دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: ٥٨١

وأقول :

قد عرفت أنّ الكلام ـ في هذا ونحوه ـ في الأفضليّة ، فإن أقرّ به الفضل ، فهو المراد ، وإلّا فليأت بشبهة.

وكيف يقاس بمن جاد بنفسه في جميع مواقف الزحام ، من بخل بها في كلّ مقام ، وفرّ مرارا عن سيّد الأنام (١)؟!

أو يقاس بمن سخا بجميع ماله على الأباعد ، من ضنّ ببعضه على الأقارب ، وحمل يوم الهجرة ماله كلّه وترك بلا قوت أهله (٢)؟!

وهل يلحق من آثر على نفسه ولم يعزّ عليه قوته ، من كانت في أموال المسلمين نهمته حتّى كبت به بطنته (٣).

* * *

__________________

(١) إشارة إلى الشيخين وأغلب الصحابة ، حين فرّوا من الزحف ، كيوم أحد وخيبر وحنين ؛ راجع : ج ٥ / ٥٧ ه‍ ١ وص ٧٧ ه‍ ١ وص ٨٢ من هذا الكتاب ، وص ٨٩ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) إشارة إلى أبي بكر ، الذي احتمل ماله كلّه ولم يترك لعياله منه شيئا ؛ انظر : البداية والنهاية ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢.

(٣) إشارة إلى عثمان بن عفّان ، فقد وصفه أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخطبة الشقشقية بقوله : « إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ».

انظر : نهج البلاغة : ٤٩ الخطبة ٣.

٣٨١

استجابة دعائه ، وحسن خلقه ، وحلمه

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :

المطلب السابع : في استجابة دعائه

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استسعد به (٢) وطلب تأمينه على دعائه يوم المباهلة ، ولم تحصل هذه المرتبة لأحد من الصحابة (٣).

ودعا على أنس بن مالك لمّا استشهده على قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ؛ فاعتذر بالنسيان ..

فقال : اللهمّ إن كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه العمامة ؛ فبرص (٤).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٤٦.

(٢) استسعد به : عدّه سعدا ويمنا ؛ انظر مادّة « سعد » في : الصحاح ٢ / ٤٨٧ ، لسان العرب ٦ / ٢٦٢ ، تاج العروس ٥ / ١٦.

(٣) راجع : ج ٤ / ٣٩٩ من هذا الكتاب.

(٤) انظر : جمهرة النسب ٢ / ٣٩٥ ، المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ٣٢٠ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٨٦ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٤ وج ١٩ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

وهناك من روى المناشدة ، وأنّ أنسا كان أحد الحاضرين حينها ، ولكنّه تكتّم عليه فلم يذكر أنّ من أصابته الدعوة هو أنس! انظر : حلية الأولياء ٥ / ٢٦ ـ ٢٧.

ومنهم من روى أنّ أنسا كان به برص ، ولم يذكر سبب ذلك! انظر : تاريخ دمشق ٩ / ٣٧٥ ـ ٣٧٧.

ومنهم من روى عن زيد بن أرقم أنّه ـ أي : زيد ـ كان أحد الموجودين حين المناشدة ، فكتم الشهادة ، فعمي ؛ انظر : المعجم الكبير ٥ / ١٧١ ح ٤٩٨٥ وص

٣٨٢

ودعا على البراء (١) بالعمى ؛ لأجل نقل أخباره إلى معاوية ، فعمي (٢).

__________________

١٧٤ ـ ١٧٥ ح ٤٩٩٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٧٤ ح ٣٣ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٦.

وعاد الطبراني فأورد قصّة المناشدة عن زيد نفسه ، إلّا أنّه لم يذكر كتمان الشهادة بالحديث ودعاء الإمام عليّ عليه‌السلام وذهاب البصر! انظر : المعجم الأوسط ٢ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ح ١٩٨٧.

وراجع : ج ٤ / ٣٢٨ من هذا الكتاب.

(١) المغيرة / خ ل. منه قدس‌سره.

نقول : ورد الاسم مصحّفا تصحيفا بيّنا في مصادر هذه الحادثة ، ففي بعضها : « الغرار » ، وفي بعضها الآخر غير ذلك ، والمنقول في أغلبها : « العيزار » ، حتّى إنّ العلّامة الحلّي قدس‌سره ضبطه كذلك في كتابه « كشف اليقين ».

ولعلّ المقصود هو ، « العيزار بن جرول التنعي » ، الذي قالوا عنه إنّه يروى عن الإمام عليّ عليه‌السلام ، وقد سكت عنه بعض علمائهم ووثّقه آخرون!! فإن كان هو المقصود ، فلا بدّ أن يكون توثيقهم له بسبب ميله إلى معاوية!

انظر : التاريخ الكبير ٧ / ٧٩ رقم ٣٦١ ، الجرح والتعديل ٧ / ٣٧ رقم ١٩٧ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٧ / ٣٠٢ ، تاريخ أسماء الثقات ـ لابن شاهين ـ : ٢٥٢ رقم ١٠٠٣ ، الإكمال : ٢٢٩ رقم ٦٨٦.

أمّا « المغيرة » فلم يذكر لنا التاريخ أنّه عمي ، بل ولي الكوفة لمعاوية إلى أن مات بها سنة ٥٠ ه‍.

وممّا يقوّي احتمال التصحيف هنا ؛ أنّ قضية « البراء » ـ وفق ما جاءت به الروايات ، إن صحّت ـ كانت في رحبة مسجد الكوفة عند مناشدة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الصحابة عن حديث الغدير ، وهذه القضية كانت في نقل أخبار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية.

أمّا إذا كان ورود اسم « البراء » هنا صحيحا ، فيحتمل ـ حينها ـ أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قد دعا على « البراء » مرّتين ، مرّة بعد المناشدة ، وأخرى بعد نقل الأخبار ، فعمي ؛ فلاحظ!

(٢) انظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، الخرائج والجرائح

٣٨٣

وردّت عليه الشمس مرّتين لمّا دعا به (١).

ودعا في زيادة الماء لأهل الكوفة حتّى خافوا الغرق ، فنقص حتّى ظهرت الحيتان ، فكلّمته إلّا الجرّي والمارماهي والزمّار (٢) ، فتعجّب الناس من ذلك (٣).

وأمّا حسن الخلق ؛ فبلغ فيه الغاية ، حتّى نسبه أعداؤه إلى الدعابة (٤).

وكذا الحلم ؛ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة عليها‌السلام : « إنّي زوّجتك من أقدم الناس سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما » (٥).

* * *

__________________

١ / ٢٠٧ ح ٤٨ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣١٤ ، كشف اليقين ـ للعلّامة الحلّي ـ : ١١١ ، إرشاد القلوب ٢ / ٤٠ ، أرجح المطالب : ٦٨١.

(١) انظر : وقعة صفّين : ١٣٥ ـ ١٣٦ ، منهاج السنّة ٨ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، البداية والنهاية ٦ / ٦٥ و ٦٦ ، مزيل اللبس عن حديث ردّ الشمس : ١٤٩ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

وراجع مبحث حديث ردّ الشمس في الصفحات ٢٠٠ ه‍ ١ و ٢٠٧ ـ ٢٢٣ من هذا الجزء ، وانظر : ج ٥ / ٢٨٦ ه‍ ٢ من هذا الكتاب.

(٢) الجرّي والمارماهي والزمّار : ضروب من الأسماك ، لا فلس لها.

(٣) انظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨.

(٤) انظر : نهج البلاغة : ١١٥ الخطبة ٨٤ ، العقد الفريد ٣ / ٢٩٠ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ١١٨ مادّة « دعب » ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٢٦ ـ ٣٣٠ ، لسان العرب ٤ / ٣٤٩ مادّة « دعب » وج ١٥ / ٣٢١ مادّة « وصي ».

(٥) مسند أحمد ٥ / ٢٦ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٩٠ ح ٩٧٨٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٥ ح ٦٨ ، المعجم الكبير ١ / ٩٤ ح ١٥٦ وج ٢٠ / ٢٣٠ ح ٥٣٨ ، تلخيص المتشابه ١ / ٤٧٢ رقم ٧٨٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٩ ح ١٤٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ١٢٦ و ١٣١ ـ ١٣٣.

٣٨٤

وقال الفضل (١) :

ما ذكره في هذا المطلب من استجابة دعاء أمير المؤمنين ؛ فهذا أمر لا ينبغي أن يرتاب فيه ، وإذا لم يكن دعاء سيّد الأولياء مستجابا ، فمن يستجاب له الدعاء؟!

وأمّا ما ذكر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استسعد بدعائه ؛ فقد ذكرنا سرّ هذا الاستسعاد والاشتراك في الدعاء في المباهلة ، أنّ هذا من عادات أهل المباهلة ، أن يشاركوا القوم والنساء والأولاد في الدعاء (٢).

ويفهم منه أنّ النبيّ استسعد بدعائه لاحتياجه إلى ذلك الاستسعاد ، وهذا باطل عقلا ونقلا.

أمّا عقلا ؛ لأنّ النبيّ لا شكّ أنّه كان مستجاب الدعوة ، ومن كان مستجاب الدعوة فلا يحتاج إلى استسعاد الغير.

وأمّا نقلا ؛ فلأنّ الاشتراك في الدعاء في المباهلة لم يكن للاستسعاد ، بل لما ذكرنا.

وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك ، فاعتذر بالنسيان ، فدعا عليه ؛ فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض ؛ لأنّ خبر « من كنت مولاه فعليّ مولاه » كان في غدير خمّ.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٤ الطبعة الحجرية.

(٢) راجع : ج ٤ / ٤٠١ من هذا الكتاب.

٣٨٥

وكان لكثرة سماع السامعين كالمستفاض (١) ، فأيّ حاجة إلى الاستشهاد من أنس؟!

ولو فرض أنّه استشهد ولم يشهد أنس ، لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن خدمه عشر سنين ، بالبرص ؛ ووضع الحديث ظاهر.

* * *

__________________

(١) الحديث المستفيض : هو ما زاد عدد رواته عن ثلاثة في كلّ طبقة من الطبقات ، وبذلك يختلف عن الحديث المشهور ، الذي هو أعمّ من ذلك ، فقد تطرأ الشهرة على جزء منه ، كوسطه دون طرفيه.

ويقال : فاض الخبر يفيض ، واستفاض ، أي شاع وذاع ، وهو حديث مستفيض ، أي منتشر شائع ذائع بين الناس ؛ ولا يقال : مستفاض ـ فذلك لحن ـ إلّا أن يقال : مستفاض فيه.

وهو على المجاز هنا ، مأخوذ من « فاض الماء يفيض فيضا » ، أي كثر حتّى سال على طرف الوادي.

انظر : شرح شرح نخبة الفكر : ١٩٢ ، شرح البداية في علم الدراية : ٧٠ ، مقباس الهداية في علم الدراية ١ / ١٢٨ ، ومادّة « فيض » في : الصحاح ٣ / ١٠٩٩ ، لسان العرب ١٠ / ٣٦٧ ، تاج العروس ١٠ / ١٣١.

٣٨٦

وأقول :

استجابة الدعاء في مثل هذه الأمور الخارقة للعادة لا تقع إلّا لنبيّ أو وصيّ نبيّ ؛ لاشتمالها على المعجز ، وليس مثلها لغير أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيكون هو الإمام.

وأمّا ما ذكره من سرّ الاستسعاد ، فهو من الأسرار الخاصّة بضمائر المخالفين لأهل البيت ؛ إذ لم يظهر علمه لغيرهم ، كما عرفته في الآية السادسة (١) ، والحديث الثامن (٢).

كما إنّ الاستسعاد لا يتوقّف على الحاجة الواقعيّة ، بل هو من أمر الله تعالى ؛ لبيان شرف آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده وعنايته بهم ..

ومن كمال الرسول ، حيث لا يظهر منه الاعتماد على نفسه ، وأنّ له حقّا على الله في الإجابة ، كما سبق موضّحا (٣).

وأمّا تكذيبه للدعاء على أنس بحجّة أنّ حديث الغدير مستفيض لا يحتاج إلى الاستشهاد ؛ ففيه :

إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّما أراد بيان استفاضته ، وكثرة المطّلعين عليه ؛ لتظهر إمامته بالنصّ ، وهذا ممّا يحتاج إلى أعظم الشواهد عند من نشأوا على موالاة الأوّلين ، ولو لا هذا ونحوه لم يكثر الشيعة بالكوفة ،

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٤٠٢ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) راجع مبحث حديث المباهلة في الصفحات ٧٤ ـ ٧٩ من هذا الجزء.

(٣) تقدّم في ج ٤ / ٤٠٢ ـ ٤١٠ من هذا الكتاب ، والصفحات ٧٤ ـ ٧٩ من هذا الجزء.

٣٨٧

فيكون كتمان الشهادة فيه كتمانا لما أنزل الله تعالى ، فيستحقّ كاتمها العقوبة في الدنيا ، وأشدّ العذاب في الآخرة.

ولا ريب برجحان الدعاء بمثل البرص ؛ ليكون شاهدا عيانيّا مستمرّا على صدق حديث الغدير ، وإمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وظلم السابقين له.

ولا يستبعد منه الدعاء على خادم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنّ ضرر كتمانه في مثل المقام أشدّ من غيره ، وهو أولى بالعقوبة ، ولذا كان عذاب العاصية من أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضعفين (١).

وليس هذا أوّل سيّئة من أنس مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل له نحوها في قصّة الطائر (٢) ، وغيرها (٣) ، وهو من المنحرفين عنه.

قال ابن أبي الحديد (٤) : « ذكر جماعة من شيوخنا البغداديّين أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن عليّ عليه‌السلام ، قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ؛ ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة ، فمنهم : أنس بن مالك ، ناشد عليّ الناس في رحبة القصر ـ أو قالوا : برحبة الجامع ـ بالكوفة : أيّكم سمع رسول الله يقول : « من كنت مولاه فعليّ

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٠.

(٢) فقد ردّ أنس أمير المؤمنين عليه‌السلام ثلاثا مدّعيا انشغال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليصرفه عن الدخول متمنّيا أن يكون الآتي واحدا من قومه ؛ انظر مبحث حديث الطائر المشوي في الصفحات ١٥٩ ـ ١٧٠ من هذا الجزء.

(٣) كبعث أمير المؤمنين عليه‌السلام لأنس إلى طلحة والزبير لمّا جاء إلى البصرة يذكّرهما شيئا ممّا سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمرهما ، فلوى عن ذلك ، فرجع إليه ، فقال : إنّي أنسيت ذلك الأمر!

انظر : نهج البلاغة ٥٣٠ رقم ٣١١.

(٤) ص ٣٦١ من المجلّد الأوّل [ ٤ / ٧٤ ]. منه قدس‌سره.

٣٨٨

مولاه »؟

فقام اثنا عشر رجلا ، فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم.

فقال له : يا أنس! ما يمنعك أن تقوم فتشهد ، ولقد حضرتها؟!

فقال : يا أمير المؤمنين! كبرت ونسيت.

فقال : اللهمّ إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة.

قال طلحة بن عمير : فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه

وروى عثمان بن مطرّف : إنّ رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن عليّ بن أبي طالب ، فقال : إنّي آليت أن لا أكتم حديثا سئلت عنه في عليّ بعد يوم الرحبة ، ذاك رأس المتّقين يوم القيامة ، سمعته والله من نبيّكم

وروى أبو إسرائيل ، عن الحكم ، عن أبي سليمان المؤذّن ، أنّ عليّا نشد الناس : من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه؟

فشهد له قوم ، وأمسك زيد بن أرقم فلم يشهد ، وكان يعلمها ، فدعا عليّ عليه بذهاب البصر ، فعمي ، فكان يحدّث الناس بالحديث بعدما كفّ بصره ».

وذكر فيه أمر البرص بمحلّ آخر (١) ، ثمّ قال : « ذكر ابن قتيبة حديث البرص والدعوة في كتاب ( المعارف ) في باب البرص من أعيان

__________________

(١) ص ٣٨٨ من المجلّد الرابع [ ١٩ / ٢١٨ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : المعارف : ٣٢٠.

٣٨٩

الرجال ، وابن قتيبة غير متّهم في حقّ عليّ على المشهور من انحرافه عنه ».

وقد روى أحمد في مسنده من عدّة طرق استشهاد أمير المؤمنين عليه‌السلام بالرحبة ، وقيام من قام للشهادة ، وفي بعضها : « فقام إلّا ثلاثة ، ودعا عليهم فأصابتهم دعوته » ، كما سبق في الآية الثانية (١).

هذا ، وقد أغفل الفضل ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام بالحلم وحسن الأخلاق المطلوبين في الأئمّة ، ولا ريب بامتيازه على غيره بهما (٢).

وأمّا الحديث الذي نقله المصنّف رحمه‌الله في تفضيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحلم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد رواه أحمد في مسنده (٣).

__________________

(١) انظر : مسند أحمد ١ / ١١٩ ، وج ٤ / ٣٧٠ ؛ وراجع : ج ٤ / ٣٢٧ ـ ٣٢٩ من هذا الكتاب.

(٢) لا سيّما على عمر ؛ فإنّه معروف بالغلظة وسوء الخلق ، كما سبق ويأتي ؛ ومن سبر سيرة عمر ظهر له صدق ما ذكرنا.

كما يعرف حال عثمان من سيرته.

وأمّا أبو بكر ؛ فقد كان ـ أيضا ـ حادّا ، كما يدلّ عليه قوله : « إنّ لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني لا أوثّر في أشعاركم وأبشاركم » [ شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٥٩ ].

قال ابن أبي الحديد ـ ص ١٦٨ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ١٦١ ] ، بعد قول المرتضى : « إنّها صفة طائش لا يملك نفسه » ـ قال : « لعمري ، إنّ أبا بكر كان حديدا ، وقد ذكره عمر بذلك ، وذكره غيره من الصحابة [ بالحدّة والسرعة ] ». انتهى.

منه قدس‌سره.

نقول : راجع ما تقدّم في ج ٤ / ٢٣٨ ه‍ ١ و ٢ وج ٥ / ٢١٣ ه‍ ٥ ، وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه من الجزء السابع من هذا الكتاب.

(٣) ص ٢٦ من الجزء الخامس. منه قدس‌سره.

٣٩٠

ونقله في « كنز العمّال » (١) ، عن ابن جرير ، قال : « وصحّحه » ، وعن الدولابي في « الذرّيّة الطاهرة » ، من حديث ذكر فيه خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة عليها‌السلام ، وإباه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزويجها من عليّ عليه‌السلام ، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة : « والله لقد أنكحتك أكثرهم علما ، وأفضلهم حلما ، وأقدمهم سلما » قال : « وفي لفظ : أوّلهم سلما ».

ونقله أيضا في « الكنز » (٢) ، عن الطبراني ، بلفظ : « إنّه لأوّل أصحابي سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما ».

ولو لا خوف الإطالة والملال ، لذكرت في حلمه من الأخبار والآثار ما كثر ..

وقد ذكر ابن أبي الحديد ـ في « مقدّمة الشرح » ، وفي أثنائه ـ نبذا من حلم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصفحه ، وحسن أخلاقه ؛ فراجع (٣).

* * *

__________________

(١) ص ٣٩٢ من الجزء السادس [ ١٣ / ١١٤ ح ٣٦٣٧٠ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : الذرّيّة الطاهرة : ٩٣ ح ٨٣.

(٢) ص ١٥٣ من الجزء المذكور [ ١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٧ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : المعجم الكبير ١ / ٩٤ ح ١٥٦.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٢ ـ ٢٤ وج ٣ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ وج ٦ / ١٤٦ و ٣١٣ ـ ٣١٤ و ٣١٦ وج ١٤ / ٢٤.

٣٩١

عبادته من فضائله البدنية

قال المصنّف ـ شرّف الله قدره ـ (١) :

القسم الثاني : في الفضائل البدنية ، وينظمها مطلبان :

الأوّل : في العبادة

لا خلاف أنّه عليه‌السلام كان أعبد الناس ، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل ، والأدعية المأثورة ، والمناجاة في الأوقات الشريفة ، والأماكن المقدّسة (٢).

وبلغ في العبادة إلى أنّه كان يؤخذ النشّاب من جسده عند الصلاة ؛ لانقطاع نظره عن غير الله تعالى بالكلّيّة (٣).

وكان مولانا زين العابدين عليه‌السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، ويدعو بصحيفته ، ثمّ يرمي بها كالمتضجّر ويقول : أنّى لي بعبادة عليّ عليه‌السلام (٤).

قال الكاظم عليه‌السلام : إنّ قوله تعالى : ( تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (٥)

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٤٧.

(٢) انظر : مطالب السؤول : ١٢٤ و ١٣١ ـ ١٣٢ و ١٣٦ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٧ ، كفاية الطالب : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٣) المناقب المرتضوية : ٣٦٤.

(٤) كشف الغمّة ٢ / ٨٥ و ٨٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٤٦ ح ١٢.

(٥) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.

٣٩٢

نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وكان يوما في صفّين مشتغلا بالحرب ، وهو بين الصفّين يراقب الشمس ، فقال ابن عبّاس : ليس هذا وقت صلاة ، إنّ عندنا لشغلا!

فقال عليّ عليه‌السلام : فعلام نقاتلهم؟! إنّما نقاتلهم على الصلاة (٢)!

وهو الذي عبد الله حقّ عبادته حيث قال : ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا شوقا إلى جنّتك ، ولكن رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك (٣).

* * *

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ / ١٨١ ـ ١٨٣ ح ٨٨٦ ـ ٨٨٨ ، روح المعاني ٢٦ / ١٩٤ ، أرجح المطالب : ٣٧ و ٦٧ و ٨٦ ، المناقب المرتضوية : ٦٦.

(٢) إرشاد القلوب ٢ / ٢٢.

(٣) شرح مائة كلمة ـ لابن ميثم البحراني ـ : ٢١٩.

٣٩٣

وقال الفضل (١) :

عبادة أمير المؤمنين ، لا يقاربه العابدون ، ولا يدانيه الزاهدون ، الملائكة عاجزون عن تحمّل أعبائها ، وأهل القدس مغترفون من بحار صفائها.

وكيف لا؟! وهو أعرف الناس بجلال القدس ، وجمال الملكوت ، وأعشق النفوس إلى وصال الجبروت.

وأمّا ما ذكر أنّه عبد الله حقّ عبادته ، فهو لا يصحّ ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ مع كمال العبادة ـ : « ما عبدناك حقّ عبادتك » (٢).

واتّفق العارفون أنّ الله لا يقدر أحد أن يعبده حقّ عبادته ، والدلائل على هذا مذكورة في محالّه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٥ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : الكافي ٢ / ٩٩ ح ١ وفيه : « إنّ الله لا يعبد حقّ عبادته ».

٣٩٤

وأقول :

إنّما الممتنع هو العبادة بحقّها من جميع الوجوه ، كمّا وكيفا ، وأمّا من جهة خاصّة فلا ، كعبادته سبحانه لذاته لا خوفا ولا طمعا ، وهي التي أرادها المصنّف رحمه‌الله ؛ ولذا جعل قوله عليه‌السلام : « ما عبدتك خوفا من نارك ... » إلى آخره ، تعليلا لكونه عبد الله حقّ عبادته ؛ وهي عبادة الأحرار ، لا عبادة العبيد والتجّار.

قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « الشرح » : « كان أعبد الناس ، وأكثرهم صلاة وصوما ، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل ، وملازمة الأوراد ، وقيام النافلة.

وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده (١) ، أن يبسط له نطع (٢) بين الصّفّين ليلة الهرير (٣) ، فيصلّي عليه ورده ، والسهام تقع بين

__________________

(١) الورد ـ والجمع : الأوراد ـ : النصيب أو الجزء أو المقدار المعلوم من القرآن ، وما يكون على الرجل أن يصلّيه في الليل ؛ انظر : لسان العرب ١٥ / ٢٦٩ مادّة « ورد ».

(٢) النّطع والنّطع والنّطع والنّطع ـ والجمع : نطوع وأنطاع وأنطع ـ : بساط من الأديم ؛ انظر مادّة « نطع » في : الصحاح ٣ / ١٢٩١ ، لسان العرب ١٤ / ١٨٦ ، تاج العروس ١١ / ٤٨٢.

(٣) ليلة الهرير : ليلة من ليالي معركة صفّين ، في صفر من سنة ٣٧ ه‍ ، اقتتل الجيشان في تلك الليلة حتّى الصباح ، فتطاعنوا بالرماح حتّى تقصّفت وتكسّرت واندقّت ، وتراموا حتّى نفد النبل ، ثمّ مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد ، فلم يسمع السامع إلّا وقع الحديد بعضه على بعض ، فكشف في

٣٩٥

يديه ، وتمرّ على صماخيه (١) يمينا وشمالا ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته؟!

وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير (٢) ، لطول سجوده؟!

وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله ، وما تتضمّنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزّته ، والاستحذاء له (٣) ، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص ، وفهمت من أيّ قلب خرجت ، وعلى أيّ لسان جرت!

وقيل لعليّ بن الحسين عليه‌السلام ـ وكان الغاية في العبادة ـ : أين عبادتك من عبادة جدّك؟

قال : عبادتي عند عبادة جدّي ، كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

ولا غرو فقد وحّد الله قبل الناس طفلا ، وعبده صبيّا مع النبيّ سبع سنين ، في محلّ لم يعبده فيه عابد ، ولم يسجد له من الملأ ساجد.

__________________

صبيحتها عن ما يقرب من سبعين ألف قتيل.

انظر : وقعة صفّين : ٤٧٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ١٩١ ، تاج العروس ٧ / ٦٢١ مادّة « هرر ».

(١) الصّماخ ، والسّماخ لغة فيه ـ والجمع : أصمخة وصمخ ، وبالسين لغة ـ : هو ثقب الأذن الماضي إلى داخل الرأس ، ويقال : إنّ الصماخ هو الأذن نفسها ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٤٠٣ مادّة « صمخ ».

(٢) الثّفنة من البعير والناقة : الرّكبة وما مسّ الأرض من جسمه وأصول أفخاذه ، والجمع : ثفن وثفنات ؛ انظر : لسان العرب ٢ / ١٠٨ مادّة « ثفن ».

(٣) الاستحذاء له : أي متابعة أوامره والانقياد لها ؛ انظر : لسان العرب ٣ / ٩٨ مادّة « حذا ».

(٤) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٧.

٣٩٦

وهذا بالضرورة لم يكن إلّا من كمال النفس ، وصفاء الذات ، وتمام العلم والمعرفة ، التي امتاز بها على من لم يعرف ضعة الحجارة في أكثر أعوامه ، ولم يتّصف بأدنى مراتب تلك العبادة في باقي أيّامه.

روى البخاري في : « باب يفكّر الرجل الشيء في صلاته » ـ قبل أبواب السهو ـ ، عن عمر ، قال : « إنّي لأجهّز جيشي وأنا في الصلاة » (١).

وروى في « كنز العمّال » (٢) ، أنّ عمر صلّى بالناس المغرب ولم يقرأ شيئا ، فلمّا فرغ قيل له ، فاعتذر بأنّي جهّزت عيرا إلى الشام ، وجعلت أنقلها منقلة منقلة ، حتّى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها.

فكيف يقاس هذا بصاحب تلك العبادة والمعرفة؟!

وهل يحسن بشريعة العقل أن يكون هذا رئيسا دينيّا ، وإماما مذهبيّا ، وذاك مأموما؟!

ما هذا بحكم عدل ، ولا قول فصل!!

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ١٤٨.

(٢) ص ٢١٣ من الجزء الرابع [ ٨ / ١٣٣ ح ٢٢٢٥٧ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٣٨٢.

٣٩٧

جهاده في الحروب

قال المصنّف ـ طاب رمسه ـ (١) :

المطلب الثاني : في الجهاد

وإنّما تشيّدت مباني الدين ، وثبتت قواعده ، وظهرت معالمه ، بسيف مولانا أمير المؤمنين ، وتعجّبت الملائكة من شدّة بلائه في الحرب (٢).

ففي غزاة بدر ـ وهي الداهية العظمى على المسلمين ، وأوّل حرب ابتلوا بها ـ قتل صناديد قريش الّذين طلبوا المبارزة ، كالوليد بن عتبة ، والعاص (٣) بن سعيد بن العاص ـ الذي أحجم المسلمون عنه ـ ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٤٨.

(٢) انظر : ربيع الأبرار ١ / ٨٣٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ٢٥١.

ومرّ تخريجه مؤدّاه مفصّلا في مبحث الحديث الرابع عشر ؛ فراجع الصفحتين ١٣٣ ـ ١٣٤ ه‍ ١ من هذا الجزء.

(٣) كذا في الأصل والمصدر.

نقول : والصحيح في كتابته لغة : « العاصي » ؛ إذ إنّه من الأسماء المنقوصة ، وهي كلّ اسم معرب في آخره ياء ثابتة مكسور ما قبلها ، وحكمه الإعرابي حذف الياء منه في حالتي الرفع والجرّ ، كقولنا : هذا قاض .. ومررت بقاض ؛ وإثباتها عند الإضافة ودخول « أل » التعريف عليها ، كقولنا : جئت من عند قاضي القضاة .. والقاضي العادل أمان للضعفاء ؛ وثبوتها في حالة النصب ـ كذلك ـ كقولنا : رأيت قاضيا.

٣٩٨

ونوفل بن خويلد ـ الذي قرن أبا بكر وطلحة بمكّة قبل الهجرة ، وأوثقهما بحبل وعذّبهما (١) ـ.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا عرف حضوره في الحرب : « اللهمّ اكفني نوفلا » (٢).

ولمّا قتله عليّ عليه‌السلام ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه » (٣).

ولم يزل يقتل في ذلك اليوم واحدا بعد واحد ، حتّى قتل نصف المقتولين ، وكانوا سبعين.

وقتل المسلمون كافّة ، وثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين النصف الآخر (٤).

__________________

وقد شاع بين الكتّاب والمتأدّبين ـ من العصر الأوّل حتّى يومنا هذا ـ كتابته بحذف الياء ، وهو ليس بصحيح ..

قال المبرّد : « هو العاصي بالياء ، لا يجوز حذفها ، وقد لهجت العامّة بحذفها ».

انظر : تاج العروس ١٩ / ٦٨٢ مادّة « عصي ».

وما قلناه هنا ينطبق على الموارد نفسها التي تقدّمت وستأتي ؛ فلاحظ!

(١) انظر : المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤١٦ ح ٥٥٨٦ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٧٠.

(٢) المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٩١ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٣ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ١٤٣.

(٣) المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٩٢ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٣ / ٩٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ١٤٤.

(٤) انظر : المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ١٤٧ ـ ١٥٢ ، أنساب الأشراف ١ / ٣٥٥ ـ ٣٦٠ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٧٠ ـ ٧٢ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٤.

٣٩٩

وفي غزاة أحد انهزم المسلمون عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورمي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وضربه المشركون بالسيوف والرماح ، وعليّ يدافع عنه ، فنظر إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إفاقته من غشيته ، وقال : ما فعل المسلمون؟

فقال : نقضوا العهد وولّوا الدّبر.

فقال : اكفني هؤلاء ؛ فكشفهم عنه.

وصاح صائح بالمدينة : قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! فانخلعت القلوب ، ونزل جبرئيل قائلا :

لا سيف إلّا ذو الفقا

ر ، ولا فتى إلّا عليّ

وقال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله! لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة عليّ لك بنفسه.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يمنعه من ذلك وهو منّي وأنا منه؟! (١).

ورجع بعض الناس لثبات عليّ عليه‌السلام ، ورجع عثمان بعد ثلاثة أيّام ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ذهبت بها عريضا! (٢)

وفي غزاة الخندق أحدق المشركون بالمدينة كما قال الله تعالى : ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) (٣) ، ونادى المشركون بالبراز ، فلم يخرج سوى عليّ ، وفيه قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام عمرو بن

__________________

(١) راجع مبحث الحديث الرابع عشر ، في الصفحات ١٣٣ ـ ١٤١ من هذا الجزء.

(٢) انظر : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٩ ، تفسير الفخر الرازي ٩ / ٦٤ تفسير الآية ١٥٩ من سورة آل عمران ، شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢١ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٢ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٨٩ ح ٨١٠٢.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ١٠.

٤٠٠