دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: ٥٨١

لا تحصى (١).

هذا ، وأمّا ما حكاه المصنّف رحمه‌الله في صدر كلامه عن « مسند أحمد » فقد رواه في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام عن سعيد بن المسيّب ، قال : ما كان أحد من الناس يقول : « سلوني » غير عليّ بن أبي طالب (٢) (٣).

__________________

الرضا عليه‌السلام ٢ / ٧١ ـ ٧٢ ح ٢٩٨ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ٤٢٥ ح ٥٦٠ وص ٤٧٢ ح ٦٣٢ وص ٦١٩ ح ٨٤٣ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٤٣١ ح ٩٦٤ وص ٤٨٣ ح ١٠٥٥ وص ٥٧٧ ـ ٥٧٨ ح ١١٩٤ ، الإرشاد ١ / ٣٣.

(١) كقوله تعالى : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) سورة الرعد ١٣ : ٤٣ ، فإنّها نزلت في عليّ ٧ ؛ وقد روى الجمهور ذلك كما تقدّم في ج ٥ / ١١٧ وما بعدها من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لبضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ٣ : « أوما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أمّتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلماً » ؛ انظر : مسند أحمد ٥ / ٢٦ ..

وقول الإمام عليّ عليه‌السلام نفسه : « علّمني ألف باب ، يفتح كلّ باب ألف باب » ؛ انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٨٥ ، فرائد السمطين ١ / ١٠١ ح ٧٠ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٧.

وقول عائشة : « أما إنّه أعلم الناس بالسنّة » ؛ انظر : الاستيعاب ٣ / ١١٠٤.

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ١٧١ ، وانظر : الاستيعاب ٣ / ١١٠٣.

(٣) نقول : وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة حديث مدينة العلم دراسة مفصّلة ، سندا ودلالة ، طرقا ومتنا ، وتناول كلّ المباحث المتعلّقة بألفاظه وتصحيح أسانيده ، وتفنيد ما أثير حوله من إشكالات وشبهات ، وذلك في الأجزاء ١٠ ـ ١٢ من موسوعته « نفحات الأزهار » ؛ فراجع!

وانظر : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ٣ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ و ٣٣٨ ـ ٣٤٤.

كما إنّ الحافظ أحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري الحسني ، المتوفّى سنة ١٣٨٠ ه‍ ، قد صنّف كتابا بهذا الصدد أسماه : « فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي » ، جمع فيه طرقه ، وسلك فيه مسلكا مبتكرا أثبت فيه

١٨١

٢٠ ـ حديث : من آذى عليّا فقد آذاني

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

العشرون : في « مسند أحمد » من عدّة طرق ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من آذى عليّا فقد آذاني (٢) ..

أيّها الناس! من آذى عليّا بعث يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيّا » (٣).

* * *

__________________

صحّة الحديث بتسعة مسالك ، وأبطل جميع الأكاذيب والادّعاءات بعدم صحّة سند الحديث ؛ فراجع!

(١) نهج الحقّ : ٢٢٢.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٤٨٣ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٨٤ ـ ٧٨٥ ح ١٠٧٨ ، التاريخ الكبير ٦ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ رقم ٢٤٨٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٢ ح ٤٥ ، مسند البزّار ٣ / ٣٦٦ ح ١١٦٦ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٠٩ ح ٧٧٠ ، مسند الشاشي ١ / ١٣٤ ح ٧٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٣٩ ح ٦٨٨٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ح ٤٦١٩ ، معرفة الصحابة ٤ / ١٩٩٦ ح ٥٠١٣ ترجمة عمرو بن شأس الأسلمي / رقم ٢٠٤٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٥ / ٣٩٥ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠١ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٤ ، فوائد سمّويه : ٨٤ ح ٨٠ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٤٩ ح ١٧٦ وص ١٥٤ ح ١٨١ وص ٣٢٨ ح ٣٤٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٩.

(٣) مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٧ ح ٧٦.

١٨٢

وقال الفضل (١) :

لا شكّ أنّ عليّا سيّد الأولياء ، وقد جاء في الحديث : « من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب » (٢).

فإذا كان معاداة أحد من الأولياء وأذاه محاربة مع الله تعالى ، فكيف لا يكون إيذاء سيّد الأولياء موجبا لدخول النار؟! ولكن لا يدلّ هذا على النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٦١.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ١٨٩ ح ٨٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ٢١٩.

١٨٣

وأقول :

لم أجد فعلا في « مسند أحمد » تمام الحديث ، وإنّما وجدت فيه صدره (١) عن عمرو بن شاش (٢) ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من آذى عليّا فقد آذاني ».

ورواه الحاكم عنه أيضا في « المستدرك » وصحّحه (٣).

ورواه البخاريّ في « تاريخه » ، كما حكاه عنه في « كنز العمّال » (٤).

ورواه أيضا في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنين ، وزاد فيه : « ومن آذاني فقد آذى الله تعالى » (٥) ، وهو يقتضي وجوب طاعة عليّ عليه‌السلام ؛ لأنّ عصيانه يؤذيه بالضرورة ، ووجوب طاعته على الإطلاق يقتضي عصمته وإمامته.

وإذا ضممت إلى الحديث قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (٦) علمت حال الناكثين والقاسطين.

__________________

(١) ص ٤٨٣ ج ٣. منه قدس‌سره.

(٢) كذا في الأصل وكنز العمّال ، وفي مسند أحمد والمستدرك على الصّحيحين والتاريخ الكبير والإكمال ـ للحسيني ـ : ٣١٦ رقم ٦٥٣ : « شاس » ؛ فلاحظ!

(٣) ص ١٢٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٣٢ ح ٤٦١٩ ]. منه قدس‌سره.

(٤) كنز العمّال ١١ / ٦٠١ ح ٣٢٩٠١ ، وانظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٦ / ٣٠٧ رقم ٢٤٨٢.

(٥) الاستيعاب ٣ / ١١٠١.

(٦) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

١٨٤

أمّا بقيّة الحديث ، وهي : « من آذى عليّا بعث يهوديا أو نصرانيا » ، فيشهد لصحّتها ما حكاه المصنّف رحمه‌الله في « منهاج الكرامة » ، عن أخطب خوارزم ، بسنده عن معاوية بن حيدة القشيري ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ عليه‌السلام : « من مات وهو يبغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا » (١).

وما حكاه السيوطي في « اللآلئ » ، عن العقيلي ، بسنده عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه ، مرفوعا : « من مات وفي قلبه بغض لعليّ فليمت يهوديّا أو نصرانيّا » (٢).

وزعم ابن الجوزي أنّه موضوع ؛ لأنّ في سنده الجارود بن يزيد وعليّ بن قرين (٣) ..

ولكنّ السيوطي تعقّبه بذكر رواية للديلمي أخرجها عن بهز بسندين خليّين ، عن الجارود وابن قرين ، قال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ! ما كنت أبالي من مات من أمّتي وهو يبغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا » (٤).

فهذه الأخبار متّفقة في المعنى مع ذيل الرواية التي حكاها المصنّف رحمه‌الله عن « مسند أحمد » ؛ لأنّ بغض عليّ إيذاء له.

ولا ريب بصحّة هذه الروايات ؛ لما تقدّم من أنّ بغض عليّ عليه‌السلام

__________________

(١) منهاج الكرامة : ١٥٧ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٦ ح ٧٤ ، ولم نجده في مصنّفات أخطب خوارزم المطبوعة.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٣٥ ، وانظر : الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ ٣ / ٢٥٠ رقم ١٢٤٨ ، فردوس الأخبار ٢ / ٢٧٦ رقم ٥٩٨٩.

(٣) الموضوعات ١ / ٣٨٥.

(٤) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٣٥ ، وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ٤٨٢ ح ٨٣١٢.

١٨٥

علامة النفاق (١) ، ومن الواضح أنّ المنافق بمنزلة اليهود والنصارى (٢).

ومن الغريب مسارعة ابن الجوزي للحكم بوضع الأخبار ، بمجرّد اشتمال سندها على ضعيف أو متّهم عنده ؛ فإنّه على هذا ينبغي أن يحكم بوضع رواياتهم جميعا ، حتّى أخبار الصحاح الستّة ؛ إذ لا يخلو خبر عندهم ـ إلّا النادر ـ من اشتمال سنده على ضعيف ، كما أشرنا إليه في المقدّمة (٣) ، وهذا ممّا لا يرتضيه أصحابه.

ولعلّه إنّما يفعل ذلك في خصوص أخبار فضائل إمام الهدى انحرافا عنه ، وهو غير بعيد!

وأمّا الحديث الذي ذكره الفضل ، وهو : « من آذى لي وليّا فقد آذنته بحرب » ، فليس بمنزلة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من آذى عليّا فقد آذاني ... » إلى آخره ؛ لأنّ معنى الحديث الذي ذكره : من آذى لي وليّا فليستعدّ للعقوبة ، وهذا ليس بمنزلة إيذاء عليّ عليه‌السلام ، الذي هو إيذاء لله ورسوله ، وموجب للعنة الله في الدنيا والآخرة والعذاب المهين ، والبعث على اليهوديّة أو النصرانيّة ؛ فإنّ هذا لا يكون إلّا في إيذاء من هو بمنزلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمام الوقت.

* * *

__________________

(١) راجع مبحث الحديث ١٦ : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » في الصفحات ١٤٧ ـ ١٥١ من هذا الجزء.

(٢) روى الطبراني في المعجم الأوسط ٤ / ٣٨٩ ح ٤٠٠٢ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته وهو يقول : « يا أيّها الناس! من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديّا »! فقلت : يا رسول الله! وإن صام وصلّى؟! قال : « وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم ».

(٣) راجع مبحث « مناقشة الصحاح الستّة » في ج ١ / ٤١ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٨٦

٢١ ـ حديث تزويج عليّ من فاطمة

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الحادي والعشرون : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام ، فقال : « إنّها صغيرة » ، فخطبها عليّ فزوّجها منه (٢).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٢.

(٢) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٦١ ـ ٧٦٢ ح ١٠٥١ ، وانظر : سنن النسائي ٦ / ٦٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٣ / ٢٦٥ ح ٥٣٢٩ وج ٥ / ١٤٣ ح ٨٥٠٨ ، المعجم الكبير ٤ / ٣٤ ح ٣٥٧١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٥١ ح ٦٩٠٩ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٦ رقم ٤٠٩٧ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٨١ ح ٢٧٠٥ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٦٠ ح ٦١٠٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ٢٠٤ ، موارد الظمآن : ٥٤٩ ح ٢٢٢٤.

١٨٧

وقال الفضل (١) :

صحّ في الأخبار أنّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي أنتظر أمر الله فيها » (٢)

، ولم يقل : « إنّها صغيرة » (٣).

وهذا افتراء على أحمد بن حنبل ، وكلّ من قال هذا فهو مفتر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وناسبا (٤) للكذب إليه ، فإنّ فاطمة كانت وقت الخطبة كبيرة ؛ لأنّها ولدت عام عمارة الكعبة.

والعجب من هذا الرجل أنّه يبالغ في احتراز الأنبياء عن الكذب وينسب الكذب الصراح إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!

نعوذ بالله من هذا ، وإنّه خبّاط خبط عشواء (٥).

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٦٣.

(٢) انظر : موارد الظمآن : ٥٤٩ ـ ٥٥٠ ح ٢٢٢٥ ، وفيه أنّ عمر قال لأبي بكر حكاية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّه ينتظر أمر الله فيها ».

(٣) انظر : موارد الظمآن : ٥٤٩ ح ٢٢٢٤ ، وفيه : أنّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمة عليها‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّها صغيرة » ؛ فخطبها عليّ فزوّجها منه.

(٤) كذا في الأصل.

(٥) العشواء : الناقة التي لا تبصر بالليل ؛ وهذا من الأمثال السائرة ، يضرب مثلا للمتهافت في الشيء ، وللسادر الذي يركب رأسه ولا يهتمّ لعاقبته ، كالناقة العشواء التي لا تبصر ، فهي تخبط بيديها كلّ ما مرّت به.

انظر : جمهرة الأمثال ١ / ٤٤١ رقم ٧٧٢ ، مجمع الأمثال ١ / ٤٥٩ رقم ١٣٧٧ وج ٣ / ٥٢٠ رقم ٤٦٦٠ ، لسان العرب ٩ / ٢٢٦ مادّة « عشا ».

١٨٨

وأقول :

ما نقله المصنّف رحمه‌الله عن « المسند » قد رواه بعينه النسائيّ في أوائل « كتاب النكاح » من سننه ، في باب « تزوّج المرأة مثلها في السنّ » (١).

ورواه الحاكم في « المستدرك » في كتاب النكاح (٢) ، وصحّحه على شرط الشيخين ، ولم يتعقّبه الذهبي (٣).

والحقّ أنّها تزوّجت وهي صغيرة ؛ لأنّها ولدت بعد البعثة بإجماعنا (٤).

واختاره الحاكم في « المستدرك » ، فإنّه عنون (٥) بقوله : « ذكر ما ثبت عندنا من أعقاب فاطمة وولادتها » ، ثمّ روى أنّها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يتعقّبه الذهبي.

وروى أيضا (٦) أنّها ماتت وهي ابنة إحدى وعشرين سنة ، وولدت على رأس إحدى وأربعين من مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وروى في « الاستيعاب » ـ بترجمة فاطمة عليها‌السلام ـ أنّها ولدت سنة

__________________

(١) سنن النسائي ٦ / ٦٢.

(٢) ص ١٦٧ من الجزء الثاني [ ٢ / ١٨١ ح ٢٧٠٥ ]. منه قدس‌سره.

(٣) نقول : لقد غفل ابن روزبهان أو تغافل ـ كعادته ـ عن ورود قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّها صغيرة » في جملة كبيرة من مصادر الجمهور ؛ فراجع ذلك في ما مرّ آنفا في الهامش رقم ٢ من الصفحة ١٨٧.

(٤) انظر مثلا : تاريخ أهل البيت : ٧١ ، الكافي ١ / ٥٢٠ ، إعلام الورى ١ / ٢٩٠ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٠٥.

(٥) ص ١٦١ ج ٣ [ ٣ / ١٧٦ ح ٤٧٦٠ ]. منه قدس‌سره.

(٦) ص ١٦٣ من الجزء المذكور [ ٣ / ١٧٨ ح ٤٧٦٥ ]. منه قدس‌سره.

١٨٩

إحدى وأربعين من مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنكح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليّا بعد وقعة أحد (١).

فعلى هذا كلّه تكون حين تزويجها صغيرة ابنة اثنتي عشرة سنة تقريبا.

ويروى عندنا أنّها تزوّجت وهي ابنة تسع (٢) ، وقد يوافقه ما في « الاستيعاب » بترجمة خديجة عليها‌السلام ، قال : « قال الزبير : ولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القاسم ، وهو أكبر ولده ، ثمّ زينب ، ثم عبد الله ، وكان يقال له : الطيّب ، ويقال له : الطاهر ، ولد بعد النبوّة ، ثمّ أمّ كلثوم ، ثمّ فاطمة » (٣).

فإنّ فاطمة عليها‌السلام إذا ولدت بعد الطاهر وأمّ كلثوم ، وكلاهما بعد النبوّة ، لم يبعد أن يكون تزويجها وهي ابنة تسع.

وزعم بعضهم أنّ سنّها يوم تزوّجت خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ، كما ذكره في « الاستيعاب » بترجمتها (٤).

واختاره ابن حجر في « الصواعق » ، قال في أوّل الباب الحادي عشر : « تزويج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة من عليّ أواخر السنة الثانية من الهجرة على الأصحّ ، وكان سنّها خمس عشرة سنة ونحو نصف سنة » (٥).

وكيف كان ، فهي صغيرة ، إمّا حقيقة ، أو بالإضافة إلى الشيخين ،

__________________

(١) الاستيعاب ٤ / ١٨٩٣ رقم ٤٠٥٧.

(٢) تاج المواليد : ٩٧ ـ ٩٨ ، وانظر : تاريخ الأئمّة : ٦ ، مسارّ الشيعة : ٣٦ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٠٥.

(٣) الاستيعاب ٤ / ١٨١٨ رقم ٣٣١١.

(٤) الاستيعاب ٤ / ١٨٩٣ رقم ٤٠٥٧.

(٥) الصواعق المحرقة : ٢١٨ ب‍ ١١ في فضائل أهل البيت النبوي.

١٩٠

فلا يكذّب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّها صغيرة ».

نعم ، هو عذر إقناعي ، والعذر الحقيقي أنّهما ليسا أهلا لها ، ولذا زوّجها من عليّ عليه‌السلام بأثر هذا العذر.

ويشهد له ( ما في ) « الصواعق » ، في الفصل الأوّل من الباب المذكور ، في أثناء الكلام على الآية الحادية عشرة (١) ، عن أبي داود السجستاني ، قال : « إنّ أبا بكر خطبها فأعرض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه ، ثمّ عمر فأعرض عنه ، فأتيا عليّا فنبّهاه إلى خطبتها ، فجاء فخطبها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما معك؟ ... » الحديث ، ثمّ قال : « وأخرج أحمد وأبو حاتم نحوه » (٢).

وحكى في « كنز العمّال » (٣) ، عن ابن جرير ، عن أنس ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرض عن أبي بكر ، فرجع إلى عمر وقال : هلكت ؛ وأعرض عن عمر ، فرجع إلى أبي بكر وقال : إنّه ينتظر أمر الله فيها.

فإنّ إعراض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهما دليل على عدم أهليّتهما لها ، وإنّه من سخط عليهما ، لطلبهما ما لا يليق بهما ، ولذا قال أبو بكر : « هلكت ».

وفي « الكنز » أيضا (٤) ، عن ابن جرير ، قال : « وصحّحه » ، والدولابي في « الذرّيّة الطاهرة » ، عن عليّ عليه‌السلام ، قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأبى عليهما ، فقال عمر : أنت لها ... » الحديث.

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعلّه تصحيف ، والصحيح : الثانية عشرة.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٤٩ الآية ١٢ ، جواهر العقدين : ٣٠١ و ٣٠٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٤٢ ـ ١٤٣ ، ذخائر العقبى : ٦٧ ـ ٦٨ ، وانظر : المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٨ ـ ٤١٠ ح ١٠٢١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٩ ح ٦٠٩٥.

(٣) ص ١١٣ ج ٧ [ ١٣ / ٦٨٤ ح ٣٧٧٥٥ ]. منه قدس‌سره.

(٤) ص ٣٩٢ من الجزء السادس [ ١٣ / ١١٤ ح ٣٦٣٧٠ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : الذرّيّة الطاهرة : ٩٣ ح ٨٣.

١٩١

وفي « الصواعق » ، في أوّل الباب المذكور ، عن أحمد وابن أبي حاتم ، عن أنس ، قال : « جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسكت ولم يرجع إليهما شيئا ، فانطلقا إلى عليّ يأمرانه بطلب ذلك ... » الحديث (١).

ثمّ قال : « وفي رواية أخرى عن أنس أيضا ، عند أبي الخير القزويني الحاكمي : خطبها بعد أن خطبها أبو بكر ثمّ عمر ، فقال : قد أمرني ربّي بذلك ... » الحديث (٢).

وفي هذا دلالة أخرى على عدم أهليّتهما للتزويج بسيّدة النساء ؛ فإنّ منعهما ـ دون عليّ عليه‌السلام بأمر الله ـ كاشف عن أنّ النظر في أمرها راجع إلى الله سبحانه مع وجود أبيها سيّد النبيّين ، الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

كما عرفه عمر حيث قال في رواية ابن جرير المذكورة : « إنّه ينتظر أمر الله فيها » ، وليس ذلك إلّا لعظم شأنها عند الله تعالى وكرامتها عليه ، فلا يزوّجها إلّا بمن هو أهل لها ويليق بقدرها الرفيع ، فزوّجها في السماء بسيّد أوليائه ؛ وهو أدلّ دليل على فضله على الشيخين عند الله عزّ وجلّ وعند رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ والأفضل أحقّ بالإمامة.

ويا هل ترى أنّ الله تعالى يصون عنهما تزويج فاطمة ، ولا يعقبه ضرر ظاهرا ، وهو يرضى أن تزف إليهما إمامة الأمّة والحكم في الدين والدنيا ، والنفس والنفيس؟!

وأعظم من هذه الأحاديث في الدلالة على عدم أهليّتهما للزهراء

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢١٨.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢١٨ و ٢١٩.

١٩٢

وللإمامة ، ما في « اللآلئ المصنوعة » ، عن العقيلي والطبراني معا ، عن عليّ ابن عبد العزيز ، عن أبي نعيم ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن حجر ابن عنبس ، قال : « خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك يا عليّ ، لست بدجّال » (١)

فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لست بدجّال » تعريض بالشيخين بأنّهما دجّالان لا يصلحان لتزويج فاطمة ، ولا للإمامة بالضرورة ؛ ولذا هاجت حميّة ابن الجوزي فقال : « موضوع ، موسى من الغلاة في الرفض » (٢).

وتعقّبه السيوطي بقوله : « روى له أبو داود ، ووثّقه ابن معين ، وقال أبو حاتم : لا بأس به ».

ثمّ قال السيوطي : « والحديث أخرجه البزّار » ، وذكر أيضا في سنده موسى بن قيس ، ثمّ حكى عن الهيثمي في « زوائده » أنّه قال : « رجاله ثقات ، إلّا أنّ حجرا لم يسمع من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

وفيه : إنّه لو سلّم أنّ حجر بن عنبس لم يسمع من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ممّن أسلم في أيامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيكون راويا عن الصحابة ، ولا يضرّ إرساله (٤).

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٣٤ ، وانظر : الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ ٤ / ١٦٥ رقم ١٧٣٦ ، المعجم الكبير ٤ / ٣٤ ح ٣٥٧١ وليس فيه : « لست بدجّال ».

(٢) الموضوعات ١ / ٣٨٢.

(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٣٤ ، وانظر روايته في : سنن أبي داود ١ / ٢٦٠ ح ٩٩٧ وج ٤ / ٣١٠ ح ٥٠٣٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ٢٠٤.

وانظر : الثقات ـ لابن حبّان ـ ٧ / ٤٥٥ ، تاريخ أسماء الثقات ـ لابن شاهين ـ : ٣٠٥ رقم ١٢٩١ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤٢١ رقم ٧٢٨٥.

(٤) راجع ترجمته في : معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٨٩٤ رقم ٧٧١ ، الاستيعاب ١ / ٣٣٢ رقم ٤٨٨ ، أسد الغابة ١ / ٤٦٢ رقم ١٠٩٤.

١٩٣

٢٢ ـ حديث : إجلس يا أبا تراب

قال المصنّف ـ أعلى الله منزلته ـ (١) :

الثاني والعشرون : في « الجمع بين الصحيحين » ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على ابنته فاطمة فقبّل رأسها ونحرها ، وقال : أين ابن عمّك؟

قالت : في المسجد.

فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح عن ظهره التراب ويقول : « إجلس يا أبا تراب » مرّتين (٢).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٢.

(٢) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ١ / ٥٥٤ ح ٩١٦ ، وانظر : صحيح البخاري ٥ / ٨٨ ـ ٨٩ ح ١٩٩ وج ٨ / ١١٣ ح ٥٣ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٤ ، مسند أحمد ٤ / ٢٦٣ ، مسند الروياني ٢ / ١٢١ ح ١٠١٥ وص ١٢٣ ح ١٠٢١ ، المعجم الكبير ٦ / ١٤٩ ح ٥٨٠٨ وص ١٦٥ ح ٥٨٧٠ ، الكنى والأسماء ـ للدولابي ـ ١ / ٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٤ ـ ١٥ ، مقاتل الطالبيّين : ٤٠ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن أخي تبوك ، المطبوع مع « مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام » لابن المغازلي ـ : ٣٤٠ ح ١٤ ، معرفة علوم الحديث : ٢١١ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ١ / ٧٧ ح ٢٩٢ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٤٤٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٦٠ ـ ٦١ ح ٦ و ٧.

١٩٤

وقال الفضل (١) :

هذا حديث صحيح ، وهو من تلطّفات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام وإظهار المحبّة له ، ولا يثبت به النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٦٥.

١٩٥

وأقول :

نعم ، هو من تلطّفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّه لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولكن تلطّفه به حال نومه في المسجد من دون إشعار بالكراهة ، دليل على عدم كراهة النوم له فيه ، وعلى مساواته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحكم والطهارة ، كما يفيده حديث سدّ الأبواب إلّا بابه (١) ، وقد سبق وجه دلالته على إمامته عليه‌السلام (٢).

مضافا إلى دلالة هذا الحديث على شدّة زهده البالغ أقصى الغايات ، الذي يمتاز به على سائر أهل الدرجات ؛ لأنّه من بيت النعمة والشرف ، وابن شيخ البطحاء (٣) ،

__________________

(١) راجع الصفحة ١٠٥ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحة ١١٧ وما سبقها من هذا الجزء.

(٣) شيخ البطحاء : لقب أبي طالب عليه‌السلام ، حامي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكافله ، وناصره ، الذي رمي ظلما بالشرك ، وما ذاك إلّا بغضا لابنه عليّ عليه‌السلام ؛ وكيف يكون مشركا وأحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثابتة تشهد بإيمانه ، ولطالما أثنى عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما سأله عمّه العبّاس : ما ترجو لأبي طالب؟ قال : كلّ الخير أرجو من ربّي.

مضافا إلى ذلك الأدلّة الأخرى ، النقلية والعقلية ، التي أثبتها الإمامية وغيرهم في عشرات الكتب والرسائل التي ألّفوها لإثبات إيمانه ، ومن هذه الأدلّة :

١ ـ إنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفرّق بين أبي طالب وبين زوجه فاطمة بنت أسد وهي عاشر من أسلم ، فلم تزل معه حتّى توفّي ؛ إذ لو كان مشركا لفرّق بينهما كما فعل مع غيره ، وقد قال تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) .. ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) سورة البقرة ٢ : ٢٢١ ، وقال سبحانه : ( فَإِنْ

١٩٦

__________________

عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ ) سورة الممتحنة ٦٠ : ١٠.

٢ ـ إنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزن لوفاته ، حتّى إنّه سمّى عام وفاته ووفاة زوجه السيّدة خديجة الكبرى ب‍ « عام الحزن » ؛ ومحال أن يحزن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مشرك أو كافر وهو المعصوم بنصّ القرآن الكريم ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلأَوَحْيٌ يُوحى ) ، ومعلوم أنّ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعله وتقريره حجّة وسنّة يجب التسليم لها والعمل بها والاهتداء بهديها.

٣ ـ إنّ أبا طالب كان يأمر ابنه جعفرا أن يصلّي مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابنه عليّ عليه‌السلام ، ولا يعقل أن يكون هذا الأمر من مشرك لمسلم.

٤ ـ وقد ورد أنّ أبا بكر جاء بأبيه أبي قحافة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح يقوده ، وهو شيخ كبير أعمى ، فقال رسول الله : ألا تركت الشيخ حتّى نأتيه؟! فقال : أردت يا رسول الله أن يأجره الله! أما والذي بعثك بالحقّ لأنا كنت أشدّ فرحا بإسلام عمّك أبي طالب منّي بإسلام أبي ، ألتمس بذلك قرّة عينك ؛ فقال : صدقت.

٥ ـ ويوم الدار ، لمّا جمع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وجوه قريش وبلّغهم بآية ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ضحك القوم وقالوا لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!

ولا يمكن توجيه قولهم هذا إليه لو لم يكن مسلما.

٦ ـ إجماع أهل البيت عليهم‌السلام على إيمانه ، وإجماعهم حجّة ؛ لحديث الثّقلين وغيره من الأخبار المتواترة عند الفريقين.

هذا فضلا عمّا ورد في أشعاره من التصريح بالإيمان ، فقد قال :

فخير بني هاشم أحمد

رسول الإله على فترة

وقال :

وعرضت دينا قد علمت بأنّه

من خير أديان البرية دينا

وقال :

مليك الناس ليس له شريك

هو الوهّاب والمبدي والمعيد

ومن فوق السماء له لحقّ

ومن تحت السماء له عبيد

وأمّا الروايات الواردة في تعذيب أبي طالب ، فهي روايات مكذوبة موضوعة ،

١٩٧

وبيضة البلد (١) ، مع ما هو عليه من علوّ النفس وعزّتها ، وما هو فيه من الشجاعة وريعان الشباب.

فيكون ذلك الزهد منه دليلا على فضل إيمانه ومعرفته ، وزيادة تقواه ويقينه.

__________________

وأسانيدها معلولة بجرح أحد رواتها أو أكثر ، أو بعلّة أخرى كالإرسال والانقطاع وغيرهما.

انظر في ما يخصّ تفريق الزوجين إذا أسلم أحدهما : صحيح البخاري ٧ / ٨٦ ـ ٨٧ ح ٣٢ وباب « إذا أسلمت المشركة أو النصرانية ... » ، سنن أبي داود ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ح ٢٢٣٨ ـ ٢٢٤٠ ، سنن الترمذي ٣ / ٤٤٧ ـ ٤٤٩ ح ١١٤٢ ـ ١١٤٤ ، سنن النسائي ٦ / ١٨٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٦ / ١٨٢ ح ٤١٤٧ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ٢٥ رقم ٤٠٩٨ ، الاستيعاب ٤ / ١٧٠١ رقم ٣٠٦١ ، أسد الغابة ٥ / ١٨٥ رقم ٦٠٣٥ ، المدوّنة الكبرى ٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣ ، كتاب الأمّ ٥ / ٩ تحريم المسلمات على المشركين ، المغني ـ لابن قدامة ـ ٧ / ٣٦٣ ، شرح فتح القدير ٣ / ٤١٨ ـ ٤٢١.

وانظر لما خلا ذلك : تفسير الطبري ٩ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ح ٢٦٨٠٦ ، مجمع البيان ٧ / ٣١٩ ، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : ٣١٩ ، ديوان أبي طالب : ٨٧ و ١٥٨ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ٦١ ـ ٨٤ ، معجم ما ألّف عن أبي طالب عليه‌السلام ـ المنشور في مجلّة « تراثنا » ، العدد المزدوج ٦٣ ـ ٦٤ ، السنة ١٦ ، رجب ١٤٢١ ه‍ ـ : ١٦٣ ـ ٢٣٣ ، وغيرها.

(١) بيضة البلد : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ لأنّه فرد ليس أحد مثله في الشرف.

قالت أخت عمرو بن عبد ودّ ترثيه ، وتذكر قتل عليّ إيّاه يوم الخندق :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته ما أقام الروح في جسدي

لكنّ قاتله من لا يعاب به

وكان يدعى قديما بيضة البلد

كما أنّ من معاني بيضة البلد : السّيّد ، والرجل الكريم ، وواحد البلد الذي يجتمع إليه ويقبل قوله ، والرجل الفرد ليس أحد مثله في شرفه.

انظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٠٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٥ ـ ٣٦ ح ٤٣٣٠ ، لسان العرب ١ / ٥٥٣ و ٥٥٤ مادّة « بيض » ، تاج العروس ١٠ / ٢١ مادّة « بيض ».

١٩٨

٢٣ ـ أحاديث : كسر الأصنام ،

وصكّ الولاية ،

وردّ الشمس ،

وغيرها

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :

الثالث والعشرون : روى الجمهور من عدّة طرق ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل عليّا حتّى كسر الأصنام من فوق الكعبة (٢).

وأنّه لا يجوز على الصراط إلّا من كان معه كتاب بولاية عليّ بن أبي طالب (٣).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٣.

(٢) السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٤٢ ح ٨٥٠٧ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ و ١٥١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٥٣٤ ح ٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٥١ ح ٢٩٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٩٨ ح ٣٣٨٧ وج ٣ / ٦ ح ٤٢٦٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٩٩ ـ ٥٠٠ رقم ٤٨٨ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٣٠٢ و ٣٠٣ رقم ٧٢٨٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٩٣ ح ٢٤٠ ، مجمع الزوائد ٦ / ٢٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٧١ ح ٣٦٥١٦.

(٣) انظر : تاريخ أصبهان ١ / ٤٠٠ رقم ٧٥٥ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٤٠ ح ١٥٦ وص ١٤٧ ـ ١٤٨ ح ١٧٢ وص ٢١٨ ـ ٢١٩ ح ٢٨٩ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧١ ح ٤٨ ، مقتل الحسين عليه‌السلام : ٧١ ح ١١ ، الرياض النضرة ٣ / ١٣٧ ، ذخائر العقبى : ١٣١ ، فرائد السمطين ١ / ٢٨٩ ح ٢٢٨ وص ٢٩٢ ح ٢٣٠ ، الصواعق المحرقة : ١٩٥.

١٩٩

وأنّه ردّت له الشمس بعدما غابت ، حيث كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما على حجره ودعا له بردّها ليصلّي عليّ العصر ، فردّت له (١).

وأنّه نزل إليه سطل (٢) عليه منديل ، وفيه ماء ، فتوضّأ للصلاة ، ولحق بصلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وأنّ مناديا من السماء نادى يوم أحد :

__________________

(١) المعجم الكبير ٢٤ / ١٤٤ ح ٣٨٢ وص ١٤٧ ـ ١٥٢ ح ٣٩٠ و ٣٩١ ، مشكل الآثار ٢ / ٧ ح ١٢٠٧ و ١٢٠٨ وج ٤ / ٢٦٨ ح ٣٨٥٠ و ٣٨٥١ ، الذرّيّة الطاهرة : ١٢٩ ح ١٥٦ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٨٤ ، شرح الشفا ـ للقاري ـ ١ / ٥٨٩ ـ ٥٩٢ ، قصص الأنبياء ـ للثعلبي ـ : ٢٤٩ ، أعلام النبوّة ـ للماوردي ـ : ١٤٩ ، فيض القدير ٥ / ٥٦١ ـ ٥٦٢ شرح ح ٧٨٨٩ ، زين الفتى ٢ / ٥٠ ـ ٥٦ ح ٣٣١ و ٣٣٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ١٤٠ و ١٤١ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ٣٠١ و ٣٠٢ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ٣٦ رقم ٩٤٠٩ ، المنتقى من مناقب المرتضى : ١١١ ـ ١١٢ ح ٢٤ و ٢٥ ، تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ١٢٧ ، التدوين في أخبار قزوين ٢ / ١٤٦ رقم ١١١٥ ، ذيل تاريخ بغداد ـ لابن النجّار ـ ١٧ / ١٥٤ ـ ١٥٥ رقم ٣٩٠ ، تذكرة الخواصّ : ٥٣ ، كفاية الطالب : ٣٨٣ ـ ٣٨٧ ، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ـ للقرطبي ـ : ١٥ ، الرياض النضرة ٣ / ١٤٠ ، فرائد السمطين ١ / ١٨٣ ح ١٤٦ ، مجمع الزوائد ٨ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، كشف اللبس عن ردّ الشمس : ٨٩ ـ ١٠٨ ح ١ ـ ١٧ ، الصواعق المحرقة : ١٩٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٣٤٩ ح ٣٥٣٥٣.

(٢) السّطل ـ وجمعها : سطول ـ : طسيسة صغيرة ، يقال إنّها على هيئة التّور ، لها عروة كعروة المرجل ؛ انظر مادّة « سطل » في : لسان العرب ٦ / ٢٥٩ ، تاج العروس ١٤ / ٣٤٥.

والتّور : إناء صغير من صفر أو حجارة ، كالإجانة ، يشرب فيه وقد يتوضّأ منه ؛ انظر مادّة « تور » في : لسان العرب ٢ / ٦٣ ، تاج العروس ٦ / ١٣٥.

(٣) مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٢٥ ح ١٣٩ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٠٤ ح ٣٠٠ ، كفاية الطالب ٢٨٩ ـ ٢٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٦.

٢٠٠