التفسير المنير - ج ١٣

الدكتور وهبة الزحيلي

الرزق على الله والآيات بيد الله والهداية من الله لمن آمن بالله

(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩))

الإعراب :

(الَّذِينَ آمَنُوا) بدل من قوله : (مَنْ أَنابَ) أو خبر مبتدأ محذوف.

(وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) معطوف على (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) وفي الآية تقديم وتأخير ، وما سبق ذلك اعتراض.

(طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ طُوبى) مبتدأ ، وخبره (لَهُمْ) ، والجملة خبر المبتدأ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). (وَحُسْنُ مَآبٍ) : معطوف مرفوع على (طُوبى). وقرئ : (وَحُسْنُ مَآبٍ) بالنصب ، على أنه منادى مضاف ، حذف منه حرف النداء ، أي يا حسن مآب ، ويجوز أن يكون (طُوبى) منصوبا بفعل مقدر ، أي أعطاهم طوبى لهم ، وأعطاهم حسن مآب ، فهذا معطوف بالنصب على ما سبقه.

البلاغة :

(يَبْسُطُ) و (يَقْدِرُ) و (يُضِلُ) و (يَهْدِي) بينهما طباق.

(إِلَّا مَتاعٌ) تشبيه بليغ ، حذف منه أداة الشبه ووجه التشبيه ، أي ما الحياة الدنيا إلا مثل الذي يتمتع به الإنسان في منزله كالقصعة ونحوها ، في حقارته وسرعة زواله.

١٦١

المفردات اللغوية :

(يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه (وَيَقْدِرُ) يضيقه أو يعطي بقدر الكفاية فقط (وَفَرِحُوا) أي أهل مكة فرح بطر (بِالْحَياةِ الدُّنْيا) بما بسط لهم في الدنيا وما نالوه فيها (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) في جنب الآخرة (إِلَّا مَتاعٌ) إلا متعة لا تدوم ، وشيء قليل يتمتع به ويذهب ، والمعنى : أن الكفار بطروا بما نالوا من الدنيا ، ولم يستخدموه فيما يوصلهم إلى نعيم الآخرة ، واغتروا بما هو قليل النفع سريع الزوال.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (لَوْ لا) هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ) على محمد (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) كعصا موسى ويده ، وناقة صالح (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) إضلاله ، فلا تغني عنه الآيات شيئا ؛ لأنه عاند وأعرض عن الحق (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) يرشد إلى دينه من رجع عن العناد وأقبل إلى الحق. والمعنى : هذا جواب فيه تعجب من قولهم ، كأنه قال لهم : ما أعظم عنادكم ، إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم ، فلا سبيل إلى اهتدائهم ، وإن أنزلت كل آية ؛ ويهدي إليه من أناب ، أي من رجع عن العناد.

(وَتَطْمَئِنُ) تسكن (بِذِكْرِ اللهِ) أي بتوحيده ووعده (تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) قلوب المؤمنين ، والمعنى أن قلوب المؤمنين تسكن وتستأنس بتوحيد الله وتذكر وعده ، وتعتمد عليه وترجو منه ، فتطمئن.

(طُوبى) مصدر من الطيب ، أي لهم العيش الطيب والنعمة والخير والسرور ، والحسنى والكرامة. وقيل : هي شجرة في الجنة ، يسير الراكب في ظلها مائة عام. (مَآبٍ) مرجع ومنقلب.

المناسبة :

بعد أن ذكر الله تعالى عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك ، بيّن أنه تعالى الذي يبسط الرزق ويقدر في الدنيا ؛ لأنها دار امتحان ، فبسط الرزق على الكافر لا يدل على كرامته ، والتقتير على بعض المؤمنين لا يدل على إهانتهم ، فلا تعلق للرزق بالكفر والإيمان ، فربما وسع على الكافر دون المؤمن استدراجا له ، وضيق على المؤمن دون الكافر زيادة في أجره وثوابه.

ثم ذكر تعالى مقالة للمشركين ، كثر في القرآن حكايتها وهي طلب آية

١٦٢

مادية حسية تدل على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لإنكار هم أن القرآن آية دالة على النبوة ، فرد الله عليهم أن اقتراح الآيات على الرسل جهل.

ثم ذكر سبحانه حال المؤمنين المتقين وثوابهم عند الله تعالى. والتحدث عن المشركين والمؤمنين هنا مناسب لما ذكر سابقا من بيان عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك.

التفسير والبيان :

لما ذكر الله تعالى أن للمشركين سوء الدار ، ناسب ذكر حكم الرزق في الدنيا ، وأنه لا تعلق له بالإيمان والكفر ، فقال تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ..) أي أن الله تعالى هو الذي يوسع الرزق على من يشاء ، ويقتر على من يشاء ، لما له في ذلك من الحكمة والعدل ، بصرف النظر عن كون الإنسان مؤمنا أو كافرا ، فقد يضيق الله الرزق على المؤمن ابتلاء واختبارا ، وزيادة في أجره ، وقد يوسع الله الرزق على الكافر استدراجا له وحرمانا منه في الآخرة ، عدالة ، فليست سعة الرزق للكافر دليلا على الكرامة والرضا ، وليس التقتير على المؤمن دليلا على الإهانة والسخط. كما قال تعالى في شأن رزق الكافر : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ٥٦] وقال : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف ٧ / ١٨٢].

ثم ذكر الله تعالى حال المشركين في حال الغنى فقال : (وَفَرِحُوا ..) أي وفرح مشركو مكة بالدنيا فرح بطر ، ولم يعرفوا غيرها ، وجهلوا ما عند الله. لكن ما نعيم الدنيا بالنسبة للآخرة إلا متاع زائل ، وشيء قليل ذاهب ، يزول بسرعة.

أخرج أحمد ومسلم والترمذي عن المستورد أخي بني فهر قال : قال رسول الله

١٦٣

صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم ، فلينظر بم ترجع» وأشار بالسبابة.

وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال : «نام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حصير ، فقام وقد أثّر في جنبه ، فقلنا : يا رسول الله ، لو اتخذنا لك ، فقال : ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها».

ولما أوضح تعالى أن المشركين اغتروا بمتاع الحياة الدنيا ، وطمست المادة على مشاعرهم وقلوبهم ، ذكر ما ترتب على الغرور والتأثر بالمادة ، فطلبوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية واحدة مادية تدل على صدق نبوته ، لعدم إيمانهم بكون القرآن معجزة مصدقة ، وبرهانا قاطعا على ذلك ؛ لأنهم قوم ماديون ، لا مجال لمخاطبة العقل لديهم ، والقائل : عبد الله بن أبي أمية وأصحابه ، فقال تعالى حاكيا اقتراحهم : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا ..).

أي ويطلب أهل مكة المشركون قائلين : هلا أنزل على محمد آية أو معجزة قاهرة ظاهرة مادية مثل معجزات موسى وعيسى عليهما‌السلام ، كقولهم : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٥].

والله قادر على إجابة ما سألوا ، لكن جاء في الحديث : «إن الله أوحى إلى رسوله ، لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهبا ، وأن يجري لهم ينبوعا ، وأن يزيح الجبال من حول مكة ، فيصير مكانها مروج وبساتين : إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ، فإن كفروا أعذبهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ، فقال : بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة».

ورد الله عليهم بأن إنزال الآيات لا يؤثر في هداية ولا ضلال ، بل الأمر كله بيد الله : (قُلْ: إِنَّ اللهَ يُضِلُّ ..) أي ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم ، فلا فائدة لكم في نزول الآيات ، إن لم يرد الله هدايتكم ، فمن كان على

١٦٤

صفتكم من التصميم والعناد في الكفر ، فلا سبيل إلى اهتدائكم ، وإن أنزلت كل آية ، فإن الضلال والهداية بيد الله ، والله يضل من يشاء ، أي كما أضلكم بعد ما أنزل من الآيات ، وحرمكم الاستدلال بها ، يضلكم عند نزول غيرها ، ويهدي إليه من أناب ، أي رجع عن العناد وأقبل على الحق أو الإسلام أو الله عزوجل ، فهاء (إِلَيْهِ) عائد إلى واحد من المذكورات ؛ على تقدير : ويهدي إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه.

وللآية نظائر كثيرة منها : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام ٦ / ١١١] (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس ١٠ / ١٠١] (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ، حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧].

ثم ذكر الله تعالى من يستحقون الهداية : (الَّذِينَ آمَنُوا ..) أي يهدي الله الذين صدقوا بالله ورسله ، وسكنت قلوبهم إلى توحيد الله ووعده ، أنسا به ، واعتمادا عليه ، ورجاء منه ، ألا بتذكر الله ، وتأمل آياته ، ومعرفة كمال قدرته عن بصيرة ، تطمئن قلوب المؤمنين ، ويذهب القلق والاضطراب عنهم ، بما وقر في تلك القلوب من نور الإيمان ، كما قال تعالى : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الزمر ٣٩ / ٢٣] والمؤمن إذا تذكر عقاب الله ، خاف ، كما قال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال ٨ / ٢] وإذا تذكر المؤمن وعده تعالى بالثواب والرحمة ، اطمأن قلبه وهدأت نفسه : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ ، زادَتْهُمْ إِيماناً ، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال ٨ / ٢].

ثم أبان الله تعالى جزاء المؤمنين فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا ..) أي للذين آمنوا وعملوا الصالحات العيش الطيب والنعمة والخير وحسن الثواب ، وحسن المرجع.

١٦٥

والطوبى في رأي ابن عباس : الجنة ، وروي عنه أنها شجرة في الجنة ، ورجح القرطبي أنها شجرة في الجنة ، فقال : والصحيح أنها شجرة (١) ؛ للحديث المرفوع عن عتبة بن عبد السّلمي وهو صحيح على ما ذكره السهيلي : «نعم شجرة تدعى طوبى».

وللحديث المرفوع أيضا عن أبي سعيد الخدري فيما رواه الإمام أحمد : «طوبى : شجرة في الجنة ، مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ، لا يقطعها» ولا حرج على فضل الله ولا على قدرته ، ففي الجنة كما ثبت في الحديث الذي أخرجه الجماعة إلا النسائي عن أبي هريرة : «فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر».

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على الآتي :

١ ـ الله تعالى مصدر الرزق ، يوسع فيه على من يشاء ، ويقتره على من يشاء ، على وفق حكمته وعدله.

٢ ـ الكفار وكل أصحاب النزعات المادية يفرحون في الدنيا ، ولا يعرفون غيرها ، ويجهلون ما عند الله من أفضال ونعم وخيرات كثيرة.

٣ ـ ليست الدنيا في جانب الآخرة إلا متاع من الأمتعة ، وشيء قليل سريع الزوال.

٤ ـ اقتراح الآيات على الرسل جهل ، بعد أن رأوا آية واحدة تغني عن كل آية ، هي القرآن ، تدل على الصدق ، وصحة النبوة والوحي ، وكونه كلام الله.

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٩ / ٣١٧ ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥١٢

١٦٦

٥ ـ لا تعلق للرزق بالإيمان والكفر ، فقد يرزق الله الكافر ، ويحرم المؤمن ، استدراجا للأول ، وابتلاء واختبارا للثاني.

٦ ـ الإضلال والهداية من الله ، وللإنسان دور فيهما ، فالكافر هو الذي عاند وعارض ولم يؤمن ، فلم يهده الله ، والمؤمن هو الذي آمن وعمل الصالحات ، فزاده الله هدى.

٧ ـ للمؤمنين الذين يعملون الصالحات الجنة والخير والنعمة والفرح وحسن المرجع ، وفي هذا ترغيب في الطاعة ، وتحذير من المعصية ، ومن سوء العقاب والمصير.

محمد صاحب الرسالة والرسول وبيان عظمة القرآن

وقدرة الله الشاملة

(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا

١٦٧

لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤))

الإعراب :

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) : جواب (لَوْ) محذوف ، أي لكان هذا القرآن. وما بعده جمل فعلية في موضع نصب ؛ لأنها صفة قرآن. وجاء (سُيِّرَتْ) و (قُطِّعَتْ) بلفظ التأنيث لتأنيث الجبال والأرض ، وجاء (كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) على التذكير ، لوجود الفصل الذي يتنزل منزلة إلحاق التأنيث.

(أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ تَحُلُ) : إما للتأنيث ، أي قارعة تحل قريبا من دارهم ، وهي جملة فعلية في موضع رفع صفة : قارعة ، وتقديره : قارعة حالة ، وإما للخطاب ، أي أو تحل أنت قريبا من دارهم ، وهو معطوف على خبر (وَلا يَزالُ) أي : ولا يزال الكافرون تصيبهم بصنيعهم قارعة ، أو حالا أنت قريبا من دارهم.

البلاغة :

(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) : تشبيه مرسل مجمل.

المفردات اللغوية :

(كَذلِكَ) أي مثل ذلك وهو إرسال الرسل ، أي كما أرسلنا الأنبياء قبلك أرسلناك (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها) مضت وتقدمتها أمم (لِتَتْلُوَا) تقرأ (الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي القرآن (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) حيث قالوا لما أمروا بالسجود له : وما الرحمن؟ أي وهم يجحدون ببليغ الرحمة ، فلم يشكروا نعمه (قُلْ) لهم يا محمد (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا مستحق للعبادة سواه (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في نصرتي عليكم (وَإِلَيْهِ مَتابِ) مرجعي ومرجعكم.

(سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) أي نقلت عن أماكنها (أَوْ قُطِّعَتْ) شققت فجعلت عيونا وأنهارا ، أو تصدعت من خشية الله عند قراءته (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) بأن يحيوا لما آمنوا (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ

١٦٨

جَمِيعاً) أي لله القدرة على كل شيء ، لا لغيره ، فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره ، إن أوتوا ما اقترحوا ، وهو إضراب عما تضمنته (لَوْ) من معنى النفي ، أي بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات ، إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك ، لعلمه بأن قلوبهم لا تلين له.

(يَيْأَسِ) المراد يعلم ، وهو لغة هوازن ، وهو رأي الأكثر ، وقيل : هو يأس على الحقيقة ، أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمانهم ، مع ما رأوا من أحوالهم ، علما منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا.

(أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَنَ) : مخففة من الثقيلة ، أي أنه لو شاء الله لهدى الناس جميعا إلى الإيمان من غير آية ، ومعناه : نفي هدى بعض الناس ، لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (بِما صَنَعُوا) بصنعهم أي كفرهم (قارِعَةٌ) داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب ، وتفزعهم وتقلقهم (أَوْ تَحُلُ) أي القارعة ، ويجوز أن يكون الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية ، أو إنه حل مكة (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) بالنصر عليهم ، أو الموت أو القيامة أو فتح مكة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) لامتناع الكذب في كلامه ، وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ..) أي كما استهزئ بك ، وهذه تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَأَمْلَيْتُ) أمهلت مدة طويلة (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعقوبة ، أي هو واقع موقعه ، فكذلك أفعل بمن استهزأ بك. وهذه تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) رقيب وحافظ عليها (بِما كَسَبَتْ) بما عملت من خير وشر ، وهو الله ، كمن ليس كذلك من الأصنام ، لا (قُلْ : سَمُّوهُمْ) له من هم ، أي صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) بل تخبرون الله (بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) أي بشريك ، والاستفهام إنكار ، أي لا شريك له ، إذ لو كان لعلمه (أَمْ) بل تسمونهم شركاء (بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) بظن باطل لا حقيقة له في الواقع (مَكْرُهُمْ) كفرهم (عَنِ السَّبِيلِ) طريق الهدى (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والأسر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أشد وأنكى منه (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) من عذابه (مِنْ واقٍ) مانع أو حافظ.

سبب النزول :

نزول الآية (٣١):

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) : أخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس ، قال : قالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن كان كما تقول ، فأرنا أشياخنا الأول ، نكلمهم من الموتى ، وافسح لنا هذه الجبال ـ جبال مكة التي قد ضمتنا ، فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ)

١٦٩

الآية. ورواية ابن جرير وأبي الشيخ ابن حيان الأنصاري عن ابن عباس أنهم قالوا : سيّر بالقرآن الجبال ، قطّع بالقرآن الأرض ، أخرج به موتانا ، فنزلت.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عطية العوفي قال : قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو سيرت لنا جبال مكة ، حتى تتسع ، فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض ، كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى ، كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه ، فأنزل الله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) الآية.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وغيرهما عن الشعبي قال : قالت قريش لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن كنت نبيا كما تزعم ، فباعد جبلي مكة أخشبيها (جبلين فيها) هذين مسيرة أربعة أيام أو خمسة ، فإنها ضيقة ، حتى نزرع فيها ونرعى ، وابعث لنا آباءنا من الموتى ، حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي ، أو احملنا إلى الشام أو اليمن أو إلى الحيرة ، حتى نذهب ونجيء في ليلة ، كما زعمت أنك فعلته ، فنزلت هذه الآية.

المناسبة :

بعد أن قص الله علينا ما طلبه المشركون من آيات تثبت نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أوضح أن محمدا كغيره من الرسل مع أقوامهم ، طلبوا الآيات من أنبيائهم ، وأجابهم الله إلى مطلبهم ، ولكنهم لم يؤمنوا ، فعذبوا بعذاب الاستئصال.

ولو أرادوا آية ، فقد أعطيناك هذا الكتاب ، وأنت تتلوه ، والله قادر على كل شيء من الإتيان بما اقترحوه ، ولكنه لا يحقق المقصود. ثم هددهم الله بداهية تحل بهم ، ثم أتبع ذلك بتسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على استهزائهم به.

التفسير والبيان :

مثلما أرسلنا رسلا في الأمم الماضية ، أرسلناك يا محمد في هذه الأمة لتبلغهم

١٧٠

رسالة الله إليهم ، وما أوحيناه إليك ، وقد كذّب الرسل من قبلك ، فلك بهم أسوة ، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك ، فليحذر هؤلاء من حلول النقم بهم ، قال تعالى : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) [النحل ١٦ / ٦٣] وقال سبحانه : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ، فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا ، حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا ، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ ، وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام ٦ / ٣٤].

والخلاصة : إننا أرسلناك بكتاب تبلّغه للناس وتقرؤه عليهم ، كما أرسلنا رسلا إلى أمم من قبلك ، ولما كذّب الرسل ، انظر كيف نصرناهم وجعلنا العاقبة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة.

(وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) أي والحال أن هذه الأمة التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء ، لا يقرون به ، ولا يشكرون نعمه وفضله ، وقالوا : إن له شريكا.

(قُلْ : هُوَ رَبِّي ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي قل لهم : إن الرحمن الذي تكفرون به ، أنا مؤمن به معترف ، مقرّ له بالربوبية والألوهية ، فهو متولي أمري وخالقي ، وهو ربي لا إله إلا هو ، لا رب غيره ولا معبود سواه.

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي توكلت عليه في جميع أموري ، وفوضتها إليه ، ووثقت به.

(وَإِلَيْهِ مَتابِ) أي إليه أرجع وأنيب ، فإنه لا يستحق ذلك أحد سواه ، أو إليه توبتي ، بمعنى قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [غافر ٤٠ / ٥٥].

ثم بيّن الله تعالى عظمة القرآن وشأنه وتفضيله على سائر الكتب المنزلة قبله ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً ..) أي لو كان هناك في الكتب الماضية كتاب تسيّر بتلاوته الجبال عن أماكنها ، أو تقطع به الأرض وتشقق وتجعل أنهارا

١٧١

وعيونا ، أو تكلم به الموتى في قبورها بإحيائهم بقراءته ، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره ، بل هو الأولى لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثله ، ولا بسورة من مثله ، ولأنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لا لاشتماله على الأدلة الكونية الدالة على وجود الصانع ، والأحكام والأنظمة التي تصلح البشر وتسعدهم في الدارين. والآية مثل قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الحشر ٥٩ / ٢١].

(بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) بل مرجع الأمور كلها إلى الله عزوجل ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، ومن يهد الله فما له من مضل ، فهو سبحانه صاحب الإرادة والأمر في إنزال الآيات ، وهو القادر على كل شيء ، فلو كان تحقيق طلب ما اقترحوه مناسبا مشتملا على الحكمة والمصلحة ، لأنجزه تعالى ، ولكن كفى بالقرآن آية لأولي الألباب ، والإرادة الإلهية لم تتعلق بغير ذلك ؛ لعلمه تعالى ألا فائدة في مجاراتهم ، وأن قلوبهم لا تلين ، فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، فكان الإضلال والهداية مرتبطا بنظام السببية ، أي أن الله أنزل في القرآن آيات كافية للهداية ، فمن أعرض عنها ضل ، فكان ترك الآيات سببا في ضلاله.

(أَفَلَمْ يَيْأَسِ ..) أي ألم يعلم المؤمنون أن الله قادر لو شاء على هداية الناس أجمعين إلى الإيمان بالقرآن.

أو ألم ييأس الذين آمنوا من إيمان جميع الخلق ، ويعلموا أو يتبينوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا إلى دينه ، فإنه ليس ثم حجة ولا معجزة أبلغ ، ولا أنجع في العقول والنفوس من هذا القرآن. ثبت في الصحيح الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله

١٧٢

البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة». والمراد : أن معجزة كل نبي انقرضت بموته ، وهذا القرآن حجة باقية على الآباد ، لا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار ، قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله.

(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) أي لا تزال القوارع والبلايا من القتل والأسر ، والسلب تصيب الكافرين في الدنيا بسبب تكذيبهم لك وتماديهم في الكفر ، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأحقاف ٤٦ / ٢٧].

(حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) حتى ينجز الله وعده لك فيهم ، بنصرك عليهم ، وهو فتح مكة كما قال ابن عباس وآخرون ، أو حتى ينتهي هذا العالم بالنسبة لكفار آخرين.

(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) إن الله ينجز وعده الذي وعدك به ، من النصر عليهم ، ولا ينقض وعده لرسله بالنصر لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة ، كما قال سبحانه : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) [إبراهيم ١٤ / ٤٧].

ثم أنزل الله تسلية لنبيه عن استهزائهم بطلب هذه الآيات ، وتخفيفا عما كان يشق عليه من ذلك ، وعن تكذيب بعض قومه ، فقال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ ..) أي إن كذّبك بعض قومك واستهزأ بك المشركون منهم ، وطلبوا آيات منك عنادا ومكابرة ، فاصبر على أذاهم ، فلك في الرسل المتقدمين أسوة ، ثم بين تعالى شأنه معهم فقال : (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي أنظرتهم وأجّلتهم مدة من الزمان ، ثم أوقعت بهم العذاب ، فانظر كيف عقابي لهم حين عاقبتهم ، كما قال

١٧٣

تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها ، وَهِيَ ظالِمَةٌ ، ثُمَّ أَخَذْتُها ، وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحج ٢٢ / ٤٨] وجاء في الصحيحين : «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)». والمراد بالآية أني سأنتقم من هؤلاء الكفار ، كما انتقمت من أولئك المتقدمين.

ثم ذكر الله تعالى ما يكون توبيخا لهم على موقفهم وعقلهم ، وما يدعو إلى التعجب منهم فقال : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ ..) أي إن الله مطلع على كل نفس ، عالم بما يكسبونه من أعمال الخير أو الشر ، ولا يخفى عليه خافية ، قادر على كل شيء كما قال : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ ، وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) [يونس ١٠ / ٦١] (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) [الأنعام ٦ / ٥٩] (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها ، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ، كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [هود ١١ / ٦].

وبما أن الله قادر على كل شيء وعالم بكل شيء ، فكيف يجعلون القادر العالم كمن لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ، وكيف يتخذونه ربا يطلبون منه النفع ودفع الضر؟! والمراد نفي المماثلة.

ثم أكد تعالى ما سبق بقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) أي واتخذوا شركاء لله ، عبدوها معه ، من أصنام وأوثان وأنداد.

ثم وبخهم مرة أخرى بقوله : (قُلْ : سَمُّوهُمْ) أي صفوهم لنا ، وأعلمونا بهم ، واكشفوا عنهم حتى يعرفوا ، فإنهم لا حقيقة لهم ، وليسوا أهلا للعبادة لعدم نفعهم وضرهم.

(أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) أي بل أتخبرونه بشركاء معبودين لا وجود لهم ؛ لأنه لو كان لها وجود في الأرض ، لعلمها ؛ لأنه لا تخفى عليه

١٧٤

خافية. وهذا نفي لوجودها. والاستفهام : استفهام توبيخ.

(أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي بل أتسمونهم شركاء بظن من القول أنهم ينفعون ويضرون ، أم بباطل من القول ، أي إنما عبدتم هذه الأصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر ، وسميتموها آلهة كما قال تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ، ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ، وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) [النجم ٥٣ / ٢٣].

والخلاصة : إن آية (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ ..) حجاج للمشركين وتوبيخ لهم وتعجيب من عقولهم ، ويقصد منه نفي الدليل العقلي والدليل النقلي على استحقاق تلك الشركاء للعبادة

(بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) أي لا فائدة من هذا النقاش أو الحجاج معهم ، فإنهم قوم زيّن لهم كفرهم وكيدهم : وهو ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار ، كقوله تعالى : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ) [فصلت ٤١ / ٢٥].

(وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) أي وصرفوا عن سبيل الحق وسبيل الله والدين القويم ، بما زين لهم من صحة ما هم عليه.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ ..) أي ومن يخذله الله لكفره وعصيانه ، فما له من أحد يوفقه إلى الهداية وسلوك طريق النجاة والسعادة ، مثل قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [المائدة ٥ / ٤١] وقوله سبحانه : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ ، فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ، وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [النحل ١٦ / ٣٧].

ثم ذكر الله تعالى جزاءهم فقال : (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لهم

١٧٥

عقاب شديد في الدنيا بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر والذلة والحرب ، أو البلايا في أجسامهم ونحو ذلك من المصائب.

(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أي والعذاب المدخر في الآخرة أشد وأنكى من عذاب الدنيا ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمتلاعنين فيما رواه مسلم عن ابن عمر : «إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة» لأن عذاب الدنيا مؤقت ، وذاك دائم أبدا في نار ، هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا.

(وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي وما لهم ساتر يقيهم ويحفظهم من العذاب ويحميهم ، ولا شفاعة لأحد عند الله إلا بإذنه.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآيات على ما يأتي :

١ ـ إرسال الرسل قبل إرسال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ظاهرة عامة ، قد يؤمن بهم بعض أقوامهم ، وقد يكذبهم الأكثرون ، ويكفرون بالرحمن.

٢ ـ كما أرسل الله رسلا إلى أمم وأعطاهم كتبا تتلى عليهم ، كذلك أعطى الله نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الكتاب (القرآن) وهو يتلوه عليهم ، فلما ذا اقترحوا غيره.

٣ ـ الله هو الإله بحق الذي لا إله غيره ، ولا معبود سواه ، وهو واحد بذاته ، وإن اختلفت صفاته ، عليه يتوكل العبد ويعتمد ويثق ، وإليه مرجع العباد غدا ، وعليه يتوكل المؤمن اليوم وفي كل وقت ، رضى بقضائه ، وتسليما لأمره.

٤ ـ لو كان هناك كتاب سماوي يقوم بنقل الجبال من أماكنها ، وتفجير الأنهار والعيون وشق الأرض ، وتكليم الموتى لإحيائها ، لكان هذا القرآن ، ولو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم.

١٧٦

٥ ـ ليعلم البشر أن الله لو يشاء لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات ، ويروا المعجزات ، وينظروا في دلائل الكون. ولكن ما شاء تعالى هداية جميع الناس.

٦ ـ لا يزال الكافرون في كل زمان تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة ، أو أسر أو جدب أو زلزال أو بركان ، أو غيرها من العذاب والبلاء كما نزل بالمستهزئين ، وهم رؤساء قريش.

وقد تصيب من حولهم ممن هو قريب منهم ، فيتأثرون بالعذاب.

٧ ـ دلت آية (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) على تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتبصير له على سفاهة قومه ، فإن أقوام سائر الأنبياء استهزءوا بهم ، كما أن قومك يستهزئون بك. ودلت أيضا على تهديدهم ، فإنه تعالى يمهلهم مدة ليؤمن من علم الله أنه يؤمن منهم ، ثم لما حق القضاء أخذهم بالعقوبة ، وكما صنع بمن قبلهم يصنع بمشركي مكة ، وبكل الكفار في كل زمان.

٨ ـ لا مماثلة إطلاقا بين الله تعالى النافع والضارّ بسبب فعل العبد وبين الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ، فالله تعالى هو القادر على كل شيء ، وهو العالم بكل شيء ، وتقدير الآية : أفمن هو قائم على كل نفس بالرقابة والحفظ بما كسبت كشركائهم التي لا تضر ولا تنفع؟!

٩ ـ ليس للأصنام حقيقة تذكر ، فلا وجود للشركاء مع الله ، وما يعتمد عليه المشركون إن هو إلا مجرد ظن لا يغني من الحق شيئا ، وباطل من القول لا يفيد شيئا ، وكل ما في الأمر أن الشيطان زين لهم سوء اعتقادهم وصدهم عن سبيل الله ودينه الحق ، أو زين لهم ضلالهم وكفرهم.

١٠ ـ من يخذله الله ويعلم أنه لا يهتدي ، فماله من هاد يقدر على هدايته وتوفيقه والأخذ بيده إلى طريق النجاة والسعادة.

١٧٧

١١ ـ للمشركين الصادّين عن الحق ودين التوحيد العذاب في الدنيا بالقتل والسبي والأسر والذم والإهانة ، وغير ذلك من الأسقام والأمراض والمصائب ، والعذاب الأشد في الآخرة ، وليس لهم مانع يمنعهم من عذاب الله ، ولا دافع يدفعه عنهم.

ففي الآية إخبار بأنه تعالى جمع لهم بين عذاب الدنيا ، وبين عذاب الآخرة الذي هو أشق ، وأنه لا دافع لهم عنه ، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

صفة الجنّة وموقف أهل الكتاب من نبوّة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وشبهات المشركين حولها

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩))

الإعراب :

(مَثَلُ الْجَنَّةِ) مبتدأ مرفوع ، وخبره إما محذوف ، تقديره : فيما يتلى عليكم مثل الجنّة ، وهو قول سيبويه ، وإما قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وهو قول الفرّاء.

١٧٨

(حُكْماً عَرَبِيًّا) منصوب على الحال.

البلاغة :

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) تشبيه مرسل مجمل.

(أُكُلُها دائِمٌ ، وَظِلُّها) فيه إيجاز بالحذف ، أي وظلّها دائم ، حذف منه الخبر بدليل السابق.

(تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) فيه من المحسنات البديعية ما يسمّى المقابلة.

(أَرْسَلْنا رُسُلاً) فيهما جناس اشتقاق.

(يَمْحُوا) .. (وَيُثْبِتُ) بينهما طباق.

(قُلْ : إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) فيه قصر إضافي من قصر الموصوف على الصفة ، أي ليس لك إلا الأمر بعبادة الله.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) من باب التّهييج والإلهاب والبعث للسّامعين على الثّبات في الدّين والتّصلّب فيه ، وعدم التأثّر بالشّبهة بعد التّمسّك بالحجة ، وإلا فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شدّة الشّكيمة بمكان.

المفردات اللغوية :

(مَثَلُ الْجَنَّةِ) أي صفتها التي هي مثل في الغرابة. (أُكُلُها) ما يؤكل فيها. (دائِمٌ) لا ينقطع ثمرها ولا يفنى. (وَظِلُّها) واحد الظّلال ، فيه خبر محذوف ، أي دائم لا تنسخه شمس لعدمها فيها. (تِلْكَ عُقْبَى) أي الجنة عاقبة (الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشّرك ومآلهم ومنتهى أمرهم. (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) لا غير ، وفي ترتيب النّظمين إطماع للمتّقين وإقناط للكافرين. (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يعني المسلمين من أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأصحابه من مؤمني اليهود ، ومن آمن من النّصارى ، وهم ثمانون رجلا : أربعون بنجران ، وثمانية باليمن ، واثنان وثلاثون بالحبشة ، أو عامّتهم ، فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم.

(الْأَحْزابِ) جمع حزب : وهو الطّائفة المتحزّبة ، أي المجتمعة لشأن من الشؤون كحرب أو مكيدة ونحوهما ، وهم الذين تحزّبوا عليك من المشركين واليهود ، مثل كعب بن الأشرف اليهودي وأصحابه. (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) وهو ما يخالف شرائعهم أو ما يوافق ما حرّفوه منها ، وكذكر الرّحمن وما عدا القصص. (قُلْ : إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) جواب للمنكرين ، أي قل لهم : إنّي أمرت فيما

١٧٩

أنزل إليّ بأن أعبد الله وأوحّده ، ولا سبيل إلى إنكاره ؛ وأما ما تنكرونه مما يخالف شرائعكم فليس ببدع اختلاف الشّرائع والكتب الإلهية في جزئيات الأحكام. (إِلَيْهِ أَدْعُوا) لا إلى غيره. (وَإِلَيْهِ مَآبِ) وإليه مرجعي للجزاء ، لا إلى غيره ، وهذا هو القدر المتّفق عليه بين الأنبياء ، وأما ما عدا ذلك من التّفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم ، فلا معنى لإنكارهم الاختلاف فيه.

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) أي مثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الديانات المجمع عليها. (أَنْزَلْناهُ حُكْماً) أي أنزلنا القرآن يحكم بين الناس في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة. (عَرَبِيًّا) بلغة العرب ، ليسهل لهم حفظه وفهمه. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) أي الكفار فيما يدعونك إليه من ملّتهم على سبيل الافتراض ، كالصّلاة إلى قبلتهم بعد ما حوّلت عنها. (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ينسخ ذلك. (وَلِيٍ) ناصر. (واقٍ) حافظ أو مانع من عذابه ، أي مالك من أحد ينصرك ، ويمنع العقاب عنك ، وهو حسم لأطماعهم ، وتهييج للمؤمنين على الثّبات على دينهم.

(أَزْواجاً) نساء. (وَذُرِّيَّةً) أولادا ، كما هي لك. (وَما كانَ لِرَسُولٍ) وما صحّ له ولم يكن في وسعه. (أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) تقترح عليه ، وحكم يلتمس منه. (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بمشيئته وإرادته ، فإنهم عبيد مربوبون لله تعالى. (أَجَلٍ) مدة أو وقت. (كِتابٌ) مكتوب فيه تحديده ، أي لكل وقت وأمد تحديد أو حكم معين يكتب على العباد ، على ما يقتضيه استصلاحهم.

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) ينسخ ما يستصوب نسخه. (وَيُثْبِتُ) يبقي ما يشاء من الأحكام حسبما تقتضي حكمته ، وقيل : يمحو سيئات التائب ، ويثبت الحسنات مكانها. (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أي أصل الكتب ، وهو اللوح المحفوظ ، وهو الذي لا يتغيّر منه شيء ، وهو ما كتبه في الأزل ، فما من كائن إلا وهو مكتوب فيه ، أو العلم الإلهي.

سبب النّزول :

نزول الآية (٣٨):

قال الكلبي : عيّرت اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالت : ما نرى لهذا الرّجل مهمّة إلا النّساء والنّكاح ، ولو كان نبيّا كما زعم ، لشغله أمر النّبوة عن النّساء ، فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ ، وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً)(١).

__________________

(١) أسباب النّزول للواحدي ١٥٨

١٨٠