دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: ٥٨١

عبدِ ودّ (١).

قال ربيعة السعدي : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبد الله! إنّا لنتحدّث عن عليّ ومناقبه ، فيقول أهل البصرة : إنّكم لتفرطون في عليّ ؛ فهل تحدّثني بحديث؟

فقال حذيفة : والذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أمّة محمّد في كفّة ميزان منذ بعث الله محمّدا إلى يوم القيامة ، ووضع عمل عليّ في الكفّة الأخرى ، لرجح عمل عليّ على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد [ ولا يحمل ] (٢)!

فقال حذيفة : يا لكع (٣)! وكيف لا يحمل؟!

وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عمرو بن عبد ودّ وقد دعا إلى المبارزة ، فأحجم الناس كلّهم ما خلا عليّا ، فإنّه نزل إليه فقتله.

والذي نفس حذيفة بيده ، لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّد إلى يوم القيامة (٤).

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٩٤ ـ ٩٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٧١ ـ ٧٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٨٥ ـ ٨٧.

(٢) أثبتناه من شرح نهج البلاغة.

(٣) اللّكع : اللئيم في الأصل ، والعييّ ، أو الصغير في العلم والعقل وإن كان كبيرا في السنّ ؛ وهو المراد هنا ، وهو تعبير مستعمل وشائع في محاوراتهم بهذا المعنى.

انظر مادّة « لكع » في : الصحاح ٣ / ١٢٨٠ ، لسان العرب ١٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، تاج العروس ١١ / ٤٣٨.

(٤) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٠٣ ، شرح نهج البلاغة ١٩ / ٦٠.

٤٠١

وفي يوم الأحزاب (١) تولّى أمير المؤمنين قتل الجماعة (٢).

وفي غزاة بني المصطلق قتل أمير المؤمنين مالكا وابنه ، وسبى جويرية بنت الحارث (٣) فاصطفاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

وفي غزاة خيبر كان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، قتل مرحبا ، وانهزم الجيش بقتله ، وأغلقوا باب الحصن ، فعالجه أمير المؤمنين عليه‌السلام ،

__________________

(١) يوم الأحزاب : هو يوم غزاة الخندق ، سنة ٥ ه‍ ؛ وقد تقدّمت الإشارة إليها آنفا.

راجع تفسير سورة الأحزاب من كتب التفسير ، وانظر مثلا : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ١٧٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ٩٠ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ٢٥٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٧٠ ، البداية والنهاية ٤ / ٧٦ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ٣٦٣.

(٢) كعمرو بن عبد ودّ ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ؛ انظر : شرح نهج البلاغة ١٩ / ٦٤ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٨٧.

وانظر مبحث حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » في الصفحات ١٠٢ ـ ١٠٤ من هذا الجزء.

(٣) هي : أمّ المؤمنين زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، أخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سبي يوم المريسيع ، وهي غزوة بني المصطلق ، سنة خمس أو ستّ للهجرة ، وكانت قبله عند ابن عمّ لها ، وكان اسمها « برّة » فسمّاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « جويرية » ، وكان عمرها حين تزوّجها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرين سنة ، بعد أن قضى عنها مكاتبتها لمن وقعت في سهمه ، فأرسل الناس ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق بسبب ذلك ، فكانت عظيمة البركة على قومها ؛ توفّيت سنة ٥٠ ـ وقيل : سنة ٥٦ ه‍ ـ ولها خمس وستّون سنة ، وصلّى عليها مروان بن الحكم وهو ـ يومئذ ـ على المدينة المنوّرة من قبل معاوية.

انظر : المنتخب من أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٤٥ رقم ٦ ، الاستيعاب ٤ / ١٨٠٤ رقم ٣٢٨٢ ، صفة الصفوة ١ / ٣٦٠ رقم ١٣٢ ، أسد الغابة ٦ / ٥٦ رقم ٦٨٢٢ ، السمط الثمين : ١٣٥ ، الإصابة ٧ / ٥٦٥ رقم ١١٠٠٢.

(٤) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ١١١ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ٢٥٧ ، البداية والنهاية ٤ / ١٢٨ حوادث سنة ٦ ه‍ ، السيرة الحلبية ٢ / ٥٨٦.

٤٠٢

ورمى به ، وجعله جسرا على الخندق للمسلمين ، وظفروا بالحصن ، وأخذوا الغنائم ، وكان يقلّه (١) سبعون رجلا (٢).

وقال عليه‌السلام : والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة ، بل بقوّة ربانيّة (٣).

وفي غزاة الفتح قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام الحويرث بن نفيل بن كعب (٤) ـ وكان يؤذي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، وقتل جماعة ، وكان الفتح على يده (٥).

وفي غزاة حنين حين استظهر (٦) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكثرة ، فخرج بعشرة آلاف من المسلمين ، فعانهم (٧) أبو بكر ، وقال : لن نغلب اليوم من

__________________

(١) يقلبه / خ ل. منه قدس‌سره.

(٢) انظر : مسند أحمد ٦ / ٨ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٢١ ، الرياض النضرة ٣ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، المقاصد الحسنة : ٢٣٠.

(٣) انظر : المطالب العالية ١ / ٢٥٨ ، المواقف : ٤١٢ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧١.

(٤) هو : الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصيّ ـ ويبدو أنّ ما في المتن تصحيف ـ ، كان يعظم القول في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وينشد الهجاء فيه ويكثر أذاه وهو بمكّة ، فلمّا كان يوم الفتح هرب من بيته فلقيه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقتله.

انظر : أنساب الأشراف ١ / ٤٥٦ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٠٣ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ٧٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٦٠.

(٥) انظر : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ٦٦ و ٧٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٦١ ، تاريخ دمشق ٢٩ / ٣٢ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٢٢ و ١٢٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣٦ و ٢٣٨.

(٦) استظهر به : استعان واستنصر به ؛ انظر : لسان العرب ٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ مادّة « ظهر ».

(٧) عانهم : أصابهم بعينه ؛ انظر مادّة « عين » في : الصحاح ٦ / ٢١٧١ ، لسان العرب

٤٠٣

قلّة (١) ؛ فانهزموا بأجمعهم ، ولم يبق مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى تسعة من بني هاشم ، فأنزل الله تعالى : ( ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) ، يريد عليّا ومن ثبت معه.

وكان عليّ يضرب بالسيف بين يديه ، والعبّاس عن يمينه ، والفضل عن يساره ، وأبو سفيان بن الحارث يمسك سرجه ، ونوفل وربيعة ابنا الحارث ، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب ، وعتبة ومعتّب ابنا أبي لهب.

وقتل أمير المؤمنين جمعا كثيرا ، فانهزم المشركون وحصل الأسر (٣).

وابتلي بجميع الغزوات ، وقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (٤).

__________________

٩ / ٥٠٤.

والمراد هنا أنّه أصابهم بعينه فبان أثر ذلك في المنظور.

(١) انظر : المغازي ـ للواقدي ـ ٣ / ٨٩٠ ، أنساب الأشراف ١ / ٤٦٣ ، زاد المسير ٣ / ٣١٤ ، تفسير الخازن ٢ / ٢٠٩ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٤٠.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٢٥ و ٢٦.

(٣) انظر : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ١١١ ـ ١١٣ ، أنساب الأشراف ١ / ٤٦٤ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٨١ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٥٢ ح ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٤) انظر : مسند البزّار ٢ / ٢١٥ ح ٦٠٤ وج ٣ / ٢٧ ح ٧٧٤ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٩٧ ح ٥١٩ ، المعجم الكبير ١٠ / ٩١ ح ١٠٠٥٣ و ١٠٠٥٤ ، المعجم الأوسط ٨ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ح ٨٤٣٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٢٥ ح ٩٠٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ح ٤٦٧٤ و ٤٦٧٥ ، الاستيعاب ٣ / ١١١٧ ، تاريخ بغداد ٨ / ٣٤٠ رقم ٤٤٤٧ وج ١٣ / ١٨٧ رقم ٧١٦٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ١ / ٣٩٣ رقم ١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٦٨ ـ ٤٧٣ ، مجمع الزوائد ٦ / ٢٣٥ ، كنز العمّال

٤٠٤

وروى أبو بكر الأنباري في « أماليه » ، أنّ عليّا عليه‌السلام جلس إلى عمر في المسجد وعنده ناس ، فلمّا قام عرض واحد بذكره ، ونسبه إلى التّيه والعجب.

فقال عمر : حقّ لمثله أن يتيه ، والله لو لا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمّة ، وذو سبقها (١) ، وذو شرفها.

فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟!

فقال : كرهناه على حداثة السنّ ، وحبّه بني عبد المطّلب (٢).

وحمله سورة براءة إلى مكّة ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنفذ بها أبا بكر ، فنزل عليه جبرئيل وقال : إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدّيها إلّا أنت أو واحد منك (٣).

وفي هذه القصّة وحدها كفاية في شرف عليّ وعلوّ مرتبته ، بأضعاف كثيرة على من لا يوثق على أدائها ولم يؤتمن عليها.

وهذه الشجاعة ، مع خشونة مأكله ؛ فإنّه لم يطعم البر ثلاثة أيّام ، وكان يأكل الشعير بغير إدام ، ويختم جريشه لئلّا يؤدمه الحسنان عليهما‌السلام (٤).

وكان كثير الصوم ، كثير الصلاة (٥) ، مع شدّة قوّته حتّى قلع باب

__________________

١١ / ٢٩٢ ح ٣١٥٥٢ و ٣١٥٥٣ وص ٣٠٠ ح ٣١٥٧٠ وص ٣٥٢ ح ٣١٧٢٠ و ٣١٧٢١ وج ١٣ / ١١٢ ـ ١١٣ ح ٣٦٣٦٧.

(١) سابقتها / خ ل. منه قدس‌سره.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٢ / ٨٢.

(٣) راجع مبحث الحديث السادس ، في الصفحات ٦١ ـ ٧٠ من هذا الجزء.

(٤) انظر : الغارات : ٥٦ ـ ٥٧ ، حلية الأولياء ١ / ٨٢ ، صفة الصفوة ١ / ١٣٣ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٢٦.

(٥) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٧.

٤٠٥

خيبر ، وقد عجز عنه المسلمون (١).

وفضائله أكثر من أن تحصى.

* * *

__________________

(١) انظر : الكامل في التاريخ ٢ / ١٠٢ ؛ وراجع ما مرّ آنفا في الصفحة ٤٠٢ ـ ٤٠٣ من هذا الجزء.

٤٠٦

وقال الفضل (١) :

ما ذكر من بلاء أمير المؤمنين في الحروب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا أمر لا شبهة فيه ، وكان في أكثر الحروب صاحب الظفر ، وهذا مشهور مسلّم لا كلام لأحد فيه.

وما ذكر من بلائه يوم بدر ، وأنّه قتل الرجال من صناديد قريش ، فهو صحيح ؛ وهو أوّل من بارز الصفّ يوم بدر حين خرج عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة ، وطلبوا المبارزة ، فخرج إليهم فئة من الأنصار ، فقالوا :

نحن لا نبارزكم ؛ ثمّ نادوا : يا محمّد! فلتخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

فقال رسول الله : يا عبيدة! يا حمزة! يا عليّ! اخرجوا ..

فخرجوا ، وبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، وحمزة شيبة ، وعلي الوليد.

فقتل عليّ الوليد ، وحمزة شيبة ، واختلف الضرب بين عتبة وعبيدة ، فعاونه عليّ وحمزة وقتلوا عتبة (٢).

وهذا أوّل مبارزة وقع في الإسلام ، وكان أمير المؤمنين فارسه.

وأمّا ما ذكر من بلائه يوم أحد ، فهو صحيح ؛ ولكن كان الصحابة ذلك اليوم صاحبي بلاء ، وكان طلحة بن عبيد الله صاحب البلاء ذلك

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٧ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : الكامل في التاريخ ٢ / ٢٢.

٤٠٧

اليوم ، وكذا سعد بن أبي وقاص ، وأبي دجانة (١) ، وجماعة من الأنصار.

وأمّا ما ذكر من أمر حنين ، وأنّ أبا بكر عانهم ، فهذا من أكاذيبه.

وكيف يعين أبو بكر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان هو ذلك اليوم شيخ المهاجرين وصاحب رايتهم؟! ولكن رجل من المسلمين أعجبه الكثرة فأنزل الله تلك الآية (٢).

وأمّا ما ذكر من أنّ عتبة ومعتّب ابني أبي لهب وقفوا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين ، فهذا من عدم علمه بالتاريخ!

ألم يعلم أنّ عتبة دعا عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسلّط الله عليه كلبا من كلابه ، فافترسه الأسد ـ وذلك قبل الهجرة ـ ومات في الكفر ؛ فكيف حضر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة حنين؟!

وهذا من جهله بأحوال السابقين!

وأمّا قصّة سورة براءة فقد ذكرنا حقيقته قبل هذا ؛ وأنّه كان لأجل أن يعتبر العرب على نبذ العهود ، لا لأنّه لم يكن أبو بكر موثوقا به في أداء

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهو ليس بغريب من ابن روزبهان! والصواب : أبو دجانة ؛ وهو : أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري الخزرجي الساعدي ، شهد بدرا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان من الأبطال الشجعان ، وله مقامات محمودة في مغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان من الثابتين يوم أحد دفاعا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد آخى بينه وبين عتبة بن غزوان ، استشهد يوم اليمامة ، وقيل : بل عاش حتّى شهد مع الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام صفّين.

انظر : معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٣ / ١٤٣٥ رقم ١٣٥٣ ، الاستيعاب ٢ / ٦٥١ رقم ١٠٦٠ وج ٤ / ١٦٤٤ رقم ٢٩٣٨ ، أسد الغابة ٢ / ٢٩٩ رقم ٢٢٣٥ وج ٥ / ٩٥ رقم ٤٨٥٦ ، الإصابة ٧ / ١١٩ رقم ٩٨٥٧.

(٢) راجع الصفحة ٤٠٣ ـ ٤٠٤ من هذا الجزء.

٤٠٨

سورة براءة (١).

وهذا كلام لا يرتضيه أحد من المسلمين أنّ مثل أبي بكر ـ وكان شيخ المهاجرين ، وأمين رسول الله ـ لا يثق عليه رسول الله في نبذ العهد وقراءة سورة براءة ؛ وهذا من غاية تعصّبه وجهله بأحوال الصحابة!

* * *

__________________

(١) تقدّم ذلك في الصفحة ٦٢ ـ ٦٣ من هذا الجزء ؛ فراجع!

٤٠٩

وأقول :

لا نعرف بلاء لأحد يوم أحد إلّا لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأبي دجانة ، والمستشهدين.

وما قيل من بلاء طلحة وسعد فمحلّ نظر ؛ لأنّهما ممّن فرّوا.

روى الطبري في « تاريخه » (١) ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال :

« انتهى أنس بن النضر ـ عمّ أنس بن مالك ـ إلى عمر بن الخطّاب وطلحة ابن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال :

ما يجلسكم؟

قالوا : قتل محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!

قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله.

ثمّ استقبل القوم حتّى قتل ».

ومثله في « كامل » ابن الأثير (٢) ، وفي « الدرّ المنثور » للسيوطي ، عن ابن جرير (٣).

__________________

(١) ص ١٩ من الجزء الثالث [ ٢ / ٦٦ حوادث سنة ٣ ه‍ ]. منه قدس‌سره.

(٢) ص ٧٥ من الجزء الثاني [ ٢ / ٥٠ ـ ٥١ حوادث سنة ٣ ه‍ ]. منه قدس‌سره.

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٣٣٦ تفسير الآية ١٤٤ من سورة آل عمران ؛ وانظر : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٠ ، المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٢٨٠ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ٣١ ـ ٣٢ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ١ / ٢٢٨ ، الأغاني ١٥ / ١٨٩ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٨ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٣٤.

٤١٠

هذا ممّا دلّ على فرار طلحة وعدم بلائه.

وأمّا ما دلّ على فرار سعد ..

فمنه : ما رواه الطبري ، عن السدّي ، قال : « لم يقف إلّا طلحة ، وسهل بن حنيف (١) » (٢).

ومنه : ما رواه الحاكم ، في كتاب المغازي من « المستدرك » (٣) ، عن سعد ، قال : « لمّا جال (٤) الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك الجولة [ يوم أحد ] ، تنحّيت فقلت : أذود عن نفسي ، فإمّا أن أستشهد ، وإمّا أن أنجو » الحديث.

ومنه : ما نقله ابن أبي الحديد (٥) ، عن الواقدي ، قال : « بايعه يومئذ على الموت ثمانية ؛ ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار.

__________________

(١) هو : سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي ، شهد بدرا والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبت يوم أحد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا انهزم الناس ، وكان بايعه يومئذ على الموت ، وكان يرمي بالنبل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ صحب الإمام أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام حين بويع له ، واستخلفه أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام على المدينة حين سار منها إلى البصرة ، وشهد معه صفّين ، وولّاه بلاد فارس ، وتوفّي في الكوفة سنة ٣٨ ه‍ ، وصلّى عليه الإمام عليّ عليه‌السلام.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٣٥٨ رقم ١٣٤ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٣ / ١٣٠٦ رقم ١١٨١ ، الاستيعاب ٢ / ٦٦٢ رقم ١٠٨٤ ، أسد الغابة ٢ / ٣١٨ رقم ٢٢٨٨ ، الإصابة ٣ / ١٩٨ رقم ٣٥٢٩.

(٢) ص ٢٠ ج ٣ [ تاريخ الطبري ٢ / ٦٧ ]. منه قدس‌سره.

(٣) ص ٢٦ من الجزء الثالث [ ٣ / ٢٨ ح ٤٣١٤ ]. منه قدس‌سره.

(٤) جال يجول جولانا وجولة : إذا ذهب وجاء وانكشف ثمّ كرّ ؛ والمراد هنا : انهزم وانكشف وزال عن مكانه ؛ انظر مادّة « جول » في : النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣١٧ ، تاج العروس ١٤ / ١٢٦.

(٥) ص ٣٨٨ من المجلّد الثالث [ ١٥ / ٢٠ ]. منه قدس‌سره.

٤١١

فأمّا المهاجرون : فعليّ ، وطلحة ، والزبير ـ إلى أن قال : ـ وأمّا باقي المسلمين ففرّوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم في أخراهم (١) ، حتّى انتهى منهم إلى قريب من المهراس (٢) ».

وروى القوشجي في « شرح التجريد » ما يدلّ على فرار طلحة وسعد ـ عند ذكر نصير الدين رحمه‌الله لغزاة أحد ـ ، قال : « جمع له ـ أي : لعليّ ـ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين اللواء والراية ، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ـ وكان يسمّى كبش الكتيبة ـ فقتله عليّ.

فأخذ الراية غيره فقتله عليّ ، ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد ، حتّى قتل تسعة نفر ؛ فانهزم المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم.

فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتّى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى عليّ.

فنظر إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إفاقته وقال له : اكفني هؤلاء ؛ فهزمهم عليّ عنه ، وكان أكثر المقتولين منه » (٣).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ... ) سورة آل عمران ٣ : ١٥٣.

(٢) المهراس : موضع ماء بأحد ؛ وقال سديف بن إسماعيل بن ميمون ، مولى بني هاشم ، في قصيدته المشهورة حين قدم على أبي العبّاس السفّاح :

واذكروا مصرع الحسين وزيد

وقتيلا بجانب المهراس

وقد عنى به حمزة بن عبد المطّلب عليه‌السلام.

انظر مادّة « هرس » في : لسان العرب ١٥ / ٧٥ ، تاج العروس ٩ / ٣٨ ؛ وانظر كذلك : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٩٤ ، الكامل في التاريخ ٥ / ٧٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ١٦٢.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٦ ، وانظر : تجريد الاعتقاد : ٢٦٠.

٤١٢

وبهذا جاءت أخبارنا ، لكن مع ذكرها لثبات أبي دجانة (١).

ولو سلّم أنّ طلحة وسعدا ثبتا ، فلا نعرف لهما بلاء يذكر.

ودعوى أنّ طلحة أصابه شلل وقاية لوجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محلّ نظر ، ولذا نسبه الشعبي إلى الزعم.

فقد حكى في « كنز العمّال » (٢) ، في كتاب الغزوات ، عن ابن أبي شيبة ، عن الشعبي ، قال : « أصيب يوم أحد أنف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورباعيّته ، وزعم أنّ طلحة وقى رسول الله بيده ، فضرب فشلّت يده (٣) ».

ولعلّ الشلل كان حينما فرّ!!

على أنّ عمدة المستند في ثباتهما وبلائهما هو نفسهما ، وهما محلّ التهمة ، لا سيّما مع العلم بكذبهما في بعض ما ادّعياه!

روى البخاري في غزاة أحد ، وفي مناقب المهاجرين ، عن أبي عثمان ، قال : « لم يبق مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض تلك الأيّام التي قاتل فيهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير طلحة وسعد ، عن حديثهما » (٤).

إذ لا ريب ـ على تقدير ثباتهما في أحد ـ قد ثبت معهما غيرهما

__________________

(١) انظر مثلا : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٨١ ـ ٨٦ ، إعلام الورى ١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٢) ص ٢٧٧ من الجزء الخامس [ ١٠ / ٤٣٨ ح ٣٠٠٦١ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٤٩٠ ح ٣٤.

(٣) في المصدر : « أصبعه » ، وفي « المصنّف » : « أصابعه ».

والأصبع : واحدة الأصابع ، تذكّر وتؤنّث ، وفيه لغات ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٢٧٩ مادّة « صبع ».

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٩٤ ح ٢١٦ وص ٢١٩ ح ١٠١.

٤١٣

كأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكيف يقولون : لم يبق غيرهما ؛ وليس هناك مقام آخر فرّ فيه المسلمون وثبتا فيه وحدهما؟!

فإذا علم كذبهما في ذلك ، كانا محلّ التهمة في كلّ ما أخبرا به ، ومنه دعوى سعد أنّ رسول الله جمع له أبويه وفداه بهما (١)!

ولو سلّم أنّهما لم يفرّا ، وأنّ لهما بلاء في أحد ، فلا يقاسان بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، الذي عجبت الملائكة من حسن مواساته ، وصاح بمدحه جبرئيل ، حتّى يجعلهما الفضل في عرضه!

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ؛ فعمدة المقصود : تفضيل أمير المؤمنين عليه‌السلام على المشايخ الثلاثة في الشجاعة والجهاد ، كسائر الصفات الحميدة ، والآثار الجميلة ، فلا ينفع الفضل إثبات شجاعة طلحة وسعد وبلائهما في أحد وحدهما دون المشايخ!

فكيف يستحقّون التقدّم على يعسوب الدين ، وليث العالمين ، وزين العلماء العاملين ، ونفس النبيّ الأمين؟!

لا سيّما عثمان! الذي اتّفقت الكلمة والأخبار على فراره بأحد ، وأنّه إنّما رجع بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لقد ذهبت بها عريضا! » (٢).

وكذا عمر ؛ فإنّ أكثر أخبارهم تدلّ على فراره ..

منها : جميع ما سبق.

ومنها : ما ذكره السيوطي في « الدرّ المنثور » ، بتفسير قوله سبحانه :

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٩٤ ح ٢١٨ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٥.

(٢) تقدّم تخريجه في الصفحة ٤٠٠ ه‍ ٢ ؛ فراجع!

٤١٤

( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ ... ) (١) الآية ، قال : أخرج ابن المنذر (٢) ، عن كليب ، قال : خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر « آل عمران » ويقول : إنّها أحدية.

ثمّ قال : تفرّقنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد ، فصعدت الجبل ، فسمعت يهوديّا يقول : قتل محمّد!

فقلت : لا أسمع أحدا يقول قتل محمّد إلّا ضربت عنقه ؛ فنظرت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس يتراجعون إليه ، فنزلت هذه الآية : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (٣).

وليت شعري من أين جاء اليهودي هناك؟!

وأين كانت هذه الحماسة عن قريش؟!

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال » ، في تفسير سورة آل عمران ـ بعدما ذكر حديث ابن المنذر المذكور (٤) ـ ، عن ابن جرير ، عن كليب ، قال :

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) هو : أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ، نزيل مكّة ، والمتوفّى بها سنة ٣١٨ ه‍ ، كان فقيها حافظا محدّثا ، أخذ الفقه عن أصحاب الشافعي ، ولا يتقيّد في اختيار فتياه بمذهب بعينه ، صنّف كتبا عديدة في الإجماع والخلاف ومذاهب العلماء وغيرها ، منها : الإشراف على مذاهب أهل العلم ، الإقناع ، الأوسط ، الإجماع ، المبسوط ، تفسير القرآن.

انظر : طبقات الفقهاء ـ لأبي إسحاق ـ : ١٠٥ ، وفيات الأعيان ٤ / ٢٠٧ رقم ٥٨٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٩٦ رقم ٣٠١ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٤٩٠ رقم ٢٧٥ ، طبقات الشافعية الكبرى ٣ / ١٠٢ رقم ١١٨ ، لسان الميزان ٥ / ٢٧ رقم ١٠٤ ، طبقات الحفّاظ : ٣٣٠ رقم ٧٤٦.

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٣٣٤.

(٤) ص ٢٣٨ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٣٧٥ ح ٤٢٩٠ ]. منه قدس‌سره.

٤١٥

خطبنا عمر فقرأ آل عمران ، فلمّا انتهى إلى قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ... ) (١) قال : لمّا كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتّى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروى (٢) ... » (٣) .. الحديث.

ومنها : ما ذكره ابن أبي الحديد (٤) ، نقلا عن الواقدي ، قال : « لمّا صاح إبليس : إنّ محمّدا قد قتل ؛ تفرّق الناس ـ إلى أن قال : ـ وممّن فرّ عمر وعثمان ».

ومنها : ما حكاه أيضا عن الواقدي ، في قصّة الحديبية ، قال : « قال عمر : ألم تكن حدّثتنا أنّك ستدخل المسجد الحرام؟! ـ إلى أن قال : ـ ثمّ أقبل على عمر فقال : أنسيتم يوم أحد ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ) (٥) وأنا أدعوكم في أخراكم؟! » (٦) .. الحديث.

.. إلى غير ذلك من الأخبار (٧).

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٥٥.

(٢) الأروى : جمع كثرة للأرويّة ، وهي الأيايل التي تعيش في الجبال ، وقيل : إنّها غنم الجبال ، والأنثى من الوعول ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٣٨٤ مادّة « روي ».

(٣) كنز العمّال ٢ / ٣٧٦ ح ٤٢٩١ ، وانظر : تفسير الطبري ٣ / ٤٨٨ ح ٨٠٩٧.

(٤) ص ٣٨٩ ج ٣ [ ١٥ / ٢٤ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٩.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ١٥٣.

(٦) شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٤ ، وانظر : المغازي ـ للواقدي ـ ٢ / ٦٠٩.

(٧) منها : ما أخرجه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٢ ، أنّ عمر جاءته في أيّام خلافته امرأة تطلب بردا من برود كانت بين يديه ، وجاءت معها بنت لعمر تطلب بردا أيضا ، فأعطى المرأة وردّ ابنته ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّ أبا هذه

٤١٦

وأمّا أبو بكر ؛ فيدلّ على فراره أيضا أخبار ..

منها : بعض ما قدّمناه في أدلّة فرار سعد وطلحة (١).

ومنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك » (٢) ، وصحّحه ، عن عائشة ، قالت : قال أبو بكر : لمّا جال الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد كنت أوّل من فاء.

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال » (٣) ، في غزاة أحد ، عن أبي داود الطيالسي ، وابن سعد ، والبزّار ، والدارقطني ، وابن حبّان ، وأبي نعيم ، والضياء في « المختارة » ، وغيرهم ، بأسانيدهم عن عائشة ، قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ، ثمّ قال : ذاك كان كلّه يوم طلحة!

ثمّ أنشأ يحدّث ، قال : كنت أوّل من فاء يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ دونه ] ، فقلت : كن طلحة حيث فاتني ما فاتني ، فقلت : يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ » .. الحديث.

__________________

ثبت يوم أحد ، وأبا هذه فرّ يوم أحد ولم يثبت.

ومنها : ما رواه الواقدي في المغازي ١ / ٢٣٧ ونقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٢ ـ ٢٣ ، عن خالد بن الوليد ، أنّه كان يقول : لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطّاب حين جال المسلمون وانهزموا يوم أحد وما معه أحد ، وأنّي لفي كتيبة خشناء ، فما عرفه منهم أحد غيري ، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له ، فنظرت إليه وهو متوجّه إلى الشعب.

(١) راجع ما مرّ آنفا في الصفحة ٤١٠ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) ص ٢٧ ج ٣ [ ٣ / ٢٩ ح ٤٣١٥ ]. منه قدس‌سره.

(٣) ص ٢٩٤ ج ٣ [ ١٠ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ح ٣٠٠٢٥ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : مسند أبي داود الطيالسي : ٣ ، مسند البزّار ١ / ١٣٢ ح ٦٣ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦٣ ، الأوائل ـ للطبراني ـ : ٩١ ح ٦٣ ، معرفة الصحابة ١ / ٩٦ ح ٣٦٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٩٨ ح ٥١٥٩ ، تاريخ دمشق ٢٥ / ٧٥.

٤١٧

ومنها : ما رواه مسلم ، في أوّل غزوة أحد ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش (١).

ومن المعلوم أنّ أحد الرجلين عليّ ، والآخر ليس أبا بكر ؛ إذ لا رواية ولا قائل في ثباته ، وفرار سعد أو طلحة.

ومنها : ما رواه الحاكم في فضائل أبي بكر من « المستدرك » (٢) ، عن ابن عبّاس ، في قوله تعالى : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (٣) ، قال : « أبو بكر وعمر » ؛ ثم قال الحاكم : « صحيح على شرط الشيخين ».

ونقله السيوطي في « الدرّ المنثور » ، عن الحاكم ، قال : « وصحّحه » ، وعن البيهقي في « سننه » ، عن ابن عبّاس ، قال : نزلت هذه الآية في : أبي بكر وعمر (٤).

ونقل الرازي في « تفسيره » ، عن الواحدي في « الوسيط » ، عن عمرو ابن دينار ، أنّه قال : الذي أمر الله (٥) بمشاورته في هذه الآية : أبو بكر وعمر (٦).

ووجه الدلالة في ذلك على فرار أبي بكر وكذا عمر ، أنّ من أمر الله سبحانه بمشاورته هم المنهزمون في أحد ، الّذين أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعفو عنهم.

__________________

(١) صحيح مسلم ٥ / ١٧٨.

(٢) ص ٧٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ٧٤ ح ٤٤٣٦ ]. منه قدس‌سره.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٤) الدرّ المنثور ٢ / ٣٥٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٥) في المصدر : « النبيّ ».

(٦) تفسير الفخر الرازي ٩ / ٧٠ ، وانظر : الوسيط ١ / ٥١٢ ـ ٥١٣.

٤١٨

ولذا استشكل الرازي في رواية الواحدي فقال : « وعندي فيه إشكال ؛ لأنّ الّذين أمر الله رسوله بمشاورتهم في هذه الآية هم الّذين أمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم ، وهم المنهزمون.

فهب أنّ عمر كان من المنهزمين فدخل تحت الآية ، إلّا أنّ أبا بكر ما كان منهم ، فكيف يدخل تحت هذه الآية؟! والله أعلم » (١) انتهى.

وفيه : إنّ الإشكال موقوف على تقدير ثبات أبي بكر ، وهو خلاف الحقيقة!

هذا ، والآية ظاهرة في الأمر بمشاورتهم للتأليف ، كما يظهر من كثير من أخبارهم (٢).

ومثله الأمر بالعفو عنهم والاستغفار لهم ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وقال ابن أبي الحديد (٣) : « قال الجاحظ : وقد ثبت أبو بكر مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد كما ثبت عليّ ، فلا فخر لأحدهما على صاحبه.

قال شيخنا أبو جعفر : أمّا ثباته يوم أحد فأكثر المؤرّخين وأرباب السير ينكرونه ، وجمهورهم يروي أنّه لم يبق مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا عليّ وطلحة والزبير وأبو دجانة.

وقد روى عن ابن عبّاس أنّه قال : ولهم خامس ، وهو عبد الله بن

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٩ / ٧٠.

(٢) انظر مثلا : تفسير الماوردي ١ / ٤٣٣ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٤ / ١٦١.

(٣) ص ٢٨١ من المجلّد الثالث [ ١٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ]. منه قدس‌سره.

٤١٩

مسعود ؛ ومنهم من أثبت سادسا ، وهو المقداد بن عمرو.

وروى يحيى بن سلمة بن كهيل ، قال : قلت [ لأبي ] : كم ثبت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد؟

فقال : اثنان.

قلت : من هما؟

قال : عليّ وأبو دجانة.

وهب أنّ أبا بكر ثبت يوم أحد كما يدّعيه الجاحظ ، أيجوز له أن يقول : ( ثبت كما ثبت عليّ ، فلا فخر لأحدهما على الآخر )؟! وهو يعلم آثار عليّ ذلك اليوم ، وأنّه قتل أصحاب الألوية من بني عبد الدار ، منهم : طلحة بن أبي طلحة ، الذي رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه أنّه مردف كبشا ، فأوّله وقال : كبش الكتيبة نقتله ؛ فلمّا قتله عليّ مبارزة ـ وهو أوّل قتيل قتل من المشركين ذلك اليوم ـ كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : هذا كبش الكتيبة!

وما كان [ منه ] من المحاماة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فرّ المسلمون وأسلموه ، فتصمد له كتيبة من قريش ، فيقول : يا عليّ! اكفني هذه ؛ فيحمل عليها فيهزمها ، ويقتل عميدها ، حتّى سمع المسلمون والمشركون صوتا من قبل السماء :

لا سيف إلّا ذو الفقا

ر ولا فتى إلّا علي

وحتّى قال النبيّ عن جبرئيل ما قال!

أتكون هذه آثاره وأفعاله ثمّ يقول الجاحظ : لا فخر لأحدهما على صاحبه؟!

٤٢٠