( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ) (١) ».
وليت شعري ، كيف يتصوّر ثبات أبي بكر في ذلك اليوم الهائل وحومة الحرب الطاحنة وما أصاب ولا أصيب؟!
أتراهم ينعون شلل أصبع طلحة ، ولا ينعون جرح أبي بكر لو أصيب؟!
وكيف يسلم وهو قد ثبت للحرب ومحاماة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو يرى ما جنى عليه الكافرون؟! ولا سيّما قد زعم أولياؤه أنّه قرين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في طلب قريش له ، حتّى بذلوا في قتله ما بذلوا في قتل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢)!
وأمّا تكذيب الفضل للمصنّف رحمهالله في دعوى أنّ أبا بكر عانهم يوم حنين ، فمن الجهل ؛ لأنّ الرازي والزمخشري ذكرا من الأقوال : إنّ أبا بكر هو القائل : « لن نغلب اليوم عن (٣) قلّة » (٤).
وروى القوشجي في « شرح التجريد » ، عند تعرّض المصنّف لغزاة حنين ، قال : « سار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في عشرة آلاف ، فتعجّب أبو بكر من كثرتهم وقال : ( لن نغلب اليوم لقلّة ) ، فانهزموا بأجمعهم ، ولم يبق مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سوى تسعة نفر : عليّ ، والعبّاس ، وابنه الفضل ، وأبو سفيان
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ : ٨٩.
(٢) زعموا فضيلة اختلقوها له! استندوا فيها إلى قوله تعالى : ( إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ... ) سورة التوبة ٩ : ٤٠ ؛ انظر مؤدّى ذلك في العثمانية : ٢٨ وما بعدها.
(٣) كذا في الأصل ، وفي المصدرين : « من » ؛ وكلاهما بمعنى!
(٤) تفسير الفخر الرازي ١٦ / ٢٢ ، تفسير الكشّاف ٢ / ١٨٢.
ابن الحارث ، ونوفل بن الحارث (١) ، وربيعة بن الحارث (٢) ، وعبد الله بن الزبير (٣) ، وعتبة ومعتّب (٤) ابنا أبي لهب.
__________________
(١) هو : أبو الحارث نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان أسنّ من إخوته ومن سائر من أسلم من بني هاشم ، أسر يوم بدر وفداه عمّه العبّاس ، وقيل : بل هو الذي فدى نفسه برماح كانت له ، ثمّ أسلم وهاجر أيّام الخندق ، وقيل : بل أسلم يوم فدى نفسه ، شهد فتح مكّة وحنينا والطائف ، آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بينه وبين العبّاس ، وكان ممّن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأعان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم حنين بثلاثة آلاف رمح ، توفّي بالمدينة سنة ١٥ ه.
انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ٣٣ رقم ٣٤٧ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٥ / ٢٦٨٧ رقم ٢٨٩٧ ، الاستيعاب ٤ / ١٥١٢ رقم ٢٦٤٢ ، أسد الغابة ٤ / ٥٩٣ رقم ٥٣١٠.
(٢) هو : أبو أروى ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، كان أسنّ من عمّه العبّاس بسنتين ، كان غائبا بالشام حين خرج المشركون إلى بدر فلم يشهدها معهم ، ثمّ أسلم مع عمّه العبّاس وأخيه نوفل أيّام الخندق ، شهد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فتح مكّة والطائف وحنين ، وتوفّي بالمدينة سنة ٢٣ ه أيّام عمر ابن الخطّاب بعد أخويه نوفل وأبي سفيان.
انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ٣٥ رقم ٣٤٨ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ١٠٨٥ رقم ٩٤٣ ، الاستيعاب ٢ / ٤٩٠ رقم ٧٥٦ ، أسد الغابة ٢ / ٥٧ رقم ١٦٣٥.
(٣) هو : عبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، لا عقب له ، ويروى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول له : ابن عمّي وحبّي ؛ استشهد يوم أجنادين سنة ١٣ ه ، ووجد عنده عصبة من الروم قد قتلهم ، ثمّ أثخنته الجراح فمات ، وكان أوّل من برز يومئذ ، وكانت سنّه يوم توفّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نحوا من ثلاثين سنة.
انظر : جمهرة النسب ١ / ٢١ ، الاستيعاب ٣ / ٩٠٤ رقم ١٥٣٤ ، التبيين في أنساب القرشيّين : ١٤٠ ، أسد الغابة ٣ / ١٣٧ رقم ٢٩٤٦ ، الإصابة ٤ / ٨٩ رقم ٤٦٨٤.
(٤) في المصدر : « مصعب » ، وهو تصحيف ظاهر.
فخرج أبو جرول وقتله عليّ ، فانهزم المشركون ، وأقبل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وسار نحو العدوّ ، فقتل عليّ منهم أربعين وانهزم الباقون وغنمهم المسلمون » (١).
ومن المعلوم أنّ الإصابة بالعين تحصل من نحو هذا التعجّب ؛ ولذا ساء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « لن نغلب اليوم عن قلّة ».
قال السيوطي في « الدرّ المنثور » : أخرج البيهقي في « الدلائل » ، عن الربيع ، أنّ رجلا قال يوم حنين : « لن نغلب اليوم عن قلّة » ، فشقّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأنزل الله : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ) (٢) (٣).
ونحوه في « حاشية صحيح البخاري » للسندي (٤).
والظاهر أنّ الراوي أراد بالرجل أبا بكر ، وعبّر عنه برجل احتشاما له في مثل المقام ، كما يشهد له التصريح باسمه في بعض الروايات!
وقول الفضل : « كيف يعين أبو بكر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان ذلك اليوم شيخ المهاجرين؟! ... » إلى آخره ..
خطأ ؛ إذ لا يستبعد ذلك ممّن لم ينشأ على الحروب ومقارعة الجيوش ، ولا تتوقّف إصابة العين على العداوة ، بل تنشأ من أمور نفسيّة في العائن!
__________________
(١) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٧.
(٢) سورة التوبة ٩ : ٢٥.
(٣) الدرّ المنثور ٤ / ١٥٨ ، وانظر : دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٥ / ١٢٣.
(٤) حاشية السندي على صحيح البخاري ٣ / ١١٠ ب ٥٦.
راجع شرح ابن أبي الحديد لقوله عليهالسلام : « العين حقّ » (١) (٢).
وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ أبا بكر كان صاحب رايتهم يوم حنين ، فلم أجد أحدا قاله أو رواه ، وإنّما صاحبها عليّ عليهالسلام.
روى الحاكم (٣) ، عن ابن عبّاس ، قال : « لعليّ أربع خصال ليست لأحد : هو أوّل عربي وأعجمي صلّى مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف ، والذي صبر معه يوم المهراس (٤) ، وهو الذي غسّله وأدخله قبره ».
وروى الحاكم أيضا (٥) ، عن مالك بن دينار ، قال : « سألت سعيد بن جبير : من كان حامل راية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! ـ إلى أن قال : ـ فقال : كان حاملها عليّ ، هكذا سمعت من عبد الله بن عبّاس ».
ثمّ قال الحاكم : « هذا صحيح الإسناد ، وله شاهد من حديث زنفل
__________________
(١) ص ٤٣٠ من المجلّد الرابع [ ١٩ / ٣٧٢ الخطبة ٤٠٨ ]. منه قدسسره.
(٢) فمن العجيب ما جعله الرازي والزمخشري قولا لبعضهم ـ وإن استبعده الرازي ـ [ انظر : تفسير الفخر الرازي ١٦ / ٢٢ ، تفسير الكشّاف ٢ / ١٨٢ ] ، وهو أنّ الذي تعجّب من الكثرة وقال : « لن نغلب اليوم من قلّة » هو رسول الله!! فما أجرأهم على الله ورسوله!! كيف ينسبون إليه هذه الكلمة الدالّة على عدم التوكّل على الله ، وعلى صدور العين منه ، الكاشفة عن خبث النفس؟!
وكلّ هذا حفظا لشأن أبي بكر! فهم مرّة ينسبون الكلمة إلى رجل مجمل تبعيدا لها عن أبي بكر ومرّة ينسبونها إلى سيّد النبيّين ، المطهّر من كلّ عيب ، تبعيدا لها عن الدلالة على النقص!
منه قدسسره.
(٣) ص ١١١ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٢٠ ح ٤٥٨٢ ]. منه قدسسره.
(٤) أي : يوم أحد ، جاء فيه عليّ عليهالسلام بماء من المهراس. منه قدسسره.
(٥) ص ١٣٧ ج ٣ [ ٣ / ١٤٧ ح ٤٦٦٥ ]. منه قدسسره.
العرفي ، وفيه طول فلم أخرجه » (١).
ونقل في « كنز العمّال » (٢) ، عن ابن عساكر ، عن ابن عبادة ، قال : كانت راية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المواطن كلّها ـ راية المهاجرين ـ مع عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام.
وأمّا ما أنكره على المصنّف رحمهالله من حضور عتبة بن أبي لهب في حنين ، فيبطله رواية القوشجي له كما سبق (٣).
وما ذكره في « الاستيعاب » بترجمة معتّب وعتبة ، من أنّهما ما شهدا مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حنينا (٤) ، وما زعمه من أنّ عتبة افترسه الأسد بدعاء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فباطل ؛ لأنّ ذلك هو لهب بن أبي لهب كما رواه الحاكم في « المستدرك » بتفسير سورة ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (٥) (٦).
واعلم أنّه لا خلاف في فرار عثمان يوم حنين ، ويظهر من « الاستيعاب » أنّه لا إشكال أيضا في فرار أبي بكر! وإنّما الكلام في فرار عمر ..
قال في ترجمة العبّاس بن عبد المطّلب : « انهزم الناس [ عن رسول
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٧ ذ ح ٤٦٦٥.
(٢) ص ٢٩٥ من الجزء الخامس [ ١٠ / ٥٠٦ ح ٣٠١٧١ ]. منه قدسسره.
وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٧٢.
(٣) تقدّم ذلك آنفا في الصفحتين ٤٢١ ـ ٤٢٢.
(٤) الاستيعاب ٣ / ١٠٣٠ رقم ١٧٦٦ وج ٣ / ١٤٣٠ رقم ٢٤٥٩ ، وانظر : أسد الغابة ٣ / ٤٦٥ رقم ٣٥٥٢ وج ٤ / ٤٤٩ رقم ٥٠١١ ، الإصابة ٤ / ٤٤٠ رقم ٥٤١٧ وج ٦ / ١٧٥ رقم ٨١٢٦.
(٥) سورة المسد ١١١ : ١.
(٦) ص ٥٣٩ من الجزء الثاني [ ٢ / ٥٨٨ ح ٣٩٨٤ ]. منه قدسسره.
وانظر : دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ٣٣٨.
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ] يوم حنين ، غيره (١) ، وغير عمر ، وعليّ ، وأبي سفيان ابن الحارث ، وقد قيل : غير سبعة من أهل بيته ..
وذلك مذكور في شعر العبّاس ، الذي يقول فيه [ من الطويل ] :
ألا هل أتى عرسي مكرّي ومقدمي |
|
بوادي حنين والأسنّة تشرع » |
إلى أن قال في « الاستيعاب » : « وهو شعر مذكور في ( السيرة ) لابن إسحاق ، وفيه :
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة |
|
وقد فرّ من قد فرّ عنه وأقشعوا (٢) |
وثامننا لاقى الحمام بسيفه |
|
بما مسه في الله لا يتوجّع |
وقال ابن إسحاق : السبعة : عليّ ، والعبّاس ، والفضل بن العبّاس ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه جعفر ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، والثامن أيمن بن عبيد (٣).
وجعل غير ابن إسحاق في موضع أبي سفيان : عمر بن الخطّاب.
والصحيح أنّ أبا سفيان بن الحارث كان يومئذ معه ، لم يختلف فيه ،
__________________
(١) أي : العبّاس بن عبد المطّلب.
(٢) أقشع القوم : تفرّقوا ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ١٧٣ مادّة « قشع ».
(٣) هو : أيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال ، وهو ابن أمّ أيمن حاضنة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو أخو أسامة بن زيد بن حارثة لأمّه ، استشهد يوم حنين.
انظر : معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ١ / ٣١٨ رقم ١٩٧ ، الاستيعاب ١ / ١٢٨ رقم ١٣١ ، أسد الغابة ١ / ١٨٩ رقم ٣٥٣ ، الإصابة ١ / ١٧٠ ـ ١٧١ رقم ٣٩٤.
واختلف في عمر » (١).
ويؤيّد ما صحّحه ما ذكره البخاري في غزاة حنين ؛ فإنّه روى خبرين عن البراء صريحين في ثبات أبي سفيان (٢) ، وخبرين عن أبي قتادة صريحين في فرار عمر ، قال أبو قتادة في أحدهما : « انهزم المسلمون وانهزمت معهم ، فإذا عمر بن الخطّاب في الناس ، فقلت له : ما شأن الناس؟!
قال : أمر الله!!
ثمّ تراجع الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٣).
وقال في الآخر : « لمّا التقينا كانت للمسلمين جولة ـ إلى أن قال : ـ فلحقت عمر فقلت : ما بال الناس؟!
قال : أمر الله!! ثمّ رجعوا » (٤) .. الحديث.
ونحوه في كتاب « الجهاد » من صحيح مسلم ، في « باب استحقاق القاتل سلب المقتول » (٥).
وذكر في « كنز العمّال » ـ في كتاب الغزوات (٦) ـ حديثين يتضمّنان أنّ الثابتين هم : عليّ ، والعبّاس ، وأبو سفيان بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب ، والزبير بن العوّام ، وأسامة بن
__________________
(١) الاستيعاب ٢ / ٨١٢ ـ ٨١٣ رقم ١٣٧٨.
(٢) صحيح البخاري ٥ / ٣١٠ ح ٣١٨ و ٣٢٠.
(٣) صحيح البخاري ٥ / ٣١٢ ح ٣٢٣.
(٤) صحيح البخاري ٥ / ٣١٢ ح ٣٢٣.
(٥) صحيح مسلم ٥ / ١٤٨.
(٦) ص ٣٠٤ من الجزء الخامس [ ١٠ / ٥٤٢ ح ٣٠٢١٤ و ٣٠٢١٥ ]. منه قدسسره.
وانظر : تاريخ دمشق ٢٨ / ١٣٧ ـ ١٣٨.
زيد.
وقد روى في « كشف الغمّة » بيتي العبّاس الأخيرين كما في « الاستيعاب » ، إلّا أنّه أبدل لفظ « سبعة » ب « تسعة » ، ولفظ « ثامن » ب « عاشر » ، وسمّى التسعة كما سمّاهم المصنّف والقوشجي (١).
وروى أيضا عن مالك بن عبادة الغافقي أنّه قال [ من الخفيف ] :
لم يواس النبيّ غير بني ها |
|
شم عند السيوف يوم حنين |
هرب الناس غير تسعة رهط |
|
فهم يهتفون بالناس : أين (٢)؟! |
ثمّ قاموا مع النبيّ على المو |
|
ت فآبوا زينا لنا غير شين |
وثوى أيمن الأمين من القو |
|
م شهيدا فاعتاض قرّة عين (٣) |
وأمّا ما زعمه من حقيقة قصّة براءة ، فقد سبق في الخبر السادس أنّها لا حقيقة لها ، اختلقوها لتسديد حال أبي بكر ، وبيّنّا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يبعثه أوّلا إلّا ليعزله ثانيا ؛ تنبيها على فضل عليّ وعدم كفاية أبي بكر ؛ ليعتبر الناس أنّ من ليست له أهليّة القيام بتأدية « براءة » مقام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يصلح للقيام مقامه في الإمامة والزعامة العظمى بالأولويّة (٤)!
* * *
__________________
(١) كشف الغمّة ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، الاستيعاب ٢ / ٨١٣ ، وانظر : شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٧.
(٢) أين : ظرف للمكان مبنيّ على الفتح ، وكسر هنا لضرورة القافية.
(٣) كشف الغمّة ١ / ٢٢١.
(٤) انظر الصفحات ٦٤ ـ ٧٠ من هذا الجزء.
نسبه [ من فضائله الخارجية ]
قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :
القسم الثالث : في الفضائل الخارجيّة ، وفيه مطالب :
الأوّل : في نسبه
لم يلحق أحد أمير المؤمنين عليهالسلام في شرف النسب ، كما قال عليهالسلام : « نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد » (٢).
قال الجاحظ ـ وهو من أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين عليهالسلام ـ :
« صدق عليّ في قوله : نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد.
كيف يقاس بقوم منهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأطيبان : عليّ وفاطمة ، والسبطان : الحسن والحسين ، والشهيدان : أسد الله حمزة وذو الجناحين جعفر ، وسيّد الوادي عبد المطّلب ، وساقي الحجيج عبّاس ، وحليم البطحاء أبو طالب.
والنجدة والخيرة فيهم ، والأنصار من نصرهم ، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم ، والصدّيق من صدّقهم ، والفاروق من فرق بين الحقّ والباطل فيهم ، والحواريّ حواريّهم ، وذو الشهادتين ؛ لأنّه شهد لهم ، ولا خير إلّا فيهم ولهم ومنهم؟!
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٥٢.
(٢) انظر : فردوس الأخبار ٢ / ٣٧٣ ح ٧٠٩٤ ، ذخائر العقبى : ٤٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٤ ح ٣٤٢٠١ وج ١٣ / ٧ ـ ٨ ح ٣٦٠٩٥.
وأبان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أهل بيته بقوله : إنّي تارك فيكم الخليفتين ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض (١).
ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لمّا طلب مصاهرة عليّ : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي (٢).
فأمّا عليّ ، فلو أوردنا لأيّامه الشريفة ، ومقاماته الكريمة ، ومناقبه السنيّة ، لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال .. العرق صحيح ، والمنشأ كريم ، والشأن عظيم ، والعمل جسيم ، والعلم كثير ، والبيان عجيب ، واللسان خطيب ، والصدر رحيب ، وأخلاقه وفق أعراقه ، وحديثه يشهد لقديمه ».
هذا قول عدوّه (٣).
* * *
__________________
(١) راجع الصفحة ٢٣٦ وما بعدها من هذا الجزء.
(٢) السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٢٤٩ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ٣٣٩ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٧٤ ـ ٧٧٦ ح ١٠٦٩ و ١٠٧٠ ، مسند البزّار ١ / ٣٩٧ ح ٢٧٤ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ح ٢٦٣٤ و ٢٦٣٥ وج ١١ / ١٩٤ ح ١٦٢١ ، المعجم الأوسط ٤ / ٤٣٧ ح ٤١٣٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٣ ح ٤٦٨٤ ، حلية الأولياء ٢ / ٣٤ رقم ١٣١ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٦٤ و ١١٤ ، تاريخ بغداد ٦ / ١٨٢ رقم ٣٢٣٧ وج ١٠ / ٢٧١ رقم ٥٣٨٧.
(٣) انظر : كشف الغمّة ١ / ٣٠ ـ ٣١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٥٩.
وقال الفضل (١) :
ما ذكر من كلام الجاحظ صحيح لا شكّ فيه ، وفضائل أمير المؤمنين أكثر من أن تحصى ، ولو أنّي تصدّيت لبعضها لأغرقت فيه الطوامير.
وأمّا ما ذكر أنّ الجاحظ كان من أعدائه ، فهذا كذب ؛ لأنّ محبّة السلف لا تفهم إلّا من ذكر فضائلهم ، وليس هذه المحبّة أمرا مشتهيا للطبع.
وكلّ من ذكر فضائل أحد من السلف ، فنحن نستدلّ من ذلك الذكر على وفور محبّته إيّاه.
وقد ذكر الجاحظ أمير المؤمنين بالمناقب المنقولة ، وكذا ذكره في غير هذا من رسائله ، فكيف يحكم بأنّه عدوّ لأمير المؤمنين؟!
وهذا يصحّ على رأي الروافض ؛ فإنّ الروافض لا يحكمون بالمحبّة إلّا بذكر مثالب الغير.
فعندهم محبّ عليّ من كان مبغض الصحابة ، وبهذا المعنى يمكن أن يكون الجاحظ عدوّا.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٦٠ الطبعة الحجرية.
وأقول :
لا يصحّ الاستدلال على حبّ أمير المؤمنين عليهالسلام بمجرّد ذكر فضائله ؛ إذ لا يسع أحدا أن يعد فضلا لسواه ويدعه ، ويثني على غيره ويعدوه.
وقد علم الله ما في طيّات قلوبهم من بغضه ، وإن اختلف قوّة وضعفا ؛ إذ لا يجتمع حبّه الصادق مع موالاة مبغضيه ، لا سيّما أظهر أعدائه وأكبر حسّاده وأشدّ محاربيه ، كمعاوية ، وابن العاص ، ومروان ، والمغيرة ، وأشباههم! بل كيف يوالي النبيّ من والاهم؟! وكيف يؤمن به من نصرهم وأطراهم؟!
أليس هو القائل لعليّ عليهالسلام : « حربك حربي » (١) و « من أبغضك أبغضني » (٢) و « من سبّك سبّني » (٣)؟!
__________________
(١) انظر : المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٦ ح ٢٨٧٥ وج ٥ / ٣١٦ ح ٥٠١٥ وج ٧ / ٢٤٢ ح ٧٢٥٩ ، المعجم الصغير ٣ / ٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٣٧ رقم ٣٥٨٢ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٦ ح ٧٣ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٩٧ ح ٣٤١٦٤ ، ينابيع المودّة ١ / ١٧٢ ح ١٩.
وقد تقدّم تخريج الحديث بألفاظه المختلفة في ج ٤ / ٣٥٨ ه ٤ من هذا الكتاب ؛ فراجع!
(٢) انظر : المعجم الأوسط ٥ / ١٦٦ ح ٤٧٥١ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧١ ، تذكرة الخواصّ : ٥٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٩.
وقد تقدّم تخريج الحديث مفصّلا بألفاظه المختلفة في ج ١ / ١٢ ه ٢ وج ٥ / ٢٧١ ه ١ ؛ فراجع!
(٣) انظر : مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٣ ح ٨٤٧٦ ،
وقال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (١).
فإذا رأيت أحدا ممّن يوالي هؤلاء يذكر فضلا لأمير المؤمنين عليهالسلام ؛ فليس إلّا لأنّه لا يسعه ـ كما عرفت ـ ، أو لأنّه يريد أن يدفع عنه وصمة النصب (٢) ، أو يريد بيان اطّلاعه وسعة باعه ، لا حبّا له ووفاء
__________________
مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٤٤ ح ٧٠١٣ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ح ٧٣٧ ، المعجم الصغير ٢ / ٢١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ـ ١٣١ ح ٤٦١٥ و ٤٦١٦ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للمغازلي ـ ٢٠٨ ح ٢٧١ ، مناقب الطمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٤٨ ح ١٧٥ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٦٦ ، كفاية الطالب : ٨٢ ـ ٨٩ باب « كفر من سبّ عليّا عليهالسلام » ، الرياض النضرة ٣ / ١٢٢ و ١٢٣ ، ذخائر العقبى : ١٢٣ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٦٦ وج ١٨ / ٨٣ ، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ : ٣٨٥ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٥٩ ح ٦١٠١ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٢ حوادث سنة ٤٠ ه ، جامع المسانيد والسنن ١٩ / ٣١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠ ـ ١٣٣ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٢٩ ح ٨٧٣٦ ، الصواعق المحرقة : ١٩٠ ، درّ السحابة : ٢٢٤ ، ينابيع المودّة ٢ / ٢٧٤ ح ٧٨٢ وص ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ح ٧٩٦.
(١) سورة المجادلة ٥٨ : ٢٢.
(٢) كعبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، المولود في سجستان سنة ٢٣٠ ه ، والمتوفّى ببغداد سنة ٣١٦ ه ، والمنسوب إلى النصب ، وهو ابن صاحب « السنن ».
قال ابن عديّ في ترجمته : سمعت عليّ بن عبد الله الداهري يقول : سألت ابن أبي داود بالريّ عن حديث الطير ، فقال : إن صحّ حديث الطير فنبوّة النبيّ باطل ؛ لأنّه حكى عن حاجب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم خيانة ، وحاجب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يكون خائنا!
وروى عبد الله هذا عن الزهري ، عن عروة ، قال : كانت قد حفيت أظافير عليّ من كثرة ما كان يتسلّق على أزواج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم!
وقد نفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط بسبب نصبه ، وردّه عليّ بن عيسى ، فحدّث وأظهر فضائل عليّ عليهالسلام ، وكان يقول : كلّ الناس منّي في حلّ ، إلّا من رماني ببغض عليّ رضي الله عنه!
بحقّه (١)!
ولذا لا يروون له فضيلة إلّا وطعنوا ـ مهما أمكن ـ بسندها أو دلالتها ، ولا تنشرح نفوسهم لها ، بخلاف ما إذا رووا فضيلة لغيره!
ولا بدّ أن يظهر الله مخفيّات سرائرهم على صفحات أرقامهم وطفحات أقلامهم ، كما رأيته من هذا الرجل في كثير من كلماته ، وظهر على الجاحظ في رسالته التي تحامل فيها على أمير المؤمنين عليهالسلام كلّ التحامل ، وظهر فيها مظهر العداء له ، التي نقضها أبو جعفر الإسكافي (٢).
__________________
ثمّ تحنبل فصار شيخا فيهم!
انظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٢٦٥ رقم ١١٠١ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٢١ رقم ١١٨.
(١) كالذهبي ؛ فقد أفرد طرق حديث الطير بمصنّف ، وحديث « من كنت مولاه » بمصنّف آخر ، وكان قد أنكر في كتابه « تلخيص المستدرك » على الحاكم النيسابوري إخراجه في « المستدرك » حديث الطير ، ولمّا رأى كثرة طرقه أفرده هو بمصنّف! حتّى قال : « وأمّا حديث الطير ، فله طرق كثيرة جدّا ، قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ؛ وأمّا حديث : ( من كنت مولاه ) ، فله طرق جيّدة ، وقد أفردت ذلك أيضا ».
انظر : تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٢ ـ ١٠٤٣.
وقال : « وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء ، وطرق حديث : ( من كنت مولاه ) ، وهو أصحّ ، وأصحّ منهما ما أخرجه مسلم عن عليّ ، قال : ( إنّه لعهد النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وآله وسلم إليّ : إنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق ) ».
انظر : سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٦٩
[ ٢ ] والإسكافي ، المتوفّى سنة ٢٤٠ ه ، هو أوّل من نقض بكتابه « نقض العثمانية » كتاب « العثمانية » للجاحظ ، وقد أورد ابن أبي الحديد مقاطع كثيرة منه في كتابه.
انظر : شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١٥ ـ ٢٩٥.
ومن الّذين نقضوا كتاب الجاحظ ، السيّد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن طاووس ، المتوفّى سنة ٦٧٣ ه ، بكتابه « بناء المقالة الفاطمية في
ونقلنا كلمة منها في المبحث السابق (١).
هيهات لا تتكلّفنّ لي الهوى |
|
فضح التطبّع شيمة المطبوع (٢) |
وممّا ذكرنا يعلم أنّه يشترط في حبّ عليّ عليهالسلام الحقيقي بغض أعدائه.
* * *
__________________
نقض الرسالة العثمانية » ، وهو مطبوع بتحقيق السيّد عليّ العدناني الغريفي ، ونشر مؤسّستنا.
(١) راجع الصفحتين ٤١٩ ـ ٤٢٠ من هذا الجزء.
(٢) البيت للشريف الرضي ، من الكامل ، من قصيدة في الغزل ، مطلعها :
يا صاحب القلب
الصحيح أما اشتفى |
|
ألم الجوى من قلبي
المصدوع؟! |
انظر : ديوان الشريف الرضي ١ / ٦٥٢.
شرف زوجته وأولاده
قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :
المطلب الثاني : في زوجته وأولاده
كانت فاطمة سيّدة نساء العالمين زوجته ..
قال ابن عبّاس : « لمّا زفّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة عليهاالسلام كان قدّامها ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك من ورائها ، يسبّحون الله ويقدّسونه حتّى طلع الفجر » (٢).
فانظر ـ أيّها العاقل! ـ كيف يروي الجمهور هذه الروايات ، ويظلمونها ، ويأخذون حقّها (٣) ، ويكسرون ضلعها ، ويجهضون ولدها من
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٥٤.
(٢) انظر : تاريخ بغداد ٥ / ٧ رقم ٢٣٥٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ح ٣٦٢ ، مقتل الحسين عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٠٨ ح ٤١ ، ذخائر العقبى : ٧٣ ، فرائد السمطين ١ / ٩٦ ح ٦٥ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٠٢.
(٣) انظر : صحيح البخاري ٤ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ح ٢ وج ٥ / ٩١ ح ٢٠٧ وص ٢٨٨ ح ٢٥٦ وج ٨ / ٢٦٦ ح ٣ ، صحيح مسلم ٥ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، سنن أبي داود ٣ / ١٤٢ ح ٢٩٦٨ و ٢٩٦٩ ، سنن الترمذي ٤ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ح ١٦٠٨ و ١٦٠٩ ، سنن النسائي ٧ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، مسند أحمد ١ / ٤ و ٦ و ٩ و ١٠ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٥ ح ٤٣ ، المعجم الأوسط ٥ / ٤٤١ ح ٥٣٣٩ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥٣ ح ٦٦٧٧ ـ ٦٦٨٤ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ١٥٦ ح ٤٨٠٣ وج ٨ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٦٥٧٣ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣١ ، فتوح البلدان : ٤٤ ـ ٤٦.
بطنها (١)!!
فليحذر المقلّد من اتّباع هؤلاء ، فإنّ أخذك منهم باطل قطعا!
* * *
__________________
(١) انظر : الفرق بين الفرق : ١٣٣ ، إثبات الوصيّة : ١٤٦ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٥١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٠٧ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٦ / ٢٨١ و ٢٨٣ ، فرائد السمطين ٢ / ٣٥ ح ٣٧١ ، الخطط المقريزية ٢ / ٣٤٦.
وقال الفضل (١) :
ما ذكره من فضائل فاطمة معلوم ، محقّق ، ثابت ..
وما ذكر أنّ الجمهور يروون فضائلها ويظلمونها ، فكلام باطل ؛ لأنّه على تقدير صحّة الظلم عليها ، فإنّ الظالمين عليها (٢) كانوا جماعة غير الراوين لفضائلها ، فكلامه هذا غير مربوط ولا معقول ، كأكثر كلامه في هذا الكتاب.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٦٢ الطبعة الحجرية.
(٢) كذا في الأصل والنسخة الحجرية ، وهو غير غريب من ابن روزبهان ، والصواب لغة : « لها ».
وأقول :
أراد المصنّف رحمهالله بالجمهور : من خالفوا أمير المؤمنين عليهالسلام ، سواء كانوا من الصحابة أم من غيرهم ، فتصحّ نسبة الظلم إليهم باعتبار بعضهم ، ونسبة الرواية إليهم باعتبار بعض آخر.
على أنّ الراوين لفضلها ـ إن لم يكونوا من الظالمين لها حقيقة ـ فهم منهم ببعض الوجوه والاعتبارات ؛ كمؤازرتهم لهم ، وتعظيمهم ، ونصرتهم لهم بالقلم واللسان!
ولنذكر من روى حديث سيادتها لنساء العالمين ، أو : المؤمنين ، أو : أهل الجنّة ، على اختلاف في ألفاظ الأحاديث ، ليعلم استفاضته عندهم أو تواتره.
فممّن رواه : البخاري ، في باب « مناقب فاطمة » ، وأواخر باب « علامات النبوّة » قبل أبواب فضائل أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقليل (١).
ومنهم : مسلم ، في باب « فضائل فاطمة » ، من طريقين عن عائشة ، عن فاطمة (٢).
ومنهم : الحاكم ، في « المستدرك » ، من طريقين عن حذيفة (٣) ،
__________________
(١) صحيح البخاري ٥ / ٥٤ ـ ٥٥ ح ١٢٦ وص ٩١ باب « مناقب قرابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومنقبة فاطمة عليهاالسلام » وص ١٠٥ باب « مناقب فاطمة عليهاالسلام ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : فاطمة سيّدة نساء العالمين » ولم يورد في البابين المذكورين أيّ حديث يدلّ على سيادتها للنساء عليهاالسلام ؛ فلاحظ!
(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٤٣ ـ ١٤٤.
(٣) ص ١٥١ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٦٤ ح ٤٧٢١ و ٤٧٢٢ ]. منه قدسسره.
ومن طريق عن أبي سعيد (١) ، ومن طريق عن عائشة (٢).
ومنهم : الترمذي في باب « مناقب الحسنين » من طريق عن حذيفة ، وفي باب « فضل أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم » من طريق عن أمّ سلمة (٣).
ومنهم : ابن عبد البرّ في « الاستيعاب » من عدّة طرق ، عن عائشة ، وأبي سعيد ، وعمران بن حصين ، وأنس ، وأبي هريرة (٤).
ومنهم : أحمد في « مسنده » ، عن أبي سعيد (٥) ، وحذيفة (٦) ، وعائشة عن فاطمة (٧).
وأخرجه النسائي في « الخصائص » من عدّة طرق ، عن عائشة ، وأمّ سلمة ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة (٨).
وحكاه في « كنز العمّال » في فضائل فاطمة ، عن ابن جرير عن حذيفة (٩) ، وعن البزّار عن عليّ عليهالسلام (١٠) ، وابن أبي شيبة عن حذيفة (١١).
__________________
(١) ص ١٥٤ من هذا الجزء [ ٣ / ١٦٨ ح ٤٧٣٣ ]. منه قدسسره.
(٢) ص ١٥٦ منه أيضا [ ٣ / ١٧٠ ح ٤٧٤٠ أ ]. منه قدسسره.
(٣) سنن الترمذي ٥ / ٦١٩ ح ٣٧٨١ وص ٦٥٨ ح ٣٨٧٣ وص ٦٦٦ ح ٣٨٩٣.
(٤) الاستيعاب ٤ / ١٨٩٤ ـ ١٨٩٦.
(٥) ص ٦٤ من الجزء الثالث. منه قدسسره.
(٦) ص ٣٩١ من الجزء الخامس. منه قدسسره.
(٧) ص ٢٨٢ من الجزء السادس. منه قدسسره.
(٨) خصائص الإمام عليّ عليهالسلام : ٩٨ ـ ١٠١ ح ١٢٢ ـ ١٢٧ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٤٥ ـ ١٤٧ ح ٨٥١٢ ـ ٨٥١٧.
(٩) ص ١٠٢ من الجزء السابع [ ١٣ / ٦٤٠ ح ٣٧٦١٧ ]. منه قدسسره.
(١٠) ص ١١١ من هذا الجزء [ ١٣ / ٦٧٤ ـ ٦٧٥ ح ٣٧٧٢٧ ]. منه قدسسره.
وانظر : مسند البزّار ٣ / ١٠٢ ح ٨٨٥.
(١١) كنز العمّال ١٣ / ٦٧٥ ح ٣٧٧٢٨ ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٢٧ ح ٣.