تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

١
٢

٣
٤

سورة المائدة

هي مدنية في قول ابن عبّاس ومجاهد ، وقيل هي مدنية كلها الا قوله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ

لَكُمْ دِينَكُمْ فإنّه نزل في حجة الوداع وهي مائة وعشرون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : أي بالعهود.

أقول : الإيفاء والوفاء بمعنى والعقد العهد الموثق ويشمل هاهنا كلّ ما عقد الله على عباده والزَمَهُ إيَّاهم من الايمان به وبملائكته وكتبه ورسله وأوصياءِ رسله وتحليل حلاله وتحريم حرامه والاتيان بفرائضه وسنَته ورعاية حدوده وأوامره ونواهيه وكلّ ما يعقده المؤمنون على أنفسهم للهِ وفما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات الغير المحظورة.

والقمّيّ عن الجواد عليه السلام : أنّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عقد عليهم لعليّ بالخلافة في عشر مواطن ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام.

أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ قيل إضافة بيان أريد بها الأزواج الثمانية (١) والمستفاد من ظاهر الأخبار أن بيان حل الأنعام في آيات أُخر.

والمراد هنا بيان حلّ الأجنّة التي في بطونها.

ففي الكافي والتهذيب والفقيه والعيّاشيّ عن أحدهما : في تفسيرها الجنين في بطن أمّه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمّه.

__________________

(١) الأزواج الثمانية المعز والضّأن والبقر والإبل ذكرها وانثاها ويأتي ما يبينِّ هذا.

٥

وزاد في الكافي والقمّيُ : فذلِك الذي عنى الله عزّ وجلّ به.

وفي رواية : وإن لم يكن تامّاً فلا تأكله والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : هي الأجنّة التي في بطون الأنعام وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر ببيع الأجنَة.

أقول : لعلّ هذا يكون أحد معانيها.

ويحتمل أن يكون المراد بهذه الأخبار بيان الفرد الأخفى أو يكون تحديد الأوّل تسميتها بالبهيمة وحلّها فلا ينافي التعميم مع أنّه نصّ في حلّ الأم.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : أنّ عليّاً عليه السلام سئل عن أكل لحم الفيل والدّب والقرد فقال ليس هذا من بهيمة الأنعام الّتي تؤكل إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ تحريمه غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ قيل يعني أحلّت لكم في حال امْتِنَاعكُمْ مِنَ الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ مُحرمُونَ لئلَّا يتحرج عليكم.

أقول : وهو لا ينافي عموم حلها سائر الأحوال إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ من تحليل وتحريم.

(٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ لا تتهاونوا بحرمات الله جمع شعيرة وهي ما جعله الله شعار الدين وعلامته من أعمال الحجّ وغيرها وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ بالقتال فيه (١)

في المجمع عن الباقر عليه السلام : نزلت في رجل من بني ربيعة يقال له الحطم.

أقول : يعني حين قدم حاجّاً وأراد المسلمون قتله في أشهر الحرم لكفره وبغيه وكان قد استاق سرح (٢) المدينة قيل هي منسوخة بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.

__________________

(١) والشَّهْرَ الْحَرامَ إما خصوص شهر الحجّ أو جنس يشمل الأشهر الحرم جميعاً وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

(٢) السّرح كالقتل متعديا بمعنى الإرسال والإخراج وغيرهما ولازماً بمعنى السير في السّهلة والمراد هنا أراد السّير الى المدينة.

٦

وفي المجمع عنه عليه السلام : لم ينسخ من هذه السورة شيء ولا من هذه الآية لأنّه لا يجوز أن يبتدئ المشركون في الأشهر الحرم بالقتال إلّا إذا قاتلوا وَلَا الْهَدْيَ (١) ما أهدى إلى الكعبة وَلَا الْقَلائِدَ ما قلّد به الهدي من نعل قد صلى فيه أو غيره ليعلم به أنه هدي فلا يتعرض له وَلَا آمِّينَ (٢) الْبَيْتَ الْحَرامَ قاصدين لزيارته يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً أن يثيبهم من فضله ويرضى عنهم أو يرزقهم بالتجارة ويرضى عنهم بنسكهم بزعمهم والمقصود النهي عن التعرّض لهؤلاء وقرئ رضواناً بضمّ الراء وَإِذا حَلَلْتُمْ من إحرامكم فَاصْطادُوا ان شئتم وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ (٣) ولا يحملنكم ولا يكسبنكم شَنَآنُ قَوْمٍ شدة بغضهم وعداوتهم وقرئ بسكون النون أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ لأن صدّوكم يعني عام الحديبية وقرئ بكسر الهمزة أَنْ تَعْتَدُوا بالانتقام وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى على العفو والإغضاءِ ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ للتشفي والانتقام وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فانتقامه أشدّ.

(٣) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ بيان ل ما يُتْلى عَلَيْكُمْ وَالدَّمُ أي المسفوح منه لقوله تعالى أَوْ دَماً مَسْفُوحاً قيل كانوا في الجاهلية يصبونه في الأمعاءِ ويشوونها وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وأن ذكي وإنّما خصّ بالذّكر دون الكلب وغيره لاعتيادهم أكله دون غيره وَما أُهِلَ رفع الصّوت لِغَيْرِ اللهِ بِهِ كقولهم باسم اللّات والعزّى عند ذبحه وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ (٤) وَالْمُتَرَدِّيَةُ (٥) وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ في العيون عن الباقر عليه السلام في تفسيرها : الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ معروف وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ يعني ما ذبح للأصنام وامّا الْمُنْخَنِقَةُ فانّ المجوس كانوا لَا يَأكلون الذَبايح ويأكلون الميتة وكانوا يخنقون بالبقر والغنم فإذا انخنقت وماتت

__________________

(١) والْهَدْيَ ما أهدى إلى البيت وتقرب به إلى الله من النّسك وهو جمع هدية كجدْي وجدية والقلائد جمع قلادة.

(٢) أي القاصدين زيارة البيت والحجّ والعمرة وإحلال هذه الأشياء ان يتهاون بحرمتها فتضيّع.

(٣) وجَرَم مثل كسب في التعدية الى واحد واثنين تقول جَرَم ذنباً وجرمته ذنباً وكسب شيئاً وكسبته إياه وأول المفعولين ضمير المخاطبين والثاني ان تعتدوا.

(٤) وقذه يقذه وقذاً ضربه حتّى استرخى وأشرف على الموت ومنه شاة موقوذة للّتي وقذت بالخشب.

(٥) المتردّية الّتي تردّت وسقطت من جبل أو حائط أو في بئر وما يدرك ذكاته.

٧

أكلوها وَالْمَوْقُوذَةُ كانوا يشدّون أرجلها ويضربونها حتّى تموت فإذا ماتت أكلوها وَالْمُتَرَدِّيَةُ كانوا يشدّون أعينها ويلقونها من السّطح فإذا ماتت أكلوها وَالنَّطِيحَةُ (١) كانوا يناطحون بالكباش (٢) فإذا مات أحدها أكلوه وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ فكانوا يأكلون ما يأكله الذّئب والأسد فحرّم الله ذلك وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ كانوا يذبحون لبيوت النّيران وقريش كانوا يعبدون الشّجر والصّخر فيذبحون لهما وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ قال كانوا يعمدون الى الجزور (٣) فيجزونه عشرة أجزاء ثمّ يجتمعون عليه فيخرجون السّهام فيدفعونها إلى رجل وهي عشره سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها فالّتي لها أنصباء فالفّذ والتّوأم والمسبل والنّافس والحِلس والزقيب والمعلّى فالفذ له سهم والتوأم له سهمان والمسبل له ثلاثة أسهم والنّافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والزّقيب له ستّة أسهم والمعلّى له سبعة أسهم والّتي لا انصباءَ لها السّفيح والمنيح والوغد وثمن الجزور (٤) على من لم يخرج له من الأنصباءِ شيء وهو القمار فحرّمه الله.

والقمّيّ : مثله.

وفي الفقيه والتّهذيب عن الجواد عليه السلام ما يقرب منه الّا أنّه قال : وَالْمَوْقُوذَةُ الّتي مرضت ووقذها المرض حتّى لم تكن بها حركة قال عليه السلام وكانوا في الجاهلية يشترون بعيراً فيما بين عشرة أنفس ويستقسمون عليه بالقداح ثمّ ذكر أسماءها السبعة والثّلاثة كما ذكر قال فكانوا يجيلون السّهام بين عشرة فمن خرج باسمه سهم من الّتي لا أنصباء لها أُلزم ثلث ثمن البعير فلا يزالون كذلك حتَى تقع السّهام الثّلاثة الّتي لا أنصباء لها الى ثلاثة منهم فيلزمونهم ثمن البعير ثمّ ينحرونه ويأكله السّبعة الّذين لم ينقدوا في ثمنه شيئاً فلمَّا جاء الإسلام حرّم اللهُ تعالى ذكره ذلك فيما حرّم فقال عزّ وجلّ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ يعني حرام.

__________________

(١) نطحه نطحاً أصابه بقرنه.

(٢) الكبش فحل الضّأن في أيّ سنّ كان.

(٣) الجزور بالفتح وهي من الإبل خاصّةً ما كمل خمس سنين ودخل في السّادسة يقع على الذكر والانثى والجمع جُزُر كرسُول ورُسُل.

(٤) الجزور بالفتح وهي من الإبل خاصّةً ما كمل خمس سنين ودخل في السّادسة يقع على الذكر والانثى والجمع جُزُر كرسُول ورُسُل.

٨

أقول : معنى تجزيته عشرة أجزاء اشتراؤه فيما بين عشرة أنفس كما ذكر في حديث الجواد عليه السلام لا تجزية لحمه والأنصباء جمع نصيب والفذّ بالفاءِ والذّال المعجمة المشدّدة.

والتّوأم بالتَّاءِ المثنَّاة الفوقانيّة والهمزة والمُسبل كمُحسن بالسّين المهملة والباءِ الموحّدة والنّافس بالنّون والفاءِ والسّين المهملة والحِلس بكسر الحاءِ وسكون اللّام والسّين المهملة وقد يحرّك والزّقيب بالزّاي والقاف على وزن فعيل والمعلى بضمّ الميم وسكون العين وفتح اللّام والسّفيح بالسّين المهملة والفاءِ والحاءِ المهملة على وزن فعيل كالمنيح بالنّون والحاءِ المهملة.

والوغد بالواو والغين المعجمة والدّال المهملة وقيل معنى الاستقسام بِالْأَزْلامِ طلب معرفة ما قسّم لهم بالأقداح يعني السّهام وذلك أنّهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني ربِّي وعلى آخر نهاني ربِّي وعلى الثّالث غفَل فان خرج الأمر مَضَوا على ذلكِ وان خرج الناهي تجنّبوا عنه وان خرج الغَفَل اجالوها ثانياً.

وفي بعض الأخبار إيماء إلى ذلك كما يأتي في أواخر السّورة ويمكن التّوفيق بالتّعميم وقوله تعالى إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ يرجع الى ما تقدم ذكره من المحرّمات سوى ما لا يقبل الذّكاة من الخنزير والدّم كذا في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام والعيَّاشي عن الرّضا عليه السّلام الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إذا أدركت ذكاته فكله.

وفي المجمع عَن الباقر والصّادق عليهما الصّلاة والسّلام : انّ أدنى ما يدرك به الذَّكاة أن يدركه وهو يحرّك أذنه أو ذَنَبه أو يطرف عينيه.

وفي الكافي عن الصّادق عليه السّلام في كتاب عليّ عليه السّلام : إذا طرفت العين أو ركضت الرِّجل أو تحرّكت الذَّنَب فكُلْ منه فقد أدركت ذكاته. وفي معناه أخبار آخر الْيَوْمَ الآن يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ انقطع طمعهم من دينكم أن تتركوه وترجعوا منه إلى الشّرك.

القمّيّ قال ذلك لمّا نزلت ولآية أمير المؤمنين عليه السّلام فَلا تَخْشَوْهُمْ أن يظهروا

٩

على دين الإسلام ويردّوكم عن دينكم وَاخْشَوْنِ ان خالفتم أمري ان تحلّ بكم عقوبتي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً في المجمع عنهما عليهما السّلام : انمّا نزل بعد أن نصب النّبي صلىّ اللهُ عليه وآله عليّاً صلوات الله عليهما علماً للأنام يوم غدير خمّ عند منصرفه عن حجّة الوداع قالا (ع): وهي آخر فريضة أنزلها الله ثمّ لم تنزل بعدها فريضة.

وفي الكافي عن الباقر : الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكان الولاية آخر الفرائض فأنزل الله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال لا أنزل بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض.

والعيّاشيّ والقمّيّ عنه : ما يقرب منه.

أقول : انّما أكملت الفرائض بالولاية لأنّ النّبي صلّى الله عليه وآله أنهى جميع ما استودعه الله من العلم إلى عليّ صلوات الله عليه ثمّ الى ذريّته الأوصياء واحداً بعد واحد فلمّا أقامهم مقامه وتمكّن النَّاس من الرّجوع إليهم في حلالهم وحرامهم واستمّر ذلك بقيام واحد به بعد واحد كمل الدّين وتّمت النّعمة إن شاء الله وقد ورد هذا المعنى بعينه عنهم عليهم السّلام ويأتي ما يقرب منه في خطبة الْغدير فَمَنِ اضْطُرَّ متصل بذكر المحرّمات وما بينهما اعتراض والمعنى فَمَنِ اضْطُرَّ الى تناول شيء من هذه المحرّمات فِي مَخْمَصَةٍ في مجاعة غَيْرَ مُتَجانِفٍ غير مايل لِإِثْمٍ.

والقمّيّ عن الباقر عليه السّلام : غير متعمّد لِإِثْمٍ.

أقول : وذلك بأن يأكلها تلذّذاً أو مجاوزاً حدّ الرخصة وهذا كقوله سبحانه غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ.

وقد مضى تفسيرها في سورة البقرة فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه بأكله.

(٤) يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ كأنّهم لمّا تلى عليهم ما حرّم عليهم سألوا عمَّا أُحلّ لهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ قيل ما لم يستخبثه الطّباع السّليمة ولم تتنفّر عنه وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ أي صيدهنَّ وهي كواسب الصّيد على أهلها من السّباع والطّير مُكَلِّبِينَ مؤدّبين لها والمكلّب مؤدّب الجوارح ومغريها بالصّيد مشتقّ من الكلب.

١٠

في الكافي والتهذيب عن الصّادق عليه السلام : في كتاب عليّ عليه السّلام في قول الله تعالى وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قال هي الكلاب.

وعنه عليه السّلام : إذا أرسلت بازاً أو صقراً عقاباً فلا تأكل حتّى تدركه فتذكّيه وان قتل فلا تأكل.

وعنه عليه السلام : وقد سئل عن إرسال الكلب والصّقر فقال وامّا الصّقر فلا تأكل من صيده حتّى تدرك ذكاته وأمّا الكلب فكل منه إذا ذكرت اسم الله عليه أكل الكلب منه أو لم يأكل. وفي معناهما أخبار كثيرة تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ألهمكم من طرق التّأديب وفسرّ أدبه باتّباع الصّيد بارسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وإمساكه عليه الصّيد في الكافي عن الباقر عليه السّلام : ما قتلت مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ وذكرتم اسم الله عليه فكلوا من صيدهن وما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه.

وفي الكافي والفقيه والتّهذيب عن الصادق عليه السّلام قال : في صيد الكلب إن أرسله صاحبه وسمّى فليأكل كلّ ما أمسك عليه وان قتل وان أكل فكل ما بقي وان كان غير معلّم فعلّمه ساعته حين يرسله فليأكل منه فانّه معلّم فامَّا ما خلا الكلب ممّا تصيده الفهود والصّقور واشباه ذلك فلا تأكل من صيده الَّا ما تدرك ذكاته لأنَّ الله عزّ وجلّ قال مُكَلِّبِينَ فما خلا الكلاب فليس صيده بالّذي يؤكل الّا أن تدرك ذكوته وأمّا الأخبار الّتي وردت بخلاف ذلك فمحمولة على التقيّة لموافقتها مذاهب العامّة كما بيّناه في الوافي فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن صيد البزاة (١) والصّقور والفهود والكلاب قال لا تأكل الّا ما ذكّيت الّا الكلاب قيل فان قتله قال كل فانّ الله يقول وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ثم قال فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ثم قال كل شيء من السباع يمسك الصيد على نفسها الّا

__________________

(١) البازي ضرب من الصّقور جمعه بواز وبزاة وأبُوز وبؤز وبيزان.

١١

الكلاب المعلّمة فانّها تمسك على صاحبها وقال : إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته وَاتَّقُوا اللهَ فيما حرّم عليكم إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ فيؤاخذكم بما جلّ ودقّ.

(٥) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ.

القمّيّ قال : عنى بطعامهم هاهنا الحبوبُ والفَاكهة غير الذبائح الّتي يذبحونها فانّهم لا يذكرون اسم الله عليه خالصاً على ذبائحهم ثمّ قال والله ما استحلوا ذبائحكم فكيف تستحلّون ذبائحهم.

في الكافي وغيره عنهما عليهما السّلام في عدّة أخبار : أنّ المراد به الحبوب والبقول. وفي بعضها : لا تأكل من ذبائح اليهود والنّصارى ولا تأكل من آنيتهم. وفي بعضها : الذّبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها الّا أهل التّوحيد. وفي بعضها : إذا شهدتموهم وقد سمّوا اسم الله فكلُوا ذبائحهم وان لم تشهدوهم فلا تأكلوا وان أتاك رجل مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكل. وفي بعضها : لا تأكله ولا تتركه تقول أنّه حرام ولكن تتركه تنزّهاً عنه انّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فلا جناح عليكم أن تطعموهم منهم وتبيعوه منهم وَالْمُحْصَناتُ واحلّ لكم العقد على العفائف مِنَ الْمُؤْمِناتِ.

العيَّاشي عن الصّادق عليه السّلام : هن المسلمات وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ في الفقيه عن الصادق عليه السلام : هنّ العفائف.

والعيّاشيّ عن الكاظم عليه السلام : أنّه سئل ما معنى احصانهنّ قال هنّ العفائف من نسائهم.

وفي الكافي والمجمع والعيّاشيّ عن الباقر عليه السّلام : أنّها منسوخة بقوله وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.

وزاد في المجمع : وبقوله وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ.

والقمّيّ أحلّ الله نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة وَلا تَنْكِحُوا

١٢

الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ قال وانّما يحلّ نكاح أهل الكتاب الّذين يؤدّون الجزية وغيرهم لم تحلّ مناكحتهم.

أقول : ويؤيّد هذا الحديث النّبويّ أنّ سورة المائِدة آخر القرآن نزولاً فَاحلّوا حلالها وحرّموا حرامها.

وفي الكافي عن الحسن بن الجهم قال قال لي أبو الحسن الرّضا عليه السّلام : يا أبا محمّد ما تقول في رجل يتزوّج نصرانية على مسلمة قلت جعلت فداك وما قولي بين يديك قال لتقولنّ فانّ ذلك تعلم به قولي قلت لا يجوز لا يجوز نصرانية على مسلمة ولا على غير مسلمة قال ولم قلت لقول الله تعالى وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ قال فما تقول في هذه الآية وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قلت فقوله ولا تنكِحوا المشركات نسخت هذه الآية فتبسّم ثمّ سكت.

وفيه وفي الفقيه عن الصّادق عليه السلام : في الرّجل المؤمن يتزوّج النّصرانية واليهوديّة قال إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنّصرانية فقيل يكون له فيها الهوى فقال ان فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم أن عليه في دينه غضاضة (١).

وعن الباقر عليه السلام : لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهوديّة ولا نصرانيّة وهو يجد مسلمة حرّة أو أمة.

وعنه عليه السّلام : انّما يحلّ منهنّ نكاح البله (٢).

وفي الفقيه عنه عليه السلام : أنّه سئل عن الرّجل المسلم أيتزوّج المجوسيّة قال لا ولكن ان كانت له أمة مجوسيّة فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها وفي رواية : لا يتزوّج الرّجل اليهوديّة والنصرانيّة على المسلمة ويتزوّج المسلمة على اليهوديّة

__________________

(١) قولهم ليس عليك في هذا الأمر غضاضة أي ذلّة ومنقصة ومثله عليه في دينه غضاضة وما عليَّ من غضاضة.

(٢) بله الرجل يبله بلهاً من باب تعب ضعف عقله فهو أبله والانثى بلهاء والجمع بله كأحمر وحمراء وحُمُر وفي الحديث عليك بالبلهاء قلت وما البلهاء قال ذوات الخدور العفائف.

١٣

والنّصرانيّة وفي التّهذيب عن الصادق عليه السّلام : لا بأس أن يتمتّع الرّجل باليهوديّة والنّصرانيّة وعنده حرّة.

وفيه في جواز التمتّع بهما وبالمجوسيّة أخبار أُخر إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ مهورهن مُحْصِنِينَ اعفاء بالنكاح غَيْرَ مُسافِحِينَ غير مجاهرين بالزّنا وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ (١) مسرّين به والخدن الصّديق يقع على الذكر والأنثى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ بجحد الشرايع أو بتركها في الكافي عن الصادق عليه السلام في تفسيره : ترك العمل الّذي أقرّ به من ذلك أن يترك الصّلوة من غير سقم ولا شغل.

وفي رواية : ترك العمل حتّى يدعه أجمع والعيّاشيّ : مثله وروى هو عن الصّادق عليه السّلام : أدنى ما يخرج به الرّجل من الإسلام أن يرى الرأي بخلاف الحقّ فيقيم عليه قال وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ الّذي لا يعمل بما أمر الله به ولا يرضى به وعن الباقر عليه السلام : يعني ولاية عليّ عليه السّلام.

والقمّيّ قال من آمن ثمّ أطاع أهل الشّرك فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.

(٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وقرء بنصب الأرجل وهو مردود عندنا كما يأتي وأريد بالقيام القيام من النّوم.

ففي التّهذيب والعيَّاشي عن الصّادق عليه السّلام : أنّه سئل ما معنى إِذا قُمْتُمْ قال إذا قمتم من النّوم.

والعيَّاشي عن الباقر عليه السّلام : سئل ما عنى بها قال عن النّوم فاسترحنا من تكلّفات المفسّرين واضماراتهم (٢) وأمَّا وجوب الوضوءِ بغير حدث النّوم فمستفاد من الأخبار كما أن وجوب الغسل بغير الجنابة مستفاد من محلّ آخر وكما أنّ سائر مجملات القرآن

__________________

(١) قوله تعالى وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ أي ولا متفرّدين ببغيّة واحدة خادنها وخادنته اتخذها لنفسه صديقة يفجر بها.

(٢) قال في مجمع البيان معناه إذا أردتم القيام الى الصّلاة وأنتم على غير طهر وحذف الإرادة لأن في الكلام دلالة على ذلك ومثله قوله فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ وهو قول ابن عبّاس وأكثر المفسّرين.

١٤

إنّما يتبيّن بتفسير أهل البيت وهم أدرى بما نزل في البيت من غيرهم والوجه ما يواجه به فلا يجب تخليل الشّعر الكثيف أعني الّذي لا يرى البَشرَة خلاله في التّخاطب إذ المواجهة حينئذٍ إنّما تكون بالشّعر لا بما تحته كما ورد عن الباقر عليه السّلام : كلّ ما أحاط به الشّعر فليس على العباد أن يطلبوا ولا أن يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء رواه في التهذيب وفيه وفي الكافي عن أحدهما عليهما السلام : أنّه سئل عن الرجل يتوضّأ أيبطّن (١) لحيته قال لا.

وأمّا حدّ الوجه ففي الفقيه وفي الكافي والعيَّاشي عن الباقر عليه السلام : الوجه الّذي أمر الله بغسله الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وان نقص منه أثم ما دارت الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس الى الذّقن وما جرت عليه الأصبعان من الوجه مستديراً فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه قيل الصّدغ ليس من الوجه قال لا.

وأمّا في سائر الأعضاءِ فيجب إيصال الماءِ والبلل الى البشرة وتخليل ما يمنع من الوصُول كما هو مقتضى الأمر بالغسل والمسح فلا يجزي المسح على القلنسوة ولا على الخفين في التّهذيب عن الباقر عليه السّلام : جمع عمر ابن الخطّاب أصحاب رسول الله صلىّ اللهُ عليه وآله وسلم وفيهم عليّ عليه السّلام فقال ما تقولون في المسح على الخفّين فقام المغيرة بن شعبة فقال رأيت رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم يمسح على الخفّين فقال عليّ قبل المائِدة أو بعد المائِدة فقال لا أدري فقال عليّ سبق الكتاب الخفّين إنّما نزلت المائِدة قبل أن يقبض صلىّ اللهُ عليه وآله بشهرين أو ثلاثة.

أقول : المغيرة بن شعبة هذا هو أحد رؤساءِ المنافقين من أصحاب العقبة والسّقيفة لعنهم الله.

وفي الفقيه روت عائشة عن النّبي صلىّ الله عليه وآله أنّه قال : أشدّ النّاس حسرةً يوم القيمة من رأى وضوءه على جلد غيره.

__________________

(١) قوله يبطّن بتشديد الطاء من بطّن يبطن إذا أدخل الماء تحتها ممّا هو مستور بشعرها.

١٥

وروى عنها أنّها قالت : لأن اسمح على ظهر عير بالفلاة أحبّ إليّ من أن أمسح على خفّي ولم يعرف للنّبي صلىّ الله عليه وآله خفّ الّا خفّ هداه النّجاشي وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقاً فمسح النّبي صلىّ الله عليه وآله رجليه وعليه خفَّاه فقال الناس انّه مسح على خفيه وعلى انّ الحديث في ذلك غير صحيح الأسناد انتهى كلام الفقيه ولمّا كانت اليد تطلق على ما تحت الزند وعلى ما تحت المرفق وعلى ما تحت المنكب بينّ الله سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك اخضب يدك الى الزّند وللصّيقل صقّل سيفي الى القبضة فلا دلالة في الآية على ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه الى المرافق كما انّه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخضاب والتصقيل بأصابع اليد ورأس السّيف فهي مجملة في هذا المعنى يحتاج إلى تبيين أهل البيت عليهم السلام والمرفق بكسر اوّله وفتح ثالثه أو بالعكس مجمع عظمي الذّراع والعضد ولا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد ولا على إدخال الكعب في مسح الرجلين لخروج الغاية تارة ودخولها اخرى فهي في هذا المعنى مجملة وانّما تتبيّن بتفسيرهم والغسل يحصل بصبّ الماء على العضو أو غمسه فيه وان لم يدلك فالباء في بِرُؤُسِكُمْ للتّبعيض وكذا في بِوُجُوهِكُمْ وكذا في المعطوفتين عليهما أعني أَرْجُلَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ كذا عن الباقر عليه السلام كما يأتي والكعب عظم مائل الى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم نات عن ظهره يدخل نتوه في طرف الساق كالّذي في ارجل البقر والغنم وربّما يلعب به الأطفال وقد يعبّر عنه بالمفصل لمجاورته له وانّما اختلف النّاس فيها لعدم غورهم في كلام أهل اللّغة وأصحاب التشريح واعراضهم عن التأمّل في الأخبار المعصومية ولمّا كانت الرِّجل تطلق على القدم وعلى ما تحت الركبة وعلى ما يشمل الفخذ بيّن الله سبحانه غاية الممسوح منها ثمّ دلالة الآية على مسح الرجلين دون غسلهما أظهر من الشمس في رابعة النهار وخصوصاً على قراءة الجرّ ولذلك اعترف بها جمع كثير من القائلين بالغسل.

في التهذيب عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ على الخفض هي أم على النّصب قال بل هي على الخفض.

أقول : وعلى تقدير القراءة على النّصب أيضاً يدلّ على المسح لأنّها تكون حينئذ

١٦

معطوفة على محلّ الرؤوس كما تقول مررت بزيد وعمرواً إذ عطفها على الوجوه خارج عن قانون الفصاحة بل عن أسلوب العربية روى العامّة عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عبّاس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه توضّأ ومسح على قدميه ونعليه.

ورووا أيضاً عن ابن عبّاس انّه قال : انّ كتاب الله المسح ويأبى الناس الّا الغسل وانه قال الوضوء غسلتان ومسحتان من باهلني باهلته وانّه وصف وضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله فمسح على رجليه.

وفي التّهذيب عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن مسح الرّجلين فقال هو الّذي نزل به جبرئيل.

وفي الكافي عن الصّادق عليه السّلام : أنّه يأتي على الرّجل ستّون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلوة قيل وكيف ذلك قال لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه.

وفي الفقيه عن عليّ عليه السلام : أن الرجل ليعبد الله أربعين سنة ما يطيعه في الوضوء يغسل ما أمر الله بمسحه.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن وضوءِ رسول الله صلّى الله عليه وآله فدعا بطست (١) أو تور فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبّها على وجهه ثمّ غمس كفّه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق ، ثمّ غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلّ كفّه لم يحدث لهما ماءً جديداً ثمّ قال : ولا يدخل أصابعه تحت الشِّراك (٢) قال ثمّ قال : انّ الله تعالى يقول إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلَّا غسله وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له أن يدع شيئاً من يديه الى المرفقين إلّا غسله لأنّ الله تعالى قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ثم قال : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فإِذا مسح بشيءٍ من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأ فقيل أين الكعبان قال هاهنا يعني

__________________

(١) والتّرديد من الراوي والتَّوْر بالفتح فالسّكون إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه ويتوضأ فيه ويؤكل منه.

(٢) الشِراك بكسر الشّين أحد سيور النعل الّتي يكون على وجهها توثق به الرجل ومنه الحديث لا تدخل يدك تحت الشِراك أي شراك النّعل.

١٧

المفصل دون عظم الساق قيل هذا ما هو فقال هذا من عظم السَّاق والكعب أسفل من ذلك قيل أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجري للوجه وغرفة للذّراع قال نعم إذا بالغت فيها والثّنتان تأتيان على ذلك كلّه.

وفي الفقيه والعيّاشي عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام الا تخبرني من أين علمت وقلت أنّ المسح ببعض الرّأس وببعض الرّجلين فضحك عليه السّلام ثمّ قال يا زرارة قاله رسول الله صلىّ الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله لأنّ الله تعالى يقول فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ثمّ قال وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا الى المرفقين ثمّ فصل بين الكلام فقال وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فعرفنا حين قال برءوسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباءِ ثمّ وصل الرّجلين بالرّأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضهما ثمّ فسَّر ذلك رسول الله للنّاس فضيّعوه ـ الحديث ويأتي تمامه عن قريب وأشار إليه بقوله لمكان الباءِ إنّ الباء للتّبعِيض فلا وجه لانكار سيبويه مجيئها له في سبعة عشر موضعاً من كتابه.

وانّما بسطنا الكلام في تفسير آية الوضوءِ لعموم البلوى بها وكثرة الاختلاف فيها والحمد لله على ما هدانا ببركة أهل بيت نبيّه صلوات الله عليهم وتمام الكلام فيه يطلب من كتابنا الوافي وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا عطف على جزاءِ الشرّط الأوّل أعني فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ يعني إذا قمتم من النّوم الى الصّلوة فتوضّئوا وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فاغتسلوُا يدلّ عليه قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى فانّه مندرج تحت الشّرط البتّة فلو كان قوله وَإِنْ كُنْتُمْ معطوفاً على قوله إِذا قُمْتُمْ أو كان مستأنفاً لم يتناسق المتعاطفان وللزم أن لا يستفاد الارتباط ما بين الغسل والصّلوة من الآية ولم يحسن لفظة «إن» بل ينبغي أن يقال وإذا كنتم جنباً كما هو غير خاف (١) على من تتّبع أساليب الكلام ويدلّ عليه أيضاً ما في الكافي عن الباقر عليه السّلام : أنّه سئل عن المرأة يجامعها الرّجل فتحيض وهي في المغتسل قال

__________________

(١) خفي كرضي خفاءً فهو خاف وخفيّ لم يظهر.

١٨

جاءها ما يفسد الصّلوة فلا تغتسل.

وفي التهذيب عن الصّادق عليه السّلام : أنّه سئل عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثمّ تمضمض واستنشق ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك (١) الى قدميك ليس بعده ولا قبله وضوء وكلّ شيء أمْسَسته الماء فقد أنقيته ولو أنّ رجلاً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة اجزأه ذلك وان لم يدلك جسده.

وفي الكافي مقطوعاً : إن لم يكن أصاب كفّه شيء غمسها في الماءِ ثمّ بدا بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صب على رأسه ثلاث أكفّ ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين فما جرى عليه الماء أجزأه وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ قد مضى تفسير هذه الآية في سورة النّساء فلا حاجة الى اعادته.

وفي الفقيه في حديث زرارة السّابق آنفاً متّصلاً بآخره ثمّ قال : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فلمّا وضع الوضوء إن لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحاً لأنّه قال بِوُجُوهِكُمْ ثم وصل بها وَأَيْدِيَكُمْ ثم قال مِنْهُ أي من ذلك التّيمّم لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنّه يعلق من ذلك الصّعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها قوله عليه السّلام من ذلك التّيمّم الظّاهر أنّ المراد به المتيمّم به بدليل قوله انْ ذلك يعني الصّعيد أجمع لم يجر على الوجه ويستفاد منه أنّ لفظة من في منه للتّبعيض وأنّه يشترط علوق التّراب بالكفّ وأنّه لا يجوز التّيمّم بالحجر الغير المغبّر كما مضى تحقيقه ما يُرِيدُ اللهُ بفرض الطّهارات لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ من ضيق وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ من الأحداث والذّنوب فانّ الطّهارة كفّارة للذّنوب كما هي رافعة للأحداث وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بهذا التّطهير لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته.

(٧) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بالإِسلام ليذكركم المنعم ويرغّبكم في شكره

__________________

(١) القرن جانب الرأس.

١٩

وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ قيل يعني عند إسلامكم بأن تطيعوا الله فيما يفرضه عليكم سَرَّكم أو ساءَكم.

وفي المجمع عن الباقر عليه السّلام : أنّ المراد بالميثاق ما بيّن لهم في حجّة الوداع من تحريم المحرّمات وكيفيّة الطّهارة وفرض الولاية وغير ذلك.

أقول : وهذا داخل في ذلكَ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا.

القمّيّ قال : لمَّا أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله الميثاق عليهم بالولاية قالوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا ثمّ نقضوا ميثاقه وَاتَّقُوا اللهَ في إنساء نعمته ونقض ميثاقه إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بخفيّاتها فضلاً عن جليّات أعمالكم.

(٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ مرّ تفسيره وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ ولا يحملنّكم شَنَآنُ قَوْمٍ شدّة عداوتهم وبغضهم عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحلّ كمثلة وقذف وقتل نساءٍ وصبية ونقض عهد تشفّياً ممّا في قلوبكم اعْدِلُوا في أوليائكم وأعدائكم هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فيجازيكم قيل تكرير هذا الحكم امَّا لاختلاف السّبب كما قيل انّ الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاءِ نائرة الغيظ.

(٩) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ.

(١٠) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ قابَلَ الوعد بالوعيد وفاءً بحقّ الدّعوة.

(١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا يبطشوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بالقتل والإِهلاك فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ منعها أن تمدّ إليكم وردّ مضرّتها عنكم (١) القمّيّ يعني أهل مكّة من قبل فتحها فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ بالصّلح يوم الحديبيّة وَاتَّقُوا اللهَ

__________________

(١) البطش الأخذ بسرعة والأخذ بعنف وسطوة م

٢٠