الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-180-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٠

الغزوة أيضا ب «غزوة الأعاجيب» لما وقع فيها من أمور عجيبة. وتسمى أيضا ب «غزوة محارب» و «غزوة بني ثعلبة» و «غزوة بني أنمار» (١).

تاريخ هذه الغزوة :

وقد اختلفوا في تاريخ غزوة ذات الرقاع.

فقال فريق : هي بعد غزوة بني النضير في السنة الرابعة : في شهر ربيع الآخر ، وبعض جمادى الأولى (٢).

وحسب قول البعض : إنها بعد غزوة بني النضير بشهرين وعشرين يوما (٣).

وقال القيرواني : خرج لخمس من جمادى الأولى ، وانصرف يوم الأربعاء لثمان بقين منه (٤).

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٤ ..

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٨ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٠ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢١٣ و ٢١٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٠ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٥٨ وكتاب الجامع ص ٢٧٩ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢١.

(٣) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ عن خلاصة الوفاء وإعلام الورى ص ٨٩ والبحار ج ٢٠ ص ١٧٦ و ١٧٨ و ١٧٧ عن ابن الأثير في الكامل وعن المناقب ، وعن إعلام الورى.

(٤) الجامع ص ٢٧٩.

٣٢١

وقال آخرون : إنها كانت في شهر محرم (١).

وقيل : كانت بعد غزوة بدر الصغرى (٢).

وتردد ابن عقبة في كونها قبل بدر أو بعدها ، أو قبل غزوة أحد أو بعدها (٣).

وقيل : كانت في سنة خمس (٤).

وجعلها أبو معشر في سنتين حينما قال : إنها كانت بعد بني قريظة في ذي القعدة ، سنة خمس ، فتكون ذات الرقاع في آخر هذه السنة ، وأول التي تليها (٥).

__________________

(١) راجع : مرآة الجنان ج ١ ص ٩ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٩. وشذرات الذهب ج ١ ص ١١ والتنبيه والإشراف ص ٢١٤ وراجع : زاد المعاد ج ٢ ص ١١٠ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦١ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٠ ومغازي الواقدي ج ١ ص ٣٩٥ ونهاية الإرب ج ١٧ ص ١٥٨ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦ عن ابن سعد ، وابن حبان ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٢٧٠ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣٢.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٣ و ٤٦٤ وسيرة مغلطاي ص ٥٤.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٤ عن المواهب اللدنية وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢١.

(٤) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ عن ابن سعد ، وابن حبان والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦ عنهما وعن أبي معشر ، وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٣٤ والجامع للقيرواني ص ٢٨١ و ٢٧٩ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ وراجع : شذرات الذهب ج ١ ص ١١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٢٧ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٠ والثقات ج ١ ص ٢٥٧ و ٢٥٩ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٦ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٤ ونصب الراية ج ٢ ص ٢٤٩.

(٥) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦.

٣٢٢

وقال بعضهم : إنها كانت بعد خيبر سنة سبع (١). وهو ما ذهب إليه البخاري ، وهو ما نذهب إليه أيضا.

وقال الغزالي : إن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات ، قالوا : «وهو غلط واضح ، وقد بالغ ابن الصلاح في إنكاره» وقد ذكر ذلك زيني دحلان فراجع (٢).

الصحيح والمعقول :

وبعد ما تقدم نقول : إن تشريع صلاة الخوف ، ونزول الآية قد كان في الحديبية ، ثم بعد ذلك كانت غزوة ذات الرقاع فصلى النبي فيها صلاة الخوف أيضا.

ومستندنا في ذلك ما يلي :

١ ـ سيأتي في هذا الفصل : أن صلاة الخوف قد شرعت في غزوة الحديبية (٣).

وأن الصدوق يروي في الفقيه بسند صحيح : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صلى بأصحابه صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع (٤). فتكون

__________________

(١) راجع : صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ عن فتح الباري والبخاري والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٠ عن البخاري وعن الشمس الشامي ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦ و ١٠٩ وغير ذلك.

(٢) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٤ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦.

(٣) البرهان في تفسير القرآن ج ١ ص ٤١١.

(٤) من لا يحضره الفقيه (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج ١ ص ٢٦٠ رقم الحديث ١٣٣٤ وتفسير البرهان ج ١ ص ٤١١.

٣٢٣

متأخرة عن الحديبية.

٢ ـ روى أحمد عن جابر قال : «غزا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ست غزوات قبل صلاة الخوف ، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة» (١).

ومن المعلوم : أن صلاة الخوف قد صليت في غزوة ذات الرقاع ، فتكون هذه الغزوة في السنة السابعة بعدها.

لكن عبارة البخاري هكذا : «عن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنهما : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة ، غزوة ذات الرقاع» (٢).

فإن كان المراد : الغزوة السابعة التي حضرها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولم يكن فيها جميعها قتال ، كانت هذه الغزوة قبل أحد ، وهو غير مقبول ، للاتفاق على أن ذات الرقاع لم تكن قبل أحد ، وإن كان موسى بن عقبة قد تردد في ذلك. لكن تردده في ذلك لا معنى له ، للاتفاق على تأخر صلاة الخوف عن هذا التاريخ ، بالإضافة إلى الأدلة التي تقدمت وستأتي.

وإن كان المراد : الغزوة السابعة من الغزوات التي حضرها الرسول ، مما كان فيه قتال ، فإنها تكون والحال هذه بعد خيبر ، وهو المطلوب.

وإن كان المراد : السنة السابعة ، فهو المطلوب أيضا ، ويؤيد إرادة هذا الأخير رواية مسند أحمد المتقدمة (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٤ ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٤٨.

(٢) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢٣ و ٣٢٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٤ وراجع البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٣.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ٣٢٣ و ٣٢٤.

٣٢٤

ونحن نرجح هذا الشق الأخير ، لما ذكرناه وما سيأتي.

وأما الاحتمال الثاني ، فيرد عليه : أن غزوة ذات الرقاع لم يقع فيها قتال ؛ فما معنى جعلها سابعة للغزوات التي وقع فيها قتال.

والأنسب بالعبارة المنقولة ، هو إرادة السنة السابعة ، وذلك بملاحظة عدم وجود لام التعريف في المضاف ، حيث قال : «غزوة السابعة» ولم يقل : «الغزوة السابعة».

وادعى العسقلاني : أنه لو كان المحذوف هو كلمة سنة لم يحتج البخاري إلى الاستدلال على تأخرها برواية أبي موسى وغيره.

ولعل المراد : غزوة السفرة السابعة.

ونقول :

إن نسبة الغزوة إلى السفرة مما لا يحسن هنا ، ونسبتها إلى السنة أنسب وأوضح في التقدير لا سيما مع رواية أحمد المتقدمة ، فكلام العسقلاني في غير محله.

ولكن يبقى هنا سؤال ، وهو : لماذا يعبر في الرواية عن ذات الرقاع بأنها «غزوة السابعة» مع أن ثمة ما هو أهم منها قد وقع في سنة سبع مثل غزوة خيبر؟!.

إلا أن يجاب عن ذلك : بأن ما وقع فيها من أعاجيب وقضايا قد جعلت لها أهمية خاصة بالنسبة لغيرها من الغزوات. لا سيما وأن غيرها قد عرف باسمه الخاص به ، وشاع وذاع أمره بذلك الاسم بالذات. أما بالنسبة لذات الرقاع ، فلم يكن الأمر كذلك.

أو فقل : إن من الممكن أن تكون غزوة ذات الرقاع قد حصلت قبل

٣٢٥

سائر غزوات سنة سبع ، فأطلق عليها اسم غزوة السابعة ، ثم جاءت سائر الغزوات ، فأطلقوا عليها أسماءها الخاصة بها بعد ذلك ، فلم يوجب ذلك تغييرا في اسم هذه الغزوة.

أو فقل : لم يوجب ذلك خللا في فهم المراد من هذه العبارة حين إطلاقها.

٣ ـ ما احتج به البخاري من أن أبا موسى الأشعري ذكر أنه قد حضر غزوة ذات الرقاع ، فقال : «خرجنا مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزاة ، ونحن في ستة نفر ، بيننا بعير نعتقبه ، فنقبت أقدامنا ، ونقبت قدماي ، وسقطت أظفاري ، فكنا نلف على أرجلنا الخرق ، فسميت غزوة ذات الرقاع» (١).

وأبو موسى إنما جاء من الحبشة بعد خيبر ، فتكون ذات الرقاع بعد خيبر أيضا.

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢١ وراجع ص ٣٢٢ وراجع : دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٧٢ و ٣٦٩ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٣٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٠ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٦ و ٣٥٧.

وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٠ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٥٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦ والسيرة النبوية لزيني دحلان ج ١ ص ٢٦٤ وصحيح مسلم ج ٥ ص ٢٠٠ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١١. لكنه جعل الحديث مؤيدا لا دليلا. ولعله تخيل وجود احتمال أن يكون أبو موسى لا يتحدث عن حضوره هو ، بل ينقل ذلك عن بعض الصحابة ، مع أن الرواية صريحة بأنه قد نقبت قدماه ، وسقطت أظفاره.

٣٢٦

مؤيدات :

١ ـ ويؤيد ذلك : أن عددا من المؤرخين يقول : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استخلف أبا ذر الغفاري على المدينة حين غزا ذات الرقاع ، وأبو ذر إنما قدم المدينة بعد أن مضت بدر ، وأحد ، والخندق.

وسيأتي توضيح ذلك مع ذكر المصادر إن شاء الله تعالى حين الحديث عن الذي ولاه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المدينة في هذه الغزاة.

٢ ـ ويؤيد ذلك أيضا : ما روي عن ابن عمر الذي أجازه النبي بالخروج إلى الغزو في وقعة الخندق أنه قال : غزوت مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل نجد ، فذكر صلاة الخوف (١).

٣ ـ ويؤيد ذلك أيضا ، قول أبي هريرة : «صليت مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزوة نجد صلاة الخوف» ، وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيام خيبر (٢).

لما ذا مؤيدات؟!

ألف : إنما جعلنا تولية أبي ذر على المدينة مؤيدا لا دليلا ، لأنه سيأتي : أنه

__________________

(١) راجع : المصادر التالية : صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٣ وج ١ ص ١١٠ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢٣ و ٣٢١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٦٩ وراجع ص ٣٧٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٣ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١١ واستدل به. والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦ ونصب الراية ج ٢ ص ٢٤٤.

(٢) راجع المصادر المتقدمة.

٣٢٧

قد حضر إلى المدينة حينما أسلم سلمان ، بسبب ما رآه من علامات النبوة في الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد شهد على كتاب عتق سلمان. كما أن ذلك لا يدل إلا على تأخر غزوة ذات الرقاع عن الخندق ، ولا يدل على كونها في السنة السابعة ، أو غيرها.

ب : بالنسبة لرواية ابن عمر نقول : إنها لا تدل إلا على أن ذات الرقاع قد كانت بعد الخندق ، ولا تدل على أكثر من ذلك.

أضف إلى ذلك : أنه لم ينص على اسم الغزوة ، بل ذكر أن ذلك قد حصل في غزوة نجد ، فلعل هناك غزوات أخرى قد كانت قبل نجد ، وقد صلى فيها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلاة الخوف أيضا.

إلا أن يقال : إن غزوة نجد المعهودة في كلماتهم منحصرة بذات الرقاع.

ج : ورواية أبي هريرة ، يرد عليها نفس ما يرد على رواية ابن عمر.

كلام الدمياطي :

وقد اتضح من جميع ما تقدم : أنه لا يصغى لقول الدمياطي : إن ما ورد عن أبي موسى في حضوره غزوة ذات الرقاع غلط ، لأن جميع أهل السير على خلافه (١).

وذلك لأن كلام أهل السير لا عبرة به إذا قام الدليل على خطئهم فيه ، وقد ثبت عن أهل البيت ، وكذلك سائر ما قدمناه من أدلة : أن ذات الرقاع قد كانت في الحديبية ، فلا مجال للشك في ذلك ، أو التشكيك فيه.

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٣٢٢ وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦.

٣٢٨

دليل الرأي الآخر :

وبعد ما تقدم نقول :

قد يقال : إن الراجح هو أن تكون غزوة ذات الرقاع قبل الخندق.

ومستند ترجيح ذلك ما يلي :

١ ـ ما روي من أن جابرا قد دعا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم الخندق إلى طعام في بيته ، صنعته زوجته لهم في قصة مفصلة ظهرت فيها كرامة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ذلك الطعام (١).

وفي غزوة ذات الرقاع لم يكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعلم شيئا عن تزوج جابر بأي من النساء منذ استشهد أبوه في أحد ، حيث سأله ، إن كان قد تزوج أم لا ، ثم لما أجابه بالإيجاب ، عاد فسأله ، إن كانت التي تزوجها بكرا أو ثيبا في محاورة جرت بينهما ستأتي إن شاء الله.

وقد صرح له فيها : بأنه إنما اختارها ثيبا لأجل أن أباه مات وترك له أخوات يحتجن إلى من يجمعهن ويمشطهن ، ويقوم عليهن (٢).

ونقول :

إن هذا النص لا يكفي لمعارضة الأدلة المتقدمة ، وذلك لإمكان المناقشة

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢١ وستأتي سائر المصادر في غزوة الخندق إن شاء الله.

(٢) راجع هذه المحاورة في : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢١٧ و ٢١٨ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٧٦ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٣٨ وراجع : صحيح البخاري ج ٢ ص ٨ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٨١ و ٣٨٣ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٩٩ ـ ٤٠١ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦١ و ١٦٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٦ و ٨٧ والثقات ج ١ ص ٢٥٨.

٣٢٩

في دلالته على المطلوب من حيث أنه يمكن أن يكون جابر قد انفصل عن زوجته الأولى بموت لها أو طلاق ، أو تكون قد أصبحت لسبب أو لآخر عاجزة عن القيام بمسؤولياتها تجاه أخواته ، وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعلم بذلك ، ويعلم أن جابرا قد كان بصدد الزواج من جديد ، فجرت المحاورة بينه وبين جابر على النحو المذكور ، وكان اعتذار جابر عن اختيار الثيب هو ذلك ، ولا يجب أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عارفا بما تركه أبو جابر من بنات ، أو كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عارفا ، ولا يمنع ذلك جابرا من جعل ذلك هو العذر لاختياره الثيب للزواج.

غزوتان أم غزوة واحدة :

قد أشار البيهقي إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين ، إحداهما قبل خيبر ، والأخرى بعدها (١).

وقال الذهبي : «والظاهر أنهما غزوتان» (٢).

ونقول :

إن منشأ هذا الاحتمال هو رواية أبي موسى الأشعري السابقة ، وقد تقدم : أن أبا موسى قال : «ونحن في ستة نفر بيننا بعير» وهذا يقرب أن يكون أبو

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٢١ و ٣٣١ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧١ وراجع ص ٢٧٠ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٧ وراجع : زاد المعاد ج ٢ ص ١١١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٦.

(٢) تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٠١ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٣٢٢ و ٣٢٣ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٠.

٣٣٠

موسى يتحدث عن غزوة ثانية أطلق عليها اسم غزوة ذات الرقاع أيضا.

ولكننا في قرارة أنفسنا نشك في وجود غزوة من هذا القبيل ؛ فإنه يبعد أن يقوم بغزوة يكون قوامها ستة نفر فقط لا غير!!.

ولعل المراد : أن الذين كانوا يعتقبون الجمل مع أبي موسى كانوا ستة أشخاص ، في ضمن جيش كثيف يقوده النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزوة ذات الرقاع.

من استخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المدينة؟!

يظهر من عدد من المؤرخين : أنهم يرجحون أن يكون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استخلف على المدينة في حال غيابه عنها إلى غزوة ذات الرقاع أبا ذر الغفاري ، وليس عثمان بن عفان. لأنهم ذكروا الأول بصورة طبيعية ، ثم عقبوا ذلك بالإشارة إلى تولية عثمان بلفظ قيل (١) ، وإن ادعى ابن عبد البر : أن عليه الأكثر.

وقد ناقش في أن يكون أبو ذر هو المتولي لها بأن أبا ذر لما أسلم رجع إلى بلاد قومه ، فلم يجئ حتى مضت بدر وأحد ، والخندق (٢).

ولكن هذه المناقشة موضع نظر :

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢١٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧١ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ قسم ٢ ص ٢٨ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٣ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٥٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٤.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢١٤.

٣٣١

أولا : لأن ثمة ما يدل على قدوم أبي ذر إلى المدينة قبل الخندق ، حيث إنه قد شهد على كتاب عتق سلمان وهو مؤرخ في السنة الأولى للهجرة (١).

ثانيا : هناك حديث آخر يذكر فيه أن أبا ذر كان حين قضية سلمان في المدينة ، وذلك حين كان في حائط لمولاته ، فجاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعلي «عليه‌السلام» ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعقيل ، وحمزة وزيد بن حارثة ، ولم يكن سلمان يعرفهم.

ثم ذكر قصته معهم والعلامات التي وجدها في النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبعض أسانيد هذه الرواية صحيح فراجع المصادر (٢).

ثالثا : يؤيد ذلك مؤاخاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيما بين سلمان وأبي ذر (٣).

__________________

(١) ذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٥٢ وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٧٠ وراجع كتاب العتق أيضا في : تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٩٩ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٣٢٨ عن الأولين وعن جامع الآثار في مولد المختار محمد بن ناصر الدين الدمشقي ، وطبقات المحدثين بأصبهان ج ١ ص ٢٢٦ و ٢٢٧ ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص ٢٠ و ٢١ عن تاريخ كزيده ، ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٠٩ عن أكثر من تقدم وقال : «وأوعز إليه في البحار عن الخرائج».

(٢) راجع : البحار ج ٢٢ ص ٣٥٨ وإكمال الدين ج ١ ص ١٦٤ و ١٦٥ وروضة الواعظين ص ٢٧٦ ـ ٢٧٨ ، والدرجات الرفيعة ص ٢٠٣ عن إكمال الدين ونفس الرحمن ص ٥ و ٦ و ٢٢ عن إكمال الدين ، والراوندي في قصص الأنبياء ، وروضة الواعظين ، والحسين بن حمدان ، والدر النظيم.

(٣) راجع : بصائر الدرجات ص ٢٥ والكافي ج ١ ص ٣٣١ وج ٨ ص ١٦٢ والغدير ج ٧ ص ٣٥ عنهما. وإختيار معرفة الرجال ص ١٧ والبحار ج ٢٢ ص ٣٤٣ و ٢٤٥ ومصابيح الأنوار ج ١ ص ٣٤٨ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤١٨ ونفس الرحمن ص ٩١.

٣٣٢

إلا أن يدّعى : أنه إنما آخى بينهما بعد غزوة الخندق فلاحظ!.

رابعا : إن ما ذكروه إنما يتم بناء على ما قيل من أن غزوة ذات الرقاع قد كانت قبل غزوة الخندق ، وأما بناء على ما هو الصحيح من أنها إنما كانت بعد خيبر ، فلا يبقى محذور في أن يكون أبو ذر هو الذي ولي المدينة ، بعد قدومه إليها بعد الخندق.

تضحيات عباد بن بشر :

وفي غزوة ذات الرقاع نزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليلا ، وكانت ليلة ذات ريح ، وكان نزوله في شعب استقبله.

فقال : من رجل يكلؤنا هذه الليلة؟ فقام عبّاد بن بشر أو عمارة بن حزم ، وقام أيضا عمار بن ياسر ، فقالا : نحن يا رسول الله نكلؤكم.

وعبارة البعض : انتدب رجل مهاجري ، وآخر أنصاري فجلسا على فم الشعب ، فقال عبّاد لعمار : أنا أكفيك أول الليل ، وتكفيني آخره ، فنام عمار ، وقام عباد يصلي.

وكان زوج بعض النسوة اللاتي أصابهن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غائبا ، فلما جاء وعرف ما جرى ، تتبع الجيش ، وحلف لا ينثني حتى يصيب محمدا ، أو يهريق في أصحاب محمد دما.

فلما رأى سواد عباد قال : هذا ربيئة القوم ، ففوّق سهما فوضعه فيه ، فانتزعه عباد ، فرماه بآخر ، فانتزعه ، فرماه بثالث فانتزعه كذلك. فلما غلبه الدم أيقظ عمارا ، فلما رأى ذلك الرجل عمارا جلس علم أنه قد نذر به فهرب.

٣٣٣

فقال عمار لعباد : ما منعك أن توقظني له في أول سهم يرمي به؟

فقال : كنت أقرأ في سورة الكهف فكرهت أن أقطعها. أضاف في نص آخر : فلما تابع علي الرمي أعلمتك.

وفي نص آخر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جعلهما بإزاء العدو فرمي أحدهما بسهم وهو يصلي ، فأصابه ، ونزفه الدم ولم يقطع صلاته ، ثم رماه بثان وثالث وهو يصيبه ولم يقطع صلاته.

ويقال : إن عبّادا قال معتذرا عن إيقاظ صاحبه : لو لا أني خشيت أن أضيع ثغرا أمرني به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما انصرفت ولو أتى على نفسي (١).

ويقال : إن الأنصاري هو عمارة بن حزم (٢).

قال الحلبي الشافعي : «وبهذه الواقعة استدل أئمتنا على أن النجاسة الحادثة من غير السبيلين لا تنقض الوضوء ؛ لأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» علم ذلك ولم ينكره. وأما كونه صلى مع الدم ، فلعل ما أصاب ثوبه وبدنه منه قليل. ولا ينافي ذلك ما تقدم في الرواية قبل هذه : فلما غلبه الدم. إذ يجوز

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧١ و ٢٧٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٢٨ و ٢٢٩ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١١ و ١١٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢١٨ و ٢١٩ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٩٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦٤ و ١٦٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٥ و ٨٦ وراجع السنن الكبرى ج ٩ ص ١٥٠ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٣٥٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٧٨.

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٧٩.

٣٣٤

مع كونه كثيرا أنه لم يصب ثوبه ولا بدنه إلا القليل منه» (١).

تسجيل تحفظ :

ونحن وإن كنا لا نملك معطيات كثيرة في مجال البحث حول هذه القضية ، إلا أننا نرتاب في أن يكون الذي تعرض للسهام هو خصوص عباد بن بشر ، لأننا نشعر من خلال مراجعة ما لدينا من نصوص حول هذا الرجل : أنه كان موضع اهتمام فريق خاص يعنى بتسجيل الكرامات له ، فراجع ترجمته (٢).

كما أن ما ذكر آنفا لتصحيح صلاة عبّاد بالدماء ليس كافيا في ذلك كما هو ظاهر.

مع الحدث في مراميه ودلالاته :

إن من الواضح : أن حرب بدر بكل ظروفها ، وأحداثها وملابساتها قد أقنعت أهل الإيمان بأن الجهاد ليس مجرد إنجاز عسكري يتجلى ويتجسد

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٢.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٢٦٣ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٤٥٢ ـ ٤٥٦ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٠٠ و ١٠١ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ٣٣٧ ـ ٣٤٠ وفي هامشه عن المصادر التالية : طبقات ابن سعد ج ٣ قسم ٢ ص ١٦ وطبقات خليفة ص ٥٨ وتاريخ خليفة ص ١١٣ والتاريخ الصغير ص ٣٦ والجرح والتعديل ج ٦ ص ٧٧ ومشاهير علماء الأمصار ص ١١٣ والإستبصار ص ٢٢٠ ـ ٢٢٢ وتاريخ الإسلام ج ١ ص ٣٧٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ١ ص ١٥.

٣٣٥

من خلال جهد يبذل في ساحة القتال ، تتجلى فيه فاعلية السلاح المتفاعل مع عنصري الشجاعة الذاتية من جهة ، والطموح من جهة أخرى ، حيث يرسم معالمهما جهد تربوي ، وتعليمي ، وشحن روحي ونفسي ، بالإضافة إلى تأثير النواحي التنظيمية ، وما يتبع ذلك من تخطيط عسكري مستند إلى الخبرات الواسعة ، والدراسات المعمقة ، إلى أن ينتهي الأمر بحسن الأداء ، والدقة في التنفيذ والالتزام.

إن حرب بدر ثم ما تلاها من حروب وأحداث ، وكذلك ما سبقها من ذلك أيضا قد أقنعت أهل الإيمان : بأن الحرب ليست هي مجرد ما ذكرناه آنفا.

وإنما الحرب والجهاد عبادة وفناء في ذات الله ، وباب قد فتحه الله ولكن ليس لكل أحد ، وإنما لخاصة أوليائه ، حيث يخرج من عالم ويدخل من ذلك الباب إلى عالم جديد بكل ما لهذه الكلمة من معنى. يعبر الإنسان فيه بوابة الموت ليصل إلى الحياة ، وهي الحياة الحقيقية التي يصبح فيها هؤلاء الأموات الأحياء شهداء على الناس ؛ لأنهم أصبحوا قادرين على فهم الواقع بعمق ، ومن دون أية حواجز وموانع تقلل من درجة الإدراك ، سواء كانت تلك الحواجز مادية ـ ولو كانت هي نفس الوسائل التي يستخدمها الإنسان للحصول على العلم بما يحيط به من حوله ـ أو كانت من نوع الشهوات والأهواء ، وغيرهما مما يمنع من إدراك الأشياء على حقيقتها.

فالصلاة والجهاد من سنخ واحد. فإذا كانت الصلاة تساعد الإنسان على ممارسة الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس ، فإن القتال والحرب جهاد أصغر يمكّن من دحر العدو الذي يهدف إلى تسديد الضربة إلى الإسلام والمسلمين ، أو

٣٣٦

يهدف إلى سلب الإنسان المسلم حرية الرأي وحرية الاعتقاد ، وحرية التفكير ، وحرية الممارسة.

ولأجل هذه السنخية بين الصلاة وبين الجهاد ، فإننا لا نستغرب بعد هذا أن يكون أولئك المجاهدون ، الذين يقفون في موقع متقدم لحمايته من الأعداء ، تنصرف همتهم في هذه المواقع بالذات إلى ممارسة الجهاد الأصغر ، والتربية النفسية عن طريق ترويض النفس ، وتربيتها بالصلاة التي هي عمود الدين.

فتكون الصلاة والعبادات هي الشغل الشاغل لهم في هذه المواقع بالذات ، حيث يرون أنفسهم فيها فيما بين الدنيا والآخرة ، فتلين قلوبهم ، وتصبح نفوسهم أكثر شفافية وصفاء ، ويصبحون أكثر شجاعة وصبرا وتحملا للمكاره .. وما قصة عبّاد وعمار المذكورة إلا شاهد صدق على ما نقول.

٢ ـ إننا نلاحظ : أن الرجل الذي استهدفه ذلك المشرك بسهامه لم يوقظ رفيقه لانهزامه أمام سهام ذلك العدو الغادر ، وإنما من إحساسه بالمسؤولية تجاه ما كلفه به النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فهو يوقظه لأنه يريد مواصلة الصمود بذلك ، لكي لا يضيع ثغرا من ثغور المسلمين. أي أنه لم يوقظه ليستعين به على الدفع عن نفسه ، وليجد فيه قوة له كفرد ، وإنما أراده ليحفظ الإسلام وثغوره.

قصة غورث بن الحارث :

ويذكر المؤرخون والمحدثون هنا قصة مفادها :

أنه حين تحصن بنو محارب في رأس جبل في غزوة ذات الرقاع قال لهم

٣٣٧

غورث بن الحارث : ألا أقتل لكم محمدا؟!

قالوا : بلى ، وكيف تقتله؟!

قال : أفتك به. أي يقتله على حين غفلة.

فجاء إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وسيفه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حجره ، فقال : يا محمد ، أرني أنظر إلى سيفك هذا (وكان محلى بفضة) (١) ، فأخذه من حجره ؛ فاستله ، ثم جعل يهزه ، ويهم به ، فيكبته الله (أي يخزيه) ثم قال : يا محمد ، أما تخافني؟!

قال : لا ، بل يمنعني الله تعالى منك.

ثم دفع السيف إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأخذه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال : من يمنعك مني؟!

قال : كن خير آخذ.

قال : تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ..

قال : أعاهدك على أني لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك.

قال : فخلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سبيله ؛ فجاء قومه ، فقال :

جئتكم من عند خير الناس!!.

زاد في بعض المصادر قوله : وأسلم هذا بعد ، وكانت له صحبة (٢).

__________________

(١) راجع : البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢١٦.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٢٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٣٧ وشرحه مطبوع معه بهامشه وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦٠ وأشار إلى ذلك أيضا في : الوفاء ص ٦٩١ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١١ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٧٦ وفتح

٣٣٨

زاد في نص آخر قوله : فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلاة الخوف فكانت للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أربع ركعات ، وللناس ركعتين (١).

وفي بعض نصوص الرواية : أنه لما هم غورث برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» «منعه الله عزوجل لذلك ، وانكب على وجهه ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) (٢) الآية.

ولهذه الرواية نص آخر : لا يختلف كثيرا عما ذكرناه فراجع (٣).

قال القسطلاني وغيره : «وذكر الواقدي في نحو هذه القصة : أنه أسلم ،

__________________

الباري ج ٧ ص ٣٣١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣١٦ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠٢ ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٩٠ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٤.

(١) دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٧٦.

(٢) نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٠ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦٣ و ١٦١ و ١٦٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٤ و ٨٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٢٨ وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢١٦ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٢٢ ـ ٤٢٤ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٦٦ عن ابن جرير ، وابن إسحاق ، وأبي نعيم في الدلائل ، وابن المنذر ، وعبد بن حميد والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦١.

(٣) الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٦١ و ٦٢ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٢ ونهاية الإرب ج ١٧ ص ١٦٠.

٣٣٩

ورجع إلى أهله ، فاهتدى به خلق كثير» (١).

قصة أخرى تشبه قصة غورث :

وهناك قصة أخرى يقال : إنها قد حصلت في هذه الغزوة أيضا ، وهي تشبه قصة غورث. وقد استبعد البعض اتحاد القصتين ، لاختلاف سياقهما.

وملخصها : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما قفل راجعا إلى المدينة أدركته القائلة يوما بواد كثير العظاه ، أي الأشجار العظيمة ، التي لها شوك ، وتفرق الناس في العظاه يستظلون بالشجر ، ونزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تحت ظل شجرة ظليلة.

قال جابر : تركناها للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ؛ فعلق «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سيفه فيها ؛ فنمنا نومة فإذا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يدعونا ؛ فجئنا إليه ؛ فوجدنا عنده أعرابيا جالسا ، فقال :

«إن هذا اخترط سيفي ، وأنا نائم ، فاستيقظت ، وهو في يده مصلتا ، فقال لي : من يمنعك مني؟!

قلت : الله.

قال ذلك ثلاث مرات ، فشام السيف ، وجلس ، فلم يعاقبه رسول الله».

وعند مسلم والبخاري ، وفي فتح الباري : فهدده أصحاب رسول الله ، فأغمد السيف وعلقه (٢).

__________________

(١) المواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٧ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٣١.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٠١ و ٢٠٢ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٠٠ و ١٠١ وج ٣ ص ٢٤ و ٢٥ وصحيح

٣٤٠