دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: ٥٨١

وقال الفضل (١) :

حديث الطير مشهور وهو فضيلة عظيمة ، ومنقبة جسيمة ، ولكن لا يدلّ على النصّ ، وليس الكلام في عدّ الفضائل.

وأمّا التوسّل بولاية عليّ ، فهو حقّ ومن أقرب الوسائل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٥٢.

١٦١

وأقول :

روى الترمذي حديث الطائر بسنده عن السّدي ، عن أنس ، ثمّ قال : وقد روي من غير وجه عن أنس (١).

ورواه النسائي في « الخصائص » ، عن أنس ـ بهذا اللفظ ـ ، أنّه أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده طائر فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ؛ فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء عليّ فأذن له (٢).

ورواه الحاكم في « المستدرك » (٣) ، عن أنس أيضا ، وذكر فيه أنّه جاء عليّ مرّتين فقال له : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة ؛ ثمّ جاء فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إفتح ؛ فدخل.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حبسك عليّ؟!

قال : إنّ هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس ، يزعم أنّك على حاجة ؛ الحديث.

ثمّ قال الحاكم : هذا حديث [ صحيح ] على شرط الشيخين.

وقال : وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا ، ثمّ صحّت الرواية عن عليّ ، وأبي سعيد الخدري ، وسفينة.

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢١.

(٢) خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام : ٢٥ ـ ٢٦ ح ١٢ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٨.

(٣) ص ١٣٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ ح ٤٦٥٠ ]. منه قدس‌سره.

١٦٢

ثمّ رواه الحاكم أيضا من طريقين ، عن إبراهيم بن ثابت البصري القصّار ، عن ثابت البناني ، عن أنس ؛ وتعقّبه الذهبي : بأنّ إبراهيم بن ثابت ساقط (١).

ويشكل بأنّ هذا مناقض لما ذكره هو في « ميزان الاعتدال » ، فإنّه قال فيه : « لا أعرف حاله جيّدا » (٢).

كما أنّه تعقّب الحديث الأوّل بأنّ في سنده محمّد بن أحمد بن عياض ، عن أبيه ؛ فقال : « ابن عياض لا أعرفه » (٣).

وقال في « الميزان » بترجمة محمّد المذكور ، بعد ما ذكر روايته لحديث الطير بالسند الذي ذكره الحاكم : « قال الحاكم : هذا على شرط البخاريّ ومسلم ».

ثمّ قال الذهبي : « الكلّ ثقات إلّا هذا ـ يعني محمّدا ـ ، فأنا أتهمه به ، ثمّ ظهر لي أنّه صدوق ـ إلى أن قال : ـ فأمّا أبوه فلا أعرفه » (٤).

وعليه : فالأمر هيّن ؛ لأنّ عدم معرفته له لا تضرّ فيه بعدما عرفه الحاكم وصحّح حديثه على شرط الشيخين.

وقد روى الذهبيّ حديث الطير بترجمة جعفر بن سليمان الضّبعي من « الميزان » ، وسنده صحيح ؛ لأنّه رواه عن قطن بن نسير ـ وهو من رجال مسلم (٥) ـ ، عن جعفر المذكور ـ وهو من رجاله أيضا (٦) ـ ، عن

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٢ ـ ١٤٣ ح ٤٦٥١.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ١٤٣ رقم ٥٩.

(٣) انظر هامش المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ح ٤٦٥٠.

(٤) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٣ رقم ٧١٨٦.

(٥) انظر : ميزان الاعتدال ٥ / ٤٧٤ رقم ٦٩٠٧ ، تهذيب التهذيب ٦ / ٥١٦ رقم ٥٧٤٦.

(٦) انظر : ميزان الاعتدال ٢ / ١٣٦ رقم ١٥٠٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٦١ رقم ٩٨٤.

١٦٣

عبد الله بن المثنّى بن عبد الله بن أنس ـ وهو من رجال البخاري (١) ـ ، عن أنس (٢).

وحكاه في « كنز العمّال » (٣) ، عن ابن عساكر من ثلاثة طرق ، وعن ابن النجّار من طريق (٤).

ونقله سبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » ، عن أحمد في « الفضائل » ، بسنده عن سفينة (٥).

ونقله في « ينابيع المودّة » في الباب الثامن ، عن أحمد في مسنده ، عن سفينة (٦).

كما نقله المصنّف رحمه‌الله هنا عن مسند أحمد ، عن أنس (٧)

والظاهر أنّ القوم أسقطوا الحديثين الأخيرين من « المسند » الموجود بأيدينا اليوم ، طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣١٣ هجرية ، كما هي عادتهم في إسقاط كثير من الأحاديث المتعلّقة بفضل أمير المؤمنين!!

فمع ما ذكرناه ـ الذي هو قليل من كثير ـ كيف يزعم ابن تيميّة أنّه لم يرو حديث الطير أحد من أصحاب الصحاح ، ولا صحّحه أئمّة

__________________

(١) انظر : تهذيب التهذيب ٤ / ٤٦١ رقم ٣٦٦٤.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ١٣٩ ذيل رقم ١٥٠٧.

(٣) ص ٤٠٦ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٣٦٥٠٥ و ٣٦٥٠٧ و ٣٦٥٠٨.

منه قدس‌سره.

وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٤٥ ـ ٢٥٩.

(٤) لم نجده في « ذيل تاريخ بغداد » المطبوع!

(٥) تذكرة الخواصّ : ٤٤ ، وانظر : فضائل الصحابة ٢ / ٦٩٣ ح ٩٤٥.

(٦) ينابيع المودّة ١ / ١٧٥ ح ١.

(٧) تقدّم في الصفحة ١٥٩ من هذا الجزء.

١٦٤

الحديث (١)؟!

والحال أنّه قد رواه : الترمذي ، والنسائي ، وصحّحه الحاكم (٢).

ورواه الذهبي بترجمة جعفر بطريق لا شبهة في صحّته عندهم كما سمعت.

بل زعم ابن تيميّة ـ كعادته في فضائل إمام المتّقين ـ أنّ الحديث عند أهل المعرفة والعلم من المكذوبات والموضوعات (٣) ، والحال أنّه حكى عن أبي موسى المديني ، أنّه قال : جمع غير واحد من الحفّاظ طرق أحاديثه (٤).

__________________

(١) انظر : منهاج السنّة ٧ / ٣٧١.

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ١٦٢ من هذا الجزء.

(٣) منهاج السنّة ٧ / ٣٧١.

(٤) منهاج السنّة ٧ / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

نقول : وممّن ذكر أنّه جمع طرق حديث الطير وأفرده بالتصنيف :

١ ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠ ) ؛ له : « حديث الطير » ؛ كما في البداية والنهاية ٧ / ٢٨١ وج ١١ / ١٢٥.

٢ ـ الحافظ أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ( ت ٣٣٣ ) ؛ له : « حديث الطير » ؛ كما في مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب ـ ٢ / ٣١٧.

٣ ـ الحاكم النيسابوري ، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن حمدويه ، ابن البيّع الشافعي ( ت ٤٠٥ ) ؛ له : « قصّة الطير » ؛ ذكره هو لنفسه في معرفة علوم الحديث : ٢٥٢ ، وذكره له الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٧٦ رقم ١٠٠.

٤ ـ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني ( ت ٤١٠ ) ؛ له : « حديث الطير » ؛ كما في البداية والنهاية ٧ / ٢٨١ ، ومنهاج السنّة ٧ / ٣٧٢.

٥ ـ الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ( ت ٤٣٠ ) ؛ له : « حديث الطير » ؛ ذكره السمعاني في التحبير ١ / ١٨١ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٣٠٦ رقم ١٩٣ ، وابن تيميّة في منهاج السنّة ٧ / ٣٧٢.

٦ ـ الحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن عليّ بن حمدان الخراساني ( ق ٥ ) ؛

١٦٥

وقال في « ينابيع المودّة » : ولابن المغازلي حديث الطير من عشرين طريقا (١).

وقد سمعت قول الحاكم : رواه عن أنس زيادة على ثلاثين نفسا (٢).

وليت شعري ، أيّ أهل المعرفة يدّعي وضعه؟! فإنّا لا نعرف أحدا من سائر الناس ادّعاه فضلا عن أهل المعرفة!!

__________________

له : « طرق حديث الطير » ؛ كما في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤٦٣ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١١٢ رقم ١٠٠٠ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨١.

٧ ـ شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي ( ت ٧٤٨ ) ؛ نصّ هو على ذلك في تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٢ ـ ١٠٤٣ رقم ٩٦٢ بقوله : « وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّا ، قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ».

وقال في سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٦٩ : « وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء ، وطرق حديث : من كنت مولاه ؛ وهو أصحّ ، وأصحّ منهما ما أخرجه مسلم عن عليّ ، قال : إنّه لعهد النبيّ الأمّيّ إليّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق ».

وقد أدرج السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدّس سره كلّ ما ألّف عن حديث الطير ، كلّا في محلّه من كتابه « أهل البيت : في المكتبة العربية » ، كما أوسع الحديث بحثا في ألفاظه وطرقه ومصادره ، وذلك في معرض ذكره لكتاب الحاكم النيسابوري ، آنف الذكر برقم ٣ ؛ فراجع : أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية : ٣٨٤ ـ ٤١٣ رقم ٥٩٤.

وكذا فعل السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ ؛ إذ توسّع في الحديث بحثا ، سندا ودلالة ، ودحض أباطيل ومفتريات المشكّكين بصحّته ؛ فراجع الجزءين ١٣ و ١٤ من موسوعته « نفحات الأزهار في إمامة الأئمّة الأطهار ».

فلله درّهما وعليه أجرهما.

وراجع : ج ١ / ٨ ه‍ ٢ من هذا الكتاب.

(١) ينابيع المودّة ١ / ١٧٦ ذ ح ٣ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٦٣ ـ ١٧٦ ح ١٨٩ ـ ٢١٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٢ ذ ح ٤٦٥٠.

١٦٦

ولو سلّم ، فما زعمهم أهل المعرفة إنّما هم الخصوم والنواصب أمثاله ، الّذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم وأن يتّبع الحقّ أهواءهم!

وأمّا دلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام فمن أظهر الأمور ؛ لأنّ أحبّ الناس إلى الله تعالى إنّما هو أفضلهم وأتقاهم وأعملهم بطاعته ، فلا بدّ أن يكون أحقّهم بالإمامة ، لا سيّما من أبي بكر وعمر ؛ إذ مع دخولهما بعموم الناس صرّح حديث النسائي باسمهما بالخصوص كما سمعت (١).

وأشكل في « المواقف » وشرحها على الحديث : « بأنّه لا يفيد أنّه أحبّ إليه في كلّ شيء ؛ لصحّة التقسيم ، وإدخال لفظ الكلّ والبعض ؛ ألا ترى أنّه يصحّ أن يستفسر ويقال : أحبّ إليه في كلّ الأشياء أو في بعض الأشياء؟ ... فلا يدلّ على الأفضليّة مطلقا » (٢).

والجواب : إنّ الإطلاق مع عدم القرينة على الخصوص يفيد العموم في مثل المقام ، ألا ترى أنّ كلمة الشهادة تدلّ على التوحيد؟! وبمقتضى ما ذكراه ينبغي أن لا تدلّ عليه ؛ لإمكان الاستفسار بأنّه لا إله إلّا هو في كلّ شيء ، أو في السماء ، أو في الأرض؟ إلى غير ذلك ؛ فلا تفيد نفي الشريك مطلقا ؛ وهذا لا يقوله عارف.

والعجب منهما أن يقولا ذلك ، وهما يستدلّان على فضل أبي بكر بقوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) (٣) ، زاعمين أنّ المراد بالأتقى : أبو

__________________

(١) تقدّم آنفا في الصفحة ١٦٢ ؛ فراجع!

(٢) انظر : المواقف : ٤٠٩ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨.

(٣) سورة الليل ٩٢ : ١٧.

١٦٧

بكر ، فيكون أفضل (١) ، والحال أنّه يمكن الاستفسار بأنّه الأتقى في كلّ شيء أو بعض الأشياء؟!

مضافا إلى أنّه لا يصحّ حمل الحديث على إرادة الأحبّ في بعض الأمور ، وإلّا لجاء مع عليّ عليه‌السلام كلّ من هو أحبّ منه بزعمهم في بعض الأمور كالشيخين ؛ لاستجابة دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحال أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ردّهما كما في حديث النسائي (٢).

ونحن نمنع أن يكون أحد أحبّ إلى الله سبحانه بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ عليه‌السلام في شيء من الأشياء ؛ لما سبق في المبحث الثاني من مباحث الإمامة أنّ الإمام أفضل الناس في كلّ شيء ، فيكون أحبّهم إلى الله تعالى في كلّ شيء (٣).

وقد زاد ابن تيميّة في الطنبور نغمة ، فأورد على الحديث بأمور تشهد بجهله أو نصبه ..

منها : إنّ أكل الطير ليس فيه أمر عظيم هنا ، يناسب أن يجيء أحبّ الخلق إلى الله ليأكل معه ، فإنّ إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر ، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل ، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا ، فأيّ أمر عظيم يناسب أن يجيء أحبّ الخلق إلى الله يفعله (٤)؟!

والجواب : إنّ الأمر العظيم تعريف الأحبّ إلى الله تعالى للناس

__________________

(١) المواقف : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٦.

(٢) انظر : خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام : ٢٥ ـ ٢٦ ح ١٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٨.

(٣) انظر : ج ٤ / ٢٣٣ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٤) منهاج السنّة ٧ / ٣٧٤.

١٦٨

بدليل وجداني ، فإنّه آكد من اللفظ ، وأقوى في الحجّة ، كما عرّفهم نبيّ الهدى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ عليّا حبيب الله في قصّة خيبر ، بإخبارهم أنّه يعطي الراية من يحبّه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله ، وأنّ الفتح على يده (١).

على أنّه يكفي في المناسبة رغبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يأكل مع أحبّ الخلق إلى الله وإليه.

ومنها : إنّ هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة ؛ فإنّهم يقولون : إنّ النبيّ كان يعلم أنّ عليّا أحبّ الخلق إلى الله ، وأنّه جعله خليفة من بعده ، وهذا الحديث يدلّ على أنّه ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله (٢).

الجواب : إنّا لا نعرف وجه الدلالة على أنّه لا يعرفه ، أتراه لو قال : « ائتني بعليّ » يدلّ على عدم معرفته له؟! وكيف لا يعرفه وقد قال كما في بعض الأخبار : « اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ » (٣)؟! ..

وقال لعليّ في بعض آخر : « ما حبسك عليّ؟! » (٤) ..

وقال له في بعضها : « ما الذي أبطأ بك؟! » (٥) ..

فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عارفا به ، لكنّه أبهم ولم يقل : « ائتني بعليّ » ؛ ليحصل التعيين من الله سبحانه ، فيعرف الناس أنّ عليّا هو الأحبّ إلى الله تعالى بنحو الاستدلال.

ومنها : ما حاصله أنّه مناقض للأحاديث الثابتة في الصحاح ، القاضية

__________________

(١) انظر الصفحة ٨٩ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) منهاج السنّة ٧ / ٣٧٤.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٢ ح ٤٦٥١.

(٤) انظر : المعجم الأوسط ٧ / ٣١٥ ح ٧٤٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٢ ح ٤٦٥٠.

(٥) تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٥٣.

١٦٩

بأنّ أبا بكر هو الأحبّ ، كما في الصحيحين من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا » (١).

ومناقض لقوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) ، فإنّ أئمّة التفسير يقولون : إنّه أبو بكر (٢) ؛ والأتقى هو الأحبّ لله ورسوله (٣).

والجواب : إنّ روايتهم لا تقوم حجّة علينا ، وكذا قول أهل تفسيرهم ؛ لأنّه من التفسير بالرأي التابع للهوى ، ولمقدّمات باطلة!

على أنّه ليس مجمعا عليه بينهم ، وسيأتي الكلام في الآية إن شاء الله تعالى ، كما أنّ روايته غير تامّة الدلالة على مدّعاه.

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٦٦ ح ١٥٦ ـ ١٥٨ ، صحيح مسلم ٧ / ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٢) ذكر بعض المفسرين هذا على أنّه قول من الأقوال في تفسير الآية الكريمة ، لا أنّهم يقولون بذلك على وجه الجزم والقطع وليس هناك قول غيره ؛ فانظر : الوسيط في تفسير القرآن المجيد ٤ / ٥٠٥ ، زاد المسير ٨ / ٢٧٧ ، تفسير الفخر الرازي ٣١ / ٢٠٥ ، تفسير القرطبي ٢٠ / ٥٩ ، تفسير الدرّ المنثور ٨ / ٥٣٧ ـ ٥٣٨ عن ابن أبي حاتم وابن مردويه.

(٣) منهاج السنّة ٧ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

١٧٠

١٩ ـ حديث : أنا مدينة العلم وعليّ بابها

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :

التاسع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وصحيح مسلم ، قال : لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « سلوني » إلّا عليّ بن أبي طالب (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » (٣).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢١.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٢٤ ح ٥٠ عن مسند أحمد ، عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٢٦ ح ٤٣٥ عن صحيح مسلم ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٠٢ ح ١٠٩٨ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ٢ / ٢٥٦ ، ذخائر العقبى : ١٥١ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٣ ، جامع بيان العلم ١ / ١٣٧ ، الفقيه والمتفقّه ٢ / ٣٥٢ ح ١٠٨٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٨ ح ٤٦ ـ ٤٨ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٩٠ ـ ٩١ ح ٨٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٩٩ ، أسد الغابة ٣ / ٥٩٧ ، الرياض النضرة ٣ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣٠ ـ ١٣١ ح ٣٦٤١٥.

(٣) انظر : معرفة الرجال ـ لابن معين ـ ١ / ٧٩ رقم ٢٣١ وج ٢ / ٢٤٢ رقم ٨٣١ و ٨٣٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٨٩ ح ١٠٨١ ، المعجم الكبير ١١ / ٥٥ ح ١١٠٦١ ، تهذيب الآثار ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥ ح ١٧٣ و ١٧٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ح ٤٦٣٧ ـ ٤٦٣٩ ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم : ١٢٧ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ١ / ٨٨ ح ٣٤٧ ، حلية الأولياء ١ / ٦٤ ، تاريخ جرجان : ٦٥ ح ٧ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٢ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٧٧ رقم ٨٨٧ وج ٤ / ٣٤٨ رقم ٢١٨٦ وج ٧ / ١٧٣ رقم ٣٦١٣ وج ١١ / ٤٨ ـ ٥٠ رقم ٥٧٢٨ ، تلخيص المتشابه ١ / ١٦٢ رقم ٢٥١ ، مناقب

١٧١

وقال الفضل (١) :

هذا يدلّ على وفور علمه واستحضاره أجوبة الوقائع واطّلاعه على شتات العلوم والمعارف ، وكلّ هذه الأمور مسلّمة ولا دليل على النصّ ، حيث لا يجب أن يكون الأعلم خليفة ، بل الأحفظ للحوزة ، والأصلح للأمّة ، ولو لم يكن أبو بكر أصلح للإمامة لما اختاروه ، كما مرّ (٢).

* * *

__________________

الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١١٥ ـ ١٢٠ ح ١٢٠ ـ ١٢٩ ، زين الفتى ١ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ح ٦١ و ٦٢ وج ٢ / ٤٠٠ ـ ٤٠٣ ح ٥٢١ ـ ٥٢٦ ، شواهد التنزيل ١ / ٨١ ـ ٨٢ ح ١١٨ ـ ١٢١ ، فردوس الأخبار ١ / ٤٢ ح ١٠٩ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢ ، مفردات القرآن : ٦٣ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٢ ـ ٨٣ ح ٦٩ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٧٨ ـ ٣٨٢ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٧ ح ٦٥٠١ ، مطالب السؤول : ٦٩ و ٩٨ ، منهاج السنّة ٥١٥٧ / ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ٢٠٢ ، جواهر العقدين : ٥٧ ، الصواعق المحرقة : ١٨٩ ، شرح المواهب اللدنّيّة ـ للزرقاني ـ ٤ / ٢١٥ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٤ ح ٣٢٩٧٨ و ٣٢٩٧٩ وج ١٣ / ١٤٧ ـ ١٤٩ ح ٣٦٤٦٢ ـ ٣٦٤٦٤ ، مرقاة المفاتيح ١٠ / ٤٧٠.

وانظر تلازم المعنى والمؤدّى في لفظي الحديثين : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » و « أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها » في ما نمّقه الشيخ المظفّر قدّس سرّه ، في الصفحة ٣٢٣ من هذا الجزء!

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٥٩.

(٢) انظر : ج ٤ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ من هذا الكتاب.

١٧٢

وأقول :

معنى كونه باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه الواسطة للناس في وصولهم إلى علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا واسطة غيره ، والآخذ من غيره كالسارق ، فيكون أخذ العلم منه واجبا ومن غيره حراما ، فهو الإمام دون غيره ؛ لعدم اجتماع إمامة الشخص وحرمة الأخذ عنه واتّباعه في ما يحكم به.

كما أنّ وجوب الأخذ عنه للوصول إلى علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتمّ إلّا بعصمته ، فيتعينّ للإمامة.

وكذا جعله الباب لعلمه دالّ على إحاطته بجميع ما يصدر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلوم ، وذلك شأن الإمام.

ويشهد لانحصار طريق علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ عليه‌السلام ، جهل الأمّة بأكثر الأحكام لمّا أعرضوا عنه ، والحال أنّ الله سبحانه قد أكمل دينه ، فما زالت آراؤهم مضطربة ، وأحكامهم مختلفة ، حتّى كأنّ الله تعالى قد أوكل إلى أهوائهم أحكامه.

ولمّا رجع الأمر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يقدر على إمضاء ما علم ولا على نشره ؛ لأنّ الناس قد ألفوا خلافه ..

فقد نهى عن صلاة التراويح ، فصاح الناس : وا سنّة عمراه! (١) ..

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢٨٣.

١٧٣

ونهى عن أكل الجرّي والمارماهي (١) ، فلم يتّبعوه (٢) ..

وأمر بالمتعتين ، فخالفوه (٣) ..

.. إلى غير ذلك من الأحكام.

ولذا قال عليه‌السلام ـ كما رواه البخاري في باب مناقبه ـ : « أقضوا كما كنتم تقضون ، فإنّي أكره الخلاف حتّى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي » (٤).

فإنّه صريح في أنّ قضاء من كان قبله ليس حقّا ، لكنّه لا يتمكّن من الخلاف ما لم يتمّ له الأمر.

ولو سلّم عدم دلالة الحديث على انحصار طريق علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ عليه‌السلام ، فلا إشكال بدلالته على أعلميّته ، كما أقرّ به الفضل في ظاهر كلامه ، فيقبح تقديم المفضول عليه .. ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلأَأَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٥).

وقوله : « لا يجب أن يكون الأعلم خليفة ، بل الأحفظ للحوزة ، والأصلح للأمّة » .. ظاهر البطلان كما أوضحناه في المبحث الثاني من مباحث الإمامة (٦).

__________________

(١) انظر : إيضاح الفوائد على شرح القواعد ٤ / ١٤٤ ، تفصيل وسائل الشيعة ٢٤ / ١٣٠ ـ ١٣٧ ب‍ ٩ ح ٣٠١٥٥ ـ ٣٠١٧٧.

(٢) فقد أفتوا بحلّيّتهما ، انظر : الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣ / ٢٢٥ ، مختصر المزني على الأمّ : ٢٩٩ ، الحاوي الكبير ١٩ / ٧٠ ، المجموع ـ شرح المهذّب ٩ / ٣٠ ، نصب الراية ٦ / ٦٥ ، حياة الحيوان الكبرى ـ للدميري ـ ١ / ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٩٠ ح ٢٠٣.

(٥) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

(٦) راجع : ج ٤ / ٢٣٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٧٤

وقد أوضحنا أيضا في المبحث الثالث فساد قوله : « ولو لم يكن أبو بكر أصلح للأمامة ، لما اختاروه » .. فإنّ الاختيار لا يصلح أن يكون طريقا للإمامة ، على أنّ من اختاروه إنّما هم نفر محدود ، كما سبق (١).

ثمّ إنّ هذا الحديث ـ أعني : حديث الباب ـ قد رواه الحاكم في « المستدرك » (٢) من طرق ، عن ابن عبّاس ، وصحّحها ، وذكر في بعض طرقه أبا الصلت ، وقال : « ثقة مأمون » ، ونقل توثيقه عن ابن معين وأنّه قيل له : « أليس قد حدّث بهذا الحديث عن أبي معاوية؟! فقال : قد حدّث به جعفر بن محمّد الفيدي ، وهو ثقة مأمون ».

ومع ذلك زعم الذهبيّ أنّه موضوع ؛ لزعمه أنّ أبا الصلت ليس بثقة ولا مأمون (٣)!

وفيه : إنّه مناف لوصفه له في « ميزان الاعتدال » ب‍ « الرجل الصالح » ، وقال : « إلّا أنّه شيعيّ جلد » (٤).

ولو سلّم أنّ أبا الصلت ليس ثقة ، فلا معنى للحكم بوضع الحديث مع رواية الفيدي الثقة له عن أبي معاوية.

وإذا صحّت الرواية إلى أبي معاوية فقد صحّ الحديث ؛ لأنّ أبا معاوية رواه عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ؛ وكلّهم ثقات عندهم.

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢٤٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) ص ١٢٦ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٣٧ ح ٤٦٣٧ و ٤٦٣٨ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : معرفة الرجال ـ لابن معين ـ ١ / ٧٩ رقم ٢٣١ وج ٢ / ٢٤٢ رقم ٨٣١ و ٨٣٢.

(٣) كما في « تلخيص المستدرك » ؛ انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ ح ٤٦٣٧.

(٤) ميزان الأعتدال ٤ / ٣٤٨ رقم ٥٠٥٦.

١٧٥

ورواه الحاكم أيضا عن جابر وصحّحه (١) ..

وتعقّبه الذهبيّ بأنّ في سنده أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّاني ، وهو دجّال كذّاب (٢).

وقد تبع فيه ابن عديّ ؛ لقوله في حقّه كما في « ميزان الاعتدال » : « كان سامرا (٣) يضع الحديث » (٤).

والظاهر أن لا منشأ لنسبة الوضع والكذب إليه عندهما إلّا روايته لهذا الحديث ، فكان مؤاخذا بالرواية في فضل أمير المؤمنين ، وله أسوة بأبي الصلت!

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ، عن ابن الجوزي ، أنّه نقل هذا الحديث بلفظه أو ما يشبهه من خمسة عشر طريقا ، أخرجها ابن عديّ ، وأبو نعيم ، وابن مردويه ، والطبراني ، والخطيب ، والعقيلي ، وابن حبّان ، عن عليّ ، وابن عبّاس ، وجابر (٥).

ولفظ حديث جابر هكذا : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٨ ح ٤٦٣٩.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ رقم ٤٦٣٨.

(٣) كذا في الأصل ، وهو تصحيف ، والصواب كما في المصدر : « كان بسامرّا ».

(٤) ميزان الاعتدال ١ / ٢٤٩ رقم ٦٢٧ ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ١٩٢ رقم ٣٢ وفيه : « كان بسرّ من رأى ».

(٥) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٢ ـ ٣٠٧ ، الموضوعات ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٣ ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ١٩٠ رقم ٢٧ وص ١٩٢ رقم ٣٢ وج ٢ / ٣٤١ رقم ٤٧٤ وج ٣ / ٤١٢ رقم ٨٤٠ وج ٥ / ٦٧ رقم ١٢٤٤ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ١ / ٨٨ ح ٣٤٧ ، حلية الأولياء ١ / ٦٤ ، المعجم الكبير ١١ / ٥٥ ح ١١٠٦١ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٧٧ رقم ٨٨٧ وج ٤ / ٣٤٨ رقم ٢١٨٦ وج ٧ / ١٧٣ رقم ٣٦١٣ وج ١١ / ٤٨ ـ ٥٠ رقم ٥٧٢٨ ، تلخيص المتشابه ١ / ١٦٢ رقم ٢٥١ ، الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ ٣ / ١٥٠ رقم ١١٣٤ ، المجروحين ـ لابن حبّان ـ ٢ / ٩٤ و ١٥١ ـ ١٥٢.

١٧٦

وهو آخذ بيد عليّ يقول : « هذا أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ـ يمدّ بها صوته ـ ، أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » (١).

وهذا الذي رواه الحاكم عن جابر ، لكنّه ذكر صدر الحديث في مقام متأخّر (٢) ، وقد زعم ابن الجوزي أنّها كلّها موضوعة ؛ مستندا إلى اضطراب إسناد بعضها ، وجهل بعض الرواة في بعضها ، وأنّ بعضهم لا يجوز الاحتجاج به ، وبعضهم متّهم بسرقة هذا الحديث ، وبعضهم كذّاب (٣).

وأنت تعلم أنّ هذا لو تمّ لا يستوجب الحكم بوضع الحديث مع استفاضة طرقه ؛ وغاية ما يقتضيه ـ على نظر ـ عدم الاعتماد عليها.

على أنّ السيوطي في « اللآلئ » قد تعقّبه فقال : « حديث عليّ أخرجه الترمذي ، وحديث ابن عبّاس أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) » ؛ ثمّ نقل كلام الحاكم الذي أشرنا إليه (٤).

ونقل عن الخطيب ، أنّه روى عن ابن معين توثيق أبي الصلت ، وأنّ القاسم بن عبد الرحمن الأنباري سأل ابن معين عن الحديث ، فقال : صحيح ..

قال الخطيب : أراد أنّه صحيح من حديث أبي معاوية (٥).

أقول : وفيه الكفاية في مطلوبنا.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ٣٧٧ رقم ٨٨٧.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٨ ح ٤٦٣٩ وص ١٤٠ ح ٤٦٤٤.

(٣) الموضوعات ١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٥.

(٤) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٤ ؛ وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ ح ٤٦٣٧.

(٥) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٤ ؛ وانظر : تاريخ بغداد ١١ / ٤٩ ـ ٥٠ رقم ٥٧٢٨.

١٧٧

ثمّ نقل السيوطي عن الحافظ صلاح الدين العلائي ، أنّه قال في جملة جوابه عن دعوى الوضع : « أيّ استحالة في أن يقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل هذا في حقّ عليّ؟! ولم يأت كلّ من تكلّم في هذا الحديث وحكم بوضعه بجواب عن هذه الروايات الصحيحة عن ابن معين! ومع ذلك فله شاهد » (١) .. وذكر رواية الترمذي وغيره له ، عن شريك ، عن سلمة ، عن سويد ..

ثمّ قال : « وشريك .. احتجّ به مسلم ، وعلّق له البخاري ، ووثّقه ابن معين.

وقال العجلي : ثقة ، حسن الحديث.

وقال عيسى بن يونس : ما رأيت أحدا قطّ أورع في علمه من شريك.

فعلى هذا يكون تفرّده حسنا ، فكيف إذا انضمّ إلى حديث أبي معاوية؟! » (٢) ..

إلى أن قال العلائي : « ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلّة [ قادحة ] في حديث شريك سوى دعوى الوضع ، دفعا بالصدر » (٣).

ثمّ نقل السيوطي عن أبي الفضل ابن حجر ، أنّه قال : « هذا الحديث من قسم الحسن » (٤).

ثمّ قال السيوطي : « وبقي للحديث طرق » ، وذكر منها طريقين

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٥.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٦.

(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٦.

(٤) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٦.

١٧٨

للخطيب ، عن عليّ عليه‌السلام (١) ..

وطريقا لابن النجّار ، عنه عليه‌السلام أيضا ..

وطريقا لأبي الحسن عليّ بن عمر الحربي ، في « أماليه » ، عنه عليه‌السلام أيضا ، ولفظه : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وأنت بابها يا عليّ ، كذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها » ..

وطريقا لأبي الحسن شاذان الفضلي ، في « خصائص عليّ عليه‌السلام » ، عن جابر بن عبد الله ..

وطريقا للديلمي ، بسنده عن أبي ذرّ ، ولفظه : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ باب علمي ، ومبيّن لأمّتي ما أرسلت به من بعدي ، حبّه إيمان ، وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة » (٢).

وحكى في « كنز العمّال » (٣) كلاما للسيوطي نحو ما هنا ، وذكر في طيّه أنّ ابن جرير روى في « تهذيب الآثار » الحديث الذي رواه الترمذي وصحّحه.

ثمّ ذكر في « الكنز » أنّ السيوطي قال أخيرا بصحّة هذا الحديث بعدما كان يرى حسنه (٤).

__________________

(١) انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٣٧٧ رقم ٨٨٧ ، وج ١١ / ٤٨ ـ ٥٠.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ٧٨ ح ٤٠٠٠.

(٣) ص ٤٠١ ج ٦ [ ١٣ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ح ٣٦٤٦٤ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : جمع الجوامع ١ / ٣٨٨ ، تهذيب الآثار ٤ / ١٠٤ ح ٨ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣.

(٤) جاء هنا في المخطوطة ما نصّه : وطريقا لابن عساكر ، بسنده عن أنس ، ولفظه : « أنا مدينة العلم ، وأبو بكر وعمر وعثمان سورها ، وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » ، قال ابن عساكر :

١٧٩

أقول : ولا ريب لمصنف في صحّته ؛ لاستفاضة طرقه ، بل تواترها ، لا سيّما بضميمة أخبارنا (١) ، وله شواهد من الكتاب والسنّة

__________________

« منكر جدّا إسنادا ومتنا » ؛ [ اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٥ / ٣٢١ رقم ٥٢٦٥ ].

أقول : حقّ له أن يستنكره ؛ لأنّ واضع الزيادة في الحديث أراد مشاركة القوم لأمير المؤمنين عليه السلام في الفضل ، فذمّهم من حيث مدحهم ؛ لأنّه جعلهم سورا لمدينة علم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، والسور حاجب ومانع عن الوصول إلى علمه ، بخلاف الباب!

ثم نقل السيوطي ، عن ابن عساكر ، أنّه روى عن غيث بن عليّ الخطيب ، عن أبي الفرج الأسفرايني ، قال : كان أبو أسعد إسماعيل بن المثنّى الأسترابادي يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال : أيّها الشيخ! ما تقول في قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها »؟

قال : فأطرق لحظة ثمّ رفع رأسه وقال : نعم ، لا يعرف هذا الحديث على التمام إلّا من كان صدرا في الإسلام! إنّما قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعليّ بابها ».

قال : فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردّده ؛ ثمّ سألوه أن يخرّج له إسناده ، فاغتمّ ولم يخرّجه لهم. انتهى. [ اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٨ ، وانظر : تاريخ دمشق ٩ / ٢٠ ].

أقول : كان يجمل بالحاضرين ـ لو لم تكن قلوبهم قدّت من حجر ـ أن يستقبحوا ذلك لا أن يستحسنوه ؛ لأنّ الحيطان حاجبة ، والمدينة لا سقف لها ، والأساس هو الأصل ، فيكون علم أبي بكر أقوى وأثبت من علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! وما هذا إلّا كقولهم : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة » مناظرة لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحسن والحسين سيّدا شباب اهل الجنّة » ، وقولهم : « فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » مناقضة لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فاطمة سيّدة نساء العالمين ».

هذا ، وللحديث طرق أخر يمنعنا عن ذكرها طول المقام وعدم الحاجة ، يعرفها المتتبّع بلا كلفة.

منه قدس‌سره.

(١) انظر : صحيفة الإمام الرضا عليه‌السلام : ٥١ ح ٨٢ ، الخصال ٢ / ٥٧٤ ح ١ ، عيون أخبار

١٨٠