منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

لطف الله الصافي الگلپايگاني

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

لطف الله الصافي الگلپايگاني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتب المؤلّف دام ظلّه
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

٧٩٧ ـ (١٢) ـ كمال الدين : حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثني أبو علي الخيزراني ، عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد عليه‌السلام ، فلمّا أغار جعفر الكذّاب على الدار جاءته فارّة من جعفر فتزوّج بها ، قال أبو علي : فحدّثتني أنّها حضرت ولادة السيّد عليه‌السلام ، وأنّ اسم أمّ السيّد : صقيل ، وأنّ أبا محمّد عليه‌السلام حدّثها بما يجري على عياله ، فسألته أن يدعو الله عزوجل لها أن يجعل منيّتها قبله ، فماتت في حياة أبي محمّد عليه‌السلام ، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه : هذا قبر أمّ محمّد.

قال أبو علي : وسمعت هذه الجارية تذكر أنّه لمّا ولد السيّد عليه‌السلام رأت له نورا ساطعا قد ظهر منه وبلغ افق السماء ، ورأيت طيورا بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ، ثمّ تطير ، فأخبرنا أبا محمّد عليه‌السلام بذلك ، فضحك ثمّ قال : تلك ملائكة نزلت للتبرّك بهذا المولود ، وهي أنصاره إذا خرج.

٧٩٨ ـ (١٣) ـ كمال الدين : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الكرخي ، قال : حدّثنا عبد الله بن العبّاس العلوي ، قال : حدّثنا أبو الفضل الحسن بن الحسين العلوي ، قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي عليهما‌السلام بسرّ من

__________________

(١٢) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤٣١ ح ٧ ب ٤٢ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٥ ب ١ ح ١٠ ؛ تبصرة الولي : ص ٤٥ ـ ٤٦ ح ١٢.

أقول : كون موتها عليها‌السلام قبل وفاة الإمام أبي محمّد عليه‌السلام ـ كما في هذا الخبر ـ مخالف لغيره من الأخبار ، مثل الخبر ٨٠٤ وسيأتي تمام الكلام هناك.

(١٣) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤٣٤ ب ٤٣ ح ١ ؛ غيبة الشيخ : ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ح ١٩٥ ؛ البحار : ج ٥١ ص ١٧ ب ١ ح ٢٤ ؛ إثبات الهداة : ص ٥٠٦ ب ٣٢ ح ٣١٢.

٤٠١

رأى ، فهنأته بولادة ابنه القائم عليه‌السلام.

٧٩٩ ـ (١٤) ـ كمال الدين : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدّثني عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدّثني محمّد بن إبراهيم الكوفي أنّ أبا محمّد عليه‌السلام بعث إلى بعض من سمّاه لي بشاة مذبوحة ، وقال : هذه من عقيقة ابني محمّد [عليه الصلاة والسلام].

٨٠٠ ـ (١٥) ـ كمال الدين : حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا الحسين بن علي النيسابوري ، قال : حدّثنا الحسن بن المنذر ، عن حمزة بن أبي الفتح ، قال : جاءني يوما فقال لي : البشارة ، ولد البارحة مولود لأبي محمّد عليه‌السلام وأمر بكتمانه ، وأمر أن يعقّ عنه ثلاثمائة شاة ، قلت : وما اسمه؟ قال : يسمّى بمحمّد ، وكنّي بجعفر.

٨٠١ ـ (١٦) ـ كمال الدين : حدّثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن

__________________

(١٤) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤٣٢ ب ٤٢ ح ١٠ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٤٨٤ ب ٣٢ ف ٥ ح ١٩٨ ؛ البحار : ج ٥١ ص ١٥ ب ٥ ح ١٧.

(١٥) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ١٠٦ ب ٤٥ ح ١١ ط الاسلامية ، وج ٢ ص ٤٣٢ ب ٤٢ ح ١١ ، ط مكتبة الصدوق ، إلّا أنّه سقط منه قوله : «وأمر أن يعقّ عنه ثلاثمائة شاة».

أقول : لعلّ المراد من قوله : «وكنّي بجعفر» في هذا الحديث ، وفي الحديث الخامس من الباب الثلاثين من كمال الدين ج ١ ص ٣١٨ «المكنّى بعمّه» هو عمّه وعمّ آبائه إلى الإمامين السيّدين الحسن والحسين عليهم‌السلام جعفر الطيّار الشهيد ؛ إحياء لاسمه ، وتقديرا لجلالة مقامه ، دون عمّه الأدنى جعفر بن عليّ بن محمّد ، وفي خبر عقيد الخادم المروي أيضا في كمال الدين ج ٢ ص ٤٧٤ ب ٤٣ ح ٢٥ : «ويكنّى أبو القاسم ، ويقال : أبو جعفر».

البحار : ج ٥١ ص ١٥ ب ٥ ح ١٨ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٤٨٤ ب ٣٢ ح ١٩٩ وليس فيهما «وأمر أن ...».

(١٦) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤٣٣ و ٤٣٤ ب ٤٢ ح ١٦ ؛ البحار : ج ٥١ ص ١٦ ب ٥ ح ٢١ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٤٨٤ ب ٣٢ ف ٥ ح ٢٠٢.

٤٠٢

عبد الله بن مهران الآبي الأزدي العروضي بمرو ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي ، قال : لمّا ولد الخلف الصالح عليه‌السلام ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن علي عليهما‌السلام إلى جدّي أحمد بن إسحاق كتاب ، فإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه‌السلام الّذي كان ترد به التوقيعات عليه ، وفيه : ولد لنا مولود ، فليكن عندك مستورا ، وعن جميع الناس مكتوما ، فإنّا لم نظهر عليه إلّا الأقرب لقرابته ، والولي لولايته ، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به ، والسلام.

٨٠٢ ـ (١٧) ـ كمال الدين : حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر بن

__________________

(١٧) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤٤١ ب ٤٣ ح ١١ ط مكتبة الصدوق ، وج ٢ ص ١١٤ و ١١٥ ب ٤٧ ح ١٢ ط الإسلامية. ولا يخفى عليك أنّ اختلاف رقم الأبواب والأحاديث في النسختين لا واقع له ، غير أنّ في نسخة مطبوعة جعل المحقّق بابين بابا واحدا ، وجعل أو زعم حديثين حديثا واحدا وفي نسخة اخرى انتهى اجتهاد المحقّق إلى عكس ذلك ، وبالإشارة إلى النسختين يرفع الاشتباه.

وأمّا «نسيم» فالمصرّح به في هذا الخبر وما روي أيضا في كمال الدين في ج ٢ ص ٤٣٠ ب ٤٢ ح ٥ (ط مكتبة الصدوق) ، وج ٢ ص ١٠٤ ب ٤٥ ح ٥ (ط الإسلاميّة) أنّها امرأة ، والمصرّح به في رواية الشيخ في غيبته (ص ١٣٩ فصل ولادته عليه‌السلام) : عن محمّد بن يعقوب رفعه عن نسيم الخادم خادم أبي محمّد عليه‌السلام أنّه كان رجلا. والأرجح عندي أنّها كانت امرأة ؛ لأنّها ومارية ـ امرأة اخرى ـ روتاكما في الرواية الاخرى الّتي أشرنا إليها بأنّه عليه‌السلام لمّا سقط من بطن امّه جاثيا على ركبتيه ... الخ ، وهذا ما لا يشهد به إلّا النساء ، ولا يرد ذلك أنّه ليس في الرواية شهودهما عند ولادته ، فلعلّهما شهدتا بما كان معلوما عندهما بشهادة النساء ، فإنّ ذلك خلاف ظاهر الحديث ، فتأمّل فيه.

وفيما رواه الشيخ في الغيبة قال بدل «بعد مولده بليلة» : «بعد مولده بعشر ليال».

الخرائج : ج ٢ ص ٦٩٢ فصل اعلام الامام المهدي «عن إبراهيم الكرخي قال : حدّثنا نسيم خادم أبي محمّد» ، وفيه : «وقد دخلت عليه بعد عشرة أيّام من مولده».

٤٠٣

جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، قال : حدّثنا أبو النضر محمّد بن مسعود ، قال : حدّثنا آدم بن محمّد البلخي ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسن [الحسين ـ خ] الدقّاق ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد العلوي ، قال : حدّثتني نسيم خادمة أبي محمّد عليه‌السلام ، قالت : دخلت على صاحب هذا الأمر عليه‌السلام بعد مولده بليلة فعطست عنده ، قال لي : يرحمك الله ، قالت نسيم : ففرحت [بذلك] ، فقال لي عليه‌السلام : ألا أبشّرك في العطاس؟ قلت : بلى ، قال : هو أمان من الموت ثلاثة أيّام.

٨٠٣ ـ (١٨) ـ كمال الدين : قال : وبهذا الإسناد (يعني الإسناد المذكور في الحديث الثامن من بابنا هذا) عن محمّد بن عثمان العمري ـ قدّس الله روحه ـ أنّه قال : ولد السيّد عليه‌السلام مختونا ، وسمعت حكيمة تقول : لم ير بامّه دم في نفاسها ، وهكذا سبيل امّهات الأئمّة عليهم‌السلام.

__________________

إثبات الوصيّة : ص ١٩٨ عن علّان قال : حدّثني نسيم خادم أبي محمّد عليه‌السلام ، وفيه : «بعد مولده بليلة».

أقول : لا يوجب مثل هذه الاختلافات في الروايات ضعف أصل ما يدلّ عليه واتّفق جميع الرواة والمآخذ عليه ، فإنّ أمثال هذا الاختلاف ـ سيّما بعد ما نعلم من أنّهم ربّما يروون الأحاديث بالمضمون ـ يقع فيها ، والفطن بالحديث يعرف موارد ذلك ، ويأخذ بالقدر المشترك والمتيقن الّذي اتّفقت عليه ألفاظ الحديث ، أو ما كان رواته أحفظ أو أضبط ، أو كان أرجح بحسب المرجّحات العقلائيّة المذكورة في كتب الدراية ، ولا يردّ الحديث بمجرّد هذه الاختلافات الفرعيّة.

البحار : ج ٥٢ ص ٣٠ ب ١٨ ح ٢٤ ؛ كشف الغمّة : ج ٢ ص ٥٠٠ ؛ منتخب الأنوار المضيئة : ص ١٦٠ ؛ الوسائل : ج ٨ ص ٤٦١ ح ١ ب ٥٩ ؛ حلية الأبرار : ج ٢ ص ٥٤٤ ب ١٠.

(١٨) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤٣٣ ب ٤٢ ح ١٤ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٤٨٤ ب ٣٢ ح ٢٠١ ؛ البحار : ج ٥١ ص ١٦ ب ١ ح ٢٠.

٤٠٤

٨٠٤ ـ (١٩) ـ غيبة الشيخ : أحمد بن علي الرازي ، عن محمد بن علي ، عن عبد الله بن محمّد بن خاقان الدهقان ، عن أبي سليمان داود بن غسّان البحراني ، قال : قرأت على أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي مولد محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين : ولد عليه‌السلام بسامراء سنة ستّ وخمسين ومائتين ، امّه : صقيل ، ويكنّى : أبا القاسم ، بهذه الكنية أوصى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إنّه قال : اسمه كاسمي ، وكنيته كنيتي ، لقبه المهدي ، وهو الحجّة ، وهو المنتظر ، وهو صاحب الزمان.

قال إسماعيل بن علي : دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي عليه‌السلام في المرضة الّتي مات فيها ، وأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد ـ وكان الخادم أسود نوبيّا ، قد خدم من قبله عليّ بن محمّد ، وهو ربّى الحسن عليه‌السلام ـ فقال : يا عقيد ، اغل لي ماء بمصطكي ، فأغلى له ، ثمّ جاءت به صقيل الجارية أمّ الخلف عليه‌السلام ، فلمّا صار القدح في يديه وهمّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتّى ضرب القدح ثنايا الحسن ، فتركه من يده وقال لعقيد : ادخل البيت ، فإنّك ترى صبيّا ساجدا فأتني به ، قال أبو سهل : قال

__________________

(١٩) ـ غيبة الشيخ : ص ٢٧١ ـ ٢٧٣ ح ٢٣٧ فصل أخبار بعض من رآه.

أقول : هذا الخبر يدلّ على أنّ أبا سهل النوبختي كان يرى أنّ ولادته عليه‌السلام وقعت في سنة ستّ وخمسين ومائتين ، ومثله خبر أبي هارون (كمال الدين : ج ٢ ص ٤٣٢ ب ٤٢ ح ٩).

البحار : ج ٥٢ ص ١٦ و ١٧ ب ١٨ ح ١٤ ، تبصرة الولي : ص ١٦٤ ، ١٦٦ ح ٦٩ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٤١٥ ب ٣١ ح ٥٥ مختصرا وفي ص ٥٠٩ ح ٣٢٥ ب ٣٢ أخرج صدره وذيله.

٤٠٥

عقيد : فدخلت أتحرّى ، فإذا أنا بصبيّ ساجد ، رافع سبّابته نحو السماء ، فسلّمت عليه فأوجز في صلاته ، فقلت : إنّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه ، إذ جاءت امّه صقيل (١) فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليه‌السلام ، قال أبو سهل : فلمّا مثل الصبيّ بين يديه سلّم وإذا هو درّيّ اللون ، وفي شعر رأسه قطط ، مفلّج الأسنان ، فلما رآه الحسن عليه‌السلام بكى ، وقال : يا سيّد أهل بيته ، اسقني الماء فإنّي ذاهب إلى ربّي ، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ، ثمّ حرّك شفتيه ثمّ سقاه ، فلمّا شربه قال : هيّئوني للصلاة ، فطرح في حجره منديل ، فوضّأه الصبيّ واحدة واحدة ، ومسح على رأسه

__________________

(١) اعلم أنّه اختلفت الروايات في نهاية حال أمّ الإمام عليه‌السلام ، ففي بعضها أنّها حصلت بعد وفاة الإمام أبي محمّد العسكري عليه‌السلام في دار محمّد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام (وصفوه بأنّه ثقة عين في الحديث ، صحيح الاعتقاد ، له كتاب) ، وفي بعضها أنّها طلبت من الإمام أبي محمّد عليه‌السلام أن يدعو لها بالموت قبل وفاته عليه‌السلام فاستجيب دعاؤه ، وفي بعضها أنّها كانت حاضرة عند وفاة الإمام عليه‌السلام (وهو هذا الخبر) ، وفي بعضها أنّها هاجرت إلى مكّة المكرّمة في حياة الإمام عليه‌السلام مع ابنه الحجّة عليهما‌السلام ، بأمر الإمام أبي محمّد عليه‌السلام. وكما ترى أكثر هذه الروايات قد دلّ على حياتها بعد الإمام عليه‌السلام ، والظاهر الأرجح حياتها بعد وفاة الإمام أبي محمّد عليه‌السلام ، والشاهد على ذلك وقوع قبرها خلف قبر الإمام أبي محمّد عليه‌السلام.

وعلى كلّ حال لا يضرّ مثل هذه الاختلافات ما نحن بصدده ، فإنّ اعتمادنا في هذا الكتاب على ما تواترت به الأحاديث أو استفاضت به في الأقلّ دون أخبار الآحاد ، فالأخبار يؤيّد بعضها بعضا فيما اتّفقت عليه. ولا يخفى عليك أنّ مثل هذه الاختلافات الفرعيّة قد وقعت في تواريخ السائرين من الأئمّة والأنبياء ورجالات التاريخ ، وكيفيّات وقوع الحوادث المهمّة المقطوع بأصلها عند الكلّ دون أن يصير ذلك سببا للشكّ في أصل وجود الأشخاص ، وأحوالهم المعلومة ، والحوادث التاريخيّة المشهورة. هذا مضافا إلى أنّ الظروف والأحوال الّتي كان عصر الإمام أبي محمّد عليه‌السلام إلى بعد وفاته محفوفا بها ربّما تقتضي خفاء مثل هذه الامور الجزئيّة.

٤٠٦

وقدميه ، فقال له أبو محمّد عليه‌السلام : أبشر يا بنيّ ، فأنت صاحب الزمان ، وأنت المهدي ، وأنت حجّة الله على أرضه ، وأنت ولدي ووصيّي وأنا ولدتك ، وأنت محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ولدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت خاتم الأئمّة الطاهرين ، وبشّر بك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمّاك وكنّاك بذلك ، عهد إليّ أبي عن آبائك الطاهرين ، صلّى الله على أهل البيت ربّنا ، إنّه حميد مجيد ، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين.

٨٠٥ ـ (٢٠) ـ إثبات الوصيّة : الحميري ، عن أحمد بن إسحاق ، قال :

__________________

(٢٠) ـ إثبات الوصيّة : ص ١٩٤ ـ ١٩٥ ؛ عيون المعجزات : ص ١٣٨ نحوه عن أحمد بن مصقلة ، وليس فيه خروج الصاحب عليه‌السلام مع أمّ الإمام أبي محمّد عليه‌السلام إلى مكّة ، فلفظه هكذا : «ثمّ سلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إلى القائم الصاحب عليه‌السلام ، وخرجت أمّ أبي محمّد إلى مكّة».

أقول : من المحتمل كون أحمد بن مصقلة المذكور في عيون المعجزات أحمد بن عبد الله بن عيسى بن مصقلة بن سعد الأشعري القمّي ، منسوبا إلى جدّه الأعلى ، كما اتّفق ذلك في أسناد كثير من الروايات ، وعليه يكون هو من أبناء عمومة أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري أبي علي القمّي ، الّذي روى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن ، وكان خاصّة أبي محمّد عليهم‌السلام ، ورأى صاحب الزمان عليه‌السلام.

وأمّا أحمد بن عبد الله ، فقال النجاشي : «ثقة ، له نسخة عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام» ، وعلى هذا كان معاصرا لابن عمّه أحمد بن إسحاق ، وأدرك الإمام أبا محمّد عليه‌السلام ، وكان حيّا إلى بعد سنة ستّين ومائتين.

وأمّا احتمال اتّحاد أحمد بن عبد الله وأحمد بن إسحاق فلا شاهد له غير انتهاء نسبهما إلى سعد ، وغير اتّحاد اسم جدّ أحمد بن إسحاق مع اسم والد أحمد بن عبد الله ، واحتمال سقوط «إسحاق» عن نسبة أحمد بن عبد الله وعيسى بن مصقلة عن نسبة أحمد بن إسحاق ، فكان النسبة هكذا : «أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن عيسى بن مصقلة بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري» ، ولعلّك تجد لهذا الاحتمال ـ مع بعده في نفسه

٤٠٧

دخلت على أبي محمّد عليه‌السلام ، فقال لي : يا أحمد! ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشكّ والارتياب؟ قلت : يا سيّدي! لمّا ورد الكتاب بخبر سيّدنا ومولده لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم وإلّا قال بالحقّ ، فقال : أما علمتم أنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله؟ ثمّ أمر أبو محمّد بالحجّ والدته في سنة تسع وخمسين ومائتين ، وعرّفها ما يناله في سنة الستين ، وأحضر الصاحب عليه‌السلام فأوصى إليه ، وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه ، وخرجت أمّ أبي محمّد مع الصاحب عليهم‌السلام جميعا إلى مكّة ، وكان أحمد بن محمّد بن مطهّر أبو علي المتولّي لما يحتاج إليه الوكيل ، فلمّا بلغوا بعض المنازل من طريق مكّة تلقّى الأعراب القوافل فأخبروهم بشدّة الخوف وقلّة الماء ، فرجع أكثر الناس إلّا من كان في الناحية فإنّهم نفذوا وسلموا.

٨٠٦ ـ (٢١) ـ غيبة فضل بن شاذان : حدّثنا محمّد بن عبد الجبّار ، قال : قلت لسيّدي الحسن بن علي عليه‌السلام : يا ابن رسول الله! جعلني الله فداك ، احبّ أن أعلم من الإمام وحجّة الله على عباده من بعدك؟ فقال عليه‌السلام : إنّ الإمام وحجّة الله من بعدي ابني ، سميّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيّه ، الّذي هو خاتم حجج الله ، وآخر خلفائه ، فقلت : ممّن يتولّد يا ابن رسول الله؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم ؛ ألا

__________________

بعض الشواهد عند ما راجعت تراجم سائر رجال هذا البيت ، كما أنّه يحتمل أن يكون أحمد بن إسحاق ابن أخ أحمد بن عبد الله.

هذا كلّه ، ولكنّ الأقرب إلى الاعتبار تعدّدهما. نعم احتمال كون أحمد بن مصقلة هو أحمد بن عبد الله بن عيسى بن مصقلة قويّ جدّا.

إثبات الهداة : ج ٣ ص ٥٧٩ ب ٣٢ ف ٥٦ ح ٧٥٠ مختصرا عن المسعودي.

(٢١) ـ كفاية المهتدي (الأربعين) : ص ١٠٤ ح ٢٨ ؛ الأربعين الموسوم بكشف الحقّ : ص ٨ ح ١ وص ١٣٦ و ١٣٧ ح ٢٢ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٥٦٩ ب ٣٢ ف ٤٤ ح ٦٨٠.

٤٠٨

إنّه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة ، ثمّ يظهر ويقتل الدجّال ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، فلا يحلّ لأحد أن يسمّيه أو يكنّيه قبل خروجه صلوات الله عليه (١).

٨٠٧ ـ (٢٢) ـ كمال الدين : حدّثنا محمّد بن علي بن حاتم النوفلي ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد بن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الشيباني ، قال : وردت كربلاء سنة ستّ وثمانين ومائتين ، قال : وزرت قبر غريب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم انكفأت الى مدينة السلام متوجّها إلى مقابر

__________________

(١) قال الشيخ المفيد ـ رضوان الله عليه ـ في الفصول العشرة في الغيبة ص ٩ : «والخبر بصحة ولد الحسن قد ثبت بأوكد ما يثبت به أنساب الجمهور من الناس ، إذ كان النسب يثبت بقول القابلة ، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهن عليه ، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه ، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه. وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة ، والفضل ، والورع ، والزهد ، والعبادة ، والفقه ، عن الحسن بن علي أنّه اعترف بولادة المهدي عليه‌السلام ، وآذنهم بوجوده ، ونصّ لهم على إمامته من بعده ، وبمشاهدة بعضهم له طفلا ، وبعضهم له يافعا وشابّا كاملا ، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل ، وتسليمهم له حقوق الأئمّة من أصحابه. وقد ذكرت أسماء جماعة ممّن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي عليهما‌السلام ، وخاصّته المعروفين بخدمته والتحقيق به ، وأثبتّ ما رووه عنه في وجود ولده ، ومشاهدتهم من بعده ، وسماعهم النصّ بالإمامة عليه ، وذلك موجود في مواضع من كتبي ، وخاصّة في كتابي المعروف أحدهما بالإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، والثاني الإيضاح في الإمامة والغيبة ، ووجود ذلك فيما ذكرت يغني تكلّف إثباته في هذا الكتاب».

(٢٢) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤١٧ ـ ٤٢٣ ب ٤١ ح ١ ؛ غيبة الشيخ : ص ٢٠٨ ـ ٢١٤ ح ١٧٨ نحوه ؛ البحار عن غيبة الشيخ : ج ٥١ ص ٦ ـ ١٠ ح ١٢ ب ١ ؛ وعن كمال الدين : ح ١٣ ص ١٠ ـ ١١ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٣٦٣ ـ ٣٦٥ ب ٢٩ ف ٢ ح ١٧ ، وفي ص ٤٠٨ ـ ٤٠٩ ب ٣١ ف ١ ح ٣٧ مختصرا.

٤٠٩

قريش ، في وقت قد تضرّمت الهواجر ، وتوقّدت السمائم ، فلمّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم عليه‌السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة ، المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة ، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر ، فلمّا رقأت العبرة ، وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه ، وتقوّس منكباه ، وثفنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي! لقد نال عمّك شرفا بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب ، وشرائف العلوم الّتي لم يحمل مثلها إلّا سلمان ، وقد أشرف عمّك على استكمال المدّة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه ، قلت : يا نفس! لا يزال العناء والمشقّة ينالان منك باتعابي الخفّ والحافر في طلب العلم ، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدلّ على علم جسيم وأثر عظيم ، فقلت : أيّها الشيخ! ومن السيّدان؟ قال : النجمان المغيّبان في الثرى بسرّمن رأى ، فقلت : إنّي اقسم بالموالاة ، وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إنّي خاطب علمهما ، وطالب آثارهما ، وباذل من نفسي الأيمان المؤكّدة على حفظ أسرارهما ، قال : إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم ، فلمّا فتّش الكتب وتصفّح الروايات منها قال : صدقت ، أنا بشر بن سليمان النخّاس ، من ولد أبي أيّوب الأنصاري ، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد عليهما‌السلام ، وجارهما بسرّمن رأى ، قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما ، قال : كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري عليهما‌السلام فقّهني في أمر الرقيق ، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتّى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق [فيما] بين الحلال

٤١٠

والحرام. فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّمن رأى وقد مضى هويّ من الليل إذ قرع الباب قارع ، فعدوت مسرعا فاذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد عليهما‌السلام يدعوني إليه ، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد واخته حكيمة من وراء الستر ، فلمّا جلست قال : يا بشر! إنّك من ولد الأنصار ، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، فأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها ، بسرّ أطلعك عليه ، وأنفذك في ابتياع أمة ، فكتب كتابا ملصقا بخطّ روميّ ولغة روميّة ، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا ، فقال : خذها وتوجّه بها إلى بغداد ، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا ، وبرزن الجواري منها ، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك ، إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرتين صفيقتين ، تمتنع من السفور ، ولمس المعترض ، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق ، فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة روميّة ، فاعلم أنّها تقول : واهتك ستراه! فيقول بعض المبتاعين : عليّ بثلاثمائة دينار ، فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربيّة : لو برزت في زيّ سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة ، فأشفق على مالك ، فيقول النخّاس : فما الحيلة ولا بدّ من بيعك ، فتقول الجارية : وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي [إليه و] إلى أمانته وديانته ، فعند ذلك قم الى عمر بن يزيد النخّاس وقل له : إنّ معي كتابا ملصقا لبعض الاشراف كتبه بلغة روميّة وخطّ روميّ ،

٤١١

ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخّاس : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه‌السلام في أمر الجارية ، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا ، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرّجة المغلّظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت اشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه‌السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي الّتي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاها عليه‌السلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها ، وتطبقه على جفنها ، وتمسحه على بدنها ، فقلت تعجّبا منها : أتلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت : أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء ، أعرني سمعك ، وفرّغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وامّي من ولد الحواريّين ، تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، انبئك العجب العجيب ، إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريّين ومن القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ، ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل ، وجمع من امراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهو ملكه عرشا مسوغا [مصوغا ـ ظ] من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض ،

٤١٢

وتقوّضت الأعمدة فانهارت الى القرار ، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه ، فتغيّرت ألوان الاساقفة ، وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدّي : أيّها الملك ، اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحيّ والمذهب الملكاني ، فتطيّر جدّي من ذلك تطيّرا شديدا ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان ، وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لازوّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل ، وتفرّق الناس ، وقام جدّي قيصر مغتمّا ودخل قصره وأرخيت الستور ، فاريت في تلك الليلة كأنّ المسيح والشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ، ونصبوا فيه منبرا يباري السماء علوّا وارتفاعا في الموضع الّذي كان جدّي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع فتية وعدّة من بنيه ، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه ، فيقول : يا روح الله! إنّي جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوّجني وشهد المسيح عليه‌السلام وشهد بنو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحواريّون ، فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل ، فكنت أسرّها في نفسي ولا ابديها لهم ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد حتّى امتنعت من الطعام والشراب ، وضعفت نفسي ، ودقّ شخصي ، ومرضت مرضا شديدا ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي ، فلمّا برّح به اليأس قال : يا قرّة

٤١٣

عيني! فهل تخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه الدنيا؟ فقلت : يا جدّي! أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة ، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال ، وتصدّقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وامّه لي عافية وشفاء ، فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحّة في بدني ، وتناولت يسيرا من الطعام ، فسرّ بذلك جدّي ، وأقبل على إكرام الاسارى وإعزازهم ، فرأيت أيضا بعد أربع ليال كأنّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان ، فتقول لي مريم : هذه سيّدة النساء أمّ زوجك أبي محمّد عليه‌السلام ، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي ، فقالت لي سيّدة النساء عليها‌السلام : إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى ، وهذه اختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك ، فإن ملت إلى رضا الله عزوجل ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إيّاك فتقولي : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ ـ أبي ـ محمّدا رسول الله ، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها ، فطيّبت لي نفسي ، وقالت : الآن توقّعي زيارة أبي محمّد إيّاك فإنّي منفذه إليك ، فانتبهت وأنا أقول : وا شوقاه إلى لقاء أبي محمّد! فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد عليه‌السلام في منامي فرأيته كأنّي أقول له : جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك! قال : ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك ، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر : فقلت لها : وكيف وقعت في الأسر؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أن جدّك سيسرب جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا ،

٤١٤

ثمّ يتبعهم ، فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت ، وما شعر أحد [بي] بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك باطلاعي إيّاك عليه ، ولقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته ، وقلت : نرجس ، فقال : اسم الجواري.

فقلت : العجب! إنّك روميّة ولسانك عربيّ؟ قالت : بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إليّ ، فكانت تقصدني صباحا ومساء ، وتفيدني العربيّة حتّى استمرّ عليها لساني واستقام.

قال بشر : فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري عليه‌السلام ، فقال لها : كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانيّة ، وشرف أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟ قال : فإنّي اريد أن اكرمك ، فأيّما أحبّ إليك عشرة آلاف درهم ، أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت : بل البشرى ، قال عليه‌السلام : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، قالت : ممّن؟ قال عليه‌السلام : ممّن خطبك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالروميّة؟ قالت : من المسيح ووصيّه ، قال : فممّن زوّجك المسيح ووصيّه؟ قالت : من ابنك أبي محمّد ، قال : فهل تعرفينه؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة الّتي أسلمت فيها على يد سيّدة النساء امّه؟

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : يا كافور! ادع لي اختي حكيمة ، فلمّا

٤١٥

دخلت عليه قال عليه‌السلام لها : ها هي ، فاعتنقتها طويلا ، وسرّت بها كثيرا ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله! أخرجيها إلى منزلك ، وعلّميها الفرائض والسنن ، فإنّها زوجة أبي محمّد وأمّ القائم عليهما‌السلام.

ويدلّ عليه بالمطابقة أو الالتزام ، وبتفسير سائر الروايات الأحاديث ١ إلى ٣٠٩ ، ٥٤٣ ، ٥٤٤ ، ٥٤٥ ، ٥٤٧ ، ٥٤٩ إلى ٥٥٨ ، ٥٦٠ إلى ٥٧١ ، ٥٧٤ ، ٥٧٥ ، ٥٨٠ ، ٥٨١ ، ٥٨٩ ، ٥٩٠ ، ٦٠٨ ، ٦١٢ ، ٦١٤ ، ٨٠٨ إلى ٨٦٢ ، ٨٦٤ ، ٨٦٦ إلى ٨٧٠ ، ٨٧٣ ، ٨٧٨ ، ٨٨١ إلى ٨٩٩.

مضافا إلى أنّ مقتضى الأحاديث المتواترة القطعيّة الدالّة على انحصار الخلفاء في ساداتنا الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، والأحاديث الصحيحة الواردة في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، مع اليقين بوفاة الإمام الحسن العسكري والد الحجّة عليهما‌السلام هو القطع واليقين بولادة مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام.

٤١٦

الفصل الثاني

في معجزاته في حياة أبيه عليهما‌السلام

وفيه ١٠ أحاديث

٨٠٨ ـ (١) ـ غيبة الشيخ : جعفر بن محمّد بن مالك ، قال : حدّثني محمّد بن جعفر بن عبد الله ، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري ، قال : وجّه قوم من المفوّضة والمقصّرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمّد عليه‌السلام ، قال كامل : فقلت في نفسي : أسأله لا يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتي وقال بمقالتي ، قال : فلمّا دخلت على سيّدي أبي محمّد نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي : وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب ، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان ، وينهانا عن لبس مثله ، فقال متبسّما : يا كامل! وحسر عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده ،

__________________

(١) ـ غيبة الشيخ : ص ٢٤٦ ـ ٢٤٨ ح ٢١٦ ؛ دلائل الإمامة : ص ٢٧٣ و ٢٧٤ بسنده عن أبي نعيم ؛ الخرائج : ج ١ ص ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ح ٤ ؛ إثبات الوصيّة : ص ٢٢٢ ط منشورات الرضي عن جعفر بن محمّد بن مالك ؛ البحار : ج ٢٥ ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧ فصل في بيان التفويض ومعانيه ح ١٦ وج ٥٢ ص ٥٠ ـ ٥١ ب ١٨ ح ٣٥ ؛ وصدره في ج ٥٠ ص ٢٥٣ ب ٣ ح ٧ وج ٦٧ ص ١١٧ ب ٥١ ح ٥ ج ٧٦ ص ٣٠٢ ب ١٠٩ ح ١٢ ؛ تبصرة الولي : ص ٥٩ ـ ٦١ ح ٢٦ ؛ كشف الغمّة : ج ٢ ص ٤٩٩ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٤١٥ ب ٣١ ح ٥٤ وص ٥٠٨ ب ٣٢ ح ٣٢٠ وص ٦٨٣ ب ٣٣ ح ٩١ ؛ ينابيع المودّة : ص ٤٦١ ب ٨٢ «عن كامل بن إبراهيم المدني قال : دخلت على أبي محمّد الحسن وعلى باب البيت ستر ، فجاءت الريح فكشفت طرف الستر ، فإذا غلام كأنّه القمر ، فقال أبو محمّد : يا كامل ، قد أنبأك بحاجتك هذا الحجّة من بعدي».

٤١٧

فقال : هذا لله وهذا لكم ، فسلّمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخى ، فجاءت الريح فكشف طرفه فإذا أنا بفتى كأنّه فلقة قمر ، من أبناء أربع سنين أو مثلها ، فقال لي : يا كامل بن إبراهيم! فاقشعررت من ذلك ، وألهمت أن قلت : لبّيك يا سيّدي ، فقال : جئت إلى وليّ الله وحجّته وبابه تسأله هل يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتك ، وقال بمقالتك؟ فقلت : إي والله ، قال : إذن والله يقلّ داخلها ، والله انّه ليدخلها قوم يقال لهم الحقّيّة ، قلت : يا سيّدي ومن هم؟ قال : قوم من حبّهم لعليّ يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله ، ثمّ سكت صلوات الله عليه عنّي ساعة ، ثمّ قال : وجئت تسأله عن مقالة المفوّضة ، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيّة الله ، فإذا شاء شئنا ، والله يقول : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ، ثمّ رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه ، فنظر إليّ أبو محمّد عليه‌السلام متبسّما ، فقال : يا كامل! ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجّة من بعدي ، فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك.

قال أبو نعيم : فلقيت كاملا فسألته عن هذا الحديث ، فحدّثني به.

قال الشيخ : وروى هذا الخبر أحمد بن علي الرازي ، عن محمّد بن علي ، عن علي بن عبد الله بن عائذ الرازي ، عن الحسن بن وجناء النصيبي ، قال : سمعت أبا نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري ... وذكر مثله.

٨٠٩ ـ (٢) ـ كمال الدين : حدّثنا محمّد بن علي بن محمّد بن حاتم

__________________

(٢) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٤٥٤ ـ ٤٦٥ ب ٢٣ ح ٢١ ؛ دلائل الإمامة : ص ٢٧٤ ـ ٢٨١ ب معرفة من شاهده في حياة أبيه ح ٢ «عن أبي القاسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزّاز ، عن أبي محمّد عبد الله بن محمّد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهلّ رجب سنة سبعين وثلاثمائة ، عن أبي علي أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي (إلى قوله :) وجعلنا نختلف إلى مولانا أيّاما فلا نرى الغلام عليه‌السلام».

الخرائج : ج ١ ص ٤٨١ ـ ٤٨٤ ح ٢٢ مختصرا ؛ تبصرة الولي : ص ٩٣ ـ ١٠٨ ح ٤٨ ؛

٤١٨

النوفلي المعروف بالكرماني ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد بن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيباني ، قال : حدّثنا أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبد الله القمّي ، قال : كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفا باستظهار ما يصحّ لي من حقائقها ، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحا على ما أظفر به من معضلاتها ومشكلاتها ، متعصّبا لمذهب الإماميّة ، راغبا عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدّي إلى التباغض والتشاتم ، معيبا للفرق ذوي الخلاف ، كاشفا عن مثالب أئمّتهم ، هتّاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشدّ النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلا ، وأشنعهم سؤالا ، وأثبتهم على الباطل قدما ، فقال ذات يوم ـ وأنا اناظره ـ : تبّا لك ولأصحابك يا سعد! إنّكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما ، هذا الصدّيق الّذي فاق جميع

__________________

الاحتجاج : ج ٢ ص ٤٦١ ـ ٤٦٧ ؛ البحار : ج ٥٢ ص ٧٨ ـ ٨٩ ب ١٩ ح ١ ؛ حلية الأبرار : ج ٢ ص ٥٥٧ ـ ٥٦٨ المنهج ١٣ ب ١٥ ح ٣ ، إثبات الهداة : ج ١ ص ٣٨٠ ب ٧ ح ١٠٦ وج ٧ ص ٣٤٧ ح ١٢١ و ١٢٢ ب ٣٣ مختصرا ؛ إلزام الناصب : ج ١ ص ٣٤٢ ـ ٣٥١ ؛ مكيال المكارم : ج ١ ص ١٦ ـ ٢٤ ب ٢ ح ١٤.

اعلم أنّه قد أورد بعض المعاصرين على هذا الخبر بضعف السند تارة ، وبضعف المتن اخرى ، بل حكم عليه بالوضع! وإذ قد أشبعنا الكلام في ردّه وبيان ما هو الحقّ والتحقيق في هذا الحديث وأمثاله في رسالة مفردة مسمّاة ب «النقود اللطيفة» تركنا الكلام فيه هنا حذرا من الإطالة ، وستأتي الرسالة في المجلد الثالث من كتابنا هذا ان شاء الله.

منتخب الأنوار المضيئة : ص ١٤٥ ـ ١٧٥ ؛ تأويل الآيات الظاهرة : ص ٢٩٢ ـ ٢٩٤ الآية الاولى من سورة مريم مختصرا ؛ ينابيع المودّة : ص ٤٥٩ ب ٨١ ؛ الثاقب في المناقب : ص ٥٨٥ ـ ٥٨٩ ب ١٥ ف ٢ ح ٥٣٤ / ١.

٤١٩

الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علما منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد لأمر التأويل ، والملقى إليه أزمّة الامّة ، وعليه المعوّل في شعب الصدع ، ولمّ الشعث ، وسدّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك ، وكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلّة الّتي شرحناها ، وإنّما أبات عليّا على فراشه لمّا لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله ، ولعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.

قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقّب كلّ واحد منها بالنقض والردّ عليّ ، ثمّ قال : يا سعد! ودونكها اخرى بمثلها تخطم انوف الروافض ، ألستم تزعمون أنّ الصدّيق المبرّأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي ؛ خوفا من الإلزام ، وحذرا من أنّي إن أقررت له بطوعهما للإسلام احتجّ بأنّ بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه نحو قول الله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ، وإن قلت : أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمّة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.

٤٢٠