فصاروا حزب إبليس ».
وهو كالأوّل في الدلالة على إمامتهم ؛ إذ شأن الإمام أن يكون أمانا من الاختلاف ؛ لعلمه وعصمته ، فلا يختلف في الدين من اتّبعه ، ولا في الدنيا ؛ لمنعه الناس عن ظلم بعضهم بعضا لو بسطت يده.
وقريب من هذه الأخبار ما استفاض عن رسول الله : « إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح » (١) و « إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل » (٢).
قال ابن حجر بعد كلامه السابق : « جاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضا : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا.
وفي رواية مسلم : ومن تخلّف عنها غرق.
__________________
(١) فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٩٨٧ ح ١٤٠٢ ، مسند البزّار ٩ / ٣٤٣ ح ٣٩٠٠ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ـ ٤٦ ح ٢٦٣٦ ـ ٢٦٣٨ وج ١٢ / ٢٧ ح ١٢٣٨٨ ، المعجم الأوسط ٤ / ١٠٤ ح ٣٤٧٨ وج ٦ / ١٧ ح ٥٥٣٦ وص ١٤٧ ح ٥٨٧٠ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٩ وج ٢ / ٢٢ ، المعرفة والتاريخ ـ للفسوي ـ ١ / ٢٩٦ ، العلل الواردة في الأحاديث النبوية ـ للدارقطني ـ ٦ / ٢٣٦ السؤال ١٠٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٧٣ ح ٣٣١٢ وج ٣ / ١٦٣ ح ٤٧٢٠ ، الكنى والأسماء ـ للدولابي ـ ١ / ٧٦ ، عيون الأخبار ١ / ٣١٠ ، المعارف : ١٤٦ ، البدء والتاريخ ١ / ٢٢٠ ، حلية الأولياء ٤ / ٣٠٦ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٩١ رقم ٦٥٠٧ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ح ١٧٣ ـ ١٧٧ ، أساس البلاغة : ٢٦٨ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٧٨ ح ٦١٨٣ عن « مسند أحمد » ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، جواهر العقدين : ٢٦٠ عن « مسند أبي يعلى » وغيره ، الصواعق المحرقة : ٢٣٤ عن أحمد ومسلم وغيرهما ، كنز العمّال ١٢ / ٩٨ ح ٣٤١٦٩.
(٢) المعجم الكبير ٣ / ٤٦ ح ٢٦٣٧ ، المعجم الأوسط ٤ / ١٠٤ ح ٣٤٧٨ وج ٦ / ١٤٧ ح ٥٨٧٠ ، المعجم الصغير ١ / ١٤٠ وج ٢ / ٢٢ ، كفاية الطالب : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤٢ ح ٥١٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، جواهر العقدين : ٢٦٠ ـ ٢٦١.
وفي رواية : هلك.
و: إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له.
وفي رواية : غفر له الذنوب » (١).
وروى الحاكم في « المستدرك » (٢) عن أبي ذرّ ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ».
وحكى مثله في « كنز العمّال » (٣) ، عن البزّار ، عن ابن عبّاس.
وحكى مثله أيضا بإبدال « غرق » ب « هلك » ، عن ابن جرير والحاكم ، عن أبي ذرّ (٤).
وكذا عن الطبراني ، عن أبي ذرّ ، مع زيادة قوله : « ومثل باب حطّة في بني إسرائيل » (٥).
وهذه الأخبار كالتي قبلها في الدلالة على المطلوب ؛ لأنّه صريحة في أنّ أهل البيت عليهمالسلام محلّ الاتّباع ووجوب الطاعة ، وأنّه باتّباعهم تحصل
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٢٣٤.
(٢) ص ٣٤٣ من الجزء الثاني [ ٢ / ٣٧٣ ح ٣٣١٢ ] ، وص ١٥١ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٦٣ ح ٤٧٢٠ ]. منه قدسسره.
(٣) ص ٢١٦ من الجزء السادس [ ١٢ / ٩٥ ح ٣٤١٥١ ]. منه قدسسره.
وانظر : مسند البزّار ٩ / ٣٤٣ ح ٣٩٠٠ عن أبي ذرّ.
(٤) كنز العمّال ١٢ / ٩٤ ح ٣٤١٤٤ وص ٩٨ ح ٣٤١٦٩ ؛ وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٣ ح ٤٧٢٠.
(٥) كنز العمّال ١٢ / ٩٨ ح ٣٤١٧٠ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ح ٢٦٣٧ ، المعجم الأوسط ٤ / ١٠٤ ح ٣٤٧٨ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٩ ـ ١٤٠.
النجاة والغفران ، وبالتخلّف عنهم يكون الهلاك ؛ وهو مقتضى الإمامة ..
ولذا جاء في الخبر : « عليّ باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ».
ونقله في « الكنز » (١) ، عن الدارقطني ، عن ابن عبّاس.
* * *
__________________
(١) ص ١٥٣ من الجزء المذكور [ ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٠ ]. منه قدسسره.
وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ٧٨ ح ٣٩٩٨.
٢٨ ـ حديث : اثنا عشر خليفة
قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ (١) :
الثامن والعشرون : في « صحيح البخاري » ، في موضعين بطريقين ، عن جابر وابن عيينة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (٢).
وفي رواية عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يزال أمر الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (٣).
وفي « صحيح مسلم » أيضا : « لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (٤).
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٣٠.
(٢) انظر : جامع الأصول ٤ / ٤٥ ح ٢٠٢٢ عن « صحيح البخاري » ، وانظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٤٤٦ رقم ١٤٢٦ وج ٣ / ١٨٥ رقم ٦٢٧ وج ٨ / ٤١٠ ـ ٤١١ رقم ٣٥٢٠.
(٣) انظر : صحيح البخاري ٩ / ١٤٧ ح ٧٩ ، صحيح مسلم ٦ / ٣.
(٤) صحيح مسلم ٦ / ٤.
وانظر : سنن أبي داود ٤ / ١٠٣ ح ٤٢٧٩ ـ ٤٢٨١ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٤ ح ٢٢٢٣ ، مسند أحمد ٥ / ٨٦ و ٨٧ و ٨٨ و ٨٩ و ٩٠ و ٩٢ و ٩٣ و ٩٨ و ٩٩ و ١٠٠ و ١٠١ و ١٠٦ و ١٠٧ و ١٠٨ ، مسند أبي يعلى ٨ / ٤٤٤ ح ٥٠٣١ وج ٩ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ح ٥٣٢٢ و ٥٣٢٣ وج ١٣ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ح ٧٤٦٣ ، المعجم الكبير ٢ / ١٩٥ ـ ١٩٧ ح ١٧٩١ ـ ١٨٠١ وص ١٩٩ ح ١٨٠٨ و ١٨٠٩ وص ٢٠٦ ح ١٨٤١ وص
وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » في موضعين ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (١).
وكذا في « صحيح أبي داود » (٢) و « الجمع بين الصحيحين » (٣).
وقد ذكر السّدّي في تفسيره ـ وهو من علماء الجمهور وثقاتهم (٤) ـ ،
__________________
٢٠٨ ح ١٨٤٩ ـ ١٨٥٢ وص ٢١٤ ح ١٨٧٥ و ١٨٧٦ وص ٢١٥ ح ١٨٨٣ وص ٢١٨ ح ١٨٩٦ وص ٢٢٣ ح ١٩٢٣ وص ٢٢٦ ح ١٩٣٦ وص ٢٣٢ ح ١٩٦٤ وص ٢٤٠ ـ ٢٤١ ـ ٢٠٠٧ وص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ح ٢٠٤٤ وص ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ح ٢٠٥٩ ـ ٢٠٦٣ وص ٢٥٥ ح ٢٠٦٧ ـ ٢٠٧١ وص ٢٥٦ ح ٢٠٧٣ ، المعجم الأوسط ٢ / ١٢٢ ح ١٤٥٢ وج ٣ / ٢٧٩ ح ٢٩٤٣ وج ٤ / ٣٦٦ ح ٣٩٣٨ وج ٦ / ٢٨٥ ح ٦٢١١ ، مسند الطيالسي : ١٠٥ ح ٧٦٧ وص ١٨٠ ح ١٢٧٨ ، الفتن ـ لنعيم بن حمّاد ـ : ٥٢ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥١٨ ح ١١٢٣ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٣ ح ٦٩٧٦ ـ ٦٩٩٨ ، أخبار القضاة ٣ / ١٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٣٠ ح ٦٦٢٦ ـ ٦٦٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧١٥ ـ ٧١٦ ح ٦٥٨٦ و ٦٥٨٩ ، تاريخ أصبهان ٢ / ١٤٧ رقم ١٣٢٧ ، حلية الأولياء ٤ / ٣٣٣ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٥٥٠ ح ٤٨٥ و ٤٨٦ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٣٢٤ وص ٥١٩ ـ ٥٢٠ ، تاريخ بغداد ١٤ / ٣٥٣ رقم ٧٦٧٣ ، الكفاية في علم الرواية : ٧٣ ، فردوس الأخبار ٢ / ٤٢٧ ح ٧٧٠٥ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٣٧ ح ٤٦٨٠ ، البداية والنهاية ٦ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٩٠.
(١) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٤٨٧ ح ٨٠٧ عن « الجمع بين الصحاح الستّة ».
(٢) انظر : سنن أبي داود ٤ / ١٠٣ ح ٤٢٧٩ ـ ٤٢٨١.
(٣) الجمع بين الصحيحين ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ذ ح ٥٢٠.
(٤) والسّدّيّ هو : أبو محمّد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الأعور ، الحجازي الكوفي القرشي ، مولاهم ، المعروف بالسّدّيّ الكبير ، كان يقعد في سدّة باب الجامع بالكوفة ، فسمّي السّدّيّ ، توفّي سنة ١٢٧ أو ١٢٨ ه.
روى عن جملة من الصحابة ـ كأنس وابن عبّاس ـ ، وروى عنه كبار القوم والتابعين ، وأخرج له مسلم والأربعة.
قال : « لمّا كرهت سارة مكان هاجر ، أوحى الله إلى إبراهيم فقال : انطلق بإسماعيل وأمّه حتّى تنزله بيت النبيّ التهاميّ ـ يعني : مكّة ـ ، فإنّي ناشر ذرّيّتك وجاعلهم ثقلا على من كفر بي ، وجاعل منهم نبيّا عظيما ، ومظهره على الأديان ، وجاعل من ذرّيّته اثني عشر عظيما ، وجاعل ذرّيّته عدد نجوم السماء » (١).
__________________
وقد وثقه أعلام الجمهور وأئمّة الجرح والتعديل عندهم ، ووصفوه بالإمام المفسّر ..
روى البخاري عن ابن أبي خالد أنّه قال : السّدّي أعلم بالقرآن من الشعبي.
وقال عنه يحيى القطّان : ما رأيت أحدا يذكر السّدّي إلّا بخير ، وما تركه أحد.
وسئل عنه يحيى فقال : السّدّي عندي لا بأس به.
وقال أحمد بن حنبل : ثقة.
وسمع عبد الرحمن بن مهدي يوما تضعيف السّدّي فغضب غضبا شديدا وقال : سبحان الله! إيش ذا؟!
وقال العجلي : ثقة ، روى عنه سفيان وشعبة وزائدة ، عالم بتفسير القرآن ، راوية له.
وقال النسائي في الكنى : صالح الحديث.
وقال في موضع آخر : ليس به بأس.
وقال ابن عديّ : وهو عندي مستقيم الحديث ، صدوق ، لا بأس به.
وذكره ابن حبّان في « الثقات ».
وقال الحاكم ـ في باب الرواة الّذين عيب على مسلم إخراج حديثهم ـ : تعديل عبد الرحمن بن المهدي أقوى عند مسلم.
انظر : العلل ومعرفة الرجال ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٥٤٤ رقم ٤٥٨١ ، التاريخ الكبير ١ / ٣٦١ رقم ١١٤٥ ، تاريخ الثقات ـ للعجلي ـ : ٦٦ رقم ٩٤ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٤ / ٢٠ ، الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ٢٧٦ رقم ١١٦ ، المدخل إلى معرفة الصحيح ـ للحاكم ـ ٢ / ٧٠٩ رقم ٣٠٥٥ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٢٦٤ رقم ١٢٤ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٢٤ رقم ٤٩٩ ، الإتقان في علوم القرآن ٢ / ٥٣٤.
(١) انظر : الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : ١٧٢ ح ٢٦٩ عن السدّي ، بحار الأنوار ٣٦ / ٢١٤ ح ١٦.
وقد دلّت هذه الأخبار على إمامة اثني عشر إماما من ذرّيّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا قائل بالحصر إلّا الإمامية في المعصومين ، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى (١).
* * *
__________________
(١) الكافي ١ / ٦٠٥ ح ١٣٨٥ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ / ٥١ ـ ٦٠ ح ٥ ـ ٢٥ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ٧٢٨ ح ٩٩٨ ، كمال الدين ١ / ٢٥٩ ح ٤ وص ٢٦٩ ح ١٣ ، الغيبة ـ للنعماني ـ : ٧٤ ـ ٧٩ ، الغيبة ـ للطوسي ـ : ١٢٧ ـ ١٥٧ ح ٩٠ ـ ١١٤ ، مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٥٨ ـ ٣٦١ ، دلائل الإمامة : ٢٣٧.
وقال الفضل (١) :
ما ذكر من الأحاديث الواردة في شأن اثني عشر خليفة ، فهو صحيح ثابت في « الصحاح » من رواية جابر بن سمرة.
وأمّا ابن عيينة فهو ليس بصحابيّ ولا تابعيّ ، بل يمكن أن يكون أحدا من سلسلة الرواة ؛ وهو من عدم معرفته بالحديث وعلم الإسناد يزعم أنّ ابن عيينة وجابر متقابلان في الرواية.
ثمّ ما ذكر من عدد اثني عشر خليفة ، فقد اختلف العلماء في معناه ..
فقال بعضهم : هم الخلفاء بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان اثنا عشر منهم ولاة الأمر إلى ثلاثمئة سنة ، وبعدها وقع الفتن والحوادث ، فيكون المعنى : أنّ أمر الدين عزيز في مدّة خلافة اثني عشر ، كلّهم من قريش.
وقال بعضهم : إنّ عدد صلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر ، وهم :
الخلفاء الراشدون ـ وهم خمسة ـ ، وعبد الله بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وخمسة أخر من خلفاء بني العبّاس ، فيكون هذا إشارة إلى الصلحاء من الخلفاء القرشية (٢).
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٨.
(٢) ما أورده الفضل هنا هو بعض ما حار فيه علماء الجمهور ـ في مراد الحديث ومعناه ـ واضطربوا فيه اضطرابا كبيرا ، فقد تباينت آراؤهم وأقوالهم في تعيين الاثني عشر خليفة تباينا فاحشا ..
قال ابن العربي المالكي ـ بعد أن أحصى ٤٥ أميرا ـ : « ولم أعلم للحديث معنى ، ولعلّه بعض حديث »!
وأمّا حمله على الأئمّة الاثني عشر ؛ فإن أريد بالخلافة : وراثة العلم والمعرفة ، وإيضاح الحجّة ، والقيام بإتمام منصب النبوّة ، فلا مانع من الصحّة ، ويجوز هذا الحمل.
وإن أريد به الزعامة الكبرى ، والإيالة العظمى ، هذا أمر لا يصحّ ؛ لأنّ من اثني عشر اثنين كان صاحب الزعامة الكبرى ؛ وهما : عليّ وحسن ، والباقون لم يتصدّوا للزعامة الكبرى.
ولو قال الخصم : إنّهم كانوا خلفاء لكن منعهم الناس عن حقّهم.
قلنا : سلّمت إنّهم لم يكونوا خلفاء بالفعل ، بل بالقوّة والاستحقاق.
وظاهر أنّ مراد الحديث : أن يكونوا خلفاء قائمين بالزعامة والولاية ، وإلّا فما الفائدة في خلافتهم في إقامة الدين؟! وهذا ظاهر ، والله أعلم.
__________________
ونقل النووي عدّة أوجه أوردها القاضي عياض ، لا يعود أيّ منها إلى محصّل! قال في آخرها : « ويحتمل أوجها أخر ، والله أعلم بمراد نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم »!
وشرّق ابن كثير في تفسيره ، ثمّ غرّب في تاريخه فذكر آراء آخرين ، وعقّب عليها معترضا بقوله : « فهذا الذي سلكه البيهقي ، وقد وافقه عليه جماعة ... فإنّه مسلك فيه نظر »!
وقال ابن بطّال القرطبي ، عن المهلّب : « لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث ـ يعني : بشيء معيّن ـ »!
وقال ابن الجوزي : « قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث ، وتطلّبت مظانّه ، وسألت عنه ، فلم أقع على المقصود به »!
وقال العسقلاني ـ بعد أن أورد أقوال من سبقه ـ : « والوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح ، ويعكّر عليه ما أخرجه الطبراني ... »!
انظر : عارضة الأحوذي ٥ / ٦٦ ـ ٦٧ ح ٢٢٣٠ ، شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ١٢ / ١٥٨ ـ ١٦٠ ح ١٨٢١ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٣١ ، البداية والنهاية ٦ / ١٨٥ ـ ١٨٧ ، فتح الباري ١٣ / ٢٦١ ـ ٢٦٦ ح ٧٢٢٢ و ٧٢٢٣ ، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ١٢ ـ ١٥.
ثمّ إنّ كلّ ما ذكره من الآيات والأحاديث وأراد بها الاستدلال على وجود النصّ بالخلافة في شأن عليّ ، قد علمت أنّ أكثرها كان بعيدا عن المدّعى ، ولم يكن بينها وبين المدّعى نسبة أصلا.
وما كان مناسبا فقد علمت أنّه لا يدلّ على النصّ ، فلم يثبت بسائر ما أورده مدّعاه ، فأيّ فائدة في قوله : « والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى »؟!
* * *
وأقول :
لا يخفى أنّ التقابل بين جابر وابن عيينة لا يتوقّف على كونهما صحابيّين ، بل يتوقّف على انتهاء السلسلة إليهما ؛ غاية الأمر أن تكون رواية ابن عيينة مرسلة ، وهو كثير في أخبار صحاحهم!
ولم أعثر في مراجعتي ل « صحيح البخاري » إلّا على رواية واحدة في آخر « كتاب الأحكام » ، عن جابر ، قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : يكون اثنا عشر أميرا ؛ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : كلّهم من قريش (١).
وحكى في « ينابيع المودّة » (٢) عن كتاب « العمدة » ، أنّ البخاري روى الحديث من ثلاثة طرق.
ولا ريب أنّ المراد به : أئمّتنا ؛ لأمور :
الأوّل : إنّه لو لا إرادتهم ، لكان الخبر كاذبا إن أراد جميع أمراء قريش ، وغير مفيد بظاهره إن أراد البعض.
الثاني : إنّ بعض أحاديث المقام يفيد بظاهره وجود الاثني عشر في تمام الأوقات بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى قيام الساعة ، وهو لا يتمّ إلّا على إرادة أئمّتنا ؛ كخبر مسلم في أول « كتاب الإمارة » ، عن جابر ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، أو
__________________
(١) صحيح البخاري ٩ / ١٤٧ ح ٧٩.
(٢) في الباب السابع والسبعين [ ٣ / ٢٨٩ ]. منه قدسسره.
وانظر : عمدة عيون صحاح الأخبار : ٤٨١ ح ٧٨٢ ـ ٧٨٤.
يكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » (١).
ومثله في « مسند أحمد » (٢).
وكخبر مسلم ـ أيضا ـ ، عن جابر : « إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة » (٣).
الثالث : ما رواه مسلم في المقام المذكور ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » (٤).
ورواه البخاري في أوّل « كتاب الأحكام » ، في « باب الأمراء من قريش » (٥).
ورواه أحمد ، عن ابن عمر (٦).
فإنّ المراد به : حصر الإمامة الشرعيّة في قريش ما دام الناس ، لا السلطة الظاهريّة ، ضرورة حصولها لغير قريش في أكثر الأوقات ، فيكون قرينة على أنّ المراد من الحديث الأوّل : حصر الخلفاء الشرعيّين في اثني عشر ، وهو لا يتمّ إلّا على مذهبنا.
الرابع : ما رواه أحمد (٧) ، عن مسروق ، قال : كنّا جلوسا عند
__________________
(١) صحيح مسلم ٦ / ٤.
(٢) ص ٨٩ من الجزء الخامس. منه قدسسره.
(٣) صحيح مسلم ٦ / ٣.
(٤) صحيح مسلم ٦ / ٣.
(٥) صحيح البخاري ٥ / ١٣ ح ١١ باب مناقب قريش ، وج ٩ / ١١٢ ح ٤ باب الأمراء من قريش.
(٦) ص ٢٩ و ١٢٨ من الجزء الثاني. منه قدسسره.
(٧) ص ٣٩٨ من الجزء الأوّل. منه قدسسره.
عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟
فقال عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك.
ثمّ قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ».
وروى نحوه أيضا بعد قليل (١).
وذكره ابن حجر وحسّنه في « الصواعق » (٢).
فإنّه دالّ على انحصار الخلافة في اثني عشر ، وإنّهم خلفاء بالنصّ ؛ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « كعدّة نقباء بني إسرائيل » ، فإنّ نقباءهم خلفاء بالنصّ ، لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) (٣).
مع أنّ سؤال الصحابة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هو عن خلفائه بالنصّ ، لا بتأمير الناس أو بالتغلّب ؛ إذ لا يهمّ الصحابة السؤال عن ذلك ؛ لأنّ تأمير الناس وتغلّب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتّى يهمّ الصحابة السؤال عنه ؛ ولأنّ السلاطين بلا نصّ لا يحتاج إلى السؤال عنهم وعن عددهم ؛ لأنّ العادة جرت على وجود مثلهم وأنّهم لا ينحصرون بعدد.
فظهر أنّ السؤال إنّما هو عن الخلفاء بالنصّ ، وعنهم أجاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) ص ٤٠٦ من الجزء الأوّل. منه قدسسره.
(٢) في الفصل الثالث من الباب الأوّل [ ص ٣٤ ]. منه قدسسره.
(٣) سورة المائدة ٥ : ١٢.
ولا قائل بأنّ الخلفاء اثنا عشر بالنصّ غير أئمّتنا عليهمالسلام ، فيكونون هم المراد بالاثني عشر في هذا الحديث ، فكذا في الحديث السابق (١).
الخامس : إنّ المنصرف من الخليفة من استخلفه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خصوصا قبل حدوث دعوى حصول الخلافة بلا نصّ ، بل لا يتصوّر الصحابة وكلّ العقلاء أن يتركهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا إمام منصوب منهم ، حتّى يسألوا عن غيره أو الأعمّ منه ، أو يفهموا من إخباره إرادة الغير أو الأعمّ.
فلا بدّ أن يراد بالاثني عشر في الحديثين ، أئمّتنا ، فهم أئمّة الأمّة بالفعل ، ولهم الزعامة العظمى الإلهيّة عليها.
ولا يضرّ في إمامتهم الفعليّة عدم نفوذ كلمتهم ؛ لأنّ معنى إمامتهم وولايتهم أنّهم يملكون التصرّف وإن منعهم الناس ، كالأنبياء المقهورين ، فإنّهم ولاة الأمر وإن تغلّب عليهم الظالمون.
وكما أنّه لا يصحّ أن يقال : لا فائدة في نبوّة النبيّ الممنوع عن التصرّف ؛ لا يصحّ أن يقال : لا فائدة في إمامة الإمام الممنوع عنه.
فإنّ الفائدة لا تنحصر بالتصرّف ؛ لكفاية أن يكون بهم إيضاح الحجّة وإنارة المحجّة ونشر العلم.
بل لو لم يتمكّنوا حتّى من هذا لحبس أو نحوه ، ففائدتهم أنّ وجودهم حجّة لله على عباده ، ودافع لعذرهم ، كما قال سبحانه في شأن الرسل : ( لِئَلأَيَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٢).
__________________
(١) أي حديث الاثني عشر خليفة.
(٢) سورة النساء ٤ : ١٦٥.
فكما أنّ النبيّ حجّة لم تبطل نبوّته بحبسه أو غيبته ؛ كما غاب نبيّنا في الغار ، وغاب موسى عن قومه ، فكذا الإمام ، ولا أثر لطول الغيبة أو قصرها في الفرق.
وأمّا الحملان اللذان ذكرهما الفضل ـ أعني : إرادة من لم تقع الفتن في أيّامهم ، أو الخلفاء الصلحاء ـ ، فيرد عليهما :
أوّلا : إنّ المراد بهذه الأخبار ، دوام الإسلام وعزّته إلى آخر الدنيا الذي تنتهي به الأئمّة الاثنا عشر ـ كما سبق ـ ، لا أنّ المراد : انتهاء عزّة الإسلام في قليل من السنين ويسير من الخلفاء.
وثانيا : إنّ ظاهر هذه الأخبار اتّصال عزّة الإسلام في مدّة خلافة الاثني عشر ، فلا يتّجه حمله على المتفرّقين.
ودعوى إرادة المجتمعين باطلة ؛ فإنّها لا تجامع أحد الحملين ..
أمّا الأوّل ؛ فلكثرة الفتن في أيّام الاثني عشر بمبدإ الإسلام.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ من الخلفاء ـ في مبدإ الإسلام ـ يزيد بن معاوية وعبد الملك وأشباههما ، ممّن هم غير صلحاء بالاتّفاق.
وكيف يصحّ أن يقال : إنّ الدين قائم في أيّام معاوية ؛ وهو قد ألحق العهار بالنسب علانية (١) ، وحارب الحقّ جهرة (٢) ، وقتل خيار عباد الله
__________________
(١) وذلك لمّا أقدم على إلحاق زياد بن سمية بأبي سفيان بعد أن ولد على فراش عبيد الثقفي ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ، كما في : صحيح البخاري ٣ / ١١٥ ح ٧ وج ٤ / ٤٩ ح ٨ ، صحيح مسلم ٤ / ١٧١ ، سنن أبي داود ٢ / ٢٩١ ح ٢٢٧٣ و ٢٢٧٤ ، سنن الترمذي ٣ / ٤٦٣ ح ١١٥٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٤٦ ـ ٦٤٧ ح ٢٠٠٤ ـ ٢٠٠٧ ، سنن الدارمي ٢ / ١٠٦ ح ٢٢٣١ و ٢٢٣٢ ، الموطّأ : ٦٤٧ ح ٢٢ ، مسند أحمد ١ / ٥٩ و ٦٥.
(٢) بقتاله لإمام زمانه أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام.
صبرا ، كحجر وأصحابه (١) ، وابن الحمق وأمثاله (٢)؟!
__________________
(١) أمّا حجر فهو : حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة الكندي ، الملقّب بحجر الخير ، وراهب أصحاب رسول الله ، كان من أفاضل الصحابة ، وفد مع أخيه على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وشهد القادسية وفتوح الشام ، وكان من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، وشهد معه وقعتي الجمل وصفّين ، وكان على كندة ، أرسل في طلبه معاوية إلى أن وصل إلى مرج عذراء قرب دمشق ـ وكان هو الذي فتحها وأوّل من كبّر في نواحيها ـ فأمر به أن يقتل أو يلعن عليّا عليهالسلام ويتبرّأ منه ، فلم يتبرّأ ، فصلّى ركعتين وقدّم فقتل صبرا ومعه ابنه وأصحابه ، ومشهدهم مشيد يزار.
ونقل أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة جعل يقول : يومي منك يا حجر طويل!
وأمّا أصحابه الّذين استشهدوا معه ، فهم : شريك بن شدّاد الحضرمي ، صيفي ابن فسيل الشيباني ، قبيصة بن ضبيعة العبسي ، محرز بن شهاب السعدي ، كدام ابن حيّان العنزي ، وعبد الرحمن بن حسّان العنزي ـ الذي دفنه زياد بأمر معاوية حيّا ـ ؛ وكان معاوية قد أمر بقتلهم ، فقتلوا بمرج عذراء ، بغوطة دمشق رحمه الله ، لا لشيء سوى إنّهم لم يتبرّأوا من إمام زمانهم أمير المؤمنين عليّ ٧ ؛ وكان ذلك سنة ٥١ ه.
انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢١٨ ـ ٢٣١ ، أسد الغابة ١ / ٤٦١ رقم ١٠٩٣ ، الإصابة ٢ / ٣٧ رقم ١٦٣١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣١ ح ٥٩٧٢ ـ ٥٩٨٤ ، معجم البلدان ٤ / ١٠٣ رقم ٨٢٥١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٢٦ ـ ٣٣٨ ، الاستيعاب ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٢ رقم ٤٨٧ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٦٢ رقم ٩٥.
(٢) أمّا عمرو فهو : عمرو بن الحمق بن كاهل ـ ويقال : كاهن ـ الخزاعي ، هاجر إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد الحديبية ، شهد مع الإمام عليّ عليهالسلام مشاهده كلّها ، وكان من أصحاب حجر بن عديّ.
طلبه معاوية وكان قد فرّ إلى الموصل ، فقتله عامل معاوية على الموصل عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي.
وروي أنّه حينما فرّ التجأ إلى غار في الجبل ـ وكان مريضا ـ فلدغته أفعى فمات ، فدخل الجند عليه واحتزّوا رأسه وبعثوا به إلى زياد ، ثمّ بعث به زياد إلى معاوية ، فألقي برأسه في حجر زوجته ـ وكان قد حبسها معاوية ـ فقالت : غيّبتموه عنّي طويلا ثمّ أهديتموه إليّ قتيلا ، فأهلا بها من هديّة ، غير قالية ولا مقليّة ؛
وفي أيّام يزيد وعبد الملك ؛ وقد هدما الكعبة (١) ، وهتكا حرمة الله ورسوله ، ولم يتركا لله محرّما إلّا فعلاه ، ولا حرمة إلّا أضاعاها (٢) ، والناس
__________________
فكان رأس عمرو أوّل رأس احتزّ في الإسلام وطيف به وأهدي!
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا لعمرو يوما فقال : اللهمّ متّعه بشبابه ؛ فمرّت ٨٠ سنة لا ترى شعرة بيضاء في لحيته.
انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٢١ و ٢٢٤ حوادث سنة ٥١ ه ، البداية والنهاية ٨ / ٣٩ حوادث سنة ٥٠ ه ، أسد الغابة ٣ / ٧١٤ رقم ٣٩٠٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٧٣ رقم ١٩٠٩ ، مختصر تاريخ دمشق ١٩ / ٢٠ رقم ١٢٥ ، الإصابة ٤ / ٦٢٤ رقم ٥٨٢٢.
وأمّا من قتله معاوية من أمثال ابن الحمق :
فقد دسّ السمّ لمالك الأشتر على يد عبد لعثمان ، حتّى قال معاوية : إنّ لله جنودا من عسل!
ومحمّد بن أبي بكر ، فقد قتله عامله على مصر عمرو بن العاص ، ثمّ وضعه في جوف حمار ميّت وأحرقه ، وكان ذلك سنة ٣٨ ه.
والحضرميان مسلم بن زيمر وعبد الله بن نجيّ ، صلبهما زياد بن أبيه بأمر من معاوية.
انظر : الغارات : ١٦٦ ـ ١٦٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٢٨ ـ ٢٣١ حوادث سنة ٣٨ ه ، أسد الغابة ٤ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ رقم ٤٧٤٤ ، الاستيعاب ٣ / ١٣٦٦ ـ ١٣٦٧ رقم ٢٣٢٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٨١ ـ ٤٨٢ رقم ١٠٤ ، الإصابة ٦ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ رقم ٨٣٠٠ ، المحبّر : ٤٧٩.
(١) أمّا يزيد فقد رمى الكعبة المشرّفة بالمنجنيق فهدمها وأحرقها ، وذلك سنة ٦٤ ه عند حصار عبد الله بن الزبير ، كما هدمها عبد الملك سنة ٧٣ ه.
انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٦١ و ٥٣٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٦٤ وج ٤ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، المنتظم ٤ / ١٨١ و ٢٧٥.
(٢) ومن موبقاتهما علاوة على كونهما من بني أميّة الشجرة الملعونة في القرآن ، ونزوهما على منبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتسلّطهما على رقاب المسلمين بغير حقّ :
قتل يزيد ريحانة النبيّ وسبطه الإمام الحسين عليه السلام ، وأسره وسببه وتسييره للهاشميات وأهل بيت النبوّة والرسالة عليهم السلام ، وقوله الكفر شعرا بعد وضع رأس الإمام الحسين عليه السلام بين يديه ، وقتل النفوس المحترمة ، حتّى قتل أكثر من عشرة
لهما أعوان ، وبهم قام لهما السلطان؟!
فأين الإسلام وعزّته؟! وأين الدين وقيامه؟!
وثالثا : إنّ الحمل الأوّل لا يناسب عدد الاثني عشر ؛ لأنّ من لم تقع الفتن في أيّامهم أضعاف هذا العدد.
والحمل الثاني مناف لأخبارهم ؛ لإفادتها أنّ خلافة الصلحاء منحصرة في ثلاثين سنة ..
روى الحاكم في « المستدرك » (١) ، عن سفينة ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « خلافة النبوّة ثلاثون سنة ».
وقال ابن حجر في « الصواعق » (٢) : « الحادي عشر : أخرج أحمد ، عن سفينة ، وأخرجه أيضا أصحاب السنن ، وصحّحه ابن حبّان وغيره ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : الخلافة ثلاثون عاما ، ثمّ يكون بعد ذلك الملك.
وفي رواية : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثمّ تصير ملكا عضوضا ».
__________________
آلاف نفس في وقعة الحرّة ، واستباحة المدينة المنوّرة ثلاثة أيّام ؛ وشربهما الخمر ، وترك الصلاة ، واللعب بالطنابير والكلاب ، ونكاح المحارم ، ونهب الأموال ، وهتك الأعراض والحرمات ... وغيرها كثير.
انظر مثلا : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٤٩ ، تاريخ دمشق ٢٧ / ٤٢٩ ، الردّ على المتعصّب العنيد : ٥٣ ـ ٦٢ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٩ ـ ٢٦١.
(١) ص ١٤٥ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٥٦ ح ٤٦٩٧ ]. منه قدسسره.
(٢) في الفصل ٣ من الباب الأوّل [ ص ٤١ ]. منه قدسسره.
وانظر : سنن الترمذي ٤ / ٤٣٦ ح ٢٢٢٦ ، سنن أبي داود ٤ / ٢١٠ ح ٤٦٤٦ و ٤٦٤٧ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٥ ، مسند أحمد ٥ / ٢٢٠ و ٢٢١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٨ ح ٦٩٠٤.
فكيف يصحّ عندهم حمل الخلفاء الاثني عشر على الصلحاء؟!
على أنّ الحكم بصلاح من زعمهم من الصلحاء باطل ؛ لما ستعرف في الجزء الثالث (١).
وأمّا ابن عبد العزيز (٢) ؛ فيكفيه أنّه من الشجرة الملعونة في القرآن (٣) ، الّذين رآهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينزون على منبره نزو القردة ،
__________________
(١) سيأتي ذلك في الجزء السابع وفق تجزئتنا الجديدة للكتاب.
(٢) هو : أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ، وأمّه : أمّ عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب.
ولد سنة ٦٣ ه ، وولي الخلافة بعهد من سليمان بن عبد الملك سنة ٩٩ ه ، ودامت أيّام ملكه سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيّام.
جلد رجلا بالسوط لشتمه معاوية.
كان مترفا منعّما ، يختال في مشيته ، من أعطر الناس وألبسها ، كان يشترى له الثوب بأربعمئة دينار ، وعندما يلمسه يقول : ما أخشنه وأغلظه!
قال عبد الله بن عطاء التميمي : كنت مع عليّ بن الحسين في المسجد ، فمرّ عمر بن عبد العزيز وعليه نعلان شراكهما فضّة ، وكان من أمجن الناس وهو شابّ.
وقال بعضهم : كنّا نعطي الغسّال الدراهم الكثيرة حتّى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز ؛ من كثرة الطيب فيها ـ يعني : المسك ـ.
وكان هو أوّل خليفة دوّنت له صنعة الغناء والألحان ، فقد صنع أيّام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها كلّها!
كان من المتشدّدين بالقول بأنّ كلّ شيء بقضاء وقدر ، قدرا لازما ، وقضاء مبرما حتميا ، لا دخل للعبد فيه ولا تأثير ؛ ليبرّر للأمويّين سياستهم وتسلّطهم وأفعالهم ؛ وله رسالة في معتقده هذا ؛ وقد ناظر غيلان الدمشقي في ذلك ، وكان يقول له : يا غيلان! والله ما طنّ ذباب بيني وبينك إلّا بقدر.
انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٢٥٣ و ٢٥٧ ، الأغاني ٩ / ٢٨٩ و ٣٠٠ ، حلية الأولياء ٥ / ٣٤٦ ـ ٣٥٣ ، الاستيعاب ٣ / ١٤٢٢ ، تاريخ دمشق ٤٨ / ١٩٣ ، مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٥٥ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ١١٤ رقم ٤٨.
(٣) إشارة إلى قول الله عزّ وجلّ : ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ... ) سورة الإسراء ١٧ : ٦٠.
فساءه ذلك ولم ير ضاحكا بعدها (١).
وأمّا ابن الزبير ؛ فهو من أبعد الناس عن الخلافة والصلاح ..
روى مسلم في باب ذكر كذّاب ثقيف ومبيرها من « كتاب الفضائل » ، أنّ ابن عمر لمّا مرّ على ابن الزبير وهو مقتول قال : « أما والله لأمّة أنت أشرّها لأمّة خير » (٢).
وهذه شهادة من ابن عمر أنّ ابن الزبير شرّ الأمّة.
وروى البخاري في « كتاب الفتن » ، في باب « إذا قال عند قوم شيئا ثمّ خرج فقال بخلافه » ، عن أبي برزة الأسلمي ، أنّه حلف بالله إنّ ابن الزبير إن يقاتل إلّا على الدنيا (٣).
وروى أحمد في « مسنده » (٤) ، أنّ عثمان بن عفّان لمّا قال له عبد الله ابن الزبير : هل لك أن تتحوّل إلى مكّة؟! قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « يلحد بمكّة كبش من قريش اسمه عبد الله ، عليه مثل نصف أوزار الناس ».
وروى أحمد أيضا (٥) : عن سعيد بن عمرو ، قال : أتى عبد الله بن عمر ابن الزبير وهو جالس في الحجر ، فقال : يا بن الزبير! إيّاك والإلحاد
__________________
(١) تقدّم أنّ المراد بالشجرة الملعونة هم بنو أميّة ، فانظر تخريج ذلك مفصّلا في ج ١ / ١٦٨ ه ٤ من هذا الكتاب.
وانظر زيادة على ذلك : مسند أبي يعلى ١١ / ٣٤٨ ح ٦٤٦١ ، تفسير الطبري ٨ / ١٠٣ ح ٢٢٤٣٣ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٢٧ ح ٨٤٨١ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٥٠٩ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.
(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٩١.
(٣) صحيح البخاري ٩ / ١٠٣ ـ ١٠٤ ح ٥٦.
(٤) ص ٦٤ من الجزء الأوّل. منه قدسسره.
(٥) ص ٢١٩ من الجزء الثاني. منه قدسسره.