دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: ٥٨١

وهو متّهم في ذلك (١).

وقال في « الميزان » أيضا : قال العقيلي : رافضي خبيث.

وقال أحمد ويحيى : ليس بشيء (٢).

وأقول :

إذا كان جفاؤهم وقولهم في راوي ما ورد في أخي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفسه ، فكيف يطلبون أن يتواتر النصّ عليه بما هو أجلى من ذلك؟!

وليت شعري! لم كان عندهم من روى له فضيلة رافضيّا خبيثا متّهما ، ومن روى فضيلة لمشايخهم ثقة صادقا معتمدا في صحاحهم ، وصاحب سنّة ، وإن كفّره سيّد النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كالخوارج والنصّاب؟! وقال سبحانه : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ) (٣).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٤ / ٩٣ رقم ٤٣٠٠ ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٢٢٩ رقم ١٠٤٦.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ / ٩٢ رقم ٤٣٠٠ ، وانظر : الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ ٢ / ٢٥٠ رقم ٨٠٤ ، كتاب العلل ومعرفة الرجال ـ لأحمد ـ ٢ / ٦٠٢ رقم ٣٨٥٩.

(٣) سورة الحجرات ٤٩ : ٦.

نقول : لم يكن هناك سبب لجرح راوي الحديث عبد الله بن داهر ، إلّا النصب والتعصّب ، وإلّا فإنّهم لم يجمعوا على جرحه ، فإن منهم من وثّقه ، فقد قال الخطيب البغدادي ما نصّه : « قرأت في أصل كتاب أبي الحسن بن الفرات ـ بخطّه ـ : أخبرنا محمّد بن العبّاس الضبّي الهروي ، حدّثنا يعقوب بن إسحاق ابن محمود الفقيه ، أخبرنا صالح بن محمّد الأسدي ، قال : عبد الله بن داهر بن يحيى الأحمري الرازي ، شيخ صدوق ».

انظر : تاريخ بغداد ٩ / ٤٥٣ رقم ٥٠٨٥.

هذا ، فضلا عن أنّ صحاحهم ملأى من رجال الشيعة ؛ إذ إنّ أكثر محدّثيهم

٤١

ومن جملة الأخبار المصرّحة بخلافته أيضا ، ما في « اللآلئ المصنوعة » ، عن ابن حبّان ، بسنده عن أنس مرفوعا : « إنّ أخي ووزيري وخليفتي من بعدي في أهلي ، وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، عليّ عليه‌السلام » (١)

وما في « اللآلئ » أيضا ، عن الخطيب في « المتّفق والمفترق » ، عن الجوزقاني ، بسندهما عن سلمان ، قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وصيّه؟

فقال : « وصيّي ، وموضع سرّي ، وخليفتي في أهلي ، وخير من أخلف بعدي ، عليّ » (٢).

وقد نقل في « اللآلئ » عن ابن الجوزي ، أنّه قال : « إنّ الحديث الأوّل موضوع ، آفته مطر بن ميمون الإسكافي ؛ وإنّ الحديث الثاني أكثر رواته مجهولون وضعفاء ، وإسماعيل بن زياد ـ وهو أحد رواته ـ متروك » (٣).

وفيه : إنّه لو سلّم ذلك كلّه ، فهو إنّما يرفع الاعتماد ، لا أنّه يقتضي

__________________

وحفّاظهم يأخذون برواية الشيعي ، إذا كانوا يرونه ثقة صدوقا في نقله ، سواء كان ممّن يتكلّم في معاوية وأمثاله ، أو في عثمان ورهطه ، وحتّى في الشيخين وأصحابهما ؛ وكذا الرفض فضلا عن التشيّع غير مضرّ بالوثاقة.

انظر : هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٥٤٤ الفصل ٩.

وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني في إيراد آراء علماء العامّة في أصحاب المذاهب من رجال الحديث ، في كتابه : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٤١ ـ ٥٤ وج ٣ / ١٣٥ ـ ١٧١ ؛ فراجع!

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٢٩٩ ، وانظر : كتاب المجروحين ـ لابن حبّان ـ ٣ / ٥.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٧ ، وانظر : المتّفق والمفترق ١ / ٦٣٧ رقم ٣١٨.

(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٢٩٩ و ٣٢٧ ، وانظر : الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ ١ / ٣٤٧ و ٣٧٥.

٤٢

الوضع ، على أنّ الأخبار الناطقة بخلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرة ، فتعتبر لاعتضاد بعضها ببعض وإن ضعفت أسانيدها ، فكيف وقد صحّ بعضها عندهم كما عرفت (١)؟!

بل عرفت في مقدّمة الكتاب أنّ رواة فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ثقات في تلك الرواية (٢) ، خصوصا مثل مطر الذي لم يضعّفوه إلّا لروايته كثيرا في فضل عليّ عليه‌السلام ، ولعلّه لذا لم يعتن ابن ماجة بتضعيفهم فأخرج له في صحيحه (٣).

هذا ، وليس قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض تلك الأخبار : « فيكم » أو « في أهلي » مقصودا به تقييد الخلافة ؛ للإجماع على عدم الفرق بين عشيرته وغيرهم ، وللزوم اجتماع خليفتين : عامّ وخاصّ ، ولا يقوله أحد.

ولا يصحّ أن يراد بخلافته في أهله ـ في الحديثين الأخيرين ـ قيامه بأمور دنياهم ؛ لعدم قيام عليّ عليه‌السلام بأرحام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسائه ، وعدم خلافته عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القيام بفاطمة والحسنين ، بل هم عياله الّذين تجب نفقتهم عليه أصالة لا بالخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فالمقصود في هذه الأخبار هو : الخلافة العامّة والزعامة العظمى ، كما يشهد له ذكر الوصية مع الخلافة في الخبر الأخير ، وقوله : « خير من أخلف » أو « أترك بعدي » في الأخيرين ، مضافا إلى إطلاق الخلافة في بعض الأخبار السابقة (٤).

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٦ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) انظر : ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٣) انظر : سنن ابن ماجة ٢ / ٩٤٦ ح ٢٨٣٤ كتاب الجهاد / باب الخديعة في الحرب.

(٤) انظر الصفحات ٦ و ٢٦ ـ ٢٧ و ٣٣ و ٤٠ من هذا الجزء.

٤٣

والظاهر : أنّ تخصيص المخاطبين ـ وهم العشيرة ـ في أحاديث نزول قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) إنّما هو لكون الخطاب معهم ، أو أهمّيّتهم ، أو لأنّه لا أمّة له حينئذ.

كما لا يبعد أن يكون قيد « في أهلي » بالخبرين الأخيرين من زيادة بعض الرواة عمدا أو وهما.

واعلم ، أنّه قد ورد عند السنّة أيضا ما هو بمنزلة التعبير بالخلافة ، كالذي في ترجمة حكيم بن جبير من « ميزان الاعتدال » ، عن محمّد بن حميد ، عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن ابن سفيان ، عن عبد العزيز بن مروان ، عن أبي هريرة ، عن سلمان : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا بيّن له من يلي بعده ، فهل بيّن لك؟

قال : نعم ، عليّ بن أبي طالب » (٢)

قال في « الميزان » : « هذا حديث موضوع .. ثمّ كيف يروي مثل هذا عبد العزيز بن مروان وفيه انحراف عن عليّ؟! رواه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) من طريق العقيلي ، عن أحمد بن الحسين ، عن ابن حميد ؛ وليس بثقة » (٣).

وفيه ـ مع ما عرفت من وثاقة رواة فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام في ما يروونه في فضله ـ : إنّ حكيم بن جبير من رجال السنن الأربع (٤) ،

__________________

(١) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ رقم ٢٢١٨.

(٣) ميزان الاعتدال ٢ / ٣٥٢ رقم ٢٢١٨ ، وأنظر : الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

(٤) ميزان الاعتدال ٢ / ٣٥٠ رقم ٢٢١٨.

٤٤

فلا يصحّ لهم الحكم بوضعه لهذا الحديث ، وإلّا جاء الطعن إلى أخبار صحاحهم!

وكذا الحال في محمّد بن حميد ؛ لأنّه من رجال سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة ، مع أنّه قد ذكر في « الميزان » بترجمة ابن حميد ، أنّه حدّث عنه أبو بكر الصنعاني ، فقيل له : أتحدّث عنه؟

فقال : وما لي لا أحدّث عنه؟! وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل ، وابن معين!

وقال أبو زرعة : من فاته محمّد بن حميد يحتاج أن يترك عشرة آلاف حديث.

ومن آخر أصحاب ابن حميد : أبو القاسم البغوي ، وابن جرير الطبري (١).

وحينئذ ، فلا يصحّ الحكم بوضع ابن جبير أو ابن حميد للحديث ، ولا سيّما على لسان عبد العزيز المنحرف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ولا يمنع انحرافه عند روايته لهذا الحديث ؛ لأنّ الله سبحانه إذا أراد إظهار الحقّ ألقى في نفوس القوم رواية ما علموه في حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لتلزمهم وغيرهم الحجّة ، ولذا رووا حديث الغدير ونحوه!

على أنّه قد قيل لعمر بن عبد العزيز : كيف خالفت من قبلك في منع السبّ عن عليّ؟!

فقال : عرفته من أبي ؛ لأنّه إذا خطب وجاء إلى سبّه تلجلج ، فسألته عن ذلك ، فقال : لو عرف الناس ما أعرفه من فضل هذا الرجل ما تبعنا

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ١٢٧ رقم ٧٤٥٩.

٤٥

منهم أحد » (١).

فظهر أنّه لا عبرة بما زعمه الناصبان ، الذهبيّ وابن الجوزيّ ، من وضع هذا الحديث ، ولا سيّما مع كونهما طرف النزاع ، وإن كان لا لوم عليهما بعد مخالفته لمذهبهما ، لكنّ الكلام في الدليل من حيث هو!

* * *

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٥٩ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣١٥ حوادث سنة ٩٩ ه‍.

٤٦

٣ ـ حديث الوصيّة

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :

الثالث : من « المسند » ، عن سلمان ، قال : يا رسول الله! من وصيّك؟

قال : يا سلمان! من كان وصيّ أخي موسى؟

قال : يوشع بن نون.

قال : فإنّ وصيّي ، ووارثي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي : عليّ ابن أبي طالب (٢).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٣.

(٢) رواه أحمد بن حنبل في مسنده كما في ينابيع المودّة ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ح ٤ وج ٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ح ٦٤٦ ، وفي فضائل الصحابة ٢ / ٧٦٢ ح ١٠٥٢ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٦ / ٢٢١ ح ٦٠٦٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٧٦ ـ ٧٧ ح ١١٥ ، تذكرة الخواصّ : ٤٨ ، كفاية الطالب : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، ذخائر العقبى : ١٣١ ـ ١٣٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٣٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٣ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٠ ح ٣٢٩٥٢.

٤٧

وقال الفضل (١) :

الوصيّ ، قد يقال ويراد به : من أوصي له بالعلم ، والهداية ، وحفظ قوانين الشريعة ، وتبليغ العلم والمعرفة.

فإن أريد هذا من الوصي ، فمسلّم أنّه كان وصيّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا خلاف في هذا.

وإن أريد الوصيّة بالخلافة ، فقد ذكرنا بالدلائل العقليّة والنقليّة عدم النصّ في خلافة عليّ.

ولو كان نصّا جليّا لم يخالفه الصحابة ، وإن خالفوا لم يطعهم العساكر وعامّة العرب ، سيّما الأنصار.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤١٤.

٤٨

وأقول :

إنّ معنى الوصيّة : العهد ، يقال : أوصى إلى فلان ، بمعنى : عهد إليه (١) ..

فإن أطلق متعلّق الوصيّة حكم بشموله لجميع ما يصلح تعلّقها به ..

وإن قيّد ، كما لو قيل : أوصى إليه بأيتامه ، أو ثلث ماله ، أو نحوهما ، اختصّ به.

ومن الواضح أنّ الرواية من قبيل الأوّل ، فتشمل الوصيّة بالخلافة ، بل هي أظهر ما تشمله وتنصرف إليه ، بل معنى وصيّ النبيّ : خليفته.

كما يشهد له أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب لسلمان مثلا بوصيّ موسى ، وهو : « يوشع » الخليفة لموسى ..

وما رواه أحمد في مسنده (٢) ، عن طلحة بن مصرف ، قال : « قال أبو الهذيل (٣) [ بن شرحبيل ] : أبو بكر [ كان ] يتأمّر على وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودّ أبو بكر أنّه وجد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهدا فخزم أنفه بخزام ».

__________________

(١) انظر : لسان العرب ١٥ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ مادّة « وصي ».

(٢) في أحاديث عبد الله بن أبي أوفى ، ص ٣٨٢ من ج ٤. منه قدس‌سره.

(٣) كذا في الأصل ، وفي المصدر : « الهذيل » ، وكلاهما تصحيف ، والصحيح : « الهزيل » بالزاي ؛ انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٢١٥ رقم ٢٠٩٦ ، التاريخ الكبير ٨ / ٢٤٥ رقم ٢٨٧٧ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٠٠ ذ ح ٢٦٩٦ ، مسند الحميدي ٢ / ٣١٥ ح ٧٢٢ ، مسند البزّار ٨ / ٢٩٨ ذ ح ٣٣٧٠ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٩ رقم ٧٥٦٢ ، تقريب التهذيب ٢ / ٢٦٥ رقم ٧٣٠٩.

٤٩

فإنّه صريح في أنّ معنى وصيّ رسول الله : خليفته ، مضافا إلى أنّه عطف في ذلك الحديث الوارث على الوصيّ.

والمراد بالوارث : إمّا وارث المنزلة ، وهو المطلوب ؛ أو وارث العلم ، وهو يستدعي الخلافة ؛ لأنّ علم الأنبياء ميراث لمن هو أحقّ بالاتّباع والرئاسة ؛ لقوله سبحانه : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلأَأَنْ يُهْدى ... ) (١) الآية.

ومنه يعلم تمام المطلوب لو أريد بالوصيّ من أوصي له بالعلم والهداية وحفظ قوانين الشريعة وتبليغ العلم ، ولا سيّما أنّ حفظ قوانين الشريعة يتوقّف على الخلافة ؛ لأنّ السوقة لا تقدر على حفظها تماما ؛ لاحتياجه إلى بسط اليد.

وقد اشتملت أخبار الوصيّة على قرائن أخر ، تقتضي إرادة الخليفة من الوصيّ ،

كقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعضها في وصف عليّ عليه‌السلام ، بأنّه « خير من أخلّف ـ أو : أترك ـ بعدي » ؛ كالخبرين السابقين عند الكلام في الحديث الثاني (٢) ، وكالذي حكاه في « كنز العمّال » (٣) ، عن الطبراني ، بسنده عن سلمان ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا قوله : « فقد ذكرنا بالدلائل العقليّة والنقليّة عدم النصّ » ..

فحوالة على العدم ..

ولعلّه يريد بالدليل ما أعاده هنا بقوله : « ولو كان نصّا جليّا ... »

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) انظر الصفحتين ٤٠ و ٤٢ من هذا الجزء.

(٣) ص ١٥٤ من ج ٦ [ ١١ / ٦١٠ ح ٣٢٩٥٢ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : المعجم الكبير ٦ / ٢٢١ ح ٦٠٦٣.

٥٠

إلى آخره ..

وفيه : ما عرفت في المبحث الثالث وغيره ممّا سبق (١).

ثمّ لا معنى لقوله : « لم يخالفه الصحابة ، ولو خالفوا لم يطعهم العساكر ... » إلى آخره ؛ لأنّ معناه : وإن خالف الصحابة ، لم تطعهم الصحابة ، إلّا أن يريد بالصحابة خصوص الشيخين وأنصارهما ، فيصحّ الكلام ، ولكن يكون الحكم بعدم مخالفتهم من أوّل المصادرات!

ثمّ إنّ أحاديث الوصيّة مستفيضة ، بل متواترة عند القوم ، فضلا عنّا.

وقد ذكر في « ينابيع المودّة » (٢) أحاديث منها كثيرة.

وفيها ما حكاه المصنّف رحمه‌الله عن « مسند أحمد » (٣).

وسطّر ابن أبي الحديد ثلاث صفحات ، أوائل الجزء الأوّل ، من الشعر المقول في صدر الإسلام لكثير من وجوههم ، تتضمّن بيان وصيّة عليّ عليه‌السلام (٤).

ثمّ قال بعد انتهائها : « والأشعار التي تتضمّن هذه اللفظة كثيرة جدّا ، ولكنّا ذكرنا منها هاهنا [ بعض ] ما قيل في هذين الحربين ـ يعني حرب الجمل وصفّين ـ ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعدّ ، ولو لا خوف الملالة [ والإضجار ] ، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة » (٥).

__________________

(١) انظر : ج ٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٣ و ٢٥١ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

(٢) في الباب ١٥ وغيره [ ١ / ٢٣٥ ـ ٢٤٢ ح ٤ ـ ١٦ ]. منه قدس‌سره.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ح ٤ وج ٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ح ٦٤٦ عن مسند أحمد.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ / ١٤٣ ـ ١٥٠.

(٥) شرح نهج البلاغة ١ / ١٥٠.

٥١

وقد ذكر هذا في شرح قوله عليه‌السلام من خطبة له : « لا يقاس بآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة ، الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله ، ونقل إلى منتقله » (١).

ولا يخفى لطف قوله عليه‌السلام : « رجع الحقّ إلى أهله » وما فيه من الدلالة على غصب الأوّلين له.

* * *

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩.

٥٢

٤ ـ حديث : من أحبّ أصحابك؟ ..

وإن كان أمر كنّا معه

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

الرابع : من كتاب « المناقب » لأبي بكر أحمد بن مردويه ـ وهو حجّة عند المذاهب الأربعة ـ ، رواه بإسناده إلى أبي ذرّ ، قال : دخلنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا : من أحبّ أصحابك إليك؟ وإن كان أمر كنّا معه ، وإن كانت نائبة كنّا من دونه!

قال : « هذا عليّ أقدمكم سلما وإسلاما » (٢).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٤.

(٢) المناقب المرتضوية ـ للكشفي الترمذي ـ : ٩٥ ، نقلا عن « المناقب » لابن مردويه.

٥٣

وقال الفضل (١) :

هذا الحديث إن صحّ يدلّ على فضيلة أمير المؤمنين ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّه حبّا شديدا ، ولا يدلّ على النصّ بإمارته.

ولو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناصّا على خلافته ، لكان هذا محلّ إظهاره ، وهو ظاهر ؛ فإنّه لمّا لم يقل : إنّه الأمير بعدي ؛ علم عدم النصّ ، فكيف يصحّ الاستدلال به؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤١٧.

٥٤

وأقول :

المراد بسؤالهم المذكور : طلب تعيين الإمام بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ أحبّ أصحاب الرئيس إليه هو الذي يرجى بعده للرئاسة وينبغي أن يقيمه مقامه ؛ ولذا قالوا : « وإن كان أمر كنّا معه ، وإن كانت نائبة كنّا دونه » ، فإنّ معناه : إن كان أمر اتّبعناه ، وإن كانت نائبة نصرناه وفديناه ، كما هو شأن الأتباع والأمير.

وقد فهم الفضل هذا المعنى ثمّ جحده ، فإنّ قوله : « لكان هذا محلّ إظهاره ... » إلى آخره ، دالّ على أنّ معنى السؤال طلب معرفة الإمام ، كما ذكرناه ، وإلّا فكيف كان المقام محلّ إظهار النصّ ، وكان عدم إظهاره موجبا للعلم بعدم النصّ؟!

فإذا كان المراد : هو السؤال عن الإمام والخليفة بعده ، كان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هذا عليّ » كافيا في الجواب ، غنيّا عن أن يضيف قوله : الأمير بعدي.

نعم ، يحسن الإشارة إلى علّة تعيينه للأحبّيّة والإمامة فأشار إليها بقوله : « أقدمكم سلما وإسلاما » ، فإنّه موجب لأحبّيّته ، وكاشف عن زيادة معرفته على غيره ، وإنّه أسبقهم إلى الخير ، وأفضلهم عملا ؛ والأفضل علما وعملا أحقّ بالإمامة.

ثمّ إنّ كلام الفضل يدلّ على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو قال : « عليّ خليفتي من بعدي ، ووليّكم بعدي » ، كان نصّا في خلافته ، مثبتا لمدّعانا عنده وعند أصحابه ، وهو كذب ؛ فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « هو خليفتي من بعدي ، ووليّكم

٥٥

بعدي » ، وقالوا : لا يدلّ على عدم الفصل بينهما حتّى تنتفي خلافة غيره ، كما صنعه القوشجي في ما حكيناه عنه في الخبر الثاني (١).

وليس هذا الذي أقرّ الفضل بأنّه نصّ بأعظم نصوصيّة من قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ) (٢) الآية ، ولا من حديث الغدير (٣) ، والمنزلة (٤) ، والثّقلين (٥) ، وأشباهها ، ومع ذلك كابروا الضرورة ، وعاندوا الحقيقة ؛ فليتدبّر من يريد لنفسه السلامة ، والقيام بالعذر والحجّة يوم القيامة.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحة ٣٩ من هذا الجزء ؛ وراجع : شرح التجريد : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

(٣) تقدّم تخريجه في ج ١ / ١٩ وج ٤ / ٣٢٠ من هذا الكتاب.

(٤) تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٣٠٥ من هذا الكتاب.

(٥) تقدّم تخريجه في ج ٢ / ١٨٧ ، وسيأتي الكلام عليه في الصفحات ٢٣٥ ـ ٢٥٠ من هذا الجزء.

٥٦

٥ ـ حديث : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ (١) :

الخامس : من كتاب ابن المغازلي الشافعي ، بإسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : « لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب » (٢).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٤.

(٢) مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٩٢ ح ٢٣٨ ، وأخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في « معجم الصحابة » كما في ذخائر العقبى : ١٣١ ، وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ١٩٢ ح ٥٠٤٧ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٤ ـ ٨٥ ح ٧٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٩٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٣٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٦٢ ـ ٧٦٣ ح ١٠٥٢ ، المعجم الكبير ٦ / ٢٢١ ح ٦٠٦٣.

٥٧

وقال الفضل (١) :

قد ذكرنا معنى الوصاية وأنّه غير الخلافة ، فقد يقال : هذا وصيّ فلان على الصبي ، ويراد به أنّه القائم بعده بأمر الصبيّ ، وهو قريب من الوارث ، ولهذا قرنه في هذا الحديث بالوارث ؛ وليس هذا بنصّ في الخلافة إن صحّ الرواية.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤١٩.

٥٨

وأقول :

رواه الذهبي في « ميزان الاعتدال » بترجمة شريك بن عبد الله ، من طريق عن بريدة (١).

وحكاه السيوطي في « اللآلئ » عن العقيلي والحاكم ، كلّ منهما بطريق آخر ، عن بريدة.

وطعنوا في أسانيدها جميعا (٢) ؛ وقد مرّ مرارا ما فيه.

وحكاه في « ينابيع المودّة » ، في الباب الخامس عشر ، عن أخطب خوارزم ، عن بريدة ؛ ونحوه عن أمّ سلمة (٣).

وحكاه في الباب السادس والخمسين ، عن « كنوز الدقائق » ، عن الديلمي (٤).

فلا ريب باعتباره ؛ لكثرة طرقه ، واعتضادها ببقيّة أخبار الوصيّة المستفيضة (٥).

كما لا ريب بدلالته على إمامة أمير المؤمنين ؛ لما سبق في الحديث

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٣ / ٣٧٥ رقم ٣٧٠٢.

(٢) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٨.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٢٣٥ ح ٥ و ٦ ؛ وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٤ ـ ٨٥ ح ٧٤ وص ١٤٧ ذ ح ١٧١.

(٤) ينابيع المودّة ٢ / ٧٩ ح ٩٦ ؛ وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ١٩٢ ح ٥٠٤٧.

(٥) أمّا ما تعلّلوا به في تضعيف بعض رجال أسانيد الحديث ، فمردود بأنّ أولئك الّذين ضعّفوا هم من رجال الصحاح الستّة أو بعضها ، فلا وجه لتضعيفهم هنا إلّا لروايتهم فضيلة لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ؛ فتأمّل!

٥٩

الثالث (١) ، مضافا إلى ظهوره بلزوم الوصيّ لكلّ نبيّ ، واللازم هو : الخليفة ؛ إذ لا بدّ للناس من إمام.

وأمّا قوله : « فقد يقال : هذا وصيّ فلان على الصبيّ ، ويراد به أنّه القائم بأمر الصبيّ » ..

فهو مثبت للمطلوب ، لا ناف له ؛ لأنّ وصيّ النبيّ هو خليفته القائم بأمر أمّته.

وأمّا قوله : « وهو قريب من الوارث ؛ ولهذا قرنه بالوارث » ..

فصحيح ؛ ولذا أفاد اللفظان الخلافة ؛ فإنّ المراد بالوارث : هو وارث العلم والمنزلة في الأمّة لا المال ، فيكون هو الإمام.

* * *

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٤٧ وما بعدها من هذا الجزء.

٦٠