السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-180-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٦٠
الصلح (١).
وثمة قول رابع : إنهم دربوا الأزقة وحصونها ، فنقضوا بيوتهم ، وجعلوها كالحصون على أبواب الأزقة ، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب (٢). إلى غير ذلك من أقوال لا مجال لتتبعها واستقصائها.
نجاف الباب ووصية موسى :
تنص الروايات : على أن الرجل من بني النضير كان يهدم بيته عن نجاف بابه ، فيضعه على ظهر بعيره ، فينطلق به (٣).
وقد فسر البعض هذه الظاهرة ، فكتب يقول : «هدم نجاف (٤) البيوت يتعلق بعقيدة تلمودية معروفة ، هي : أن كل يهودي يعلق على نجاف داره صحيفة تشتمل على وصية موسى لبني إسرائيل : أن يحتفظوا بالإيمان بإله
__________________
(١) راجع المصادر التالية : تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢٢ والإكتفاء ج ٢ ص ١٤٧ والدر المنثور ج ٦ ص ١٨٧ عن البيهقي في الدلائل ، والتفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٨٠ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٢ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٥ ومدارك التنزيل بهامشه ، نفس الصفحة ، والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٤ و ٥ وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج ٢٨ ص ٣٥.
(٢) التفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٨٠.
(٣) راجع على سبيل المثال : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٥٤ والإكتفاء ج ٢ ص ١٤٨ وجامع البيان ج ٢٨ ص ٢١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٤٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٢ ومنهاج السنة ج ٤ ص ١٧٣ وراجع : المغازي للواقدي ج ١ ص ٣٨٠ و ٣٧٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٦.
(٤) النجاف : ما بني ناتئا فوق الباب ، مشرفا عليه.
واحد ، ولا يبدلوه ولو عذبوا وقتلوا.
فاليهود حين ينزحون عن منازلهم يأخذونها معهم ، وهي عادة متبعة عند اليهود إلى يومنا هذا.
ويظهر : أن يهود بلاد العرب كانوا يضعون تلك الصحيفة داخل النجاف ، خوفا من إتلاف الهواء ، أو مس الأيدي فلما رحلوا عن ديارهم هدموا نجاف البيوت ، وأخذوها ..» (١).
روايات غير موثوق بصحتها :
ونحن نشك كثيرا في عدد من الروايات التي تقدمت في الفصل الأول من هذا الباب ، وفي غيره من الفصول ، والتي تحاول أن تعطي لغزوة بني النضير طابعا حربيا عنيفا ، حتى ليذكر البعض منها : أن المسلمين كانوا يخربون بيوت بني النضير من الخارج ليتسع لهم ميدان القتال ، وكان بنو النضير يخربون بيوتهم من الداخل لأجل التحصين بها ، وأنهم قد بلغوا أقصى دورهم ، وهم على هذه الصفة ، إلى غير ذلك من نصوص وروايات تصب في هذا الاتجاه.
فإننا وإن كنا نقول : إنه قد كان ثمة حصار ، وقطع للأشجار ، ورشق بالنبل من قبل بني النضير ، وخراب للبيوت بأيدي بني النضير ، وبأيدي المؤمنين ، ثم قتل أمير المؤمنين «عليهالسلام» عشرة منهم ، فدب الرعب في قلوبهم ، واقتنعوا : أن لا طاقة لهم بالحرب ، فآثروا الاستسلام والقبول بالجلاء.
__________________
(١) اليهود في القرآن ص ٧٨ عن كتاب : اليهود في بلاد العرب ص ١٣٨ تأليف : ولفنسون.
وأفاء الله على رسوله أراضيهم ، وسوغه أموالهم.
ولكن الإصرار على إظهار جانب العنف والقتال والحرب القوية والضارية من البعض ، إنما هو لأجل الإيحاء بأن أرض بني النضير قد فتحت عنوة ، وأن المسلمين قد أخذوها عن استحقاق ، ولم يكن النبي «صلىاللهعليهوآله» متفضلا عليهم في إعطائهم إياها!!
ومعنى ذلك هو : أن المطالبة بها من قبل الورثة الحقيقيين للرسول الأكرم «صلىاللهعليهوآله» بعد وفاته تصبح بلا معنى ، وبلا مبرر ظاهر .. رغم أن القرآن قد صرح : بأن أرضهم كانت فيئا ، وأنها خاصة برسول الله «صلىاللهعليهوآله». ولكن تبرير موقف السلطة ، والتعتيم على مظالمها أهم وأولى من الحفاظ على القرآن ، وأحكامه ، بنظر هؤلاء المتحذلقين ، الذين يستخدمون كل وسائل التزوير والتحوير والإبهام في خدمة أهوائهم ومصالحهم واتجاهاتهم.
ضيعوا حقها المبين بتزوير |
|
وهل عندهم سوى التزوير؟! |
لأول الحشر :
قد ذكرت سورة الحشر ـ التي يرى المؤرخون والمفسرون : أنها تتحدث عن حادثة بني النضير ، الذين أخرجهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ـ أن هذا هو أول الحشر لهم ..
وقد اختلفوا في المراد من ذلك.
فروى موسى بن عقبة : أنهم قالوا : إلى أين نخرج يا محمد؟
قال : إلى الحشر.
يعني : أرض المحشر ، وهي الشام ..
هذا في الدنيا ، والحشر الثاني يوم القيامة إلى الشام أيضا (١).
وقيل : إن أول الحشر هو إخراجهم من حصونهم إلى خيبر ، وآخر الحشر إخراجهم من خيبر إلى الشام (٢).
وقيل : إنما قال لأول الحشر ؛ لأن الله فتح على نبيه «صلىاللهعليهوآله» في أول ما قاتلهم (٣).
وقيل : المراد بالحشر ؛ الجلاء ، وقد كان بنو النضير من سبط من بني إسرائيل لم يصبهم جلاء.
زاد الطبرسي ، وغيره : أن الحشر الثاني هو إخراج إخوانهم من جزيرة العرب (أي على يد عمر بن الخطاب) لئلا يجتمع في جزيرة العرب دينان (٤).
__________________
(١) راجع : مجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٨ وإرشاد الساري ج ٧ ص ٣٧٥ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٤ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٠ عنه والتبيان ج ٩ ص ٥٥٧ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٥ ومدارك التنزيل بهامشه في نفس الصفحة ، وراجع : الروض الأنف ج ٣ ص ٣٥١ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٢ و ٣ وجوامع الجامع ص ٤٨٦ وراجع أيضا : فتح القدير ج ٥ ص ١٩٥ والتفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وبعض من تقدم قد ذكر بعض ذلك دون بعض.
(٢) فتح القدير ج ٥ ص ١٩٥ وراجع : التفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٧٨ و ٢٧٩.
(٣) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٠ عنه.
(٤) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ١٨٩ عن عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والبيهقي في الدلائل ، وأبي داود ، وابن المنذر ، ومجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٠ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢١٥ و ٢١٦ وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج ٢٨ ص ٣٤ والكشاف ج ٤ ص ٤٩٩
وقيل : إن الحشر الثاني ، هو حشر النار التي تخرج من قعر عدن ؛ فتحشر الناس إلى الموقف ، تبيت معهم حيث باتوا ؛ وتقيل معهم حيث قالوا ، وتأكل من تخلف (١).
وقال العيني : «إن بني النضير أول من أخرج من ديارهم» (٢).
ونقول : بل أجلي بنو قينقاع قبلهم.
وقال الكلبي : كانوا أول من أجلي من أهل الذمة من جزيرة العرب ثم أجلي آخرهم في زمن عمر بن الخطاب ؛ فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة ، وآخر حشر إجلاء عمر لهم (٣).
قال السهيلي ، بعد ذكره ما تقدم :
__________________
وجوامع الجامع ص ٤٨٦ والمصنف ج ٥ ص ٣٥٨ و ٣٥٩ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٢ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٢ والتبيان ج ٩ ص ٥٥٧ عن البلخي ، ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٥ ومدارك التنزيل بهامشه في نفس الصفحة وجامع البيان ج ٢٨ ص ١٩ و ٢٢ وراجع : فتح القدير ج ٥ ص ١٩٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٨.
(١) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٢ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٥ ومدارك التنزيل بهامشه في نفس الصفحة وراجع : جامع البيان ج ٢٨ ص ٢٠ وغرائب القرآن بهامشه ج ٢٨ ص ٣٤ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٢٠ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧٦٤ والتفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٧٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٨.
(٢) عمدة القاري ج ١٧ ص ١٢٦.
(٣) فتح القدير ج ٥ ص ١٩٥ والكشاف ج ٤ ص ٤٩٩ وراجع : التفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وجوامع الجامع ص ٢٨٦.
«.. والآية متضمنة لهذه الأقوال كلها ، ولزائد عليها ؛ فإن قوله : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) يؤذن : أن ثمة حشرا آخر ؛ فكان هذا الحشر والجلاء إلى خيبر ، ثم أجلاهم عمر من خيبر إلى تيماء ، وأريحا ، وذلك حين بلغه التثبت عن النبي «صلىاللهعليهوآله» أنه قال : لا يبقين دينان بأرض العرب» (١).
كما أن عبد الرزاق الصنعاني ، بعد أن ذكر : أن النبي : «صلىاللهعليهوآله» قد دفع خيبر إلى اليهود ، على أن يعملوا بها ، ولهم شطرها قال :
«فمضى على ذلك رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وأبو بكر ، وصدر من خلافة عمر ، ثم أخبر عمر : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قال في وجعه الذي مات فيه : لا يجتمع بأرض الحجاز ـ أو بأرض العرب ـ دينان ؛ ففحص عن ذلك حتى وجد عليه الثبت ، فقال :
من كان عنده عهد من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فليأت به ، وإلا فإني مجليكم.
قال : فأجلاهم». وكذا ذكر غير عبد الرزاق أيضا (٢).
وقد نص المؤرخون : على أن عمر أجلى من يهود من لم يكن معه عهد
__________________
(١) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١ وستأتي مصادر أخرى.
(٢) المصنف للصنعاني ج ٤ ص ١٢٦ وراجع ج ١٠ ص ٣٥٩ و ٣٦٠ وراجع : مغازي الواقدي ج ٢ ص ٧١٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٧١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤١٥ وعمدة القاري ج ١٣ ص ٣٠٦ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٤٠ عن ابن أبي شيبة وغيره ، والموطأ (المطبوع مع تنوير الحوالك) ج ٣ ص ٨٨ وغريب الحديث لابن سلام ج ٢ ص ٦٧ وراجع وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٠.
من رسول الله (١).
ونقول :
إن حديث إجلاء عمر لليهود ، حين بلغه الثبت عن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : لا يجتمع بأرض العرب دينان ، يحتاج إلى شيء من البسط والتوضيح ..
وقد كنا نود إرجاء الحديث عن هذا الأمر إلى وقعة خيبر ، ولكن ما ذكره السهيلي وغيره هنا قد جعلنا نتعجل الإشارة إلى بعض من ذلك. ولكننا قبل أن ندخل في مناقشة هذا الأمر نشير إلى أمرين :
الأول :
إن تصريح الرواية المتقدمة بأن الخليفة قد نفذ ما كان قد سمعه من النبي «صلىاللهعليهوآله» في وجعه الذي مات فيه ، يحتاج إلى مزيد من التأمل ، بعد أن كان هو نفسه قد قال عن النبي «صلىاللهعليهوآله» في نفس ذلك المرض : إنه يهجر ، أو غلبه الوجع أو نحو ذلك .. (٢).
__________________
(١) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢١ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٢٢٤ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤١٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢١٩.
(٢) الإيضاح ص ٣٥٩ وتذكرة الخواص ص ٦٢ وسر العالمين ص ٢٠ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٦٠ وج ٤ ص ٥ و ١٧٣ وج ١ ص ٢١ و ٢٢ وج ٢ ص ١١٥ والملل والنحل ج ١ ص ٢٢ وصحيح مسلم ج ٥ ص ٧٥ والبدء والتاريخ ج ٥ ص ٥٩ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٢٧ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٢٤٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ١٩٢ و ١٩٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٠ وأنساب
وصرحت المصادر : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأنه لا يجتمع فيها دينان ، بعد قول عمر الآنف الذكر ، وتنازعهم عنده (١).
فمن غلبه الوجع : ومن كان يهجر ـ والعياذ بالله ـ لا يوثق بما يقوله ، ولا ينبغي الالتزام به ، حتى ولو ورد بالطرق الصحيحة والصريحة. نعوذ بالله من الزلل والخطل في القول والعمل .. وعصمنا الله من نسبة ذلك لرسوله الأكرم «صلىاللهعليهوآله».
الثاني :
إنا لا نريد أن نسجل إدانة صريحة للخليفة الثاني ، حول ما تذكره الرواية من جهله بآخر أمر صدر من النبي الأكرم «صلىاللهعليهوآله» ، حول وجود الأديان في جزيرة العرب .. بأن نقول : إن ذلك لا يتناسب مع مقام خلافة رسول الله «صلى عليه وآله».
لا .. لا نريد ذلك ، لأننا نشك في أن يكون الخليفة قد استند في موقفه
__________________
الأشراف ج ١ ص ٥٦٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٥١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٦٤ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٥٥ و ٣٢٤ و ٣٢٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٦٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٤٤.
وراجع المصادر التالية : نهج الحق ص ٢٧٣ والصراط المستقيم ج ٣ ص ٦ و ٣ وحق اليقين ج ١ ص ١٨١ و ١٨٢ والمراجعات ص ٣٥٣ والنص والإجتهاد ص ١٤٩ و ١٦٣ ودلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٦٣ ـ ٧٠.
(١) راجع المصادر المتقدمة ، فقد ذكر عدد منها ذلك ، مثل صحيح البخاري ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣١٩ و ٣٢١.
من اليهود إلى قول رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ..
ونحن نوضح ذلك فيما يلي :
سبب إخراج عمر لليهود :
إن من المسلّم به : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» حين افتتح خيبر قد أبقى اليهود في شطر منها ، يعملون فيه ، ولهم شطر ثماره ، ولكن عمر قد أخرجهم منها إلى تيماء وأريحا (١).
ولكن ما ذكروه في سبب ذلك ، من أنه قد فعل امتثالا لأمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وتدينا منه ، والتزاما بالحكم الشرعي ، لا يمكن المساعدة عليه ، ولا الالتزام به ، حيث إننا نشك في ذلك ، وذلك لما يلي :
ألف : لماذا لم يفعل ذلك أبو بكر ، فهل لم يبلغه ذلك؟!
والذين أبلغوا عمر بن الخطاب لماذا لم يبلغوا سلفه أبا بكر؟!
ب : قولهم : إن عمر لم يكن يعلم بلزوم إجلاء اليهود ، حتى بلغه الثبت عن رسول الله ينافيه ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله قال :
أخبرني عمر بن الخطاب : أنه سمع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يقول : لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، حتى لا أدع إلا مسلما (٢).
__________________
(١) راجع : صحيح البخاري ج ٢ ص ٣٢ و ١٢٩ وصحيح مسلم ج ٥ ص ٢٧ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٤٩ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٨ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١.
(٢) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٠ والجامع الصحيح للترمذي ج ٤ ص ١٥٦ وفيه : لإن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب. وكنز العمال ج ٤
فلما ذا توقف عن إخراجهم ، حتى بلغه الثبت عن رسول الله؟ ألم يكن هو قد سمع ذلك من النبي «صلىاللهعليهوآله» مباشرة ، فلماذا لم ينفذ ما سمعه؟!
ولماذا أيضا لم يخبر عمر نفسه رفيقه وصديقه الحميم أبا بكر بهذا القول منه «صلىاللهعليهوآله»؟!
إلا أن يقال : إن هذا لا يدل على أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أمر الخليفة بعده بذلك.
ج : إن ثمة حديثا يفيد : أن سبب إخراج عمر ليهود خيبر هو أنهم اعتدوا على ولده ، فقد روى البخاري وغيره :
عن ابن عمر ، قال : لما فدع (١) أهل خيبر عبد الله بن عمر ، قام عمر خطيبا ، فقال : إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كان عامل يهود خيبر على أموالهم ، وقال : نقركم ما أقركم الله ، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك ، فعدي عليه من الليل ، ففدعت يداه ، ورجلاه ، وليس لنا هناك عدو غيرهم ، هم عدونا وتهمتنا ، وقد رأيت إجلاءهم.
فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني الحقيق ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أتخرجنا ، وقد أقرنا محمد ، وعاملنا على الأموال ، وشرط ذلك لنا؟!
فقال عمر : أظننت أني نسيت قول رسول الله : كيف بك إذا أخرجت من خيبر ، تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟!
__________________
ص ٣٢٣ عن ابن جرير في تهذيبه ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٤٥ وج ١ ص ٢٩ و ٣٢ والمصنف للصنعاني ج ١٠ ص ٣٥٩.
(١) فدع : شدخ وشقّ شقا يسيرا.
فقال : كانت هذه هزيلة (أي فرحة) من أبي القاسم.
فقال : كذبت يا عدو الله.
فأجلاهم عمر الخ .. (١).
ونشير في هذه الرواية إلى أمرين :
الأول : إنها تصرح بأن إجلاء اليهود كان رأيا من عمر ، وليس امتثالا لأمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وأن الدافع له هو ما فعلوه بولده.
ومن الواضح : أن ذلك ليس مبررا كافيا لذلك ، فقد سبق لليهود أن قتلوا عبد الله بن سهل بخيبر ، فاتهمهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» والمسلمون بقتله ، فأنكروا ذلك ، فوداه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ولم يخرجهم بسبب ذلك (٢).
__________________
(١) صحيح البخاري ج ٢ ص ٧٧ و ٧٨ وراجع المصادر التالية : كنز العمال ج ٤ ص ٣٢٤ وعنه وعن البيهقي ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٣٥٢ و ٣٥٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٠ و ٢٢٠ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٧١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧١٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤١٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٧ و ٥٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٧٨ ومسند أحمد ج ١ ص ١٥ بنص أكثر تفصيلا ، كما هو الحال في بعض المصادر الآنفة الذكر وراجع أيضا : زاد المعاد لابن القيم ج ٢ ص ٧٩.
(٢) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ وعمدة القاري ج ١٣ ص ٣٠٦ والإصابة ج ٢ ص ٣٢٢ وفيه : أن هذا الحديث موجود في الموطأ وأخرجه الشيخان في باب القسامة ، وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٩ و ١٨٠ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٧٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧١٤ و ٧١٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٧ و ٥٨.
الثاني : إن ما نقله عمر لأحد بني الحقيق ، لم يكن هو المستند لإخراجهم ، بل صرح عمر بأن ذلك كان لرأي رآه بسبب ما فعلوه بولده .. كما أن إخبار النبي هذا ليس فيه ما يدل على أنهم يخرجون بحق أو بغير حق ، ولا يفيد تأييد هذا الإخراج ولا تفنيده ، ولعل لأجل ذلك لم يستطع أن يستند إليه الخليفة في تبرير ما يقدم عليه.
د : وفي بعض المصادر : أضاف إلى ما صنعوه بابن عمر ، أنهم غشوا المسلمين (١).
ولا ندري إن كان يقصد : أن غشهم هذا كان بفعل مستقل منهم ، أم أن ما فعلوه بابن عمر هو الدليل لهذا الغش؟!
قال دحلان : «استمروا على ذلك إلى خلافة عمر (رض) ، ووقعت منهم خيانة وغدر لبعض المسلمين ، فأجلاهم إلى الشام ، بعد أن استشار الصحابة (رض) في ذلك» (٢).
وعبارة دحلان هذه ، ظاهرة في أن المقصود بخيانتهم وغدرهم : هو نفس ما صدر منهم في حق بعض المسلمين ، وهو ابن عمر بالذات ، ولا ندري لماذا لم يصرح باسمه ونسبه هنا؟!.
ه : ومما يدل على أن إجلاءهم كان رأيا من الخليفة الثاني ، ما رواه أبو داود وغيره ، عن ابن عمر ، عن عمر ، أنه قال :
__________________
(١) البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٣٥٢ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٤٠ وعمدة القاري ج ١٣ ص ٣٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٧٩.
(٢) السيرة النبوية ج ٣ ص ٦١.
أيها الناس ، إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كان عامل يهود خيبر على أنّا نخرجهم إذا شئنا ، فمن كان له مال فليلحق به ، فإني مخرج يهود. فأخرجهم (١).
ومعنى ذلك : هو أنه لم يكن يرى إخراجهم واجبا شرعيا. كما أنه قد احتج لما يفعله بشرط النبي «صلىاللهعليهوآله» إبقاءهم بالمشيئة ـ إذا شئنا ـ ولا يحتج لذلك بما ثبت له عنه «صلىاللهعليهوآله» ، من عدم بقاء دينين في أرض العرب.
مع أنه لو كان هذا هو السبب والداعي ، لكان الاحتجاج به أولى وأنسب.
ومما يؤيد ذلك ويعضده : أن اليهود حين اعترضوا عليه بقولهم : لم يصالحنا النبي «صلىاللهعليهوآله» على كذا وكذا؟!
قال : بلى ، على أن نقركم ما بدا لله ولرسوله ، فهذا حين بدا لي إخراجكم. فأخرجهم (٢).
و : إنه قد أخرج نصارى نجران ، وأنزلهم ناحية الكوفة (٣).
ز : قد ذكرت بعض الروايات : أن السبب في إجلائهم هو استغناء المسلمين عنهم ، وليس هو وصية النبي «صلىاللهعليهوآله» بإخراجهم.
__________________
(١) سنن أبي داود ج ٣ ص ١٥٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٠ وأشار إليه في فتح الباري ج ٥ ص ٢٤١ عن أبي يعلى ، والبغوي. والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٠ وكنز العمال ج ٤ ص ٣٢٥ عن أبي داود ، والبيهقي ، وأحمد وراجع : المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ٣٥٩.
(٢) المصنف للصنعاني ج ٤ ص ١٢٥ وسيأتي الحديث بلفظ آخر بعد قليل تحت حرف : ط.
(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٨٣.
يقول ابن سعد وغيره : إنه لما صارت خيبر في أيدي المسلمين ، لم يكن لهم من العمال ما يكفون عمل الأرض ، فدفعها النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى اليهود ، يعملونها على نصف ما يخرج منها.
فلم يزالوا على ذلك ، حتى كان عمر بن الخطاب ، وكثر في أيدي المسلمين العمال ، وقووا على عمل الأرض ، فأجلى عمر اليهود إلى الشام ، وقسم الأموال بين المسلمين إلى اليوم (١). وقريب من ذلك ذكره ابن سلام أيضا ، فراجع (٢).
وبعد أن ذكر العسقلاني هذه الرواية ، وذكر رواية عدم اجتماع دينين في جزيرة العرب ، ثم رواية البخاري عن فدع اليهود لعبد الله بن عمر ، قال :
«.. ويحتمل أن يكون كل هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم» (٣).
ولكنه احتمال غير وارد ، فإن ظاهر الروايات : أن السبب في إخراجهم هو خصوص ما تذكره دون غيره ، ولا سيما حين يكون الحديث والتعليل في مقام الاحتجاج والاستدلال ودفع الشبهة ، من نفس ذلك الرجل الذي تصدى لذلك.
ح : قولهم : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد أمر بإجلاء اليهود والنصارى من بلاد العرب ، وأنه قال : لا يجتمع ببلاد العرب دينان ، أو نحو ذلك ، ينافيه :
__________________
(١) طبقات ابن سعد ج ٢ ص ١١٤ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٤٠ وتاريخ المدينة ج ١ ص ١٨٨.
(٢) الأموال ص ١٤٢ و ١٦٢ و ١٦٣.
(٣) فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٠.
١ ـ قولهم : ـ حسبما روي عن سالم بن أبي الجعد ـ : «كان أهل نجران بلغوا أربعين ألفا ، وكان عمر يخافهم أن يميلوا على المسلمين ، فتحاسدوا بينهم ، فأتوا عمر ، فقالوا : إنا قد تحاسدنا بيننا ، فأجلنا.
وكان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد كتب لهم كتابا : أن لا يجلوا ، فاغتنمها عمر ، فأجلاهم الخ ..» (١).
٢ ـ وفي نص آخر : إنما أخرج عمر أهل نجران ، لأنهم أصابوا الربا في زمانه (٢).
٣ ـ وعن علي «عليهالسلام» : أنه نسب إجلاء أهل نجران إلى عمر أيضا فراجع (٣).
إلا أن يقال : إن نسبة ذلك إليه لا يدل على عدم الأمر به من النبي «صلىاللهعليهوآله».
ط : عن ابن عمر : أن عمر أجلى اليهود من المدينة ، فقالوا : أقرنا النبي «صلىاللهعليهوآله» وأنت تخرجنا؟!
قال : أقركم النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وأنا أرى أن أخرجكم ، فأخرجهم من المدينة (٤).
__________________
(١) كنز العمال ج ٤ ص ٣٢٢ و ٣٢٣ عن الأموال ، وعن البيهقي ، وابن أبي شيبة وراجع هامش ص ١٤٤ من كتاب الأموال.
(٢) الأموال ص ٢٧٤.
(٣) راجع : كتاب الخراج ، للقرشي ص ٢٣.
(٤) كنز العمال ج ٤ ص ٣٢٣ عن ابن جرير في التهذيب ، وتقدم نحوه عن المصنف للصنعاني ج ٤ ص ١٢٥.
فلو أن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان قد أمر بإخراجهم لم ينسب عمر إخراجهم إلى رأيه الشخصي.
ي : إنه يرد هنا سؤال ، وهو : لماذا يخرجهم من بلاد العرب ، ولا يخرجهم من بلاد المسلمين كلها؟ فهل لبلاد العرب خصوصية هنا؟! وما هي هذه الخصوصية سوى التعصب القومي ، والتمييز العنصري ، والشعور بالتفوق على الآخرين ، بلا مبرر ظاهر؟.
ك : عن يحيى بن سهل بن أبي حثمة ، قال : أقبل مظهر بن رافع الحارثي إلى أبي بأعلاج من الشام ، عشرة ، ليعملوا في أرضه ، فلما نزل خيبر أقام بها ثلاثا ، فدخلت يهود للأعلاج ، وحرضوهم على قتل مظهر ، ودسوا لهم سكينين أو ثلاثا!
فلما خرجوا من خيبر ، وكانوا بثبار ، وثبوا عليه ، فبعجوا بطنه ، فقتلوه ، ثم انصرفوا إلى خيبر ، فزودتهم يهود وقوّتهم حتى لحقوا بالشام.
وجاء عمر بن الخطاب الخبر بذلك ، فقال : إني خارج إلى خيبر ، فقاسم ما كان بها من الأموال ، وحاد حدودها ، ومورف أرفها (١) ، ومجل يهود عنها ، فإن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قال لهم : أقركم ما أقركم الله ، وقد أذن الله في إجلائهم ، ففعل ذلك بهم (٢).
وفي الواقدي : أن عمر خطب الناس ، فقال : أيها الناس إن اليهود فعلوا
__________________
(١) الأرف : جمع أرفة ، وهي الحدود والمعالم. راجع : النهاية لابن الأثير ج ١ ص ٢٦.
(٢) كنز العمال : ج ٤ ص ٣٢٤ و ٣٢٥ عن ابن سعد ، والمغازي للواقدي : ج ٢ ص ٧١٦ و ٧١٧ وفي السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٥٧ ، كما في الواقدي.
بعبد الله ما فعلوا ، وفعلوا بمظهر بن رافع ، مع عدوتهم على عبد الله بن سهل في عهد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، لا أشك أنهم أصحابه ، ليس لنا عدو هناك غيرهم ؛ فمن كان له هناك مال ؛ فليخرج ؛ فأنا خارج فقاسم.
إلى أن قال : إلا أن يأتي رجل منهم بعهد ، أو بينة من النبي «صلىاللهعليهوآله» أنه أقره ، فأقره.
ثم ذكر تأييد طلحة لكلام عمر ، ثم قول عمر له : من معك على مثل رأيك؟!
قال : المهاجرون جميعا ، والأنصار. فسرّ بذلك عمر (١).
ل : قال الحلبي الشافعي بعد ذكره رواية مصالحة النبي «صلىاللهعليهوآله» لهم ، وأنه «صلىاللهعليهوآله» قال لهم : على أنّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم :
«أي وهذا يخالف ما عليه أئمتنا من أنه لا يجوز في عقد الجزية أن يقول الإمام ، أو نائبه : أقركم ما شئنا ، بخلاف ما شئتم ، لأنه تصريح بمقتضى العقد ؛ لأن لهم نبذ العقد ما شاؤوا.
وذكر أئمتنا : أنه يجوز منه «صلىاللهعليهوآله» ـ لا منا ـ أن يقول : أقررتكم ما شاء الله ؛ لأنه يعلم مشيئة الله دوننا» (٢).
ونقول : إن ذلك محل نظر ؛ إذ :
١ ـ من الذي قال : إنه «صلىاللهعليهوآله» يعلم ـ في هذا المورد
__________________
(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٧١٦ و ٧١٧.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٧.
بخصوصه ـ مشيئة الله سبحانه؟!.
٢ ـ لماذا لا يصح للنبي ، ولغيره أيضا ، أن يقول ذلك؟! أليس حكمهم الجلاء ، وقد عادت الأرض إلى الرسول «صلىاللهعليهوآله» ، لتكون خالصة له؟ فهو يزارعهم في ملكه ، وله أن يمنعهم من العمل والسكنى فيها متى شاء. لا أن الأرض لهم ، وهو «صلىاللهعليهوآله» ينتظر نقضهم للعهد ، حتى تكون المشيئة إليهم في النقض وعدمه ، كما يريد هؤلاء أن يفهموا.
م : إن عمر إنما أجلاهم إلى أريحا وتيماء من جزيرة العرب (١). وقد حاول الحلبي الشافعي دعوى : أن المقصود بجزيرة العرب خصوص الحجاز ، وأريحا وتيماء ليستا من الحجاز ، ولعله استند في ذلك إلى بعض النصوص التي عبرت بكلمة «الحجاز» بدل «جزيرة العرب» كما يفهم من كلامه ضمنا (٢).
ونقول :
أولا : إن الروايات متناقضة ، فبعضها قال : اليهود والنصارى.
وبعضها قال : المشركين.
وفي بعضها : لا يبقى دينان في جزيرة العرب.
وفي بعضها : اليهود.
ومن جهة أخرى : فإن بعضها ذكر الحجاز ، وبعضها ذكر جزيرة العرب.
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٨ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٠.
(٢) المصدر السابق.
وفي بعضها أنه قال : أخرجوا اليهود من الحجاز ، وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب (١). وهذا الاختلاف يوجب ضعف الرواية إلى حد كبير.
ثانيا : قال السمهودي : «لم ينقل أن أحدا من الخلفاء أجلاهم من اليمن ، مع أنها من الجزيرة» (٢) ، ثم قال : فدل على أن المراد الحجاز فقط.
ونقول : بل دل ذلك على ضعف الرواية من الأساس لا سيما وأن عددا من الروايات يصرح بأن النبي قال : لا يبقين دينان بأرض العرب ، وأرض العرب لا تختص بالحجاز كما هو معلوم.
ثالثا : إن تيماء من الحجاز أيضا ، قال ابن حوقل : بينها وبين أول الشام ثلاثة أيام (٣).
وهي تقع على ثمان مراحل من المدينة بينها وبين الشام ، وهي تعد من توابع المدينة (٤).
ومدين التي هي من أعراض المدينة تقع في محاذاة تبوك (٥). وتبوك أبعد من تيماء كما هو ظاهر.
وآخر عمل المدينة «سرغ» ، بوادي تبوك ، على ثلاث عشرة مرحلة من
__________________
(١) المصدر السابق ، والأموال ص ١٤٢ و ١٤٣ و ١٤٤ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٠ و ٣٢١ وراجع مصادر الحديث ونصوصه في المصادر في الصفحات المتقدمة.
(٢) وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢١.
(٣) صورة الأرض ص ٤١.
(٤) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٦٠ و ١١٦٤.
(٥) راجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٦٠ و ١٣٠٢ ومعجم البلدان ج ٣ ص ٢١١.
المدينة (١).
وقالوا عن سرغ : إنها أول الحجاز ، وآخر الشام (٢).
بل لقد قال الحرقي : تبوك وفلسطين من الحجاز (٣).
ولكن قال السمهودي : إن عمر «لم يخرج أهل تيماء ووادي القرى ، لأنهما داخلتان في أرض الشام.
ويرون : أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام» (٤).
ولكن السمهودي نفسه ينقل عن صاحب المسالك والممالك وعن ابن قرقول : أنهما قد عدا وادي القرى من المدينة (٥).
كما أن ابن الفقيه قد عد دومة الجندل من أعمال المدينة ، ووادي القرى تقع فيها (٦).
وقال ياقوت وغيره : إن وادي القرى من أعمال المدينة ، أيضا (٧).
وعدها ابن حوقل وغيره من الحجاز (٨).
__________________
(١) راجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٦٠ و ١٢٣٣.
(٢) معجم البلدان ج ٣ ص ٢١١ ومراصد الاطلاع ج ٢ ص ٧٠٧.
(٣) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٨٤.
(٤) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٢٩.
(٥) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٢٨.
(٦) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢١٢ وراجع ص ١٣٢٨.
(٧) راجع : مراصد الإطلاع ج ٣ ص ١٤١٧ ومعجم البلدان ج ٥ ص ٣٤٥.
(٨) صورة الأرض ص ٣٨ ومسالك الممالك ص ١٩.