دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: ٥٨١

١
٢

٣
٤

تعيين إمامة عليّ بالسّنّة

١ ـ حديث النور

قال المصنّف ـ رفع الله منزلته ـ (١) :

وأمّا السنّة : فالأخبار المتواترة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الدالّة على إمامته ، وهي أكثر من أن تحصى ، وقد صنّف الجمهور وأصحابنا في ذلك وأكثروا ، ولنقتصر هاهنا على القليل ، فإنّ الكثير غير متناه ؛ وهي أخبار :

الأوّل : ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كنت أنا وعليّ بن أبي طالب نورا بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزءين ، فجزء أنا ، وجزء عليّ » (٢).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٢.

(٢) انظر : فردوس الأخبار ٢ / ١٧٨ ح ٤٨٨٤ ، تذكرة الخواصّ : ٥٠ ـ ٥١ نقلا عن أحمد في « الفضائل » ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ١٧١ وقال : « رواه أحمد في المسند ، وفي كتاب فضائل عليّ عليه‌السلام ، وذكره صاحب كتاب ( الفردوس )

٥

وفي حديث آخر رواه ابن المغازلي الشافعي : « فلمّا خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل في شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطّلب ، ففيّ النبوّة ، وفي عليّ الخلافة » (١)

وفي خبر آخر رواه ابن المغازلي ، عن جابر ، في آخره : « حتّى قسمه جزءين ، فجعل جزءا في صلب عبد الله ، وجزءا في صلب أبي طالب ، فأخرجني نبيّا ، وأخرج عليّا وصيّا (٢) » (٣).

* * *

__________________

وزاد فيه : ثمّ انتقلنا حتّى صرنا في عبد المطّلب ، فكان لي النبوّة ، ولعليّ الوصيّة » ، جواهر المطالب ١ / ٦١ وقال : « أخرجه أحمد في المناقب » ، ينابيع المودّة ٢ / ٤٩٠ ـ ٤٩١ ح ٣٧٩.

وراجع : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٢٣ ـ ٨٢٤ ح ١١٣٠.

(١) مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٠ ـ ١٢١ ح ١٣٠ ، ونحوه عن أبي ذرّ ح ١٣١ ، وانظر : ينابيع المودّة ١ / ٤٧ ح ٨.

وانظر : فردوس الأخبار ١ / ٣٧٤ ح ٢٧٧٦ عن سلمان ، وهو ما أشار إليه ابن أبي الحديد ، كما تقدّم في الهامش السابق ؛ فلاحظ!

(٢) في نهج الحقّ : وليّا.

(٣) مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢١ ـ ١٢٢ ح ١٣٢ ؛ وانظر : زين الفتى ١ / ١٣١ ح ٣٤ وص ١٣٣ ح ٣٨ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٨٤ ح ٣٨ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٤٥ ح ١٦٩ و ١٧٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٦٧ ، كفاية الطالب : ٣١٤ ـ ٣١٥ عن الخطيب البغدادي وابن عساكر ، الرياض النضرة ٣ / ١٢٠ عن أحمد ، فرائد السمطين ١ / ٤١ ـ ٤٤ ح ٥ ـ ٨ عن ابن مردويه وأبي نعيم والنطنزي ، ينابيع المودّة ١ / ٤٧ ح ٩.

٦

وقال الفضل (١) :

ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتاب « الموضوعات » في طريقين ، وقال : هذا حديث موضوع على رسول الله ، والمتّهم به في الطريق الأوّل محمّد بن خلف المروزي ؛ قال يحيى بن معين : كذّاب ، وقال الدارقطني : متروك.

وفي الطريق الثاني : المتّهم به جعفر بن أحمد ، وكان رافضيّا (٢).

وقال أبو سعيد بن يونس : كان رافضيّا كذّابا ، يضع الحديث في سبّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

والنسبة إلى مسند أحمد باطل وزور.

وأمّا ما ذكر من أنّ الأخبار متواترة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامة عليّ عليه‌السلام ، فنسأله أوّلا عن معنى التواتر؟ فإن قال : أن يبلغ عدد الرواة حدّا لا يمكن للعقل أن يحكم بتواطئهم على الكذب.

فنقول : اتّفق جميع المحدّثين أنّه ليس لنا حديث متواتر إلّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار (٤).

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٣٩١.

(٢) الموضوعات ١ / ٣٤٠.

(٣) الضعفاء والمتروكين ـ لابن الجوزي ـ ١ / ١٧٠ رقم ٦٦٠ ، وانظر : ميزان الاعتدال ٢ / ١٢٦ رقم ١٤٨٧ ولم ترد فيه الفقرة الثانية.

(٤) انظر : علوم الحديث ـ لابن الصلاح ـ : ٢٦٩ ، فتح المغيث : ٣١٣ ، فواتح الرحموت ـ بهامش المستصفى ـ ٢ / ١٢٠.

٧

فهذا الحديث في كلّ عصر رواه جماعة يحكم العقل على امتناع تواطئهم على الكذب ، وبعضهم ألحق حديث : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على من أنكر » بالمتواتر (١).

فكيف هذا الرجل الجاهل بالحديث والأخبار ، بل بكلّ شيء ـ حتّى إنّي ندمت من معارضة كتابه وخرافاته بالجواب ؛ لسقوطه عن مرتبة المعارضة ؛ لانحطاط درجته في سائر العلوم ، معقولها ومنقولها ، أصولها وفروعها (٢) ، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت ـ يحكم بأنّ المنقول من « مسند أحمد » متواتر ، وأحمد بن حنبل قد جمع في مسنده الضعيف والمنكر ؛ لأنّه مسند لا صحيح ، وهو لا يعرف المسند إلّا الصحيح ، ولا يفرّق بين الغثّ والسمين؟!

والمغازلي رجل مجهول لا يعرفه أحد من العلماء من جملة المصنّفين والمحدّثين.

والعجب أنّ هذا الرجل لا ينقل حديثا إلّا من جماعة أهل السنّة ؛ لأنّ الشيعة ليس لهم كتاب ، ولا رواة ، ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار ، فهو في إثبات ما يدّعيه عيال على كتب أهل السنّة ؛ فإذا صار كذلك ، فلم لا يروي عن كتب الصحاح؟! فهو يترك المنقولات في الصحاح ، بل يطعن فيها ويذكر المناكير والضعفاء والمجهولات ، من جماعة مجهولة منكرة ، ويجعله سندا لمذهبه الباطل الفاسد ، وهذا عين التعصّب.

__________________

(١) لم نعثر على من قال بهذا القول في ما بأيدينا من الكتب!

(٢) انظر كلمات مديح وإطراء علماء العامّة بحقّ العلّامة الحلّي قدس‌سره في ترجمته من مقدّمة تحقيق هذا الكتاب في ج ١ / ١٥٩ ـ ١٦١.

٨

ثمّ ما ذكر من المتواتر ، فإن ادّعى أنّه متواتر عند أهل السنّة والجماعة ، فقد بيّنّا بطلانه ، وأنّه ليس حديث متواتر عندنا إلّا ما ذكرناه (١).

__________________

(١) إنّ تعريف الفضل هذا للتواتر بقوله : « لا يمكن للعقل أن يحكم بتواطئهم على الكذب » فيه تأمّل.

والأولى أن يقال في تعريفه : « هو خبر جماعة يحصل بإخبارهم العلم ، ويبلغوا من الكثرة بحيث يمتنع عادة تعمّدهم واتّفاقهم على الكذب ».

وقد خفي على الفضل بأنّ للتواتر أقساما ، فمنها :

التواتر الإجمالي : وهو أن يوجد بين مجموعة الأخبار ـ وإن اختلفت ألفاظها ـ ما تشترك به ، فيكون المشترك بينها متواترا إجماليا.

التواتر المعنوي : وهو أن تتّفق الأخبار معنى لا لفظا ، كعلمنا بشجاعة الإمام عليّ عليه‌السلام ، وكرم حاتم الطائي ، وإن اختلفت الصور الناقلة لمواقف عليّ عليه‌السلام في حروبه ، وحالات حاتم في إكرامه ، ولكنّ مجموعها يفيد العلم بأنّ عليّا عليه‌السلام كان شجاعا ، وأنّ حاتما كان كريما.

التواتر اللفظي : وهو أن تتّحد ألفاظ المخبرين في خبرهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وبلدانهم.

أمّا عدد المخبرين ، فقد حدّده ابن حزم بأربعة ، واشترط الباقلّاني بأن يكونوا أكثر من أربعة ، ومنهم من قال : سبعة ، على عدد الأفلاك ؛ ومنهم من قال : إنّ أقلّه عشرة ؛ لأنّه أوّل جموع الكثرة ، كالإصطخري ؛ ومنهم من قال : اثنا عشر ، عدد نقباء بني إسرائيل ؛ وحكي عن أبي الهذيل العلّاف أنّ أقلّه عشرون ، وقيل أكثر من ذلك.

وكل هذا كلام غير سليم ؛ لأنّ المعيار في ذلك هو حصول العلم بعدم تعمّد الكذب ، وكلّ ذلك يعتمد على نوع الخبر المنقول وخطره ودقّته .. إلى غير ذلك ، ويشترط فيه استواء الوسط والأطراف ، مضافا إلى الحسّ.

أمّا قوله : « اتّفق جميع المحدّثين أنّه ليس حديث متواتر إلّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « من كذب عليّ متعمّدا ... » ..

فقد سبقه ابن الصلاح إلى ذلك ، وردّ عليه السيوطي في تدريب الراوي ٢ / ١٧٨ ـ ١٨٠ ، فقال : « ما ادّعاه ابن الصلاح من عزّة التواتر ، وكذا ما ادّعاه غيره

٩

وإن ادّعى التواتر عند الشيعة والروافض ، فكلّ الناس يعلمون أنّ عدد الشيعة والروافض في كلّ عصر ، من العصر الأوّل إلى هذا العصر ، ما يبلغ حدّ الكثرة والاستفاضة ، فضلا عن حدّ التواتر ، فلا يمكن لهم دعوى التواتر في أيّ مدّعى كان.

وما ذكره من الأخبار في هذا الباب أكثرها ضعيف وموضوع ،

__________________

من العدم ، ممنوع ؛ لأنّ ذلك نشأ عن قلّة الإطّلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطأوا على الكذب ، أو يحصل منهم اتّفاقا ...

قال : ومن أحسن ما يقرّر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث ، أنّ الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا ، المقطوع عندهم بصحّة نسبتها إلى مؤلّفيها ، إذا اجتمعت على إخراج حديث ، وتعدّدت طرقه تعدّدا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب ، أفاد العلم اليقيني بصحّته إلى قائله ...

قال : ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير.

قلت : قد ألّفت في هذا النوع كتابا لم أسبق إلى مثله ، سمّيته : ( الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ) ، مرتّبا على الأبواب ، أوردت فيه كلّ حديث بأسانيد من خرّجه ، وطرقه ، ثمّ لخّصته في جزء لطيف سمّيته : ( قطف الأزهار ) ، اقتصرت فيه على عزو كلّ طريق لمن أخرجها من الأئمّة ، وأوردت فيه أحاديث كثيرة ـ ثمّ ذكر مجموعة من الأحاديث ، إلى أن قال : ـ كلّها متواترة في أحاديث جمّة أودعناها كتابنا المذكور ، ولله الحمد ».

وللزبيدي صاحب « تاج العروس » كتاب « لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة » ، أخرج فيه أكثر من سبعين حديثا متواترا ، واستدرك الكتّاني على السيوطي في كتاب « نظم المتناثر من الحديث المتواتر » ، وللشيخ نوح الحنفي رسالة في الأحاديث المتواترة.

وبعد هذا كلّه هل يصحّ أن يقال : ليس حديث متواتر إلّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « من كذب عليّ متعمّدا ... »؟!

انظر : مقدّمة ابن الصلاح : ١٥٧ ، المنهل الروي : ٣١ ـ ٣٢ ، لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة : ١٧ وما بعدها ، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٨ ، مقباس الهداية ١ / ٩٢ وما بعدها.

١٠

فلا يصحّ الاستدلال به ، ولكن نذكره على دأبنا ، ونتكلّم على كلّ خبر بما هو الحقّ فيه.

* * *

١١

وأقول :

ذكر السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ـ التي هي مختصر كتاب ابن الجوزي ـ حديثين آخرين حكاهما عن الخطيب ، لا عن أحمد وابن المغازلي ، وأوّلهما لا ربط له بما حكاه المصنّف رحمه‌الله هنا ، وثانيهما مخالف له لفظا وفي بعض الخصوصيات.

قال السيوطي نقلا عن ابن الجوزي : الخطيب ، أخبرني أبو القاسم عليّ بن الحسن بن محمّد بن أبي عثمان الدقّاق ، حدّثنا محمّد بن خلف المروزي ، حدّثنا موسى بن إبراهيم المروزي ، حدّثنا موسى بن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه مرفوعا : « خلقت أنا وهارون بن عمران ، ويحيى بن زكريّا ، وعليّ بن أبي طالب من طينة واحدة » ، موضوع ، آفته محمّد بن خلف.

جعفر بن أحمد بن عليّ بن بيان ، حدّثنا عمر الطائي ، حدّثنا أبي ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن نمير الحضرمي ، عن أبي ذرّ مرفوعا : « خلقت أنا وعليّ من نور ، وكنّا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام ، ثمّ خلق الله آدم فانقلبنا في أصلاب الرجال ، ثمّ جعلنا في صلب عبد المطّلب ، ثمّ شقّ أسماءنا من اسمه ، فالله محمود وأنا محمّد ، والله الأعلى وعليّ عليّ » ؛ وضعه جعفر ، وكان رافضيّا وضّاعا (١). انتهى.

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، وانظر : تاريخ بغداد ٦ / ٥٩ رقم ٣٠٨٨ ، الموضوعات ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

١٢

فأنت ترى أنّ هذين الحديثين غير ما حكاه المصنّف رحمه‌الله ، وراويهما ـ وهو الخطيب ـ غير راوي أخبار المصنّف رحمه‌الله ؛ فخان الفضل في النقل عن ابن الجوزي!

ولو كان محمّد بن خلف هو الراوي لحديث النور وطعن فيه ابن الجوزي ، لذكره السيوطي مع حديثه الأوّل ؛ لاتّحاد وجه الطعن ، وهو رواية ابن خلف له.

ويشهد لذلك أنّ الذهبي في « ميزان الاعتدال » ذكر بترجمة محمّد بن خلف الحديث الأوّل مع طعن ابن الجوزي فيه (١).

ولو كان ابن خلف راويا لحديث النور ، وكان ابن الجوزي قائلا بوضعه ، لكان ذكر الذهبي له أولى ؛ لأنّه أدّل على فضل أمير المؤمنين وإمامته ، والذهبي أشدّ اهتماما بإنكار مثله.

ولو سلّم رواية محمّد بن خلف لحديث النور ، وطعن ابن الجوزي فيه ، فهو لا يستلزم كذب جميع رواة حديث النور ، بل يكون تعدّد طرقه دليلا على صدقه.

على أنّ ابن الجوزي أيضا طرف النزاع ، فكيف يعتبر قوله بوضع حديث النور ، مع أنّا نرى القوم أنفسهم لا يعتبرون كلامه؟!

قال السيوطي في ديباجة « اللآلئ المصنوعة » : « جمع الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي كتابا فأكثر فيه من إخراج الضعيف الذي لم ينحطّ إلى رتبة الوضع ، بل ومن الحسن ، ومن الصحيح ، كما نبّه على ذلك الأئمّة الحفّاظ ، ومنهم : ابن الصلاح في ( علوم الحديث ) ، وأتباعه » (٢).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ١٣٥ رقم ٧٤٩٦.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٩ ، وانظر : علوم الحديث : ٩٩.

١٣

وأمّا ما قيل : إنّ جعفر بن أحمد كان رافضيا ؛ فلا منشأ له إلّا روايته ما يسمعه من فضائل آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومساوئ أعدائهم.

وهذه عادتهم في من روى فضيلة لأهل البيت أو رذيلة لأعدائهم ، يريدون بذلك إخفاء الحقّ وترويج الباطل ، كما عرفته في مقدّمة الكتاب (١) ؛ فلذا خفي جلّ فضائل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكثر مساوئ مخالفيهم ، كما لا منشأ لنسبة الوضع إلى جعفر إلّا إظهاره للحقّ!

وأمّا تكذيب الفضل نسبة الحديث إلى « مسند أحمد » ؛ فالظاهر أنّ سببه عدم نقل ابن الجوزي للحديث إلّا عن الخطيب ، وإلّا فهو أقصر باعا عن الاطّلاع على جميع « مسند أحمد » ، كما يشهد له إنكاره للحديث الآتي مع ثبوته في « المسند ».

وقد نقل ابن أبي الحديد (٢) هذا الحديث بعينه ، عن أحمد في مسنده ، وفي « الفضائل » ، ثمّ قال : وذكره صاحب كتاب « الفردوس » وزاد فيه : « ثمّ انتقلنا حتّى صرنا في عبد المطّلب ، فكان لي النبوّة ، ولعليّ الوصيّة ».انتهى.

ولكنّي قد طلبت الحديث في « المسند » فلم أعثر عليه ، وجلّ ظنّي أنّه غير موجود في النسخة المطبوعة منه التي هي بأيدينا الآن ؛ لأنّهم إذا رأوا مثل هذه الفضيلة السنيّة حذفوها مهما أمكن ، كما سننبّهك على بعض ما عثرنا عليه ممّا نقله علماؤهم عن « المسند » ، ومع ذلك لم يوجد

__________________

(١) انظر : ج ١ / ١٨ و ٢٢ ـ ٢٥ من هذا الكتاب.

(٢) في شرح النهج ، ص ٤٥٠ من الجزء الثاني [ ٩ / ١٧١ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٢٣ ـ ٨٢٤ ح ١١٣٠ ، فردوس الأخبار ٢ / ١٧٨ ح ٤٨٨٤ وبلفظ آخر في ج ١ / ٣٧٤ ح ٢٧٧٦.

١٤

فيه الآن.

ثمّ إنّ أوّل ما نقله المصنّف رحمه‌الله عن ابن المغازلي ، نقله أيضا في « ينابيع المودّة » (١) عن ابن المغازلي ، بسنده عن سلمان الفارسي.

ونقل عنه أيضا بسنده عن أبي ذرّ حديثا آخر مثل حديث أحمد (٢).

كما إنّه نقل عن صاحب « الفردوس » بسنده عن سلمان ، ما نقله ابن أبي الحديد عنه (٣).

وزاد حديثا آخر نحو حديث أحمد ، عن الحمويني ، وموفّق بن أحمد ، بسنديهما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤).

ثمّ نقل عن الحمويني ، بسنده عن ابن عبّاس ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ : « خلقت أنا وأنت من نور الله عزّ وجلّ » (٥).

فهذه الأخبار ـ كما ترى ـ معتبرة ، ولو لأجل اعتضاد أسانيدها بعضها ببعض ، وهي أدلّ دليل على فضل أمير المؤمنين على غيره ؛ فيكون هو الإمام ، مع تصريح بعضها بخلافته ووصايته.

وأمّا ما زعمه الفضل من انحصار المتواتر في خبر أو خبرين ، فمن

__________________

(١) في الباب الأوّل منها [ ١ / ٤٧ ح ٨ ]. منه قدس‌سره.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٤٧ ح ٩.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٤٧ ذ ح ٨ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧١ ، فردوس الأخبار ٢ / ١٧٨ ح ٤٨٨٤.

(٤) ينابيع المودّة ١ / ٤٧ ـ ٤٨ ح ١٠ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٤٥ ح ١٦٩ و ١٧٠ ، فرائد السمطين ١ / ٤١ ـ ٤٢ ح ٥ ـ ٧.

(٥) ينابيع المودّة ١ / ٤٩ ح ١٢ ، وانظر : فرائد السمطين ١ / ٣٩ ـ ٤٠ ح ٤.

١٥

عدم معرفته بالاصطلاح ، فإنّ هذا إنّما هو في المتواتر لفظا لا معنى فقط.

كيف؟! والأخبار المتواترة معنىّ أكثر من أن تحصى ، وقد ادّعى نفسه في هذا الكتاب تواتر بعض الأخبار!

فمراد المصنّف رحمه‌الله : إنّ مجموع الأخبار متواترة معنىّ بإمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وإن لم يتواتر كلّ منها لفظا ولا معنى ، فلا يلزم أن يكون خصوص حديث النور متواترا ، وإن كان لو ادّعى أحد تواتره معنى بلحاظ أخبار الفريقين لم يبعد عن الصواب ، كحديث الغدير (١).

ومن الطريف نسبة الفضل للمصنّف رحمه‌الله دعوى تواتر المنقول من « مسند أحمد » ، فإنّ غاية ما يمكن أن يسند إلى المصنّف رحمه‌الله دعوى تواتر حديث « النور » معنى ؛ بسبب تعدّد رواته ومخرّجيه ، ومنهم أحمد ، فلا يلزم منه القول بصحّة ما في « مسند أحمد » ، فضلا عن تواتره.

وأطرف منه نقصه للمصنّف العلّامة رحمه‌الله وزعمه الندم من معارضته ، وأنّه ابتلي فصبر ، وهو كما تراه لا يعرف حتّى العبارات الواضحة ، فما أصدق المعرّي في أبياته المشهورة ، وكأنّه ينظر فيها إلى هذا المقام (٢).

__________________

(١) انظر : ج ١ / ١٩ ـ ٢٢ وج ٤ / ٣١٧ ـ ٣٥٠ ، من هذا الكتاب.

(٢) إشارة إلى الأبيات السائرة والمشهورة لأبي العلاء المعرّي ، والتي يستشهد بها في مثل هذا المقام ، وهي من قصيدة مطلعها :

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

عفاف وإقدام وحزم ونائل

إلى أن يقول :

إذا وصف الطائيّ بالبخل مادر

وعيّر قسّا بالفهاهة باقل

وقال السّهى للشمس : أنت خفيّة

وقال الدّجى : يا صبح لونك حائل

وطاولت الأرض السماء سفاهة

وفاخرت الشّهب الحصى والجنادل

فيا موت زر إنّ الحياة ذميمة

ويا نفس جدّي إن دهرك هازل

انظر : سقط الزند : ١٩٤ ـ ١٩٥.

١٦

ويكفي المصنّف رحمه‌الله فضلا عجز علماء القوم في عصره عن معارضته ، حينما جمعهم السلطان السعيد محمّد خدا بنده حتّى تشيّع السلطان في الحال وجمع كثير ممّن شاهد الحال أو سمعها ، وتشيّعت إيران ببركة علم المصنّف ونيّر برهانه (١).

وأمّا ما زعمه من أنّ أحمد جمع الضعيف والمنكر ؛ معلّلا بأنّه « مسند » لا « صحيح » ، فمن عدم معرفته للمسمّيات إلّا بأسمائها ، فإنّ « مسند أحمد » كصحاحهم قد جمع أخبارا مسندة صحيحة عنده ، وإن سمّي ب‍ « المسند ».

قال ابن تيميّة في ردّه ل‍ « منهاج الكرامة » للمصنّف ، عند الكلام على « البرهان السابع » على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو آية « المودّة » : « شرط أحمد في المسند ، مثل أبي داود في سننه » (٢).

وقال عند الكلام على « البرهان السادس (٣) والعشرين » وهو قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (٤) : « وهي ـ أي أحاديث مسند أحمد ـ أجود من أحاديث سنن أبي داود » (٥).

__________________

(١) انظر : روضة المتّقين ٩ / ٣٠ ـ ٣٢ ، أعيان الشيعة ٥ / ٣٩٩ ، وحكى هذه القصّة القاضي التستري في مجالس المؤمنين : الورقة ١١٨ / ترجمة العلّامة الحلّي ، عن تاريخ الحافظ ( آبرو ) من علماء السنّة ، وغيره ، كما في مقدّمة إحقاق الحقّ ١ / ١١ ـ ١٦.

(٢) منهاج السّنّة ٧ / ٩٧.

(٣) في الأصل : « السابع » ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) سورة الحديد ٥٧ : ١٩.

(٥) منهاج السنّة ٧ / ٢٢٣.

١٧

وقال المترجم لأحمد بمقدّمة مسنده ، المطبوع بالمطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣١٣ : « قال السبكي ـ أي في : الطبقات الكبرى ـ : قال الحافظ أبو موسى محمّد بن أبي بكر المديني (١) : هذا الكتاب ـ يعني : مسند أحمد ـ أصل كبير ، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ... جعل إماما ومعتمدا ، وعند التنازع ملجأ ومسندا.

ثمّ روى عن حنبل بن إسحاق ، قال : جمعنا عمّي ـ يعني أحمد بن حنبل ـ لي ولصالح ولعبد الله ... وقال لنا : إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته (٢) من أكثر من سبعمئة وخمسين ألفا ؛ فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارجعوا إليه ، فإن كان [ فيه ] ، وإلّا فليس بحجّة.

ثمّ نقل عن عبد الله بن أحمد ، عن أبيه ، قال : عملت هذا الكتاب إماما ، إذا اختلف الناس في سنّة [ عن ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجع إليه.

ثمّ قال أبو موسى المديني : لم يخرّج ـ أي أحمد ـ إلّا عمّن ثبت

__________________

(١) هو : أبو موسى محمّد بن أبي بكر عمر بن أحمد بن عمر ، الحافظ الأصبهاني المدينى ، ولد بأصبهان سنة ٥٠١ ، وتوفّي بها سنة ٥٨١ ه‍ ، شيخ زمانه إسنادا وحفظا ، سمع بأصبهان وهمذان وبغداد ، وروى وصنّف كتبا كثيرة في الحديث والنحو واللغة وغيرها ، منها : نزهة الحفّاظ ، تتمّة « معرفة الصحابة » لأبي نعيم ، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث ـ وهو تتمّة كتاب « الغريبين » للهروي ـ ، الأخبار الطوال.

انظر : وفيات الأعيان ٤ / ٢٨٦ رقم ٦١٨ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٢١ ، سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٥٢ رقم ٧٨ ، طبقات الشافعية الكبرى ـ للسبكي ـ ٦ / ١٦٠ رقم ٦٧٥ ، غاية النهاية في طبقات القرّاء ٢ / ٢١٥ رقم ٣٣٠٦ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٧٣.

(٢) كان في الأصل : « وأتقنته » ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه من « طبقات الشافعية ».

١٨

عنده صدقه وديانته ، دون من طعن في أمانته.

ثمّ روى عن عبد الله بن أحمد ، قال : سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان؟ قال : لم أخرّج عنه في ( المسند ) شيئا ، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته » (١).

وقد ذكر في ترجمة أحمد كثيرا من نحو هذا ما يدلّ على كون أحمد لم يرو في مسنده إلّا ما صحّ عنده ؛ فراجع!

ومجرّد جمع أحمد فيه الضعيف والمنكر عند غيره ، لا يقضي بعدم صحّته عنده ؛ إذ ليس مسنده بأحسن من صحاحهم وقد جمعت الضعيف والمنكر وما فيه الكفر ، كما سبق في مقدّمة الكتاب ومسألة النبوّة (٢).

وأمّا قوله : « والمغازلي رجل مجهول ، لا يعرفه أحد من العلماء » ؛ فيكذّبه رواية ابن حجر في « الصواعق » عنه ، وكنّاه بأبي الحسن ، كما سبق في الآية السابعة والسبعين (٣).

وكنّاه به أيضا في « ينابيع المودّة » في الباب الأوّل منها ، وسمّاه بعليّ بن محمّد (٤) ، كما سمّاه به أيضا في أوّل الكتاب عند ذكر من

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ٣١ ـ ٣٢.

(٢) انظر : ج ١ / ٤١ وما بعدها ، وج ٤ / ١٣٧ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

نقول : وفي نفحات الأزهار ٢ / ٢٧ ـ ٣٠ بحث مفصّل عن قيمة أحاديث « مسند أحمد » ؛ فراجع!

(٣) راجع : ج ٥ / ٣٤٣ من هذا الكتاب ؛ وانظر : الصواعق المحرقة : ٢٣٣ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٤ ح ٣١٤.

(٤) ينابيع المودّة ١ / ٤٧ ح ٨ ؛ وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٠ ح ١٣٠.

١٩

روى عنهم ، ووصفه بالفقيه الشافعي (١).

وغاية طعن ابن تيميّة فيه أن قال : ليس الحديث من صنعته ولا يعرف الحديث (٢).

ولا منشأ للتجاهل به والطعن في معرفته ، إلّا لأنّه يروي ما ليس من هوى ابن تيميّة ، وأنّه ألّف في فضل أمير المؤمنين ؛ وهذا كما مرّ في المقدّمة أولى بالدلالة على اطّلاعه وحسن إنصافه (٣) ، ولو ألّف في فضل الشيخين من مفتعلاتهم لحلّ عندهم بالمحلّ الأرفع والمنزل الأسنى!!

وأمّا قوله : « والعجب أنّ هذا الرجل لا ينقل حديثا إلّا من جماعة أهل السنّة ... » إلى آخره ..

فمن عدم تفرقته بين البحث الإلزامي وغيره ؛ فإنّ المصنّف رحمه‌الله إنّما

__________________

(١) ينابيع المودّة ١ / ٢٨.

نقول : وابن المغازلي عالم مؤرّخ ، سمع الكثير من أبي بكر الخطيب.

قال عنه السمعاني في الأنساب ٢ / ١٣٧ « الجلّابي » : « والمشهور بهذه النسبة : أبو الحسن عليّ بن محمّد بن محمّد بن الطيّب الجلّابي ، المعروف بابن المغازلي ، من أهل واسط العراق ، كان فاضلا عارفا برجالات واسط وحديثهم ، وكان حريصا على سماع الحديث وطلبه ، رأيت له ذيل التاريخ لواسط وطالعته وانتخبت منه ، ... وغرق ببغداد في الدجلة في صفر سنة ثلاث وثمانين وأربعمئة ، وحمل ميّتا إلى واسط فدفن بها ».

وانظر : تبصير المنتبه ١ / ٣٨٠ ، تاج العروس ١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ مادّة « جلب ».

وله ترجمة مفصّلة استوعيت مراحل حياته ومشايخه وتلامذته ومصنّفاته وكلمات العلماء في حقّه ، اسمها : « الميزان القاسط في ترجمة مؤرّخ واسط » ، للسيّد شهاب الدين المرعشي النجفي قدس‌سره ، طبعت كمقدّمة لكتاب ابن المغازلي : « مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام » ، ص ٧ ـ ٣٤ ؛ فراجع!

(٢) منهاج السنّة ٧ / ٦٢.

(٣) راجع : ج ١ / ٢٢ ـ ٢٤ من هذا الكتاب.

٢٠