واختلف السلف ـ أيضا ـ في تفضيل عليّ وأبي بكر ..
وفي إجماع الجميع ـ الذي وصفناه ـ دليل على أنّ حديث ابن عمر وهم وغلط ، وأنّه لا يصحّ معناه » (١).
ومنها : ما كذّبته فيه عائشة في اعتمار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في رجب ..
روى مسلم في « باب عدد عمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وزمانهنّ » ، من « كتاب الحجّ » ، عن عروة بن الزبير ، قال : كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة ، وإنّا لنسمع ضربها بالسواك تستنّ.
قال : فقلت : يا أبا عبد الرحمن! اعتمر النبيّ في رجب؟
قال : نعم.
فقلت لعائشة : يا أمّتاه! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟!
قالت : وما يقول؟
قلت : يقول : اعتمر النبيّ في رجب.
فقالت : لعمري ما اعتمر في رجب ، وما اعتمر من عمرة إلّا وإنّه لمعه.
قال : وابن عمر يسمع ، فما قال « لا » ، ولا « نعم » ؛ سكت (٢)!
وأخرج مسلم أيضا نحوه ، عن مجاهد ، قال : دخلت أنا وعروة المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، والناس يصلّون الضّحى في المسجد ، فسألناه عن صلاتهم؟
فقال : بدعة!
__________________
(١) الاستيعاب ٣ / ١١١٦.
(٢) صحيح مسلم ٤ / ٦١.
فقال له عروة : [ يا أبا عبد الرحمن! ] كم اعتمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
فقال : أربع عمر ، إحداهنّ في رجب ...
ثمّ ذكر نحو الحديث السابق (١).
وروى البخاري مثله في باب « كم اعتمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم » ، من « كتاب الحجّ » (٢).
وكذا أحمد في « مسنده » ، في مقامات عديدة (٣).
ومنها : ما كذّبته فيه ـ أيضا ـ عائشة ، وهو عدد عمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أخرج أحمد في « مسنده » (٤) ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : سئل كم اعتمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
قال : مرّتين.
فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد اعتمر ثلاثة سوى العمرة التي قرنها بحجّة الوداع.
وروى نحوه في مقام آخر (٥) ، غير إنّ ابن عمر قال فيه : اعتمر رسول الله مرّتين قبل أن يحجّ.
ومنها : ما كذّبته هي أيضا فيه ، وهو روايته عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله.
__________________
(١) صحيح مسلم ٤ / ٦١ ، وانظر : صحيح البخاري ٥ / ٢٩٢ ح ٢٦٥.
(٢) صحيح البخاري ٣ / ١٦ ح ٣٥٣.
(٣) منها : ص ١٢٩ ج ٢ ، وص ١٥٧ ج ٦. منه قدسسره.
وانظر كذلك : مسند أحمد ٢ / ١٥٥.
(٤) ص ٧٠ من الجزء الثاني ، منه قدسسره.
(٥) ص ١٣٩ ج ٢. منه قدسسره.
روى البخاري ومسلم في « كتاب الجنائز » ، ما ملخّصه : أنّ ابنة لعثمان ماتت وحضرها ابن عبّاس وابن عمر ، فقال ابن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهى عن البكاء ، فإنّ النبيّ قال : « إنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه ».
فقال ابن عبّاس : قد كان عمر يقول بعض ذلك.
وذكر ذلك لعائشة ، فقالت : والله ما حدّث رسول الله أنّ الله يعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه ... فو الله ما قال ابن عمر شيئا (١).
وروى مسلم نحوه كثيرا (٢).
وكذا أحمد (٣).
ومنها : ما كذّبته هي أيضا فيه ، وهو ما رواه من كلام النبيّ لمّا وقف على قليب (٤) بدر.
أخرج مسلم في كتاب الجنائز ، في « باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه » ، عن عروة ، قال : ذكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النبيّ أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه.
فقالت : إنّما قال رسول الله يعذّب بخطيئته أو بذنبه ، وإنّ أهله ليبكون عليه ، وذلك مثل قوله : إنّ رسول الله قام على القليب يوم بدر
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ / ١٧٢ ح ٤٧ ، صحيح مسلم ٣ / ٤٣.
(٢) صحيح مسلم ٣ / ٤١ ـ ٤٥.
(٣) ص ٣١ و ٣٨ من الجزء الثاني ، وص ٥٧ وص ٢٠٩ من الجزء السادس. منه قدسسره.
وانظر كذلك : مسند أحمد ١ / ٤١ و ٤٢.
(٤) القليب : البئر مطلقا ، وقيل : هي البئر التي لا يعلم لها ربّ ولا حافر ، تكون بالبراري ، تذكّر وتؤنّث ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٢٧٢ مادّة « قلب ».
وفيه قتلى بدر من المشركين ، فقال لهم ؛ ما قال : إنّهم ليسمعون ما أقول ، إنّما قال : إنّهم ليعلمون أنّ ما كنت أقول حقّ (١).
وروى أحمد ما تضمّنه عجز الحديث (٢).
ومنها : ما كذّبته هي أيضا فيه ، وهو عدد أيّام الشهر ..
أخرج أحمد (٣) ، عن ابن عمر ، عن النبيّ ، قال : الشهر تسع وعشرون.
فذكروا ذلك لعائشة ، فقالت : إنّما قال : الشهر يكون تسعا وعشرين.
ومنها : ما كذّبه فيه معاوية ..
روى البخاري في أوّل كتاب الأحكام ، في « باب الأمراء من قريش » ، عن الزهري ، عن جبير بن مطعم ، أنّه بلغ معاوية أنّ عبد الله بن عمر يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان.
فغضب ، فقام فأثنى على الله بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّ رجالا منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تؤثر عن رسول الله ، وأولئك جهّالكم ، فإيّاكم والأمانيّ التي تضلّ أهلها ، فإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّ هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلّا كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدّين » (٤).
ومنها : ما كذّبه فيه بعض أهله ..
__________________
(١) صحيح مسلم ٣ / ٤٤ ، وانظر : صحيح البخاري ٥ / ١٨٦ ح ٢٩.
(٢) ص ٣١ و ٣٨ من الجزء الثاني. منه قدسسره.
(٣) ص ٥١ من الجزء السادس. منه قدسسره.
وانظر كذلك : مسند أحمد ٢ / ٣١ و ٥٦ وج ٦ / ٢٤٣.
(٤) صحيح البخاري ٩ / ١١١ ح ٣.
روى البخاري ، في « باب ما جاء في البناء » ، آخر « كتاب الاستئذان » ، عن سفيان ، قال ابن عمر : « والله ما وضعت لبنة على لبنة ، ولا غرست نخلة منذ قبض النبيّ.
قال سفيان : فذكرته لبعض أهله ، قال : والله لقد بنى!
لكنّ سفيان حمله على الصحّة ، فقال : لعلّه قال قبل أن يبني » (١).
أقول :
أهله أعرف به ، ولو لم يعرفه هذا البعض منهم بالكذب لما تسرّع لتكذيبه.
ولو سلّم ، فلا تتّجه بقيّة الروايات ؛ إذ لا وجه لها إلّا الحمل على الخطأ ، وهو ممتنع عادة في كثير منها.
ولو سلّم ، فمن أخطأ في هذه الأمور المحسوسة الظاهرة ، لا يمكن الحلف على صدق ما يرويه.
وبالجملة : الكذب ـ عمدا أو خطأ ـ في ما اختلف فيه ابن عمر وغيره ، لا بدّ أن يكون صادرا من أحدهما ، فيمتنع معه صحّة الحلف المذكور.
وقد وقع لأنس من ابن عمر ، مثل ما وقع لابن عمر من عائشة.
أخرج أحمد (٢) ، عن بكر ، قال : قلت لابن عمر : إنّ أنسا حدّثه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لبّى بالعمرة والحجّ.
فقال ابن عمر : هل خرجنا مع رسول الله إلّا حجّاجا؟! فلمّا قدمنا
__________________
(١) صحيح البخاري ٨ / ١٢٠ ح ٧٣.
(٢) ص ٧٩ ج ٢ ، ونحوه ص ٥٣ من الجزء المذكور. منه قدسسره.
أمرنا أن نجعلها عمرة إلّا من كان معه هدي.
قال : فحدّثت أنسا بذلك ، فغضب وقال : لا تعدّونا إلّا صبيانا!
ثمّ إنّ ابن عمر قد صدرت منه الكبائر ، فلا يعتدّ بروايته ..
منها : إنّه ترك صلاة الجمعة ..
روى البخاري في أوائل كتاب المغازي ، عن نافع ، أنّ ابن عمر ذكر له أنّ سعيد بن زيد ... مرض في يوم جمعة ، فركب إليه بعد أن تعالى النهار ، واقتربت الجمعة وترك الجمعة (١).
ومنها : وهو أعظمها ، تخلّفه عن بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقد بايعه أهل الحلّ والعقد (٢) ، وعندهم أنّ الخلافة تنعقد بهم ، بل ببيعة الواحد والاثنين ، كما سبق (٣).
مع أنّه قد روى مسلم في « باب الأمر بلزوم الجماعة » ، من « كتاب الإمارة » ، عن نافع ، قال : « جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد ، فقال : اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة.
فقال : إنّي لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدّثك حديثا ؛ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية » (٤).
__________________
(١) صحيح البخاري ٥ / ١٩١ ـ ١٩٢ ح ٣٩.
(٢) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦٩٧ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٨٢ ، البداية والنهاية ٧ / ١٨٢.
(٣) راجع : ج ٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٣ من هذا الكتاب.
(٤) صحيح مسلم ٦ / ٢٢.
وروى أحمد نحوه من طرق (١).
فيا عجبا من ابن عمر! يروي هذا ويرى أنّ من ليس في عنقه بيعة ليزيد المارد يموت ميتة جاهلية ، ويترك بيعة أخي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ونفسه عامدا مصرّا على الترك أكثر من أربع سنين!!
فهل تراه كاذبا في حديثه ، أو صادقا فيه غير مبال بالميتة الجاهلية بغضا لوليّ المؤمنين ومولاهم ، وهضما لحقّه ، والبغض له أعظم الفسق ، ودليل النفاق؟!
فكيف يكون مع هذا مقبول الرواية ، محلّ الاطمئنان برواياته؟!
فتدبّر واعتبر!!
وأمّا أبو هريرة ، فهو أولى بعدم الاعتماد عليه ؛ لكثرة خرافاته التي لا يقبلها عقل عاقل ، وظهور كذبه في كثير ممّا رواه ، واتّهام الصحابة والتابعين ، بل تكذيبهم له أفرادا ونوعا (٢).
أمّا خرافاته وكذباته ، فلا يمكن إحصاؤها ، ولكنّا نذكر منها اليسير ..
فمنها : أخباره السابقة في « مبحث النبوّة » (٣) ، التي وصم بها جلال الله سبحانه وشرف أنبيائه المعصومين.
__________________
(١) ص ٨٣ و ٩٧ من الجزء الثاني. منه قدسسره.
وانظر نحوه في مسند أحمد ٢ / ١٣٣ و ١٥٤.
وراجع : ج ٤ / ٢١٣ ـ ٢١٤ وج ٥ / ٩ و ٢٧٠ من هذا الكتاب!
(٢) انظر : تأويل مختلف الحديث ـ لابن قتيبة ـ : ٢٢ و ٣٢ و ٣٣ ، وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحة ٥١٦ وما بعدها من هذا الجزء.
(٣) راجع : ج ٤ / ٦٠ ـ ٦٣ و ٩٠ و ٩٢ و ٩٩ و ١١٦ ـ ١١٧ و ١٢٠ و ١٥٩ ـ ١٧٠ من هذا الكتاب.
ومنها : ما سنذكره من سبب حفظه العلم (١).
ومنها : ما رواه البخاري ، عنه (٢) ، قال : « سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لن يدخل أحدا عمله الجنّة.
قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟!
قال : [ لا ، ] ولا أنا! ». الحديث ..
فإنّه مخالف لقوله تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) ..
وقوله سبحانه : ( وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٤).
.. إلى كثير من الآيات الكريمة ، والسنّة المستفيضة (٥).
__________________
(١) سيأتي ذلك عمّا قريب في الصفحة ٥٢١.
(٢) في باب تمنّي المريض الموت من كتاب المرضى [ ٧ / ٢٢٠ ح ٣٤ ]. منه قدسسره.
(٣) سورة النحل ١٦ : ٣٢.
(٤) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٩.
(٥) أمّا من الكتاب العزيز ..
فمثل قوله تعالى : ( أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٤.
وقوله سبحانه : ( وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) سورة الإنسان ٧٦ : ١٢.
وقوله عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) سورة البيّنة ٩٨ : ٧ و ٨.
وأمّا من السنّة الشريفة ..
فمثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من مات يعبد الله مخلصا من قلبه ، أدخله الله الجنّة وحرّم عليه النار » انظر : مسند أبي يعلى ٣ / ٣٥٢ ح ١٨٢٠.
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من أطاعني دخل الجنّة ، ومن عصاني فقد أبى » انظر : مسند
ولكنّ أبا هريرة ينسج على منوال القصّاصين ، ويمسخ معالم الله سبحانه بما يقتضيه عقله وتحكم به مخيّلته ، فيلقي على أسماع القوم هذه السخافات والكذب الظاهر ، فيقبلونها من دون التفات ؛ لاعتمادهم على كلّ صحابيّ وإن ظهرت منه الكبائر بأنواعها ، وجاز في حديثه حدّ العقل.
ومنها : ما أخرجه البخاري (١) ، عنه ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : « رأى عيسى بن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت؟!
قال : كلّا والذي لا إله إلّا هو.
فقال عيسى : آمنت بالله ، وكذّبت عيني » ..
فإنّ الإيمان بالله لا ينافي صدق عينه ، وأيّ عقل يقتضي تكذيب العين ووجدانها ، وتصديق الحالف بالله كذبا المستحقّ للعقاب من جهة السرقة والحلف بالله كذبا؟!
ولكنّ وساوس أبي هريرة وخياليّاته لم تقنع إلّا بالكذب على نبيّ في نسبة نبيّ آخر إلى الحمق والجهل!
__________________
أحمد ٢ / ٣٦١.
وعن أبي أيّوب ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّة ويباعدني من النار.
قال : « تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل اذا رحمك ».
فلمّا أدبر قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إن تمسّك بما أمر به دخل الجنّة » انظر : صحيح البخاري ٢ / ٢١٥ ح ١٥١ ، صحيح مسلم ١ / ٣٣ ، مسند أحمد ٥ / ٤١٧ و ٤١٨.
(١) في باب : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها ) ، من كتاب بدء الخلق [ ٤ / ٣٢٣ ح ٢٤٠ ]. منه ١.
ومنها : ما أخرجه البخاري (١) ، ومسلم (٢) ، وأحمد (٣) ، عنه ، قال : « كانت امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما.
فقالت صاحبتها : إنّما ذهب بابنك.
وقالت الأخرى : إنّما ذهب بابنك.
فتحاكمتا إلى داود ، فقضى به للكبرى.
فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه ، فقال : ائتوني بالسكّين أشقّه بينهما.
فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله ، هو ابنها.
فقضى به للصغرى.
قال أبو هريرة : والله إن سمعت بالسكّين إلّا يومئذ ، وما كنّا نقول إلّا : المدية ».
فإنّ داود عليهالسلام إن حكم بلا دليل ، فقد حكم بغير الحقّ الذي أمدّه الله تعالى به ، وهو منزّه عن ذلك.
وإن كان بدليل ، فكيف نقض سليمان حكم الله بمجرّد إشفاق الأخرى؟!
فالحديث طعن من أبي هريرة بأحد النبيّين الأكرمين.
ومن المضحك قوله : « والله إن سمعت بالسكّين إلّا يومئذ » ..
__________________
(١) في باب : ( وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ) .. الآية ، من كتاب بدء الخلق [ ٤ / ٣١٥ ح ٢٢٥ ]. منه قدسسره.
(٢) في بيان اختلاف المجتهدين ، من كتاب الأقضية [ ٥ / ١٣٣ ]. منه قدسسره.
(٣) ص ٣٢٢ ج ٢ من المسند. منه قدسسره.
فإنّ لفظ السكّين كثير الدوران في كلام العرب ، ولا يجهله أحد منهم ، وقد نطق به الكتاب العزيز ، فقال تعالى في سورة « يوسف » : ( وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً ) (١) ، وهي مكّيّة ، نزلت قبل إسلام أبي هريرة بعدّة سنين ؛ لأنّه أسلم سنة سبع للهجرة (٢) ، فما باله لم يسمع هذه الآية التي عمّ علمها المسلمين لقدمها؟!
ولم لم يعلمها وقد زعم أنّه حفظ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعاءين ، بثّ أحدهما ، ولو بثّ الآخر لقطع منه البلعوم ، كما رواه البخاري عنه (٣)؟!
وليت شعري ، ما هذه الأسرار الغريبة التي خصّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بها أبا هريرة ، وأخفاها عن المسلمين ، فضاعت عنّا؟!
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!
ومنها : ما رواه البخاري (٤) ، عنه ، قال : « وكّلني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنّك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : إنّي محتاج ، وعليّ عيال ، ولي حاجة شديدة.
فخلّيت عنه ، فأصبحت ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟
قلت : يا رسول الله! شكا حاجة شديدة [ وعيالا ] ، فرحمته ، فخلّيت
__________________
(١) سورة يوسف ١٢ : ٣١.
(٢) انظر : المعارف : ١٥٨ ، الاستيعاب ٤ / ١٧٧١ رقم ٣٢٠٨ ، أسد الغابة ٥ / ٣٢٠ رقم ٦٣١٩.
(٣) في باب حفظ العلم ، من كتاب العلم [ ١ / ٦٨ ح ٦١ ]. منه قدسسره.
(٤) في أوائل كتاب الوكالة [ ٣ / ٢٠٤ ]. منه قدسسره.
سبيله.
قال : [ أمّا ] إنّه قد كذبك وسيعود.
فعرفت أنّه سيعود ؛ لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّه سيعود.
فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنّك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : دعني! فإنّي محتاج ، وعليّ عيال ، لا أعود.
فرحمته ، فخلّيت سبيله.
فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟
قلت : يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخلّيت سبيله.
قال : أمّا إنّه قد كذبك وسيعود.
فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنّك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرّات ، إنّك تزعم لا تعود ثمّ تعود.
قال : دعني أعلّمك كلمات ينفعك الله بها.
قلت : ما هو؟
قال : إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( اللهُ لا إِلهَ إِلأَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ... ) (١) حتّى تختم الآية ، فإنّك لا يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتّى تصبح.
فخلّيت سبيله.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ : ٢٥٥.
فأصبحت ، فقال لي رسول الله : ما فعل أسيرك البارحة؟
قلت : يا رسول الله! زعم أنّه يعلّمني كلمات ينفعني الله بها ، فخلّيت سبيله.
إلى أن قال : تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟!
قال : لا.
قال : ذاك شيطان ».
فليت شعري ، أيّ حاجة للشيطان في هذه السرقة الخاصّة؟!
ولم لم يسرق من حيث لا يراه أبو هريرة؟!
وكيف قدر أبو هريرة أن يأسره ، وهو جسم شفّاف؟!
وكيف ساغ لأبي هريرة أن يرحمه وهو أمين في الحفظ؟!
وكيف لم يصدّق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : « قد كذبك » ، وصدّق السارق في الدعوى التي كذّبه النبيّ فيها ، ولا سيّما بعد التكرار؟!
وكيف صدّق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : « سيعود » ، ولم يصدّقه في قوله : « كذبك » ، وكلّ منهما خبر للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في كلام واحد؟!
وهل محلّ لرحمته لو صدّق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في تكذيبه؟!
وكيف جاز لأبي هريرة أن يحنث في يمينه ثلاث مرّات بعدما حلف ثلاثا أن يرفعه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!
بل كيف صحّ للنبيّ ـ مع علمه بأنّه شيطان ـ أن يسكت بعد المرّة الأولى ، ولا ينهى أبا هريرة عن مسامحته بعدها ، والمال للفقراء ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم أمينهم في الجمع والحفظ؟!
فهل يشكّ عاقل ـ بعد هذه الأمور ـ في أنّ ذلك من كذبات أبي
هريرة وسخافاته؟!
ومنها : ما رواه الحاكم (١) ، عنه ، وصحّحه ، قال : [ لمّا ] خلق الله آدم فمسح على ظهره ، فسقط من ظهره كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة أمثال الذّرّ ، ثمّ جعل بين عيني كلّ إنسان منهم وبيصا ـ أي : بريقا (٢) ـ من نور ، ثمّ عرضهم على آدم ، فقال آدم : من هؤلاء يا ربّ؟
قال : ذرّيّتك.
فرأى آدم رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه.
فقال : يا ربّ! من هذا؟
قال : هذا ابنك داود.
قال آدم : كم جعلت له من العمر؟
قال : ستّين سنة.
قال : يا ربّ! زده من عمري أربعين سنة حتّى يكون عمره مئة سنة.
فقال الله عزّ وجلّ : إذا يكتب ويختم فلا يبدّل.
فلمّا انقضى عمر آدم جاء ملك الموت لقبض روحه ، قال آدم : أولم يبق من عمري أربعون سنة؟!
قال له ملك الموت : أولم تجعلها لابنك داود؟!
[ قال : ] فجحد ، فجحدت ذرّيّته » .. الحديث.
__________________
(١) ص ٣٢٥ ج ٢ من المستدرك [ ٢ / ٣٥٥ ح ٣٢٥٧ ]. منه قدسسره.
(٢) الوبيص : البريق ، وبص الشيء يبص وبصا ووبيصا وبصة : برق ولمع ؛ انظر : لسان العرب ١٥ / ٢٠٠ مادّة « وبص ».
فانظر إلى هذه القصّة الخيالية ، واعتبر في آخرها كيف نسب أبو هريرة نبيّ الله إلى الكذب ، وجحود ما فعل ، وكتب عليه وختم ، كراهة للموت الذي بعده الكرامة التي رآها قبل الهبوط إلى الدنيا الدنية وبكى شوقا إليها!!
ولو فرض نسيان آدم ، فما معنى جحوده ، وقد ذكّره ملك الموت ، وهو الصادق الأمين؟!
ولكنّ أبا هريرة لا يبالي بنقص الأنبياء حتّى جعل جحود آدم عليهالسلام سببا لجحود ذرّيّته الباطل!
وليت شعري ، لم دخل في خيال أبي هريرة أنّ وبيص ما بين عيني داود أعجب إلى آدم من وبيص ما بين عيون الأنبياء ، حتّى سيّدهم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأحدهم يوسف ، ومن زاده الله بسطة في العلم والجسم (١)؟!
ومنها : ما رواه البخاري (٢) ، عنه ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : « بينا أيّوب يغتسل عريانا ، فخرّ عليه جراد من ذهب ، فجعل أيّوب يحثي في ثوبه ، فناداه ربّه : يا أيّوب! ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟!
قال : بلى وعزّتك ، ولكن لا غنى بي عن بركتك ».
فإنّ جمعه للمال ؛ إن كان رغبة في الدنيا ، فالأنبياء أجلّ قدرا من ذلك.
وإن كان للآخرة ـ ولو بإظهار الحاجة إلى كرمه تعالى وتلقّي النعمة
__________________
(١) أي : نبيّ الله طالوت عليهالسلام.
(٢) في باب من اغتسل عريانا وحده ، من كتاب الغسل [ ١ / ١٢٩ ح ٣٠ ]. منه قدسسره.
بإعظامها ـ ، فما وجه عتاب الله تعالى له؟!
واحتمال أنّ العتاب للاختبار ، ليس في محلّه ؛ لأنّه إنّ أريد الاختبار حقيقة ، فالله ، عالم بما في نفسه من دون اختبار.
وإن أريد كشف ما في نفسه للناس ، إظهارا لفضله ، فهو قد اغتسل وحده عريانا.
وقصص أبي هريرة الخرافية لا تنتهي حتّى ينتهي عنها!
وأمّا تكذيب الصحابة والتابعين له ، عموما أو خصوصا ، فالأخبار به مستفيضة ، وقد كان أمير المؤمنين عليهالسلام بالخصوص ، وعمر وابنه ، وعائشة ، وأفراد أخر من الصحابة يكذّبونه ، أو يتّهمونه بالكذب (١).
نقل ابن أبي الحديد (٢) ، عن أبي جعفر الإسكافي ، وابن قتيبة في كتاب « المعارف » ، أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قال : ألا إنّ أكذب الناس ـ أو قال : أكذب الأحياء ـ على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبو هريرة الدوسي.
وإنّ عمر بن الخطّاب ضرب أبا هريرة بالدّرّة (٣) ، وقال : « قد
__________________
(١) فممّن اتّهمه بالكذب من الصحابة والتابعين ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ غير من ذكر في المتن :
١ ـ سعد بن أبي وقّاص : فقد ردّ عليه حديثه حتّى تواثبا ، وقامت الحجزة بينهما ، وأرتجت الأبواب بينهما.
انظر : تاريخ دمشق ٦٧ / ٣٤٦ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠٣.
٢ ـ إبراهيم النخعي ، الفقيه : كان لا يأخذ بحديث أبي هريرة ، ويقول : « دعني من أبي هريرة! » ؛ ويقول : « كانوا يتركون كثيرا من حديثه ».
انظر : تاريخ دمشق ٦٧ / ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠٨.
(٢) ص ٣٦٠ ج ١ [ ٤ / ٦٨ ]. منه قدسسره.
(٣) الدّرّة ـ والجمع : درر ـ : درّة السلطان ، التي يضرب بها ، عربية معروفة ؛ انظر مادّة « درر » في : لسان العرب ٤ / ٣٢٧ ، تاج العروس ٦ / ٣٩٧.
أكثرت من الرواية ، وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (١).
وحكى في « كنز العمّال » (٢) ، عن ابن عساكر ، أنّ عمر قال له : « لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لألحقنّك بأرض دوس!
[ وقال لكعب : لتتركنّ الحديث ، ] أو [ لألحقنّك ] بأرض القردة! ».
وروى مسلم (٣) ، عن ابن عمر ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بقتل الكلاب إلّا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية ؛ فقيل لابن عمر : إنّ أبا هريرة يقول : أو كلب زرع.
فقال ابن عمر : إنّ لأبي هريرة زرعا!
ثمّ روى مسلم ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من اتّخذ كلبا إلّا كلب ماشية ، أو صيد ، أو زرع ، نقص من أجره قيراط.
قال الزهري : فذكر لابن عمر قول أبي هريرة ، فقال : يرحم الله أبا هريرة ، كان صاحب زرع (٤).
وروى أيضا ، عن سالم ، عن أبيه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : « من اقتنى كلبا إلّا كلب ضار ، أو ماشية ، نقص من عمله كلّ يوم قيراطان.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧ ـ ٦٨.
(٢) ص ٢٣٩ ج ٥ [ ١٠ / ٢٩١ ح ٢٩٤٧٢ ]. منه قدسسره.
وانظر : تاريخ دمشق ٥٠ / ١٧٢ ترجمة كعب بن ماتع ، وج ٦٧ / ٣٤٣ ترجمة أبي هريرة.
وانظر : تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٣ / ٨٠٠ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠٠ ـ ٦٠١ رقم ١٢٦ ، البداية والنهاية ٨ / ٨٧.
(٣) في كتاب البيوع ، في باب الأمر بقتل الكلاب [ ٥ / ٣٦ ]. منه قدسسره.
(٤) صحيح مسلم ٥ / ٣٨.
قال سالم : وكان أبو هريرة يقول : أو كلب حرث ؛ وكان صاحب حرث » (١).
وروى أحمد (٢) ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه قال : « من اتّخذ [ أو قال : اقتنى ] كلبا ليس بضار ، ولا كلب ماشية ، نقص من أجره كلّ يوم قيراطان.
فقيل له : إنّ أبا هريرة يقول : وكلب حرث ، فقال : أنّى لأبي هريرة حرث! ».
وروى أحمد أيضا (٣) ، عن عبد الرحمن بن عتاب ، ما حاصله أنّ أبا هريرة أفتى بشيء ، فأرسل مروان إلى أمّ سلمة وعائشة ، فذكرتا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خلافه ، فقيل لأبي هريرة في ذلك ، فقال : كذا كنت أحسب ، وكذا كنت أظنّ.
فقال له مروان : بأظنّ وأحسب تفتي الناس؟!
وروى أحمد أيضا (٤) ، عن أبي حسّان الأعرج ، أنّ رجلين دخلا على عائشة فقالا : إنّ أبا هريرة يحدّث أنّ نبيّ الله كان يقول : إنّما الطيرة في المرأة ، والدابّة ، والدار.
قال : فطارت شقّة منها في السماء وشقّة في الأرض (٥) ، فقالت :
__________________
(١) صحيح مسلم ٥ / ٣٧.
(٢) ص ٤ من الجزء الثاني. منه قدسسره.
(٣) ص ١٨٤ من الجزء السادس. منه قدسسره.
(٤) ص ٢٤٦ من الجزء السادس. منه قدسسره.
(٥) هذا ممّا يقال للإنسان عند المبالغة في الغضب والغيظ.
والشّقّة : الشّظيّة أو القطعة المشقوقة من لوح أو خشب أو غيره ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ١٦٥ مادّة « شقق ».
والذي أنزل القرآن على أبي القاسم صلىاللهعليهوآلهوسلم ما هكذا كان يقول ، ولكنّ نبيّ الله كان يقول : كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة ، والدار ، والدابّة » (١).
وروى مسلم (٢) ، أنّ أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.
فقال ابن عمر : أكثر علينا أبو هريرة!
نعم ، ذكر في ذيل الحديث أنّ ابن عمر أرسل إلى عائشة يسألها فصدّقت أبا هريرة ، لكنّه لا يخرج أبا هريرة عن كونه متّهما بالكذب.
وروى مسلم أيضا (٣) ، عن ابن شهاب ، أنّ أبا سلمة بن عبد الرحمن حدّثه ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لا عدوى ».
ويحدّث أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لا يورد ممرض على مصحّ ».
قال أبو سلمة : كان أبو هريرة يحدّثهما ـ كلتيهما ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ صمت بعد ذلك أبو هريرة عن قوله : « لا عدوى » ، وأقام على أن « لا يورد ممرض على مصحّ » ، قال : فقال الحارث : قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدّثنا مع هذا الحديث حديثا آخر قد سكتّ عنه ،
__________________
(١) نقول ـ علاوة على ما جاء في المتن ـ : لقد ردّت عائشة كثيرا من أحاديث أبي هريرة حتّى قالت : « ألا تعجب من هذا؟! وإن كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليحدّث الحديث لو شاء العادّ أن يحصيه أحصاه »!
وقالت : « لأخالفنّ أبا هريرة ».
انظر : سنن أبي داود ٣ / ٣١٩ ح ٣٦٥٤ ، الأصول ـ للسرخسي ـ ١ / ٣٤١ ، تأويل مختلف الحديث : ٣٢.
(٢) في كتاب الجنائز ، في باب فضل الصلاة على الجنائز [ ٣ / ٥١ ]. منه قدسسره.
(٣) في كتاب السلام ، في باب لا عدوى ولا طيرة [ ٧ / ٣١ ]. منه قدسسره.
كنت تقول : « قال رسول الله : لا عدوى ».
فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك ، [ وقال : لا يورد ممرض على مصحّ ].
فماراه (١) الحارث في ذلك حتّى غضب أبو هريرة ، فرطن (٢) بالحبشيّة ، فقال للحارث : أتدري ماذا قلت؟!
قال : لا.
قال أبو هريرة : قلت : أبيت.
قال أبو سلمة : ولعمري ، لقد كان أبو هريرة يحدّثنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لا عدوى » ؛ فلا أدري أنسي أبو هريرة ، أم نسخ أحد القولين الآخر؟!
أقول :
كلا العذرين باطل! ..
أمّا النسخ ؛ فلأنّه إنّما يدخل الأحكام ، مع أنّ النسخ لو دعا أبا هريرة إلى الترك لاعتذر به عند الحارث ، أو لم يروهما أوّلا.
__________________
(١) ماراه مماراة ومراء : جادله ولاجه ؛ والمراء ـ في الأصل ـ : الجدال ، وأن يستخرج الرجل من مناظره كلاما ومعاني الخصومة وغيرها ؛ انظر : لسان العرب ١٣ / ٩٠ مادّة « مرا » ، تاج العروس ٢٠ / ١٨٣ مادّة « مري ».
وفي صحيح مسلم ٧ / ٣١ : « فما رآه » ، وهو تصحيف.
(٢) رطن العجميّ يرطن رطنا : تكلّم بلغته ؛ والرّطانة والرّطاّنة والمراطنة : التكلّم بالعجمية ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٣٩ مادّة « رطن ».