منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

لطف الله الصافي الگلپايگاني

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

لطف الله الصافي الگلپايگاني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتب المؤلّف دام ظلّه
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

١
٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لا يخفى على كلّ من له إلمام بالتاريخ والآثار والأحاديث تواتر البشارات المرويّة عن النبيّ وآله صلّى الله عليه وعليهم وعن أصحابه في ظهور المهدي عليه‌السلام (١) في آخر الزمان ، وطلوع شمس وجوده لإزالة ظلمة الجهل ، ورفع الظلم والجور ، ونشر أعلام العدل ، وإعلاء كلمة الحقّ ، وإظهار الدين كلّه ولو كره المشركون. فهو بإذن الله تعالى يخلّص

__________________

(١) قال في النهاية : المهدي الّذي قد هداه الله الى الحقّ ، وقد استعمل في الأسماء حتّى صار كالأسماء الغالبة ، وبه سمّي المهديّ الّذي بشّر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يجيء في آخر الزمان. وفي لسان العرب : المهديّ الّذي قد هداه الله إلى الحقّ ، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة وبه سمّي المهديّ الّذي بشّر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يجيء في آخر الزمان.

وفي تاج العروس : والمهديّ الّذي قد هداه الله إلى الحقّ ، وقد استعمل في الأسماء حتّى صار كالأسماء الغالبة ، وبه سمّي المهديّ الّذي بشّر به أنّه يجيء في آخر الزمان.

جعلنا الله من أنصاره.

٥

العالم من ذلّ العبوديّة لغير الله ، ويلغي العادات والأخلاق الذميمة ، ويرفض القوانين الناقصة الّتي أحدثتها أفراد البشر حسب أهوائهم ، ويميت جميع ما يورث العداوة والبغضاء ويقطع أواصر التعصّبات ، التعصّب القوميّ والعنصري ، التعصّب الوطني ، وغير ذلك ممّا هو سبب لاختلاف الامّة وافتراق الكلمة ، واشتعال نيران الفتن والمنازعات.

وسيحقّق الله بظهوره وعده الّذي وعده في قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً). وقوله جلّ وعزّ : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) ، وسيأتي عصر ذهبيّ لا يبقى فيه على الأرض بيت إلّا أدخله الله كلمة الإسلام ، ولا تبقى قرية إلّا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله بكرة وعشيّا.

وهذا أمر ربّما لا يكون من يدّعي اتّفاق المسلمين فيه ، وإجماعهم عليه مجازفا ، كيف وقد ادّعى المهدويّة غير واحد في الصدر الأوّل وفي الأزمنة الّتي كان الناس فيها قريبي عهد بزمن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة والتابعين ، ولم نعهد أحدا من هؤلاء ردّ دعواهم بإنكار أصل هذه البشائر بل ناقشوهم في الخصوصيّات والصغريات.

وليس في المسائل النقليّة الّتي لا طريق لإثباتها إلّا السمع ما يكون الإيمان به أولى من الإيمان بظهور المهديّ عليه‌السلام لو لم نقل بكونه أولى من بعضها ؛ لأنّ البشارات الواردة فيه قد تجاوزت عن مرتبة التواتر ، مع أنّ الأحاديث المنقولة في كثير ممّا اعتقده المسلمون وغيرهم لم تبلغ تلك المرتبة ، بل ربّما لا توجد لبعض ذلك إلّا رواية واحدة ومع ذلك

٦

يعدّ عندهم من الأمور المسلّمة. فاذا كيف يصحّ للمسلم المؤمن بما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبر به أن يرتاب في ظهوره عليه‌السلام مع هذه الروايات الكثيرة؟!

ولا تخدش هذه الأخبار بضعف السند في بعضها وغرابة المضامين واستبعاد وقوعها في بعض آخر منها ، فإنّ ضعف السند في بعضها لا يضرّ بغيره ممّا هو في غاية الصحة والمتانة سندا ومتنا ، وإلّا يلزم رفع اليد عن جميع الأحاديث الصحيحة لمكان بعض الأخبار الضعيفة مع أنّ اشتهار مفادها بين كافّة المسلمين ، وكون أكثر مخرجيها من أئمّة الإسلام ، وأكابر العلماء ، وأساتذة فنّ الحديث موجب للقطع بمضمونها ، هذا ، مضافا إلى أنّ ضعف السند إنّما يكون قادحا إذا لم يكن الخبر متواترا ، وأمّا في المتواتر منه فليس ذلك شرطا في اعتباره.

وأمّا استبعاد وقوع ما ذكر فيها من الامور الغريبة فجوابه : أنّه ليس للاستبعاد والاستغراب قيمة في المسائل العلميّة سيّما النقليّة منها ، ولو فتح هذا الباب لزم ردّ كثير من العقائد الحقّة الثابتة بأخبار الأنبياء ممّا ليس للعلم به أو بخصوصيّاته طريق إلّا من الشرع ، مثل : بعض كيفيّات المعاد والصراط والميزان والجنّة والنار وغيرها ، وقد استبعد المشركون بشارات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بظهور دينه وغلبة كلمته في أوّل البعثة حيث كان الإسلام منحصرا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وخديجة عليهما‌السلام ، بل يعد ذلك عندهم من المحالات العاديّة ، ولذا قالوا : «يا أيّها الّذي نزّل عليه الذكر إنّك لمجنون» ؛ لإخباره عن امور كانت عندهم من الممتنعات بحسب العادة والأسباب الظاهرة ، ولكن لم تمض إلّا أيّام معدودة حتّى جعل الله كلمته هي العليا ، وكلمة الّذين كفروا السفلى ،

٧

ودانت له العرب ، وخضعت للإسلام والمسلمين أعناق جبابرة العرب والعجم ، هذا ، مع أنّه ليس في موضوع المهدي عليه‌السلام ما هو أغرب وأعجب من المعجزات المنقولة عن الأنبياء وسنن الله تعالى في الامم الماضية كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، ومعجزات إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء عليهم‌السلام وغيبتهم عن قومهم.

فإذن لا وجه للاستغراب والاستبعاد في هذه الأحاديث المتواترة الّتي بعض رواتها مكّي ، وبعضهم مدني ، وبعضهم كوفي ، وبعضهم بصري ، وبعضهم بغدادي ، وبعضهم رازي ، وبعضهم قمّي ، وبعضهم شيعي ، وبعضهم سنّي ، وبعضهم أشعري ، وبعضهم معتزلي ، وبعضهم كان في العصر الأوّل ، وبعضهم في غيره من الأعصار ؛ لامتناع اجتماع هؤلاء مع بعد مساكنهم ومواطنهم ، واختلاف أعصارهم وآرائهم ومذاهبهم في مجلس واحد ، واتّفاقهم على نقل هذه الأحاديث كذبا ، مع أنّ احتمال الكذب في كثير منها بالخصوص أيضا في غاية الضعف والفساد ؛ لكون رواته من المعروفين بالوثاقة ، ومن أعاظم العلماء ورجالات الدين والزهد والعبادة ، فلو تركنا الأخذ بها لما بقي مجال للاستناد إلى الأخبار المأثورة عن النبيّ وعترته عليهم‌السلام في جميع أبواب الفقه وغيره ، ولزم أن نرفع اليد عن التمسّك بالأخبار المعتبرة في امورنا الدنيويّة والدينيّة مع استقرار بناء العقلاء من المسلمين وغيرهم عليه. وهذا الاستبعاد هو عمدة ما اعتمد عليه المخالفون ، واعترضوا به على الشيعة من غير التفات الى ما يؤول إليه أمره ممّا لم يلتزم به أحد من المسلمين وغيرهم ، وسيجيء زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.

وقد صرّح بتواتر هذه الأخبار واشتهار ظهوره عليه‌السلام بين

٨

المسلمين واتّفاق العلماء عليه جماعة من أعلام أهل السنّة (١) ، كما قد

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ط مصر ج ٢ ص ٥٣٥) : قد وقع اتّفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أنّ الدنيا والتكليف لا ينقضي إلّا عليه. وقال بعضهم في حاشيته على صحيح الترمذيّ (ص ٤٦ ج ٢ ط دهلي سنة ١٣٤٢) : قال الشيخ عبد الحقّ في اللمعات : قد تظاهرت الأحاديث البالغة حدّ التواتر في كون المهديّ من أهل البيت من أولاد فاطمة. وقال الصبّان في إسعاف الراغبين (ب ٢ ص ١٤٠ ط مصر سنة ١٣١٢) : وقد تواترت الأخبار عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخروجه ، وأنّه من أهل بيته ، وأنّه يملأ الأرض عدلا. وقال الشبلنجي في نور الأبصار (ص ١٥٥ ط مصر سنة ١٣١٢) : تواترت الأخبار عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه من أهل بيته ، وأنّه يملأ الأرض عدلا. وقال ابن حجر في الصواعق (ص ٩٩ ط المطبعة الميمنية بمصر) : قال أبو الحسين الأبري : قد تواترت الأخبار ، واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بخروجه ، وأنّه من أهل بيته ، وأنّه يملك سبع سنين ، وأنّه يملأ الأرض عدلا ، وأنّه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجّال بباب لدّ بأرض فلسطين ، وأنّه يؤمّ هذه الأمّة ويصلّي عيسى خلفه. وقال السيّد أحمد بن السيّد زيني دحلان مفتي الشافعية في الفتوحات الإسلامية (ج ٢ ص ٢١١ ط مصر سنة ١٣٢٣) : والأحاديث الّتي جاء فيها ذكر ظهور المهديّ كثيرة متواترة فيها ما هو الصحيح ، وفيها ما هو حسن ، وفيها ما هو ضعيف وهو الأكثر ، لكنّها لكثرتها وكثرة مخرجيها يقوّي بعضها بعضا حتّى صارت تفيد القطع ، لكنّ المقطوع به أنّه لا بدّ من ظهوره ، وأنّه من ولد فاطمة ، وأنّه يملأ الأرض عدلا ، نبّه على ذلك العلامة السيّد محمّد بن رسول البرزنجي في آخر الإشاعة ، وأمّا تحديد ظهوره بسنة معينة فلا يصح ؛ لأن ذلك غيب لا يعلمه إلّا الله ولم يرد نصّ من الشارع بالتحديد. وقال السويدي في سبائك الذهب (ص ٧٨) : الذي اتفق عليه العلماء ان المهدي هو القائم في آخر الوقت ، وأنّه يملأ الأرض عدلا ، والأحاديث فيه وفي ظهوره كثيرة ليس هذا الموضع محلّ ذكرها ؛ لأنّ هذا الكتاب لا يتّسع لنقل مثل هذا. وقال ابن خلدون في المقدّمة (ص ٣٦٧) : اعلم أنّ المشهور بين الكافّة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار أنّه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين ، ويظهر العدل ، ويتّبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلاميّة ، ويسمّى بالمهدي. وقال الشيخ منصور علي ناصف في غاية المأمول (ج ٥ ص ٣٦٢ ، الباب السابع : في الخليفة المهدي رضي‌الله‌عنه) : اشتهر بين العلماء سلفا وخلفا أنّه في آخر الزمان لا بدّ من ظهور رجل من ـ

٩

أخرج هذه الأحاديث جماعة من أكابر أئمّتهم في الحديث : كأحمد ،

__________________

أهل البيت يسمّى المهديّ يستولي على الممالك الإسلاميّة ، ويتّبعه المسلمون ، ويعدل بينهم ، ويؤيّد الدين ، وبعده يظهر الدجّال ، وينزل عيسى عليه‌السلام فيقتله أو يتعاون عيسى مع المهديّ على قتله ، وقد روى أحاديث المهديّ جماعة من خيار الصحابة ، وخرّجها أكابر المحدّثين كأبي داود ، والترمذي وابن ماجة ، والطبراني ، وأبي يعلى ، والبزّار ، والإمام أحمد ، والحاكم رضي‌الله‌عنهم أجمعين ، ولقد أخطأ من ضعّف أحاديث المهديّ كلّها كابن خلدون وغيره ، وقال في (ج ٥ ص ٣٨١) : فائدة : اتّضح ممّا سبق أنّ المهديّ المنتظر من هذه الأمّة ، وأنّ الدجّال سيظهر في آخر الزمان ، وأنّ عيسى عليه‌السلام سينزل ويقتله ، وعلى هذا أهل السنّة سلفا وخلفا ، وقال في (ج ٥ ص ٣٨٢) : قال الحافظ في فتح الباري : تواترت الأخبار بأنّ المهديّ من هذه الأمّة وأنّ عيسى عليه‌السلام سينزل ويصلّي خلفه ، وقال الحافظ أيضا : الصحيح أنّ عيسى رفع الى السماء وهو حيّ ، وقال الشوكاني في رسالته المسمّاة بالتوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجّال والمسيح : وقد ورد في نزول عيسى تسعة وعشرون حديثا ، ثمّ سردها وقال بعد ذلك : وجميع ما سقناه بالغ حدّ التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطّلاع ، فتقرّر بجميع ما سقناه أنّ الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، والأحاديث الواردة في الدجّال متواترة ، والأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه‌السلام متواترة ، وهذا يكفي لمن كان عنده ذرّة من إيمان ، وقليل من إنصاف ، والله أعلى وأعلم ، (انتهى كلام غاية المأمول).

وقال الكنجيّ الشافعي في البيان (ب ١١) : تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر المهدي عليه‌السلام. وقال أحمد أمين في المهديّ والمهدويّة (ص ١٠٦) : وقد قرأت رسالة للاستاذ أحمد بن محمّد الصدّيق في الردّ على ابن خلدون سمّاها «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون» ، وقد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه على الأحاديث الواردة في المهديّ ، وأثبت صحّة الأحاديث ، وقال : إنّها بلغت حدّ التواتر ، ونقل أحاديث أخرى لم يذكرها ابن خلدون ، وكان من ردّه عليه : أنّ ابن خلدون قال : إنّه لم يخلص من هذه الأحاديث الّتي وردت في المهديّ إلّا القليل أو الأقلّ منه ، فسأله في صراحة ، وما ذا تصنع بذلك القليل ، هل لا يؤمن بالقليل إلّا إذا اشتهر أو تواتر؟! كلا لا يمكن ذلك ؛ لأنّه لا يرى هذا الرأي ، ولا رآه أحد قبله ولا بعده ، ثمّ نقده أيضا في أنّه احتجّ في مواضع أخرى من تاريخه بأحاديث افراد ليس لها إلّا مخرج واحد ، وفي ذلك المخرج مقال ، أتراه إذا ـ

١٠

وأبي داود ، وابن ماجة ، والترمذي ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، والبيهقي ، والماوردي ، والطبراني ، والسمعاني ، والروياني ، والعبدري ، والحافظ عبد العزيز العكبري في تفسيره ، وابن قتيبة في غريب الحديث ، وابن السري ، وابن عساكر ، والدارقطني في مسند سيّدة نساء العالمين

__________________

وافق الحديث هواه قبله ، ولو كان صحيحا؟؟ (إلى أن قال) : ثمّ قال : إنّه يؤمن بأحاديث المهديّ لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة والحسنة ، وإنّ ابن خلدون مبتدع ، والمبتدعة أقسام : منهم من كفر ببدعته كالمجسّم ومنكر علم الله في الجزئيات ، ومنهم من لا يكفر ببدعته وهو من ابتدع شيئا دون ذلك ، وربّما عدّ ابن خلدون من هذا القبيل ، وقد أطال في ذلك ، وخالف ابن خلدون في دعواه الكذب أو الضعف في كلّ من روى عنه ابن خلدون ، وروى عن جماعة من أهل العلم قالوا شعرا في المهدي يثبتون وجوده مثل :

وخبر المهديّ أيضا وردا

ذا كثرة في نقله فاعتضدا

ومثل قول السيوطيّ :

وما رواه عدد جمّ يجب

إحالة اجتماعهم على الكذب

وقد ردّ على ابن خلدون أيضا كما ذكره في المهديّ والمهدويّة (ص ١١٠) أبو الطيّب بن أحمد بن أبي الحسن الحسينيّ في رسالته الّتي سمّاها «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة» وعدّ أقواله زلّة له ، واستخلص أخيرا أنّ المهديّ يظهر في آخر الزمان ، وأنّ إنكار ذلك جرأة عظيمة وزلّة كبيرة.

ونقل القول بتواتر هذه الأحاديث في «كفاية الموحّدين» عن الشافعي ، وذكر في كتاب «البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان» (ب ١٣) فتاوى أربعة من علماء المذاهب الأربعة ، وهم : الشيخ ابن حجر الشافعي مؤلّف القول المختصر ، وأبو السرور أحمد بن ضياء الحنفي ، ومحمّد بن محمّد المالكي ، ويحيى بن محمّد الحنبلي في المهدي عليه‌السلام ، وقد تضمّنت فتاواهم صحّة القول بظهور المهديّ ، وأنّه قد وردت الأحاديث الصحيحة فيه وفي صفته وصفة خروجه ، وما يظهر من الفتن قبل ذلك كخروج السفياني والخسف وغيرها. وصرّح ابن حجر بتواترها ، وأنّه من أهل البيت ، ويملك الأرض شرقها وغربها ، ويملأها عدلا ، وأنّ عيسى يصلّي خلفه ، وأنّه يذبح السفياني ، ويخسف بجيشه الّذي يرسل به إلى المهديّ بالبيداء بين مكّة والمدينة.

١١

فاطمة الزهراء ، والكسائي في المبتدأ ، والبغوي ، وابن الأثير ، وابن الديبع الشيباني ، والحاكم في المستدرك ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ، والحافظ ابن مطيق ، والفرعاني ، والنميري ، والمناوي ، وابن شيرويه الديلمي ، وسبط ابن الجوزي ، والشارح المعتزلي ، وابن الصبّاغ المالكي ، والحموي ، وابن المغازلي الشافعي ، وموفّق بن أحمد الخوارزمي ، ومحبّ الدين الطبري ، والشبلنجي ، والصبان ، والشيخ منصور علي ناصف ، وغيرهم.

ولا يذهب عليك أنّ ظهور المهدي عليه‌السلام في آخر الزمان موضوع كثر في شأنه تصنيف الكتب ، وتحرير الرسائل والمقالات الجامعة من عصر الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام إلى العصر الحاضر فقلّما يوجد من علماء الإماميّة من لم يكن له كتاب خاصّ أو مقالة وكلمة خاصّة في هذا الموضوع ، وفي مراجعة بعضها غنى وكفاية لطلاب الحقيقة ، هذا مضافا إلى ما صنّفه في ذلك بعض العلماء من أهل السنّة ، كالحافظ أبي نعيم الأصبهاني صاحب كتاب «صفة المهديّ» و «مناقب المهديّ» ، والكنجي الشافعي صاحب «البيان في أخبار صاحب الزمان» ، وملا عليّ المتّقي صاحب «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان» ، وعبّاد بن يعقوب الرواجني صاحب كتاب «أخبار المهدي» ، والسيوطي صاحب «العرف الوردي في أخبار المهديّ» ، وابن حجر صاحب «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر» ، والشيخ جمال الدين يوسف بن يحيى الدمشقي صاحب «عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر» ، وغيرهم ، وأفرد في ترجمته أيضا على ما في السيرة الحلبيّة بعضهم كتابا حافلا سمّاه : «الفواصم عن الفتن القواصم».

١٢

وإنّما الباعث لتقديم هذا الكتاب إلى القرّاء الكرام إيضاح بطلان دعوى من ادّعى المهدويّة والإمامة في عصر الغيبة ، وخصوصا الأزمنة الأخيرة ، وهذه فائدة يكون المسلمون في حاجة عظيمة إليها في عصرنا ، فإنّ أعداءنا لا يزالون يتمسّكون بأيّة وسيلة حصلت لهم في تشتيت كلمة المسلمين ، وايقاد نار الاختلاف والخصومات بينهم حتّى يسهل عليهم طريق الاستعمار والاستعباد ، والتغلّب على البلاد والعباد ، ولعمر الحقّ لم يذلّ المسلمين إلّا اختلافهم وتخاصمهم ، ولم يغلب أصحاب الباطل والكفر على أنصار الحقّ والإسلام إلّا لما وقع بينهم من المنازعات والمنابذات.

وممّا تعتبره تلك الأيدي الأثيمة ، والأهواء الفاسدة سببا لتشتّت كلمة المسلمين ، واشتغالهم بالمجادلات الداخليّة عوضا عن المدافعات الخارجيّة هو مسألة المهديّ أرواحنا فداه (١) ، فقد بعث لهذه الأغراض في

__________________

(١) نشر الدكتور أحمد أمين المصري رسالة أسماها «المهديّ والمهدوية» ، وردّ بزعمه أحاديث المهديّ ، واعتمد في ردّه على وجوه سقيمة ، أحدها : ضعف الأحاديث الواردة فيه ، وقد قرأت الجواب عنه ، وثانيها : مخالفة متونها لحكم العقل ، وجوابه :

أنّا لا نرى في ظهور مصلح في آخر الزمان من أهل البيت من ولد فاطمة صاحب الصفات والعلامات المذكورة في هذا الكتاب لتأييد الدين ، وتكميل النفوس ، وتطهير الأرض من الشرك والظلم وتخليصها من أيدي الجبابرة والظلمة مخالفة لحكم العقل ، ولو وجد في بعض أحاديثه ما يستبعد عادة وقوعه فليس مضرّا بغيره من الأخبار الكثيرة مع أنّ الاستبعاد لا يوجب رفع اليد عن هذا البعض أيضا كما أوضحناه في المتن ، وثالثها : وهو عمدة ما يدور كلامه حوله في رسالته أنّ لفكرة المهديّ والمهدويّة في الإسلام تاريخا طويلا محزنا ؛ لكثرة الثورات والحركات باسم المهديّ ، وما نال البلاد الإسلاميّة من الضعف الّذي سبّبته هذه الثورات ، وذكر تأييدا لنظريته بعض الحوادث المتّصلة بزعمه بفكرة المهدويّة تنبئ عن عدم اطّلاعه وتدرّبه في هذا الفن ، وعدم بصيرته بمعرفة الفرق ، ومبادئها وإحصائيّاتها إن لم نقل بأنّه ما كتب هذه الرسالة

١٣

بعض الأقطار ـ كإيران والهند وإفريقية ـ لا دعاء المهدويّة بعض من

__________________

لاستنتاج نتيجة تاريخية بل كتبها إمّا لتفريق كلمة المسلمين ومنعهم عن الاعتصام بالوحدة الإسلاميّة وحبل الله المتين ، وإمّا تأييدا لبعض الفرق الضالّة والآراء الخبيثة الّتي أوجدتها أيدي الاستعمار الجانية في البلاد الإسلاميّة ؛ لأنّه ذكر فيها امورا لا تخفى بطلانها على من يقرأ الصحف والمجلات وتواريخ الفرق السياسيّة ، ولا يكفي في دفع ذلك اعتذاره بقلّة المصادر فإنّه لم يكلّف بتحرير مثل هذه الرسالة حتى يعتذر عمّا وقع فيها من الخلط والاشتباه ومتابعة هواه ، بل كان الواجب عليه ترك ذلك ، وأن يدعه لأهله (إذا لم تستطع شيئا فدعه) ، لكنّ أحمد أمين لم يلتفت إلى ذلك ، كما أنّه لا يهمّه تشويه منظرة الدين وإيقاع الأمّة الإسلاميّة في الشبه والشكوك ولعلّه ومن يحذو حذوه يرى من الثقافة إنكار الحقائق وردّ الأحاديث أو عطفها على ما يهوى.

ومهما كان الأمر فالجواب عمّا أسّس عليه نظريته : أنّه إذا كان ما ذكر هو الميزان لتميّز الحقّ والباطل فيلزم عليه إنكار جميع الحقائق الثابتة المسلّمة الّتي لا سبيل له الى إنكارها ، أفيرى أحمد أمين إنكار النبوّات لما وقع من الثورات باسم الأنبياء أضعاف ما وقع باسم المهديّ؟ أو ينكر (العياذ بالله) وجود الإله تبارك وتعالى لأنّ كثيرا من الناس اتّخذوا من دونه أندادا واستعبدوا عباد الله؟ أو ينكر حقيقة العدل وحسن الإصلاح لأنّ أكثر الناهضين بالثورات والدعايات إنّما شرعوا دعواهم باسم العدل والإصلاح ، مع أنّهم لم يقوموا إلّا لإثارة الشرّ وإلقاء الفساد ولم تبعثهم إلى ذلك إلّا المطامع والأهواء؟

وواقع الأمر أنّ سبب نجاح أرباب هذه الثورات في الجملة عدم اهتداء الناس ـ كأحمد أمين ـ إلى معنى المهديّ ، وجهلهم بما ذكر له في الأحاديث من الآيات والعلامات ، هذا ، وقد جاء بعضهم بوجه أوهن من بيت العنكبوت لردّ هذه الأحاديث ، وهو أنّ فكرة المهدويّة تورث القنوط والقعود عن العمل ، وتمنع عن السير نحو التقدّم والترقّي! وليت شعري ما يدعو هؤلاء إلى التعصّب والعدول عن الواقع حتّى حاولوا ردّ قول نبيّهم ، وتخطئة أئمّتهم في الحديث وفي التاريخ وفي سائر العلوم الإسلامية بهذه الوجوه الضعيفة ، بل الاعتقاد بظهور المهديّ كما سيأتي إن شاء الله تفصيله يقوّي النشاط ، ويوجب صفاء القلوب ، ويؤيّد رغبة الناس إلى تهذيب الأخلاق وكسب الفضائل والعلوم والكمالات ، وتزكية النفوس من الرذائل والصفات الذميمة ، ويلهب شعور الأمّة نحو المسئولية الحقيقيّة.

١٤

السفلة ، وطالبي الرئاسة ، والمعروفين بسوء الأخلاق ونقصان المشاعر والمدارك ودناءة المرتبة ، وغفلوا أو تغافلوا عمّا في هذه الأخبار من الصفات والسمات والعلامات والآثار والآيات والنسب الشريف والحسب الرفيع ممّا لم يمكن تحقّقه عادة إلّا في شخص واحد ، وهو الإمام الثاني عشر أبو القاسم الحجّة ابن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري بن أبي الحسن عليّ الهادي بن أبي جعفر محمّد الجواد بن أبي الحسن علي الرضا بن أبي الحسن موسى الكاظم بن أبي عبد الله جعفر الصادق بن أبي جعفر محمّد الباقر بن أبي الحسن عليّ زين العابدين بن أبي عبد الله الحسين سيّد الشهداء بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وهو الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، ويفتح مشارق الأرض ومغاربها ، ويجعل الإسلام دينا عالميّا حتّى لا يبقى في الأرض أحد يعبد غير الله ، ولا تبقى قرية إلّا نودي فيها شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، وهو الّذي ينادي جبرئيل عند ظهوره باسمه واسم أبيه من السماء فيسمع من في المشرق والمغرب ، وهو صاحب الصفات والعلامات الّتي سنذكر إن شاء الله نبذة منها ، ولا تنطبق على غيره كائنا من كان فضلا عن المسكين الّذي اخذ وسجن وبقي في السجن حتّى صلب ، ولم يتم له أمر ، ولم يملك أمر نفسه فضلا عن أمر غيره ، ولكن مع وضوح ذلك ربّما يتوهّم بعض الغافلين مبنى لتلك الدعاوي الباطلة ؛ لعدم عثوره على ما ورد في المهدي عليه‌السلام من الآيات والأحاديث ، وفي أنّه هو الشخص الخاصّ المعيّن الّذي لا يشتبه على أحد بنسبه وحسبه وصفاته ، فجمعنا طائفة من هذه الأخبار واستخرجناها من الكتب المعتبرة عند الخاصّة والعامّة بحيث لا يبقى مجال

١٥

للشبهات ، وهذه فائدة جليلة عظيمة.

وهنا فوائد اخرى لجمع هذه الأخبار على هذا الترتيب والتفصيل لا بأس بالتنبيه على بعضها :

منها : أنّ اعتقاد الشيعي في عصر الغيبة بوجود المهديّ عليه‌السلام ، وظهوره في آخر الزمان ليس مانعا من اجتماع كلمة المسلمين ، ورفض الاختلافات المضرّة بمجدهم وشوكتهم ، فإنّ هذه عقيدة محضة خالصة نشأت عن هذه البشائر ، وليست مخالفة لما بني عليه الإسلام أو دلّ عليه صريح أو ظاهر من الكتاب أو السنّة القطعيّة ، بل عقيدة انبعثت عن الاعتقاد بصدق النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب هذه البشائر ، فيجب أن يعامل السنّي في هذه المسألة معاملته مع غيرها من المسائل الّتي اختلفت فيها أنظار علمائهم ، ويتحرّى الحقيقة فيها كما يتحرّى في غيرها.

ومنها : ترك التكرار ، فإنّي بعد ما تصفّحت ما وقع بيدي من الكتب المصنّفة في هذا الموضوع قديما وحديثا لم أجده خاليا عن التكرار ؛ لأنّ كثيرا من الأحاديث لم يتكفّل بيان مطلب خاصّ حتّى يستغنى بنقله في باب عن ذكره في سائر الأبواب بل اشتمل على جهات وفوائد توجب ذكره في عدّة من الأبواب ، وهذا هو السبب لوقوع التكرار في كتب حديث الفريقين تارة ، وتقطيع الأخبار تارة اخرى ، فاحترزت عنها بالإشارة إلى الأحاديث المذكورة في سائر الأبواب مع ذكر مواضعها وعددها في خاتمة كلّ باب.

ومنها : معرفة تواتر عناوين كثير من الأبواب.

هذا ، وقد ذكرنا في الجزء الأوّل بعض الأخبار الواردة في الأئمّة

١٦

الاثني عشر عليهم‌السلام ؛ لكمال دخلها فيما نحن بصدده ، والآن نشرع فيما ورد في المهدي عليه‌السلام وفي صفاته وحالاته من طرق الفريقين إن شاء الله تعالى ، ولمّا كان استقصاء الأخبار المأثورة في ذلك فوق حدّ الوسع والمجال ، ولا يحصل إلّا لأوحديّ من جهابذة فنّ الحديث وأكابر العلماء اقتصرنا بنقل ما يوضّح الحقّ في ذلك الباب ، ويحصل به الغرض الّذي لأجله دوّن هذا الكتاب ، وعلى من يطلب المزيد الرجوع إلى تصنيفات الأصحاب.

كانت هذه المقدّمة للكتاب في طبعته الأولى قبل أكثر من أربعين سنة ، وقد توفّقنا ـ والحمد لله ـ في هذه الطبعة الجديدة إلى تأليف مجلّد كامل في أحاديث الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، وجعلناه المجلّد الأوّل ، وقمنا بتنقيح الكتاب القديم حتّى جاء كأنّه كتاب جديد وجعلناه المجلّدين الثاني والثالث ورتّبنا المجلدات الثلاث على أحد عشر بابا وأربعة وتسعين فصلا ، كما توفّقنا لإضافة بحوث روائيّة حول موضوعات ترتبط بالإمام المهدي عليه‌السلام ، وجعلناها آخر المجلّد الثالث.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما يوجب رضوانه ، ويعيذنا عن التعصّب والاعتساف ، ويهدينا إلى سبيل الحقّ والإنصاف ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وذخيرة ليوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

«المؤلّف»

١٧
١٨

الباب الثالث

فيما يدلّ على ظهور المهديّ

وأسمائه وأوصافه وخصائصه وشمائله

والبشارة به عليه‌السلام

وفيه ٥١ فصلا

١٩

الفصل الأوّل

في ذكر بعض الآيات المبشّرة بظهوره عليه‌السلام

أو المؤوّلة ببعض ما هو من علائم ظهوره ،

وما يقع قبل ذلك وحينه وبعده

وهذا إمّا بحسب الروايات المأثورة في التفسير ، أو أقوال المفسّرين جريا وتطبيقا عليه ، فلا ينافي تطبيقها على غيره من الموارد.

نعم بعض هذه الآيات بحسب ظاهرها أو ما ورد في تفسيرها مختصّة به ، كما سيظهر لك فيما نذكر منها ، وعدد ما نذكر في هذا الباب من الآيات ، أو نشير إليه ممّا ذكر تفسيره في سائر الأبواب ٢٨ آية ، ومن الروايات الواردة في تفسيرها كذلك ٨٢ حديثا.

ولا يخفى عليك أنّ الآيات المؤوّلة بظهوره عليه‌السلام كثيرة جدّا تتجاوز على ما أحصاه بعضهم عن المائة والثلاثين ، وألّف بعضهم في ذلك كتابا مفردا ، ونحن ذاكرون ـ إن شاء الله تعالى ـ نموذجا لا استقصاء ، فنقول :

منها : قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١).

__________________

(١) البقرة : ٣.

٢٠