هاشم عبد الله (١) ، وهو تلميذ أبيه محمّد بن الحنفية ، وهو تلميذ أبيه عليّ عليهالسلام.
وأمّا الأشاعرة ؛ فإنّهم تلاميذ أبي الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعري (٢) ، وهو تلميذ أبي عليّ الجبّائي (٣) ، وهو من مشايخ
__________________
٨٠ ه ، كان بليغا مقتدرا باللغة ، وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينا ، اعتزل الحسن البصري ـ بعد أن كان يجلس إليه ـ بسبب الاختلاف في مسألة تكفير مرتكب الكبيرة ، وحضر على أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية ، كان هو وعمرو بن عبيد رأسي المعتزلة ، له مصنّفات ، منها : أصناف المرجئة ، المنزلة بين المنزلتين ، معاني القرآن ؛ توفّى سنة ١٣١ ه.
انظر : معجم الأدباء ٥ / ٥٦٧ رقم ٩٩٥ ، وفيات الأعيان ٦ / ٧ رقم ٧٦٨ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٦٤ رقم ٢١٠ ، طبقات المعتزلة : ٢٨ ـ ٣٥ الطبقة الرابعة.
(١) هو : أبو هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة ، كان ثقة ، قليل الحديث ، قيل : إنّ الوليد بن عبد الملك سمّه ومات سنة ٩٨ ه ، وقيل : مات سنة ٩٩ ه في زمان سليمان بن عبد الملك.
انظر : الملل والنحل ١ / ١٨ ، الجرح والتعديل ٥ / ١٥٥ رقم ٧١١ ، سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٩ رقم ٣٧ ، تهذيب الكمال ١٠ / ٥١٢ رقم ٣٥٢٧.
(٢) هو : أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق الأشعري اليماني البصري ، المتكلّم المعروف ، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية ، يرجع نسبه إلى أبي موسى الأشعري ، ولد بالبصرة سنة ٢٧٠ ه ، وتوفّي ببغداد سنة ٣٢٤ ه ، وقد كان من المعتزلة أوّل أمره ثمّ تركهم ، ونادى في المسجد الجامع في البصرة بتوبته عن القول بخلق القرآن ، وأنّ الله لا تراه الأبصار ، وأنّ العبد مسؤول عن أفعاله!! له مصنّفات عديدة ، منها : اللمع ، التبيين في أصول الدين ، الرؤية بالأبصار.
انظر : الملل والنحل ١ / ٨١ ، وفيات الأعيان ٣ / ٢٨٤ رقم ٤٢٩ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٨٥ رقم ٥١ ، شذرات الذهب ٢ / ٣٠٣.
(٣) هو : أبو عليّ محمّد بن عبد الوهّاب البصري الجبّائي ، شيخ المعتزلة وإمامهم ، ولد سنة ٢٣٥ ه ، وتوفّي بالبصرة سنة ٣٠٣ أو ٣٠٤ ه ، وخلفه ابنه أبو هاشم الجبّائي بعد أن مات ، أخذ أبو الحسن الأشعري عنه فنّ علم الكلام ثمّ خالفه فيما
المعتزلة (١).
* * *
__________________
بعد ؛ له عدّة مصنّفات ، منها : الأسماء والصفات ، النقض على ابن الراوندي ، الردّ على ابن كلّاب.
انظر : سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٨٣ رقم ١٠٢ ، البداية والنهاية ١١ / ١٠٦ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٤١.
(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٧.
وقال الفضل (١) :
لا شكّ في توغّل أمير المؤمنين في العلم ، والفصاحة ، والأسرار المكنونة ، التي لم يطّلع عليها أحد غيره.
وأمّا ما ذكره من رجوع طوائف أهل الكلام إليه ؛ فإن أراد به أنّ أصول كلامهم مأخوذ منه ، فهذا يوجب أن يكون أصول عقائد الخوارج ، والمعتزلة ، والأشاعرة ، مأخوذا من أمير المؤمنين ، وما كان مأخوذا منه يكون حقّا ؛ وهذا لا يوافق مذهبه.
وإن أراد به أنّهم ينتسبون إليه بلا أخذ العلم والعقيدة ؛ فإثبات هذا لا يفيده في ما يدّعيه.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٤٧ الطبعة الحجرية.
وأقول :
ظهر لك ـ ممّا سبق (١) ـ أنّ معنى رجوع هذه الطوائف ، هو أنّه المؤسّس لهم علم الكلام وطريقة الاستدلال على مسائله ، فلا ينافي مخالفتهم له في كثير من العقائد الحقّة.
ويكفيك من تعاليمه ما تضمّنه « نهج البلاغة » ، الذي هو سنا النور الإلهي ، ومصباح العلم الأحمدي.
قال ابن أبي الحديد في مقدّمة « شرح النهج » : « ما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كلّ فرقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل ، وينبوعها ، وأبو عذرها (٢) ، وسابق مضمارها ، ومجلّي (٣) حلبتها ؛ كلّ من برع فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى؟!
وقد عرفت أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي ؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلوم.
ومن كلامه اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ!
فإنّ المعتزلة الّذين هم أهل التوحيد والعدل ، وأرباب النظر ، ومنهم
__________________
(١) تقدّم آنفا في الصفحة ٣٣٥ وما بعدها ؛ فراجع!
(٢) أبو عذرها وأبو عذرتها : أي هو أوّل كلّ فضيلة والسابق إليها ، وهو مجاز ؛ انظر : تاج العروس ٧ / ٢٠٤ مادّة « عذر ».
(٣) المجلّي : هو السابق الأوّل من الخيل ؛ وهو الفائز بكلّ فضيلة والسابق إليها ، على المجاز هنا ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٣٩٨ مادّة « صلا ».
تعلّم الناس هذا الفنّ (١) ، تلامذته وأصحابه ؛ لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء ، تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية ، وأبو هاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذه عليهالسلام.
وأمّا الأشاعرة ؛ فإنّهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي بشر الأشعري ، وهو تلميذ أبي عليّ الجبّائي ، وأبو عليّ أحد مشايخ المعتزلة.
فالأشعرية ينتهون بالآخرة الى أستاذ المعتزلة ومعلّمهم : عليّ بن أبي طالب.
وأمّا الإمامية والزيدية ؛ فانتماؤهم إليه ظاهر » (٢).
* * *
__________________
(١) تقدّم أنّ الإمامية ليسوا تبعا للمعتزلة ، لا في الأصول ولا في الفروع ، فظهور المعتزلة متأخّر بعشرات السنين عن الإمامية الّذين أخذوا معالم دينهم من أهل بيت العصمة والرسالة عليهمالسلام.
فانظر مقال « الكلام عند الإمامية » ، للشيخ محمّد رضا الجعفري ـ حفظه الله ـ ، المنشور في مجلّة « تراثنا » ، العدد المزدوج ٣٠ ـ ٣١ ، السنة الثامنة ، المحرّم ١٤١٣ ه ، ص ١٤٤ ـ ٢٩٩.
وراجع : ج ٢ / ١٤٣ ه ٣ من هذا الكتاب.
(٢) شرح نهج البلاغة ١ / ١٧.
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
وأمّا علم الطريقة ؛ فإنّ جميع الصوفيّة وأرباب الإشارات والحقيقة ، يسندون الخرقة إليه (٢).
وأصحاب الفتوّة يرجعون إليه ، وهو الذي
نزل جبرئيل ينادي عليه يوم بدر :
لا سيف إلّا ذو الفقا |
|
ر ، ولا فتى إلّا عليّ (٣) |
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا الفتى ، ابن الفتى ، أخو الفتى » (٤).
أمّا أنّه الفتى ؛ فلأنّه سيّد العرب ..
وأمّا أنّه ابن الفتى ؛ فلأنّه ابن إبراهيم ، الذي قال الله تعالى فيه : ( قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ) (٥) ..
وأمّا أنّه أخو الفتى ؛ فلأنّه أخو عليّ ، الذي قال جبرئيل فيه : لا فتى إلّا عليّ.
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٣٨.
(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٩ ، مطالب السؤول : ١١٩.
(٣) مرّ تخريجه مفصّلا في الصفحات ٢٠١ ـ ٢٠٢ و ٢٢٤ ـ ٢٢٦ من هذا الجزء ؛ فراجع!
(٤) معاني الأخبار : ١١٩ ح ١.
(٥) سورة الأنبياء ٢١ : ٦٠.
وقال الفضل (١) :
ما ذكره أنّ الصوفية يرجعون إليه ، ينافي ما ادّعى في صدر الكتاب ، أنّ الصوفية هم تاركو الصلاة ، والمعتقدون للحلول والاتّحاد (٢).
وكيف يجوز نسبتهم إلى أمير المؤمنين وهذا علمهم وعقيدتهم؟!
ثمّ إنّ انتساب الخرقة لا يوجب أخذ العلم ، وأخذ العلم هو المدّعى.
وفي الجملة : هذا الرجل لا يعرف ما يقول ، وهو كالناقة العشواء يرتعي كلّ حشيش.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٤٨ الطبعة الحجرية.
(٢) راجع : ج ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ من هذا الكتاب.
وأقول :
قد عرفت أنّ معنى الرجوع إليه ، هو أنّه الأصل لهم ، والأساس لأمرهم (١) ، وهو لا يستدعي الموافقة في كلّ شيء ..
فإنّ الملّيّين جميعا ينتسبون إلى أنبيائهم ، مع أنّ الضلال قد غلب عليهم ، فغيّروا وبدّلوا.
ومنهم المسلمون بطوائفهم ؛ فإنّهم ينتسبون إلى دين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويرجعون في علومهم إليه ، وأكثر فرقهم ضلّال.
ومنهم الصوفيّة ، فإنّهم من المسلمين ، وينتسبون إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإسلام ، كما ينتسبون إلى أمير المؤمنين عليهالسلام بعلم الطريقة ، وهما بريئان من عقائدهم وأعمالهم.
ويشهد لانتسابهم إلى أمير المؤمنين عليهالسلام إسنادهم الخرقة إليه ـ التي هي شعارهم ـ سواء أرادوا بها ـ كما قيل ـ : سرّ الولاية ، فاستعاروا له الخرقة كلباس التقوى ؛ أم أرادوا بها : الخرقة الظاهريّة ، التي يزعم جهّالهم أنّها الخرقة التي أخذوها عن أسلافهم ، عن أهل البيت ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام (٢).
__________________
(١) تقدّم آنفا في الصفحة ٣٣٥ وما بعدها ؛ فراجع!
(٢) انظر : البرهان الجلي ـ للغماري ـ : ١ وما بعدها ، فقد ذكر أنّ فرقة التصوّف وأسانيد الصوفية أكثرها يتّصل بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، من رواية الحسن البصري عنه ، ثمّ شرع بتحقيق ذلك.
وراجع : عوارف المعارف ـ للسهروردي ـ : ٩٢ الباب الثاني عشر / في شرح خرقة المشايخ الصوفية.
قال ابن أبي الحديد في مقدّمة الشرح : « ومن العلوم : علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف.
وقد عرفت أنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون ، وعنده يقفون.
وقد صرّح بذلك : الشّبلي (١) ، والجنيد (٢) ، وسريّ (٣) ، وأبو يزيد البسطامي (٤) ، وأبو محفوظ معروف الكرخي (٥) ، وغيرهم.
__________________
(١) هو : أبو بكر الشّبلي ، دلف بن جحدر ، وقيل : جعفر بن يونس ، وقيل : جعفر ابن دلف ، كان مولده في سامراء ، وهو من أهل الشّبليّة ، وهي قرية من قرى أسروشنة وراء سمرقند من بلاد ما وراء النهر ، كان في بادئ أمره واليا في دنباوند من رساتيق الريّ ، ثمّ صحب أبا القاسم الجنيد ، وكان فقيها عارفا بمذهب مالك ، وكان من كبار الصوفيّة ، توفّي ببغداد سنة ٣٣٤ ، وقيل : سنة ٣٣٥ عن نيّف وثمانين عاما.
انظر : حلية الأولياء ١٠ / ٣٦٦ رقم ٦٥٤ ، معجم البلدان ٣ / ٣٦٥ رقم ٦٩٩٢ ، وفيات الأعيان ٢ / ٢٧٣ رقم ٢٢٩ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٣٦٧ رقم ١٩٠.
(٢) تقدّمت ترجمته في ج ٢ / ١٩٧ ه ١ من هذا الكتاب ؛ فراجع!
(٣) هو : أبو الحسن السّريّ بن المغلّس السّقطي البغدادي ، ولد حدود سنة ١٦٠ ه ، وصحب معروفا الكرخي ، وكان أجلّ أصحابه ، وهو خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه ، توفّي سنة ٢٥٣ ه ، وقيل : ٢٥١ ه ، وقيل غير ذلك.
انظر : الأربعين في شيوخ الصوفية : ٨٢ رقم ٢ ، حلية الأولياء ١٠ / ١١٦ رقم ٤٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ١٨٥ رقم ٦٥ ، لسان الميزان ٣ / ١٣ رقم ٤٦ ، شذرات الذهب ٢ / ١٢٧.
(٤) تقدّمت ترجمته في ج ٢ / ١٩٦ ه ٣ من هذا الكتاب ؛ فراجع!
(٥) هو : أبو محفوظ معروف بن فيروز ـ أو : الفيرزان ـ الكرخي البغدادي ، اشتهر بالزهد والعزوف عن الدنيا ، حتّى إنّه لم يتزوّج ، كان أستاذ السّريّ السّقطي ، وصحب داود الطائي.
توفّي ـ على المشهور ـ سنة ٢٠٠ ه ، وقيل : ٢٠١ ه ، وقيل : سنة ٢٠٤ ه ،
ويكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم ، وكونهم يسندونها بإسناد متّصل إليه عليهالسلام » (١).
فقد ظهر أنّ مراد المصنّف رحمهالله بذكر الخرقة هو الاستشهاد بها على رجوعهم إليه ، لا أنّ إسنادها إليه موجب بذاته لأخذ العلم منه ، كما تخيّله الفضل.
__________________
وقبره ببغداد ظاهر معروف.
قيل : كان أبواه نصرانيّين ثمّ أسلما ، وقيل : كان من الصابئة ، فأسلم على يد الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام ، وصار من مواليه وحجّابه ، وقيل : روى عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليهالسلام.
نقول : وروايته عن الإمام الصادق عليه السلام تنافي ما ذكر من أنّ إسلامه كان على يد الإمام الرضا عليه السلام صغيرا ؛ لأنّ شهادة الإمام الصادق عليه السلام كانت في ٢٥ شوّال سنة ١٤٨ ه ، وكانت ولادة الإمام الرضا عليه السلام في ١١ ذي القعدة من نفس السنة أو من سنة ١٥٣ ه ؛ فلاحظ!
كما أنّ خدمته للإمام الرضا عليه السلام وموالاته له محلّ تأمّل ، ولا سيّما إذا علمنا أنّ الإمام الرضا عليه السلام لم يسكن بغداد ، بل لم يمرّ بها في سفره من المدينة إلى طوس ، في حين أنّهم قد ذكروا في سبب موت الكرخي أنّه كان في حجابة الإمام الرضا عليه السلام عندما كسرت أضلعه فمات من ذلك ، وقد كان دفنه في بغداد ، فما الذي أتى به من طوس إلى بغداد؟!
كما أنّه لم يعهد للإمام الرضا عليهالسلام خادم اسمه « معروف »!!
إضافة إلى ذلك فإنّ مترجمي « معروف » لم يذكروا أنّه رحل إلى طوس أيّام حياته ، بالرغم من أنّهم ذكروا له كرامات عجيبة!!
انظر : الأربعين في شيوخ الصوفية : ٧٥ رقم ١ ، طبقات الصوفية : ٨٣ رقم ١٠ ، طبقات الحنابلة ١ / ٣٤٠ رقم ٤٩٨ ، حلية الأولياء ٨ / ٣٦٠ رقم ٤٣٦ ، تاريخ بغداد ١٣ / ١٩٩ رقم ٧١٧٧ ، الرسالة القشيرية : ٤٢٧ رقم ٦٢ ، صفة الصفوة ١ / ٥٢٥ رقم ٢٦٠ ، المنتظم ٦ / ١٠٠ حوادث سنة ٢٠٠ ه ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٣١ رقم ٧٢٩ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٣٩ رقم ١١١ ، مرآة الجنان ١ / ٣٥٣ حوادث سنة ٢٠٠ ه ، لواقح الأنوار ١ / ٧٢ رقم ١٤٢ ، مجمع البحرين ٥ / ٩٩ مادّة « عرف ».
(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٩.
قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :
وأيضا : جميع الصحابة رجعوا إليه في الأحكام واستفادوا منه ، ولم يرجع هو إلى أحد منهم في شيء ألبتّة.
وقال عمر بن الخطّاب في عدّة مواضع : « لو لا عليّ لهلك عمر » (٢) ، حيث ردّه عن خطإ كثير.
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٣٩.
(٢) انظر : تأويل مختلف الحديث : ١٥٠ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٨ و ١٤١ ، ذخائر العقبى : ١٤٩ ، المواقف : ٤١١ ، شرح تجريد الاعتقاد ـ للقوشجي : ٤٨٣.
وقال الفضل (١) :
رجوع الصحابة إليه في الفتوى غير بعيد (٢) ؛ لأنّه كان مفتي الصحابة ، والرجوع إلى المفتي من شأنّ المستفتين ، وإنّ رجوع عمر إليه كرجوع الأئمّة وولاة العدل إلى علماء الأمّة.
وما ذكره من قوله : « لو لا عليّ لهلك عمر » ، فهو من فضائل عمر في عدله وصدقه وإنصافه وتواضعه.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٠ الطبعة الحجرية.
(٢) لا مجال للاحتمال هنا ، فإنّ رجوعهم إليه عليهالسلام من المسلّمات ؛ قال النووي : « وسؤال كبار الصحابة له ، ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله ـ في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات ـ مشهور ».
انظر : تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٤٦.
وأقول :
لا شكّ في رجوعهم إليه واستفتائهم منه ، لا سيّما في غوامض المسائل التي لا يهتدون إليها سبيلا ، ولا يعرفون لها عند أحد مخرجا ، وما هو إلّا لظهور فضله عليهم ، والأفضل أحقّ بالإمامة.
وأمّا قوله : « إنّ رجوع عمر إليه كرجوع الأئمّة وولاة العدل إلى علماء الأمّة » ..
فهو تجهيل لعمر ؛ إذ اعتبره كسائر الولاة الّذين يحتاجون إلى علم العلماء ، وقد سبق موضّحا أنّ الإمام أجلّ قدرا ، وأعلى شأنا ، من أن يحتاج إلى علم الرعيّة (١).
وأمّا ما زعمه من صدق عمر وتواضعه ، فمتنافيان ظاهرا ؛ لأنّ الحقّ إن كان مع أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكان عمر صادقا في قوله ، لزم أن لا يكون ذلك تواضعا ، بل إقرارا بالحقّ.
وإن كان الحقّ مع عمر ، فلا وجه لإقراره بعدم علمه وعمله بغير الحقّ تواضعا ، بل لزم أن يكون كاذبا في قوله.
* * *
__________________
(١) تقدّم في ج ٤ / ٢٣٧ ـ ٢٤٠ من هذا الكتاب ؛ فراجع!
قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :
وفي مسند أحمد بن حنبل : « لم يكن أحد من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : سلوني ؛ إلّا عليّ بن أبي طالب » (٢)
وفي صحيح مسلم ، أنّ عليّا قال على المنبر : « سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله عزّ وجلّ ، فما من آية إلّا وأعلم حيث نزلت ، بحضيض جبل ، أو سهل أرض.
سلوني عن الفتن ، فما من فتنة إلّا وقد علمت كبشها ، ومن يقتل فيها » (٣).
وكان يقول : « سلوني عن طرق السماء فإنّي أعرف بها من طرق الأرض » (٤).
وقال عليّ : « علّمني رسول الله ألف باب من العلم ، في كلّ باب ألف باب » (٥).
وقضاياه العجيبة أكثر من أن تحصى ؛ كقسمة الدراهم على صاحبي
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٤٠.
(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٢٤ ح ٥٠ نقلا عن « مسند أحمد » ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٠٢ ح ١٠٩٨.
وراجع تخريجه مفصّلا في الصفحة ١٧١ ه ٢ من هذا الجزء.
(٣) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٢٦ ح ٤٣٥ نقلا عن صحيح مسلم.
(٤) نهج البلاغة : ٢٨٠ الخطبة رقم ١٨٩.
(٥) راجع الصفحة ٣٢٢ ه ١ من هذا الجزء.
الأرغفة (١) ..
وبسط الدّية على القامصة (٢) ، والناسخة (٣) (٤) ..
وإلحاق الولد بالقرعة ، وصوّبه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٥) ..
والأمر بشقّ الولد نصفين ، حتّى رجعت المتداعيتان إلى الحقّ (٦) ..
__________________
(١) الاستيعاب ٣ / ١١٠٥ ، ذخائر العقبى : ١٥٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٦٨ ، الصواعق المحرقة : ١٩٩ ، تاريخ الخلفاء : ٢١١ ـ ٢١٢ ، وانظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩.
(٢) القامصة : الواثبة النافرة الضاربة برجلها ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٣٠٣ مادّة « قمص ».
(٣) كذا العبارة في الأصل ، وكانت في المصدر هكذا : « وبسط الدية على القارصة ، والقامصة ، والواقصة ».
والقرص ـ بالأصابع ـ : قبض على الجلد بأصبعين حتّى يؤلم ، والقارصة : اسم فاعلة من القرص بالأصابع ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ١٠٩ مادّة « قرص ».
والوقص : كسر العنق ودقّها ، والواقصة : بمعنى الموقوصة ـ ك : عيشة راضية ـ ، وهي التي اندقّت عنقها فكسرت ؛ انظر مادّة « وقص » في : لسان العرب ١٥ / ٣٦٧ ، تاج العروس ٩ / ٣٣٢ و ٣٨٠.
ونخس الدابّة وغيرها فهو ناخس ؛ ينخسها ـ وينخسها ، وينخسها ـ نخسا : غرز جنبها أو مؤخّرتها بعود أو نحوه ، وهو النّخس ؛ انظر : لسان العرب ١٤ / ٨٣ مادّة « نخس ».
(٤) انظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١١٢ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٩٦.
(٥) انظر : سنن ابن ماجة ٢ / ٧٨٦ ح ٢٣٤٨ ، سنن النسائي ٦ / ١٨٢ ، سنن أبي داود ٢ / ٢٨٩ ح ٢٢٦٩ و ٢٢٧٠ ، مسند أبي داود الطيالسي ١ / ٢٦ ح ١٨٧ ، مسند أحمد ٤ / ٣٧٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٦ ح ٤٦٥٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، الرياض النضرة ٣ / ١٦٩ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٩٥.
(٦) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٢٠٥ ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب ـ ٢ / ٤٠٩.
والأمر بضرب عنق العبد حتّى رجع إلى الحقّ (١) ..
وحكمه في ذي الرأسين بإيقاظ أحدهما (٢) ..
واستخراج حكم الخنثى (٣) ..
وأحكام البغاة ؛ قال الشافعي : عرفنا أحكام البغاة من عليّ (٤).
وغير ذلك من الأحكام الغريبة ، التي يستحيل أن يهتدي إليها من سئل عن الكلالة (٥) والأبّ (٦) فلم يعرفهما (٧) ، وحكم في الجدّ بمئة قضيّة (٨).
* * *
__________________
(١) انظر : مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب ـ ٢ / ٤٢٣.
(٢) كنز العمّال ٥ / ٨٣٣ ح ١٤٥٠٩ ، وانظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٢١٢ ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب ـ ٢ / ٤١٨.
(٣) الغارات : ١١٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٠١ ـ ١٠٢ ح ١٠٥ ، تذكرة الخواصّ : ١٤٨.
(٤) انظر : كتاب الأمّ ٤ / ٣١٧ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ٣٣١.
(٥) مرّ تخريجه مفصّلا في الصفحة ٣٣٧ ه ٦ من هذا الجزء ؛ فراجع!
(٦) مرّ تخريجه مفصّلا في الصفحة ٣٣٧ ه ٥ من هذا الجزء ؛ فراجع!
(٧) أي : عمر بن الخطّاب.
(٨) انظر : سنن الدارمي ٢ / ٢٤١ ـ ٢٤٢ ح ٢٩٠٨ ـ ٢٩١١ ، مصنّف عبد الرزّاق ١٠ / ٢٦١ ـ ٢٦٤ ح ١٩٠٤١ ـ ١٩٠٥٢ وص ٢٦٥ ـ ٢٦٧ ح ١٩٠٥٨ ـ ١٩٠٦٢ ، المعجم الأوسط ٤ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ح ٤٢٤٥ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ح ٧٩٨٣.
وقال الفضل (١) :
ما ذكره من الأقضية والأحكام التي قضى فيها أمير المؤمنين ، فهو حقّ لا يرتاب فيه ، وهذا شأنه وهو مشتهر به.
وأمّا قوله : « سلوني » ، فهذا من وفور علمه ، كالبحر الزاخر الذي يتموّج بما فيه ويريد إلقاء الدرّ على الساحل ، وليس هذا من باب النزاع حتّى يقيم فيه الدلائل.
وأمّا قوله : « من سئل عن الكلالة والأبّ فلم يعرفهما » ، فهو من المطاعن ، وستعرف جوابه في محلّه إن شاء الله.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥١ الطبعة الحجرية.
وأقول :
مقصود المصنّف رحمهالله بيان فضل أمير المؤمنين عليهالسلام ، وأنّه لا نسبة بينه وبين من تقدّم عليه ، فكيف يكون رعيّة لهم وهم أئمّته ، والله سبحانه يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (١) ..
ويقول : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلأَأَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢)؟!
وليس مراده مجرّد بيان علم أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لئلّا يكون محلّ النزاع ، ولا مجرّد الطعن في غيره ليحيل جوابه على ما يأتي.
* * *
__________________
(١) سورة الزمر ٣٩ : ٩.
(٢) سورة يونس ١٠ : ٣٥.
إخباره بالمغيّبات
قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :
المطلب الثالث : الإخبار بالغيب
وقد حصل منه في عدّة مواطن ..
فمنها : إنّه قال في خطبة : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألونني عن فئة تضلّ مئة وتهدي مئة ، إلّا نبّأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.
فقام إليه رجل فقال له : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟
فقال عليهالسلام : والله لقد حدّثني خليلي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما سألت ، وإنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك ، وإنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزّك ، وإنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو لا أنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به ، ولكن آية ذلك ما نبأت به من لعنك وسخلك الملعون ».
وكان ابنه في ذلك الوقت صغيرا ، وهو الذي تولّى قتل الحسين عليهالسلام (٢).
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٤١.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ٢٨٦ ؛ وانظر : الغارات : ٦.
وأخبر بقتل ذي الثديّة من الخوارج (١).
وعدم عبور الخوارج النهر ، بعد أن قيل له : قد عبروا (٢).
وعن قتله نفسه (٣).
وبقطع يدي جويرية بن مسهر ، وصلبه ؛ فوقع في أيّام معاوية (٤).
وبصلب ميثم التمّار ، وطعنه بحربة عاشر عشرة ، وأراه النخلة
__________________
(١) مسند أحمد ١ / ٨٨ ، مروج الذهب ٢ / ٤٠٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
وذو الثديّة هو : حرقوص بن زهير السعدي ، المعروف بذي الخويصرة ، وذي الثديّة ، والمخدج وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند توزيع غنائم حنين : « لم تعدل منذ اليوم » ، فلمّا أراد المسلمون أن يقتلوه قال لهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « دعوه! فإنّه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة » ، فكان كما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فصار من الخوارج ، حتّى قتل في معركة النهروان سنة ٣٧ ه.
انظر : مسند أحمد ٣ / ٤ ـ ٥ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٤٣ ٢٤٦ ح ٤٧٦٣ ـ ٤٧٧٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٧٢٩ ب ٣ ح ٢ و ٣ وص ٧٤١ ح ٥٢ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٢٦ ـ ٤٢٨ ح ٩١٠ ـ ٩١٢ ، الإصابة ٤٩ رقم ١٦٦٣ ز.
(٢) مروج الذهب ٢ / ٤٠٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٢١ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٧٢.
(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٤ ، مسند أحمد ١ / ١٣٠ ، وموضاع أخر ، المعجم الكبير ١ / ١٠٦ ح ١٧٣ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٧٧ ح ٤٨٥ وص ٤٣٠ ح ٥٦٩ وص ٤٤٣ ح ٥٩٠ ، مسند البزّاز ٣ / ١٣٧ ح ٩٢٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ح ٣٦٥٥٦ ـ ٣٦٥٦١.
(٤) انظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.
وجويرية هو : جويرية بن مسهر العبدي الكوفي ، من ربيعة ، وقد كان من ثقات أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، وشهد معه مشاهده ، قطع زياد بن أبيه يديه ورجليه ، ثمّ صلبه إلى جذع ابن مكعبر.
انظر : رجال البرقي : ٥ ، رجال الطوسي : ٣٧ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٢٢.