التي يصلب على جذعها ؛ ففعل به ذلك عبيد الله بن زياد عليهما اللعنة (١).
وبقطع يدي رشيد الهجري ورجليه ، وصلبه ؛ ففعل ذلك به (٢).
وقتل قنبر ؛ فقتله الحجّاج (٣).
وبأفعال الحجّاج التي صدرت عنه (٤).
وجاء رجل إليه فقال : إنّ خالد بن عرفطة (٥) قد مات.
__________________
(١) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٢٣ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.
وميثم هو : ميثم بن يحيى التمّار ، من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن شرطة الخميس ، قتله عبيد الله بن زياد بسبب ولائه لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام وحبّ أهل البيت عليهم السلام ، وذلك قبل قدوم الإمام الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيّام ، وقد صلبه على جذع نحلة بعد أن قطع يديه ورجليه ولسانه ، ثمّ ألجمه ، فكان أوّل من ألجم في الإسلام.
انظر : رجال البرقي : ٤ ، رجال الطوسي : ٥٨ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٢٣.
(٢) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٤.
ورشيد الهجري من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن شرطة الخميس ، قتله ابن زياد على حبّ عليّ عليه السلام.
انظر : رجال البرقي : ٤ ، رجال الطوسي : ٤١ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٢٥.
(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٥١ ، المناقب المرتضوية ـ للكشفي الترمذي ـ : ٢٥١.
وقنبر هو : أبو فاختة قنبر ، من مضر ، مولى أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن خاصّة أصحابه والمقرّبين منه ، قتله الحجّاج لحبّه وموالاته للإمام عليّ عليه السلام.
انظر : رجال البرقي : ٤ ، رجال الطوسي : ٥٥ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٢٨.
(٤) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٨٩ ، منتخب كنز العمّال ـ المطبوع بهامش « مسند أحمد » ـ ٥ / ٤٥٤.
(٥) تقدّمت ترجمته في ج ١ / ١١٢ رقم ٨٣ من هذا الكتاب ؛ فراجع!
فقال عليهالسلام : إنّه لم يمت ، ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن حماز (١).
فقام رجل من تحت المنبر فقال : يا أمير المؤمنين! إنّي لك شيعة ومحبّ.
فقال : من أنت؟
فقال : أنا حبيب بن حماز.
قال : إيّاك أن تحملها! ولتحملنّها وتدخل بها من هذا الباب ؛ وأومأ بيده إلى باب الفيل.
فلما كان زمان الحسين عليهالسلام ، جعل ابن زياد خالد بن عرفطة على مقدّمة عمر بن سعد ، وحبيب بن حماز صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل من باب الفيل (٢).
__________________
(١) هو : أبو كثير حبيب بن حماز الأسدي الكوفي ، روى عن الإمام عليّ عليهالسلام وأبي ذرّ ، وروى عنه سماك بن حرب وعبد الله بن الحارث.
انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٢٥١ رقم ٢٢٦١ ، التاريخ الكبير ٢ / ٣١٥ رقم ٢٥٩٨ ، الجرح والتعديل ٣ / ٩٨ رقم ٤٦١ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٤ / ١٣٩ ، المؤتلف والمختلف ـ للأزدي ـ : ٧٠ ، أسد الغابة ١ / ٤٤٢ رقم ١٠٤١ ، الإكمال : ٨١ رقم ١٣٥ ، تبصير المنتبه ١ / ٢٦٠ ، الإصابة ٢ / ١٧ رقم ١٥٧٧.
نقول : كان اسم أبيه في الأصل ـ هنا وفي المواضع التالية ـ : « حمار » بالراء المهملة ، ويبدو أنّه تصحيف ، فقد ورد الاسم في أغلب المصادر مصحّفا بصور عديدة مختلفة ، وما أثبتناه وفقا لما هو مشهور في كتب التراجم والرجال ؛ فلاحظ!
(٢) انظر : مقاتل الطالبيّين : ٧٨ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، الإصابة ٢ / ٢٤٥ رقم ٢١٨٤ ترجمة خالد بن عرفطة ، بصائر الدرجات : ٣١٨ ح ١١ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٢٩.
وقال للبراء بن عازب (١) : يقتل ابني الحسين وأنت حيّ لا تنصره ؛ فقتل الحسين وهو حيّ لم ينصره (٢).
ولمّا اجتاز بكربلاء في وقعة « صفّين » بكى وقال : هذا والله مناخ ركابهم ، وموضع قتلهم ؛ وأشار إلى ولده الحسين وأصحابه (٣).
وأخبر بعمارة بغداد (٤) ..
وملك بني العبّاس وأحوالهم (٥) ..
__________________
(١) هو : البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الخزرجي ـ وقيل : الأوسي ـ ، غزا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أربع عشرة غزوة ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد ردّه يوم بدر لصغره ، وهو من أصفياء الإمام أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، وأحد رواة حديث الغدير ، وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، وشهد مع أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام الجمل وصفّين والنهروان ، وكان الإمام عليّ عليهالسلام قد بعثه إلى أهل النهروان يدعوهم ثلاثة أيّام ، فلمّا أبوا سار إليهم ؛ ونزل الكوفة وابتنى بها دارا ، ومات أيّام مصعب ابن الزبير.
وروي أنه كان أحد الثلاثة ـ أو الأربعة ـ الّذين امتنعوا عن الشهادة بحديث الغدير حين ناشدهم أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ذلك في الرحبة ؛ وفي ذلك نظر!
وقد كفّ بصره في آخر عمره ، ولعلّ هذا هو سبب عدم توفيقه لنصرة الإمام أبي عبد الله الحسين عليهالسلام.
انظر : جمهرة النسب ٢ / ٣٩٥ ، المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ٣٢٤ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٨٦ ، تاريخ بغداد ١ / ١٧٧ رقم ١٦ ، الاستيعاب ١ / ١٥٥ رقم ١٧٣ ، أسد الغابة ١ / ٢٠٥ رقم ٣٨٩ ، الإصابة ١ / ٢٧٨ رقم ٦١٨ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣١٥ ، معجم رجال الحديث ٤ / ١٨٤ رقم ١٦٦١.
(٢) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٣٠ ، شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٥.
(٣) وقعة صفّين : ١٤١ ـ ١٤٢ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٥٨٢ ح ٥٣٠.
(٤) مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٩٨ و ٣٠٨.
(٥) الكامل في اللغة والأدب ١ / ٣٦٧ وفيه عن عليّ بن عبد الله بن العبّاس ، ولا بدّ أنّه أخذه عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، منتخب كنز العمّال ٥ / ٤٢٥.
وأخذ المغول الملك منهم (١).
وبواسطة هذا الخبر سلمت الحلّة والكوفة والمشهدان من القتل في وقعة هلاكو ؛ لأنّه لمّا ورد بغداد كاتبه والدي (٢) والسيّد ابن طاووس (٣) والفقيه ابن أبي المعزّ (٤) ، وسألوا الأمان قبل فتح بغداد ،
__________________
(١) نهج البلاغة : ١٨٦ الخطبة ١٢٨ ، شرح نهج البلاغة ٨ / ٢١٨ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٠٩.
(٢) هو : الشيخ سديد الدين أبو المظفّر يوسف بن عليّ بن محمّد بن المطهّر الحلّي ، المتوفّى نحو سنة ٦٦٥ ه ، والد العلّامة الحلّي ، عالم فاضل ، فقيه متبحّر ، نقل ولده العلّامة أقواله وفتاويه وأدرجها في مصنّفاته ، وذكر حفيده فخر المحقّقين مصنّفات جدّه في إحدى إجازاته.
انظر : الأنوار الساطعة في المئة السابعة ـ طبقات أعلام الشيعة ـ ٣ ق ١ / ٢٠٩ ، معجم رجال الحديث ٢١ / ١٨٤ رقم ١٣٨٢٨.
(٣) هو : السيّد رضيّ الدين أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسني العلوي الفاطمي ، ولد في مدينة الحلّة سنة ٥٨٩ ه ، وتوفّي سنة ٦٦٤ ه.
لقّب بذي الحسبين ؛ لأنّ نسبه ينتهي إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من طرف أبيه ، وإلى الإمام الحسين عليه السلام من طرف أمّه.
وهو من أعلام الطائفة وثقاتها ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، كثير الحفظ ، نقيّ الكلام ، وحاله في العلم والفضل والعبادة والزهد والورع أشهر من أن تذكر ، وكان كذلك شاعرا أديبا منشئا بليغا ، وصاحب كرامات ، وقد ولي نقابة الطالبيّين سنة ٦٦١ ه وبقي فيها إلى حين وفاته ، وله كتب كثيرة حسنة ، منها : سعد السعود ، فرج المهموم ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، إقبال الأعمال ، جمال الأسبوع ، الملهوف على قتلى الطفوف ، الدروع الواقية.
انظر : عمدة الطالب : ١٩٠ ، أمل الآمل ٢ / ٢٠٥ رقم ٦٢٢ ، لؤلؤة البحرين : ٢٣٥ رقم ٨٤ ، الأنوار الساطعة في المئة السابعة ـ طبقات أعلام الشيعة ـ ٣ ق ١ / ١٦٥ ، معجم رجال الحديث ١٣ / ٢٠٢ رقم ٨٥٤٦.
(٤) كذا في الأصل ، وجاء في بعض المصادر : « العزّ » ، وفي بعضها : « الغرّ ».
فطلبهم ، فخافوا ، فمضى والدي إليه خاصّة ، فقال : كيف أقدمت على المكاتبة قبل الظفر؟!
فقال له والدي : لأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام أخبر بك وقال : « إنّه يرد الترك على الأخير من بني العبّاس ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم ، جهوري الصوت ، لا يمرّ بمدينة إلّا فتحها ، ولا ترفع له راية إلّا نكسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتّى يظفر » (١).
والأخبار بذلك كثيرة (٢).
* * *
__________________
والظاهر أنّه : محمّد بن أبي العزّ الحلّي ، المعاصر للمحقّق الحلّي ـ المتوفّى سنة ٦٧٦ ه ـ ، وهو الذي وقّع على فتاوى المحقّق الحلّي وكتب عليها ـ في مسألة المقدار الواجب من المعرفة ـ : « هذا صحيح » ، وقد رأى المحقّق الكركي ـ المتوفّى سنة ٩٤١ ه ـ هذه الفتاوى وكتب هو أيضا فتاوى نفسه في هذه المسألة مع فتاوى علماء الحلّة.
وقد كتب الشيخ شرف الدين عليّ المازندراني هذه الفتاوى عن خطّ الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي ، الذي كتبها عن خطّ علماء الحلّة ، ومنها فتوى المحقّق مع توقيع صاحب الترجمة عليه.
انظر : الأنوار الساطعة في المئة السابعة ـ طبقات أعلام الشيعة ـ ٣ ق ١ / ١٦٥.
(١) انظر : كشف اليقين : ٨٠ ـ ٨٢.
(٢) انظر : مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٩١ ـ ٣١٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٩٥.
وقال الفضل (١) :
من ضروريات الدين أنّ علم الغيب مخصوص بالله ، والنصوص في ذلك كثيرة ..
( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلأَهُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ ... ) (٢)الآية ..
( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ... ) (٣) الآية ..
فلا يصحّ لغير الله أن يقال : إنّه يعلم الغيب.
ولهذا لمّا قيل عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الرجز :
وفينا نبيّ يعلم ما في الغد
أنكر على قائله وقال : دع هذا! وقل غير هذا! (٤)
وبالجملة ، لا يجوز أن يقال لأحد : فلان يعلم الغيب.
نعم ، الإخبار بالغيب بتعليم الله جائز ، وطريق هذا التعليم إمّا الوحي ، أو الإلهام عند من يجعله طريقا إلى علم الغيب.
فإن صحّ أنّ أمير المؤمنين أخبر بالمغيّبات ، فلا بدّ أن يقال :
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٢ الطبعة الحجرية.
(٢) سورة الأنعام ٦ : ٥٩.
(٣) سورة لقمان ٣١ : ٣٤.
(٤) انظر : صحيح البخاري ٧ / ٣٣ ح ٧٩ كتاب النكاح ، سنن أبي داود ٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ح ٤٩٢٢ ، سنن الترمذي ٣ / ٣٩٩ ح ١٠٩٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦١١ ح ١٨٩٧ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٣ / ٣٣٢ ح ٥٥٦٣ ، مسند أحمد ٦ / ٣٥٩ و ٣٦٠.
إنّه كان بتعليم الله ؛ إمّا بالإلهام كما يكون للأولياء ، أو بالسماع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وبعض الناس على أنّه كان يعلم بالعلم الموسوم بالجفر والجامعة (١) ، وهو ـ أيضا ـ من تعليم الله.
فكان ينبغي له أن يبيّن حقيقة هذا ، ولا يطلق القول بالإخبار بالغيب ، فإنّه يوهم أنّ البشر يمكن له الإخبار بالغيب.
وأمّا ما ذكر من الإخبار بوقائع خروج الترك وخراب بغداد ، فقد
__________________
(١) انظر : شرح المواقف ٦ / ٢٢ ، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ ـ : ٢٢٣ ، نور الأبصار : ١٦٠ ـ ١٦١ ، ينابيع المودّة ٣ / ٢٢٢.
والجفر : إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتّى أرش الخدش ، وسلاح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والكتب ، ومصحف فاطمة عليهاالسلام.
وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله :
لقد عجبوا لأهل
البيت لمّا |
|
أتاهم علمهم في
مسك جفر |
ومرآة المنجّم وهي
صغرى |
|
أرته كلّ عامرة
وقفر |
والجامعة : هي صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من فلق فيه وإملائه صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ الإمام عليّ عليه السلام بيمينه ، فيها كلّ حلال وحرام ، وكلّ شيء يحتاج الناس إليه ، حتّى أرش الخدش.
انظر مثلا : الكافي ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٧ ح ١ و ٣ و ٤ ـ ٦ ، بصائر الدرجات : ١٧٠ ـ ١٨١ ب ١٤ ح ١ ـ ٣٤ ، كتاب من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٠٠ ح ٩١٠ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ / ١٩٢ ب ١٩ ح ١ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ٢ / ١٨٦ ، الغيبة ـ للطوسي ـ : ١٦٨ ، مجمع البحرين ٣ / ٢٤٨ مادّة « جفر » وج ٤ / ٣١٤ مادّة « جمع ».
وانظر الشعر في : لزوم ما لا يلزم ١ / ٥٥٣ ، وفيات الأعيان ٣ / ٢٤٠ ، نسمة السحر ١ / ٢٦٨.
هذا ، وقد نسب علم الجفر ـ في بعض المصادر الجمهور ـ إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، ولا منافاة ـ في ذلك ـ مع نسبته إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام ؛ لأنّ علم الإمام الصادق عليه السلام من علم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
جاء في بعض الأحاديث الإخبار عنه (١) ، وهو بتعليم الله ، كما يقتضيه نصوص الكتاب وضرورة الدين.
* * *
__________________
(١) انظر : كنز العمّال ١٤ / ٥٧١ ح ٣٩٦٣٠.
وأقول :
من نظر إلى مفتتح كلامه تخيّل أنّ المصنّف رحمهالله جاء بذنب لا يغفر! وما برح بعد القعقعة (١) حتّى كانت نتيجة كلامة أنّه ينبغي للمصنّف رحمهالله أن يبيّن الحقيقة ، ولا يطلق القول بالإخبار بالغيب.
وليت شعري ، أيّ جواب في هذا عن كون أمير المؤمنين عليهالسلام ذا الفضيلة على غيره بالإخبار بالمغيّبات ، القاضي بامتيازه على غيره وبإمامته دون من سواه؟!
ثمّ أيّ ضرر في الإطلاق ، وهو ممّا لا إيهام فيه ؛ لمعلوميّة المراد منه عند الجاهل فضلا عن الفاضل؟!
على أنّ المصنّف رحمهالله ذكر من الأحاديث ما يدلّ على أنّ إخبار أمير المؤمنين عليهالسلام بالغيب كان من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيرتفع الإيهام لو وجد.
وقد نقل ابن أبي الحديد كثيرا ممّا ذكره المصنّف رحمهالله ، ومن غيره ، في عدّة صحائف (٢).
__________________
(١) القعقعة : هي حكاية أصوات السلاح والتّرسة والجلود اليابسة والحجارة والرعد والبكرة والحليّ ونحوها ؛ انظر مادّة « قعع » في : لسان العرب ١١ / ٢٤٦ ، القاموس المحيط ٣ / ٧٤ ، تاج العروس ١١ / ٣٩٠.
والمعنى هنا على المجاز أنّ ما اعترض به ابن روزبهان على العلّامة لا طائل وراءه ولا محصّل منه.
(٢) أوّلها ص ٢٠٨ من المجلّد الأوّل [ ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٩٥ ] ، وذكر غيرها في ص ١٧٥
ويشهد لعلمه بالغيب إيصاؤه بدفنه خفية (١) ، مع كون السلطان لهم بالفعل ، فإنّه لم يقع مثله عادة ، ولا يحسن أن يفعله بنوه لو لا علمه وعلمهم باستيلاء معاوية وبني أميّة على البلاد ، وهم غير مأمونين من إهانة قبره الشريف بنبش أو نحوه.
وكذا يعلم بكثرة الخوارج بعد ، وعداوتهم له ، فخاف منهم ما خافه من بني أميّة ، أو علمه منهم جميعا ، فأوصى سيّدي شباب أهل الجنّة ـ العالمين بما يعلم ـ أن يدفناه ليلا ولا يظهرا قبره ، فأخفياه حتّى قام الرشيد ببنائه وإظهاره ؛ لكرامة ذكرها المؤرّخون (٢).
* * *
__________________
من المجلّد الثاني وفي ما بعدها [ ٧ / ٤٧ ] ، وفي ص ٥٠٨ من هذا المجلّد [ ١٠ / ١٣ ـ ١٥ ]. منه قدسسره.
وانظر كذلك : شرح نهج البلاغة ٥ / ٣ وما بعدها.
(١) انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٦٥ ـ ٥٦٦ ، كفاية الطالب : ٤٧٠ ـ ٤٧١ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، حياة الحيوان ـ للدميري ـ ١ / ٤٧.
(٢) انظر مثلا : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٢٦ ـ ٢٨ ، كفاية الطالب : ٤٧١ ـ ٤٧٢.
شجاعته
قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه وأجره ـ (١) :
المطلب الرابع : في الشجاعة
وقد أجمع الناس كافّة على أنّ عليّا عليهالسلام كان أشجع الناس بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتعجّبت الملائكة من حملاته (٢) ، وفضّل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قتله لعمرو بن عبد ودّ على عبادة الثقلين (٣).
ونادى جبرئيل :
لا سيف إلّا ذو الفقا |
|
ر ، ولا فتى إلّا عليّ (٤) |
وروى الجمهور أنّ المشركين كانوا إذا أبصروا عليّا في الحرب ، عهد بعضهم إلى بعض (٥).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٤٤.
(٢) انظر : ربيع الأبرار ١ / ٨٣٣ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ٢٥١.
وراجع الصفحتين ١٣٣ ـ ١٣٤ من هذا الجزء.
(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٤ ح ٤٣٢٧ ، تاريخ بغداد ١٣ / ١٩ ذيل رقم ٦٩٧٨ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٣ ح ٣٣٠٣٥.
(٤) راجع الصفحة ٢٠١ ه ١ ، والصفحة ٢٠٢ ه ١ ، من هذا الجزء.
(٥) انظر : مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١١٠ ح ١٠٦ ، محاضرات الأدباء ٢ / ١٥١ ، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ١ / ٢٢١.
وقال الفضل (١) :
شجاعة أمير المؤمنين أمر لا ينكره إلّا من أنكر وجود الرمح السّماك (٢) في السماء ، أو حصول درع السمك في الماء ، مقدام إذ الأبطال تحجم ، لبّاث إذ الملاحم تهجم.
وهذا ممّا يسلّمه الجمهور ، وليس هذا محلّ نزاع حتّى يقام عليه الدليل.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٣ الطبعة الحجرية.
(٢) السّماك الرامح : هو أحد السّماكين ؛ والسّماكان : هما الأعزل والرامح : نجمان نيّران في السماء.
وسمّي الأعزل أعزلا لأنّه لا شيء بين يديه ، أي لا كوكب أمامه ، كالأعزل لا رمح معه ، ويقال : لأنّه إذا طلع لا يكون في أيّامه ريح ولا برد ، وهو إلى جهة الجنوب ، وهو من منازل القمر.
والسّماك الرامح : ليس من منازل القمر ، ولا نوء له ، إنّما النوء للأعزل ، وهو إلى جهة الشمال ، وهو نجم معروف قدّام الفكّة ، وليس من منازل القمر ، سمّي بذلك لأنّه يقدمه كوكب يقولون : هو رمحه ، وهو أشدّ حمرة من الأعزل ، ويقال له كذلك : السّماك المرزم.
انظر : تاج العروس ٤ / ٥٤ مادّة « رمح » وج ١٣ / ٥٨٥ مادّة « سمك ».
وأقول :
سبق أنّ الشجاعة شرط في الإمام ، فإذا ثبتت أشجعيّة أمير المؤمنين كان أولى بالإمامة.
وقول الفضل : « شجاعة أمير المؤمنين ... » إلى آخره ، دون أن يقول : أشجعيّته ؛ غفلة أو تغافل ، إلّا أن يرى أن لا شجاعة لغيره ـ ولو بالنسبة إليه ـ ، فيكون حسنا.
* * *
زهده
قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :
المطلب الخامس : في الزهد
لا خلاف في أنّه أزهد أهل زمانه ، طلّق الدنيا ثلاثا (٢).
قال قبيصة بن جابر : « ما رأيت في الدنيا أزهد من عليّ بن أبي طالب ، كان قوته الشعير غير المأدوم ، ولم يشبع من البرّ ثلاثة أيّام » (٣).
قال عمر بن عبد العزيز : « ما علمنا أنّ أحدا كان في هذه الأمّة بعد النبيّ أزهد من عليّ بن أبي طالب » (٤).
وروى أخطب خوارزم ، عن عمّار بن ياسر ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « يا عليّ! إنّ الله تعالى زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحبّ إليه منها ، زهّدك في الدنيا ، وبغضها إليك ، وحبّب إليك الفقراء ، فرضيت بهم أتباعا ، ورضوا بك إماما.
يا عليّ! طوبى لمن أحبّك وصدّق عليك (٥) ، والويل لمن
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٤٤.
(٢) انظر : نهج البلاغة : ٤٨٠ رقم ٧٧ ، الأمالي ـ لأبي علي القالي ـ ٢ / ١٤٧ ، حلية الأولياء ١ / ٨٤ ـ ٨٥ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٧ ـ ١١٠٨.
(٣) انظر : الزهد ـ لابن أبي الدنيا ـ : ١٦٦ ح ٤٠٣.
(٤) مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٠٨ نقلا عن اللؤلؤيات.
(٥) في المصدر : « بك ».
أبغضك وكذب عليك.
أمّا من أحبّك وصدق عليك فإخوانك في دينك ، وشركاؤك في جنّتك.
وأمّا من أبغضك وكذّب عليك ، فحقيق على الله أن يقيمه يوم القيامة مقام الكاذبين » (١).
* * *
__________________
(١) مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١١٦ ح ١٢٦ ؛ وانظر : أسد الغابة ٣ / ٥٩٨ رقم ٣٧٨٣.
وقال الفضل (١) :
أمّا زهد أمير المؤمنين فهو مسلّم عند الجمهور ، ولو أخذنا في الحكايات الدالّة على زهده ممّا رواه جمهور أصحابنا لطال الكتاب.
وهذا الرجل يزعم أنّ أهل السنّة والجماعة ينكرون فضائل أمير المؤمنين ـ حاشاهم عن ذلك ـ ، إنّما ينكر فضائل الشمس الخفافيش.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٣ الطبعة الحجرية.
وأقول :
ليس الغرض بيان زهد أمير المؤمنين عليهالسلام ، فإنّه أشهر وأظهر من أن يذكر ، وإنّما الغرض أزهديّته الكاشفة عن فضله الذاتي على من سواه ، وقربه الأقرب إلى الله تعالى ؛ فإن أقرّ القوم بذلك ، فنعم الوفاق ، وإلّا فليأتوا بسورة من مثله.
وتنزيه الفضل لأصحابه لا حقيقة له ؛ فإنّهم أنكروا أعظم فضائله وأجمعها للمزايا ، وهي خلافته بنصّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنكروا عصمته وفضله على من سواه ، الذي هو من أظهر الضروريّات.
والفضل بنفسه لم يستطع أن يقرّ لأمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، بالأفضلية في العلم ، والشجاعة ، والزهد ؛ بل أثبت له ـ كما رأيت ـ أصل هذه الأمور فقط.
فهل يرى أنّ إنكار فضائله إنّما هو بإنكار علمه ، وشجاعته ، وزهده؟! فهذا لا يقدر عليه حتّى الخوارج!!
ثمّ إنّ الحديث الذي حكاه المصنّف رحمهالله عن أخطب خوارزم قد حكاه في « كنز العمّال » (١) ، ونقله ابن أبي الحديد في « شرح النهج » (٢) ، كلاهما عن أبي نعيم في « الحلية » ، بسنده عن عمّار ، ولفظه هكذا :
« يا عليّ! إنّ الله قد زيّنك بزينة ، لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إليه
__________________
(١) ص ١٥٩ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٢٦ ح ٣٣٠٥٣ ]. منه قدسسره.
(٢) ص ٤٤٩ من المجلّد الثاني [ ٩ / ١٦٦ ]. منه قدسسره.
منها ، هي زينة الأبرار عند الله ، الزهد في الدنيا ، فجعلك لا ترزأ (١) من الدنيا شيئا ، ولا ترزأ الدنيا منك شيئا ، ووهب لك حبّ المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعا ، ويرضون بك إماما » (٢).
ثمّ قال ابن أبي الحديد : « وزاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في ( المسند ) : فطوبى لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذّب فيك » (٣).
وروى الحاكم هذه الزيادة فقط (٤) ، وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ».
ونقلها أيضا في « الكنز » ، عن الطبراني ، والخطيب ، مع الحاكم (٥).
* * *
__________________
(١) يقال : ما رزأ فلانا شيئا ، أي ما أصاب من ماله شيئا ولا نقص منه ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٠٠ مادّة « رزأ »
والمعنى هنا : أنّك لا تصيب ولا تأخذ من الدنيا شيئا ، ولا الدنيا تصيب منك أو تستحوذ عليك أو تأخذ منك مأخذها.
(٢) حلية الأولياء ١ / ٧١.
(٣) شرح نهج البلاغة ٩ / ١٦٧ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٤٦ ح ١١٦٢.
(٤) ص ١٣٥ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٤٥ ح ٤٦٥٧ ]. منه قدسسره.
وانظر : مسند أبي يعلى ٣ / ١٧٩ ح ١٦٠٢.
(٥) ص ١٥٨ من الجزء السابق [ ١١ / ٦٢٢ ـ ٦٢٣ ح ٣٣٠٣٠ ]. منه قدسسره.
وانظر : المعجم الأوسط ٢ / ٤٠٣ ح ٢١٧٨ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ رقم ٣٥٠ ، تاريخ بغداد ٩ / ٧٢ رقم ٤٦٥٦.
كرمه
قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ (١) :
المطلب السادس : في الكرم
لا خلاف في أنّه كان أسخى الناس ، جاد بنفسه فأنزل الله في حقّه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (٢) (٣).
وتصدّق بجميع ماله في عدّة مرار (٤).
وجاد بقوته ثلاثة أيّام (٥).
وكان يعمل بيده حديقة حديقة ويتصدّق بها (٦).
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٤٥.
(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧.
(٣) انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥ ح ٤٢٦٣ و ٤٢٦٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٦٧ ـ ٦٨ ، تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٢٢ ، تفسير القرطبي ٣ / ١٦.
وراجع : ج ٤ / ٣٩٣ ـ ٣٩٨ من هذا الكتاب.
(٤) انظر : أسد الغابة ٣ / ٥٩٨ رقم ٣٧٨٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٢ و ٢٦ وج ١٥ / ١٤٧ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٨٤ ـ ٩٤ و ١٠٨ ـ ١٢٠.
(٥) انظر : تفسير الفخر الرازي ٣٠ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، تفسير البغوي ٤ / ٣٩٧ ، الكشّاف ٤ / ١٩٧ ، فتح القدير ٥ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، الدرّ المنثور ٨ / ٣٧١ ، أسباب النزول : ٢٤٧.
وراجع مبحث سورة ( هَلْ أَتى ) في ج ٥ / ٥٠ من هذا الكتاب.
(٦) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٥ / ١٤٧ ، وفاء الوفا ٤ / ١١٥٠ و ١٢٧١.
وقال الفضل (١) :
جود أمير المؤمنين أشهر من سخاء البحر والسحاب ، وأظهر من موج القاموس العباب (٢) ، فهو أسخى من مدرار الهواطل إذا فاض على الرمال ، وأجود من سيل دمث (٣) يسيل بين الجبال.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٣ الطبعة الحجرية.
(٢) القاموس : وسط البحر ومعظمه ، وقيل : قعر البحر الأقصى ، وقيل : أبعد موضع غورا في البحر ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٣٠٢ مادّة « قمس ».
والعباب : كثرة الماء وارتفاع موجه ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٧ مادّة « عبب ».
(٣) الدّمث : السّهل اللّيّن ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٤٠٠ مادّة « دمث ».