منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

لطف الله الصافي الگلپايگاني

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

لطف الله الصافي الگلپايگاني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتب المؤلّف دام ظلّه
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

عبد الرحمن بن محمّد السري ، وكان شديد النصب ، وكان بينه وبين القاسم ـ نضر الله وجهه ـ مودّة في امور الدنيا شديدة ، وكان يوادّه ، وكان عبد الرحمن وافى الى اران للاصلاح بين أبي جعفر ابن حمدون الهمداني وبين حيّان العين فربّما حضر عنده ، فقال لشيخين كانا مقيمين عنده ـ احدهما يقال له : أبو حامد عمران بن المفلس والآخر يقال له : أبو علي محمد ـ : اريد أن أقرأ هذا الكتاب لعبد الرحمن ، فإنّي احبّ هدايته ، وأرجو أن يهديه الله عزوجل بقراءة هذا الكتاب ، فقال : لا إله الّا الله ، هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمن؟ فقال : إنّي أعلم أني مفش سرّا لا يكون لي إعلانه ، ولكن لمحبتي عبد الرحمن أشتهي أن يهديه الله لهذا الأمر ، فأقرأه له ، فلمّا مرّ ذلك اليوم ، وكان الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة أربع وثلاثمائة دخل عبد الرحمن وسلّم عليه ، فقال له : اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك ، فقرأه ، فلمّا بلغ الى موضع النعي به رمى الكتاب من يده ، وقال للقاسم : يا أبا محمد! اتّق الله ، فإنّك رجل فاضل في دينك ، متمكّن من عقلك ، إن الله يقول : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ، ويقول : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) ، فضحك القاسم وقال : أتمّ الآية : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ومولاي هذا المرتضى من رسول ، قد علمت أنّك تقول هذا ، ولكن أرّخ هذا اليوم ، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرخ في الكتاب فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا متّ فانظر لنفسك ، فأرّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا ، فلمّا كان اليوم السابع من ورود الكتاب حمّ القاسم واشتدّت به العلّة ، واستند في فراشه الى الحائط ، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا

٥٠١

على شرب الخمر ، وكان متزوّجا الى أبي عبد الله ابن حمدون الهمداني ، وكان ابن حمدون الهمداني جالسا في ناحية من الدار ورداؤه على وجهه ، وأبو حامد في ناحية ، وأبو علي بن محمد وجماعة من أهل البلد يبكون إذ اتكأ القاسم على يديه الى خلف ، وجعل يقول : يا محمد يا علي يا حسن يا حسين ... إلى آخر الائمّة ، يا موالي كونوا شفعائي إلى الله عزوجل ، ثمّ قالها ثانية ، ثم قالها ثالثة ، فلمّا وصل إلى يا موسى! يا علي! تفرقعت أجفان عينيه كما تفرقع الصبيان شقائق النعمان ، وانفتحت حدقتاه ، وجعل يمسح بكمّه عينيه ، وخرج من عينيه شيء يشبه ماء اللحم ، ثمّ مدّ طرفه الى ابنه فقال : يا حسن إليّ ، يا أبا حامد إليّ ، يا أبا عليّ إليّ ، فاجتمعوا حوله ونظروا الى حدقتيه صحيحين ، فقال أبو حامد : تراني؟ فجعل يده على كلّ واحد منّا ، وشاع في الناس هذا ، فأتاه الناس ينظرون إليه ، وركب إليه القاضي وهو عينية (١) بن عبيد الله أبو ثابت المسعودي قاضي القضاة ببغداد ، فدخل عليه وقال : يا أبا محمد! ما هذا الذي بيدي؟ وأراه خاتما فصّه فيروزج وقرّبه منه ، فقال : خاتم فصّه فيروزج ، عليه ثلاثة أسطر ، فتناوله القاسم فلم يمكنه قراءته ، وخرج الناس متعجبين يتحدثون بخبره ، فالتفت القاسم إلى ابنه الحسن ، فقال : يا بني! إنّ الله عزّ اسمه جعل منزلتك منزلتي ، ومرتبتك مرتبتي ، فاقبلها بشكر ، فقال الحسن : قد قبلتها ، قال القاسم : على ما ذا؟ قال : على ما تأمرني به ، قال : أن تنزع عمّا أنت عليه من شرب الخمر ، فقال : يا أبه! وحقّ من أنت في ذكره لأنزعنّ عن شرب الخمر ، ومع الخمر أشياء لا تعرفها ، فرفع القاسم يده الى السماء ، وقال : اللهمّ

__________________

(١) الظاهر أن الصحيح كما ذكرناه : «عتبة بن عبيد الله أبو السائب المسعودي».

٥٠٢

ألهم الحسن طاعتك ، وجنّبه معصيتك ، ثلاث مرّات ، ثم دعا بدرج وكتب وصيّته ـ رحمه‌الله ـ بيده ، وكانت الضياع التي بيده لمولانا عليه‌السلام وقفها له أبوه ، فكان فيما أوصى الحسن أن قال له : إنّك إن أهّلت الأمر ـ يعني الوكالة لمولانا عليه‌السلام ـ تكون مؤونتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجند وسائرها ملك لمولاي ، وإن لم تؤهّل فاطلب خيرك من حيث يبعث الله لك ، فقبل الحسن وصيّته على ذلك ، فلمّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم ، فوافاه عبد الرحمن بن محمد يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يصيح : وا سيّداه! فاستعظم الناس منه ذلك ، وجعلوا يقولون له : ما الذي تفعل بنفسك؟ فقال : اسكتوا ، فإنّي رأيت ما لم تروا ، وشيّعه ورجع عمّا كان عليه ، ووقف أكثر ضياعه ، فتجرّد أبو علي بن محمد وغسّل القاسم ، وأبو حامد يصبّ عليه الماء ، ولفّ في ثمانية أثواب ، على بدنه قميص مولانا ، وما يليه السبعة أثواب التي جاءت من العراق ، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن من مولانا صلوات الله عليه ، ودعا له في آخره : ألهمه الله طاعته وجنّبه معصيته ، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه ، وكان في آخره : قد جعلنا أباك لك إماما ، وفعاله مثلا.

وروينا هذا الحديث الذي ذكرناه أيضا عن أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه.

٨٦٢ ـ (١٩) ـ الخرائج والجرائح : قال : ومنها ما روي عن أبي الحسن

__________________

(١٩) ـ الخرائج والجرائح : ج ١ ص ٤٧٢ ـ ٤٧٥ ح ١٧ ؛ فرج المهموم : ص ٢٥٣ و ٢٥٤ ؛ البحار : ج ٥٢ ص ٥٦ و ٥٧ ب ١٨ ح ٤٠ ؛ اثبات الهداة : ج ٣ ص ٦٩٤ ب ٣٣ ف ٣ ح ١١٨ مختصرا ؛ كشف الغمّة : ج ٢ ص ٥٠٠ و ٥٠١ في معجزات صاحب الزمان عليه‌السلام.

٥٠٣

المسترقّ الضرير : كنت يوما في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة ، فتذاكرنا أمر الناحية ، قال : كنت أزري عليها ، الى أن حضرت مجلس عمّي الحسين يوما ، فأخذت أتكلّم في ذلك ، فقال : يا بنيّ! قد كنت أقول بمقالتك هذه الى أن ندبت لولاية قم حين استصعبت على السلطان ، وكان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها ، فسلّم إليّ جيشا وخرجت نحوها ، فلمّا بلغت الى ناحية طرز خرجت الى الصيد ، ففاتتني طريدة فاتّبعتها ، وأوغلت في أثرها ، حتى بلغت الى نهر ، فسرت فيه ، وكلّما أسير يتّسع النهر ، فبينما أنا كذلك إذ طلع عليّ فارس تحته شهباء ، وهو معمّم بعمامة خزّ خضراء ، لا أرى منه إلّا عينيه ، وفي رجليه خفّان أحمران ، فقال لي : يا حسين! فلا هو أمّرني ولا كنّاني ، فقلت : ما ذا تريد؟ قال : لم تزري على الناحية؟ ولم تمنع أصحابي خمس مالك؟ وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئا فارعدت وتهيّبته ، وقلت له : أفعل يا سيّدي ما تأمر به ، فقال : إذا مضيت الى الموضع الذي أنت متوجّه إليه ، فدخلته عفوا وكسبت ما كسبته ، تحمل خمسه الى مستحقّه ، فقلت : السمع والطاعة ، فقال : امض راشدا ، ولوى عنان دابّته وانصرف ، فلم أدر أي طريق سلك ، وطلبته يمينا وشمالا فخفي عليّ أمره ، وازددت رعبا وانكفأت راجعا الى عسكري وتناسيت الحديث ، فلما بلغت قم وعندي أنّي أريد محاربة القوم ، خرج إليّ أهلها وقالوا : كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا ، فأمّا إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ، ادخل البلدة فدبّرها كما ترى ، فأقمت فيها زمانا ، وكسبت أموالا زائدة على ما كنت أقدّر ، ثمّ وشى القوّاد بي الى السلطان ، وحسدت على طول مقامي ، وكثرة ما اكتسبت ،

٥٠٤

فعزلت ورجعت الى بغداد ، فابتدأت بدار السلطان وسلّمت عليه ، وأتيت الى منزلي ، وجاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري ، فتخطّى الناس حتّى اتّكأ على تكأتي ، فاغتظت من ذلك ، ولم يزل قاعدا ما يبرح ، والناس داخلون وخارجون وأنا أزداد غيظا ، فلمّا انصرم [الناس وخلا] المجلس ، دنا إليّ وقال : بيني وبينك سرّ فاسمعه ، فقلت : قل ، فقال : صاحب الشهباء والنهر يقول : قد وفينا بما وعدنا ، فذكرت الحديث وارتعت من ذلك وقلت : السمع والطاعة ، فقمت فأخذت بيده ففتحت الخزائن ، فلم يزل يخمّسها الى أن خمّس شيئا كنت قد نسيته ممّا كنت قد جمعته ، وانصرف ، ولم أشكّ بعد ذلك وتحققت الأمر.

فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك.

ويدل عليه من هذا الباب الأحاديث ٨٢٣ ، ٨٢٧ ، ٨٢٨ ، ٨٣٠ ، ٨٣٢ ، ٨٣٣ ، ٨٣٨ ، ٨٣٩ ، ٨٤٠ ، ٨٦٨.

٥٠٥

الفصل الثالث

في حالات سفرائه ونوّابه في الغيبة الصغرى

وفيه ٢٧ حديثا (١)

__________________

(١) اعلم ان وكلاءه ونوّابه عليه‌السلام في زمان الغيبة الصغرى كما يظهر من مراجعة الكتب المعتبرة كانوا عدّة من الثقات الممدوحين بالوثاقة والأمانة والصداقة ، وكان يخرج من عندهم توقيعاته وأوامره ونواهيه عليه‌السلام ، ويظهر منهم الكرامات والإخبار عن المغيبات من جهته ، واقتصر على ذكر اسماء الاربعة المعروفين منهم الذين أجمع الشيعة على أمانتهم وعدالتهم ، ورفعة مقامهم ، وعلوّ درجتهم ، فنقول :

الأول : الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ـ رضي الله تعالى عنه ـ وقد نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري ، وأبو محمد الحسن بن علي عليهم‌السلام ، وكان أسديّا ، ويقال له : العسكري ، والسمّان ؛ لأنّه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر ، وقد ورد النصّ عليه من الإمامين المذكورين ، ومن مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه. وقد ذكره الشيخ في رجاله تارة في ذكر اصحاب الهادي عليه‌السلام ، فقال : «عثمان بن سعيد العمري ، يكنّى أبا عمرو السمّان ، ويقال له : الزيّات ، خدمه وله إحدى عشرة سنة ، وله إليه عهد معروف» ، وتارة في اصحاب أبي محمد الحسن عليه‌السلام ، فقال : «جليل القدر ، ثقة ، وكيله عليه‌السلام» ، وقال أيضا في رجاله : «محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، يكنّى أبا جعفر ، وأبوه يكنّى أبا عمرو ، جميعا وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه‌السلام ، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة ، انتهى» ، ولقد أجاد المولى الوحيد حيث قال كما في تنقيح المقال : «هو أجلّ وأشهر من أن يذكر».

الثاني : أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضوان الله تعالى عليه ، فإنّه لمّا مضى أبوه أبو عمرو قام مقامه بنصّ أبي محمد عليه‌السلام عليه ، ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم عليه‌السلام ، وقد نقل الشيخ في غيبته عن أبي العبّاس عن هبة الله بن

٥٠٦

__________________

محمد عن شيوخه إجماع الشيعة على عدالته ووثاقته وأمانته ، لما ورد عليه من النصّ عليه بالعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه‌السلام ، وبعد موته في حياة أبيه ، قال : «وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ، ومعجزات الإمام ظهرت على يده ... الخ».

قال في تنقيح المقال : «جلالة شأن الرجل وعلوّ قدره ومنزلته في الإماميّة أشهر من أن يحتاج إلى بيان ... الخ» ، وكانت له كتب مصنّفة مما سمعها من أبي محمد الحسن ، ومن الصاحب عليهما‌السلام ، ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمد وعن أبي الحسن الهادي عليهما‌السلام ، قال الشيخ في كتاب الغيبة : «قال أبو نصر هبة الله : وجدت بخطّ أبي غالب الزراري ـ رحمه‌الله وغفر له ـ أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري ـ رحمة الله عليه ـ مات في آخر جمادى الاولى سنة خمس وثلاثمائة ، وذكر أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد أنّ أبا جعفر العمري مات في سنة أربع وثلاثمائة ، وأنّه كان يتولّى هذا الأمر نحوا من خمسين سنة ، يحمل الناس إليه أموالهم ، ويخرج إليهم التوقيعات بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه‌السلام إليهم بالمهمّات في أمر الدين والدنيا ، وفيما يسألونه من المسائل بالاجوبة العجيبة ، رضي‌الله‌عنه وأرضاه».

الثالث من السفراء : الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ـ رحمة الله عليه ـ المتولّي لمقام النيابة الخاصّة بعد محمد بن عثمان ـ رحمهما‌الله ـ والقائم مقامه بنصّ منه بأمر الإمام عليه‌السلام ، وهو من أعقل الناس عند الموافق والمخالف ، وكان له مكانة عظيمة عند العامّة أيضا ، وقد كان لمحمّد بن عثمان نحوا من عشرة أنفس ، وأبو القاسم بن روح فيهم ، وكانوا كلّهم أخصّ به من الشيخ أبي القاسم ، وبلغ جعفر بن أحمد بن متيل منه من الخصوصية به ، وكثرة كينونته في منزله بمرتبة كان أصحابنا لا يشكّون إن كانت حادثة لم تكن الوصيّة إلّا إليه ، ولكن لمّا وقع الاختيار بأمر الإمام على أبي القاسم لم ينكروا وسلّموا ، ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم وبين يديه كتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات ، وتوفّي الشيخ أبو القاسم ـ رضي‌الله‌عنه ـ في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة ، فكانت مدّة سفارته إحدى أو اثنتان وعشرون سنة.

الرابع من الوكلاء في عصر الغيبة الصغرى : الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري ـ رحمة الله عليه ـ القائم مقام الشيخ أبي القاسم بنصّ منه ، وهو آخر الوكلاء ، وبموته وقعت الغيبة التامّة ، وصار الأمر إلى الفقهاء وحملة الأحاديث وعلوم أهل البيت

٥٠٧

٨٦٣ ـ (١) ـ غيبة الشيخ : أخبرني جماعة ، عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمّد بن همام الإسكافي ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدّثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمّي ، [قال :] دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيّام ، فقلت : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت فقول من نقبل ، وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعني يؤديه ، فلمّا مضى أبو الحسن عليه‌السلام وصلت إلى أبي محمّد ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام ذات يوم ، فقلت له عليه‌السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي ، وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه.

قال أبو محمّد هارون : قال أبو علي : قال أبو العبّاس الحميري : فكنّا كثيرا ما نتذاكر هذا القول ، ونتواصف جلالة محلّ أبي عمرو.

٨٦٤ ـ (٢) ـ غيبة الشيخ : وأخبرنا جماعة ، عن أبي محمّد هارون ، عن محمد بن همّام ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : حججنا في بعض السنين بعد مضيّ أبي محمّد عليه‌السلام ، فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت : إنّ هذا الشيخ

__________________

عليهم‌السلام ، فيجب على العوام الرجوع إليهم ، ودلّت على ذلك روايات كثيرة قد مرّ بعضها ، ومات أبو الحسن علي بن محمّد السمري في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.

(١) ـ غيبة الشيخ : ص ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ح ٣١٥ فصل طرف من أخبار السفراء ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ب ١٦.

(٢) ـ غيبة الشيخ : الفصل المذكور ص ٣٥٥ ح ٣١٦ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٤٥ ب ١٦.

٥٠٨

ـ وأشرت الى أحمد بن إسحاق ـ وهو عندنا الثقة المرضي ، حدّثنا فيك بكيت وكيت ، واقتصصت عليه ما تقدّم ـ يعني : ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحلّه ـ وقلت : أنت الآن ممّن لا يشكّ في قوله وصدقه ، فأسألك بحقّ الله ، وبحقّ الإمامين اللذين وثّقاك ، هل رأيت ابن أبي محمّد الذي هو صاحب الزمان؟ فبكى ، ثم قال : على أن لا تخبر بذلك أحدا وأنا حيّ ، قلت : نعم ، قال : قد رأيته عليه‌السلام وعنقه هكذا ـ يريد أنّها أغلظ الرقاب حسنا وتماما ـ قلت : فالاسم؟ قال : نهيتم عن هذا.

٨٦٥ ـ (٣) ـ غيبة الشيخ : وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العبّاس السيرافي ، قال : أخبرنا أبو نصر عبد الله بن محمّد بن أحمد المعروف بابن برنيّة الكاتب ، قال : حدثني بعض الشرّاف من الشيعة الإماميّة أصحاب الحديث ، قال : حدّثني أبو محمّد العبّاس بن أحمد الصائغ ، قال : حدّثني الحسين بن أحمد الخصيبي ، قال : حدّثني محمّد بن إسماعيل ، وعلي بن عبد الله الحسنيّان ، قالا : دخلنا على أبي محمّد الحسن عليه‌السلام بسرّمن رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته ، حتّى دخل عليه بدر خادمه ، فقال : يا مولاي بالباب قوم شعث غبر ، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن (في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن عليه‌السلام لبدر :) فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلّا يسيرا حتّى دخل عثمان ، فقال له سيّدنا أبو محمّد عليه‌السلام : امض يا عثمان! فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ، واقبض من هؤلاء

__________________

(٣) ـ غيبة الشيخ : فصل طرف من أخبار السفراء ص ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ح ٣١٧ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٤٥ ب ١٦.

٥٠٩

النفر اليمنيين ما حملوه من المال ... ثم ساق الحديث الى أن قالا : ثم قلنا بأجمعنا : يا سيّدنا! والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتك ، ولقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك ، وأنّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى ، قال : نعم ، واشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأنّ ابنه محمدا وكيل ابني مهديّكم.

٨٦٦ ـ (٤) ـ غيبة الشيخ : عنه (أي : أحمد بن علي بن نوح) ، عن أبي نصر هبة الله بن أحمد الكاتب ، ابن بنت أبي جعفر العمري ـ قدّس الله روحه وأرضاه ـ عن شيوخه أنّه لمّا مات الحسن بن على عليهما‌السلام حضر غسله عثمان بن سعيد ـ رضي‌الله‌عنه وأرضاه ـ وتولّى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره ، مأمورا بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلّا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها ، وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه‌السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد ،

__________________

(٤) ـ غيبة الشيخ : ف طرف من أخبار السفراء ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ح ٣١٨ ، وقال الشيخ في ص ٣٢٠ : «وقال أبو نصر هبة الله بن محمد : وقبر عثمان بالجانب الغربي من مدينة السلام ، في شارع الميدان ، في أوّل الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب ، يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد ، رحمه‌الله. قال محمد بن الحسن مصنّف هذا الكتاب : رأيت قبره في الموضع الذي ذكره ، وكان بني في وجهه حائط ، وبه محراب المسجد ، والى جنبه باب يدخل الى موضع القبر ، في بيت ضيّق مظلم ، فكنّا ندخل إليه ونزوره مشاهرة ، وكذلك من وقت دخولي الى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة ثمّ نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج ، وأبرز القبر الى برّا ، وعمل عليه صندوقا ، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرّك جيران المحلّة بزيارته ، ويقولون : هو رجل صالح ، وربّما قالوا : هو ابن داية الحسين عليه‌السلام ، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه ، وهو إلى يومنا هذا ـ وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة ـ على ما هو عليه» ، البحار : ج ٥١ ص ٣٤٦ ب ١٦.

٥١٠

وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان الى شيعته وخواصّ أبيه أبي محمد عليه‌السلام ، بالأمر والنهي ، والاجوبة عمّا يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت الى السؤال فيه ، بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه‌السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما الى أن توفي عثمان بن سعيد ـ رحمه‌الله ورضي عنه ـ وغسّله ابنه أبو جعفر ، وتولّى القيام به ، وحصل الأمر كلّه مردودا إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدّم له من النصّ عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه‌السلام ، وبعد موته في حياة أبيه عثمان ـ رحمة الله عليه ـ.

٨٦٧ ـ (٥) ـ الكافي : محمّد بن عبد الله ومحمّد بن يحيى جميعا ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو ـ رحمه‌الله ـ عند أحمد بن إسحاق ، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف ، فقلت له : يا أبا عمرو! إنّي اريد أن أسألك عن شيء ، وما أنا بشاكّ فيما اريد أن أسألك عنه ، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إلّا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما ، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة ، واغلق باب التوبة ، فلم يك ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، فأولئك أشرار من خلق الله عزوجل ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة ، ولكنّي أحببت أن أزداد يقينا ، وإنّ إبراهيم عليه‌السلام سأل ربّه عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى ، قال : أولم تؤمن ، قال : بلى ، ولكن ليطمئنّ قلبي ، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته

__________________

(٥) ـ الكافي : ص ٣٢٩ و ٣٣٠ ب تسمية من رآه عليه‌السلام ؛ غيبة الشيخ : فصل طرف من أخبار السفراء ص ٣٥٩ ـ ٣٦١ ح ٣٢٢ ، وفي فصل ولادة صاحب الأمر عليه‌السلام ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ح ٢٠٩ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ب ١٦.

٥١١

وقلت : من اعامل أو عمّن آخذ ، وقول من أقبل؟ فقال له : العمري ثقتي ، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال لك فعني يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنّه الثقة المأمون. وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمّد عليه‌السلام عن مثل ذلك ، فقال له : العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فإنّهما الثقتان المأمونان. فهذا قول إمامين قد مضيا فيك ، قال : فخرّ أبو عمرو ساجدا وبكى ، ثمّ قال : سل حاجتك ، فقلت له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد عليه‌السلام؟ فقال : إي والله ، ورقبته مثل ذا ـ وأومأ بيده ـ ، فقلت له : فبقيت واحدة ، فقال لي : هات ، قلت : فالاسم ، قال : محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندى ، فليس لي أن أحلّل ولا احرّم ، ولكن عنه عليه‌السلام ، فإنّ الأمر عند السلطان أنّ أبا محمّد مضى ولم يخلف ولدا ، وقسّم ميراثه وأخذه من لا حقّ له فيه ، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئا ، وإذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتّقوا الله وأمسكوا عن ذلك.

قال الكليني ـ رحمه‌الله ـ : وحدّثني شيخ من أصحابنا ـ ذهب عنّي اسمه ـ أنّ أبا عمرو سئل عند أحمد بن إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا.

٨٦٨ ـ (٦) ـ كمال الدين : قال عبد الله بن جعفر الحميري : وخرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري في التعزية بأبيه

__________________

(٦) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٥١٠ ب ٤٥ ح ٤١ ؛ غيبة الشيخ : فصل طرف من أخبار السفراء بسنده عن عبد الله بن جعفر ص ٣٦١ ح ٣٢٣ ؛ الخرائج والجرائح : ج ٣ ص ١١١٢ ح ٢٨ ، البحار : ج ٥١ ص ٣٤٨ و ٣٤٩ ب ١٦ ؛ الاحتجاج : ج ٢ ص ٣٠٠ ـ ٣٠١.

٥١٢

رضي الله تعالى عنهما ، وفي فصل من الكتاب : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، تسليما لأمره ، ورضاء بقضائه ، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ، فرحمه‌الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم‌السلام ، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ، ساعيا فيما يقرّبه الى الله عزوجل وإليهم ، نضر الله وجهه ، وأقاله عثرته.

وفي فصل آخر : أجزل الله لك الثواب ، وأحسن لك العزاء ، رزئت ورزئنا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله عزوجل ولدا مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ، ويترحّم عليه ، وأقول : الحمد لله ، فإنّ الأنفس طيّبة بمكانك ، وما جعله الله عزوجل فيك وعندك ، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك ، وكان الله لك وليّا وحافظا وراعيا وكافيا ومعينا.

٨٦٩ ـ (٧) ـ غيبة الشيخ : وأخبرني جماعة ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن همّام ، [قال :] قال لي عبد الله بن جعفر الحميري : لمّا مضى أبو عمرو ـ رضي الله تعالى عنه ـ أتتنا الكتب بالخطّ الذي كنّا نكاتب به بإقامة أبي جعفر ـ رضي‌الله‌عنه ـ مقامه.

٨٧٠ ـ (٨) ـ غيبة الشيخ : (وبهذا الاسناد) عن محمد بن همّام ، قال : حدّثني محمّد بن حمويه بن عبد العزيز الرازي في سنة ثمانين ومائتين ، قال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنّه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو : والابن ـ وقاه الله ـ لم يزل ثقتنا في حياة الأب ـ رضي‌الله‌عنه وأرضاه ونضر وجهه ـ يجري عندنا مجراه ، ويسدّ مسدّه ، وعن

__________________

(٧) ـ غيبة الشيخ : فصل طرف من أخبار السفراء ص ٣٦٢ ح ٣٢٤ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٤٩ ب ١٦ ح ٢.

(٨) ـ غيبة الشيخ : الفصل المذكور ص ٣٦٢ ح ٣٢٥ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٤٩ ب ١٦ ح ٢.

٥١٣

أمرنا يأمر الابن ، وبه يعمل ، تولاه الله فانته الى قوله ، وعرّف معاملتنا ذلك.

٨٧١ ـ (٩) ـ كمال الدين : وحدّثنا أبو جعفر محمد بن على الاسود ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنّ أبا جعفر العمري ـ قدس‌سره ـ حفر لنفسه قبرا وسوّاه بالساج ، فسألته عن ذلك ، فقال : للناس أسباب ، ثمّ سألته بعد ذلك ، فقال : قد امرت أن أجمع أمري ، فمات بعد ذلك بشهرين ـ رضي‌الله‌عنه ـ.

٨٧٢ ـ (١٠) ـ كمال الدين : وأخبرنا محمد بن علي بن متيل ، قال : قال عمّي جعفر بن محمد بن متيل : دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان السمّان ، المعروف بالعمري ـ رضي‌الله‌عنه ـ فأخرج إليّ ثويبات معلمة وصرّة فيها دراهم ، فقال لي : يحتاج أن تصير [تسير ـ ظ] بنفسك الى واسط في هذا الوقت ، وتدفع ما دفعت إليك الى أوّل رجل يلقاك عند صعودك من المركب الى الشطّ بواسط ، قال : فتداخلني من ذلك غمّ شديد ، وقلت : مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح (١) ، قال : فخرجت الى واسط ، وصعدت من المركب ، فأوّل رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني ، وكيل الوقف بواسط ،

__________________

(٩) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٥٠٢ ب ٤٥ ح ٢٩ ؛ غيبة الشيخ : فصل طرف من أخبار السفراء ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ح ٣٣٣ عن ابن بابويه عن جماعة ؛ الخرائج والجرائح : ج ٣ ص ١١٢٠ ح ٣٦ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٥١ ـ ٣٥٢ ب ١٦ ضمن الحديث الرابع ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٦٧٧ ب ٣٣ ح ٧٤ ؛ اعلام الورى : ص ٤٢٢.

(١٠) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٥٠٤ ب ٤٥ ح ٣٥ ؛ الخرائج والجرائح : باب العلامات السارّة ... ص ١١١٩ ح ٣٥ ، ؛ إثبات الهداة : ج ٧ ص ٣١٤ و ٣١٥ ب ٣٣ ح ٧٩ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ب ١٥ ح ٦٣.

(١) الوتح : القليل من كلّ شيء. لسان العرب : ج ٢ ص ٦٢٨ مادّة «وتح».

٥١٤

فقال : أنا هو ، من أنت؟ فقلت : أنا جعفر بن محمّد بن متّيل ، قال : فعرفني باسمي وسلّم عليّ وسلّمت عليه ، وتعانقنا ، فقلت له : أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إليّ هذه الثويبات وهذه الصرّة لاسلّمها إليك ، فقال : الحمد لله ، فإنّ محمّد بن عبد الله الحائري [العامري ـ خ] قد مات وخرجت لإصلاح كفنه ، فحلّ الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حبر وثياب وكافور في الصرّة ، وكري الحمّالين والحفّار ، قال : فشيّعنا جنازته وانصرفت.

٨٧٣ ـ (١١) ـ غيبة الشيخ : أخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن ابن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد ، قال : حدّثني خالى أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي ، قال : قال لي أبي أحمد بن إبراهيم ، وعمّي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم ، وجماعة من أهلنا ـ يعني : بني نوبخت ـ : إنّ أبا جعفر العمري لمّا اشتدّت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ، منهم : أبو علي بن همّام ، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه والأكابر ، فدخلوا على أبي جعفر ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ، القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه‌السلام ، والوكيل ، والثّقة الأمين ، فارجعوا إليه في اموركم ، وعوّلوا عليه في مهمّاتكم ، فبذلك امرت ، وقد بلّغت.

__________________

(١١) ـ غيبة الشيخ : فصل طرف من أخبار السفراء ص ٣٧١ ـ ٣٧٢ ح ٣٤٢ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٥٥ ب ١٦ ح ٦.

٥١٥

٨٧٤ ـ (١٢) ـ غيبة الشيخ : وسأله (أي الحسين بن روح) بعض المتكلّمين ، وهو المعروف بترك الهروي ، فقال له : كم بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : أربع ، قال : فأيّتهنّ أفضل؟ فقال : فاطمة عليها‌السلام ، فقال : ولم صارت أفضل وكانت أصغرهنّ سنّا ، وأقلّهنّ صحبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : لخصلتين خصّها الله بهما تطوّلا عليها ، وتشريفا وإكراما لها : إحداهما أنّها ورثت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرث غيرها من ولده ، والاخرى أنّ الله تعالى أبقى نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ولم يبقه من غيرها ، ولم يخصّصها بذلك إلّا لفضل إخلاص عرفه من نيّتها ، قال الهروي : فما رأيت أحدا تكلّم وأجاب في هذا الباب بأحسن ولا أوجز من جوابه.

٨٧٥ ـ (١٣) ـ غيبة الشيخ : وأخبرني جماعة ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة على الحاجّ وهي سنة تناثر الكواكب ، أنّ والدي ـ رضي‌الله‌عنه ـ كتب الى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ـ رضي‌الله‌عنه ـ يستأذن في الخروج الى الحجّ ، فخرج فى الجواب : لا تخرج في هذه السنة ، فأعاد فقال : هو

__________________

(١٢) ـ غيبة الشيخ : فصل طرف من أخبار السفراء ص ٣٨٨ ح ٣٥٣ ؛ البحار : ج ٤٣ ص ٣٧ ب ٢ ذيل ح ٤٠ وفيه : «بزل الهروي» ، المناقب : ج ٣ ص ٣٢٣ و ٣٢٤ ب مناقب فاطمة الزهراء عليها‌السلام وفيه أيضا : «بزل الهروي» ويحتمل وقوع التصحيف وأنّ الأصل كان «بديل بن أحمد الهروي» لكنّه على ما ذكره الفيروزآبادي محدّث والله أعلم.

(١٣) ـ غيبة الشيخ : ص ٣٢٢ ح ٢٧٠ ؛ البحار : ج ٥١ ص ٢٩٣ ب ١٥ ح ١ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٦٩٢ ب ٣٣ ح ١١٠.

٥١٦

نذر واجب ، أفيجوز لي القعود عنه؟ فخرج الجواب : إن كان لا بدّ فكن في القافلة الأخيرة ، فكان في القافلة الأخيرة ، فسلم بنفسه وقتل من تقدّمه في القوافل الأخر.

٨٧٦ ـ (١٤) ـ كمال الدين : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ـ قدّس الله روحه ـ مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل ، فقال له : إنّي اريد أن أسألك عن شيء ، فقال له : سل عمّا بدا لك ، فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليهما‌السلام أهو وليّ الله؟ قال : نعم ، قال : أخبرني عن قاتله أهو عدوّ الله؟ قال : نعم ، قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عزوجل عدوّه على وليّه؟ فقال له أبو القاسم الحسين بن روح ـ قدس الله روحه ـ : افهم عنّي ما أقول لك ، اعلم أنّ الله عزوجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنّه جلّ جلاله يبعث إليهم رسلا من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلمّا جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم : أنتم بشر مثلنا ، ولا نقبل منكم حتّى تأتوننا بشيء نعجز أن نأتي بمثله ، فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار ، فغرق جميع من طغى

__________________

(١٤) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٥٠٧ ـ ٥٠٩ ب ٤٥ ح ٣٧ ؛ غيبة الشيخ : ص ٣٢١ ـ ٣٢٢ ح ٢٦٩ وص ٣٢٤ ـ ٣٢٦ ح ٢٧٣ فصل طرف من أخبار السفراء ح ٣٣ ؛ البحار : ج ٤٤ ص ٢٧٣ و ٢٧٤ ب ٣٣ ح ١ ؛ علل الشرائع : ج ١ ص ٢٤١ ـ ٢٤٣ ب ١٧٧ ح ١ ؛ الاحتجاج : ج ٢ ص ٢٨٥ ـ ٢٨٨ وص ٤٧١ ـ ٤٧٣ طبع بيروت.

٥١٧

وتمرّد ، ومنهم من القي في النار فكانت بردا وسلاما ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبنا ، ومنهم من فلق له البحر ، وفجّر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الاكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشقّ له القمر ، وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك ، فلمّا أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق عن أمرهم وعن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عزوجل ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه عليهم‌السلام مع هذه القدرة والمعجزات في حالة غالبين وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين وفي اخرى مقهورين ، ولو جعلهم الله عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنّه عزوجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين ، وليعلم العباد أنّ لهم عليهم‌السلام إلها هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدوه ، ويطيعوا رسله ، وتكون حجّة الله ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبيّة ، أو عاند أو خالف وعصى وجحد بما أتت به الرسل والأنبياء عليهم‌السلام ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).

قال محمّد بن إبراهيم بن اسحاق ـ رضي‌الله‌عنه ـ فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ـ قدّس الله روحه ـ من الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ، فابتدأني فقال لي : يا محمّد بن

٥١٨

إبراهيم! لأن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين الله عزوجل برأيي أو من عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ، ومسموع عن الحجّة صلوات الله عليه وسلامه.

٨٧٧ ـ (١٥) ـ غيبة الشيخ : وأخبرني جماعة ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمّي ، قال : حدّثني جماعة من أهل قم ، منهم : علي بن بابويه ، قال : حدّثني جماعة من أهل قم منهم : عمران الصفّار ، وقريبه علوية الصفّار ، والحسين بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن إدريس ـ رحمهم‌الله ـ قالوا : حضرنا بغداد في السنة التي توفي فيها أبي علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، وكان أبو الحسن علي بن محمّد السمري ـ قدس‌سره ـ يسألنا كلّ قريب عن خبر على بن الحسين ـ رحمه‌الله ـ فنقول : قد ورد الكتاب باستقلاله ، حتّى كان اليوم الذي قبض فيه فسألنا عنه فذكرنا له مثل ذلك ، فقال : آجركم الله في عليّ بن الحسين ، فقد قبض في هذه الساعة. قالوا : فأثبتنا تأريخ الساعة واليوم والشهر ، فلمّا كان بعد سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما ورد الخبر أنّه قبض في تلك الساعة التي ذكرها الشيخ أبو الحسن ـ قدس‌سره ـ.

٨٧٨ ـ (١٦) ـ كمال الدين : حدّثنا أبو محمّد ؛ الحسن بن أحمد

__________________

(١٥) ـ غيبة الشيخ : ص ٣٩٥ ـ ٣٩٦ ح ٣٦٦ ، وفي بعض النسخ : «قرينه» ؛ كمال الدين : ج ٢ ص ٥٠٣ ب ٤٥ ح ٣٢ ؛ رجال النجاشي : ص ٢٦٢ برقم ٦٨٤ ؛ فرج المهموم : ص ١٣٠ ؛ إعلام الورى : ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ب ٣ ف ٢ ؛ إثبات الهداة : ج ٣ ص ٦٩٣ ف ١٢ ب ٣٣ ح ١١٣ وفيه : «هرثمة بن العلوية» ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٦١ ب ١٦ ح ٨ ؛ الخرائج والجرائح : ج ٣ ص ١١٢٨ ح ٤٥ مختصرا.

(١٦) ـ كمال الدين : ج ٢ ص ٥١٦ ب ٤٥ ح ٤٤ ؛ غيبة الشيخ : ص ٣٩٥ ح ٣٦٥ ؛ إعلام الورى : الركن الرابع ق ٢ ب ٣ ف ٢ وفيه : «وسيأتي شيعتي» ؛ الخرائج والجرائح :

٥١٩

المكتّب ، قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري ـ قدّس الله روحه ـ فحضرته قبل وفاته بأيّام ، فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري! أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة الثانية [التامّة ـ خ] ، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله عزوجل ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

__________________

ج ٣ ص ١١٢٨ ح ٦ ط مؤسّسة الإمام المهديّ عليه‌السلام ؛ البحار : ج ٥١ ص ٣٦٠ و ٣٦١ ب ١٦ ح ٧ ؛ جنّة المأوى المطبوع مع المجلّد ٥٣ من البحار : ص ٣١٨.

أقول : في بعض نسخ كمال الدين وسائر الكتب : «فقد وقعت الغيبة التامّة» ، وفي اصل النسخة المطبوعة من غيبة الشيخ : «وسيأتي لشيعتي» ، وفي الخرائج وجنّة المأوى : «وسيأتي من شيعتي» ، وفي بعض الكتب : «وسيأتي في شيعتي» ، هذا وربّما يقال بأنّ هذا التوقيع بظاهره ينافي الحكايات الكثيرة المتواترة القطعيّة التي لا يمكن احصاؤها لكثرتها ، وتدلّ على وقوع المشاهدة ، وتشرّف البعض بدرك فيض زيارته ومحضره ، وينافي أيضا ما اتّفق الكلّ عليه ظاهرا حتى الصدوق ناقل هذا التوقيع من مشاهدة جماعة كثيرة إيّاه ، وقد ذكروا لرفع التنافي أو الجواب عن هذا الخبر وجوها ، ذكر الستة منها في جنّة المأوى ، منها : ما عن المجلسي في البحار وغيره ، وهو أنّ سياق الخبر يشهد بأنّ المراد من ادّعاء المشاهدة ادّعاؤها مع النيابة والسفارة ، وايصال الأخبار من جانبه الى الشيعة على مثال السفراء في الغيبة الصغرى ، وهذا الوجه قريب جدا ، ومنها : أنّه خبر واحد مرسل ضعيف ، لم يعمل به ناقله وهو الصدوق في الكتاب المذكور ، وأعرض الاصحاب عنه ، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها ، بل من بعضها المتضمّن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره عليه‌السلام.

إثبات الهداة : ج ٣ ص ٦٩٣ ف ٣ ب ٣٣ ح ١١٢ مختصرا ؛ الاحتجاج : ج ٢ ص ٤٧٨ طبع بيروت.

٥٢٠