تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيعلم تخلّفكم وقصدكم فيه.

(١٢) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً لظنّكم انّ المشركين يستأصلونهم وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ فتمكّن فيها وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيّتكم القمّيّ أي قوم سوء.

(١٣) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً نبّه على كفرهم ثمّ سجّل عليه بوضع الظاهر موضع الضمير.

(١٤) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يدبَّر كيف يشاء يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً فانّ الغفران والرّحمة من دأبه والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض ولذلك جاء في الحديث القدسي : سبقت رحمتي غضبي.

(١٥) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ يعني المذكورين إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها يعني مغانم خيبر ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ ان يغيّروه وهو وعده لأهل الحديبية ان يعوّضهم من مغانم مكّة مغانم خيبر وقرئ كلم الله قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا نفي في معنى النهي كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ من قبل تهيّئهم للخروج الى خيبر فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا ان نشارككم في الغنائم بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً الّا فهماً قليلاً وهو فطنتهم لأمور الدنيا.

(١٦) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ كرّر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذمّ واشعاراً بشناعة التخلّف سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قيل هم هوازن وثقيف تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ أي يكون أحد الامرين فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً هو الغنيمة في الدنيا والجنّة في الآخرة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ عن الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جرمكم.

(١٧) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ لمّا أوعد على التخلّف نفى الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناء لهم عن الوعيد وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وقيل فصّل

٤١

الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ثمّ جبر ذلك بالتكرير على سبيل التعميم فقال وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً إذ الترهيب هنا انفع من الترغيب وقرئ ندخله ونعذّبه بالنون.

(١٨) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قد سبق قصّته.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : كتب عليّ عليه السلام الى معاوية انا أوّل من بايع رسول الله تحت الشجرة في قوله لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ الطمأنينة وسكون النفس وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً فتح خيبر غبّ انصرافهم.

(١٩) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها يعني مغانم خيبر وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً غالباً مراعياً مقتضى الحكمة.

(٢٠) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعني مغانم خيبر وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ايدي أهل خيبر وحلفائهم وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ امارة يعرفون بها صدق الرسول في وعدهم وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه.

(٢١) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا بعد عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.

(٢٢) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكّة ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ لانهزموا ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَلا نَصِيراً ينصرهم.

(٢٣) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ أي سنّ غلبة أنبيائه سنّة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً تغييراً.

(٢٤) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ايدي كفّار مكّة وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ في داخل مكّة مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ القمّيّ أي من بعد ان أممتم من المدينة الى الحرم وطلبوا منكم الصلح من بعد ان كانوا يغزونكم بالمدينة صاروا يطلبون الصلح بعد

٤٢

ان كنتم تطلبون الصلح منهم وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً من مقاتلتهم اوّلا طاعة لرسوله وكفّهم ثانياً لتعظيم بيته وقرئ بالياء.

(٢٥) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً محبوساً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الهدي ما يهدى الى مكّة ومحلّه مكانه الذي يحلّ فيه نحره وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ القمّيّ يعني بمكّة لَمْ تَعْلَمُوهُمْ لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين أَنْ تَطَؤُهُمْ أي تواقعوا بهم وتبتدءوهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ من جهتهم مَعَرَّةٌ مكروه كوجوب الدية والكفّارة بقتلهم والتأسف عليهم وتعيير الكفّار بذلك والإثم بالتقصير في البحث عنهم بِغَيْرِ عِلْمٍ أي تطؤهم غير عالمين بهم وجواب لو لا محذوف لدلالة الكلام عليه والمعنى لولا كراهة ان تهلكوا ناساً مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين فيصيبهم باهلاكهم مكروه لما كفّ أيديكم عنهم.

القمّيّ اخبر الله عزّ وجلّ نبيّه أنّ علّة الصلح انّما كان للمؤمنين والمؤمنات الذين كانوا بمكّة ولو لم يكن صلح وكانت الحرب لقتلوا فلمّا كان الصلح آمنوا وأظهروا الإسلام ويقال إنّ ذلك الصلح كان أعظم فتحاً على المسلمين من غلبهم لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ علّة لما دلّ عليه كفّ الأيدي من أهل مكّة صوناً لمن فيها من المؤمنين اي كان ذلك لِيُدْخِلَ اللهُ في توفيقه لزيادة الخير والإسلام مَنْ يَشاءُ من مؤمنيهم أو مشركيهم لَوْ تَزَيَّلُوا لو تفرّقوا وتميّز بعضهم من بعض لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً بالقتل والسبي القمّيّ يعني هؤلاء الذين كانوا بمكّة من المؤمنين والمؤمنات لو زالوا عنهم وخرجوا من بينهم لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ.

وعن الصادق عليه السلام : أنّه سئل ألم يكن عليّ عليه السلام قويّاً في أمر الله فقال بلى قيل فما منعه ان يدفع أو يمتنع قال سألت فافهم الجواب منع عليّاً عليه السلام من ذلك آية من كتاب الله تعالى فقيل وأيّ آية فقرأ لَوْ تَزَيَّلُوا الآية انّه كان لله تعالى ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتّى تخرج الودائع فلمّا خرجت ظهر على من ظهر وقتله وكذلك قائمنا أهل البيت عليهم السلام لن يظهر أبداً حتّى يخرج ودايع الله فإذا خرجت يظهر على

٤٣

من يظهر فيقتله.

وفي الإكمال عنه عليه السلام ما في معناه بأسانيد متعدّدة منها قال : في هذه الآية لو اخرج الله ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا.

(٢٦) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ الانفة حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ التي تمنع إذعان الحقّ القمّيّ يعني قريشاً وسهيل بن عمر وحين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله لا نعرف الرحمن الرحيم وقولهم لو علمنا انّك رسول الله ما حاربناك فاكتب محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ انزل عليهم الثبات والوقار فتحملوا حميّتهم وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى كلمة الشهادة.

القمّيّ عن النبّي صلّى الله عليه وآله انّه قال في خطبته : وأولى القول كلمة التقوى.

وفي العلل عنه صلّى الله عليه وآله انّه قال : في تفسير لا اله الّا الله وهي كلمة التقوى يتقبّل الله بها الموازين يوم القيامة.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عنها فقال هو الايمان.

وفي المجالس عن النبّي صلّى الله عليه وآله قال : انّ عليّاً راية الهدى وامام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين.

وفي الخصال عنه عليه السلام قال في خطبة : نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى.

وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبة : انا عروة الله الوثقى والكلمة التقوى.

وفي الإكمال عن الرضا عليه السلام في حديث له : نحن كلمة التقوى والعروة الوثقى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها والمستأهل لها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فيعلم اهل كلّ شيء وييسرّه له.

٤٤

(٢٧) لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا صدّقه في رؤياه بِالْحَقِ متلبّساً به فانّ ما رآه كان لا محالة في وقته المقدّر له وقد سبق قصّته في أوّل السورة لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ محلقاً بعضكم ومقصّراً آخرون لا تَخافُونَ بعد ذلك فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا من الحكمة في تأخير ذلك فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسّر الموعود.

(٢٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ وبدين الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ليغلبه على جنس الدين كلّه بنسخ ما كان حقّاً وإظهار فساد ما كان باطلاً ثمّ بتسليط المسلمين على اهله إذ ما أهل دين إلّا وقد قهر بالإسلام أو سيقهر وفيه تأكيد لما وعده بالفتح.

القمّيّ : هو الإمام عليه السلام الذي يظهره الله عزّ وجلّ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً قال وهذا ممّا ذكرنا انّ تأويله بعد تنزيله.

أقول : قد سبق تمام الكلام فيه في سورة التوبة وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً على انّ ما وعده كائن أو على رسالته.

(٢٩) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ جملة مبينّة للمشهود به أو استيناف مع معطوفه وبعدهما خبر وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً لأنّهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً الثواب والرضا سِيماهُمْ (١) فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قيل يريد السّمة التي تحدث في جباههم من كثرة السجود.

وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عنه فقال هو السهر في الصلاة ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى

__________________

(١) أي علامتهم يوم القيامة أن تكون مواضع سجودهم أشدّ بياضا.

٤٥

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ* يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله لأنّ الله عزّ وجلّ قد انزل في التوراة والإنجيل والزبور صفة محمّد صلّى الله عليه وآله ومبعثه ومهاجره وهو قوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله إلى قوله فِي الْإِنْجِيلِ فهذه صفته في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه فلمّا بعثه الله عرفه أهل الكتاب كما قال جلّ جلاله كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فراخه وقرئ بالفتحات فَآزَرَهُ فقواه من الموازرة وهي المعاونة أو من الايزار وهي الاعانة وقرئ فأزره كاجره في آجره فَاسْتَغْلَظَ فصار من الدقة الى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ فاستقام على قصبه جمع ساق وقرئ سؤقه بالهمزة يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره قيل هو مثل ضربه الله للصحابة قلوا في بدو الإسلام ثمّ كثروا واستحكموا فترقّى أمرهم بحيث اعجب الناس لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ علّة لتشبيههم بالزرع في زكائه واستحكامه وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.

في الأمالي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه سئل فيمن نزلت هذه الآية قال إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أنور ونادى مناد ليقم سيّد المؤمنين ومعه الذين آمنوا وقد بعث الله محمّداً فيقوم عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما فيعطي الله اللّواء من النور الأبيض بيده تحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار لا يخالطهم غيرهم حتّى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة ويعرض الجميع عليه رجلاً رجلاً فيعطى اجره ونوره فإذا اتى على آخرهمْ قيل لهم قد عرفتم موضعكم ومنازلكم من الجنّة انّ ربّكم يقول لكم عندي لكم مغفرة واجر عظيم يعني الجنّة فيقوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام والقوم تحت لوائه معهم حتّى يدخل الجنّة ثمّ يرجع إلى منبره ولا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنّة ويترك اقواماً على النار الحديث.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : حصّنوا أموالكم ونسائكم وما ملكت ايمانكم من التلف بقراءة إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً فانّه إذا كان ممّن يدمن قراءتها نادى مناد يوم القيامة حتّى تسمع الخلائق أنت من عبادي المخلصين ألحقوه بالصالحين من عبادي وأسكنوه جنّات النعيم واسقوه من الرحيق المختوم بمزاج الكافور

٤٦

سُورة الحُجرات

مدنية عدد آيها ثماني عشرة آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا وقرئ بفتح التاء امراً أو أنفسكم أو لا تتقدموا ومنه مقدّمة الجيش لمتقدّميهم بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ قيل المعنى لا تقطعوا امراً قبل أن يحكما به وقيل لا تقدّموا في المشي والمراد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وذكر الله تعظيم له وإشعار بأنّه من الله بمكان يوجب إجلاله وَاتَّقُوا اللهَ في التقديم إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ لأقوالكم عَلِيمٌ بأفعالكم.

(٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ أي إذا كلمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم بل اجعلوا أصواتكم اخفض من صوته محاماة على الترحيب ومراعاة للأدب وتكرير النداء لاستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة في الإيقاظ والدلالة على استقلال المنادى له وزيادة الاهتمام به أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ كراهة ان تحبط أعمالكم أو لأن تحبط وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ انّها محبطة.

القمّيّ نزلت في وفد بني تميم كانوا إذا قدّموا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وقفوا على باب حجرته فنادوا يا محمّد اخرج إلينا وكانوا إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله تقدّموه في المشي وكانوا إذا كلّموه رفعوا أصواتهم فوق صوته ويقولون يا محمّد يا محمّد ما تقول في كذا كما يكلّمون بعضهم بعضاً فأنزل الله الآية.

وفي الجوامع عن ابن عبّاس نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان في اذنه

٤٧

وقر وكان جهوريّ الصوت فكان إذا كلّمه رفع صوته وربّما تأذّى رسول الله صلّى الله عليه وآله بصوته قال وروي : انّه لما نزلت الآية فُقِد ثابت فتفقّده رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبر بشأنه فدعاه فسأله فقال يا رسول الله لقد أنزلت هذه الآية وانى جهوريّ الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لست هناك فانّك تعيش بخير وتموت بخير وانّك من أهل الجنّة.

وفي تفسير الإمام عليه السلام : في سورة البقرة عند قوله تعالى لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا.

عن الكاظم عليه السلام : انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا قدم المدينة وكثر حوله المهاجرون والأنصار وكثرت عليه المسائل وكانوا يخاطبونه بالخطاب العظيم الذي لا يليق به وذلك أنّ الله تعالى كان قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ صلّى الله عليه وآله الآية وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله بهم رحيماً وعليهم عطوفاً وفي إزالة الاثام عنهم مجتهداً حتّى انّه كان ينظر إلى من يخاطبه فتعمّد على أن يكون صوته مرتفعاً على صوته ليزيل عنه ما توعده الله من إحباط اعماله حتّى ان رجلاً اعرابيّاً ناداه يوماً خلف حائط بصوت له جهوريّ يا محمّد فاجابه بأرفع من صوته يريد أن لا يأثم الاعرابيّ بارتفاع صوته.

(٣) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ يخفضونها عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مراعاة للأدب أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى جرّبها لها ومرنها عليها لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ عَظِيمٌ لغضّهم وساير طاعاتهم والتنكير للتعظيم.

(٤) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ من خارجها خلفها أو قدّامها والمراد حجرات نسائه صلّى الله عليه وآله أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة لمن كان بهذا المنصب.

(٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ من الاستعجال والنداء لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب والاسعاف بالمسؤول في إليهم إشعار بأنّه لو خرج لا لاجلهم ينبغي أن يصبروا حتّى يفاتحهم

٤٨

بالكلام أو يتوجّه إليهم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ حيث اقتصر على النصح والتقريع لهؤلاء المسيئين الأدب التاركين تعظيم الرسول.

(٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا فتعرّفوا وتفحّصوا وقرئ بالثاء المثلثة والباء الموحدة من التثبت.

ونسبها في المجمع الى الباقر عليه السلام يعني فتوقّفوا حتّى يتبيّن الحال أَنْ تُصِيبُوا كراهة أصابتكم قَوْماً بِجَهالَةٍ جاهلين بحالهم فَتُصْبِحُوا فتصيروا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ مغتمّين غمّاً لازماً متمنّين انّه لم يقع.

روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله : بعث وليد بن عقبة مصدّقاً الى بني المصطلق وكان بينه وبينهم احنَة فلمّا سمعوا به استقبلوه فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله صلّى الله عليه وآله قد ارتدّوا ومنعوا الزّكاة فَهَمَّ بقتالهم فنزلت ويؤيّد هذه الرواية ما في الاحتجاج عن الحسن المجتبى عليه السلام في حديث قال : وامّا أنت يا وليد بن عقبة فوالله ما ألومك ان تبغض عليّاً وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة وقتل أباك صبراً بيده يوم بدر أم كيف تسبّه فقد سمّاه الله مؤمناً في عشر آيات من القرآن وسمّاك فاسقاً وهو قوله إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا الآية.

والقمّيّ : نزل في عائشة حين رمت مارية القبطيّة واتّهمتها بجريح القبطي فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بقتل جريح ليظهر كذبها وترجع عن ذنبها وقد مضى قصّتها في سورة النّور.

(٧) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ لوقعتم في العنت وهو الجهد والهلاك وفيه اشعار بأنّ بعضهم أشار إليه بالإيقاع ببني المصطلق وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ قيل هو خطاب للمؤمنين الذين لم يفعلوا ذلك ولم يكذّبوا لغرضهم الفاسد تحسيناً لهم وتعريضاً بذمّ من فعل.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : الْفُسُوقَ الكذب.

٤٩

وفي الكافي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ يعني أمير المؤمنين عليه السلام وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ يعني الأوّل والثاني والثالث.

وفي المحاسن عنه عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية وقيل له هل للعباد فيما حبّب الله صنع قال لا ولا كرامة.

وعنه عليه السلام : الدّين هو الحبّ والحبّ هو الدين.

وفي الكافي عنه عليه السلام : أنّه سئل عن الحبّ والبغض أَمِنَ الايمان هو فقال وهل الايمان الّا الحبّ والبغض ثمّ تلا هذه الآية أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ يعني أولئك الذين فعل الله بهم ذلك هم الذين أصابوا الطريق السويّ.

(٨) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل حَكِيمٌ حين يفضل وينعم بالتوفيق عليهم.

(٩) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فانّ كل طائفة جمع فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بالنصح والدعاء الى حكم الله فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى تعدّت عليها فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ترجع إلى حكمه وما أمر به فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ بفصل ما بينهما على ما حكم الله قيل تقييد الإصلاح بالعدل هاهنا لأنّه مظنّة الحيف من حيث إنّه بعد المقاتلة وَأَقْسِطُوا واعدلوا في كلّ الأمور إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ قيل نزلت في قتال حدث بين الأوس والخزرج في عهده بالسعف والنعال.

وفي الكافي والتهذيب والقمّيّ عن الصادق عن أبيه عليهما السلام في حديث قال : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلّى الله عليه وآله انّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل من هو قال خاصف النعل يعني أمير المؤمنين عليه السلام فقال عمّار بن ياسر قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ثلاثاً وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا السعفات من هجر

٥٠

لعلمنا انّا على الحقّ وانّهم على الباطل وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السلام ما كان من رسول الله صلّى الله عليه وآله في اهل مكّة يوم فتح مكّة فانّهم لم يسب لهم ذرّية وقال من اغلق بابه فهو آمن ومن القى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذريّة ولا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبراً ومن اغلق بابه والقى سلاحه فهو آمن.

وفي الكافي عنه عليه السلام : انّما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة وهم اهل هذه الآية وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليه السلام فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حين يفيئوا الى امر الله ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله ان لا يرفع السيف عنهم حتّى يفيئوا ويرجعوا عن رأيهم لأنّهم بايعوا طائعين غير كارهين وهي الفئة الباغية كما قال الله عزّ وجلّ فكان الواجب على أمير المؤمنين عليه السلام ان يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم كما عدل رسول الله صلّى الله عليه وآله في أهل مكّة انّما منّ عليهم وعفا وكذلك صنع عليّ أمير المؤمنين عليه السلام بأهل البصرة حيث ظفر بهم مثل ما صنع النبيّ صلّى الله عليه وآله بأهل مكّة حذو النعل بالنعل.

(١٠) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : بنو أب وأمّ وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون.

وعنه عليه السلام : المؤمن أخ المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يعيبه ولا يعده عدة فيخلفه.

وعن الباقر عليه السلام : المؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمّه لأنّ الله خلق المؤمنين من طينة الجنّة واجرى في صورهم من ريح الجنّة فلذلك هم اخوة لاب وأمّ.

وفي البصائر عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن تفسير هذا الحديث انّ المؤمن ينظر بنور الله فقال إنّ الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم من رحمته وأخذ

٥١

ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرّفهم نفسه فالمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمّه أبوه النّور وأمّه الرحمة وانّما ينظر بذلك النور الذي خلق منه.

أقولُ : ووجه آخر لاخوة المؤمنين انتسابهم إلى النبيّ والوصيّ فقد ورد : انّه صلّى الله عليه وآله قال : انا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة ووجه آخر انتسابهم الى الايمان الموجب للحياة الابديّة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : صدقة يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا.

وعنه عليه السلام : لأن أصلح بين اثنين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بدينارين وعنه عليه السلام : انّه قال لمفضّل إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي وفي رواية قال : المصلح ليس بكذّاب وَاتَّقُوا اللهَ في مخالفة حكمه والإهمال فيه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ على تقواكم.

(١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ أي لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض إذ قد يكون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر القمّيّ : نزلت في صفيّة بنت حيّ بن أخطب وكانت زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله وذلك أنّ عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها وتشتمانها وتقولان لها يا بنت اليهوديّة فشكت ذلك الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لها الا تجيبيهما فقالت بماذا يا رسول الله قال قولي انّ أبي هارون نبيّ الله وعمّي موسى كليم الله وزوجي محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله فما تنكران مني فقالت لهما فقالتا هذا عمّك رسول الله صلّى الله عليه وآله فأنزل الله في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ الآية وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ولا يعيب بعضكم بعضاً وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ولا تدعوا بعضكم بعضاً بلقب السوء بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين اي ان يذكروا بالفسق بعد دخولهم الايمان واشتهارهم به وَمَنْ لَمْ يَتُبْ عمّا نهي عنه فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب.

٥٢

(١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ كونوا منه على جانب وإبهام الكثير ليحتاط في كلّ ظنّ ويتأمّل حتّى يعلم أنّه من أيّ القبيل إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الإثم الذنب يستحقّ به العقوبة.

في الكافي عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما السلام قال : ضع امر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يقلبك منه ولا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملاً.

وفي نهج البلاغة : إذا استولى الصلاح على الزمان واهله ثمّ أساء رجل الظنّ برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم وإذا استولى الفساد على الزمان واهله ثمّ أحسن الرجل الظنّ برجل فقد غرّر وَلا تَجَسَّسُوا ولا تبحثوا عن عورات المؤمنين.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لا تطلبوا عثرات المؤمنين فانّه من يتبع عثرات أخيه يتبع الله عثرته ومن يتبع الله عثرته يفضحه ولو في جوف بيته وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ولا يذكر بعضكم بعضاً بالسوء في غيبته.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن الغيبة فقال هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبثّ عليه امراً قد ستره الله عليه ما لم يقم عليه فيه حدّ وفي رواية : وامّا الامر الظاهر فيه مثل الحدّة والعجلة فلا.

وعن الكاظم عليه السلام : من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه النّاس لم يغتبه ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا هو فيه ممّا لا يعرفه الناس اغتابه ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذّبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممّن كملت مروّته وظهرت عدالته ووجبت أخوّته وحرمت غيبته.

ومثله في الكافي والخصال عن الصادق عليه السلام : وفي المجمع في الحديث

٥٣

قولوا في الفاسق ما فيه كي يحذره الناس.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله : إيّاكم والغيبة فانّ الغيبة أشدّ من الزنا ثم قال : انّ الرجل يزني ويتوب فيتوب الله عليه وانّ صاحب الغيبة لا يغفر له الّا ان يغفر له صاحبه. ومثله :

في الخصال عن الصادق عليه السلام أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ تمثيل لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على افحش وجه مع مبالغات الاستفهام المقرّر واسناد الفعل الى أحد للتعميم وتعليق المحبّة بما هو في غاية الكرامة وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخاً ميتاً وتعقيب ذلك بقول فكرهتموه تقريراً وتحقيقاً لذلك وقرئ مشدّداً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ لمن اتقى ما نهى عنه وتاب ممّا فرط منه في الجوامع روي : انّ أبا بكر وعمر بعثا سلمان الى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليأتي لهما بطعام فبعثه الى أسامة بن زيد وكان خازن رسول الله صلّى الله عليه وآله على رحله فقال ما عندي شيء فعاد اليهما فقالا بخل أسامة ولو بعثنا سلمان الى بئر سميحة لغار ماؤها ثمّ انطلقا الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لهما ما لي ارى خضرة اللّحم في أفواهكما قال يا رسول الله ما تناولنا اليوم لحماً قال ظلتم تفكّهون لحم سلمان وأسامة فنزلت.

(١٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى آدم وحوّاء وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ القمّيّ قال : الشعوب العجم والقبائل العرب ورواه في المجمع عن الصادق عليه السلام لِتَعارَفُوا ليعرف بعضكم بعضاً لا للتفاخر بالآباء والقبائل إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ فانّ بالتقوى تكمل النفوس وتتفاضل الاشخاص فمن أراد شرفاً فليلتمس منها القمّيّ هو ردّ على من يفتخر بالاحساب والأنساب وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم فتح مكّة : يا أيّها الناس انّ الله قد اذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها انّ العربيّة ليست باب والد وانّما هو لسان ناطق فمن تكلّم به فهو عربيّ الا انّكم من آدم وآدم من التراب وإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : يقول الله تعالى يوم القيامة أمرتكم

٥٤

فضيّعتم ما عهدت إليكم فيه ورفعتم انسابكم فاليوم ارفع نسبي واضع انسابكم اين المتّقون إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ.

وفي الفقيه عن الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السلام انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : اتقى النّاس من قال الحقّ فيما له وعليه.

وفي الاعتقادات عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ قال أعملكم بالتقيّة.

وفي الإكمال مثله عن الرضا عليه السلام إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بكم خَبِيرٌ ببواطنكم.

(١٤) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قيل نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وآله أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنّون قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا به إذ الايمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب ولم يحصل لكم وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا فانّ الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادة وترك المحاربة يشعر به وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنّا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أولم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل منه الى هذا النظم احترازاً من النّهي عن القول بالايمان والجزم بإسلامهم وقد فقد شرط اعتباره شرعاً.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّ الإسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والايمان عليه يثابون وعنه عليه السلام : الايمان هو الإقرار باللّسان وعقد في القلب وعمل بالأركان والايمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الإسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً فالإسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان فإذا اتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغاير المعاصي التي نهى الله عزّ وجلّ عنها كان خارجاً عن الايمان ساقطاً عنه اسم الايمان وثابتاً عليه اسم الإسلام فان تاب واستغفر عاد إلى دار الايمان ولا يخرجه الى الكفر الّا الجحود والاستحلال الحديث وفي رواية : الإسلام هو الظاهر الذي عليه النّاس شهادة ان لا إله الّا الله وانّ محمّداً رسول الله صلّى الله

٥٥

عليه وآله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام والإيمان معرفة هذا الامر مع هذا فان أقرّ بها ولم يعرف هذا الامر كان مسلماً وكان ضالاً.

وعن الباقر عليه السلام : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم الحديث.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : الإسلام علانية والايمان في القلب وأشار الى صدره وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ توقيت لقولوا وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ بالإخلاص وترك النّفاق لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ لا ينقصكم من أجورها شَيْئاً من اللّيت وقرئ لا يالتكم من الالت وهو لغة فيه إِنَّ اللهَ غَفُورٌ لما فرط من المطيعين رَحِيمٌ بالتفضّل عليهم.

(١٥) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا لم يشكوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ في طاعته أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الذين صدقوا في ادعاء الايمان القمّيّ قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام.

(١٦) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ أتخبرونه به بقولكم آمنّا وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا تخفى عليه خافية وهو تجهيل لهم وتوبيخ روي انّه لما نزلت الآية المتقدمة جاءوا وحلفوا انّهم مؤمنون معتقدون فنزلت هذه.

(١٧) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا يعدّون إسلامهم عليك منّة قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ أي بإسلامكم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ على ما زعمتم مع انّ الهداية لا تستلزم الاهتداء إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في ادّعاء الايمان القمّيّ : نزلت في عثمان يوم الخندق وذلك انّه مرّ بعمّار بن ياسر وهو يحفر الخندق وقد ارتفع الغبار من الحفرة فوضع عثمان كمّه على انفه ومرّ فقال عمّار لا يستوي من يعمر المساجد فيصلّي فيها راكعاً وساجداً كمن يمرّ بالغبار حائداً يعرض عنه جاحداً معانداً فالتفت إليه عثمان فقال يا ابن السوداء ايّاي تعني ثمّ اتى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لم ندخل

٥٦

معك لتسبّ أعراضنا فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أقلتك إسلامك فاذهب فانزل الله عزّ وجلّ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا إلى قوله صادِقِينَ أي ليسوا هم صادقين.

(١٨) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ما غاب فيهما وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ في سرّكم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم وقرئ بالياء.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة الحجرات في كلّ ليلة أو في كلّ يوم كان من زوّار محمّد صلّى الله عليه وآله.

٥٧

سورة ق

مكّيّة وهي خمس وأربعون آية بالإجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ.

في المعاني عن الصادق عليه السلام : وامّا ق فهو الجبل المحيط بالأرض وخضرة السماء منه وبه يمسك الله الأرض ان تميد بأهلها.

والقمّيّ قال ق جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج وهو قسم.

(٢) بَلْ عَجِبُوا القمّيّ يعني قريشاً أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ قال يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ.

(٣) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً أي أنرجع إذا متنا وصرنا تراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ القمّيّ قال نزلت في ابيّ بن خلف قال لأبي جهل تعال إليّ لأعجبك من محمّد صلّى الله عليه وآله ثمّ أخذ عظماً ففتّه ثمّ قال يا محمّد تزعم أنّ هذا يحيى.

(٤) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ما تأكل من أجساد موتاهم وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ حافظ لتفاصيل الأشياء كلّها أو محفوظ عن التغيير.

(٥) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ مضطرب فتارة يقولون انّه شاعر وتارة انّه ساحر وتارة انّه كاهن إلى غير ذلك.

(٦) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا حين كفروا بالبعث إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ الى اثار قدرة الله في

٥٨

خلق العالم كَيْفَ بَنَيْناها رفعناها بلا عمد وَزَيَّنَّاها بالكواكب وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ فتوق بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق.

(٧) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها بسطناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالاً ثوابت وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ من كلّ صنف حسن.

(٨) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع الى ربّه متفكّر في بدائع صنعه.

(٩) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير المنافع.

في الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : في هذه الآية ليس من ماء في الأرض إلّا وقد خالطه ماء السماء فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ أشجار أو ثمار وَحَبَّ الْحَصِيدِ وحبّ الزرع الذي من شأنه ان يحصد كالبّر والشعير.

(١٠) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ طوالاً أو حوامل وافرادها بالذكر لفرط ارتفاعها وكثرة منافعها لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ منضود بعضه فوق بعض.

(١١) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بذلك الماء بَلْدَةً مَيْتاً ارضاً جدبة لا نماء فيها كَذلِكَ الْخُرُوجُ كما أنزلنا الماء من السماء وأخرجنا به النبات من الأرض وأحيينا به البلدة الميّت يكون خروجكم احياء بعد موتكم وهو جواب لقولهم أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.

(١٢) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِ الذين رسّوا نبيّهم في الأرض اي رسّوه كما سبق قصّتهم في سورة الفرقان.

(١٣) وثمود وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ أراد إيّاه وقومه ليلائم ما قبله وما بعده وَإِخْوانُ لُوطٍ.

(١٤) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ الغيضة وهم قوم شعيب كما سبق في سُورة الحجر وَقَوْمُ تُبَّعٍ كما سبق ذكره في سورة الدخان كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ فوجب وحلّ عليه وعيدي وفيه تسلية للرسول وتهديد لهم.

٥٩

(١٥) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أفعجزنا عن الإبداء حتّى نعجز عن الإعادة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ أي هم لا ينكرون قدرتنا عن الخلق الأوّل بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة والتنكير للتعظيم والاشعار بأنّه على وجه غير متعارف ولا معتاد في التوحيد عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال تأويل ذلك أنّ الله تعالى إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار جدّد الله عالماً غير هذا العالم وجدّد خلقاً من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحّدونه وخلق لهم ارضاً غير هذا الأرض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلّهم لعلّك ترى انّ الله انّما خلق هذا العالم الواحد وترى انّ الله لم يخلق بشراً غيركم بلى والله لقد خلق ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميّين.

وفي الخصال والعيّاشي عنه عليه السلام : ما يقرب منه وقد مضى في سورة إبراهيم عليه السلام.

(١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ما تحدث به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفيّ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ الحبل العرق فاضافته للبيان والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمها متّصلان بالوتين يردان إليه من الرأس وحبل الوريد مثل في القرب.

(١٧) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ إذ يتلقّى الحفيظان ما يتلفّظ به وفيه إشعار بأنّه غنيّ عن استحفاظ الملكين فانّه اعلم منهما ومطّلع على ما يخفى عليهما لأنّه اقرب إليه منهما ولكنّه لحكمة اقتضته من تشديد في تثبّط العبد عن المعصية وتأكيد في اعتبار الاعمال وضبطها للجزاء والزام الحجّة يوم يقوم الاشهاد عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ.

(١٨) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ ملك يرقب عمله عَتِيدٌ معدّ حاضر.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : ما من قلب الّا وله أذنان على إحداهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن هذا يأمره وهذا يزجره الشيطان يأمره

٦٠