التفسير المنير - ج ٢١

الدكتور وهبة الزحيلي

١ ـ الدليل على وحدانية الله الخلق والإنعام ، فإنه خلق السموات بما فيها من شمس وقمر ونجوم وملائكة ، وذللها للناس ، جالبة لهم المنافع ، وخلق الأرض وما فيها من جبال وأشجار وثمار ومعادن وماء وهواء وبخار وذرة وما لا يحصى ، وكلها لنفع الإنسان. وأكمل النعم وأتمها على بني آدم ، سواء كانت ظاهرة مشاهدة محسوسة ، كالصحة وكمال الخلقة والمال والجاه والجمال ، وشرائع الإسلام ، أو معقولة مجردة كالمعرفة والعقل وحسن اليقين بالله تعالى ، وسواء كانت معروفة أو ستعرف علميا مع تطور الاكتشافات العلمية المتجددة في كل عصر.

٢ ـ بالرغم من كثرة الأدلة الدالة على توحيد الله من الخلق والإنعام ، فإن فريقا من الناس كالنّضر بن الحارث وأبيّ بن خلف يجادلون أو يخاصمون في التوحيد بغير حجة عقلية أو نقلية من سنة رسول أو بيان كتاب مضيء نيّر ، وإنما الحجة هي الشيطان فيما يلقى إليهم ، وإلا تقليد الأسلاف ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) [الأنعام ٦ / ١٢١].

٣ ـ إذا أمر المشركون باتباع ما أنزل الله على رسوله من الآيات البينات والشرائع المطهرة ، لم يجدوا جوابا إلا التمسك بتقليد الآباء والأجداد ، وبما يزين لهم الشيطان من الوساوس والأهواء ، فإنهم يتبعونه على ضلال.

سلامة منهج المؤمن وسوء طريقة الكافر

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤))

١٦١

البلاغة :

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ) مجاز مرسل في (وَجْهَهُ) من قبيل إطلاق الجزء وإرادة الكل.

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) بينهما ما يسمى بالمقابلة.

(فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) تشبيه تمثيلي ، شبّه من تمسك بالإسلام بمن أراد الصعود إلى قمة جبل ، فتمسك بأوثق حبل ، وحذف أداة التشبيه للمبالغة.

(وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) تقديم ما حقه التأخير لإفادة الحصر.

(عَذابٍ غَلِيظٍ) استعارة الغلظ للشدة ؛ لأنه إنما يكون للمادة الكثيفة ، فاستعير للمعنى.

المفردات اللغوية :

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) أي يفوض أمره إليه ، ويقبل على طاعته ، ويخلص عبادته إليه. (وَهُوَ مُحْسِنٌ) متقن عمله. (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) تعلق بأوثق وأمتن ما يتعلق به ، وهو الطرف الأوثق الذي يؤمن انقطاعه ، وهو تمثيل للمتوكل المشتغل بالطاعة بمن أراد أن يترقى شاهق جبل ، فتمسك بأوثق عرا الحبل المتدلي منه. (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) مرجعها ؛ إذ الكل صائر إليه.

(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) أي فلا يضرك في الدنيا والآخرة ، ولا تهتم بكفره. (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي مصيرهم إلى الله في الدارين. (فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) نجازيهم بأعمالهم بالإهلاك والتعذيب. (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بحديث النفس الكائن في الصدور كما أنه عليم بما في غيرها ، فمجاز عليه. (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) نمتعهم في الدنيا أيام حياتهم تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا ، فإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل. (نَضْطَرُّهُمْ) نلزمهم في الآخرة. (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) ثقيل عليهم ، وهو عذاب النار ، لا يجدون عنه محيصا.

المناسبة :

بعد بيان حال الكافر المجادل في الله جهلا وعنادا ، أبان الله تعالى حال المسلم ، وأخبر بأن منتهى الأمور صائرة إليه ، ثم أردفه بتسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما يلقاه من إعراض المشركين عن دعوته عنادا ، وهددهم بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة ، مع التنبيه بأن عذاب الآخرة أشد وأثقل.

١٦٢

التفسير والبيان :

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ ، وَهُوَ مُحْسِنٌ ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ، وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي ومن يخلص العبادة والعمل إلى الله ، وينقاد لأمره ، ويتبع شرعه ، مع إتقان عمله باتباع ما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه وزجر ، فقد تمسك بالحبال الواثقة ، أي تعلق بأوثق الوسائل الموصلة إلى رضوان الله ، وسيلقى الجزاء الحسن على عمله ، لأن مصير المخلوقات كلهم إلى الله ، فيجازي المتوكل عليه ، المخلص عبادته إليه أحسن الجزاء ، كما يعاقب المسيء بأشد العذاب.

ثم نصح الله رسوله بألا يهتم بكفر الكافرين ، فقال :

(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ، إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ، فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي لا تغتم ولا تجزع على كفر الكافرين الذين كفروا بالله ورسوله ، ولا تهتم بهم ، ولا تحزن عليهم ، فإن مصيرهم إلينا يوم القيامة وفي الدنيا ، فنجازيهم بالإهلاك والعذاب ، ولا تخفى عليه خافية منهم ، ولا يخفى عليه سرهم وعلانيتهم ، فنخبرهم بما أضمرته صدورهم. وكلمة (مَنْ) تصلح للواحد والجمع ، فلهذا قال : (كُفْرُهُ) ثم قال : (مَرْجِعُهُمْ) وما بعده على المعنى.

ثم بيّن مدى مقامهم في الدنيا ، فقال :

(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) أي نجعلهم يتمتعون في الدنيا بزخارفها تمتعا قليلا أو زمانا قليلا ، ثم نلجئهم ونلزمهم بعذاب شاق ثقيل شديد عليهم. والغلظ يكون في الماديات ، وأستعير للمعنى ، والمراد الشدة.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على أن الناس في الآخرة فريقان : فريق في الجنة ، وفريق في

١٦٣

السعير ، فمن أخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى ، وأتقن عمله ، بأن عبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإن ربّه يراه ، فهو من الناجين الذين أخذوا موثقا متينا من الله أنه لا يعذبهم ، ومنتهى الأمور كلها ومصيرها إلى الله تعالى.

ومن أنكر وجود الله أو أنكر وحدانيته فأشرك به غيره ، فإن الله يجازيه ، والله عليم بكل ما أسرّ العبد وأعلن.

وإن بقاء العالم في الدنيا قليل ، فهم يتمتعون فيها مدة قليلة ، ثم يساقون ويلجأون ويلزمون إلى عذاب شديد ، هو عذاب جهنم.

إثبات وجود الله وسعة علمه

وشمول قدرته على البعث وكل شيء

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١)

١٦٤

وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))

الإعراب :

(لَيَقُولُنَ) حذف منه نون الرفع لتوالي الأمثال ، وحذف واو الضمير لالتقاء الساكنين.

(وَالْبَحْرُ) الواو واو الحال ، و (الْبَحْرُ) : مبتدأ ، وخبره : (يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) والجملة حالية ، وعامل الحال ما في (أَقْلامٌ) من معنى الفعل ؛ لأن (أقلاما) قام مقام (كاتبات) فكأنه قال : كاتبات والبحر يمده. ومن قرأ بالنصب ، فهو معطوف على (ما) أو منصوب بتقدير فعل يفسره (يَمُدُّهُ) وتقديره : يمد البحر يمده ، مثل : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس ٣٦ / ٣٩] أي قدرنا القمر قدرناه.

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ خَلْقُكُمْ) مبتدأ ، وكاف (كَنَفْسٍ) في موضع رفع خبر المبتدأ ، وتقديره : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كبعث نفس واحدة ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ولا يجوز أن تعمل (ما) بسبب (إِلَّا) لأنها تشبه (ليس) في نفي الحال ، و (إِلَّا) تبطل منها معنى النفي ، وهو وجه الشبه الموجب للعمل ، وإذا زال وجه الشبه الموجب للعمل بطل العمل.

البلاغة :

(صَبَّارٍ شَكُورٍ خَتَّارٍ كَفُورٍ خَبِيرٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) صيغ مبالغة ، وفيها ما يسمى توافق الفواصل أو السجع.

(فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) فيه إيجاز بالحذف ، والمعنى : فمنهم مقتصد ومنهم كافر ، دل على المحذوف قوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).

المفردات اللغوية :

(وَلَئِنْ) اللام لام القسم. (لَيَقُولُنَّ اللهُ) لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غير

١٦٥

الله ، بحيث اضطروا إلى الإقرار بوجوده. (قُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ظهور الحجة عليهم بثبوت التوحيد ، وإلجائهم إلى الاعتراف بما يبطل اعتقادهم. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يجهلون إلزامهم بتلك الحجة. (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا ، فلا يستحق العبادة فيهما غيره. (هُوَ الْغَنِيُ) عن خلقه. (الْحَمِيدُ) المستحق للحمد ، المحمود في صنعه.

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) أي ولو صارت جميع الأشجار أقلاما. وإنما قال (شَجَرَةٍ) بالإفراد دون اسم الجنس الذي هو شجر ، ليشمل كل شجرة على حدة ، حتى لا يبقى من جنس الشجر ، ولا واحدة ، إلا قد بريت أقلاما. (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) أي والبحر المحيط يمده بسعته مدادا ، فاكتفى بذكر (يَمُدُّهُ) عن ذكر المداد ؛ لأنه من مدّ الدواة وأمدها. (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) أي معلوماته ، بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد ولا بأكثر من ذلك ؛ لأن معلوماته تعالى غير متناهية. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجزه شيء. (حَكِيمٌ) لا يخرج شيء عن علمه وحكمته.

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) خلقا وبعثا ، أي كبعث نفس واحدة وخلقها ، إذ لا يشغله شأن عن شأن ، ولأنه يتم بكلمة (كُنْ فَيَكُونُ). (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) يسمع كل مسموع. (بَصِيرٌ) يبصر كل مبصر ، لا يشغله إدراك شيء عن شيء. (أَلَمْ تَرَ) تعلم أيها المخاطب. (يُولِجُ) يدخل الليل في زمن النهار وبالعكس ، أي يضيف أحدهما إلى الآخر ، فالله يزيد في كل من الليل والنهار بما نقص من الآخر. (كُلٌّ يَجْرِي) كل من الشمس والقمر النيرين يجري في فلكه. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معلوم مقدر ، إلى نهاية دورة الشمس السنوية ، ودورة القمر الشهرية ، أو إلى يوم القيامة. (بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) عالم بكنهه.

(ذلِكَ) المذكور من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع. (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) بسبب أنه الثابت في ذاته ، الواجب من جميع جهاته ، أو الثابت الألوهية. (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) أي وأن ما يعبدون من غيره هو المعدوم في حد ذاته الذي لا يوجد ، والزائل ، أو الباطل الألوهية. (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) المترفع على خلقه وعلى كل شيء بالقهر ، والمتسلط عليه ، وهو العظيم.

(الْفُلْكَ) السفن. (تَجْرِي) تسرع. (بِنِعْمَتِ اللهِ) بإحسانه في تهيئة أسبابه وأنها تحمل الطعام والمتاع ونحوهما ، وهو استدلال آخر على باهر قدرته وكمال حكمته وشمول إنعامه.

(لِيُرِيَكُمْ) أيها المخاطبون بذلك. (مِنْ آياتِهِ) دلائله. (لَآياتٍ) علامات وعبرا. (لِكُلِّ صَبَّارٍ) كثير الصبر على المشاق وعن معاصي الله ، فيتعب نفسه في التفكر في الآفاق والأنفس. (شَكُورٍ) لنعمته ، يعرف النعم ، ويتعرف ما نحها ، فإن الإيمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر.

١٦٦

(غَشِيَهُمْ) علاهم وغطاهم. (كَالظُّلَلِ) كالظلال التي تظل من تحتها ، من جبال وسحاب وغيرها. (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الدعاء بأن ينجيهم ، أي لا يدعون معه غيره بسبب ما دهاهم من الخوف الشديد. (مُقْتَصِدٌ) متوسط بين الكفر والإيمان ، أو مقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد لا يعدل عنه إلى غيره ، ومنهم باق على كفره. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) ينكرها ، ومنها الإنجاء من الموج. (خَتَّارٍ) غدار ، فإنه نقض للعهد الفطري. (كَفُورٍ) شديد الجحود للنعم.

سبب النزول :

نزول الآية (٢٧):

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ) : أخرج ابن جرير عن عكرمة قال : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح ، فأنزل الله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ، قُلِ : الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء ١٧ / ٨٥] فقالوا : تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا ، وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ، (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة ٢ / ٢٦٩] ، فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية.

واخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عطاء بن يسار قال : نزلت بمكة :(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فلما هاجر إلى المدينة أتاه أحبار يهود ، فقالوا : ألم يبلغنا عنك أنك تقول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) إيانا تريد أم قومك؟ فقال : كلّا عنيت ، قالوا : فإنك تتلو أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هي في علم الله قليل ، فأنزل الله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ).

وأخرج أبو الشيخ ابن حيان الأنصاري في كتاب العظمة وابن جرير عن قتادة قال : قال المشركون : إنما هذا كلام يوشك أن ينفد ، فنزل : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ) الآية.

١٦٧

نزول الآية (٢٨):

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ) : نزلت الآية في أبيّ بن خلف وأبي بن الأسدين ، ومنبّه ونبيه ابني الحجاج بن السباق ، قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله تعالى قد خلقنا أطوارا ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم تقول : إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة! فأنزل الله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ).

المناسبة :

بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله بخلق السموات بغير عمد ، وبإمداد خلقه بنعمه الظاهرة والباطنة ، أبان الله تعالى أن المشركين معترفون بوجود الله ، وأنهم يتضرعون إليه وحده وقت الشدة ، ثم يعودون إلى كفرهم بعد النجاة. ثم أثبت تعالى وحدانيته بملكه ما في السموات وما في الأرض ، ثم أقام الدليل على سعة علمه ، وشمول قدرته على كل شيء ، ومنه خلق الناس وبعثهم ، وتعاقب الليل والنهار ، وتسخير الشمس والقمر في دورة محددة ، وتسيير السفن في البحار بتيسيره وتهيئة أسبابه ، علما بأن المشركين يعترفون بتلك الآيات.

التفسير والبيان :

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) أي وتالله لئن سألت هؤلاء المشركين بالله من قومك : من الذي خلق السموات والأرض؟ لأجابوا : هو الله الخالق ، فهم معترفون بأن الله خالق السموات والأرض ، غير منكرين له ، لوضوح الأمر ، وعدم وجود البديل ، بحيث اضطروا إلى إعلان هذا الاعتراف بالله ، ومع هذا فهم يعبدون معه شركاء ، يعترفون أنها مخلوقة لله ، ومملوكة له.

١٦٨

(قُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي قل أيها الرسول : الحمد لله على اعترافكم ، إذ قامت الحجة عليكم بإلجائكم إليه ، وأن دلائل التوحيد واضحة ، لا يكاد ينكرها أحد ، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أنه ينبغي ألا يعبد مع الله غيره ، وأن هذه الحجة تلزمهم ، وتبين تناقضهم ، وأنهم لم ينتبهوا مع وجود هذا التنبيه.

وبعد انتزاع هذا الاعتراف الصريح بوجود الله وتوحيده ، استدل الله تعالى على ذلك بقوله :

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي لله جميع ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصرفا ، وليس ذلك لأحد سواه ، فلا يستحق العبادة غيره ، لأنه الغني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه ، وهم مملوكون له ، محتاجون إليه ، وهو المحمود في الأمور كلها ، وعلى نعمه التي أنعم بها ، وعلى ما خلق وشرع.

ومنعا لإيهام قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تناهي ملكه بحصره في الموجود في السموات والأرض ، أبان تعالى أن في قدرته وعلمه عجائب لا نهاية لها ، فقال :

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاما ، وجعل البحر مدادا (حبرا) وأمده سبعة أبحر معه ، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله ، لتكسرت الأقلام ، ونفد ماء البحر ، ولو جاء أمثالها مددا ، إن الله قوي لا يعجزه شيء ، حكيم في صنعه ، لا يخرج عن علمه وحكمته شيء ، كامل القدرة ، فيكون له مقدورات لا نهاية لها.

وإنما ذكرت السبعة على وجه المبالغة ، ولم يرد الحصر ، كما لم يرد أن هناك

١٦٩

سبعة أبحر موجودة محيطة بالعالم ، والعرب تذكر السبعة والسبعين والسبع مائة ، وتريد بذلك الكثرة.

والخلاصة : أن الآية تخبر عن عظمة الله وكبريائه وجلاله وكلماته التامة ومعلوماته وأسراره التي لا يحيط بها أحد ، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سبحانك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» فمعلوماته تعالى لا نهاية لها. ويكون المراد بكلمات الله : معلوماته ، وقيل : هي ما في المعدوم ، دون ما خرج من العدم إلى الوجود (١).

ونظير الآية : (قُلْ : لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ، لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَكَلِماتُ رَبِّي ، وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف ١٨ / ١٠٩] وليس المراد بقوله : (بِمِثْلِهِ) آخر مثل فقط ، بل بأمثاله ، لأنه مفرد مضاف فيعم ، كما أن (كَلِماتُ) وإن كانت جمع قلة ، تفيد هنا الكثرة ، لأن جموع القلة إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية ، أو أضيفت ، عمّت ، وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق جميع أفراده.

ولما بيّن الله تعالى كمال قدرته وعلمه وأن كلماته ومعلوماته لا يحيط بها أحد ، أوضح أن هذا الخلق غير المنحصر قد أحاط به علما ، وأنه قادر على البعث والمحشر كما قدر على الخلق أول مرة ، فقال :

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أي ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته إلا كسبة خلق نفس واحدة ، الجميع هيّن عليه ، كما قال : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) [يس ٣٦ / ٨٢] وقال تعالى أيضا : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر ٥٤ / ٥٠] أي لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة ، فيكون ذلك الشيء ، لا يحتاج

__________________

(١) البحر المحيط : ٧ / ١٩٢

١٧٠

إلى تكرار الأمر وتوكيده ، وقال سبحانه : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ ، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) [النازعات ٧٩ / ١٣ ـ ١٤] فمن لا نفاد لكلماته يقول للموتى : كونوا ، فيكونوا.

وقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أي كما أن الله سميع لأقوال عباده ، بصير بأفعالهم ، كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة ، كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة.

وبعد بيان تسخيره تعالى ما في السموات وما في الأرض ، ذكر هنا بعض ما فيهما على وجه الخصوص ، بقوله : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) ثم ذكر بعض ما في السموات بقوله : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ثم أردفه ببعض ما في الأرض بقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ).

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ، وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي ألم تشاهد أن الله في شأن تعاقب الليل والنهار ، يزيد في زمن الليل على حساب النهار في الشتاء ، ويزيد في ساعات النهار على حساب الليل في الصيف ، فيأخذ من هذا ويضيفه إلى ذاك ، فيطول أحدهما ويقصر الآخر.

(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي ذلّل النيرين لمصالح خلقه ومنافعهم ، كل منهما يسير بسرعة إلى غاية محدودة ، أو إلى يوم القيامة ، وأن الله مطلع بدقة على جميع أعمالكم من خير وشر ، ويجازيكم عليها ، فهو الخالق العالم بجميع الأشياء.

ثم ذكر الله تعالى الهدف من بيان آياته فقال :

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أي إنما يظهر الله لكم آياته ، ويبين عجائب قدرته وحكمته ، لتستدلوا بها على أنه الحق ، أي الموجود الثابت المستحق للعبادة ، وأن كل ما سواه

١٧١

باطل زائل ، فهو الغني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه ، لأن جميع ما في السموات والأرض خلقه وعبيده ، ولا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه وقدرته ومشيئته ، وأن الله تعالى هو العلي الذي لا أعلى منه ، المرتفع على كل شيء ، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء ، العظيم السلطان ، فكل شيء خاضع له.

وبعد ذكر الآيات السماوية الدالة على وجود الله تعالى وقدرته ووحدانيته ، ذكر آية أرضية ، فقال :

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي ألم تعلم أيها المخاطب أيضا أن الله سخر البحر لتجري فيه السفن بأمره ، أي بلطفه وإحسانه وتهيئة الأسباب ، ليرشدكم إلى معرفته ، ويظهر لكم شيئا أو بعضا من قدرته ، فإنه لو لا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن ، لما جرت.

إن فيما ذكر من الأدلة السماوية والأرضية لأدلة واضحة وعلامات نيّرة لكل صبّار (كثير الصبر) في الضراء ، شكور في الرخاء ، لأن المؤمن متذكر ربه ، فيصبر إذا أصابته نقمة ، ويشكر إذا أتته نعمة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه البيهقي عن أنس ، وهو ضعيف : «الإيمان نصفان : فنصف في الصبر ، ونصف في الشكر».

ثم ذكر الله تعالى تناقض المشركين واضطرابهم من اللجوء إليه حين الضراء ، ونسيانه حال السراء ، فقال :

(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ، فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) أي وإذا أحدقت بهم مخاطر الأمواج العالية التي تشبه الجبال والغمام ، رجعوا إلى الفطرة ، ودعوا الله دعاء حارّا ، مخلصين له الطاعة ، لا يشركون به غيره ، مستغيثين به وحده ، فلما رحمهم ونجوا بفضله من الأهوال المحدقة ، ووصلوا إلى شاطئ البر والسلامة ، فمنهم

١٧٢

مقتصد في الكفر ، منزجر بعض الانزجار ، متجه إلى توحيد الله ، ومنهم غدّار ناقض للعهد ، كافر بأنعم الله ، وما يكفر بآياتنا الكونية والقرآنية إلا كل كثير الغدر ، كفور بما أنعم الله عليه.

ونظير الآية : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ، ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء ١٧ / ٦٧].

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يلي :

١ ـ لا يجد المشركون بدا عند سؤالهم عن خالق السموات والأرض من الإجابة بأنه هو الله تعالى ، فهم يعترفون بأن الله خالقهن ، فلم يعبدون غيره؟

! فالحمد لله على ما هدانا له من دينه ، وليس الحمد لغيره ، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا ينظرون ولا يتدبرون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى ، ودلت الآية الثانية التي تلتها على أن جميع ما في السموات ، والأرض لله ملكا وخلقا ، وأن الله هو الغني عن خلقه وعن عبادتهم ، وإنما أمرهم بالعبادة لينفعهم ، والله هو المحمود في صنعه.

٢ ـ دلت الآية الأخيرة : (وَإِذا غَشِيَهُمْ) على اعتراف آخر من المشركين بوجود الله ووحدانيته ، فإنهم إذا تعرضوا لمخاطر الغرق بسبب اضطراب البحر ، وارتفاع الأمواج ، لم يجدوا بديلا غير الله للجوء إليه ، فيدعونه موحدين له ، لا يدعون لخلاصهم سواه ، فإذا ما نجوا من البحر ، ووصلوا إلى البر والأمان ، فمنهم مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة ، موفّ بما عاهد عليه الله في البحر ، ومنهم كافر ، وقد دل على المحذوف قوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) أي لا ينكر دلائل الآيات على توحيد الله إلا كل غدّار مغرق في الكفر ، جحود للنعم ، لا يشكرها ، بل يتناساها ولا يذكرها.

١٧٣

٣ ـ إن معاني كلام الله سبحانه لا تنفد ، وإنها لا نهاية لها ، ولا يمكن حصرها ولا عدها ، وقد دلنا على ذلك هذا البيان القرآني : وهو لو كانت الأشجار أقلاما ، والبحار مدادا ، فكتب بها عجائب صنع الله الدالة على قدرته ووحدانيته لم تنفد تلك العجائب ، لأنه تعالى القديم الذي لا نهاية له ابتداء وانتهاء ، أما المخلوق فلا بد له من بداية ومن نهاية ، والمقصود من الكلمات :الكلام القديم ، والمراد بالآية الاعلام بكثرة معاني كلمات الله ، هي غير متناهية في نفسها ، وإنما قرّب الأمر بهذا المثال لأفهام البشر بما يتناهى ، لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة ، لا أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور.

وإذا كانت معاني كلام الله لا نهاية لها ، فعلم الله بحقائق الأشياء لا يمكن حصره ، وإنما هو واسع شامل.

والخلاصة : أن كلمات الله هي مقدوراته وعجائبه ، أو معلوماته.

٤ ـ ما ابتداء خلق جميع البشر إلا كخلق نفس واحدة ، وما بعثهم يوم القيامة إلا كبعث نفس واحدة ، لأن الله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد ، وخلقه للعالم كخلقه لنفس واحدة ، وإن الله سميع لما يقولون ، بصير بما يفعلون.

٥ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ، وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) آية سماوية دالة على قدرة الله تعالى ، وقوله : (وَسَخَّرَ ..) أي ذلّلهما بالطلوع والأفول تقديرا للآجال ، وإتماما للمنافع ، وجعل الطلوع والغروب في وقت محدد لا يتجاوزه ولا يقصر عنه ، وينتهي وجودهما بانتهاء السموات والأرض يوم القيامة.

ومن قدر على هذه الأشياء ، فلا بدّ من أن يكون عالما بها ، والعالم بها عالم بأعمالكم. وقد فعل الله تعالى ذلك (الزيادة والنقص في الليل والنهار وتسخير

١٧٤

النيرين) لتعلموا وتقرّوا بأن الله هو الإله الحق ، وأن ما عداه باطل زائل لا وجود له ولا حقيقة له ، وأن الله هو العلي في مكانته ، الكبير في سلطانه.

٦ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي) آية أرضية دالة على قدرة الله تعالى ، فهو الذي جعل الماء قادرا على حمل السفن ، وسيّرها إما بالهواء ، وإما بتعليم الإنسان وإلهامه الاستفادة من الطاقة البخارية أو النفطية أو الذرية أو الكهربائية لجريها السريع.

كل ذلك ليرينا الله تعالى بعض آياته ، ويجعلنا نشاهد بعض مظاهر قدرته في البحار ، وفي ذلك علامات وعبر وعظات لكل صبّار على قضاء الله ، شكور على نعمائه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث المتقدم تخريجه : «الإيمان نصفان : فنصف في الصبر ، ونصف في الشكر». وقال الشعبي : الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف الإيمان ، واليقين : الإيمان كله ، ألم تر إلى قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).

الأمر بتقوى الله وبيان مفاتح الغيب

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))

الإعراب :

(وَاخْشَوْا يَوْماً يَوْماً) منصوب على أنه مفعول (وَاخْشَوْا) ولا يجوز أن يكون ظرفا ، لأنه يصير الأمر بالخشية في يوم القيامة ، ويوم القيامة ليس بيوم تكليف ، وإنما هو يوم الجزاء.

١٧٥

(وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ) مرفوع معطوف على (والِدٌ) المرفوع الذي هو فاعل (يَجْزِي) و (هُوَ) تأكيد لما في (مَوْلُودٌ) من الضمير ، ولا يجوز أن يكون (هُوَ) ضمير فصل ، لأن الفصل لا يدخل بين النكرتين.

(ما ذا تَكْسِبُ غَداً ما ذا) منصوب ب (تَكْسِبُ) لا ب (تَدْرِي) لأن الاستفهام ينتصب بما بعده لا بما قبله ، هذا إذا جعل (ما وذا) بمنزلة شيء واحد ، فإن جعلا بمنزلة كلمتين ، وجعلا بمنزلة (الذي) وجعل موضع (ما ذا) مرفوعا ، لم يجز نصبه ب (تَدْرِي) لما ذكر ، وإنما نحكم على موضع الجملة بالنصب بدخوله عليها.

المفردات اللغوية :

(اتَّقُوا رَبَّكُمْ) خافوا عقابه. (لا يَجْزِي) لا يقضي فيه ، أو لا يغني. (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ) إن تغيير النظم بين (يَجْزِي) و (جازٍ) للدلالة على أن المولود أولى بألا يجزي ، وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي وعده بالبعث وبالثواب والعقاب صدق لا يمكن إخلافه. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ) فلا تخدعنكم. (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ) في حلمه وإمهاله. (الْغَرُورُ) الشيطان وكل ما غرّ الإنسان من مال وجاه ، والشيطان يرجّي بالتوبة والمغفرة ، فيجسّر على المعاصي.

(عِلْمُ السَّاعَةِ) علم وقت قيام القيامة. (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) بوقت يعلمه. (ما فِي الْأَرْحامِ) من الذكورة والأنوثة ، والتمام والنقص ، والحياة والموت ، وغير ذلك من خواص الجنين وأحواله وأعراضه. (ما ذا تَكْسِبُ غَداً) من خير أو شر ، وتنفيذ العزم على شيء وخلافه. (بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أي كما لا تدري في أي وقت تموت ، والله يعلمه وحده. (عَلِيمٌ) بكل شيء ، يعلم الأشياء كلها. (خَبِيرٌ) يعلم الباطن والظاهر.

سبب النزول :

نزول الآية (٣٤):

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : جاء رجل من أهل البادية هو الحارث بن عمرو (١) ، فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني بما تلد ، وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الآية.

__________________

(١) في رواية قتادة : اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة.

١٧٦

المناسبة :

بعد ذكر دلائل التوحيد من أول السورة إلى آخرها ، أمر الله تعالى بتقوى الله والخوف منه ، والخشية من يوم القيامة ، لأنه تعالى لما كان واحدا أوجب التقوى البالغة ، وأنذر الناس يوم المعاد ، وأخبر بأنه حق كائن ، ثم أردفه ختاما للسورة ببيان ما استأثر الله بعلمه ، وهي مفاتح الغيب الخمسة ، لأنه بعد هذا الإنذار كأن قائلا قال : فمتى يكون هذا اليوم؟ فأجيب بأن العلم بهذه الأمور لا يحصل لغير الله ، ولكن يوم المعاد كائن لا بد منه ، وإن لم يعلم الناس وقته ، والله قادر عليه.

التفسير والبيان :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ، وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) أي يا أيها البشر من كفار ومؤمنين خافوا الله الذي خلقكم ورزقكم ، وسخر لكم هذا الكون ، واحذروا عقابه ، واخشوا يوما شديد الهول هو يوم القيامة الذي لا يغني فيه والد عن ولده ، فلو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه ، ولا مولود هو مغن عن والده أو نافع والده شيئا ، فلو أراد فداء والده بنفسه ، لم يقبل منه ، إذ لا يستطيع أحد أن يشفع بأحد إلا بإذن الله ، ولا جدوى عند الله إلا بالعمل الصالح الحاصل في الحياة الدنيا.

ثم أخبر الله تعالى عن حدوث هذا اليوم حتما ، فقال :

(إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي إن وعد الله بالبعث وبالثواب والعقاب أمر ثابت مؤكد حصوله ، ولا شك فيه ، ولا خلف لوعده.

ومقتضى التخويف الإعداد لهذا اليوم وترك التعلق بالدنيا ، فقال تعالى :

(فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي لا تخدعنكم زينة

١٧٧

الدنيا ، فتطمئنوا فيها ، وتميلوا إليها ، تاركين الاستعداد للآخرة ، ولا يخدعنكم الشيطان بحلم الله وإمهاله ، فيعدكم بالمغفرة ، ويحملكم على المعصية بتزيينها لكم ، وينسيكم الآخرة ، كما قال تعالى : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء ٤ / ١٢٠].

وفي الآية دلالة واضحة على أن الدنيا غرّارة بزخارفها ومتاعها ، وأن الشيطان بوساوسه يقوي هذا الغرور بالدنيا ، لصرف الناس عن الآخرة والتزود لها بصالح الأعمال.

وقيل : الغرور : الدنيا ، وقيل : تمني المغفرة في المعصية ، والأماني الباطلة برحمة الله واعتماده على شفاعة شافع أو كونه مسلما محبا الله ورسوله بقلبه دون عمل ، قال سعيد بن جبير رضي‌الله‌عنه : الغرة بالله : أن يتمادى الرجل في المعصية ، ويتمنى على الله المغفرة. وقد ردّ القرآن على هذه التمنيات بقوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ، وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) [النساء ٤ / ١٢٣].

ثم ذكر الله تعالى مفاتح الغيب الخمسة التي استأثر الله بعلمها ، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلام بها ، فقال :

١ ـ (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي إن علم وقت الساعة (أي القيامة) مختص بالله سبحانه ، فلا يعلم أحد بوقته سواه ، لا ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، كما قال : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف ٧ / ١٨٧].

٢ ـ (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي ويختص تعالى أيضا بمعرفة وقت إنزال المطر ومكانه المعين ، لا يعلمه إلا الله ، فإن أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ، ومن يشاء الله من خلقه.

١٧٨

وأما نشرة الأرصاد الجوية في أيامنا فتعتمد على بعض الحسابات والأمارات ، وما ترصده بعض الأجهزة المخصصة لمعرفة نسبة الرطوبة وسرعة الرياح ، فليس ذلك غيبا ، وإنما هو تخمين وظن ، قد يحدث نقيضه ، كما أن معرفته تكون قبل مدة قريبة ، يلاحظ فيها اتجاهات الرياح والمنخفضات الآتية من الشمال أو من الغرب مثلا.

٣ ـ (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) أي لا يعلم أحد إلا الله ما في الأرحام من خواص الجنين وأحواله العارضة له من طبائع وصفات وذكورة وأنوثة ، وتمام خلقة ونقصها ، فإن توصل العلماء بسبب التحليل الكيميائي كون الجنين ذكرا أو أنثى ، فلا يعني ذلك غيبا ، وإنما بواسطة التجربة ، وتظل أحوال أخرى كثيرة مجهولة للعلماء ، لا تعلم إلا بعد الولادة. قال القرطبي : وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك (١).

٤ ـ (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) أي لا تعلم نفس ماذا تكسب في الغد من خير أو شر في دنياها وأخراها.

٥ ـ (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أي وما تعلم نفس موضع موتها ، في بلدها أو غيرها من بلاد الله ، لا علم لأحد بذلك.

روي أن ملك الموت مرّ على سليمان ، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه ، يديم النظر إليه ، فقال الرجل : من هذا؟ قال : ملك الموت ، فقال : كأنه يريدني ، وسأل سليمان أن يحمله على الريح ، ويلقيه ببلاد الهند ، ففعل ، ثم قال ملك الموت لسليمان : كان دوام نظري إليه تعجبا منه ، لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٤ / ٨٢

١٧٩

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) أي إن علم الله غير مختص بهذه الأمور الخمسة ، بل هو عليم مطلقا بكل شيء ، وليس علمه علما بظاهر الأشياء فحسب ، بل خبير علمه ، يعلم بواطن الأمور وظواهرها.

ويلاحظ أنه جعل العلم لله في قوله : (عِلْمُ وَيَعْلَمُ) والدراية للعبد في قوله : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ) لما في الدراية من معنى الختل والحيلة ؛ والمعنى : أنها لا تعرف وإن أعملت حيلها.

ونظير الآية : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام ٦ / ٥٩].

وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)».

ويلاحظ أن هذه الأمور الخمسة تشتمل على الدليلين المكررين في القرآن لإثبات البعث:

أحدهما ـ إحياء الأرض بعد موتها ، حيث قال تعالى هنا : (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) وقال في موضع آخر : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) [الروم ٣٠ / ٥٠] وقال تعالى : (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) [الروم ٣٠ / ١٩].

والثاني ـ الخلق ابتداء ، حيث قال هنا : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) وقال في موضع آخر : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [الروم ٣٠ / ٢٧] وقال :

١٨٠