ودلالته على إمامة عليّ وولده ظاهرة من وجوه :
الأوّل : إنّ تصريحه بأنّ الكتاب والعترة لا يفترقان ، دالّ على علمهم بما في الكتاب ، وأنّهم لا يخالفونه قولا وعملا.
والأوّل دليل الفضل على غيرهم ، والأفضل أحقّ بالإمامة.
والثاني دليل العصمة التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيرهم.
الثاني : إنّه جعلهم عديلا (١) للقرآن ، فيجب التمسّك بهم مثله ، واتّباعهم في كلّ أمر ونهي ، ولا يجب اتّباع شخص على الإطلاق إلّا النبيّ أو الإمام المعصوم.
الثالث : إنّه عبّر عن الكتاب والعترة ب « خليفتين » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّف رحمهالله (٢) ..
وحديث أحمد في « مسنده » (٣) ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله ، وأهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».
ومن الواضح أنّ خلافة كلّ شيء بحسبه ، فخلافة القرآن بتحمّله أحكام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومواعظه ، وإنذاره ، وسائر تعاليمه ؛ وخلافة الشخص بإمامته ، وقيامه بما تحتاج إليه الأمّة ، ونشر الدعوة ، وجهاد المعاندين.
الرابع : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكر في مفتتح الحديث قرب موته ، كقوله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب » (٤) ..
__________________
(١) العدل والعدل والعديل : النّظير والمثيل ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٨٤ مادّة « عدل ».
(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.
(٣) ص ١٨٢ و ١٨٩ من الجزء الخامس. منه قدسسره.
(٤) راجع ما تقدّم في الصفحتين ٢٣٦ و ٢٣٧.
أو قوله : « كأنّي قد دعيت فأجبت » (١) ..
أو نحو ذلك كما في أحاديث مسلم (٢) ، وأحد حديثي الحاكم (٣) ، وحديث أحمد عن زيد بن أرقم (٤) ، وحديثه عن أبي سعيد (٥).
ثمّ قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ ومن المعلوم أن ذا السلطان والولاية ، الذي له نظام يلزم العمل به بعده ، إذا ذكر موته وقال : « إنّي تارك فيكم فلانا ، وكتابا حافظا لنظامي » ، لم يفهم منه إلّا إرادة العهد إلى ذلك الشخص بالإمرة بعده ؛ خصوصا وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، أو : « من كنت وليّه فعليّ وليّه » ، كما في حديثي الحاكم وغيرهما (٦).
ولا يبعد أنّ وصيّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالثّقلين كانت في غدير خمّ ، أو أنّه أحد مواردها (٧) ؛ لقوله في حديث مسلم : « خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٨ وص ١٣٠ ح ٨٤٦٤.
(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ و ١٢٣.
(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦.
(٤) ص ٣٦٧ من الجزء الرابع. منه قدسسره.
(٥) ص ١٧ من الجزء الثالث. منه قدسسره.
(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ ، المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦ ، فوائد سمّويه : ٨٤ ح ٨١.
(٧) لقد صدع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحديث الثّقلين في مواطن متعدّدة ومواقف شتّى ، وقد أحصيت تلك المواقف فكانت خمسة ؛ مرّة يوم عرفة من حجّة الوداع ، وأخرى بعد انصرافه صلىاللهعليهوآلهوسلم من الطائف ، وتارة على منبره في المدينة ، وتارة أخرى يوم غدير خمّ ، وآخرها في حجرته المباركة في مرضه الذي توفّي فيه والحجرة غاصّة بأصحابه.
راجع تفصيل ذلك في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ١٠٤ ـ ١٠٧ ، حديث الثّقلين .. تواتره ، فقهه : ٣٣ ـ ٣٥.
بماء يدعى خمّا » (١) ، ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض الأحاديث : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » (٢) ، فإنّه صادر بالغدير ، فيكون قد عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في خمّ بالخلافة إلى أهل البيت عموما ، وإلى عليّ خصوصا ، فكان الخليفة بعده أمير المؤمنين ، ثمّ الحسنان.
وقد بيّنّا في الآية الثالثة أنّ أهل البيت لا يشمل بقيّة أقارب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
الخامس : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما » ، كما في أحد حديثي الحاكم ، وصحّحه على شرط الشيخين (٤) ..
ونحوه ما في « الصواعق » (٥) وصحّحه ..
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قد تركت فيكم الثّقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّف رحمهالله (٦) ..
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الترمذي عن زيد بن أرقم (٧) ..
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا » ، كما
__________________
(١) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ، المعجم الكبير ٥ / ١٨٣ ح ٥٠٢٨.
(٢) المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦.
(٣) راجع : ج ٤ / ٣٥١ ـ ٣٨٠ من هذا الكتاب.
(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٧.
(٥) في المقام السابق [ ص ٢٣٠ ]. منه قدسسره.
(٦) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.
(٧) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢ ح ٣٧٨٨.
في حديث الترمذي عن جابر (١) ، وحديث أحمد عن أبي سعيد (٢).
فإنّ كلّ واحد من هذه الأقوال صريح في بطلان خلافة المشايخ الثلاثة ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم رتّب عدم ضلال أمّته دائما وأبدا على التمسّك بالثقلين.
وبالضرورة ، أنّ الضلال واقع ولو أخيرا ؛ لاختلاف الأديان وفساد الأعمال ، فيعلم أنّهم لم يتمسّكوا في أوّل الأمر بالعترة والكتاب ، وأنّ خلافة الثلاثة خلاف التمسّك بهما ، ولذا وقع الضلال.
ولا يرد النقض بأنّ الأمّة تمسّكت بالعترة ـ حين بايعت عليّا عليهالسلام ـ ومع ذلك وقع الضلال المذكور ؛ وذلك لأنّ المراد هو التمسّك بالعترة كالكتاب بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل.
على أنّ الأمّة لم تتمسّك بعليّ عليهالسلام بعد مبايعته ؛ لمخالفة الكثير منهم له حتّى انقضت أيّامه بحرب الأمّة.
فأين تمسّكها بالعترة؟! وأين تمسّكها بالكتاب ، وهو قد قاتلهم على تأويله؟!(٣).
فإن قلت : لعلّ المراد : أنّكم إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ما دمتم متمسّكين بهما ، فلا يدلّ ضلالهم أخيرا على عدم تمسّكهم أوّلا.
قلت : هذا احتمال خارج عن الظاهر ، حتّى بلحاظ قوله ـ في خبري الترمذي المذكورين ـ : « ما إن تمسّكتم به » و « ما إن أخذتم به » ؛ لأنّ « ما » فيهما مفعول به ل « تركت » و « تارك » ، لا ظرفية زمانية.
__________________
(١) سنن الترمذي ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦.
(٢) ص ٥٩ من الجزء الثالث. منه قدسسره.
(٣) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.
فقد ظهر من هذه الوجوه الخمسة دلالة الحديث على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ، لا على مجرّد الوصيّة بأخذ العلم منهم.
ولو سلّم ، فمن الواضح دلالة الحديث على وجوب أخذ العلم منهم ، وعدم جواز مخالفتهم ، كالقرآن ، وحينئذ فيجب اتّباع قولهم في الإمامة ، وفي صحّة إمامة شخص وعدمها ؛ لأنّه من أخذ العلم منهم.
ومن المعلوم أنّ عليّا خالف في إمامة أبي بكر ـ ولو في بعض الأوقات ـ ، فتبطل ولو في الجملة ، وهذا خلاف مذهب القوم.
فكيف وقد ادّعى أنّ الحقّ له من يوم وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى حين موته هو عليهالسلام ، وتظلّم منهم مدّة حياته ـ كما سبق (١) ـ؟!
وأيضا : لم تتّبع الأمّة عترة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمر الخمس والمتعتين وكثير من الأحكام ، فيكونون ضلّالا!
وما أدري متى تمسّكت الأمّة بالعترة؟!
أفي زمن أمير المؤمنين؟! أو في زمن أبنائه الطاهرين؟! وقد تركوا كلّا منهم حبيس بيته لا يسمع له قول ، ولا يتّبع له أمر ، ولا يؤخذ منه حكم.
بل جعلوا عداوتهم وسبّهم دينا ، وحاربوهم بالبصرة والشام والكوفة ، وسبوا نساءهم سبي الترك والديلم!
فهل تراهم مع هذا قد تمسّكوا بهم ، أو نبذوهم وراء ظهورهم وانقلبوا على الأعقاب ، كما ذكره سبحانه في عزيز الكتاب (٢)؟!
__________________
(١) راجع : ج ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٩٦ من هذا الكتاب.
(٢) كما في قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ
هذا ، ولا يخفى أنّ الحديث دالّ على بقاء العترة إلى يوم القيامة لأمور :
الأوّل : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه : « إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ فإنّه دالّ على أنّه ترك فيهم ما يحتاجون إليه ، وما هو كاف في حصول حاجتهم.
وبالضرورة ، أنّه لو لم يدل الثقلان لم يكفيا ؛ لأنّ الأمّة محتاجة مدى الدهر إلى الأحكام والحكّام.
الثاني : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » ؛ فإنّ تأبيد عدم الضلال موقوف على تأبيد ما يتمسّك به.
الثالث : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لن يفترقا » ؛ فإنّه لو لم يكن في وقت من الأوقات من هو قرين الكتاب من العترة ، لافترق الكتاب عنهم.
وقد أقرّ ابن حجر في عبارته السابقة بإفادة الحديث بقاء العترة إلى يوم القيامة (١) ..
وقال بعد ذلك : « وفي أحاديث التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ؛ ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : ( في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ) ... » (٢) إلى آخره.
__________________
أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.
(١) راجع الصفحة ٢٤٠ من هذا الجزء.
(٢) الصواعق المحرقة : ٢٣٢.
أقول :
أراد بالخبر السابق ، ما نقله قبل هذا الكلام عن الملّاء في « سيرته » ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا من توفدون » (١).
وليت شعري ، إذا علم ابن حجر ذلك ، فما باله أنكر إمامة العترة ، ودان بإمامة أضدادهم ، وتمسّك بالشجرة الملعونة في القرآن؟!
وكيف حلّ له أن يترك الأخذ ممّن ينفون عن الدين تحريف الضالّين ، ويرجع في أحكامه إلى من حرّفوا الدين ، بشهادة مخالفتهم لمن ينفون عنه التحريف؟!
بل لم يكتف ابن حجر وأصحابه حتّى عيّنوا لأخذ الأحكام أئمّتهم الأربعة ، وحرّموا الرجوع إلى أهل البيت!
فهل هذا من التمسّك بالكتاب والعترة اللذين لا يفترقان إلى يوم القيامة؟!
هذا كلّه في حديث الثّقلين (٢).
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ ؛ وانظر : ذخائر العقبى : ٤٩ ، جواهر العقدين : ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٢) وانظر تخريج الحديث مفصّلا في : ج ٢ / ١٨٧ ه ١ من هذا الكتاب.
وراجع ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في الأجزاء
وأمّا غيره ممّا ذكره المصنّف رحمهالله :
فالخبر الأوّل قد رواه أحمد (١) ، ورواه الترمذي في مناقب عليّ من « سننه » وحسّنه (٢).
ودلالته على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ساواهم معه دون من سواهم ، في أنّ من أحبّهم نال تلك المنزلة الرفيعة والمرتبة السامية ، الدالّة على الفضل عند الله سبحانه والقرب منه.
فيثبت لهم الفضل على غيرهم ، وتكون الإمامة بهم.
ومثله في الدلالة على المطلوب الخبر الثاني ، الذي حكاه المصنّف عن أحمد ، عن جابر ؛ ولم أجده في « مسنده » ، ولا يبعد أنّه ممّا نالته يد الإسقاط كما هو العادة (٣)!
وقد تقدّم في الآية الحادية والأربعين ما يصدّق هذا الحديث (٤).
__________________
١ ـ ٣ من موسوعته « نفحات الأزهار » ، من بحوث علمية في ما يتعلّق بالحديث وما يرتبط به.
وأمّا في ما يخصّ لفظ « كتاب الله وسنّتي » الوارد في بعض روايات الجمهور ، فانظر :
ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني في كتابه « حديث الثّقلين : تواتره ، فقهه .. كما في كتب السنّة ».
ورسالته في حديث الوصيّة بالثّقلين : الكتاب والسنّة.
وكذلك ما كتبه الشيخ جلال الدين الصغير ـ حفظه الله ـ في كتابه : عصمة المعصوم عليهالسلام وفق المعطيات القرآنية : ٢٠٥ ـ ٢٤٢.
(١) في الجزء الأوّل ، ص ٧٧. منه قدسسره.
(٢) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠ ح ٣٧٣٣.
(٣) تقدّم تخريجه مفصّلا في الصفحة ٢٣٥ ه ٣ من هذا الجزء ؛ فراجع!
(٤) راجع : ج ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ من هذا الكتاب.
ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ما هو قريب منه ، عن ابن مردويه ، بسند فيه عبّاد بن يعقوب ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « مثلي مثل شجرة ، أنا أصلها ، وعليّ فرعها ، والحسن والحسين ثمرتها ، والشيعة ورقها ، فأيّ شيء يخرج من الطيّب إلّا الطيّب » (١).
قال ابن الجوزي : « عبّاد ، رافضي ، يروي المناكير » (٢).
أقول :
لا وجه لذكر حديثه في « الموضوعات » ، وإلّا لجرّ الطعن إلى صحاحهم ؛ لأنّه ممّن روى له البخاري في « صحيحه » ، وروى له الترمذي ، وابن ماجة ، ووثّقه جماعة (٣).
__________________
(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٤٥.
(٢) الموضوعات ١ / ٣٩٧.
(٣) انظر : تهذيب الكمال ٩ / ٤٣٣ رقم ٣٠٨٨ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ، تهذيب التهذيب ٤ / ١٩٩ رقم ٣٢٣٩ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٧٤ رقم ٣٢٣٩ ، هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٥٧٩ ، وقد وضعوا له رمز البخاري والترمذي وابن ماجة.
وعبّاد هو : أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الأسدي الرّواجني الكوفي ، المتوفّى سنة ٢٥٠ ه.
ومن جملة ما تثبت به وثاقته ـ فضلا عن كونه من رجال البخاري والترمذي وابن ماجة ـ رواية كبار أعلام الجمهور ومحدّثيهم عنه ، وتوثيقهم له ؛ فقد روى عنه أبو حاتم والبزّار وابن خزيمة.
وقال عنه أبو حاتم : شيخ ، ثقة.
وقال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول عنه : حدّثنا الثقة في روايته.
وقال الدارقطني : صدوق.
وقال إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة : لو لا رجلان من الشيعة ما صحّ لهم
وليست مناكيره عندهم إلّا رواياته في فضل آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم!
قال ابن عديّ : « روى أحاديث في الفضائل أنكرت عليه » كما حكاه عنه في « ميزان الاعتدال » (١).
وأظهر من الحديثين المذكورين في الدلالة على مذهب الإماميّة حديث الزمخشري (٢) ؛ فتبصّر واعتبر!
* * *
__________________
حديث ؛ عبّاد بن يعقوب ، وإبراهيم بن محمّد بن ميمون.
وقال الذهبي : صادق في الحديث.
وقال ابن حجر مرّة : بالغ ابن حبّان فقال : يستحقّ الترك.
وقال أخرى : رافضيّ مشهور ، إلّا أنّه كان صدوقا.
(١) ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ؛ وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٣٤٨ رقم ١١٨٠.
(٢) تقدّم في الصفحة ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ؛ فراجع!
٢٦ ـ حديث الكساء
قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :
السادس والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، من عدّة طرق ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أمّ سلمة ، قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيتي ، فأتت فاطمة فقال : ادعي زوجك وابنيك.
فجاء عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وكان تحته كساء خيبري ، فأنزل الله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ ) يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٢).
فأخذ فضل الكساء وكساهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال : هؤلاء أهل بيتي.
فأدخلت رأسي البيت وقلت : وأنا معهم يا رسول الله.
قال : إنّك إلى خير (٣).
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٢٨.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ٣٣١ وج ٣ / ٢٥٩ و ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٣٠٤ و ٣٢٣.
وأخرجه رزين العبدري في « الجمع بين الصحاح الستّة » من موطّأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي والنسخة الكبيرة من
وقد روي نحو هذا المعنى من « صحيح أبي داود » (١) ..
و « موطّأ مالك » (٢) ..
و « صحيح مسلم » في عدّة مواضع وعدّة طرق (٣).
* * *
__________________
صحيح النسائي.
راجع : عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ح ٣٤ و ٣٥.
(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٤٣ ح ٤٠٣٢ باب في لبس الصوف والشعر!! وطالته يد الخيانة فبترت الحديث ، فلم يبق منه إلّا : « خرج رسول الله وعليه مرط مرحّل من شعر أسود » فجاء ناقص المعنى!!
(٢) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٣٤ و ٣٦ و ٣٧ عن « الموطّأ ».
(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ـ ١٣١ كتاب الفضائل / باب فضائل أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقال الفضل (١) :
إنّ الأمّة اختلفت فيها أنّها في من نزلت؟ وظاهر القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وإن صدق في النقل عن « الصحاح » فكانت نازلة في آل العباء ، وهي من فضائلهم ، ولا تدلّ على النصّ بالإمامة.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٥.
وأقول :
سبق في الآية الثالثة ما فيه تبصرة ومعتبر (١).
وليت شعري ، كيف تكون ذاهبة الرجس ، طاهرة عند الله سبحانه ، من ضرب مثلها في الكتاب العزيز بامرأة نوح وامرأة لوط (٢)؟!
* * *
__________________
(١) تقدّم في مبحث آية التطهير ، في ج ٤ / ٣٥٦ ـ ٣٨٠ ؛ فراجع!
(٢) إشارة إلى قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ١٠.
وراجع مبحث الآية ٣٤ ، وهي قوله تعالى : ( وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ٤ ، في ج ٥ / ١٥٩ ـ ١٦٣ من هذا الكتاب.
وانظر : ج ٤ / ٣٥٩ ه ٢ و ٣ من هذا الكتاب.
٢٧ ـ حديث : أهل بيتي أمان لأهل الأرض
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
السابع والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ، ذهب أهل الأرض » (٢).
ورواه صدر الأئمّة موفّق بن أحمد المكّي (٣).
وفي « مسند أحمد » : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : [ اللهمّ ] ( اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) (٤) ، عليّا
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٢٩.
(٢) أخرجه أحمد في « المسند » كما في أرجح المطالب : ٣٢٨ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٣٥ ح ١١٤٥ ، ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١ عن عبد الله بن أحمد في « زيادات المسند ».
(٣) مقتل الحسين عليهالسلام ١ / ١٦٢ ح ٦٥ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٦٣ رقم ٤٦١ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٧٩ ح ٧١٦٦ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠ ، ذخائر العقبى : ٤٩ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤١ ح ٥١٥ وص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ح ٥٢١ و ٥٢٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٤ ، جواهر العقدين : ٢٥٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ـ ٣٤١٩٠.
(٤) سورة طه ٢٠ : ٢٩.
أخي ( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) » (٢).
* * *
__________________
(١) سورة طه ٢٠ : ٣١ و ٣٢.
(٢) رواه أحمد في « المسند » كما في عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٣٥ ح ٤٥٤ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤ ح ١١٥٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٥٨ ح ٥ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٦٦ عن ابن مردويه والخطيب البغدادي ، الطيوريات : ٧٥٣ ح ٢٥ م ، شواهد التنزيل ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧١ ح ٥١١ ـ ٥١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٢ ، ذخائر العقبى : ١١٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.
وقال الفضل (١) :
هذا موافق في المعنى للحديث المذكور قبل ، وهو أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (٢).
ومراد موسى في قوله : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ، الإشراك في أمر النبوّة ، ودعوة فرعون.
وهذا لا يصحّ هناك ؛ لقوله : « إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » ، اللهمّ إلّا أن يراد المشاركة في دفع الكفّار بالحرب وتبليغ العلم.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٦.
(٢) راجع مبحث حديث المنزلة في الصفحة ٨٠ وما بعدها من هذا الجزء.
وأقول :
سبق دلالة هذا الحديث ورواته في آخر آية من الآيات التي ذكرناها في الخاتمة ؛ فراجع (١).
وما زعمه من إرادة المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ظاهر البطلان ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما سأل عين ما سأله موسى عليهالسلام بقوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ).
ومن الواضح أنّ موسى لم يرد المشاركة في دفع الكفّار ؛ لأنّه قد طلب دفعهم بطلب جعله وزيرا ، فإنّ دفع الأعداء أظهر فوائد الوزارة ، فلا حاجة لإعادة هذا الطلب بقوله : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ).
فينبغي أن يريد المشاركة في النبوّة ، والرئاسة على الأمّة ، وتحمّل العلوم .. إلى نحو ذلك.
فإذا دعا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بما دعا به موسى عليهالسلام ، ثبتت لعليّ المشاركة في كلّ ذلك سوى النبوّة ؛ للدليل المخرج لها.
على أنّ ظاهر الأخبار كون المشاركة من خواصّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلا يراد بها المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ؛ لأنّها لا تخصّ عليّا عليهالسلام ، إلّا أن يراد بها أعلى مراتب المشاركة في الدفع والتبليغ ، بحيث لا يعدّ غيره مشاركا بالنسبة إليه ، فله وجه.
ولكنّه ـ أيضا ـ مثبت للمطلوب ؛ لأنّه فرع الفضل العظيم على غيره ،
__________________
(١) راجع : ج ٥ / ٤٠٨ وما بعدها من هذا الكتاب.
والأفضل أحقّ بالإمامة.
وقد تقدّم في الحديث التاسع ما ينفعك ؛ فراجع (١).
واعلم أنّ الحديث الأوّل ـ الذي حكاه المصنّف رحمهالله عن أحمد وموفّق بن أحمد (٢) ـ لم يتعرّض الفضل لجوابه غفلة أو تغافلا ، وقد حكاه غير المصنّف عن « المسند » ، كصاحب « ينابيع المودّة » (٣) ، وابن حجر في « الصواعق » (٤) ، كما ستعرف.
وأنا لم أجده في « المسند » بعد التتبّع ، والظاهر أنّ أيدي التلاعب لعبت في إسقاطه!
ولعلّ الحديث الآخر كذلك (٥) ، ولا ريب أنّه من أدلّ الأمور على إمامة أهل البيت عليهمالسلام ؛ إذ لا يكون المكلّف أمانا لأهل الأرض إلّا لكرامته على الله تعالى ، وامتيازه في الطاعة والمزايا الفاضلة ، مع كونه معصوما ، فإنّ العاصي لا يأمن على نفسه ، فضلا عن أن يكون أمانا لغيره ، ولا سيّما إذا كان عظيما ، فإنّ المعصية من العظيم أعظم ، والحجّة عليه ألزم.
فإذا كانوا أفضل الناس ومعصومين ، فقد تعيّنت الإمامة لهم ، وهو دليل على بقائهم ما دامت الأرض ، كما هو مذهبنا.
وقد جعل الله تعالى هذه الكرامة العظيمة لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل أهل بيته ،
__________________
(١) انظر كلامه قدسسره في مبحث حديث المنزلة ، في الصفحات ٨٣ ـ ٨٧ من هذا الجزء.
(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.
(٣) ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١.
(٤) الصواعق المحرقة : ٢٣٤.
(٥) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.
فقال سبحانه : ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ... ) (١).
وأشار إلى ذلك ابن حجر في « صواعقه » (٢) ، فقال : « السابعة : قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، أشار صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى وجود هذا المعنى في أهل بيته ، وأنّهم أمان لأهل الأرض كما كان هو صلىاللهعليهوآلهوسلم أمانا لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ».
ثمّ ذكر أخبارا من جملتها رواية أحمد التي ذكرها المصنّف رحمهالله أوّلا (٣).
وحكى في « كنز العمّال » في فضائل أهل البيت (٤) ، عن ابن أبي شيبة ، ومسدّد ، والحكيم ، وأبي يعلى ، والطبراني ، وابن عساكر ، أنّهم رووا عن سلمة بن الأكوع ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمّتي ».
وروى الحاكم في « المستدرك » ، وصحّحه (٥) ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا
__________________
(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٣.
(٢) عند الكلام على الآية السابعة من الآيات الواردة في أهل البيت : [ ص ٢٣٣ ]. منه قدسسره.
(٣) الصواعق المحرقة : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.
(٤) ص ٢١٧ من الجزء السادس [ ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ]. منه قدسسره.
وانظر : نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠.
أمّا في مسند أبي يعلى ١٣ / ٢٦٠ ح ٧٢٧٦ فقد جاءت لفظة « أصحابي » بدلا عن لفظة « أهل بيتي » ؛ فلاحظ!
(٥) ص ١٤٩ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ]. منه قدسسره.