صلّى الله عليه وآله والمؤمنين بالبراءة من قومهم ما داموا كفّاراً فقال لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إلى قوله وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قطع الله ولاية المؤمنين منهم وأظهروا لهم العداوة فقال عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً فلمّا أسلم أهل مكّة خالطهم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وناكحوهم وزوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب.

(٨) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ تقضوا إليهم بالعدل إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ العادلين

١٦٣

روي : انّ قتيلة بنت عبد العزّى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت.

(٩) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ كمشركي مكّة فانّ بعضهم سعى في إخراج المؤمنين وبعضهم أعانوا المخرجين أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لوضعهم الولاية غير موضعها.

(١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ فاختبروهنّ بما يغلب على ظنّكم موافقة قلوبهنّ ألسنتهنّ في الإِيمان اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ فانّه المطّلع على ما في قلوبهن فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ بحلفهنّ وظهور الامارات فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ إلى أزواجهنّ الكفرة لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ التكرير للمطابقة والمبالغة أو الأولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستئناف وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ما دفعوا اليهنّ من المهور القمّيّ قال إذا لحقت امرأة من المشركين بالمسلمين تمتحن بأن تحلف بالله انّه لم يحملها على اللّحوق بالمسلمين بغضٌ لزوجها الكافر ولا حبّ لأحد من المسلمين وانّما حملها على ذلك الإسلام فإذا حلفت على ذلك قُبل إسلامها وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا يعني تردّ المسلمة على زوجها الكافر صداقها ثمّ يتزوّجها المسلم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : قيل له انّ لامرأتي أختاً عارفة على رأينا بالبصيرة وليس على رأينا بالبصيرة الّا قيل فازوّجها ممّن لا يرى رأيها قال لا ولا نعمة انّ الله عزّ وجلّ يقول فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ فانّ الإسلام حال بينهنّ وبين أزواجهنّ الكفرة إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ فيه اشعار بأنّ ما أعطى أزواجهنّ لا يقوم مقام المهر وَلا تُمْسِكُوا (١) بِعِصَمِ الْكَوافِرِ بما تعتصم به الكافرات من عقد ونسب جمع عصمة والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وقرئ بتشديد السين.

__________________

(١) أي لا تمسكوا بنكاح الكافرات وأصل العصمة المنع وسمي النكاح عصمة لأن المنكوحة تكون في حبال الزوج وعصمته.

١٦٤

القمّيّ عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال : يقول من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملّة الإِسلام وهو على ملّة الإِسلام فليعرض عليها الإِسلام فان قبلت فهي امرأته والّا فهي بريئة منه فنهى الله ان يمسك بعصمتها.

وفي الكافي عنه عليه السلام قال : لا ينبغي نكاح أهل الكتاب قيل وأين تحريمه قال قوله وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.

أقولُ : وقد مضى في سورة المائدة ما يخالف ذلك وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ من مهور نسائكم اللّاحقات بالكفّار وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا من مهور أزواجهم المهاجرات ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يشرع ما يقتضيه حكمته.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يعني وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ فلحقن بالكفار من أهل عهدكم فاسألوهم صداقها وإن لحقن بكم من نسائهم شيء فأعطوهم صداقها ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ.

(١١) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ أي سبقكم وانفلت منكم إليهم فَعاقَبْتُمْ قيل أي فجاءت عقبتكم اي نوبتكم من أداء المهر.

أقولُ : بل المعنى فتزوّجتم بأخرى عقيبها كما يأتي بيانه فَآتُوا ايها المؤمنون الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا القمّيّ يقول وان لحقن بالكفّار الّذين لا عهد بينكم وبينهم فأصبتم غنيمة فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا.

أقولُ : كأنّه جعل معنى فَعاقَبْتُمْ فأصبتم من الكفّار عقبى اي غنيمة يعني فأتوا بدل الفائت من الغنيمة قال : وقال سبب نزول ذلك أنّ عمر بن الخطّاب كانت عنده فاطمة بنت أبي اميّة بن المغيرة فكرهت الهجرة معه وأقامت مع المشركين فنكحها معاوية بن أبي سفيان فأمر الله رسوله ان يعطي عمر مثل صداقها.

وفي العلل عنهما عليهما السلام : سئلا ما معنى العقوبة هاهنا قال إنّ الذي ذهبت امرأته فعاقب على امرأة أخرى غيرها يعني تزوّجها فإذا هو تزوّج امرأة أخرى غيرها فعلى الإِمام أن يعطيه مهر امرأته الذّاهبة فسئلا كيف صار المؤمنون يردّون على زوجها المهر بغير فعل منهم في ذهابها وعلى المؤمنين ان يردّوا على زوجها ما أنفق عليها ممّا يصيب

١٦٥

المؤمنين قال يردّ الإمام عليه أصابوا من الكفّار أولم يصيبوا لأنّ على الإِمام ان يحيز حاجته من تحت يده وان حضرت القسمة فله ان يسدّ كلّ نائبة تنوبه قبل القسمة وان بقي بعد ذلك شيء قسّمه بينهم وان لم يبق شيء فلا شيء لهم.

وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام مثله الّا انّه قال : على الإِمام ان يجيز جماعة من تحت يده وفي الجوامع : لمّا نزلت الآية المتقدمة أدّى المؤمنون ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركون ان يردّوا شيئاً من مهور الكوافر إلى أزواجهنّ المسلمين فنزلت وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فانّ الإِيمان به ممّا يقتضي التقوى منه.

(١٢) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ يريد وأد البنات أو الاسقاط وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ في الجوامع : كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك كنّى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً لأنّ بطنها الذي يتحمّله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ في حسنة تأمرهنّ بها.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : هو ما فرض الله عليهنّ من الصلاة والزكاة وما امرهنّ به من خير فَبايِعْهُنَ بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : لمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله مكّة بايع الرجال ثمّ جاءت النساء يبايعنه فأنزل الله عزّ وجلّ يا أَيُّهَا النَّبِيُ الآية قالت هند امّا الولد فقد ربّينا صغاراً وقتلتهم كباراً وقالت أم الحكم بنت الحارث بن الهشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الّذي أمرنا الله ان لا نعصيك فيه قال لا تلطمن خدّاً ولا تخمشنّ وجهاً ولا تنتفنّ شعراً ولا تشقّقن جيباً ولا تسوّدن ثوباً ولا تدعين بويل فبايعهنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على هذا فقالت يا رسول الله كيف نبايعك قال انّني لا أصافح النّساء فدعا يقدح من ماء فأدخل يده ثمّ أخرجها فقال ادخلن ايديكنّ في هذا الماء فهي البيعة والقمّيّ ذكر عبد المطّلب مكان هشام وزاد : ولا تقمن عند قبر.

١٦٦

وفي رواية أخرى في الكافي : ولا تنشرن شعراً.

وفيه عنه عليه السلام قال : جمعهنّ حوله ثمّ دعا بتور برام فصبّ فيه ماء نضوحا ثمّ غمس يده فيه ثمّ قال اسمعن يا هؤلاء ابايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكنّ ولا تأتينّ ببهتان تفترينه بين ايديكنّ وأرجلكن ولا تعصين بعولتكنّ في معروفءَ اقررتنّ قلن نعم فأخرج يده من التور ثمّ قال لهنّ اغمسن ايديكنّ ففعلن فكانت يد رسول الله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كفّ أنثى ليست له بمحرم.

(١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ يعني عامّة الكفّار أو اليهود إذ روي انّها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ لكفرهم بها أو لعلمهم بأنّه لا حظّ لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيّد بالمعجزات كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ان يبعثوا أو يثابوا أو ينالهم خير منهم او كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ الذين ماتوا فعاينوا الآخرة.

في ثواب الأعمال والمجمع عن السجّاد عليه السلام : من قرأ سورة الممتحنة في فرائضه ونوافله امتحن الله قلبه للإِيمان ونوّر له بصره ولا يصيبه فقر أبداً ولا جنون في بدنه ولا في ولده إن شاء الله تعالى.

١٦٧

سُورة الصَّفِ

وَتُسَمّى سُورة الحواريّين وسورة عيسى مدنيّة

وهي أربع عشرة آية بلا خلاف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

(٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ روي أنّ المسلمين قالوا لو علمنا احبّ الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل الله إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا فتولّوا يوم أحد فنزلت والقمّيّ مخاطبة لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله الذين وعدوه ان ينصروه ولا يخالفوا أمره ولا ينقضوا عهده في أمير المؤمنين عليه السلام فعلم الله انّهم لا يفون بما يقولون وقد سمّاهم الله المؤمنين بإقرارهم وان لم يصدّقوا.

(٣) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ المقت أشدّ البغض في نهج البلاغة : الخلف يوجب المقت عند الله وعند النّاس قال الله تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ الآية.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة له فمن اخلف فبحلف الله بدأ ولمقته تعرّض وذلك قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآيتين.

(٤) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا مصطفّين كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ في تراصّهم من غير فرجة والرّصّ اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه.

في مصباح المتهجّد عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطب بها يوم الغدير قال : واعلموا أيّها المؤمنون انّ الله عزّ وجلّ قال إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا أتدرون ما سبيل الله ومن سبيله انا سبيل الله الذي نصبني للاتّباع بعد نبيّه صلّى الله عليه وآله.

١٦٨

(٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ والعلم بالرسالة يوجب التعظيم ويمنع الإيذاء في المجمع : روي في قصّة قارون انّه دسّ إليه امرأة وزعم أنّه زنى بها ورموه بقتل هارون فَلَمَّا زاغُوا عن الحقّ أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ صرفها عن قبول الحقّ والميل الى الصواب القمّيّ أي شكك قلوبهم وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.

(٦) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ يعني محمّد صلّى الله عليه وآله والمعنى ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه في العوالي : في الحديث : انّ الله تعالى لمّا بشّر عيسى عليه السلام بظهور نبيّنا صلّى الله عليه وآله قال له في صفته واستوص بصاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر نكّاح النساء.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : لمّا ان بعث الله المسيح عليه السلام قال إنّه سوف يأتي من بعدي نبيّ اسمه أحمد صلّى الله عليه وآله من ولد إسماعيل يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم.

وعن الباقر عليه السلام : لم تزل الأنبياء تبشّر بمحمّد صلّى الله عليه وآله حتّى بعث الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فبشّر بمحمّد صلّى الله عليه وآله وذلك قول الله تعالى يَجِدُونَهُ يعني اليهود والنصارى يعني صفة محمّد واسمه عِنْدَهُمْ يعني فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو قول الله عزّ وجلّ يخبر عن عيسى عليه السلام وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.

وفي الفقيه عنه عليه السلام : انّ اسم النبيّ في صحف إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام الماحي وفي توراة موسى الحادّ وفي إنجيل عيسى عليه السلام أحمد وفي الفرقان محمّد صلّى الله عليه وآله.

والقمّيّ : سأل بعض اليهود رسول الله صلّى الله عليه وآله لم سمّيت أحمد صلّى الله عليه وآله قال لأنّي في السماء احمد منّي في الأرض.

١٦٩

وفي الإكمال عن الصادق عليه السلام قال : كان بين عيسى ومحمّد عليه وآله وعليه السلام خمس مائة عام منها مائتان وخمسون عاماً ليس فيها نبيّ ولا عالم ظاهر كانوا مستمسكين بدين عيسى عليه السلام ثمّ قال : ولا تكون الأرض الّا وفيها عالم فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ.

(٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ أي لا أحد أظلم ممّن يدعى إلى الإسلام الظاهر حقيّته الموجب له خير الدّارين فيضع موضع اجابته الافتراء على الله بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحراً وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم.

(٨) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ حجّته بطعنهم فيه وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ مبلّغ غايته بنشره وإعلانه وقرئ بالإضافة وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ارغاماً لهم.

في الكافي عن الكاظم عليه السلام : يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُ الإمامة لقوله فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا فالنّور هو الإِمام والقمّيّ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ قال بالقائم من آل محمّد صلوات الله عليهم إذا خرج يظهره الله على الدين كلّه حتّى لا يعبد غير الله.

(٩) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ليغلبه على جميع الأديان وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك سبق تفسيره في سورة التوبة.

(١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ وقرئ بالتشديد مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

(١١) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : في الآية الأولى فقالوا لو نعلم ما هي لبذلنا فيها الأموال والأنفس والأولاد فقال الله تُؤْمِنُونَ بِاللهِ الآيتين.

١٧٠

(١٢) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

(١٣) وَأُخْرى تُحِبُّونَها ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى محبوبة وفيه تعريض بأنّهم يؤثرون العاجل على الآجل نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ عاجل القمّيّ يعني في الدنيا بفتح القائم عليه السلام وأيضاً قال فتح مكّة وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

(١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ وقرئ بالتنوين واللّام كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ أي من جندي متوجهاً الى نصرة الله والحواريّين أصفياؤه وقد سبق تفسير الحواريّ في سورة آل عمران قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ فصاروا غالبين.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام : من قرأ سورة الصفّ وأدمن قراءتها في فرائضه ونوافله صفّه الله مع ملائكته وأنبيائه المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.

١٧١

سُورة الجمعة

مدنيّة وهي احدى عشرة آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

(٢) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ الذين ليس معهم الكتاب رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ من خبائث العقائد والإخلاص وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ القرآن والشريعة وَإِنْ وانّه كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ من الشرك وخبث الجاهليّة القمّيّ عن الصادق عليه السلام فِي الْأُمِّيِّينَ قال : كانوا يكتبون ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ولا بعث إليهم رسول فنسبهم الله الى الأميّين وفي العلل عن الجواد عليه السلام : أنّه سئل لم سمّي النبيّ الأمّي فقال ما يقول النّاس قيل يزعمون انّه انّما سمّي الاميّ لأنّه لم يحسن ان يكتب فقال كذبوا عليهم لعنة الله أنّى ذلك والله يقول هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ فكيف كان يعلّمهم ما لم يحسن والله لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو قال بثلاث وسبعين لساناً وانّما سمّي الأمّي لأنّه كان من أهل مكّة ومكّة من أمّهات القرى وذلك قول الله عزّ وجلّ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وقد مضى هذا الحديث في سورة الأعراف.

(٣) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون قيل وهم الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين فانّ دعوته وتعليمه يعمّ الجميع.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : هم الأعاجم ومن لا يتكلّم بلغة العرب.

١٧٢

قال وروي : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قرأ هذه الآية فقيل له من هؤلاء فوضع يده على كتِف سلمان وقال لو كان الايمان في الثّريا لنالته رجال من هؤلاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

(٤) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي يستحقر دونه نعم الدنيا ونعيم الآخرة.

(٥) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ علموها وكلّفوا العمل بها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بما فيها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتب من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها القمّيّ قال الحمار يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها ولا يعمل بها كذلك بنو إسرائيل قد حملوا مثل الحمار ولا يعلمون ما فيه ولا يعملون به بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

(٦) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا تهوّد إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ إذ كانوا يقولون نحن أولياء الله وأحبّاؤه فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ فتمنّوا من الله ان يميتكم وينقلكم من دار البليّة إلى دار الكرامة القمّيّ قال إنّ في التوراة مكتوباً انّ أولياء الله يتمنّون الموت إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في زعمكم.

(٧) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بسبب ما قدّموا من الكفر والمعاصي وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ سبق تمام تفسير ذلك في سورة البقرة.

(٨) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ وتخافون ان تتمنّوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ لا تفوتونه لا حقّ بكم.

القمّيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : أيّها الناس كلّ امرئ لاق في فراره ما منه يفرّ والأجل مساق النفس إليه والهرب منه موافاته.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية قال تعدّ السنين ثمّ تعدّ الشّهور ثمّ تعدّ الأيّام ثمّ تعدّ الساعات ثمّ تعدّ النفس فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ* ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

١٧٣

بأن يجازيكم عليه.

(٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أي أذّن لها مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قيل سمّي بها لاجتماع النّاس فيه للصلاة.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : انّ الله جمع فيها خلقه لولاية محمّد صلّى الله عليه وآله ووصيّه في الميثاق فسمّاه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ يعني إلى الصلاة كما يستفاد ممّا قبله وممّا بعده قيل أي فامضوا إليها مسرعين قصداً فانّ السّعي دون العدو وفي المجمع : قرأ عبد الله بن مسعود فامضوا الى ذكر الله.

قال : وروى ذلك عن أمير المؤمنين والباقر والصادق عليهم السلام والقمّيّ قال الاسراع في المشي.

وعن الباقر عليه السلام : فَاسْعَوْا أي امضوا.

وفي العلل عن الصادق عليه السلام : معنى فَاسْعَوْا هو الانكفاء.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ قال اعملوا وعجّلوا فانّه يوم مضيّق على المسلمين فيه ثواب اعمال المسلمين على قدر ما ضيّق عليهم والحسنة والسيّئة تضاعف فيه قال والله لقد بلغني انّ أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله كانوا يتجهّزون للجمعة يوم الخميس لأنّه يوم مضيّق على المسلمين وَذَرُوا الْبَيْعَ واتركوا المعاملة في الفقيه : روي انّه كان بالمدينة إذا أذّن المؤذّن يوم الجمعة نادى مناد حرم البيع حرم البيع ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي السعي الى ذكر الله خير لكم من المعاملة فانّ نفع الآخرة خير وأبقى إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخير والشر.

في الكافي عن الباقر عليه السلام قال : فرض الله على النّاس من الجمعة الى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين.

١٧٤

وفي التهذيب والفقيه عن الصادق عليه السلام : انه سئل على من تجب الجمعة؟ قال تجب على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا امّهم بعضهم وخطبهم.

أقولُ : لعلّ المراد انّها تجب على سبعة حتماً وعزيمة ومن دون رخصة في تركها وتجب لخمسة تخييراً وعلى الأفضل مع الرخصة في تركها وبهذا تتوافق الأخبار المختلفة في الخمسة والسبعة ويؤيّده تعدية الوجوب باللّام في الخمسة وبعلى في السبعة وامّا إذا كانوا أقلّ من خمسة فليس عليهم ولا لهم جمعة بل عليهم حتماً ان يصلّوا اربعاً والاخبار في وجوب الجمعة أكثر من أن تحصى.

(١٠) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ادّيت وفرغ منها فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ.

في المجمع والمحاسن عن الصادق عليه السلام : الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت.

وفي العيون والقمّيّ : ما في معناه.

وفي المجمع عنه عليه السلام قال : إنّي لأركب في الحاجة التي كفاها الله ما اركب فيها الّا التماس ان يراني الله اضحى في طلب الحلال أما تسمع قول الله عزّ وجلّ اسمه فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ.

وبرواية أنس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ليس بطلب دنيا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً واذكروا الله في مجامع أحوالكم ولا تخصّوا ذكره بالصلاة.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : من ذكر الله مخلصاً في السوق عند غفلة النّاس وشغلهم بما هم فيه كتب الله له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بخير الدّارين.

(١١) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها انصرفوا إليها كذا في المجمع.

١٧٥

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : وَتَرَكُوكَ قائِماً تخطب على المنبر كذا روياه قُلْ ما عِنْدَ اللهِ من الثواب خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ فانّ ذلك محقّق مخلّد بخلاف ما تتوهّمون من نفعهما.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : نزلت خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ للّذين اتّقوا.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : انّه كان يقرأ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ للّذين اتقوا وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فتوكّلوا عليه واطلبوا الرّزق منه القمّيّ قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يصلّي بالنّاس يوم الجمعة ودخلت ميرة وبين يديها قوم يضربون بالدّفوف والملاهي فترك النّاس الصلاة ومرّوا ينظرون إليهم فأنزل الله.

في المجمع عن جابر بن عبد الله قال : أقبلت عير ونحن نصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فانفضّ النّاس إليها فما بقي غير اثني رجلاً انا فيهم فنزلت الآية في رواية قال صلّى الله عليه وآله والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتّى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي ناراً.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : الواجب على كلّ مؤمن إذا كان لنا شيعة ان يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلى وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين فإذا فعل ذلك فكأنّما يعمل بعمل رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان ثوابه وجزاؤه على الله الجنّة.

١٧٦

سُورة المنافقين

مدنيّة بالإجماع وهي احدى عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ لأنّهم لم يعتقدوا ذلك لما كانت الشهادة اخباراً عن علم لأنّها من الشهود بمعنى الحضور والاطّلاع ولذلك صدّق المشهود به وكذبهم في الشهادة

في الاحتجاج عن الباقر عليه السلام قال : له طاوس اليماني أخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ وكانوا كاذبين قال المنافقون حين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ.

(٢) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ حلفهم الكاذب جُنَّةً وقاية عن القتل والسبي فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ صدّاً أو صدوداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من نفاقهم وصدّهم.

(٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ حتّى تمرّنوا على الكفر واستحكموا فيه فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحّته.

(٤) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ لضخامتها وصباحتها وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ لذلاقتهم وحلاوة كلامهم كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ الى الحائط في كونهم اشباحاً خالية عن العلم والنظر.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول لا يسمعون ولا يعقلون يَحْسَبُونَ كُلَ

١٧٧

صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ أي واقعة عليهم لجبنهم واتّهامهم هُمُ الْعَدُوُّ استيناف فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ دعاء عليهم أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن الحقّ.

(٥) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ عطفوها اعراضاً واستكباراً عن ذلك وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ يعرضون على الاستغفار وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن الاعتذار.

(٦) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ لرسوخهم في الكفر إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن مظنّة الاستصلاح لانهماكهم في الكفر والنفاق.

(٧) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ أي للأنصار لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا يعنون فقراء المهاجرين وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بيده الأرزاق والقسم وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم بالله.

(٨) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ من فرط جهلهم وغرورهم.

القمّيّ : قال نزلت في غزوة المريع وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله خرج إليها فلمّا رجع منها نزل على بئر وكان الماء قليلاً فيها وكان انس بن سيّار حليف الأنصار وكان جهجاه بن سعيد الغفاري اجيراً لعمر بن الخطّاب فاجتمعوا على البئر فتعلّق دلو سيّار بدلوا جهجاه فقال سيّار دلوي وقال جهجهاه دلوي فضرب جهجاه يده على وجه سيّار فسال منه الدم فنادى سيّار بالخزرج ونادى جهجاه بقريش فأخذ الناس السلاح وكادت ان تقع الفتنة فسمع عبد الله بن أبيّ النداء فقال ما هذا فأخبروه بالخبر فغضب غضباً شديداً ثمّ قال قد كنت كارهاً لهذا المسير الى الأول العرب ما ظننت انّي أبقى الى ان اسمع مثل هذا فلا يكن عندي تغيير ثمّ اقبل على أصحابه فقال هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل فارمل نسائكم وأيتم صبيانكم ولو أخرجتموهم لكانوا عيالاً على غيركم ثمّ

١٧٨

قال لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ وكان في القوم زيد بن أرقم وكان غلاماً قد راهق وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله في ظلّ شجرة في وقت الهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلّك وهمت يا غلام قال لا والله ما وهمت فقال لعلّك غضبت عليه قال لا والله ما غضبت عليه قال فلعلّه سفه عليك قال لا والله فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لشقران مولاه احدج فأحدج راحلته وركب وتسامع الناس بذلك فقالوا ما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ليرحل في مثل هذا الوقت فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال وعليك السلام فقال ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت فقال أوما سمعت قولاً قال صاحبكم قالوا وأيّ صاحب لنا غيرك يا رسول الله قال عبد الله بن أبيّ زعم أنّه ان رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فقال يا رسول الله فأنت وأصحابك الأعزّ وهو وأصحابه الأذلّ فصار رسول الله صلّى الله عليه وآله يومه كلّه لا يكلّمه أحد فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبيّ يعذلونه فحلف عبد الله انّه لم يقل شيئاً من ذلك فقالوا فقم بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى تعتذر إليه فلوّى عنقه فلمّا جنّ اللّيل سار رسول الله صلّى الله عليه وآله ليله كلّه والنهار فلم ينزلوا الّا للصلاة فلمّا كان من الغد نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله ونزل أصحابه وقد أمهدهم الأرض من السّهر الذي أصابهم فجاء عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فحلف عبد الله انّه لم يقل ذلك وانّه ليشهد أن لا إله إلّا الله وانّك لرسول الله صلّى الله عليه وآله وانّ زيداً قد كذب عليّ فقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله منه وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له كذبت على عبد الله سيّدنا فلمّا رحل رسول الله صلّى الله عليه وآله كان زيد معه يقول اللهم انّك لتعلم انّي لم أكذب على عبد الله بن أبيّ فما سار الّا قليلاً حتى أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله ما كان يأخذه من البرحاء عند نزول الوحي عليه فثقل حتّى كادت ناقته ان تبرك من ثقل الوحي فسرى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يسكب العرق عن جبهته ثمّ أخذ بإذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل

١٧٩

ثم قال يا غلام صدق قولك ووعى قلبك وأنزل الله فيما قلت قرآناً فلمّا نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين ففضح الله عبد الله بن أبيّ قال القمّيّ فلمّا نعتهم الله لرسوله وعرّفه مشى إليهم عشائرهم فقالوا لهم قد افضحتم ويلكم فاتوا نبيّ الله يستغفر لكم فلوّوا رؤوسهم وزهدوا في الاستغفار وفي رواية : انّ ولد عبد الله بن أبيّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان كنت عزمت على قتله فمرني ان أكون انا الذي احمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الأوس والخزرج انّي أبرهم ولداً بوالدي فانّي أخاف ان تأمر غيري فيقتله فلا تطيب نفسي ان انظر إلى قاتل عبد الله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار فقال رسول الله بل نحسن لك صحابته ما دام معنا.

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام قال : انّ الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتّبع رسوله في ولاية وصيّه منافقين وجعل من جحد وصيّة إمامته كمن جحد محمّداً وانزل بذلك قرآناً فقال يا محمد إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ بولاية وصيّك قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ بولاية عليّ عليه السلام لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ والسبيل هو الوصيّ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا برسالتك ثُمَّ كَفَرُوا بولاية وصيّك فَطُبِعَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ يقول لا يعقلون نبوّتك وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ارجعوا إلى ولاية عليّ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ النبيّ من ذنوبكم لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ قال الله وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ عن ولاية عليّ عليه السلام وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عليه ثمّ عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يقول الظالمين لوصيّك.

(٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره كالصلاة وسائر العبادات وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لأنّهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.

(١٠) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ بعض أموالكم ادّخاراً للآخرة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ

١٨٠