منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ١

لطف الله الصافي الگلپايگاني

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ١

المؤلف:

لطف الله الصافي الگلپايگاني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتب المؤلّف دام ظلّه
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

١
٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين وسيد المرسلين مولانا أبي القاسم محمد ، وآله الطاهرين ، صلى الله عليه وعلى الأئمة الاثني عشر خلفائه الهادين المهديّين.

لا ريب في أنّ ما عند المسلمين ـ بعد الكتاب المبين الذي هو الحبل المتين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ـ من السنّة النبوية والأحاديث الشريفة المسندة المأثورة عن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن عترته الطاهرة ، الذين هم أحد الثقلين اللذين أمرنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسك بهما ثروة علمية كبيرة وتراث ضخم جليل مملوء من المعارف الحقيقية والبرامج التربوية والتعاليم الأخلاقية والسياسية والاجتماعية ، واصول التقدم والرقي وحقوق الإنسان ، والحرية والمدنية ، وغيرها من التعاليم الصحيحة السليمة والقواعد الحكيمة والمناهج القيّمة القويمة ، التي لو تمسّكت البشرية بها ما سقطت في هاوية الفساد والظلم والاستكبار والاستعباد ، ولم تقهر ولم يستضعفها جبابرتها

٥

الأقوياء (١).

ولم يقع المسلمون فيما وقعوا فيه من الفساد الاجتماعي والتفرّق والتخالف والتخاصم وغلبة الأشرار وسلطة الكفّار والمعيشة الضنك ، إلا للإعراض عن هذه المناهج الحكيمة الالهية وجهل بعضهم بقوة هذه التعاليم الرشيدة البنّاءة ، وأخذهم بالبرامج الاستيرادية العلمانية الشرقية أو الغربية ، فلم يكن حالهم إلا كحال تاجر ، خزائنه مملوءة بالجواهر والأحجار الكريمة وهو غافل عنها ولا يعرف قيمتها ، ويشتري من غيره الرمال والأحجار عوضا عن الجواهر بقيمتها وبذهاب عزّه ومجده وحريته واستقلاله ، ولا يفتح خزائنه ليرى أنّ ما يوجد عنده من أنواع الجواهر لا يوجد في سوق من الأسواق ولا عند تاجر من التجّار.

نعم ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم من النار الا وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه» (٢).

إنّ الأحاديث الشريفة تتضمّن جميع ما يحتاج إليه الإنسان ، فيجب علينا الاهتمام بها ، بدراستها والتفقّه فيها في الكليات والجامعات وفي المحاضرات وجميع

__________________

(١) ـ ولنعم ما قاله البعض من غير المسلمين في قصيدته التي يمدح بها نبيّنا العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعظمته الفذّة المفردة في جميع جوانب العظمة والحياة الإنسانية الممتازة :

إنّي وإن اك قد كفرت بدينه

هل أكفرنّ بمحكم الآيات

إلى أن يقول :

وقواعد لو أنّهم عملوا بها

ما قيّدوا العمران بالعادات

من دونه الأبطال في كلّ الورى

من حاضر أو غائب او آت

(٢) ـ الكافي ، ج ٢ ، ص ٧٤ ، ك ٥ ، ب ٣٦ ، ح ٢.

٦

المناسبات ، وفي الصحف والمجلات والجرائد والإذاعات وغيرها. وأيم الله إنّي لا أظن بأحد درس هذه الأحاديث وما تحويه من العلوم والمعارف أن يعدل عنها الى غيرها ، اللهم إلا أن يكون في قلبه مرض.

وقد سعت السياسات التي لا ترى من مصلحتها عناية المسلمين بالأحاديث واهتمامهم بهذه الثروة العلمية والأنظمة الحكيمة لإخفائها وإبعادها عن واقع حياة المسلمين عقيدة وسياسة ونظاما وأخلاقا ، حتّى صار المسلمون سائلين بعد ما كانوا مسئولين وخادمين بعد ما كانوا مخدومين كما وصفهم بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنهم (يستخدمون ولا يستخدمون).

ففي البرهة الاولى من الزمان حدثت مصيبة المنع عن تدوين السنّة ، وحدثت إلى جانبها مصيبة الاسرائيليات وكان مثل كعب الأخبار بطلها الفذّ من خواص ذوي السلطة ومرجعهم في تفسير القرآن وقصص الأنبياء والإخبار عن الملاحم والمسائل المهمّة الأخرى.

هذا على رغم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رأى بعضهم مشغولا بقراءة كتاب من أهل الكتاب أو مطالعته قال : «لو كان موسى حيّا لما وسعه الا اتّباعي». (١) وعلى رغم وجود إمام مثل علي عليه‌السلام الذي هو باب مدينة العلم بنص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله فيه : «علي مع الحقّ والحقّ معه ولا يفارقه» ، وعلى رغم وجود عترته بينهم التي قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها وفي القرآن : «إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

وفي الفترة الثانية التي بدأت من عصر بني أميّة وتكاملت في عصر بني العباس سيّما المأمون جاءت السياسات الحاكمة المعارضة للقوانين الاسلامية التي

__________________

(١) ـ تفسير القرطبي : ج ١٣ ، ص ٣٥٥.

٧

لا تسمح لأرباب هذه السياسات بسياساتهم الاستضعافية في الحكم والإدارة والمال وما يتعلق بالمسلمين وبيت مالهم ، جاءت بالفلسفة اليونانية بما يوجد فيها من الآراء الإلحادية والمبادئ التي لا تتفق في النهاية مع رسالة الله تعالى وهداية الأنبياء في معرفة الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته الكمالية وأفعاله الحكيمة ، وإن أصرّ بعض المشتغلين بها على التوفيق بين المدرستين.

مدرسة الأنبياء ودعوتهم التوحيدية التي قررّها وبيّنها القرآن بأحسن التقرير وأكمل التبيين والتي يتفق الكل عليها وعلى اصولها القيّمة القويمة ، فلم يختلفوا حتى في أصل واحد. ومدرسة الفلاسفة الذين اختلفوا في اصولهم اختلافا كثيرا فلم يجمعوا في المبادئ الأولية على كلمة واحدة ولم يجعلوا أمام البشرية مسلكا مشخصا بمبادئه الفكرية والعملية ولم يهدوها الى حقّ اتفقوا عليه.

وقد اختلفت آراؤهم في المسائل المتعلقة بالمبدإ والمعاد حتى لعلك لم تجد اثنين منهم اتفقا على رأي واحد في جميع هذه المسائل ، فلكل منهم مسلك سلكه وطريق يذهب فيه اللهم إلا المتمسّكين منهم بحبل وحي الأنبياء والمعتمدين على هدايتهم وهداية الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ممن لم يغتروا بأقوال أصحاب الفلسفة ولم يخوضوا في مباحث لم يأذن الشرع الخوض فيها.

ومن سبر كتبهم واصطلاحاتهم يعرف أنّ منطق الفلاسفة ولغتهم غير لغة الأنبياء والمتشرّعين بشرائعهم.

فالله الذي هو خالق الكلّ يفعل ما يشاء ، ويبعث الرسل ويجازى العباد على أفعالهم ويرزقهم ، ويسمع دعاءهم ، ويستجيب لهم ، وهو موصوف بالصفات التي وصف هو تعالى نفسه بها ، ليس هو ما أسماه الفلاسفة بالعلة الاولى التي لا يصح اطلاق أسماء الله الحسنى عليها حقيقة مثل : الخالق والرازق والغفار والتواب ... الخ ،

٨

إلا بالتأويل والتسامح والتجوّز ، فليس في أسماء الله تعالى ما هو مرادف للعلة الاولى ولا ما مفهومه مفهومها أو مفهوم غيرها مما أطلقه الفلاسفة الذين عبّروا عن الله تعالى بالعلة الاولى.

كما يعلم أنّ مفهوم مثل الخالق والخالقية والمخلوقية ونحوها الذي يبين به الفرق بين الله وبين ما سواه ليس مفهوم العلة والعلية والمعلولية الذي يدور عندهم عليه تبيين ربط الحادث بالقديم ، على تفاصيل وبيانات مختلفة فلسفية مذكورة في كتب القوم.

وسواء أمكن التوفيق بين ما بنيت عليه دعوة الأنبياء والمعارف القرآنية والمأثورة عن أهل بيت الوحي والذين هم عدل الكتاب ، وما قرره حكماؤنا الإسلاميون الذين ثبتت استقامة طريقتهم واعتمادهم في مسالكهم على هداية الكتاب والسنّة أم لم يمكن فلا ريب أنّ المسلمين في دور طويل وقرون متمادية اشتغلوا بالبحث والجدل حول مسائل لا يمكن إدراكها والوصول الى حقيقتها ، ولم يكلّفهم الشرع البحث عنها ، ولم يستضيئوا فيها بأنوار القرآن وما في الأحاديث من العلوم والمعارف حق الاستنارة والاستضاءة.

ولو لا عناية جماعة من العلماء الأفذاذ ورجالات التفسير والحديث والمعارف ، والذين لم يتتلمذوا إلا في مكتب القرآن والحديث ولم يغترفوا إلا من بحار علوم أهل البيت عليهم‌السلام ولم يسألوا الا أهل الذكر ، ولم يأخذوا إلا من أولئك الذين علمهم من علم الله تعالى ، وعندهم ما نزل إلى الرسل وما نزل به الروح الامين الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاندرست آثار النبوة.

نعم ، هؤلاء الأعاظم هم تلامذة مدرسة الإسلام ومدرسة القرآن ومدرسة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإمام أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم‌السلام ، لهم علينا حقّ كبير عظيم ،

٩

فقد حفظوا الآثار والمعارف الإسلامية طول القرون والأعصار حتى وصلت إلينا وهي كيومها الأوّل وزمان بلاغها أقوم المعارف الحقيقة والإلهية وأتقنها.

هذا وفي زماننا ، ومن عهد قريب ، افتتن المسلمون بالفلسفة المادية العلمانية الحديثة ، ومال إليها طائفة من المفتونين بالتمدن المادي العلماني الغربي أو الإلحادي الشرقي ، فآمنت فئة بالأول وشرذمة بالثاني ، وكان وراء هذا الميل أيضا السياسات الاستكبارية الشرقية والغربية ، فزيّنت بلسان عملائها ما حصل لغير المسلمين من الرقيّ الصناعي والتقدم التكنيكي ، فظن بعضهم أنّ ذلك معلول لمبادئهم العلمانية ، فأخذوا في ترويج الحضارات المادية والمبادئ الماركسية وتشجيع الشباب على رفض الآداب الإسلامية ، وعمد عدد من الذين يعدّون أنفسهم من أهل الثقافة والتنوّر الفكري ، ومن الذين كل ثقافتهم وتنوّرهم ليست إلا الخضوع المفرط أمام المدينة المادية وتوهين المبادئ الفكرية الإسلامية ، عمدوا الى تفسير اصول الإسلام ومناهجه على الأصول المادية حتى الماركسية الملحدة.

وبالجملة فقد قلب هؤلاء المتسمّون بالمتنوّرين الامور في الإدارة والسياسة والاقتصاد والتربية والفنّ وغيرها ظهرا لبطن ، وكان بلاؤهم وفتنهم وما يروّجون من الضلالات باسم الثقافة بلاء عظيما.

الا أن الاسلام بأحكامه البناءة الالهية قام في كل عصر وزمان في وجه الضلالات بكل أساليبها ، وما زال يسجل انتصاراته في هذه المعارك الايديولوجية.

فكتابه العظيم كما كان في عصر نزوله يهدي للتي هي أقوم ، فكذلك هو في بعده وفي كل العصور والقرون الى قرننا الخامس عشر هذا ، وبعده الى آخر الدهر ... يهدي للتي هى أقوم ، فهو دين الهي ووحي سماوي ، جاء للبشرية كلها في كل عصورها الى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. دين جاء للبقاء والخلود ، لهداية

١٠

جميع الأمم ، وتحقيق العدل بينها ، فهو لا يرضى بتسلط أمة على أمة ولا بلد على بلد ، ولا قوم على قوم ، ولا ينظر مصلحة شعب دون شعب ...

جاء ليختم الحياة على الأرض باقامة دولة العدل الالهي على يد خاتم الأوصياء والحجج ، صلوات الله وسلامه عليه ، ليكون الدين كله لله رب العالمين ، وتكون الأمم كلها أمة واحدة ، لا فرق بين أبيضهم وأسودهم ، وأحمرهم وأصفرهم ... كلهم أمام الحق سواء.

وواجب المسلمين ـ سيما علماء اليوم ، وقد يئست البشرية من جميع المدارس والايديولوجيات المادية والأنظمة العلمانية ، واجبهم ـ عرض مبادئ الدين الحنيف الإلهية على البشرية الحائرة ، وبيان ما فيه من الطاقات القوية الجامعة الكافلة لجميع ما تحتاج إليه مقتصرا على ما بيّن في الكتاب والسنّة متعلّما عن القرآن والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الطاهرة عليهم‌السلام.

فيا أيّها المسلمون كونوا شاكرين لهذه النعمة العظمى ، ولا تكونوا عنها غافلين أو ـ والعياذ بالله ـ معرضين عنها أو كافرين (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (١) واتّقوا من الإلحاد في آيات الله ودينه ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢) فخوضوا في بحار هذه العلوم واستخرجوا ما فيها من الدرر الغالية ، وعليكم بالسير والسياحة في رياضها التي عرضها أعرض من السماء

__________________

(١) ـ الأنفال : ٢١ و ٢٢.

(٢) ـ فصّلت : ٤٠.

١١

والأرض ، فاقتطفوا من أزهارها الجميلة البهية وأثمارها الشهية الروحانية ، وخذوا من هذا التراث الإسلامي ما به حياة روحكم وإصابة نظركم وسلامة فكركم ونظام معاشكم ودينكم ودنياكم ولا تبتغوا له بدلا ، وكونوا من تلامذة مدرسة الحديث وخرّيجى مدرسة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومدرسة أهل بيته والأئمة الصادقين من عترته عليهم‌السلام. قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١).

أحاديث الخلفاء الاثنى عشر

من الأحاديث التي تطلب إلمام كل باحث بالنظر فيها ودراسة ما قصد منها ، بل مما يجب على كل مسلم أن يقف عندها ولا يتجاوزها حتى يدرك مغزاها ويعرف مؤدّاها ، الأحاديث المتواترة التي تنصّ على عدد الخلفاء والأئمّة ومن يملك أمر هذه الأمّة ، فإنّها لم تصدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمجرد الحكاية والإخبار بأمر من الأمور المستقبلة بل لأنّها أمر ديني تجب معرفته والعقيدة به فهى جمل إنشائية أمرية حكمية وان كان تركيبها جملا خبريه ، وهي نصوص على شخصيات ممتازة فذّة لا يوجد لهم مثيل وبديل في الأمّة وهم اثنا عشر ، لا يزاد عليهم أحد ولا ينقص منهم أحد.

ولا ريب أنّ مثل هذا جدير بالتأمّل والتحقيق والبحث عنه لفهم معناه ، لأنّ أحاديثه تقع في سلسلة الأحاديث المتواترة التي تنصّ على نظام الإدارة والحكم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى من يلي ولاية الامور ، وتبيّن أهمّ ما يدور عليه نظم الامور وبقاء

__________________

(١) ـ التوبة : ١١٩.

١٢

كيان الإسلام والدفاع عنه وإقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ الثغور وأمن البلاد وإجراء الأحكام ، ويستفاد منها أنّ الله تعالى ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يهملا هذا الأمر العظيم ، وأنّه ليس لأحد عليهما حجة في ذلك إذا لم يبحث عنها بحثا شافيا ولم يهتم بها اهتماما بليغا ، ولا يكون مبالغا من قال انّهم تركوا الخوض في هذه الأحاديث شرحا وتفسيرا لأنّه ينتهي إلى ما لا ترضاه الدولة وعلماؤها ولم يكن لغير هؤلاء العلماء الحرية في إبداء الرأي في مثل هذه المسائل ، وكان اقلّ عقوبة ذلك السجن الطويل والسوط الشديد ، ولذا وقعوا في الحيص والبيص في أمر هذه الأحاديث ، فلم يأت من قام بشرحها وتأويلها منهم بشيء ، واعترف بعضهم بالعجز عن فهمها ، فبقيت عند أكثر الأمّة غير معلومة المعنى وحرموا أنفسهم عن الاهتداء بها وليست هذه أوّل قارورة كسرت في الإسلام.

وها نحن نشرع ـ بحول الله وقوّته ـ في إخراج هذه الأحاديث على ترتيب ونظم يشرح بعضها بعضا ، ويقوى بعضها بالبعض حتّى لا تحتاج الى مزيد بيان في ذلك ، ومع هذا نأتي بشرح مناسب حولها أو حول ما قيل في تفسيرها إن شاء الله تعالى.

تنقسم هذه الأحاديث من جهة مضامينها إلى طوائف فينبغي التنبيه عليها :

فطائفة منها تنصّ على العدد فقط وحصر الخلفاء فيه ، مثل أحاديث ابن مسعود وأنس ، وطائفة من أحاديث جابر بن سمرة.

وطائفة منها تزيد على ذلك «كلّهم من قريش» مثل كثير من أحاديث جابر. ويوجد فيها : «كلّهم من بني هاشم» أخرجه القندوزي في ينابيع المودة ، والسيد علي بن شهاب في المودة القربى.

١٣

والثالثة : ما يدل على أنّهم «عدد نقباء بني إسرائيل وموسى وحواري عيسى».

والرابعة : وهي الشارحة والمبيّنة للطوائف الثلاث على طوائف :

بعضها يدل على أنّهم «من أهل البيت عليهم‌السلام».

وبعضها يدلّ على أنّ آخرهم المهديّ عليه‌السلام.

وبعضها يدلّ على أنّ أولهم علي عليه‌السلام وآخرهم المهديّ عليه‌السلام.

وبعضها يدلّ على أنّ التسعة منهم من ولد الحسين عليهم‌السلام «يعني أنّ أولهم علي وثانيهم وثالثهم سبطا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين ، والتسعة الباقية من ولد الحسين عليهم‌السلام».

وبعضها يدلّ على أنّ التاسع من هذه التسعة هو المهدي عليه‌السلام.

وطائفة كثيرة منها تصرّح بأسمائهم وأشخاصهم وأوصافهم.

ولا يخفى عليك أنّه ربّما يوجد في بعض أسناد هذه الأخبار الكثيرة علل تمنع من الاعتماد على تلك الرواية منها بعينها إلا أنّه لا اعتناء بذلك لأنّ الاسناد يقوى بعضها بالبعض مضافا إلى كفاية الخالص من العلل.

وها نحن نشرع في المقصود بعون الله الرءوف الودود.

ولا يخفى على القارئ العزيز.

أولا : أنّا لم نعمل في إخراج الأحاديث لاستقصائها ولذلك ربّما استغنينا بذكر بعضها عن البعض.

وثانيا : إن هذا الجزء هو الجزء الأوّل من كتابنا الكبير في أحاديث مولانا

١٤

المهدي المنتظر صاحب الزمان عليه‌السلام المسمّى بمنتخب الأثر أفردناه لفوائده الجمّة المستقلّة المختصّة به ودلالته على عظم أمر الخلافة وشأن الولاية والإمامة ، قال الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ). وقال تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

«المؤلف»

١٥
١٦

الباب الأوّل

الأحاديث الناصّة على الخلفاء الاثنى عشر بالعدد

وبأنّهم عدّة نقباء بني إسرائيل

وحواري عيسى

١٧
١٨

١ ـ (١) ـ مسند الطيالسي : حدثنا أبو داود قال : حدثنا حمّاد بن سلمة ، عن سماك قال : سمعت جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول : إنّ الإسلام لا يزال عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم؟ فقال : كلّهم من قريش.

__________________

(١) ـ مسند الطيالسي : ج ٣ ، ص ١٠٥ ، ح ٧٦٧ ، ط حيدرآباد دكن ، سنة ١٣٢١ ه‍ ؛ المعجم الكبير : ج ٢ ، ص ٢٥٨ ، ح ١٩٦٤.

أقول : ليس لهذه الأحاديث الناصّة على هذا العدد بملاحظة نصّها بخصوص ذلك مصداق غير الأئمّة الاثني عشر المشهورين من أهل البيت عليهم‌السلام فإنّه لم يتحقق هذا العدد في غيرهم.

قال بعض الأكابر في ذلك ما هذا مضمون كلامه : الدليل على أنّ المراد من الأخبار المعني بها الأئمّة الاثنا عشر عليهم‌السلام أنّه إذا ثبت بهذه الأخبار أنّ الإمامة محصورة في الاثني عشر إماما وأنّهم لا يزيدون ولا ينقصون ثبت مذهب القائلين بإمامتهم لأنّ الأمّة بين قائلين بإمامة هذا العدد وهم الإمامية الاثنا عشرية ، وبين من لا يعتبر هذا العدد. وأمّا القول باعتبار هذا العدد وأنّ المراد غيرهم فلم يقل به أحد ، وهو خروج عن الإجماع.

هذا مع أنها مفسّرة بهم في الأحاديث الكثيرة المتواترة المتضمّنة للنصّ على هذا العدد ، وعلى تعريفهم بأوصافهم ونسبهم وأسمائهم ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك كلّه.

١٩

٢ ـ (٢) ـ مسند الطيالسي : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو سلمة ، عن سماك بن حرب قال : سمعت جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يخطب وهو يقول : ألا إنّ الإسلام لا يزال عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال؟ قال : كلّهم من قريش.

٣ ـ (٣) ـ الفتن : حدثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر بن سمرة «رضي‌الله‌عنه» قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثنا (كذا) عشر خليفة كلّهم من قريش.

٤ ـ (٤) ـ مسند أحمد : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا هاشم ، ثنا زهير ، ثنا زياد بن خيثمة ، عن الاسود بن سعيد الهمداني ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول ، أو قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، فقالوا : ثم يكون ما ذا؟ قال : ثم يكون الهرج.

__________________

(٢) ـ مسند الطيالسي : ج ٦ ، ص ١٨٠ ، ح ١٢٧٨.

(٣) ـ الفتن : ج ١ ، ص ٣٩ ، ب ٧ ، عدّة ما يذكر من الخلفاء بعد رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في هذه الأمة ، ح ٢ ، الملاحم والفتن : ص ٣٢ ، ب ٢٩ عن نعيم ولفظه :

(اثني) ولا ريب أن ما في نسختنا من الفتن (اثنا) غلط صدر من بعض النسّاخ.

(٤) ـ مسند أحمد : ج ٥ ، ص ٩٢ ، كنز العمال : ج ١٢ ، ص ٣٣ ، ح ٣٣٨٦٠ ، عن الطبراني ولفظه : يكون من بعدي. إلّا أنّ الظاهر أنّه أخرجه عن ابن مسعود فراجع الملاحم لابن المنادي باب سياق المأثور سنيدا في الخلفاء ص ١١٢ ولفظه : ولما رجع الى منزله أتته قريش فقالوا له : ثم ما ذا يكون؟ غيبة الشيخ : ص ١٢٧ ، ح ٩٠ ولفظه : قال : فلمّا رجع الى منزله أتته قريش فقالوا : ثم يكون ما ذا؟ ، كفاية الأثر : ص ٥١ ، ب ٦ ، ح ٤ ولفظه : ثم يكون الهرج والمرج ، مقتضب الاثر : ص ٤ ، ح ٣ ، غيبة النعماني : ص ١٠٢ ، ب ٤ ، ح ٣١ ، وغيرها من الكتب الأخرى.

٢٠