التفسير المنير - ج ١٣

الدكتور وهبة الزحيلي

ومثبتو القياس أجابوا عن ذلك بأن الحكم الثابت بالقياس نازل أيضا من عند الله تعالى ، لأنه تعالى لما أمر بالعمل بالقياس ، كان الحكم الذي دلّ عليه القياس نازلا من عند الله تعالى. وقد بيّنا أن تعريف كلمة (الْحَقُ) وإن دلّ على اختصاص المنزل بكونه حقّا ، فهو أعمّ من المنزل صريحا أو ضمنا ، كالمثبت بالقياس وغيره ، مما نطق المنزل بحسن اتّباعه.

بعض مظاهر قدرة الله في السّموات والأرض

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤))

الإعراب :

(بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) الباء متعلّقة برفع ، أو ب (تَرَوْنَها). و (تَرَوْنَها) جملة فعلية في موضع نصب على الحال من (السَّماواتِ) ، أي أنه ليس ثم عمد البتة ، ويجوز أن تكون في موضع جر ؛ لأنها صفة ل (عَمَدٍ) أي أن ثمّ عمدا ، ولكن لا ترى.

(وَزَرْعٌ) معطوف على (جَنَّاتٌ) ، وتقديره : وفي الأرض قطع متجاورات ، وجنات

١٠١

وزرع ونخيل صنوان مجتمعة من أصل واحد ، (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) غير مجتمعة من أصل واحد ، وعلى قراءة الجرّ. (وَزَرْعٌ) معطوف على (أَعْنابٍ) ، فتجعل الجنّات من الزّرع ، وهو قليل.

البلاغة :

(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) شبّه إزالة نور النّهار بظلمة الليل بالغطاء الكثيف ، واستعار لفظ (يُغْشِي) من الغطاء الحسي للأمور المعنوية.

المفردات اللغوية :

(عَمَدٍ) جمع عماد ، وهو الأسطوانة ، والآية تحتمل ألا عمد أصلا ، أو هناك عمد غير مرئية. (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) استواء يليق به ، أو المراد منه المجاز ، أي بالحفظ والتّدبير. (وَسَخَّرَ) ذلّل بالحركة المستمرة والسّرعة المعينة ونحو ذلك. (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) كل منهما يسير في فلكه إلى يوم القيامة. (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يصرف الأمر على وجه الحكمة. (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يبين دلالات قدرته ، وهي الأدلة التّي تقدم ذكرها من الشّمس والقمر. (لَعَلَّكُمْ) يا أهل مكة وأمثالكم. (بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) أي لتوقنوا وتتحققوا كمال قدرته بالبعث ، فتعلموا أن من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قادر على الإعادة والجزاء. واليقين : العلم الثابت الذي لا شكّ فيه.

(مَدَّ الْأَرْضَ) بسطها طولا وعرضا ليتمكّن الإنسان والحيوان من السّير عليها والانتفاع بمنافعها. (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) وخلق فيها جبالا ثوابت. (وَأَنْهاراً) عطفها على الجبال مباشرة ؛ لأنها أسباب تولدها ونبعها. (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) متعلّق بقوله تعالى : (جَعَلَ فِيها). (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي جعل فيها من جميع أنواع الثّمرات صنفين اثنين كالحلو والحامض ، والأسود والأبيض ، والصغير والكبير ، والذكر والأنثى.

(يُغْشِي) يغطي الليل بظلمته ضوء النّهار فيطمسه ، ويصير الجو مظلما بعد ما كان مضيئا. (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور. (لَآياتٍ) دلالات على وحدانية الله تعالى. (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في تلك الآيات وفي صنع الله تعالى ، فإن تكونها وتخصصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم ، دبّر أمرها ، وهيأ أسبابها.

(قِطَعٌ) أي بقاع مختلفة. (مُتَجاوِراتٌ) متلاصقات ، فمنها طيب ومنها سبخ ، ومنها رخو ومنها صلب ، وبعضها صالح للزّرع دون الشّجر وبعضها بالعكس ، وذلك التّخصيص مع التّجاور والطّبيعة الأرضيّة من دلائل قدرة الله تعالى. (وَجَنَّاتٌ) بساتين.

(صِنْوانٌ) جمع صنو ، أي ونخلات يجمعها أصل واحد ، وتتشعّب فروعها. (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) آي ومتفرّقات مختلفة الأصول ، وفي الحديث الذي أخرجه التّرمذي «عمّ الرّجل صنو

١٠٢

أبيه». (يُسْقى) أي الجنّات وما فيها. (الْأُكُلِ) ما يؤكل ، فمنها الحلو ومنها الحامض ، ومنها الثّمر ومنها الحبّ ، وغير ذلك من الاختلاف شكلا وقدرا ورائحة وطعما ، وهو من دلائل قدرته تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ) لدلالات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتدبّرون ويستعملون عقولهم بالتفكّر.

المناسبة :

بعد أن ذكر الله تعالى أن أكثر النّاس لا يؤمنون ، أعقبه ببيان ما يدلّ على التّوحيد والمعاد ، بالاستدلال بأحوال السّموات وأحوال الشّمس والقمر ، وبأحوال الأرض : جبالها وأنهارها ، وبأحوال النّبات من زروع وثمار وأشجار مختلفة الطّعوم والرّوائح والألوان.

وبعد أن بيّن الله تعالى أن القرآن حقّ ، بيّن أن من أنزله قادر على الكمال ، فانظروا في مصنوعاته لتعرفوا كمال قدرته.

التّفسير والبيان :

يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه : أنه الذي خلق السّموات بغير أعمدة ، لا نشاهدها بالعين ، فهي لا عمد لها أصلا ، وقوله : (تَرَوْنَها) مؤكد معنى كونها بغير عمد ، لأن المراد إثبات وجود الله تعالى وقدرته ، فلو كان لها أعمدة ، فلا يكون في الآية دلالة على وجود الله تعالى ، فهي تقوم بقدرة الله تعالى وحفظه وتدبيره ، وتقوم في الفضاء بإبقائه تعالى ، حتى ولو قيل بتوازن قانون الجاذبية بين النّجوم والكواكب ، فإن ذلك بخلق الله تعالى.

ثم استوى الله تعالى على عرشه استواء يليق به ، والعرش شيء مخلوق ، نؤمن به كما أخبر القرآن ، وهو أعظم من السّموات والأرض ، جاء في الحديث : «ما السّموات السّبع وما فيهنّ وما بينهنّ في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، والكرسي في العرش المجيد كتلك الحلقة في تلك الفلاة» ، وفي رواية : «والعرش لا يقدر قدره إلا الله عزوجل».

١٠٣

وسخّر الشّمس والقمر ، أي ذللهما وجعلهما طائعين لما أريد منهما لمنافع خلقه ، من دوران وضياء ، وظهور واختفاء ، جاء في آيات أخرى ما يبيّن دورة الشّمس حول نفسها ، وحركة القمر حول الأرض ، فقال تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس ٣٦ / ٣٨ ـ ٤٠].

وكلّ من الشّمس والقمر وغيرهما من الكواكب السّيارة يجري لأجل مسمّى ، أي لمدة معيّنة هي نهاية الدّنيا ومجيء القيامة ، أو لمدة محددة يتمّ فيها دورانه ، فالشّمس تتمّ دورتها في سنة ، والقمر يتمّ دورته في شهر.

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي إنّ الله تعالى يدبّر أمر الكون ويصرفه على وفق إرادته ومقتضى حكمته ، فيحيي ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويغني ويفقر ، ويهيء الأسباب للنّتائج والمسببات ، ويسيّر الأفلاك في نظام دقيق ثابت لا يخطئ ولا يتغيّر.

(يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي يبيّن الدّلائل الدّالّة على وجوده تعالى ووحدانيته وقدرته وحكمته وعلمه ورحمته.

(لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) أي يوضح الآيات والدّلالات الدّالة على أنه لا إله إلا هو ، وأنه قادر على أن يعيد الخلق إذا شاء كما بدأه أولّ مرة ، رجاء أن تتيقّنوا وتتحقّقوا ، أو لتعلموا علم اليقين القاطع الذي لا شكّ فيه أنّ الله قادر على البعث والإعادة ، والحساب والجزاء ، وإحياء الموتى من القبور في أي مكان دفنوا في البرّ أو البحر أو في أجواف الحيوان.

فالذي قدر على خلق السّموات والأرض وما بينهما وما فيهما ، ودبّر نظام الكون والحياة وأمور الخلق بدقة فائقة ، لا يبعد عليه ولا يعجزه البعث الجديد ، وإعادة الأرواح إلى أجسادها ، ثم حساب أصحابها على ما قدّموا في دار الدّنيا.

١٠٤

هذه هي الأدلّة السّماوية على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته ، أتبعها بالأدلّة الأرضيّة ، وهي : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أي والله تعالى هو الذي جعل الأرض متّسعة ، منبسطة للحياة ، ممتدة في الطول والعرض ، ليتمكّن الإنسان والحيوان من التّنقل فيها بسهولة ، والانتفاع بخيراتها النّباتية والمعدنية كقوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) [النّبأ ٧٨ / ٦]. ولا يمنع انبساط الأرض للحياة في أجزائها أنها غير كروية أو مسطّحة في حجمها الكلي ، فقد أشار القرآن الكريم لكرويتها في آيات أخرى منها : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ ، وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) [الزّمر ٣٩ / ٥] والتّكوير : اللف على الجسم المستدير ، فهي مبسوطة ممدودة في نظرنا لنعيش عليها.

وأرساها بجبال راسيات شامخات ، وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون ، لسقاية ما فيها من الثّمرات المختلفة الألوان والأشكال والطّعوم والرّوائح.

وجعل فيها من كلّ صنف من أصناف الثّمار زوجين اثنين أي ذكرا وأنثى ، فالشّجر والزّرع لا ينتجان الثّمر والحبّ إلا من عضوين : ذكر وأنثى ، وجعل أيضا من كلّ ثمر صنفين ، إما من حيث الطّعم كالحلو والحامض ، أو من حيث اللون كالأسود والأبيض ، أو الطّبيعة كالحار والبارد.

ونظير الآية قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ، وَالْجِبالَ أَوْتاداً ، وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) [النّبأ ٧٨ / ٦ ـ ٨].

(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يغطي الله ضوء النّهار بظلمة الليل ، ويطرد ظلام الليل بنور النّهار ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) [النّبأ ٧٨ / ٩ ـ ١١] ، وقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [النّمل ٢٧ / ٨٦] ، وقال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الرّوم ٣٠ / ٢٣].

١٠٥

ثم نبّه الله تعالى في ختام الآية إلى وجوب التّفكّر في تلك الآيات السّماوية والأرضية ، فقال: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي إن في مخلوقات الله وعجائب خلقه وآلائه وحكمه لدلائل وبراهين لمن يتفكّر فيها ويعتبر بعظمتها ، فيستدلّ بها على وجود الله تعالى ، وقدرته ، وكمال علمه ، وإرادته ، مما لا يوجد له مثيل في الكون ، وذلك يستوجب تخصيصه بالعبادة ، والخضوع لسلطانه ، والتّزام أوامره.

ومن الآيات الأرضية اختلاف أجزاء الأرض بالطبيعة والماهية ، وهي مع ذلك متجاورة فقال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ ..) ، أي وفي الأرض أجزاء يجاور بعضها بعضا ، ويقرب بعضها من بعض ، وهي مع تجاورها مختلفة متغايرة الخواص ، فمنها طيب ينبت ما ينفع النّاس ، ومنها سبخة مالحة لا تنبت شيئا ، ومنها صالح للزّرع دون الشّجر وبالعكس ، ومنها الرّخوة ومنها الصّلبة ، وتختلف ألوان بقاع الأرض ، فهذه تربة حمراء ، وهذه صفراء ، وهذه بيضاء ، وهذه سوداء ، وهذه محجرة ، وهذه مرملة ، وهذه سميكة ، وهذه رقيقة ، والكلّ متجاورات ، وهي مختلفة الصّفات ، مما يدلّ على وجود الخالق المختار ، الذي لا إله إلا هو ، ولا ربّ سواه.

وفيها بساتين من أعناب ، وزروع متفاوتة من حبوب مختلفة لتوفير غذاء الإنسان والحيوان ، ونخيل صنوان وغير صنوان ، والصّنوان : ذو الأصول أو الجذوع المجتمعة في منبت واحد كالرّمان والتّين وبعض النّخيل ، وغير الصّنوان : ما كان على أصل أو جذع واحد كسائر الأشجار. جاء في الحديث الصّحيح الذي أخرجه التّرمذي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمر : «أما شعرت أن عمّ الرّجل صنو أبيه». وقال البراء رضي‌الله‌عنه : الصّنوان هي النّخلات في أصل واحد ، وغير لصّنوان : المتفرّقات.

ويظهر التّفاوت العجيب في بقاع الأرض وأصناف النّبات في أن الأرض

١٠٦

المنبتة لها واحدة ، وتسقى من ماء واحد ، وتتفاوت طعومها ، وتتفاضل مآكلها.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي إن في هذا التّفاوت مع وجود مصادر التّشابه لأدلّة باهرة على وجود الله ووحدانيته ، لقوم يتدبّرون ويفكّرون فيها ، فهذا الاختلاف في أجناس الثّمرات والزّروع في أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها ، حلاوة وحموضة ومرارة وعذوبة وتلوّنا ، وهذا الاختلاف في الأزهار في ألوانها وروائحها وإبداع ورقاتها وزهرها ، مع أنها كلّها تستمد من طبيعة واحدة ، وهو الماء والأرض ، في كلّ ما ذكر آيات لمن كان واعيا ، ومن أعظم الأدلّة على وجود الخالق الفاعل المختار القادر على كلّ شيء ، ومن قدر على الإيجاد والخلق أول مرّة فهو قادر على الإعادة والتّكوين مرّة ثانية ، بل هو أهون عليه.

وختم الآيات الثلاث بما ذكر : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) دليل على وجوب استخدام النّظر والعقل والفكر ، للتّوصل إلى الاقتناع الذّاتي الحرّ بوجود الخالق ووحدانيته ، وهذا الإعمال للعقل من مقاصد الإسلام ، وفرائض القرآن ، وأصول الدّين.

فقه الحياة أو الأحكام :

أرشدت الآيات إلى ما يأتي :

١ ـ من لطف الله بعباده ورحمته بهم وإرشاده لهم أنه أوضح لهم الأدلّة ، ولفت نظرهم إلى ما يدلّ على وجوده وكمال قدرته ، وعلمه ، وإرادته ، فتخصيص كلّ واحد منها بوضعه وموضعه وصفته وطبيعته وحليته ليس إلا من الله تعالى.

٢ ـ الأدلّة متنوعة : سماوية وأرضية ، فالسّماوية ثلاثة : رفع السّموات بغير أعمدة ، والاستواء على العرش ، وتسخير الشّمس والقمر وتذليلهما وتطويعهما

١٠٧

لغايات معينة في مدّة معينة لمنافع الخلق ومصالح العباد ما داموا في الدّنيا وحتى تقوم السّاعة ، يدبّر الله فيها الأمر ، أي يصرفه على ما يريد بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار ، وإنزال الوحي وبعثة الرّسل وتكليف العباد ، ويبيّن الآيات ، فمن قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة ، لذا قال : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) وهذا إثبات للألوهيّة والرّبوبية والمعاد يوم القيامة ، فمن كان يمكنه تدبير من فوق العرش إلى ما تحت الثّرى بحيث لا يشغله شأن عن شأن ، فكذلك يحاسب الخلق بحيث لا يشغله شأن عن شأن.

وأمّا الأدلة الأرضية فهي ستّة : بسط الأرض بالنّسبة للنّاظر ليمكن العيش عليها ، وتثبيتها بالجبال الرّاسيات الشّامخات ، وإجراء الأنهار وتفجير الينابيع ، وجعل الثّمار ذات وجهين اثنين ، أي من صنفين متعارضين كالذّكر والأنثى ، والحلو والحامض ، والحار والبارد ، والأبيض والأسود ، وتغطية الليل النّهار ، وتبديد ظلمة الليل بضوء النّهار ، وتفاوت ما تنتجه الأرض من حبوب وزروع وثمار وأشجار ، مجتمعة ذات جذوع متعددة من منبت واحد ، ومتفرّقة ذات جذع مستقلّ بكلّ واحدة منها.

فكلّ ما ذكر يدلّ دلالة قطعيّة على أنّ الكلّ بتدبير الله الفاعل المؤثر المختار ، لا بالطّبيعة ولا بالصّدفة.

٣ ـ لا يفهم من آية : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) ، وآية : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النّازعات ٧٩ / ٣٠] أنّ الأرض غير كروية ، فقد ثبتت كرويتها بالأدلّة العلمية العقلية والحسيّة ، ودلّت أقمار الفضاء الدّائرة حول الأرض بما لا يقبل أي شكّ أو جدل على أن الأرض كروية ، وقد صرح بكرويتها علماؤنا كالرّازي (١) ، فإن المقصود أن كل قطعة من الأرض تشاهد كالسّطح ، وأما مجموعها

__________________

(١) تفسير الرّازي : ١٩ / ٢ ـ ٣

١٠٨

وحجمها العظيم فهو كرة بدليل تثبيتها في الآية هنا بالجبال الرّواسي ، وكذلك في آية أخرى : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) [النّبأ ٧٨ / ٧]. وبدليل تكوير الليل على النّهار ، والنّهار على الليل ، والتّكوير : اللف على الجسم المستدير.

٤ ـ قال القرطبي عن آية (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) : في هذا أدلّ دليل على وحدانيته تعالى وعظم صمديته ، والإرشاد لمن ضلّ عن معرفته ؛ فإنه سبحانه نبّه بقوله : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) على أن ذلك كلّه ليس إلا بمشيئته وإرادته ، وأنه مقدور بقدرته ، وهذا أدلّ دليل على بطلان القول بالطّبع (الطّبيعة) ؛ إذ لو كان ذلك بالماء والتّراب والفاعل له الطّبيعة ، لما وقع الاختلاف (١).

٥ ـ الدّعوة القويّة ، بل الفريضة والإيجاب لإعمال الفكر والعقل ، والاسترشاد بما في الكون من دلائل وعلامات واضحة على وجود الله تعالى ، وكمال قدرته ، وعلمه ، ووحدانيته.

٦ ـ قال الحسن البصري في آية : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) : المراد بهذه الآية المثل ؛ ضربه الله تعالى لبني آدم ، أصلهم واحد ، وهم مختلفون في الخير والشّرّ والإيمان والكفر ، كاختلاف الثّمار التي تسقى بماء واحد.

إنكار المشركين البعث واستعجالهم العذاب ومطالبتهم بإنزال آية

مادية على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم

(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٩ / ٢٨١

١٠٩

الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧))

الإعراب :

(فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر ، ولا بد فيه من تقدير صفة لتمكن المعنى أي فعجب أي عجب أو فعجب غريب.

(أَإِذا) عامل «إذا» : فعل مقدر دلّ عليه معنى الكلام ، أي : أنبعث إذا كنا ترابا ؛ لأن في قوله : (لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) دليلا عليه ، ولا يجوز أن يعمل فيه : (كُنَّا) ؛ لأن «إذا» مضافة إليها ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ، ولأنهم لم ينكروا كونهم ترابا ، وإنما أنكروا البعث بعد كونهم ترابا.

وقوله (أَإِذا كُنَّا) إلى آخر قولهم : إما بدل مرفوع من (قَوْلُهُمْ) وإما منصوب بالقول. والاستفهامان : (أَإِذا) و (أَإِنَّا) للتأكيد وشدة الحرص على البيان.

(عَلى ظُلْمِهِمْ) محله النّصب على الحال.

(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أَنْتَ) : مبتدأ ، وخبره : (مُنْذِرٌ). و (هادٍ) : معطوف على (مُنْذِرٌ) ، فتكون اللام في (لِكُلِ) متعلقة بمنذر أو بهاد ، وقد فصل بين الواو والمعطوف بالجار والمجرور ، وتقديره : إنما أنت منذر وهاد لكل قوم. ويجوز أن يكون (هادٍ) مبتدأ ، و (لِكُلِّ قَوْمٍ) : الخبر ، واللام متعلقة باستقر.

البلاغة :

بين (بِالسَّيِّئَةِ) و (الْحَسَنَةِ) وبين (مُنْذِرٌ) و (هادٍ) طباق.

المفردات اللغوية :

(وَإِنْ تَعْجَبْ) يا محمد من تكذيب الكفار لك وعبادتهم ما لا يضر ولا ينفع من الأصنام والأوثان. (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) أي فأعجب منه ، أو فعجب غريب أو فحقيق بالعجب تكذيبهم

١١٠

بالبعث وإنكارهم له. والعجب : تغير النّفس واندهاشها حين رؤية ما يستبعد في العادة. (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) هذا استفهام إنكاري ، ينكرون فيه إمكان إعادة الخلق بالبعث ، وفاتهم أن القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال قادر على إعادتهم.

(الْأَغْلالُ) جمع غل : وهو طوق حديدي تشد به اليدان إلى العنق. (بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) بالعذاب قبل السّلامة. (الْمَثُلاتُ) جمع مثلة بوزن سمرة : وهي العقوبة ، أي مضت عقوبات أمثالهم من المكذبين ، فما لهم لم يعتبروا بها ، فلا يستهزءوا. وسميت مثلة لما بين العقاب والجريمة من المماثلة ، كما قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشّورى ٤٢ / ٤٠] ومنه سمي عقاب القاتل قصاصا ، لما فيه من المماثلة. (مَغْفِرَةٍ) الغفر والمغفرة : السّتر ، بالإمهال وتأخير العقاب إلى الآخرة. (عَلى ظُلْمِهِمْ) أي مع ظلمهم ، وإلا لم يترك على ظهرها دابة. (لَشَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصاه.

(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) هلا أنزل على محمد. (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) آية حسية كقلب عصا موسى حية ، وجعل يده بيضاء مشعة كالشمس ، وناقة صالح. (مُنْذِرٌ) مخوف الكافرين ، وليس عليك إتيان الآيات ، والإنذار : التخويف. (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) الهادي : الذي يرشد النّاس إلى الخير والحق والصواب كالأنبياء والحكماء والعلماء ، أي لكل قوم نبي يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه إياهم من الآيات ، لا بما يقترحون ، وهو مدعم عادة بمعجزة من جنس ما هو الغالب عليهم.

المناسبة :

أقام الله تعالى في الآيات السّابقة الأدلة السّماوية والأرضية على قدرته ، ليثبت للناس أن من كانت قدرته وافية بهذه الأشياء العظيمة ، كيف لا تكون وافية بإعادة الإنسان بعد موته ، لأن القادر على الأقوى الأكمل ، فإنه قادر بالأولى على الأقل الأضعف : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [الأحقاف ٤٦ / ٣٣].

ثم حكى هنا إنكار المشركين للبعث والقيامة ، وأتبعه بحكاية حماقة أخرى وهي استعجالهم العذاب ، وأردفه بطلباتهم إنزال آيات حسية للتعجيز.

التفسير والبيان :

وإن تعجب أيها الرّسول من تكذيب هؤلاء المشركين لك ، وعبادتهم

١١١

ما لا يضر وما لا ينفع من الأصنام ، مع ما يشاهدونه من آيات الله تعالى ودلائله في خلقه على أنه القادر على ما يشاء ، ومع اعترافهم من أنه ابتدأ خلق الأشياء ، فكونها بعد أن لم تكن شيئا مذكورا ، إن تعجب من ذلك ، فالأعجب منه والأغرب تكذيبهم بالبعث والقيامة ، وقولهم : هل تمكن الإعادة بعد الفناء والبلى والصيرورة ترابا؟ وقد تكرر منهم هذا الاستفهام الإنكاري في أحد عشر موضعا ، في تسع سور من القرآن : في الرعد ، والإسراء ، والمؤمنون ، والنّحل ، والعنكبوت ، والسّجدة ، والصافات ، والواقعة ، والنّازعات.

مع أن كل عالم وعاقل يعلم أن خلق السّموات والأرض أكبر من خلق النّاس ، وأن من بدأ الخلق فالإعادة عليه أسهل ، كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ، بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأحقاف ٤٦ / ٣٣].

ثم حكم الله تعالى حكمه عليهم بأحكام ثلاثة بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) أي أولئك الكافرون الذين جحدوا بربهم ، وكذبوا رسوله ، وتمادوا في عنادهم وضلالهم ؛ لأن إنكار قدرة الله تعالى إنكار له. وهذا يدل على أن كل من أنكر البعث والقيامة ، فهو كافر.

وأولئك المقيدون بالسلاسل والأغلال يسحبون بها ، قال أبو حيان : والظاهر أن الأغلال تكون حقيقية في أعناقهم كالأغلال (١) ، كما قال : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ ، وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) [غافر ٤٠ / ٧١] وهذا حقيقة ، وحمل الكلام على الحقيقة أولى.

وهم أصحاب النّار الخالدون فيها في الآخرة بقوله : (وَأُولئِكَ أَصْحابُ

__________________

(١) البحر المحيط : ٥ / ٣٦٦

١١٢

النَّارِ ..) أي وأولئك أهل النّار الملازمون لها ، المستحقون دخولها ، الماكثون فيها أبدا لا يحولون عنها ولا يزولون بسبب كفرهم وإنكارهم البعث وتكذيبهم الرسول : (كَلَّا ، بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين ٨٣ / ١٤] والمراد بذلك التهديد بالعذاب المخلد المؤبد. وهذا يدل على أن العذاب المخلد ليس إلا للكفار بهذه الآية.

ولم يقتصر تكذيبهم الرسول على إنكار عذاب الآخرة ، وإنما أنكروا أيضا عذاب الدّنيا ، فقال تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) أي ويستعجلك هؤلاء المكذبون بالعقوبة قبل السّلامة منها والعافية من بلائها ، كما قال تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج ٧٠ / ١] وقال : (وَإِذْ قالُوا : اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال ٨ / ٣٢] وقال : (وَقالُوا : رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) [ص ٣٨ / ١٦] أي عجّل لنا عقابنا وحسابنا.

(وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) أي قد أوقعنا نقمنا بالأمم الخالية وجعلناهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم ، وبعبارة أخرى : ويستعجلونك بالعقاب مستهزئين بإنذارك ، والحال أنه قد مضت العقوبات النّازلة على أمثالهم من المكذبين ، كالرجفة والخسف والطوفان ونحوها.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ ..) أي إنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس على ذنوبهم ، مع أنهم يظلمون ، ويخطئون باللّيل والنّهار ، ولولا حلمه وعفوه لعجل لهم العذاب فور ارتكاب الذنب ، كما قال : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر ٣٥ / ٤٥] وقال : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا ، لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) [الكهف ١٨ / ٥٨].

١١٣

والخلاصة : إن الله يغفر للنّاس مع ظلمهم أنفسهم باكتساب الذنوب ، أي ظالمين أنفسهم ، قال ابن عباس : ليس في القرآن آية أرجى من هذه.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) أي وإنه تعالى شديد العقاب للعصاة.

ويلاحظ أنه تعالى قرن حكم المغفرة والرحمة بأنه شديد العقاب ، كما هو شأن القرآن كثيرا ، ليعتدل الرجاء والخوف ، وليكون الإنسان بين الأمل والحذر ، كما قال تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ : رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام ٦ / ١٤٧] وقال : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) [الحجر ١٥ / ٤٩ ـ ٥٠] وقال : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف ٧ / ١٦٧] ونحو ذلك من الآيات التي تجمع بين الرجاء والخوف.

روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيّب قال : لما نزلت هذه الآية : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) الآية ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لولا عفو الله ورحمته وتجاوزه ، ما هنأ أحدا العيش ، ولولا وعيده وعقابه لاتّكل كل أحد».

ثم ذكر الله تعالى ما طالب به المشركون النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من معجزة حسية كالأنبياء السّابقين بقصد التعجيز والإصرار على الكفر والطعن في النّبوة والتشكيك في صحتها فقال : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) أي يقول المشركون كفرا وعنادا : لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون ، مثل عصا موسى ، وناقة صالح ، ومائدة عيسى ، فيجعل لنا الصفا ذهبا ، وأن يزيح عنا الجبال ، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا.

فرد الله عليهم الشّبهة بآية أخرى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [الإسراء ١٧ / ٥٩] أي نخشى تطبيق العقاب على المكذبين ، فإن

١١٤

سنتنا أن من لم يؤمن بالآيات المنزلة بعد طلبها ، أهلكناهم ودمرناهم بذنوبهم.

وهنا أعرض البيان عن الجواب عن قول المشركين ، إلى توضيح مهمة الرسول التي أرسل بها وهي الهداية والإنذار ، لا تلبية الطلبات ، فقال تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) أي إنما أنت رسول عليك أن تبلغ رسالة الله التي أمرك بها ، وأما الآيات فأمرها إلى الله ، كما قال تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة ٢ / ٢٧٢].

(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أي ولكل أمة أو قوم داع من الأنبياء ، يدعوهم إلى الله عزوجل وإلى الدّين الحق ، وسبيل الخير والرشاد ، كما في آية أخرى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر ٣٥ / ٢٤].

ويصح أن يكون (هادٍ) معطوفا على (مُنْذِرٌ) وفصل بينهما بقوله (لِكُلِّ قَوْمٍ) أي أنت منذر وهاد لكل قوم ، وبه قال عكرمة وأبو الضحى.

والخلاصة : إن الآية نزلت في المشركين والكفار الذين لم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر ، وانقياد الشّجر ، وانقلاب العصا سيفا ، ونبع الماء من بين الأصابع ، وأمثال هذه ، فاقترحوا عنادا آيات ، كالمذكورة في الإسراء والفرقان كتفجير الينبوع والرقي في السّماء والملك والكنز ، فقال الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنما أنت منذر تخوفهم من سوء العاقبة ، وناصح كغيرك من الرسل ، ليس لك الإتيان بما اقترحوا ، فالاقتراح إنما هو عناد ، ولم ينزل الآيات إلا إذا تحتم العذاب والاستئصال (١).

فقه الحياة أو الأحكام :

يفهم من الآيات ما يأتي :

١ ـ إنكار البعث والقيامة مدعاة للعجب الشّديد ، والله تعالى لا يتعجب ،

__________________

(١) البحر المحيط : ٥ / ٣٦٧

١١٥

ولا يجوز عليه التعجب ؛ لأنه تغير في النّفس بما تخفى أسبابه ، وإنما ذكر تعالى ذلك ليتعجب منه نبيه والمؤمنون.

٢ ـ من أنكر البعث والقيامة ، فهو كافر ، لإنكاره القدرة الإلهية والعلم والصدق في الخبر ، ويساق إلى جهنم بالأغلال والسّلاسل ، وهو خالد في النّار. فهذه أوصاف ثلاثة لمنكري البعث: (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ، وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ ، وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

٣ ـ العذاب المخلد ليس إلا للكفار بهذه الآية : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي هم الموصوفون بالخلود لا غيرهم ، أما أهل الكبائر من المسلمين الذين يرتكبون الجرائم العظام ، كالقتل وشهادة الزور وعقوق الوالدين ، فلا يخلدون في النّار.

٤ ـ طلب المشركين إنزال العقوبة لفرط إنكارهم وتكذيبهم نوع من الطيش والحماقة ، وكفاهم الاعتبار بعقوبات أمثالهم المكذبين ، فالمثلات أي العقوبات كثيرة. وقد تبين من هذه الآية : أن عذاب الاستئصال لا ينزل بهم إلا بالإصرار على الكفر والمعاصي.

٥ ـ حكم سبحانه بتأخير العقوبة عن هذه الأمة إلى يوم القيامة.

٦ ـ إن الله تعالى لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا ، وعن المذنبين إذا تابوا ، وقد يعفو تعالى عن صاحب الكبيرة قبل التوبة في رأي أهل السّنة ، لأن قوله تعالى (عَلى ظُلْمِهِمْ) أي حال اشتغالهم بالظلم ، وحال الاشتغال بالظلم لا يكون المرء فيها تائبا.

قال ابن عباس : أرجى آية في كتاب الله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ).

٧ ـ وإن الله أيضا شديد العقاب للكافرين إذا أصروا على الكفر.

١١٦

٨ ـ ليست مهمة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلبية طلبات المشركين واقتراحاتهم ، إنما مهمته الإنذار ، أي التعليم ، فهو منذر لقومه مبين لهم ، ولكل قوم من قبله هاد ومنذر وداع.

٩ ـ لكل قوم هاد ، أي نبي يدعوهم إلى الله. وقيل : الهادي الله ؛ أي عليك الإنذار ، والله هادي كل قوم إن أراد هدايتهم.

١٠ ـ اجتمع من المشركين كما تحكي هذه الآية ثلاثة طعون : وهي أنهم طعنوا في نبوته بسبب طعنهم في الحشر والنّشر ، ثم طعنوا في نبوته بسبب طعنهم في صحة ما ينذرهم به من نزول عذاب الاستئصال ، ثم طعنوا في نبوته بأن طلبوا منه المعجزة والبينة.

وسبب كل هذه الطعون : أنهم أنكروا كون القرآن من جنس المعجزات ، وقالوا : هذا كتاب مثل سائر الكتب. والإتيان بكتاب معين ، لا يكون معجزا البتة ، وإنما المعجز ما يكون مثل معجزات موسى وعيسى عليهما‌السلام ، كفلق البحر بالعصا ، وقلب العصا ثعبانا.

ولا تعني هذه الآية أنه لم تظهر معجزة تصدق النّبي عليه الصلاة والسّلام سوى القرآن ، ولعل الكفار ذكروا هذا الكلام قبل مشاهدة سائر المعجزات ، أو أنهم طلبوا منه معجزات سوى المعجزات التي شاهدوها منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كحنين الجذع ، وانشقاق القمر ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل.

ويظل القرآن هو المعجزة الكبرى للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو المناسب لزمنه ، فلما كان الغالب في زمان موسى عليه‌السلام هو السّحر ، جعل معجزته ما هو أقرب إلى طريقتهم ، ولما كان الغالب في أيام عيسى عليه‌السلام الطب ، جعل معجزته ما كان من جنس تلك الطريقة ، وهو إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه (الأعمى الذي ولد فاقد البصر) والأبرص ، ولما كان الغالب في أيام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفصاحة

١١٧

والبلاغة ، جعل معجزته ما كان لائقا بذلك الزمان ، وهو فصاحة القرآن.

فإذا لم يؤمن العرب بهذه المعجزة ، مع كونها أليق بطباعهم ، فبأن لا يؤمنوا عند إظهار سائر المعجزات أولى.

بعض مظاهر علم الله المحيط بكل شيء

(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١))

الإعراب :

(اللهُ يَعْلَمُ ما ما) هنا وفي بقية الآية : اسم موصول ، مفعول (يَعْلَمُ) والجمل الفعلية التي بعدها هي الصلات ، والعائد منها كلها محذوف. ويجوز أن تكون (ما) استفهامية منصوبة بيعلم. ويجوز أن تكون (ما) مصدرية.

(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ) من : مبتدأ مرفوع ، و (سَواءٌ) : خبر مقدم ، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، فهو مستو.

(وَإِذا أَرادَ اللهُ) العامل في (إِذا) ما دل عليه الجواب.

١١٨

البلاغة :

يوجد طباق في (تَغِيضُ) و (تَزْدادُ) وفي (الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وفي (أَسَرَّ) و (جَهَرَ) وفي (بِاللَّيْلِ) و (بِالنَّهارِ) وفي (مُسْتَخْفٍ) و (سارِبٌ) أي ظاهر.

المفردات اللغوية

(ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) أي حملها أو ما تحمله من كون الجنين ذكرا أو أنثى ، واحدا أو متعددا ، وصفات كل ، وغير ذلك (تَغِيضُ) تنقص من زمن أو جسم. (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) أي وما تنقصه وما تزداده من الجثة والمدة والعدد. (بِمِقْدارٍ) بقدر واحد لا يتجاوزه ولا ينقص عنه ، كقوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر ٥٤ / ٤٩] فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين ، وهيأ له أسبابا مسوقة إليه ، تقتضي ذلك.

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ما غاب ، وما حضر أو شوهد. والغائب : ما غاب عن الحس ، والشّاهد : الحاضر المشاهد. (الْكَبِيرُ) العظيم الشّأن. (الْمُتَعالِ) المستعلي على كل شيء بالقهر أو بقدرته. (سَواءٌ مِنْكُمْ) أي في علمه تعالى. (مُسْتَخْفٍ) مستتر. (بِاللَّيْلِ) بظلامه. (وَسارِبٌ) ظاهر بارز بالنهار ، بذهابه في سربه أي طريقه.

(لَهُ مُعَقِّباتٌ) له ملائكة تعتقب في حفظه ورعايته ، أو تتعاقب على كتابة أقو اله وأفعاله ، جمع معقّبة ، من عقّبه : جاء عقبه ، والتاء للمبالغة ، لا للتأنيث ، والمراد : ملائكة يتعاقبون على الإنسان بالليل والنّهار. (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) قدامه. (وَمِنْ خَلْفِهِ) ورائه أي من جوانبه. (مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي بأمره وإعانته ، أو يحفظونه من بأس الله متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له ، أو يحفظونه من المضار. (لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من العافية والنّعمة أي لا يسلبهم نعمته. (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة والمعاصي. (سَواءٌ) عذابا. (فَلا مَرَدَّ لَهُ) من المعقبات ولا غيرها. (وَما لَهُمْ) لمن أراد الله بهم سوءا. (مِنْ دُونِهِ) أي غير الله. (مِنْ والٍ) ناصر يمنعه عنهم ، و (مِنْ) : زائدة ، وهذا دليل على أن خلاف مراده محال.

المناسبة :

بعد أن حكى الله سبحانه إنكار المشركين للبعث واستبعادهم له ، أورد الأدلة على قدرته على ذلك بعلمه المحيط بكل شيء ، فهو يعلم ما في الأجنّة التي في البطون ، ويعلم الغائب عنا والمشاهد لنا ، ويعلم السّر وأخفى ، ويعلم جميع أجزاء الإنسان

١١٩

المتناثرة ومواضعها في البر والبحر وأجواف الحيوان ، فيعيدها مرة أخرى.

وبعد أن حكى عن المشركين أنهم طلبوا آيات أخرى غير ما أتى به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بيّن أنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، فيعلم من حالهم أنهم : هل طلبوا الآية الأخرى للاسترشاد ، أو لأجل التعنت والعناد؟ وهل ينتفعون بظهور تلك الآيات ، أو يزداد إصرارهم على الكفر واستكبارهم؟.

التفسير والبيان :

يخبر الله تعالى عن تمام علمه الذي لا يخفى عليه شيء ، فهو يعلم بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات ، أهو ذكر أو أنثى ، واحد أو متعدد ، حسن أو قبيح ، ذو خصائص وأوصاف ، طويل العمر أو قصيره ، كما قال تعالى : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) [لقمان ٣١ / ٣٤] وقال : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) [النجم ٥٣ / ٣٢] وقال : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ ، فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزمر ٣٩ / ٦].

وإذا أمكن معرفة نوع الجنين علميا بالتحليل مثلا من كونه ذكرا أو أنثى ، فلا يكون ذلك معارضا الآية ، لأن علم الله لا ينحصر به ، وإنما علمه واسع محيط بكل شيء من الخواص والصفات الأخرى.

(وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) أي والله يعلم ما تنقصه الأرحام وما تزداده من الجثة (سقطا أو تماما) والمدة (أقل من تسعة أشهر أو تسعة أو أكثر إلى عشرة) والعدد (واحدا أو متعددا) والدم (إراقة حتى يخسّ الولد ، وعدم إراقة حتى يتم الولد ويعظم).

والإحصاء العلمي دل على أن الجنين لا يزيد بقاؤه في بطن أمه عن ٣٠٥ أو ٣٠٨ أيام ، وهناك رأي في المذهب المالكي أن عدة المطلقة سنة قمرية (٣٥٤ يوما).

١٢٠