منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

لطف الله الصافي الگلپايگاني

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

لطف الله الصافي الگلپايگاني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتب المؤلّف دام ظلّه
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

اذهب بها ليلا الى روضة حضرة المرتضى ـ عليه من الله تعالى الرضا ـ لتستشفع به وتجعله واسطة بينها وبين الله ، لعلّ الله سبحانه وتعالى أن يشفيها ، فلم تذهب في تلك الليلة ـ يعني ليلة الأربعاء ـ لانزعاجها ممّا هي فيه ، فنامت بعض تلك الليلة فرأت في منامها أنّ زوجها المذكور وامرأة اسمها زينب كأنهما مضيا معها لزيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكأنّهم رأوا في طريقهم مسجدا عظيما مشحونا من الجماعة ، فدخلوا فيه لينظروه ، فسمعت المصابة رجلا يقول من بين الجماعة : لا تخافي أيّتها المرأة التي فقدت عينيها ، إن شاء الله تشفيان ، فقالت : من أنت بارك الله فيك؟ فأجابها : أنا المهديّ ؛ فاستيقظت فرحانة ، فلمّا صار الصباح ـ يعني يوم الأربعاء ـ ذهبت ومعها نساء كثيرات الى مقام سيّدنا المهدي خارج البلد ، فدخلت وحدها وأخذت بالبكاء والعويل والتضرّع ، فغشي عليها من ذلك ، فرأت في غشيتها رجلين جليلين ، الأكبر منهما متقدّم والآخر شابّ خلفه ، فخاطبها الأكبر بأن لا تخافي ، فقالت له : من أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ، وهذا الذي خلفي ولدي المهدي ـ رضي الله تعالى عنهما ـ ثمّ أمر الأكبر ـ المشار إليه ـ امرأة هناك وقال : قومي يا خديجة وامسحي على عيني هذه المسكينة ، فجاءت ومسحت عليهما فانتبهت وأنا أرى وأنظر أحسن من الأوّل ، والنساء يهلهلن فوق رأسي ، فجاءت النساء بها بالصلوات والفرح ، وذهبن بها الى زيارة حضرة المرتضى ـ كرّم الله تعالى وجهه ـ وعيناها الآن لله الحمد أحسن من الأوّل.

وما ذكرناه لمن أشرنا إليهما قليل ، إذ يقع أكبر منه لخدّامهما من الصالحين بإذن المولى الجليل ، فكيف بأعيان آل سيد المرسلين ـ عليه

٥٤١

وعليهم الصلاة والسلام الى يوم الدين ـ اماتنا الله على حبّهم ، آمين آمين.

هذا ما اطّلع عليه الحقير الخطيب والمدرّس في النجف الأشرف السيّد محمّد سعيد ، انتهى.

٨٨٩ ـ (٩) ـ إثبات الهداة : ومنها : إنّا كنّا جالسين في بلادنا في قرية مشغرا في يوم عيد ونحن جماعة من طلبة العلم والصلحاء ، فقلت لهم : ليت شعرى في العيد المقبل من يكون من هؤلاء الجماعة حيّا ، ومن يكون قد مات؟ فقال لي رجل كان اسمه الشيخ محمّد وكان شريكنا في الدرس : أنا أعلم أنّي أكون في عيد آخر حيّا ، وفي عيد آخر وعيد آخر الى ستّ وعشرين سنة ، وظهر منه أنّه جازم بذلك من غير مزاح ، فقلت له : أنت تعلم الغيب؟ فقال : لا ، ولكنّي رأيت المهدي عليه‌السلام في النوم وأنا مريض شديد المرض ، فقلت له : أنا مريض ، وأخاف أن أموت وليس لى عمل صالح ألقى الله به ، فقال : لا تخف ، فإنّ الله يشفيك من هذا المرض ولا تموت فيه ، بل تعيش ستّا وعشرين سنة ، ثمّ ناولني كأسا كان في يده فشربت منه وزال عنّي المرض وحصل لي الشفاء ، وجلست وأنا أعلم أنّ هذا ليس من الشيطان ، فلمّا سمعت كلام الرجل كتبت التاريخ وكان سنة (١٠٤٩ ه‍) ، ومضت لذلك مدّة طويلة وانتقلت الى المشهد المقدّس سنة (١٠٧٢ ه‍) ، فلمّا كانت السنة الأخيرة وقع في قلبي أنّ المدة انقضت ، فرجعت الى ذلك التاريخ وسنته فرأيت قد مضى منه

__________________

(٩) ـ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٧١٢ ب ٣٣ ح ١٧٠ ؛ البحار : ج ٥٣ ص ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ؛ جنّة المأوى : الحكاية ٣٧.

٥٤٢

ستّ وعشرون سنة ، فقلت : ينبغى أن يكون الرجل مات ، فما مضت إلّا مدّة نحو شهر أو شهرين حتّى جاءتني كتابة من أخي وكان في البلاد يخبرني أنّ الرجل المذكور مات.

٨٩٠ ـ (١٠) ـ الإمامة والمهدويّة ـ حكاية شفاء الصالحة زوجة العالم الجليل الفاضل الشيخ محمّد المتّقي الهمداني ، وهو من فضلاء الحوزة العلميّة بقم ، معروف بطهارة النفس والتقوى ، أعرفه منذ سنين بالدين والأخلاق الحميدة ، وهذه عين ترجمة ما كتبه شرحا لهذه الواقعة :

رأيت من المناسب أن أذكر توسّلي بالإمام بقيّة الله في الأرضين الحجّة بن الحسن العسكري وتوجهه عليه‌السلام إليّ ، لكون موضوع هذا الكتاب هو في إثبات وجود حضرته من طريق المعجزات وخرق العادات :

يوم الاثنين في الثامن عشر من شهر صفر من سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وتسعين عرض لنا أمر مهم أقلقنا ومئات أشخاص آخرين ، وذلك لأنّ زوجة هذا العبد ـ محمّد متّقي همداني ـ وعلى أثر الهم والغمّ والبكاء والعويل ـ ولمدّة سنتين ـ بسبب موت اثنين من أولادها في عنفوان

__________________

(١٠) ـ الإمامة والمهدوية (امامت ومهدويت) لمؤلّف هذا الكتاب : ج ٢ ص ١٧١ ـ ١٧٤.

أقول : قد ذكر في البحار حكايات كثيرة جدّا في ذلك ، والمحدّث الجليل الشيخ الحرّ في إثبات الهداة : ج ٧ ، وهكذا ذكر المحدّث النورى في دار السلام وجنّة المأوى والنجم الثاقب ، والفاضل الميثمي العراقي في دار السلام ، وغيرهم من المحدّثين والعلماء معجزات كثيرة تتجاوز عن حدّ التواتر قطعا ، وأسناد كثير منها في غاية الصحّة والمتانة ، رواها الزهّاد والاتقياء من العلماء ، هذا مع ما نرى في كلّ يوم وليلة من بركات وجوده وثمرات التوسّل والاستشفاع به ممّا جرّبناه مرارا ، جعلنا الله تعالى من أنصاره وشيعته ، والمجاهدين بين يديه ، بحقّ محمد وآله الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين.

٥٤٣

شبابهما وفي لحظة واحدة في جبال شميران ، في هذا اليوم اصيبت بنوبة ناقصة ، ومع كلّ ما بذله الأطبّاء في علاجها إلّا أنّه لم ينفع معها شيء ، وبقيت على هذا الحال إلى ليلة الجمعة في الثاني والعشرين من صفر ، يعني بعد أربعة أيّام من وقوع حادثة النوبة وذلك عند الساعة الحادية عشر تقريبا ، وقد ذهبت الى غرفتي للاستراحة ، وبعد تلاوة بعض الآيات من كلام الله وقراءة دعاء وجيز من أدعية ليالى الجمعة ، وبعدها ابتهلت الى الباري تعالى في أن يأذن لسيّدي ومولاي صاحب الزمان الحجّة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه المعصومين ليجيء لإغاثتنا ، وكان سبب توسّلي بهذا المولى العظيم وأنّي لم أطلب حاجتي من الباري تبارك وتعالى مباشرة ، هو أنّني قبل شهر تقريبا من يوم الحادثة كانت ابنتي الصغيرة فاطمة قد طلبت منّي أن أسرد لها قصص وحكايات الأشخاص الذين صاروا موردا لألطاف حضرة بقيّة الله ـ روحي وأرواح العالمين له الفداء ـ ومشمولين لحنان وإحسان هذا المولى ، وكنت قد لبّيت طلبها وقرأت لها كتاب «النجم الثاقب» للحاج النوري ، ولذا خطر في ذهني أنّه : لم لا أكون كبقية المئات من هؤلاء الأفراد ، وأتوسّل بالحجّة المنتظر الإمام الثاني عشر من الائمة المعصومين عليهم سلام الله الملك الأكبر؟ ولذا ـ وكما ذكرت قبل قليل ـ وفي حدود الساعة الحادية عشرة من الليل توسّلت بهذا المولى العظيم ، وبقلب ملأه الحزن ، وعين تفيض بالدمع ، فأخذني النوم ، وعند الساعة الرابعة بعد منتصف الليل وعلى المعتاد استيقظت وفجأة أحسست بصوت وهمهمة تصلني من الغرفة السفلى الّتي كانت مريضتنا راقدة فيها ، ثمّ ازداد هذا الصوت والهمهمة ، ثمّ سكت كلّ شيء وهدأ ، وفي الساعة الخامسة والنصف ـ التي كانت تلك الأيّام وقت أذان الصبح ـ نزلت الى الأسفل لأتوضّأ وفجأة رأيت ابنتي

٥٤٤

الكبيرة ـ والتي تكون عادة وفي مثل هذا الوقت نائمة ـ مستيقظة وفي نشاط وسرور كبير ، فما أن رأتني حتّى قالت : أبة ... البشارة ... البشارة ...! قلت : ما الخبر؟ وظننت أنّ أخي أو اختي قد جاء أحدهما من همدان ، قالت : بشارة ، لقد عوفيت والدتي ، قلت : من شفاها؟ قالت : إنّ والدتي في الساعة الرابعة بعد منتصف اللّيل أيقظتنا بصوت عال وفزع واضطراب ، ولما كانت ابنتها وأخوها الحاجّ مهدى وابن اختها المهندس غفّاري اللذان قد أقبلا أخيرا من طهران لأخذ المريضة إلى طهران للمعالجة وقد كانوا في الغرفة لمراقبة المريضة ، وإذا بهم فجأة سمعوا صياح ونداء المريضة وهي تقول : انهضوا وشيّعوا المولى ... انهضوا وشيّعوا المولى ... ، وكانت ترى إن انتظرت إلى أن يستيقظوا من نومهم كان الإمام قد ذهب ، ولأجل هذا قد طفرت من مقامها مع أنّها كانت غير قادرة على الحركة منذ أربعة أيّام وشايعت الإمام إلى باب الدار ، وكانت ابنتها التي كانت تمرّض والدتها قد استيقظت على أثر صياح امّها «شيّعوا المولى» وذهبت وراء والدتها الى باب الدار لتراها أين تذهب ، وأمّا المريضة فإنّها التفتت الى نفسها لكنّها لم تكن مصدّقة أنّها قد جاءت الى هذا المكان بنفسها ، فسألت من ابنتها زهراء : يا زهراء! هل أرى حلما أم أنا في يقظة؟ أجابت ابنتها : أمّاه لقد شفيت ... أين هو المولى الذي كنت تقولين : «شيّعوا المولى» ، فإنّنا لم نشاهد أحدا؟ فقالت الامّ : لقد كان سيّدا عظيما في زيّ أهل العلم وجليل القدر ، ولم يكن شابا ولا شيخا كبيرا ، جاء ووقف عند رأسي ، وقال : انهضي فقد شفاك الله ، قلت : لا أستطيع النهوض ، فقال بلحن أشدّ : انهضي فقد شفيت ، فنهضت لمهابة هذا العظيم ، فقال : لقد شفيت فلا تتناولي الدواء بعد ولا تبكي ، ولأنّه أراد الخروج من الغرفة فإنّني أيقظتكم كيما تشيّعونه ،

٥٤٥

ولكنّي رأيتكم قد أبطأتم فقمت من مكاني لاشيّع المولى بنفسي ، وبحمد الله تعالى وبعد هذه العناية التي شملتها فقد تحسّنت حالتها فورا ، وعينها اليمنى التي كانت لا تبصر بها الأشياء بوضوح على أثر السكتة قد تحسّنت بعد تلك الأيّام الأربعة التي لم يكن لها فيها رغبة إلى الطعام ، وفي تلك اللحظة قالت : إنّي جائعة ، آتوني بطعام ، فأعطيناها قدحا من حليب كان فى الدار ، فتناولته بكل شهيّة ، وعاد لون وجهها الى طبيعته ، وعلى أثر قول الإمام لها : لا تبكي ، ارتفع غمّها وحزنها من قلبها ، علما بأنّها كانت مبتلاة بمرض الرماتزم قبل خمس سنوات وقد شفيت بلطفه عليه‌السلام ، مع أنّ الأطبّاء عجزوا عن معالجتها.

ومن تمام القول أن نذكر أنّه في الأيّام الموسومة بالأيّام الفاطمية كنّا عقدنا مجلسا لأجل شكر هذه النعمة العظمى ، ثمّ إنّي قد شرحت قضية شفائها لجناب السيّد الطبيب دانشور ، والذي كان من الأطباء المعالجين لهذه السيّدة ، فقال الطبيب : إنّ هذا المرض الذي رأيته كان سكتة لا يمكن علاجها بالطرق العادية ، اللهمّ إلّا عن طريق الخوارق والمعاجز ، والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على محمد وآله المعصومين ، لا سيّما إمام العصر ، وناموس الدهر ، قطب دائرة الإمكان ، إمام ومولى الإنس والجان ، مالك الأرض والزمان ، ومن بيده رقاب العالمين ، الحجّة بن الحسن العسكري صلوات الله عليه وعلى آبائه المعصومين الى قيام يوم الدين.

ويدل عليه من هذا الباب الأحاديث ٨٩٢ ، ٨٩٥ ، ٨٩٧ ، ٨٩٨ ، ٨٩٩.

٥٤٦

الفصل الثاني

في من رآه في الغيبة الكبرى

وفيه ١٣ حديثا

٨٩١ ـ (١) ـ الأنوار النعمانية : قال (بعد ذكر ورع المقدّس الأردبيلي ـ قدس‌سره ـ وعلوّ رتبته في الزهد والتقوى وبعض كراماته) : حدّثني أوثق مشايخي علما وعملا : أنّ لهذا الرجل ـ وهو المولى الأردبيلي ـ تلميذا من أهل تفريش ، اسمه مير علّام [فيض الله ـ خ] ، وقد كان بمكان من الفضل والورع ، قال ذلك التلميذ : إنّه قد كانت له حجرة في المدرسة المحيطة بالقبّة الشريفة ، فاتفق أنّي فرغت من مطالعتي وقد مضى جانب كثير من الليل ، فخرجت من الحجرة أنظر في حوش

__________________

(١) ـ الأنوار النعمانية : ج ٢ ص ٣٠٣ ؛ البحار : ج ٥٢ ص ١٧٤ ـ ١٧٥ ب ٢٤.

أقول : المير فيض الله هو السيّد الماجد أمير فيض الله بن عبد القاهر الحسيني التفرشي ، قال في أمل الآمل : «كان فاضلا محدّثا جليلا ، له كتب ، منها : شرح المختلف ، وكتاب في الاصول ، أخبرنا بهما خال والدي الشيخ علي بن محمود العاملي عنه ، وكان قد قرأ عليه في النجف وأجازه ، وكان يصف فضله وعلمه وصلاحه وعبادته ، وقد ذكره السيّد المصطفى التفرشي في رجاله فقال عند ذكره : سيّدنا الطاهر ، كثير العلم ، عظيم الحلم ، متكلّم ، فقيه ، ثقة ، عين ، كان مولده في تفرش ، وتحصيله في مشهد الرضا ، واليوم من سكان قبّة جدّه بالمشهد المقدّس الغروي ـ على مشرّفه السلام ـ حسن الخلق ، سهل الخليقة ، ليّن العريكة ، كلّ صفات الصلحاء والعلماء والأتقياء مجتمعة فيه ، له كتب منها : حاشية على المختلف ، وشرح الاثني عشرية ، وروى عن محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني العاملي» انتهى ما في أمل الآمل. وذكر في الروضات أنّه كان من خواصّ تلامذة المقدس الأردبيلي ، والمطّلعين على أسارير أمره.

٥٤٧

الحضرة ، وكانت الليلة شديدة الظلام ، فرأيت رجلا مقبلا على الحضرة الشريفة ، فقلت : لعل هذا سارق ، جاء ليسرق شيئا من القناديل ، فنزلت وأتيت إلى قربه فرأيته وهو لا يراني ، فمضى إلى الباب ووقف ، فرأيت القفل قد سقط وفتح له الباب الثاني ، والثالث على هذا الحال ، فأشرف على القبر فسلّم ، وأتى من جانب القبر ردّ السلام ، فعرفت صوته ، فإذا هو يتكلم مع الإمام عليه‌السلام في مسألة علمية ، ثمّ خرج من البلد متوجّها الى مسجد الكوفة ، فخرجت خلفه وهو لا يراني ، فلمّا وصل الى محراب المسجد سمعته يتكلّم مع رجل آخر بتلك المسألة ، فرجع ورجعت خلفه ، فلمّا بلغ الى باب البلد أضاء الصبح ، فأعلنت نفسي له ، وقلت له : يا مولانا كنت معك من الأول إلى الآخر ، فأعلمني من كان الرجل الأوّل الذي كلّمته في القبّة ، ومن الرجل الآخر الذي كلّمك في مسجد الكوفة؟ فأخذ عليّ المواثيق أنّي لا اخبر أحدا بسرّه حتّى يموت ، فقال لي : يا ولدي! إنّ بعض المسائل تشتبه عليّ ، فربما خرجت في بعض الليل إلى قبر مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وكلّمته فى المسألة وسمعت الجواب ، وفي هذه الليلة أحالني على مولانا صاحب الزمان ، وقال لي : إنّ ولدنا المهدي هذه الليلة في مسجد الكوفة فامض إليه وسله عن هذه المسألة ، وكان ذلك الرجل هو المهدي عليه‌السلام.

٨٩٢ ـ (٢) ـ بحار الأنوار : ومنها : ما أخبرني به جماعة من أهل الغري ـ على مشرّفه السلام ـ أنّ رجلا من أهل قاشان أتى إلى الغري متوجّها الى بيت الله الحرام ، فاعتلّ علة شديدة حتّى يبست رجلاه ، ولم يقدر على المشي ، فخلّفه رفقاؤه وتركوه عند رجل من الصلحاء كان

__________________

(٢) ـ البحار : ج ٥٢ ص ١٧٦ ـ ١٧٧ ب ٢٤ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٧٠٨ ـ ٧٠٩ ب ٣٣ ح ١٦٣.

٥٤٨

يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدّسة وذهبوا الى الحجّ ، فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كلّ يوم ويذهب الى الصحاري للتنزّه ولطلب الدراري التي تؤخذ منها ، فقال له في بعض الأيّام : إنّي قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان ، فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت ، قال : فأجابني الى ذلك ، وحملني وذهب بي إلى مقام القائم صلوات الله عليه خارج النجف ، فأجلسني هناك وغسل قميصه في الحوض وطرحه على شجرة كانت هناك وذهب الى الصحراء ، وبقيت وحدي مغموما افكّر فيما يؤول إليه أمري ، فإذا بشاب صبيح الوجه ، أسمر اللّون ، دخل الصحن وسلّم عليّ وذهب الى بيت المقام ، وصلّى عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أر مثله قط ، فلمّا فرغ من الصلاة خرج وأتاني وسألني عن حالي ، فقلت له : ابتليت ببليّة ضقت بها ، لا يشفيني الله فأسلم منها ولا يذهب بي فأستريح ، فقال : لا تحزن سيعطيك الله كليهما ، وذهب ، فلمّا خرج رأيت القميص وقع على الأرض ، فقمت وأخذت القميص وغسلتها وطرحتها على الشجرة ، فتفكّرت في أمري ، وقلت : أنا كنت لا أقدر على القيام والحركة ، فكيف صرت هكذا؟ فنظرت الى نفسي فلم أجد شيئا ممّا كان بي ، فعلمت أنّه كان القائم صلوات الله عليه ، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحدا ، فندمت ندامة شديدة ، فلمّا أتاني صاحب الحجرة سألني عن حالي وتحيّر في أمري ، فأخبرته بما جرى ، فتحسّر على ما فات منه ومنّي ، ومشيت معه الى الحجرة.

قالوا : فكان هكذا سليما حتى أتى الحاجّ ورفقاؤه ، فلمّا رآهم وكان معهم قليلا مرض ومات ودفن في الصحن ، فظهر صحّة ما أخبره

٥٤٩

عليه‌السلام من وقوع الأمرين معا.

٨٩٣ ـ (٣) ـ جنّة المأوى : الحكاية التاسعة ما حدّثني به العالم العامل ، والعارف الكامل ، غوّاص غمرات الخوف والرجاء ، وسيّاح فيافي الزهد والتقى ، صاحبنا المفيد ، وصديقنا السديد ، الآغا علي رضا ابن العالم الجليل الحاجّ المولى محمّد النائيني ـ رحمهما‌الله تعالى ـ عن العالم البدل الورع التقيّ صاحب الكرامات ، والمقامات العاليات ، المولى زين العابدين ابن العالم الجليل المولى محمّد السلماسي ـ رحمه‌الله ـ تلميذ آية الله السيّد السند ، والعالم المسدّد ، فخر الشيعة ، وزينة الشريعة ، العلامة الطباطبائي السيّد محمّد مهدي المدعوّ ببحر العلوم ـ أعلى الله درجته ـ وكان المولى المزبور من خاصّته في السرّ والعلانية.

قال : كنت حاضرا في مجلس السيّد في المشهد الغرويّ إذ دخل عليه لزيارته المحقّق القمّي صاحب «القوانين» في السنة التي رجع من العجم الى العراق زائرا لقبور الأئمّة عليهم‌السلام ، وحاجّا لبيت الله الحرام ، فتفرّق من كان في المجلس وحضر للاستفادة منه ، وكانوا أزيد من مائة ، وبقي ثلاثة من أصحابه أرباب الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد ، فتوجّه المحقّق الأيّد إلى جناب السيّد وقال : إنّكم فزتم وحزتم مرتبة الولادة الروحانيّة والجسمانيّة ، وقرب المكان الظاهري والباطني ، فتصدّقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان ، وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان ، كي تنشرح به الصدور ، وتطمئنّ به القلوب ، فأجاب السيّد من غير تأمّل ، وقال : إنّى كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين

__________________

(٣) ـ جنّة المأوى (المطبوع مع البحار) : ج ٥٣ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٦.

٥٥٠

أو أقل ـ والترديد من الراوي ـ في المسجد الأعظم بالكوفة ، لأداء نافلة الليل ، عازما على الرجوع إلى النجف في أوّل الصبح ، لئلا يتعطّل أمر البحث والمذاكرة ـ وهكذا كان دأبه في سنين عديدة ـ فلمّا خرجت من المسجد القي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة ، فصرفت خيالي عنه ، خوفا من عدم الوصول الى البلد قبل الصبح فيفوت البحث في اليوم ، ولكن كان الشوق يزيد في كلّ آن ، ويميل القلب إلى ذلك المكان ، فبينا أقدّم رجلا وأؤخرّ اخرى ، إذا بريح فيها غبار كثير ، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق ، فكأنّها التوفيق الذي هو خير رفيق ، إلى أن ألقتني إلى باب المسجد ، فدخلت فإذا به خاليا عن العبّاد والزوّار ، إلّا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبّار ، بكلمات ترقّ القلوب القاسية ، وتسحّ الدموع من العيون الجامدة ، فطار بالي ، وتغيّر حالي ، ورجفت ركبتي ، وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي لم تسمعها اذني ، ولم ترها عيني ، ممّا وصلت إليه من الأدعية المأثورة ، وعرفت أنّ الناجي ينشئها في الحال ، لا أنّه ينشد ما أودعه في البال ، فوقفت في مكاني مستمعا متلذّذا الى أن فرغ من مناجاته ، فالتفت إليّ وصاح بلسان العجم : «مهدي بيا» أي : هلمّ يا مهديّ! فتقدّمت إليه بخطوات فوقفت ، فأمرني بالتقدّم ، فمشيت قليلا ثمّ وقفت ، فأمرني بالتقدّم ، وقال : إنّ الأدب في الامتثال ، فتقدّمت إليه بحيث تصل يدي إليه ، ويده الشريفة إليّ ، وتكلّم بكلمة.

قال المولى السلماسي ـ رحمه‌الله ـ : ولمّا بلغ كلام السيّد السند إلى هنا أضرب عنه صفحا ، وطوى عنه كشحا ، وشرح في الجواب عمّا سأله المحقّق المذكور قبل ذلك ، عن سرّ قلّة تصانيفه ، مع طول باعه في العلوم ،

٥٥١

فذكر له وجوها ، فعاد المحقّق القمّي فسأل عن هذا الكلام الخفيّ ، فأشار بيده شبه المنكر بأنّ هذا سرّ لا يذكر.

٨٩٤ ـ (٤) ـ جنّة المأوى : الحكاية الحادية عشرة : وبهذا السند عن المولى المذكور قال : صلّينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين عليهما‌السلام ، فلمّا أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة ، عرضته حالة فوقف هنيئة ثمّ قام ، ولما فرغنا تعجّبنا كلّنا ، ولم نفهم ما كان وجهه ، ولم يجترئ أحد منّا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل ، وأحضرت المائدة ، فأشار إليّ بعض السادة من أصحابنا أن أسأل منه ، فقلت : لا ، وأنت أقرب منّا ، فالتفت ـ رحمه‌الله ـ إليّ وقال : فيم تقاولون؟ قلت ـ وكنت أجسر الناس عليه ـ : إنّهم يريدون الكشف عمّا عرض لكم في حال الصلاة ، فقال : إنّ الحجّة عجّل الله تعالى فرجه ، دخل الروضة للسلام على أبيه عليه‌السلام فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور الى أن خرج منها.

٨٩٥ ـ (٥) ـ الخرائج والجرائح : ومنها : ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، قال : لمّا وصلت بغداد سنة تسع [سبع ـ خ] وثلاثين [وثلاثمائة] أردت الحجّ ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ، كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر ،

__________________

(٤) ـ جنّة المأوى (المطبوع مع البحار) : ج ٥٣ ص ٢٣٧.

(٥) ـ الخرائج والجرائح : ج ١ ص ٤٧٥ ـ ٤٧٨ ح ١٨ في معجزات صاحب الزمان عليه‌السلام ؛ البحار : ج ٥٢ ص ٥٨ ـ ٥٩ ب ١٨ ح ٤١ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٦٩٤ ـ ٦٩٥ ب ٣٣ ح ١١٩ ؛ فرج المهموم : ص ٢٥٤ و ٢٥٥ مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ وفيه : «الدمع» بدل «الزمع» وفيه أيضا : «فلمّا كانت سنة سبع وستين» ؛ كشف الغمة : ج ٢ ص ٥٠٢ في معجزات صاحب الزمان عليه‌السلام وفيه : «فلمّا كانت سنة سبع وستين ...».

٥٥٢

لأنّه يمضي في أثناء الكتب قصّة أخذه ، وأنّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان ، كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين عليه‌السلام في مكانه فاستقرّ ، فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي ، ولم يتهيأ لي ما قصدت له ، فاستنبت المعروف بابن هشام ، وأعطيته رقعة مختومة ، أسأل فيها عن مدّة عمري ، وهل تكون المنيّة في هذه العلّة أم لا؟ وقلت : همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه ، وإنّي أندبك لهذا ، قال : فقال المعروف بابن هشام : لمّا حصلت بمكّة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه ، وأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس ، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم ، فأقبل غلام أسمر اللّون ، حسن الوجه ، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام ، كأنّه لم يزل عنه ، وعلت لذلك الأصوات ، وانصرف خارجا من الباب ، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عنّي يمينا وشمالا ، حتى ظنّ بي الاختلاط في العقل والناس يفرجون لي ، وعيني لا تفارقه ، حتى انقطع عن الناس ، فكنت أسرع السير خلفه ، وهو يمشي على تؤدة ولا أدركه ، فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري ، وقف والتفت إليّ فقال : هات ما معك ، فناولته الرقعة ، فقال من غير أن ينظر فيها : قل له : لا خوف عليك في هذه العلّة ، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة ، قال : فوقع عليّ الزمع حتّى لم أطق حراكا ، وتركني وانصرف.

قال أبو القاسم : فأعلمني بهذه الجملة ، فلمّا كانت سنة تسع وستّين اعتلّ أبو القاسم ، فأخذ ينظر في أمره ، وتحصيل جهازه إلى قبره ، وكتب وصيّته ، واستعمل الجدّ في ذلك ، فقيل له : ما هذا الخوف ونرجو أن

٥٥٣

يتفضّل الله تعالى بالسلامة؟! فما عليك مخافة ، فقال : هذه السنة التي خوّفت فيها ، فمات في علّته.

٨٩٦ ـ (٦) ـ مهج الدعوات : [قال :] وكنت أنا بسرّمن رأى فسمعت سحرا دعاءه عليه‌السلام ، فحفظت منه عليه‌السلام من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات : وأبقهم ـ أو قال : وأحيهم ـ في عزّنا ملكنا وسلطاننا ودولتنا. وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

٨٩٧ ـ (٧) ـ دار السلام (المشتمل على ذكر من فاز بسلام الإمام عليه‌السلام) : أخرج في الحكاية التاسعة عشرة ما ترجمته بالعربية : نقل الفاضل المعاصر ميرزا محمّد التنكابني في «قصص العلماء» عن الفاضل اللاهيجي المولى صفر علي ، عن السيّد السند صاحب «المفاتيح» السيّد محمّد ابن صاحب «الرياض» ، نقلا عن خطّ آية الله العلامة في حاشية بعض كتبه أنّه خرج ذات ليلة لزيارة قبر مولانا أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام وهو على حمار له وبيده سوط يسوق به دابّته ، فعرض له في أثناء الطريق رجل في زيّ الأعراب ، فتصاحبا وهو يمشي بين يديه فافتتح باب المكالمة والمساءلة ، فعلم العلّامة من كلامه أنّه عالم خبير ، قليل المثل والنظير ، فاختبره بالمسائل المشكلة فرآه حلال المشكلات والمعضلات ، ومفتاح المغلقات ، فسأله عن المسائل التي استصعب عليه علمها فكشف الحجاب عن وجه جميعها ، إلى أن انتهى الكلام إلى مسألة أفتى فيها بخلاف ما عليه العلّامة فأنكره عليه قائلا : إنّ هذه

__________________

(٦) ـ مهج الدعوات : ص ٢٩٦.

(٧) ـ دار السلام : الحكاية ١٥ ؛ قصص العلماء للتنكابني : ص ٣٥٩.

٥٥٤

الفتوى خلاف الأصل والقاعدة ، ولا بدّ لنا في خلافهما من دليل وارد عليهما ، فقال العربي : الدليل عليه حديث ذكره الشيخ الطوسي في تهذيبه ، فقال العلّامة : إنّي لم أعهد بهذا الحديث في التهذيب ، ولم يذكره الشيخ وغيره ، فقال : ارجع إلى نسخة التهذيب التي عندك الآن وعدّ منها أوراقا كذا وسطورا كذا تجده ، فلمّا سمع منه العلامة ذلك ، ورأى أنّ هذا إخبار عن المغيبات تحيّر في أمره تحيّرا شديدا ، واندهش من معرفته ، وقال في نفسه : لعلّ هذا الرجل الذي يمشي بين يديّ منذ كذا وأنا في ركوبي هو الذي بوجوده تدور رحى الموجودات ، فبينما هو كذلك إذ وقع السوط من يده من شدّة التفكير والتحيّر ، وفي حال سقط من يده السوط صار في مقام الاستفهام والاستخبار ، فاستخبر منه أنّ في زمان الغيبة الكبرى هل يمكن التشرّف بلقاء سيّدنا ومولانا صاحب الزمان عليه‌السلام؟ فهوى الرجل وأخذ السوط من الأرض ووضعه في كفّ العلامة ، وقال : لم لا يمكن وكفّه في كفّك ، فطرح العلامة نفسه على قدميه واغمي عليه ، فلمّا أفاق لم يجد أحدا ، فاهتمّ بذلك وتكدّر ، ورجع إلى أهله وتصفّح عن نسخة تهذيبه ، فوجد الحديث كما أخبره الإمام عليه‌السلام في حاشية تلك النسخة ، فكتب بخطّه الشريف في ذلك الموضع : هذا الحديث أخبرني به سيّدي ومولاي في ورق كذا وسطر كذا.

ونقل الفاضل التنكابني عن المولى صفر علي عن السيّد المذكور ـ رحمه‌الله ـ أنّه قد رأى تلك النسخة بخط العلامة في حاشيته.

٨٩٨ ـ (٨) ـ دلائل الإمامة : حدّثني أبو الحسين محمد بن هارون بن

__________________

(٨) ـ دلائل الإمامة : ص ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ب معرفة من شاهد صاحب الزمان عليه‌السلام في

٥٥٥

موسى التلعكبري ، قال : حدّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب ، قال : تقلّدت عملا من أبي منصور بن الصالحان ، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري ، فطلبني وأخافني ، فمكثت مستترا خائفا ، ثمّ قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت على المبيت هناك للدعاء والمسألة ، وكانت ليلة ريح ومطر ، فسألت ابن جعفر القيّم أن يغلق الأبواب ، وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما اريده من الدعاء والمسألة ، وآمن من دخول إنسان ممّا لم آمنه وخفت من لقائي له ، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل ، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ، ومكثت أدعو

__________________

حال الغيبة وعرفة من أصحابنا ح ٥ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٧٠٢ ب ٣٣ ح ١٤٥ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ب ١٥ عجز الحديث ١٩ وليس فيه : «يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها» بعد قوله : «يا كريم الصفح» وفيه : «ثمّ قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة» ، وفيه : «وسألت أبا جعفر القيّم» ، وفيه : «إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره» ، وفيه : «ذؤابة ورداء» و «يا منتهى غاية رغبتاه» و «اكفياني فإنكما كافياي» بعد قوله : «يا محمّد يا علي ، يا علي يا محمّد» و «خرجت إلى أبي جعفر» و «فتأسّفت على ما فاتني».

فرج المهموم : ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ولم يذكر مثل البحار : «يا مبتدئا ...» بعد قوله : «يا كريم الصفح» ، وذكر : «يا غاية كلّ شكوى» ، وذكر : «يا ربّاه عشر مرّات ، يا منتهى غاية رغبتاه عشر مرّات» ، ولم يذكر : «يا سيّداه يا مولاه يا غايتاه» ، وذكر : «اكفياني فإنكما كافياي» ، وقال : «وتضع خدّك الأيسر وتقول : أدركني يا صاحب الزمان».

أقول : أبو منصور بن الصالحان كان من وزراء آل بويه ، يوجد بعض ترجمته في الكامل : ج ٩ ، واستوزره شرف الدولة في سنة ٣٧٤ ه‍ ، وأقرّه على وزارته بهاء الدولة في سنة ٣٧٩ ه‍ ، وقبض عليه في سنة ٣٨٠ ه‍ ، ثمّ استوزره وأبا نصر بن سابور سنة ٣٨٢ ه‍ ، واستعفى في سنة ٣٨٣ ه‍. وعلى هذا لا ريب في وقوع هذه القصّة في الغيبة الكبرى ، ويؤيد ذلك أنّ هارون بن موسى التلعكبري يكون في الطبقات من الطبقة العاشرة ، فابنه محمد بن هارون يكون من الطبقة الحادية عشرة ، ومن معاصري المفيد ـ عليه الرحمة ـ المتوفى سنة ٤١٣ ه‍.

٥٥٦

وأزور واصلّي ، فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأة عند مولانا موسى عليه‌السلام ، وإذا رجل يزور ، فسلّم على آدم واولي العزم ، ثمّ الأئمّة واحدا واحدا إلى أن انتهى الى صاحب الزمان ، فعجبت من ذلك ، وقلت : لعلّه نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل ، فلمّا فرغ من زيارته صلّى ركعتين ، وأقبل الى مولانا أبي جعفر فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام وصلّى ركعتين ، وأنا خائف منه إذ لم أعرفه ، ورأيته شابّا تامّا من الرجال ، عليه ثياب بيض وعمامة محنّك بها ذؤابة رديّ على كتفه مسبل ، فقال لي : يا أبا الحسين بن أبي البغل! أين أنت عن دعاء الفرج؟ فقلت : وما هو يا سيّدي؟ فقال : تصلّي ركعتين وتقول : «يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ، ولم يهتك الستر ، يا عظيم المنّ ، يا كريم الصفح ، يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ، يا منتهى كلّ نجوى ، ويا غاية كلّ شكوى ، يا عون كلّ مستعين ، يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ، يا ربّاه ـ عشر مرّات ، يا سيّداه ـ عشر مرّات ، يا مولاه ـ عشر مرّات ـ يا غايتاه ـ عشر مرّات ـ ، يا منتهى رغبتاه ـ عشر مرّات ـ أسألك بحقّ هذه الأسماء ، وبحقّ محمّد وآله الطاهرين إلّا ما كشفت كربي ، ونفّست همّي ، وفرّجت غمّي ، وأصلحت حالي» ، وتدعو بعد ذلك بما شئت وتسأل حاجتك ، ثم تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك : يا محمّد يا عليّ ، يا عليّ يا محمّد ، اكفياني وانصراني فإنكما ناصراي ، ولتضع خدّك الأيسر على الأرض وتقول مائة مرّة : أدركني ، وتكرّرها كثيرا وتقول : الغوث الغوث حتّى ينقطع نفسك ، وترفع رأسك ، فإنّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله تعالى ، فلما اشتغلت

٥٥٧

بالصلاة والدعاء خرج ، فلمّا فرغت خرجت لابن جعفر لأسأله عن الرجل وكيف قد دخل ، فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة ، فعجبت من ذلك ، وقلت : لعلّه باب هنا ولم أعلم ، فأنبهت ابن جعفر فخرج إلي من بيت الزيت ، فسألته عن الرجل ودخوله ، فقال : الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها ، فحدّثته بالحديث ، فقال : هذا مولانا صاحب الزمان وقد شاهدته مرارا في مثل هذه الليلة عند خلوها من الناس ، فتأسفت على ما فاتني منه ، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ الى الموضع الذي كنت مستترا فيه ، فما أضحى النهار إلّا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عني أصدقائي ، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطّه فيها كلّ جميل ، فحضرت مع ثقة من أصدقائى عنده ، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه ، وقال : انتهت بك الحال الى أن تشكوني إلى صاحب الزمان ، فقلت : قد كان منّي دعاء ومسألة ، فقال : ويحك ، رأيت البارحة مولاي صاحب الزمان في النوم ـ يعني ليلة الجمعة ـ وهو يأمرني بكلّ جميل ، ويجفو عليّ في ذلك جفوة خفتها ، فقلت : لا إله إلّا الله ، أشهد أنهم الحقّ ، ومنتهى الصدق ، رأيت البارحة مولانا في اليقظة ، وقال لي : كذا وكذا ، وشرحت ما رأيته في المشهد ، فعجب من ذلك ، وجرت منه امور عظام حسان في هذا المعنى ، وبلغت منه غاية ما لم أظنّه ببركة مولانا صاحب الزمان.

٨٩٩ ـ (٩) ـ الإمامة والمهدويّة : بسم الله الرحمن الرحيم ، إنّ سماحة الشيخ محمد الكوفي كان معروفا بالزهد والتقوى والصلاح عند

__________________

(٩) ـ امامت ومهدويّت (الإمامة والمهدويّة) : ج ٢ ص ١٦٨ ـ ١٧١. الراوي لهذه الحكاية هو العالم الجليل الصالح الورع الحجّة السيّد آغا امام السدهي ـ رحمة الله عليه ـ كتب الحكاية إجابة لطلبي منه ، وهو موجود عندي بخطه الشريف بالفارسية.

٥٥٨

خواصّ علماء وفضلاء النجف الأشرف ، وكان مداوما على الذهاب في ليالي وأيّام الجمع الى النجف الأشرف ، وكنت قد سمعت من بعض العلماء تشرّفه بلقاء مولانا وسيّدنا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ، وفي أحد أيّام الجمع ، وفي مدرسة الصدر في النجف الأشرف ، وفي حجرة أحد الأصدقاء الأفاضل تشرّفت بخدمته والحضور عنده ، فاستدعيته لأن يسرد لي قصّة تشرّفه بلقاء الإمام عجل الله فرجه لأسمعها من لسانه ، وأنا بدوري أذكر الآن ما يحضرني ممّا قاله لي ، قال : ذهبت مع والدي الى مكة المكرّمة ، ولم يكن في حوزتنا غير ناقة واحدة فقط ، وكان والدي راكبا عليها وأنا أمشي على قدميّ ، وكنت مواظبا على خدمته ، وعند عودتنا وصلنا الى السماوة ، فاكترينا بغلا من رجل سنّي كان في جملة أفراد يمتهنون نقل الجنائز بين السماوة والنجف ، لأنّ الجمل كان يبطئ في السير ، وكثيرا ما كان يبرك ولا يتحرك ، وبعد مشقة نقيمه ، فركب والدي على البغل وأنا ركبت الجمل ، وتحرّكنا من السماوة ، وفي أثناء الطريق كان الجمل يتأخر كثيرا في السير لأن الطريق كان مليئا بالأوحال والمستنقعات في أغلب مناطقه ، وكنت قد ابتليت بسوء خلق هذا الرجل السنّيّ المكاري ، وبقي الحال هكذا حتّى وصلنا الى بقعة كثيرة الوحل ، فبرك الجمل وامتنع عن النهوض ، وكلّما حاولنا حراكه لم يفد معه شيئا ، ولأجل محاولاتنا العديدة غير المجدية في إنهاضه تلطّخت ثيابنا بالوحل ، فعندها اضطرّ المكاري للتوقّف كيما نغسل ثيابنا بالماء الموجود في المنطقة ، أمّا أنا فقد ابتعدت عنهم قليلا لأخلع ثيابي وأغسلها ، وكنت قلقا للغاية ، وفي حيرة شديدة من أنّه الى ما سيؤول أمرنا وتنتهي عاقبتنا إليه ، ثمّ إنّ هذا الوادي كان محفوفا بالمخاطر بسبب قطّاع الطريق ، فاضطررت إلى التوسّل بولي

٥٥٩

العصر أرواحنا فداه ولكن لا من شيء ، فالصحراء خالية وعلى مدّ البصر ، وفجأة وعلى حين غرّة رأيت إلى قربي شابّا فيه شبه من السيد مهدي بن السيّد حسين الكربلائي [ولا أستحضر بالي أنّه قال : كانا شخصين أم فقط هذا الشخص ، وأيضا لا أتخطّر أنّه من الذي بدأ بالسلام منهما على الآخر] (١) ، فقلت : شي اسمك (أي : ما أسمك)؟ قال : سيّد مهدي ، قلت : ابن السيّد حسين؟ قال : لا ، ابن السيّد حسن ، قلت : من أين أقبلت؟ قال : من الخضير [وكان في هذه الصحراء مقام معروف بمقام الخضر عليه‌السلام ، لذا تصوّرت أنّه يعني جاء من ذلك المقام] ثمّ قال لي : لما ذا توقّفت في هذا المكان؟ فذكرت له تفاصيل القضيّة من بروك الجمل ، وشكوت إليه سوء حالي ، فتوجّه إلى صوب الجمل ، فما أن وضع يده على رأس الجمل إلّا ونهض على رجليه ، ورأيته عليه‌السلام يكلّم الجمل ويشير له بسبّابته يمينا ويسارا ، ويرشده الى الطريق ، وبعد ذلك أقبل إليّ وقال : هل عندك حاجة اخرى؟ قلت : عندي حوائج ، ولكنّي لا أستطيع في وضعي هذا واضطرابي وشدّة قلقي من ذكرها ، فعيّن لي موضعا آتيك فيه وأنا حاضر البال فأسألك عنها ، فقال : مسجد السهلة ، وفجأة غاب عن ناظري ، فجئت الى قرب والدي ، فقلت له : من أيّ جهة ذهب هذا الشخص الذي تكلّم معي؟ (كنت اريد أن أعرف أنّه هل رآه عليه‌السلام أم لا؟) قال : لم يجيء أحد إلى هنا ، ولم أنظر وعلى مدّ بصري في هذه البادية أحدا ، قلت : اركبوا لنذهب ، قال : ما ذا تفعل مع الجمل؟ قلت : اترك أمره لي ، فركبوا وأنا أيضا ركبت الجمل ، فنهض وجعل يسير بسرعة وتقدّم عليهم مسافة ، فناداني المكاري : إنّا لا نستطيع أن نلحق بك مع هذه السرعة ، والمقصود

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من كلام الراوي للقصّة عن الشيخ محمّد الكوفي.

٥٦٠