دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: ٥٨١

ينقل عن كتبهم ؛ لإلزامهم ، لا لحاجة به إليها ؛ لغناه عنها بالأدلّة القطعيّة ؛ العقليّة والنقليّة ، التي اشتملت عليها كتب أصحابه.

وقد تجاهل في معرفتها ومعرفة علماء الإمامية ورواتهم ظنّا منه أن يخدع الجهّال بذلك ، وهيهات أن تخفى الشمس على ذي عين!

نعم ، ما زالوا ـ وإلى الآن ـ يتغافلون عن كتب الشيعة ، ويتعامون عن النظر إليها ، كراهة لاتّضاح الحقّ ، ورغبة في ملّة الآباء!

وأمّا قوله : « فهو يترك المنقولات في الصحاح » ..

فكذب ظاهر ؛ لأنّ المصنّف رحمه‌الله ينقل عنها وعن غيرها ، كما ستعرف ، وكلّها عنده بمنزلة واحدة في الوهن ، لكنّه يروي عن الجميع ما يحتجّ به عليهم.

ولا يمكن أن نصحّح شيئا منها سوى ما يتعلّق بفضائل أهل البيت ونقائص أعدائهم ، كما سبق وجهه في المقدّمة ، وبيّنا فيها حال صحاحهم ، وأنّها بالسقم أحرى (١).

ومن الطرائف إنكاره بلوغ عدد الشيعة إلى عصره حدّ الكثرة ، فلو صدق فما باله فرّ من بلاده إلى ما وراء النهر ، ثمّ استغاث في آخر هذا الكتاب من استيلائهم على ما هنالك؟!

وإن جهل كثرتهم ، فليسأل عنهم أئمّته بني أميّة يوم الدار وصفّين ، ويوم استولى عليهم بنو العبّاس ، وليسأل عنهم بني العبّاس أيّام البويهيّين والحمدانيّين والفاطميّين!

وقد ذكر المؤرّخون أنّ بليّة معاوية على الكوفة أشدّ ؛ لكثرة من

__________________

(١) راجع : ج ١ / ٤١ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢١

فيها من الشيعة (١).

نعم ، ما زال أعداء آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفوهم أكثر ، كما قال عزّ اسمه : ( وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (٢).

* * *

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١١ / ٤٤ ، النصائح الكافية : ١٢٦.

(٢) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

نقول : وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة حديث النور دراسة مفصّلة ، سندا ودلالة ، في الجزء الخامس من موسوعته « نفحات الأزهار » ؛ فراجع!

٢٢

٢ ـ حديث : ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة

قال المصنّف ـ قدس‌سره ـ (١) :

الثاني : من « مسند أحمد » : « لمّا نزل : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) جمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل بيته ثلاثين ، فأكلوا وشربوا ثلاثا ، ثمّ قال لهم : من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة؟

فقال عليّ : أنا.

فقال : أنت » (٣).

ورواه الثعلبي في تفسيره بعد ثلاث مرّات ، في كلّ مرّة سكت القوم غير عليّ عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٣.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

(٣) مسند أحمد ١ / ١١١ و ١٥٩ و ٣٣١.

(٤) تفسير الثعلبي ٧ / ١٨٢ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٠٧ ـ ٨٠٨ ح ١١٠٨ وص ٨٧١ ح ١١٩٦ وص ٨٨٧ ح ١٢٢٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٥ ـ ١٢٦ ح ٨٤٥١ ، مسند البزّار ٢ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ٤٥٦ ، المعجم الأوسط ٣ / ٢٤١ ح ٢٨٣٦ ، تفسير الحبري : ٣٤٨ ، تهذيب الآثار ٤ / ٦٠ ح ٥٠ وص ٦٢ ح ١٢٧ ، تاريخ الطبري ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ، تفسير الطبري ٩ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ح ٢٦٨٠٦ ، العلل الواردة في الأحاديث ـ للدارقطني ـ ٣ / ٢٧٥ رقم ٢٩٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٣ ح ٤٦٥٢ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٤٢٥ ح ٣٣١ قطعة

٢٣

وقال الفضل (١) :

هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في « الموضوعات » في قصّة طويلة ، وليس فيه : « ويكون خليفتي » ، وهذا من وضعه ، أو من وضع مشايخه من شيوخ الرفض وأهل التهمة والافتراء (٢).

وفي مسند أحمد بن حنبل : « ويكون خليفتي » غير موجود ، بل هو من إلحاقات الرفضة.

وهذان الكتابان اليوم موجودان ، وهم لا يبالون من خجلة الكذب والافتراء ، بل الرواية : « ويكون معي في الجنّة » (٣).

__________________

منه ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠ قطعة منه ، شواهد التنزيل ١ / ٤٢٠ ـ ٤٢١ ح ٥٨٠ ، تفسير البغوي ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٩ ـ ٥٠ ، الوفا بأحوال المصطفى : ١٨٣ ـ ١٨٤ ح ٢٤٩ ، كفاية الطالب : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، فرائد السمطين ١ / ٨٥ ح ٦٥ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٣٩ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ١ / ٤٥٧ ـ ٤٥٩ ، البداية والنهاية ٣ / ٣٢ ـ ٣٣ ، مجمع الزوائد ٨ / ٣٠٢ عن البزّار وأحمد والطبراني في « الأوسط » وقال : « رجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح ، غير شريك وهو ثقة » ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣١ ـ ١٣٣ ح ٣٦٤١٩ عن ابن إسحاق وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي ـ والأخيران كلاهما في « دلائل النبوّة » ـ ، ينابيع المودّة ١ / ٣١١ ـ ٣١٢ ح ١ و ٢.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤١٢.

(٢) لم يذكره ابن الجوزي في قصّة طويلة ، بل أشار إلى رواية يوم الدار إشارة ، فانظر : الموضوعات ١ / ٩٩ ؛ وتأمّل!

(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ١١١ وقد جاء فيه : « ويكون معي في الجنّة ، ويكون خليفتي ... » ، فتأمّل!

٢٤

وهو من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث أقبل إذ الناس أدبر ، وأقدم إذ الناس أحجم (١) ، وفضائله أكثر من أن تحصى ، عليه سلام الله يترى ، مرّة بعد أخرى.

* * *

__________________

(١) كذا وردت الجملتان السابقتان ؛ وهو غير عزيز من مثل ابن روزبهان!

٢٥

وأقول :

من أعجب العجب أن يكذب هذا الرجل ، وينسب الكذب إلى آية الله المصنّف رحمه‌الله ، وشدّد النكير عليه وعلى علمائنا أهل الصدق والأمانة.

وإذا أردت أن تعرف كذبه ، فراجع « المسند » ، ص ١١١ من الجزء الأوّل ، تجد الحديث مشتملا على لفظ « خليفتي ».

وهكذا نقله في « كنز العمّال » (١) ، عن « المسند » ، وعن ابن جرير ، قال : « وصحّحه » ، وعن الطحاوي ، والضياء في « المختارة » ، التي حكى في أوّل « الكنز » (٢) صحّة جميع ما فيها عن السيوطي في ديباجة « جمع الجوامع ».

ونقل في « الكنز » أيضا (٣) هذا الحديث بقصّة طويلة ، عن ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخره : « قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟

__________________

(١) ص ٣٩٦ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٣٦٤٠٨ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٠ ح ٥ ، شرح معاني الآثار ٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ وج ٤ / ٣٨٧.

(٢) كنز العمّال ١ / ٩.

(٣) ص ٣٩٧ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١٣٣ ذ ح ٣٦٤١٩ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٢ ح ١٢٧ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٤٢٥ ح ٣٣١ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٢٦

قال عليّ عليه‌السلام : فقلت : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي ، فقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا!

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ ».

ونقل هذا الحديث الطبري في « تاريخه » (١) ، وابن الأثير في « الكامل » (٢).

وحكى في « كنز العمّال » (٣) ، عن ابن جرير حديثا آخر ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه مثل قوله الأوّل : « هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ».

وحكى ابن أبي الحديد في « شرح النهج » (٤) ، عن أبي جعفر الإسكافي ، أنّه قال : وروي في الخبر الصحيح أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّف عليّا عليه‌السلام في مبدأ الدعوة أن يصنع طعاما ويدعو له بني عبد المطّلب ، فصنع له طعاما ودعاهم له ..

ثمّ ضمن لمن يؤازره ، وينصره على قوله ، أن يجعله أخاه في الدين ، ووصيّه بعد موته ، وخليفته من بعده ؛ فأمسكوا كلّهم وأجابه هو وحده ، فقال لهم : هذا أخي ووصيّي ، وخليفتي من بعدي.

__________________

(١) ص ٢١٧ من الجزء الثاني [ ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ]. منه قدس‌سره.

(٢) ص ٢٨ من الجزء الثاني [ ١ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦ ]. منه قدس‌سره.

(٣) ص ٣٩٢ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١١٤ ح ٣٦٣٧١ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٢ ح ١٢٧.

(٤) ص ٢٦٣ من المجلّد الثالث [ ١٣ / ٢١٠ ـ ٢١١ ]. منه قدس‌سره.

٢٧

فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب : أطع ابنك! فقد أمّره عليك » ؛ انتهى ملخّصا.

وهذه الأخبار كلّها اشتملت على لفظ « الخليفة ».

ونقل في « الكنز » (١) ، عن ابن مردويه خبرا آخر ، اشتمل على لفظ « الولاية » ، قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدّ يده : « من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي؟ ».

فمددت يدي ، وقلت : أنا أبايعك! فبايعني على ذلك.

وأنت تعلم أنّ المراد بالولاية ـ هنا ـ هو المراد بالخلافة ، بقرينة ما سبق ، وقوله : « من بعدي » ، فإنّ النصرة والحبّ لا يختصّان بما بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما تختصّ به الخلافة.

وأعجب من الفضل ابن تيمية! حيث أنكر وجود أصل الحديث في الصحاح والمسانيد (٢) عند ذكر المصنّف رحمه‌الله له في « منهاج الكرامة » (٣) ، مع ما عرفت من رواية أحمد بن حنبل له في « المسند » وغير أحمد ممّن عرفت (٤).

نعم ، أقرّ بوجوده في تفسير ابن جرير والبغوي والثعلبي وابن أبي حاتم ، لكنّه ناقش في إسناد كلّ منهم (٥) بما مرّ جوابه إجمالا في

__________________

(١) ص ٤٠١ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١٤٩ ح ٣٦٤٦٥ ]. منه قدس‌سره.

(٢) منهاج السنّة ٧ / ٢٩٩.

(٣) منهاج الكرامة : ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٤) انظر الصفحة ٢٣ ه‍ ٣ و ٤ من هذا الجزء.

(٥) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٠ ـ ٣٠٣ ؛ وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٠ ح ٥ وص ٦٢ ح ١٢٧ ، تفسير الطبري ٩ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ح ٢٦٨٠٦ ، تفسير البغوي ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.

٢٨

مقدّمة الكتاب (١).

مع أنّه قد استفاضت الطرق وقوّى بعضها بعضا ، وحكموا بصحّة بعضها كما سمعت ، فلا محلّ للمناقشة.

على أنّ مناقشته في سند رواية الثعلبي إجماليّة مردودة عليه ، إلّا مع البيان.

ومناقشته في سند رواية ابن أبي حاتم (٢) ، إنّما هي باشتماله على عبد الله بن عبد القدّوس ، وهو قد ضعّفه الدارقطني (٣).

وقال النسائي : ليس بثقة (٤).

وقال ابن معين : ليس بشيء ، رافضي خبيث (٥).

وفيه :

إنّ تضعيف هؤلاء معارض بما في « تقريب » ابن حجر : إنّه صدوق (٦).

__________________

(١) راجع : ج ١ / ٢٧ من هذا الكتاب.

(٢) ناقض ابن تيميّة نفسه بمناقشته هذه ، فإنّه قد مدح ابن أبي حاتم وتفسيره ، مصرّحا بأنّ لابن أبي حاتم لسان صدق ، وأنّ تفسيره خال من الموضوعات ، ومتضمّن للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير ، وبأسانيد معروفة!

انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣ و ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٣) الضعفاء والمتروكين : ١١٤ رقم ٣٢٠.

(٤) الضعفاء والمتروكين ـ للنسائي ـ : ١٤٥ رقم ٣٣٧.

(٥) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٨٢ رقم ٣٥٣٦ ، وقال ابن معين في معرفة الرجال ١ / ٧٦ رقم ٢٠٧ : « قال : وسمعت يحيى وسئل عن عبد الله بن عبد القدّوس ، فقال : شيخ كان يقدم الريّ ، لا أعرفه.

(٦) تقريب التهذيب ١ / ٥١٠ رقم ٣٤٥٧.

٢٩

وقال في « تهذيب التهذيب » : قال محمّد بن عيسى : ثقة (١).

وذكره ابن حبّان في « الثقات » (٢).

وقال البخاري : وهو في الأصل صدوق ، إلّا أنّه يروي عن أقوام ضعاف (٣).

مع أنّه أيضا من رجال « سنن الترمذي » (٤).

ولا ريب أنّ مدح هؤلاء مقدّم على قدح أولئك ؛ لعدم العبرة بقدح أحد المتخالفين في الدين بالآخر من غير حجّة ، بخلاف مدحه له ؛ فإنّ الفضل ما شهدت به الأعداء.

وعبد الله هذا قد زعموه من الشيعة ، وإن كنّا لا نعرف الرجل في الشيعة! ولعلّه لمّا روى في فضل آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسبوه إلى الرفض والخبث!!

وغمزه ابن عديّ بقوله : عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت (٥).

وليت شعري ، أبهذا صار ضعيفا واستحقّ أن يوصف بالخبث؟!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٨٢ رقم ٣٥٣٦.

(٢) الثقات ٧ / ٤٨.

(٣) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٨٢ رقم ٣٥٣٦.

(٤) وضع له ابن حجر في « تهذيب التهذيب » رمز « خت. ت » ، والأوّل إشارة إلى رواية البخاري عنه في صحيحه في التعاليق ، والثاني إشارة إلى رواية الترمذي عنه ، ثمّ قال : « أخرج له أبو داود حديثا في كتاب الفتن ».

انظر : سنن الترمذي ٤ / ٤٢٩ ح ٢٢١٢ كتاب الفتن ـ باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٠ ح ٤٢٦٦ كتاب الفتن ـ باب كفّ اللسان.

(٥) الكامل في الضعفاء ٤ / ١٩٨ رقم ١٠٠٨ ، على أنّه نقل توثيق محمّد بن عيسى الترمذي له في الصفحة ١٩٧!!

٣٠

كما لا يعتبر ـ أيضا ـ طعنهم في أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم ، راوي حديث ابن جرير والبغوي ، على ما ذكره ابن تيميّة (١) ؛ لأنّه ـ كما في « ميزان الاعتدال » ـ من الشيعة ، ولا سيّما قد شهد بحقّه الذهبيّ أنّه كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال (٢).

وأمّا ما نسبه الفضل إلى ابن الجوزي ، فلا يبعد أنّه من كذباته ، وإلّا لنسبه إليه في « كنز العمّال » بالنسبة إلى بعض الأحاديث التي نقلناها عنه ، فإنّ عادته أن يروي عن كتاب « الموضوعات » (٣).

وأيضا لم يذكره السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » المأخوذة من كتاب « الموضوعات ».

ولو صحّت النسبة إلى ابن الجوزي ، فلا عبرة بكلامه ؛ لأنّه أيضا

__________________

(١) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٢.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ رقم ٥١٥٢.

نقول : إنّ أبا مريم عبد الغفّار بن القاسم ليس بمجمع على تركه ، بل هو مختلف فيه ، ونقلوا عن غير واحد مدحه وتوثيقه ..

قال الحافظ ابن حجر : « قال أبو حاتم : ليس بمتروك ، وكان من رؤساء الشيعة ، وكان شعبة حسن الرأي فيه.

وقال شعبة : لم أر أحفظ منه ».

انظر : تعجيل المنفعة : ٣٩٧ رقم ٦٦٥.

وقال ابن عديّ : « سمعت أحمد بن محمّد بن سعيد ـ يعني : ابن عقدة ـ يثني على أبي مريم ويطريه ، وتجاوز الحدّ في مدحه حتّى قال : لو انتشر علم أبي مريم وخرّج حديثه لم يحتج الناس إلى شعبة ... ولعبد الغفّار بن القاسم أحاديث صالحة ... ويكتب حديثه مع ضعفه ».

انظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ رقم ١٤٧٩.

وراجع : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

(٣) راجع الصفحة ٢٤ من هذا الجزء.

٣١

طرف النزاع.

وأمّا ثناؤه على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد تأبّط به شرّا ؛ لأنّ قصده به أن يروّج كذبه وإنكاره لما رواه المصنّف رحمه‌الله ، وترتفع عنه تهمة النصب ؛ وهيهات أن يخفى حاله وقد أنكر الواضحات!

أتراه يفعل ذلك لو كانت الرواية في ما يؤيّد طريقته؟!

ثمّ إنّ من جملة الحديث الذي ذكره المصنّف رحمه‌الله في « منهاج الكرامة » ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بني عبد المطّلب وهم أربعون رجلا (١) ، فجعل ابن تيمية ذلك طريقا للطعن في الحديث ، بدعوى عدم بلوغهم في ذلك الوقت إلى هذا القدر (٢).

وفيه : إنّه لو سلّم فلا يبعد أن المراد ببني عبد المطّلب : ما يشمل بني المطّلب ؛ لاختصاصهم بهم حتّى كأنّهم منهم ؛ ولذا كانوا معهم في حصار الشعب.

ويشهد له ما في « كامل » ابن الأثير ، حيث إنّه لمّا نقل الحديث قال : حضروا ومعهم نفر من بني المطّلب (٣).

ولو سلّم أنّ المراد خصوص بني عبد المطّلب ، فغاية ما يلزم منه خطأ الراوي أو مبالغته في عددهم ، وهو لا ينافي صحّة أصل الواقعة المرويّة بطرق مستفيضة ، ولا تكاد تسلم واقعة مروية بطرق عن الخطأ في الخصوصيات.

ومنه أيضا يعلم ما في طعن ابن تيميّة في الحديث ، من حيث

__________________

(١) منهاج الكرامة : ١٤٧.

(٢) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٤.

(٣) الكامل في التاريخ ١ / ٥٨٤.

٣٢

اشتماله على أنّ الرجل منهم كان يأكل الجذعة (١) ، ويشرب الفرق (٢) ، مدّعيا أنّهم لم يكونوا معروفين بمثل هذه الكثرة من الأكل والشرب (٣) ؛ وذلك لأنّ غاية ما يلزم منه مبالغة الراوي ، أو الخطأ في ذلك ، وهو غير ضارّ في صحّة أصل الواقعة (٤).

على أنّ عدم معروفيّتهم به لا تدلّ على العدم ، لا سيّما وقد كان الكثير من قريش كذلك ، كما تشهد به كتب التاريخ (٥).

وقد أورد ابن تيميّة على الحديث بأنّه كيف يقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للجماعة : من يؤازرني على أمري يكن وصيّي وخليفتي من بعدي؟ والحال أنّ مجرّد الإجابة إلى مثل ذلك لا يوجب الخلافة ؛ فإنّ جميع

__________________

(١) الجذعة ـ والجمع : جذعات ـ : الأنثى الصغيرة السنّ من الإبل والخيل والبقر والضأن والمعز ، ولا يقال لها جذعة في الإبل إلّا إذا أتمّت أربعة أعوام ودخلت في السنة الخامسة ، وفي الخيل إذا استتمّ الفرس سنتين ودخل في الثالثة ، وكذا في البقر ، وفي الضأن إذا أتمّت سنة وقيل : ثمانية أو تسعة أشهر ، وفي المعز إذا أتمّت سنة من عمرها.

انظر : لسان العرب ٢ / ٢١٩ ـ ٢٢٠ مادّة « جذع ».

(٢) الفرق ـ بالتحريك ـ : مكيال يسع ستّة عشر رطلا ، وهي اثنا عشر مدّا ، وثلاثة أصوع عند أهل الحجاز ؛ وقيل الفرق : خمسة أقساط ، والقسط : نصف صاع ؛ فأمّا الفرق ـ بالسكون ـ : فمئة وعشرون رطلا ، وفيه الحديث : « ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام ».

انظر : لسان العرب ١٠ / ٢٤٨ مادّة « فرق ».

(٣) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٦.

(٤) نقول : المراد هنا : بيان إعجاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ شبع هؤلاء القوم ورووا وعددهم أربعون رجلا ، وحالهم في الأكل والشرب ما تقدّم ذكره آنفا ، من ذاك الطعام القليل!!

(٥) انظر : العقد الفريد ٣ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، ربيع الأبرار ٢ / ٦٨٢ و ٧٣٧ ، المستطرف ١ / ١٨٠ ـ ١٨١.

٣٣

المسلمين وازروه ولم يكن منهم أحد خليفة ، ومن الجائز أيضا أن يجيبه جماعة منهم ، وحينئذ فمن الخليفة منهم؟! (١).

وفيه : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل إنّ هذا علّة تامّة للخلافة بعده ، حتّى تلزم خلافة كلّ من فعل ذلك وإن لم يكن من عشيرته ، بل أراد بأمر الله إنذار عشيرته وترغيبهم ؛ لأنّهم أولى به وبنصرته ، فلم يجعل هذه المنزلة إلّا لهم ..

وليعلم من أوّل الأمر أنّ هذه المنزلة لعليّ عليه‌السلام خاصّة ؛ فإنّ الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلمان أنّه لا يجيب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤازره تماما إلّا عليّ عليه‌السلام ، فكان ذلك من باب تثبيت إمامته ، وإلقاء الحجّة على قومه.

وحينئذ ، فلا يصحّ فرض تعدّد المجيبين للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ولو صحّ ووقع ، لعيّن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأولى والأحقّ.

هذا ، وقد صرّحت بالخلافة لعليّ عليه‌السلام أخبار أخر ..

منها : ما سبق في الآية السادسة والثلاثين في سبب نزول سورة النجم (٢).

ومنها : ما سيأتي في بعض أحاديث الثّقلين.

ومنها : ما في المواقف » ، في مبحث الإمامة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال لعليّ : « أنت أخي ووصيّي ، وخليفتي من بعدي ، وقاضي ديني » (٣) ، بكسر الدال (٤).

__________________

(١) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٢) انظر مبحث سورة النجم في ج ٥ / ١٧٠ ـ ١٧٦ من هذا الكتاب.

(٣) المواقف : ٤٠٦.

(٤) شرح المواقف ٨ / ٣٦٣.

٣٤

وأجاب عنه هو والشارح بأمرين :

الأوّل : إنّه معارض بالنصوص الدالّة على إمامة أبي بكر (١).

وفيه : إنّه لو سلّم وجودها ودلالتها فليست حجّة علينا ؛ لأنّها من أخبارهم الخاصّة بهم (٢) ، بل هي من الكذب المسلّم ؛ لإقرارهم بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخلّفه (٣).

الثاني : منع صحّة الحديث ؛ للدليل القاطع على عدم النصّ الجليّ ؛ لأنّه لو وجد لتواتر ، ولعارض عليّ أبا بكر في الإمامة ، ولصلابة الأصحاب في الدين ؛ فكيف لا يتّبعون النصّ المبين؟! (٤).

ويرد على الأوّل : إنّ حصول التواتر مشروط بعدم الشبهة ، وهي ثابتة لهم ، بل الثابت أعظم منها ، وهو التعصّب ، الذي هو قذى البصائر.

وهل تبقى شبهة مع نصّ الكتاب العزيز بانحصار الولاية بالله ورسوله وأمير المؤمنين ، ونصّ حديث الغدير والمنزلة والثقلين ، وغيرها ، فإنّها متواترة ، ونصّ في إمامته ـ ولو بمجموعها ـ لو أنصفوا؟!

__________________

(١) المواقف : ٤٠٦ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٣.

(٢) كان ابن حزم ممّن اعترف بهذا وقرّره ، فقد قال ما نصّه : « لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا ، فهم لا يصدّقونها ، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم ، فنحن لا نصدّقها ؛ وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّة به ، سواء صدّقه المحتجّ أو لم يصدّقه ؛ لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري ، فيصير حينئذ مكابرا منقطعا إن ثبت على ما كان عليه ».

انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ / ١٢.

(٣) ومن المقرّين بذلك القاضي الإيجي والشريف الجرجاني.

انظر : المواقف : ٤٠٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٤.

(٤) المواقف : ٤٠٤ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٩.

٣٥

ولو سلّم أنّها ليست نصّا جليّا ، ولا متواترة معنى بإمامته عليه‌السلام ، فالمطالبة بتواتر ما هو أجلى منها ليست في محلّها ؛ للصوارف عنه ، فإنّ عامّة قريش وكثيرا من الأنصار في الصدر الأوّل أعداء أمير المؤمنين ، فمنهم غاصب له ، ومنهم معين على غصبه ، ومنهم راض به ، والباقي رعاع وسوقة إلّا القليل ، والقليل لا يقدر على بيان النصّ الجليّ ، خوفا من الأمراء ، بل حتّى الكثير يخاف منهم!

ولذا خفي أمر الغدير ، فاحتاج أمير المؤمنين بعد زمن قريب إلى الاستشهاد بمن بقي من الصحابة ، مع أنّه لم يشهد له بعضهم ، عداوة له فأصابته دعوته ، كما سبق (١).

ولو فرض إمكان بيان النصّ الكامل في الصدر الأوّل ، فلا ريب بعدم إمكانه أيّام معاوية والشجرة الملعونة ؛ لأنّهم أوجبوا سبّ إمام المتّقين ، وتتبعوا بالقتل والحبس من روى له فضيلة ، أو رأى له فضلا (٢)!

__________________

(١) انظر : ج ٤ / ٣٢٨ ؛ وانظر حديث من أصابته الدعوة في : جمهرة النسب ٢ / ٣٩٥ ، المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ٣٢٠ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٨٦ ، تاريخ دمشق ٩ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٤ وج ١٩ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ، الصواعق المحرقة : ١٩٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ١ / ٦٦٣ ح ٩٠٠ ، حلية الأولياء ٥ / ٢٦ ـ ٢٧ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٧٤ ح ٣٣ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٧٨ ح ٣٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٦.

(٢) روى أبو الحسن المدائني في كتاب « الأحداث » ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة ، أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ؛ فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ؛ لكثرة من بها من شيعة عليّ عليه‌السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّ عليه‌السلام ، فقتلهم تحت كلّ

٣٦

فكيف يمكن حينئذ أن تتواتر رواية النصّ الجليّ ، وكذا في الأيّام المتأخّرة ، كأيّام كثير من بني العبّاس ، الّذين هم مثل بني أميّة في تتبّع الشيعة وجحد حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام؟!

ولا أعجب من طلب حصول التواتر بالنصّ الجليّ عند قوم يخالف مذهبهم ، مع اهتمام علمائهم لدنياهم في نقصه وإثبات مفضوليّته ، وأنّ تمام مناصب سلاطينهم وأمرائهم بإنكار النصّ عليه وعلى الأئمّة من ولده!

ويرد على دعوى معارضته لأبي بكر : إنّها ممنوعة وظاهرة المكابرة ؛ إذ أيّ معارضة تطلب في مقام الخوف على الإسلام أكبر من الامتناع عن بيعته وإظهار أنّه ظالم غاصب ، ولم يبايعه إلّا قهرا بعد ستّة أشهر أو أكثر (١).

__________________

حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ، ألّا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة ...

إلى أن قال : ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : أنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّا وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه ؛ وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به ، واهدموا داره ؛ فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ... إلى آخره.

انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١١ / ٤٤ ـ ٤٥.

وقال محمّد بن بحر الرّهني : لعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٢١٥ ( سجستان ).

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٢٨٨ ح ٢٥٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٩٤.

٣٧

.. إلى غير ذلك ممّا صدر من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما عرفت بعضه في المبحث الرابع من مباحث الإمامة (١).

ويرد على دعوى صلابة الأصحاب في الدين : إنّها محلّ تأمّل ، ولا سيّما بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولنسأل عنها قوله تعالى : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٢) ..

وسورة براءة ، المسمّاة بالفاضحة ؛ لأنّها فضحت أكثر الصحابة (٣) ..

وقوله تعالى : ( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها ... ) (٤) ،

حيث تركوا الواجب ولم يبالوا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانفضّوا للهو والتجارة ، ولم يبق معه إلّا النادر (٥) ..

.. إلى كثير من الآيات الكريمة (٦).

ولنسأل أحاديث الحوض ، التي حكم بعضها بارتداد جلّ الصحابة ،

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢٦١ وما بعدها وص ٢٨٠ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٣) انظر : تفسير الماوردي ٢ / ٣٣٦ ، تفسير البغوي ٢ / ٢٢٤ ، تفسير الكشّاف ٢ / ١٧١ ، زاد المسير ٣ / ٢٩٤ ، تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٢٢٣ ، تفسير القرطبي ٨ / ٤٠ ، تفسير البيضاوي ١ / ٣٩٤ ، تفسير النسفي ٢ / ١١٤ ، تفسير الخازن ٢ / ١٩٨ ، تفسير النيسابوري ٣ / ٤٢٧ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، فتح القدير ٢ / ٣٣١.

(٤) سورة الجمعة ٦٢ : ١١.

(٥) روي أنّه لم يبق في المسجد إلّا اثنا عشر رجلا ، وقيل أقلّ من ذلك ؛ انظر مثلا : الدرّ المنثور ٨ / ١٦٥ ـ ١٦٧.

(٦) كقوله تعالى : ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * ... وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلأَقَلِيلاً ) سورة الأحزاب ٣٣ : ١٠ ـ ٢٠.

٣٨

وأنّهم إلى النار ، ولم يسلم منهم إلّا مثل همل النّعم (١) ..

.. إلى غيرها من الأخبار التي لا تحصى ، وسيمرّ عليك بعضها إن شاء الله تعالى.

وقد أجاب القوشجي في « شرح التجريد » عن الخبر الذي حكيناه عن « المواقف » بعد ذكر نصير الدين رحمه‌الله له (٢) ، فقال :

« وأجيب بأنّه خبر واحد في مقابلة الإجماع ، ولو صحّ لما خفي على الصحابة والتابعين ، والمهرة المتقنين من المحدّثين ، سيّما عليّ وأولاده الطاهرين ؛ ولو سلّم ، فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين » (٣).

ويشكل بمنع الإجماع ، كما مرّ في المبحث الرابع ، وبيّنّا أنّه لم يخف على الصحابة (٤) ، ولكن أخفوه عن عمد ، كحديث الغدير (٥).

وكذا أخفاه من علم به من غير الصحابة ، عداوة لعليّ عليه‌السلام ، أو خوفا من معاوية وأشباهه (٦).

وأمّا دعوى خفائه على أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين ؛ فمخالفة لما تواتر عنهم من حصول النصّ عليه بالخلافة ، ولما ظهر من أحوالهم في تضليل الأوّلين ، فكم صرّحوا ولوّحوا بالنصّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما زاد مخالفيهم إلّا عداوة وإعراضا عن الحقّ!

__________________

(١) راجع : ج ٢ / ٢٧ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ وتخريج حديث الحوض فيهما ، من هذا الكتاب.

(٢) تجريد الاعتقاد : ٢٣١ ، وانظر : المواقف : ٤٠٦.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، وانظر الصفحة ٣٥ من هذا الجزء.

(٤) راجع : ج ٤ / ٢٤٩ و ٢٧٩ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٥) راجع : ج ١ / ١٩ ـ ٢١ من هذا الكتاب.

(٦) راجع : ج ٤ / ٢٨٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

٣٩

وأمّا إنكار دلالته على نفي خلافة الآخرين ؛ فمكابرة للضرورة ؛ إذ أيّ دليل أصرح في نفيها من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خليفتي من بعدي »؟!

ولو كان التقليد بقوله : « من بعدي » غير دالّ على ذلك ، لم تثبت خلافة أحد بلا فصل بالنصّ!

وليت شعري! ما بال وصيّة أبي بكر لعمر كانت نصّا في خلافته له بلا فصل دون وصيّة النبيّ لأمير المؤمنين ، وهي ليست بأصرح منها في الدلالة على عدم الفصل ، وكذا وصايا سائر السلاطين لولاة عهدهم ، كما سبق في الآية الثانية من الآيات التي ذكرها المصنّف رحمه‌الله (١)؟!

ومن جملة الأخبار المصرّحة بخلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ما في « ميزان الاعتدال » بترجمة عبد الله بن داهر ، حيث ذكر أنّه روى بسنده عن ابن عبّاس : « ستكون فتنة ، فمن أدركها فعليه بالقرآن وعليّ بن أبي طالب.

قال : فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ وهو آخذ بيد عليّ ] يقول : هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، ويعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو خليفتي من بعدي » (٢).

قال في « الميزان » : قال ابن عديّ : عامّة ما يرويه في فضائل عليّ ،

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٣٤٨ من هذا الكتاب.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ / ٩٣ رقم ٤٣٠٠ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٦ / ٢٦٩ ح ٦١٨٤ ، الاستيعاب ٤ / ١٧٤٤ رقم ٣١٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤١ ـ ٤٣ ، كفاية الطالب : ١٨٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٢ ح ٣٢٩٦٤ وص ٦١٦ ح ٣٢٩٩٠ ، أسد الغابة ٥ / ٢٧٠ رقم ٦٢٠٧.

٤٠