ولنعيّن لك صفحات روايات أحمد في مسنده ؛ لترجع إليها عند الحاجة ، فإنّه روى :
حديث سعد ، صفحة ١٧٥ من الجزء الأوّل ..
وحديث ابن عبّاس ، صفحة ٣٣١ من الجزء الأوّل أيضا ...
وحديث ابن عمر ، صفحة ٢٦ من الجزء الثاني ..
وحديث زيد بن أرقم ، صفحة ٣٦٩ من الجزء الرابع ..
ولعلّه لأحمد أحاديث أخر.
فأنت ترى أنّ طرق الحديث مستفيضة أو متواترة ، ولا سيّما بضميمة أخبارنا ، وقد صحّح القوم جملة من أحاديثهم كما عرفت ، حتّى صحّح الحاكم في « المستدرك » طريقين منها (١) ، وأقرّه الذهبي ـ مع ما تعلمه من حاله ـ على صحّة حديث زيد بن أرقم ، الذي رواه مع حديث عمر ، صفحة ١٢٥ من الجزء الثالث (٢).
فمع هذا كلّه ، كيف يجوز لابن الجوزي دعوى الوضع لمجرّد رواية الصحيحين لحديث استثناء باب أبي بكر ، وهو أقرب إلى الوضع ؛ لأنّه من حديث المتّهمين والنصّاب ، مع ضعف رجال سنده كما عرفت (٣) ، وعدم تعدّد طرقه؟! ولكن لا حيلة مع التعصّب ومجانبة الإنصاف!!
* * *
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٥ ح ٤٦٣١ و ٤٦٣٢.
(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٥ ح ٤٦٣١.
(٣) راجع الصفحتين ١١٠ و ١١١ من هذا الجزء.
١٣ ـ حديث المؤاخاة
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
الثالث عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، من عدّة طرق ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم آخى بين الناس وترك عليّا حتّى بقي آخرهم لا يرى له أخا ، فقال : يا رسول الله! آخيت بين أصحابك وتركتني؟!
فقال : « إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإن ذكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب.
والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ، ووارثي » (٢).
وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : « مكتوب على باب الجنّة : محمّد رسول الله ، عليّ أخو رسول الله ،
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢١٧.
(٢) أخرجه أحمد في « المسند » كما في ينابيع المودّة ١ / ١٧٧ ح ١ ، وفي فضائل الصحابة ٢ / ٧٦٥ ح ١٠٥٥ وص ٧٩٢ ح ١٠٨٥ وص ٨٢٩ ح ١١٣٧ ؛ وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢٠ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٣ / ٣٦ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ١٤٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥ ـ ١٦ ح ٤٢٨٨ ـ ٤٢٨٩ ، الاستيعاب ٣ / ١٠٩٨ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٥٧ ـ ٦٠ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٦٩ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥١ ـ ٦٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ٣٦٣٤٥ وص ١٤٠ ح ٣٦٤٤٠.
قبل أن يخلق الله السموات بألفي عام » (١).
* * *
__________________
(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٢٧ ـ ٨٢٨ ح ١١٣٤ ـ ١١٣٥ وص ٨٣١ ـ ٨٣٢ ح ١١٤٠ ، المعجم الأوسط ٥ / ٥٠٤ ح ٥٤٩٨ ، حلية الأولياء ٧ / ٢٥٦ ، تاريخ بغداد ٧ / ٣٨٧ رقم ٣٩١٩ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ح ١٣٤ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٤٠ ح ٦٧١٠ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٤٤ ح ١٦٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١٢٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١١ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٤ ح ٣٣٠٤٣ وج ١٣ / ١٣٨ ح ٣٦٤٣٥.
وقال الفضل (١) :
حديث المؤاخاة مشهور معتبر معوّل عليه ، ولا شكّ أنّ عليّا أخ (٢) رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومحبّه وحبيبه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شديد الحبّ له ، وهذا كلّه يؤخذ من صحاحنا ومن مذهبنا ، ولكن لا يدلّ على النصّ ؛ لأنّ أبا بكر كان خليل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ووزيره وقرينه ، وله أيضا من الفضائل ما لا يعدّ ولا يحصى ، والكلام ليس في عدّ الفضائل وإثباتها ، بل وجود النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٣٩.
(٢) كذا في الأصل ، وليس بعزيز من مثل الفضل ، والصواب لغة : « أخو ».
وأقول :
نقل في « ينابيع المودّة » ، في الباب التاسع ، حديث المؤاخاة عن أحمد في مسنده ، عن زيد بن أبي أوفى (١).
كما نقله المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » ، عن « المسند » أيضا (٢).
وقد سبق ذكره في الآية الثانية والثلاثين ، وأنّ ابن تيميّة زعم أنّه من زيادات القطيعي (٣).
وسبق أنّه قد نقله في « كنز العمّال » و « تذكرة الخواصّ » ، عن أحمد في « الفضائل » (٤).
ثمّ حكى في « الينابيع » أيضا ، عن أحمد في « مسنده » ، عن حذيفة ابن اليمان ، قال : « آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين المهاجرين والأنصار ، وكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، ثمّ أخذ بيد عليّ عليهالسلام ، فقال : هذا أخي » (٥).
وحكى أيضا عن عبد الله بن أحمد في « زوائد المسند » ثمانية أحاديث في مؤاخاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام (٦).
__________________
(١) ينابيع المودّة ١ / ١٧٧ ح ١.
(٢) منهاج الكرامة : ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٣) انظر : ج ٥ / ١٤٣ من هذا الكتاب ، منهاج السنّة ٧ / ٢٧٨.
(٤) فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٢ ح ١٠٨٥ ، وانظر : كنز العمّال ١٣ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ٣٦٣٤٥ ، تذكرة الخواصّ : ٢٩ و ٣١.
(٥) ينابيع المودّة ١ / ١٧٨ ح ٤.
(٦) إنّما هما حديثان عن « زوائد المسند » ، فانظر : ينابيع المودّة ١ / ١٧٨ ح ٣ وص ١٧٩ ح ٦ ، ويبدو أنّ ذلك من سهو القلم ، فمجموعة أحاديث المؤاخاة المذكورة
فيمكن أن يكون المصنّف رحمهالله أشار إلى هذه الأحاديث بقوله : « من عدّة طرق » ، وكأنّ القوم قد تعلّلوا لحذفها من « المسند » في الطبع ، بدعوى أنّها من الزيادات ، فإنّي لم أعثر على شيء منها!
وروى الترمذي حديث المؤاخاة في فضائل عليّ عليهالسلام من « سننه » ، عن ابن عمر ، وحسّنه ، ثمّ قال : وفيه عن زيد بن أبي أوفى (١).
ورواه في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين عليهالسلام ، عن أبي الطفيل ، قال : « لمّا احتضر عمر جعلها شورى بين عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد ، فقال لهم عليّ : أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بينه وبينه ـ إذ آخى بين المسلمين ـ غيري؟!
قالوا : اللهمّ لا ».
ثمّ قال : « وروينا من وجوه عن عليّ أنّه كان يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلّا كذّاب ».
ثمّ قال : « قال أبو عمر (٢) : آخى رسول الله بين المهاجرين [ بمكّة ] ، ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار [ بالمدينة ] ، وقال في كلّ واحدة منهما لعليّ : أنت أخي في الدنيا والآخرة ؛ وآخى بينه وبين نفسه ؛ فلذلك كان هذا القول وما أشبهه من عليّ ».
انتهى ما في « الاستيعاب » (٣).
__________________
في ينابيع المودّة ١ / ١٧٧ ـ ١٨١ ب ٩ ح ١ ـ ٧ هي من مصادر مختلفة وبطرق متعدّدة ؛ فلاحظ!
(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢٠.
(٢) هو صاحب كتاب « الاستيعاب في معرفة الأصحاب » ، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ الأندلسي ، المتوفّى سنة ٤٦٣ ه.
(٣) الاستيعاب ٣ / ١٠٩٨ ـ ١٠٩٩.
وروى الحاكم حديث المؤاخاة في « المستدرك » ، في كتاب الهجرة ، من طرق ، عن ابن عمر (١)
وحكى في « كنز العمّال » (٢) ، عن الخلعي ، والبيهقي في « سننه » (٣) ، والضياء في « المختارة » ، عن عليّ عليهالسلام ، قال : « آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين عمر وأبي بكر ، وبين حمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة ـ إلى أن قال : ـ وبيني وبين نفسه »
وحكى في « الكنز » أيضا (٤) ، عن أبي يعلى في « مسنده » (٥) ، عن عليّ عليهالسلام ، قال : « آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الناس وتركني ـ إلى أن قال : ـ قال : إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإن حاجّك أحد فقل : إنّي عبد الله وأخو رسوله ، لا يدّعيها أحد بعدك إلّا كذّاب ».
وحكى في « الكنز » أيضا نحوه (٦) ، عن ابن عديّ ، بسنده عن يعلى ابن مرّة.
وحكى فيه أيضا ، عن الطبراني ، عن ابن عبّاس : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : « أغضبت [ عليّ ] حين واخيت بين المهاجرين والأنصار ، ولم أواخ بينك وبين أحد منهم؟!
__________________
(١) ص ١٤ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٥ ـ ١٦ ح ٤٢٨٨ ]. منه قدسسره.
(٢) ص ٣٩٤ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٠ ح ٣٦٣٨٤ ]. منه قدسسره.
(٣) لم نعثر عليه في « السنن » المطبوع!
(٤) ص ٣٩٩ من ج ٦ [ ١٣ / ١٤٠ ح ٣٦٤٤٠ ]. منه قدسسره.
(٥) لم نعثر عليه في « مسند أبي يعلى » المطبوع!
(٦) ص ٥٤ من ج ٦ [ ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٣٩ ]. منه قدسسره.
وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ٣٥ رقم ١٢٠٥.
أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟!
ألا من أحبّك حفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية » (١).
وحكى أيضا حديث المؤاخاة بين النبيّ وعليّ ، عن ابن عساكر ، عن أبي رافع ، عن أبي أمامة (٢).
ونقل سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » ثلاث روايات في المؤاخاة ، عن أحمد في « الفضائل » ، كما هي عادته في النقل عنها ، وأثبت وثاقتها ، ونقل أيضا عن أحمد ما نقله المصنّف رحمهالله عن « الجمع بين الصحاح » (٣).
وحكى في « ينابيع المودّة » ، في الباب التاسع ، عن ابن المغازلي ، أنّه أخرج ستّة أحاديث في المؤاخاة ، وعن أخطب خوارزم اثني (٤) عشر حديثا ، وعن الحمويني حديثين ، بأسانيدهم عن ابن عبّاس ، وابن عمر ، وحذيفة ، وأنس ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن أبي أوفى ، وأبي أمامة ، وغيرهم (٥).
__________________
(١) كنز العمّال ١١ / ٦٠٧ ح ٣٢٩٣٥ ، وانظر : المعجم الأوسط ٨ / ٧٣ ـ ٧٤ ح ٧٨٩٤ ، المعجم الكبير ١١ / ٦٢ ـ ٦٣ ح ١١٠٩٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١١.
(٢) ص ٤٠٠ من ج ٦ [ ١٣ / ١٤٤ ح ٣٦٤٥٠ ]. منه قدسسره.
وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٥١.
(٣) تذكرة الخواصّ : ٢٩ ـ ٣١.
(٤) في المصدر : « إحدى ».
(٥) ينابيع المودّة ١ / ١٧٩ ضمن ح ٥ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٥٧ ـ ٦٠ وص ١٣٥ ح ١٥٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام
وقد مرّ في الآية الثالثة والعشرين الأحاديث في قول أمير المؤمنين : « أنا عبد الله وأخو رسوله » (١).
ونقل في « كنز العمّال » (٢) ، عن العدني ، عن أبي يحيى ، قال : سمعت عليّا يقول : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد بعدي إلّا كاذب » ؛ فقالها رجل فأصابته جنّة
ويشهد لصحّة أخبار المؤاخاة بين المهاجرين ، ما رواه البخاري في باب « كيف يكتب : هذا ما صالح فلان بن فلان » ، من كتاب « الصلح » (٣).
وفي باب « عمرة القضاء » ، من كتاب « المغازي » ، أنّه اختصم عليّ وجعفر وزيد بن حارثة في كفالة ابنة حمزة لمّا تبعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتناولها عليّ عليهالسلام ؛ فقال عليّ عليهالسلام : أنا أخذتها ، وهي بنت عمّي.
وقال جعفر : هي ابنة عمّي ، وخالتها تحتي.
وقال زيد : ابنة أخي (٤).
ومثله في « مستدرك » الحاكم (٥).
إذ لا معنى لقول زيد : « ابنة أخي » ومنازعته لأمير المؤمنين وجعفر ،
__________________
_ للخوارزمي ـ : ١١١ ـ ١١٢ ح ١٢٠ و ١٢١ وص ١٤٠ ح ١٥٩ وص ١٤٤ ح ١٦٨ وص ١٥٢ ضمن ح ١٧٨ وص ١٥٧ ح ١٨٦ وص ٢٩٤ ح ٢٨٢ وص ٣٠١ ضمن ح ٢٩٦ وص ٣٤١ ح ٣٦١ وص ٣٤٤ ضمن ح ٣٦٤ وص ٣٥٩ ح ٣٧٢ ، فرائد السمطين ١ / ١١٢ ـ ١١٦ ح ٨٠ و ٨١.
(١) راجع : ج ٥ / ٩٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٢) ص ٣٩٦ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٩ ح ٣٦٤١٠ ]. منه قدسسره.
(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩.
(٤) صحيح البخاري ٥ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ح ٢٦٣.
(٥) ص ١٢٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٤ ]. منه قدسسره.
وهما هما مع رحمهما الماسّة بابنة عمّهما لو لا المؤاخاة التي عقدها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بين حمزة وزيد ، وهما مهاجريّان (١).
لكنّ ابن تيميّة أنكر المؤاخاة بين المهاجرين ، وبين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين (٢) ، قال : لأنّ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لإرفاق بعضهم ببعض ، ولتأليف قلوب بعضهم ببعض ، فلا معنى لمؤاخاة مهاجريّ لمهاجريّ (٣).
وفيه : إنّ الإرفاق والتأليف أيضا مطلوبان بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، مع اشتمال المؤاخاة على حكم كثيرة أخر.
قال في « السيرة » (٤) : « قال الحافظ ابن حجر : وهذا ردّ للنصّ بالقياس ، وبعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة ، فآخى بين الأعلى والأدنى ، ليرتفق الأدنى بالأعلى ، وليستعين الأعلى بالأدنى.
ولهذا تظهر مؤاخاته صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام ؛ لأنّه كان هو الذي يقوم بأمره قبل البعثة (٥).
وفي ( الصحيح ) ، في عمرة القضاء ، أنّ زيد بن حارثة قال : ( إنّ بنت حمزة بنت أخي ) ؛ أي بسبب المؤاخاة (٦) » ؛ انتهى.
__________________
(١) انظر : السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٢ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٨١.
(٢) انظر : منهاج السنّة ٤ / ٣٢ ـ ٣٣ وج ٥ / ٧١ وج ٦ / ١٧٢ وج ٧ / ٢٧٩ و ٣٦١ و ٣٦٢.
(٣) كما في : السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٢ / ٣٢٦ ولم يصرّح باسم ابن تيميّة ، فتح الباري ٧ / ٣٤٥ ب ٥٠ ح ٣٩٣٧ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٨١ ـ ١٨٢.
(٤) ص ٢٢ من الجزء الثاني [ السيرة الحلبية ٢ / ١٨٢ ]. منه قدسسره.
(٥) فتح الباري ٧ / ٣٤٥ ب ٥٠ ح ٣٩٣٧.
(٦) تقدّم تخريجه في الصفحة السابقة ه ٤.
وهو كلام حسن ، سوى إنّ مؤاخاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ ليست للارتزاق ؛ لغنى عليّ عليهالسلام حينئذ بالغنائم وغيرها ، وبلوغه منزلة يعول بها ولا يعال به.
وإنّما الغرض من مؤاخاته لعليّ تعريف منزلته ، وبيان فضله على غيره ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، كما دلّ عليه بعض الأخبار (١) ؛ لأنّ ذلك أقرب إلى التعاون والتعاضد ، وأوجب للتأليف ، فيكون أمير المؤمنين عليهالسلام هو النظير لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
كما جعلته آية المباهلة نفسه ؛ وذلك رمز لإمامته ؛ ولذا احتجّ به أمير المؤمنين يوم الشورى (٢).
كما أشار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أيضا ـ إلى ذلك بقوله في كثير من هذه الأحاديث : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ».
وقوله : أنت أخي ووارثي ؛ فقال عليّ : وما أرث منك؟ قال : ما ورّث الأنبياء قبلي ؛ قال : وما ورّثوا؟ قال : كتاب الله وسنن أنبيائه ؛ كما سبق في الآية الثانية والثلاثين (٣).
فإنّ عليّا عليهالسلام إذا ورث مواريث الأنبياء كان من خلفائهم وإمام الأمّة ؛ إذ ليس الإمام إلّا من كان كذلك.
ويشهد لذلك وصف عليّ عليهالسلام بالأخوّة في عرض وصف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرسالة ، في ما هو مكتوب على باب الجنّة ، كما في الخبر
__________________
(١) انظر علاوة على أحاديث المؤاخاة المتقدّمة : مطالب السؤول : ٨٧ ـ ٨٨ ، كفاية الطالب : ١٩٤ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٧ ، ينابيع المودّة ١ / ١٧٨.
(٢) انظر مبحث آية المباهلة في ج ٤ / ٣٩٩ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٣) انظر : ج ٥ / ١٤٣ وما بعدها من هذا الكتاب.
الذي نقله المصنّف رحمهالله عن « الجمع بين الصحاح » (١) ، ونقلناه عن « تذكرة الخواصّ » (٢) ، ونقله في « كنز العمّال » عن الطبراني والخطيب (٣) ، وعن ابن عساكر (٤) ، بأسانيدهم عن جابر (٥).
وأمّا مناظرة الفضل للحديث بأنّ أبا بكر خليل رسول الله ووزيره وقرينه ، فمن مقاومة حجّتنا عليهم بما ليس حجّة علينا.
والظاهر ، أنّه أشار بقوله : « خليل رسول الله » إلى ما رووه من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا » (٦).
وأنت ترى أنّه نفي للخلّة (٧) لا إثبات لها.
نعم ، فيه خلّة فرضية لا تساوي الأخوّة الفعليّة ، مع أنّ الأخوّة فوق الخلّة.
وسيأتي إن شاء الله تعالى ما على هذا الخبر من دلائل أنّه من الموضوعات.
__________________
(١) انظر الصفحة ١٢٢ ـ ١٢٣ من هذا الجزء.
(٢) تذكرة الخواصّ : ٣٠ ، وانظر الصفحة ١٢٥ ه ٤ من هذا الجزء.
(٣) ص ١٥٩ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٢٤ ح ٣٣٠٤٣ ]. منه قدسسره.
وانظر : المعجم الأوسط ٥ / ٥٠٤ ح ٥٤٩٨ ، المتّفق والمفترق ١ / ٤٩٨ ح ٢٦٠ ، تاريخ بغداد ٧ / ٣٨٧ رقم ٣٩١٩.
(٤) ص ٣٩٩ من هذا الجزء [ ١٣ / ١٣٨ ح ٣٦٤٣٥ ]. منه قدسسره.
وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٩.
(٥) وانظر مبحث حديث المؤاخاة في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ٣ / ٢٤٢ ـ ٢٤٩!
(٦) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٦٧ ـ ٥٦٨ ح ٣٦٥٩ و ٣٦٦٠ ، مسند أحمد ١ / ٣٧٧ و ٤٣٣.
(٧) الخلّة : الصداقة المختصّة التي ليس فيها خلل ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٢٠٢ مادّة « خلل ».
١٤ ـ حديث : إنّ عليّا منّي وأنا من عليّ
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
الرابع عشر : من مسند أحمد بن حنبل ، وفي الصحاح الستّة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من عدّة طرق : « إنّ عليّا منّي وأنا من عليّ ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي ، لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ » (٢).
وفيه أيضا : لمّا قتل عليّ أصحاب الألوية يوم أحد قال جبرئيل لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ هذه [ لهي ] (٣) المواساة.
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢١٨.
(٢) مسند أحمد ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ و ٤٣٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٥ ح ١٠١٠ وص ٧٤٢ ح ١٠٢٣ ، صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩ وج ٥ / ٨٧ « باب مناقب عليّ بن أبي طالب ، القرشيّ الهاشميّ ، أبي الحسن رضي الله عنه ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : أنت منّي وأنا منك » ولم نجد في هذا الباب حديثا يدلّ على قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا! وص ٢٩٢ ذ ح ٢٦٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٦ ـ ٨١٤٧ وص ١٢٦ ح ٨٤٥٣ وص ١٢٨ ح ٨٤٥٩ وص ١٣٣ ح ٨٤٧٤ ، مسند الطيالسي : ١١١ ح ٨٢٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ح ٨ وص ٥٠٤ ح ٥٨ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٥٠ ح ١١٨٧ وص ٥٥١ ح ١١٨٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ح ٣٥٥ ، مسند الروياني ١ / ٦٢ ح ١١٩ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٢٩ ح ٢٦٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٢ ح ٦٨٩٠ ، حلية الأولياء ٦ / ٢٩٤ رقم ٢٨٧ ، مناقب الإمام عليّ ٧ ـ لابن المغازلي ـ : ٢٠٥ ـ ٢١١ ح ٢٦٧ ـ ٢٧٦ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٦ و ٤٧٦٨.
(٣) أثبتناه من « فضائل الصحابة ».
فقال : النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ عليّا منّي وأنا منه ».
فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله (١).
* * *
__________________
(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨١٦ ـ ٨١٧ ح ١١١٩ و ١١٢٠ ، المعجم الكبير ١ / ٣١٨ ح ٩٤١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥ ، الأغاني ١٥ / ١٨٧ ، ربيع الأبرار ١ / ٨٣٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٧٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ٢٥١ ، الرياض النضرة ٣ / ١٣١ عن أحمد ، ذخائر العقبى : ١٢٧ ، فرائد السمطين ١ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ح ١٩٨ ، مجمع الزوائد ٦ / ١١٤ و ١٢٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ح ٣٦٤٤٩.
وقال الفضل (١) :
إتّصال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعليّ في النسب ، وأخوّة الإسلام ، والنصرة ، والمؤازرة ، غير خفيّ على أحد ، ولا دلالة على النصّ بخلافته ؛ لأنّ مثل هذا الكلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لغير عليّ ، كما ذكر أنّه قال : « الأشعريّون إذا قحطوا أرملوا (٢) ، أنا منهم وهم منّي » (٣).
ولا شكّ أنّ الأشعريّين بهذا الكلام لم يصيروا خلفاء ، فلا يكون هذا نصّا.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٣.
(٢) أرمل القوم : أي نفد زادهم ، وأصله من الرّمل كأنّهم لصقوا بالرّمل ، كما قيل للفقير : التّرب ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٣٢١ مادّة « رمل ».
(٣) صحيح البخاري ٣ / ٢٧٦ ح ٤ ، صحيح مسلم ٧ / ١٧١ كتاب الفضائل / باب فضائل الأشعريّين ، مختصر تاريخ دمشق ١٣ / ٢٤٠ رقم ٦٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٥٦ ح ٣٣٩٧٣.
وأقول :
روى البخاري والحاكم في « المستدرك » ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعليّ : « أنت منّي وأنا منك » (١) ، وذلك في قصّة مخاصمة أمير المؤمنين وجعفر وزيد في ابنة حمزة ، كما أشرنا إليها في المبحث السابق (٢).
وروى الحاكم في « المستدرك » (٣) ، عن عمران بن حصين ـ وصحّحه على شرط مسلم ـ ، قال عمران ما حاصله : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم استعمل عليّا على سريّة ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، فتعاقد أربعة أن يخبروا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأخبره أحدهم ، فأعرض عنه ، وكذلك الثاني والثالث.
ثمّ قام الرابع فأخبره ، فأقبل عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والغضب في وجهه فقال : « ما تريدون من عليّ؟! إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن ».
ونحوه في « سنن الترمذي » ، في مناقب عليّ عليهالسلام (٤).
وفي « مسند أحمد » (٥) و « كنز العمّال » (٦) ، نقلا عن ابن أبي شيبة ،
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩ وج ٥ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ح ٢٦٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٤.
(٢) انظر الصفحة ١٢٥ من هذا الجزء.
(٣) ص ١١٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ١١٩ ح ٤٥٧٩ ]. منه قدسسره.
(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ـ ٥٩١ ح ٣٧١٢.
(٥) ص ٤٣٧ من الجزء الرابع. منه قدسسره.
(٦) ص ١٥٤ من الجزء السادس [ ١١ / ٥٩٩ ح ٣٢٨٨٣ ]. منه قدسسره.
وانظر : كنز العمّال ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤٠ وج ١٣ / ١٤٢ ح ٣٦٤٤٤.
جميعا عن عمران (١).
وفي رواية أخرى لأحمد (٢) ، ولابن أبي شيبة ، كما في « الكنز » (٣) ، كلاهما عن بريدة ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لا تقع في عليّ عليهالسلام ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ».
وفي حديث آخر لابن أبي شيبة ، كما في « الكنز » (٤) ، عن عمران ، ـ وقال : صحيح ـ : « عليّ منّي وأنا من عليّ ، وعليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي ».
وقد سبق في الحديث السادس أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ » (٥).
رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة (٦).
ودلالة الجميع على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام ظاهرة ؛ لأنّ جعل كلّ من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ عليهالسلام بعضا من الآخر دليل على اتّحادهما بالمزايا والفضل والإمامة.
كما يشهد له مضيّ فعل عليّ عليهالسلام في اصطفاء الجارية من السبي ، كما مرّ في رواية عمران وبريدة.
__________________
(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٤٩ ـ ٧٥٠ ح ١٠٣٥ وص ٧٦٨ ح ١٠٦٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ح ٥٨.
(٢) ص ٣٥٦ من الجزء الخامس. منه قدسسره.
(٣) في الصحيفة السابقة [ ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤٢ ]. منه قدسسره.
(٤) في الصحيفة السابقة أيضا [ ١١ / ٦٠٨ ح ٣٢٩٤١ ]. منه قدسسره.
وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ذ ح ٥٨.
(٥) راجع الصفحة ٦٥ وما بعدها من هذا الجزء.
(٦) انظر : مسند أحمد ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٨ ح ٨٤٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٨.
وبهذا يعلم أنّه أراد الإمامة بقوله : « هو وليّ كلّ مؤمن » ؛ إذ لا يصلح إرادة غيرها في المقام.
وبالجملة ، قد دلّت هذه الروايات على صحّة اصطفاء أمير المؤمنين للجارية ، ومضيّ فعله ؛ لأنّه من رسول الله ورسول الله منه ، فيفهم منها أنّه إمام فعلا.
بل يفهم من مجرّد قوله : « هو منّي وأنا منه » ، أنّه بمنزلته فعلا ، فيكون إماما فعليّا.
ولا ينافيه التقييد بالبعديّة في بعض الأخبار المذكورة ؛ لأنّ المراد بها التأخّر في الرتبة ، والإشارة إلى قيامه بعده بتمام شؤون الإمامة ، كما سبق تحقيقه في الآية الأولى من الآيات التي استدلّ بها المصنّف رحمهالله على الإمامة (١).
وأمّا معارضة الفضل بما ورد عندهم في شأن الأشعريّين ، ففي غير محلّها ؛ لأنّه من حديث المخالفين ، وهو ليس حجّة علينا ..
مع أنّه من رواية أبي موسى الأشعري ، وهو محلّ التهمة ، ومنافق ؛ لبغضه عليّا (٢) ، والمنافق أعظم الفاسقين ، فلا تقبل روايته لو صحّ السند
__________________
(١) راجع : ج ٤ / ٣٠٤ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٢) لا يخفى نفاق أبي موسى الأشعري وانحرافه وسوء مواقفه وبغضه لأمير المؤمنين الإمام عليّ عليهالسلام ، ومن سبر سيرته يعلم ذلك جليّا ..
فموقفه لمّا أتاه كتاب الإمام عليّ عليهالسلام بيد محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر ـ رضوان الله عليهما ـ ليجمع له أهل الكوفة لحرب الجمل ، فثبّطهم عن الخروج ، فأرسل له أمير المؤمنين الإمام عليّ عليهالسلام الإمام الحسن عليهالسلام وعمّار بن ياسر رضي الله عنه إلى الكوفة ليستنهضا أهلها ، فماطلهما وخذّل الناس عن الاستجابة لهما ، حتّى أتى
إليه.
ولو سلّم قبولها ، فاستعمال التبعيض في حديث الأشعريّين ـ بغير الإمامة ، بقرينة المقام وغيره ـ لا يستلزم مثله في ما نحن فيه ، الذي عرفت ظهوره في الاتّحاد بالفضل والمنزلة ؛ ولذا اقتضى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قصّة براءة : « لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي » انعزال أبي بكر ، والحال أنّه ليس دون الأشعريّين عند القوم.
وممّا بيّنّا يعلم وجه الاستدلال بقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لجبرئيل : « إنّ
__________________
_ مالك الأشتر رضي الله عنه وطرده. انظر حوادث سنة ٣٦ ه في : تاريخ الطبري ٣ / ٢٥ وما بعدها ، الكامل في التاريخ ٣ / ١١٨ وما بعدها.
وما رواه سويد بن غفلة ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يكون في هذه الأمّة حكمين ضالّين ، ضالّ من اتّبعهما » فقلت : يا أبا موسى! انظر لا تكون أحدهما؟! قال : فو الله ما مات حتّى رأيته أحدهما. انظر : تاريخ دمشق ٣٢ / ٩٢.
وما روي عن شقيق ، قال : كنّا مع حذيفة جلوسا ، فدخل عبد الله [ أي : ابن مسعود ] وأبو موسى المسجد ، فقال : أحدهما منافق ؛ ثمّ قال : إنّ أشبه الناس هديا ودلّا وسمتا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عبد الله. انظر : تاريخ دمشق ٣٢ / ٩٣.
وهذا تلميح أبلغ من التصريح كما لا يخفى ؛ ومن الثابت أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر حذيفة رضي الله عنه بأسماء المنافقين. انظر مثلا : أسد الغابة ١ / ٤٦٨ رقم ١١١٣.
وما روي عن حكيّم ، قال : كنت جالسا مع عمّار فجاء أبو موسى ، فقال : ما لي ولك؟! قال : ألست أخاك؟! قال : ما أدري! إلّا أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلعنك ليلة الجمل [ أي : ليلة العقبة ] ؛ قال : إنّه استغفر لي ؛ قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار. انظر : تاريخ دمشق ٣٢ / ٩٣.
ولا يخفى دلالة هذا النصّ على أنّ أبا موسى الأشعري كان من النفر الّذين أرادوا قتل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم العقبة.
ثمّ موقفه المشين يوم التحكيم في صفّين.
.. إلى غير ذلك من المواقف التي تؤكّد انحرافه عن الإمام عليّ عليه السلام وبغضه له ، فكان مصداقا لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق ».
عليّا منّي وأنا منه » ؛ لدلالته على أنّه نفس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فله منزلته وفضله ، وقد كرّم جبرئيل نفسه يجعلها بعضا منهما.
وقد روى هذا الحديث المصنّف رحمهالله عن « مسند أحمد » في ظاهر كلامه (١).
وحكاه في « كنز العمّال » (٢) ، عن الطبراني ، عن رافع بن خديج.
ورواه الطبري في « تاريخه » (٣) ، وذكر فيه قتل عليّ عليهالسلام لأصحاب الألوية ، وتفريقه لمن أراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من جماعات المشركين ، وقتله لبعضهم.
ومثله في « كامل » ابن الأثير (٤).
ونحوه في « شرح النهج » لابن أبي الحديد (٥) ، نقلا عن غلام ثعلب (٦) ، ومحمّد بن حبيب في « أماليه » ، وجماعة من المحدّثين ، وقال :
__________________
(١) راجع الصفحة ١٣٣ من هذا الجزء.
(٢) ص ٤٠٠ ج ٦ [ ١٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ح ٣٦٤٤٩ ]. منه قدسسره.
وانظر : المعجم الكبير ١ / ٣١٨ ح ٩٤١.
(٣) ص ١٧ من الجزء الثالث [ ٢ / ٦٥ ]. منه قدسسره.
(٤) ص ٧٤ من الجزء الثاني [ ٢ / ٤٩ ]. منه قدسسره.
(٥) نحوه في آخر ص ٣٧١ من المجلّد الثالث [ ١٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ ]. منه قدسسره.
(٦) هو : أبو عمر محمّد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرّز الباوردي ، المعروف بالزاهد ، أحد أعلام اللغة المكثرين في التصنيف ، صحب أبا العبّاس ثعلبا النحوي زمانا حتّى لقّب ب « غلام ثعلب » ، وكانت صنعته تطريز الثياب فنسب إليها.
كان نهاية في النصب والميل على الإمام عليّ عليه السلام ، مغاليا في حبّ معاوية! وصنّف جزءا في فضائله!! وكان إذا ورد عليه من يروم الأخذ عنه ألزمه بقراءة ذلك الجزء! ومن مصنّفاته : غريب القرآن ، غريب الحديث ، شرح الفصيح ، فائت الفصيح ، فائت العين ، فائت الجمهرة.