الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-180-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٠

ملاحظة :

وأخيرا .. فإن الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الأسوة والقدوة في كل شيء ، وإن معرفته الدقيقة بواقع المجتمع الذي يعيش فيه ، ويتعامل معه .. لتعطينا : أن هذه المعرفة لازمة وضرورية لكل إنسان يصل إلى موقع القيادة ، ويفترض فيه أن يتعامل مع الناس ، ويسجل موقفا تجاههم ؛ فإن العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس (١).

نزول آية سورة المائدة في بني النضير :

ويقول البعض : إن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ..) (٢). قد نزلت في قضية بني النضير ، ومحاولتهم الغدر بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

ونقول : إننا نشك في ذلك ، لما يلي :

أولا : إن نفس هذا القائل قد عاد فذكر بعد بضعة أسطر : أن هذه الآية قد نزلت في قضية غورث بن الحارث (٤).

__________________

(١) تحف العقول ص ٣٥٦ والبحار ج ٧٥ ص ٢٦٩.

(٢) الآية ١١ من سورة المائدة.

(٣) البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ص ٢٢١ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦١ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٤.

(٤) البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٣ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٢٢ و ٤٢٤ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦١ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٦٦ عن ابن إسحاق ، وأبي نعيم في الدلائل ، وابن المنذر ، وابن جرير وعبد بن حميد.

٢٢١

وذكرت حوادث أخرى في شأن نزول الآية ، فلتراجع في مظانها (١).

ودعوى البعض : جواز تكرار النزول (٢) ، تحتاج إلى إثبات.

ثانيا : إن سورة المائدة كانت من آخر ما نزل على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلا يعقل أن يحتفظ بهذه الآية عدة سنوات ، معلقة في الهواء ، حتى تنزل سورة المائدة ، فيجعلها فيها (٣).

ثالثا : إنهم يقولون : إن سورة المائدة قد نزلت دفعة واحدة (٤).

التربية القرآنية :

إن من الأمور الظاهرة لكل أحد : أن القرآن الكريم ، وفي نطاق اهتمامه الكبير بتربية الإنسان ، وصقل فكره ، وعقله ، ومشاعره ، وكل مناحي وجهات شخصيته ، ليجعله إنسانا واعيا ، وقويا وغنيا في كل مواهبه ، وطاقاته ، قد اختار في أسلوبه التربوي المنحى والأسلوب الواقعي ليتصل به ، ويدخل إلى حياته ، وينفذ إلى شخصيته ، وإلى عمق وجوده ، عن هذا

__________________

(١) راجع : الدر المنثور ج ٢ ص ٢٦٥ و ٢٦٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٤.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٤.

(٣) راجع : الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أحمد ، وأبي عبيد في فضائله والنحاس في ناسخه ، والنسائي ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في سننه ، والترمذي وحسنه ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير.

(٤) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ ، فإنهم قد صرحوا بتاريخ نزول سورة المائدة ، وصرح بأنها قد نزلت دفعة واحدة كل من : أحمد ، وعبد بن حميد ، والطبراني ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر في الصلاة ، وأبي نعيم في الدلائل ، والبيهقي في شعب الإيمان.

٢٢٢

الطريق ، فإن هذا الأسلوب هو الذي يتصل بالعقل ، فيعطيه وضوحا ووعيا وأصالة ، ويتفاعل مع الشعور ليمده بالحيوية والفاعلية ، وينقله إلى رحاب الضمير ، ليتربى ويتكامل في ظل الوجدان ، وتحت حمايته ، ليصبح في حالة متوازنة ، مرضية ومقبولة ..

وهذا بالذات هو ما يفسر لنا اهتمام الإسلام بالتركيز على الحدث ، ثم ربطه بالحقائق الكلية ، بما لها من عموم وشمول ، ليصبح ذلك الحدث هو الوسيلة الواقعية لربط هذا الإنسان بتلك الحقائق ، وتفاعله معها.

وهكذا .. يتضح : أن القرآن حين يتحدث عن الوقائع والأحداث ، فإنه يفهمنا : أنه لا يريد أن يلقي على الإنسان حقائق مجردة ، ومنفصلة عن الواقع ، ولا تلامسه ولا تلتقي معه ، وذلك حينما تبقى مجرد صورة ذهنية ، وتخيلات مثالية باردة ، لا تؤثر في المشاعر ، ولا تتصل بالعقل ، ولا تتفاعل مع الوجدان.

وإنما هو يريدها حركة في الفكر ، وثورة في الشعور ، وحالة متوازنة في الوجدان ، وتجسيدا واقعيا لكل ذلك على صعيد السلوك والموقف.

الله هو الذي أخرجهم :

قال تعالى في سورة الحشر : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (١).

__________________

(١) الآية ٢ من سورة الحشر.

٢٢٣

فنجده تعالى ينسب ما جرى لبني النضير إلى نفسه ، ويؤكد على ذلك بصور مختلفة .. حتى كأن ما فعله المسلمون ليس بشيء يعتد به في موضوع إلحاق الهزيمة بهذا العدو.

بل إن المسلمين أنفسهم ما كانوا يظنون خروجهم ، ولا يتصورونه. كما أن اليهود أنفسهم كانوا مطمئنين إلى أن حصونهم ستمنعهم. ولكن الله فتح حصونهم من الداخل ، فقذف الرعب في قلوبهم ، فلم تنفعهم الحصون المادية شيئا.

ومن الواضح : أن الهزيمة من الداخل هي الأساس للهزيمة المادية ، فإذا سقطت القلوب ، وتهاوت ، وقذف فيها الرعب ، فلسوف لن تنتفع بأي شيء آخر بعد ذلك ، مهما كان قويا وكبيرا.

ونفهم من الآية بالإضافة إلى ما تقدم ، ما يلي :

١ ـ إن الحرب النفسية لها دور كبير ، بل لها الدور الأكبر في تحقيق النصر الكبير عسكريا ، فليلاحظ قوله : وقذف في قلوبهم الرعب.

٢ ـ إن العمل العسكري الناجح ، لا بد أن يعتمد على مبدأ المباغتة ، من النواحي التي لا يحسب العدو لها حسابا.

٣ ـ إن الاعتماد على الله في تحقيق النصر ، إنما يعني إمكانية مواجهة العدو حتى في حالة تفوقه العسكري ، ومعنى ذلك .. أننا يجب أن لا ننتظر حتى يتحقق التوازن عسكريا وتسليحيا فيما بين قوى الإيمان وقوى الكفر ، بل يمكن المبادرة لمواجهته ، حتى في صورة عدم التكافؤ في الإمكانات المادية.

٤ ـ إن العامل المادي ليس هو القوة الوحيدة ، فإن العامل الروحي والمعنوي له قسط منها ، فلا بد من أخذه بنظر الاعتبار.

٢٢٤

العز والذل .. بما ذا؟

ويذكر النص التاريخي : أن سلام بن مشكم قد نصح حيي بن أخطب بقبول الجلاء من أول الأمر ، حيث تبقى لهم أموالهم ونخلهم ، فكان مما قاله له :

«إنا إنما شرفنا على قومنا بأموالنا وفعالنا ، فإذا ذهبت أموالنا من أيدينا كنا كغيرنا من اليهود في الذلة والإعدام» (١).

ونقول :

إن هؤلاء يرون : أن أموالهم هي مصدر عزتهم وعنوان شرفهم ..

ولكن الإسلام يقول : إن مصدر العزة والشرف والكرامة هو الله سبحانه ، فعن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : «من أراد عزا بلا عشيرة ، وغنى بلا مال ، وهيبة بلا سلطان ، فلينتقل عن ذل معصية الله إلى عز طاعته» (٢).

و «من أراد أن يكون أعز الناس ، فليتق الله عزوجل» (٣) ، فإنه «لا عز أعز من التقوى» (٤) ، و «من برئ من الشر نال العز» (٥).

إلى غير ذلك من النصوص ، التي تجعل من العز وسيلة لتكامل الإنسان في مدارج إنسانيته ، وتهذيب نفسه ، وتنزيهها عن كل النقائص ،

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ١ ص ٣٦٩.

(٢) ميزان الحكمة ج ٦ ص ٢٩٠ و ٢٩١.

(٣) ميزان الحكمة ج ٦ ص ٢٩٠ و ٢٩١.

(٤) ميزان الحكمة ج ٦ ص ٢٩٠ و ٢٩١.

(٥) ميزان الحكمة ج ٦ ص ٢٩٤.

٢٢٥

وإبعادها عن كل ما يشين أو يزري بها.

ثم هي تربط العز بالمنشأ لكل الكمالات ، والمصدر لكل فيوضات الخير ، ونزول البركات ، ألا وهو الله سبحانه وتعالى ، تقدست أسماؤه ، وتباركت ذاته ، وتعالت صفاته ..

مبالغات لا مبرر لها :

«.. وفي الحديث : يخرج في الكاهنين رجل يدرس القرآن درسا ، لم يدرسه أحد قبله ، ولا يدرسه أحد بعده ، فكانوا يرونه محمد بن كعب القرظي الخ ..» (١).

ونحن بدورنا لا نستطيع قبول هذه الرواية ، ولا نرى صحة انطباقها على الشخص المذكور.

فأولا : قد اشتهر كثير من الصحابة بدراسة القرآن ، وذكرت في الروايات أقوال منسوبة إلى النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حقهم ، وأقوال أخرى منسوبة لغيره أيضا تشير إلى تفوقهم على محمد بن كعب في دراسة القرآن ، فراجع ما يروونه في حق أبي بن كعب مثلا (٢) ، وكذا ما

__________________

(١) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١. لكن بعض المصادر الأخرى قد ذكرت هذا الحديث ، ولم تذكر فيه عبارة : «لم يدرسه أحد قبله» فراجع : سير أعلام النبلاء ج ٥ ص ٦٨ وتهذيب التهذيب ج ٩ ص ٤٢١ والطبقات الكبرى ج ٧ ص ٥٠١.

(٢) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٤٩ وراجع ص ٥٠ وتهذيب الأسماء ج ١ ص ١٠٩ وأسد الغابة ج ١ ص ٤٩ وتهذيب التهذيب ج ١ ص ١٨٨ وراجع : الإيضاح لابن شاذان ص ٣٢٣ و ٣٣٠ و ٢٣١ وفي هامشه عن طائفة من

٢٢٦

يروونه في حق ابن مسعود (١) ، أو علي أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» (٢). هذا عدا عما يروونه ويقولونه في حق غير هؤلاء أيضا .. ومن

__________________

المصادر ، والجامع الصحيح ج ٥ ص ٦٦٤ و ٦٦٥ والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٨٢ ومشكل الآثار ج ١ ص ٣٥٠ و ٣٥١ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٤٧ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٠٥ وج ٢ ص ٢٢٤ وتلخيص مستدرك الحاكم للذهبي بهامشه ، والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٣٣٩ ومسند أحمد ج ٥ ص ١٣١ وحلية الأولياء ج ١ ص ٢٥١ ، وج ٤ ص ١٨٧ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣١٢ والدر المنثور ج ٦ ص ٣٧٨ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٤٠.

(١) راجع : كشف الأستار ج ٣ ص ٢٥٠ و ٢٤٩ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣١٨ وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه ، والإيضاح ص ٢٢٣ و ٢٣٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٨٧ و ٢٨٨ عن أحمد ، وأبي يعلى ، والبزار ، والطبراني ، وصفة الصفوة ج ١ ص ٣٩٩ والنهاية في اللغة ج ٣ ص ٣٧١ ومسند أحمد ج ١ ص ٤٤٥ والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٨٢ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٤ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ (الذيل) ص ٢٨ والإصابة ج ٢ ص ٣٦٩ والإستيعاب بهامشه ج ٢ ص ٣٢٠.

(٢) راجع : تذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٦ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٤٢ والغدير ج ٦ ص ٣٠٨ عن : طبقات القراء ج ١ ص ٥٤٦ وعن مفتاح السعادة ج ١ ص ٣٥١.

راجع : كشف الأستار ج ٣ ص ٢٥٠ و ٢٤٩ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣١٨ وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه ، والإيضاح ص ٢٢٣ و ٢٣٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٨٧ و ٢٨٨ عن أحمد ، وأبي يعلى ، والبزار ، والطبراني ، وصفة الصفوة ج ١ ص ٣٩٩ والنهاية في اللغة ج ٣ ص ٣٧١ ومسند أحمد ج ١ ص ٤٤٥ والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٨٢ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٤ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ (الذيل) ص ٢٨ والإصابة ج ٢ ص ٣٦٩ والإستيعاب بهامشه ج ٢ ص ٣٢٠.

٢٢٧

مثل علي أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام»؟ وهو الذي يقول :

«لو أردت أن أوقر على الفاتحة سبعين بعيرا لفعلت» (١).

ثانيا : إننا لم نفهم المقصود من دارسي القرآن ممن سبقوا محمد بن كعب!! فهل كان القرآن موجودا قبل الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد درسه الناس ، وعرفوه؟!

فإن محمد بن كعب القرظي ، قد أسلم على يدي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعاش معه!!

ثالثا : إن ما ذكروه عن محمد بن كعب يلغي دور عبد الله بن سلام الذي كان من نفس هؤلاء اليهود ، والذي يروون في حقه ـ وإن كان ذلك كذبا أيضا ـ : أنه هو الذي عنده أم الكتاب (٢).

مع أن الصحيح : هو أنه علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» (٣). وقد تقدم تحقيق ذلك (٤).

ولعل سر تعظيم محمد بن كعب يرجع إلى أنه لا بد أن يصبح الخبراء في

__________________

(١) التراتيب الإدارية ج ٢ ص ١٨٣ ، وتفسير البرهان ص ١٦ عن بشارة المصطفى.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٣٢١ والإستيعاب بهامشه ج ٢ ص ٣٨٣ والدر المنثور ج ٤ ص ٦٩ عن : ابن مردويه ، وابن جرير ، وابن أبي شيبة ، وابن سعد ، وابن المنذر.

(٣) راجع : شواهد التنزيل ج ١ ص ٣١٠ وراجع ص ٣٠٨ و ٣٠٧ وراجع : مناقب الإمام علي «عليه‌السلام» لابن المغازلي ودلائل الصدق ج ٢ ص ١٣٥ ونقل عن : العمدة لابن البطريق ص ٦١ وعن غاية المرام ص ٣٥٧ و ٣٦٠ و ١٠٤ عن تفسير الثعلبي ، والحبري «مخطوط» وعن الخصائص ص ٢٦.

(٤) تقدم ذلك في هذا الكتاب فراجع.

٢٢٨

القرآن ، والدارسون له ، والواقفون على أسراره وحقائقه هم أهل الكتاب ، وخصوصا اليهود ، الذين لا بد أن تبقى لهم هيمنتهم العلمية على الناس ، ويستمرون في نفث سمومهم ، ونشر أضاليلهم ، وتتاح لهم الفرص كلها لتحريف هذا الدين ، والتلاعب بمفاهيمه وأحكامه ، وليستهدف ذلك التلاعب والتحريف نفس القرآن ، الذي هو المنشأ والأساس لكل حقائق الإسلام وتشريعاته.

صلاة الخوف في بني النضير :

وقد ذكر البعض : أن صلاة الخوف قد شرعت في بني النضير ، وقيل : في ذات الرقاع (١).

وحيث إننا سوف نتحدث إن شاء الله عن هذا الأمر في غزوة ذات الرقاع ، حيث يذكرون : أن هذه الصلاة قد شرعت حينها ، أو في غزوة الحديبية ، كما سنرى ، فإننا نرجئ الحديث عنها إلى هناك.

تحريم الخمر في غزوة بني النضير :

قال اليعقوبي وغيره : «.. وفي هذه الغزوة شرب المسلمون الخمر ، فسكروا ؛ فنزل تحريم الخمر» (٢).

__________________

(١) الجامع للقيرواني ص ٢٧٩ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٤ عن شرح صحيح مسلم للنووي ، وعن أسد الغابة.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٤٩ وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٩٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٠٠ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٧ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٠ ومنهاج السنة ج ٤ ص ١٧٣.

٢٢٩

وقال ابن الوردي : «نزل تحريم الخمر وهو محاصرهم (قلت) : قال في الروضة : إن غزوة بني النضير سنة ثلاث : وإن تحريم الخمر بعد غزوة أحد والله أعلم» (١).

عن جابر بن عبد الله (رض) قال : حاصر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بني النضير ، فضرب قبته قريبا من مسجد الفضيخ ، وكان يصلي في موضع الفضيخ ست ليال ، فلما حرمت الخمر خرج الخبر إلى أبي أيوب ، ونفر من الأنصار ، وهم يشربون فيه فضيخا ، فحلوا وقاء السقاء ، فهراقوه فيه ، فبذلك سمي مسجد الفضيخ (٢).

وروى القمي : أنه لما نزل تحريم الخمر خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المسجد فقعد فيه ، ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينتبذون فيها ، فأكفأها كلها ، وقال : هذه كلها خمر ، وقد حرمها الله ، وكان أكثر شيء أكفئ يومئذ من الأشربة الفضيخ ، فلذلك سمي المسجد ب «مسجد الفضيخ» (٣).

وأكثر من ذلك كله جرأة على الله ورسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما رووه عن ابن عمر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أتي بجرة فضيخ بسر ، وهو في مسجد الفضيخ فشربه ، فلذلك سمي مسجد الفضيخ (٤).

__________________

(١) تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٥٩ وراجع : أيضا التنبيه والإشراف ص ٢١٣.

(٢) تاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ٦٩ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٢١ عنه وعن ابن زبالة ومرآة الحرمين ج ١ ص ٤١٨.

(٣) البحار ج ٦٣ ص ٣٨٧ و ٣٨٨ وج ٧٦ ص ١٣٢ و ١٣١ ط مؤسسة الوفاء.

(٤) مسند أبي يعلى ج ١٠ ص ١٠١ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٠٦ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ١٢ وج ٢ ص ٢١.

٢٣٠

والفضيخ : عصير العنب ، وشراب يتخذ من بسر مفضوخ ، ومسجد الفضيخ هو المعروف بمسجد الشمس.

هذا كله عدا عن روايتهم : أن هناك من كان يهدي لرسول الله خمرا عدة سنوات إلى أن حرمت الخمر (١).

ونقول :

أولا : إن تحريم الخمر ـ كما تقدم في كتابنا هذا ـ قد كان في مكة .. فإن كان لهذه الرواية حظ من الصحة فلا بد أن يكون الأصحاب قد خالفوا حكم الله فيها ، وارتكبوا الحرام ، فنهاهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن ذلك ، وما ذكر آنفا عن أبي أيوب ونفر من الأنصار دليل على صحة ذلك.

ثانيا : إن منازل بني النضير لم تكن في جهة قباء ، ولا مسجد الفضيخ ، وذلك لأنهم يقولون : إن مسجد الفضيخ يقع في شرقي مسجد قباء ، على شفير الوادي ، على نشز من الأرض (٢).

وقد تقدم : أن منازلهم كانت بعيدة جدا عن هذا الموضع. فراجع ما ذكرناه في هذا الجزء حين الكلام حول شعر حسان بن ثابت في الرواية التي تبين أن فتح بني النضير كان على يد علي حين قتل عشرة منهم وجاء برؤوسهم إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثالثا : قد روى أحمد في مسنده ، عن ابن عمر : أن النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) راجع : تفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٩٣ عن أبي يعلى ، وعن أحمد في عدة مواضع.

(٢) وفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٢١ ومرآة الحرمين ج ١ ص ٤١٨.

٢٣١

وآله» أتي له بفضيخ في مسجد الفضيخ فشربه ، فلذلك سمي مسجد الفضيخ (١).

ونحن .. وإن كنا نكذب بصورة قاطعة شربه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للفضيخ ـ كيف ، وقد كانت الخمر وكل مسكر قد حرم في مكة ، كما أن الخمر مما قد تسالمت الشرائع على تحريمه (٢) وقد رفض شربها عدد من الناس في الجاهلية كما ذكرناه في الجزء السادس من هذا الكتاب ، تحت عنوان :

أقوال في تحريم الخمر .. ـ وإن كنا نكذب ذلك ـ

إلا أننا نقول :

لا مانع من أن يؤتى إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذلك ، فيرفضه وينهى عنه ، وقد يسمى المكان بما يشير إلى ذلك ، لأجل استغراب الناس عمل ذلك الرجل الذي أتى إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بشيء قد حرمه منذ بعث ، ولا يزال يؤكد تحريمه ، ويمنع عنه.

__________________

(١) مسند أحمد ج ٢ ص ١٠٦ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٢٢ عنه ، وعن أبي يعلى.

(٢) راجع الكافي ج ٦ ص ٣٩٥ والوسائل ج ١٧ ص ٢٣٧ باب تحريم شرب الخمر ، والتهذيب ج ٩ ص ١٠٢ وراجع : التنقيح الرائع ج ١ ص ١٥ وراجع أيضا : مفتاح الكرامة ج ٤ ص ٢.

٢٣٢

الفصل الخامس :

كي لا يكون دولة بين الأغنياء

٢٣٣
٢٣٤

الخيانة والفداء :

قد علمنا فيما سبق : أنه قد كان فيما بين بني النضير ، وبين المسلمين عهد وعقد .. وقد نقض بنو النضير عهدهم هذا ، وخانوا وغدروا ، فكان من الطبيعي أن يهب المسلمون للدفاع عن أنفسهم ، وأن يقاتلوا عدوهم ، وأن يلقى هذا العدو جزاء غدره وخيانته ..

وحين رأى بنو النضير : أن الأمور تسير في غير صالحهم ، وأنهم قد أخطأوا في حساباتهم خطأ فاحشا ، وأن لا أحد يستطيع أن يمنع المسلمين من إنزال العقاب العادل بهم ، فإنهم قد رضوا بأن يقدموا أموالهم وأرضهم لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مقابل الإبقاء عليهم ، وعدم قتلهم جزاء غدرهم وخيانتهم وصالحوا النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ذلك ؛ فكانت جميع أموالهم وأراضيهم خالصة له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتصرف فيها كما يشاء.

أموال بني النضير في النصوص والآثار :

قال السهيلي : «ولم يختلفوا : أن سورة الحشر نزلت في بني النضير ، ولا اختلفوا في أموالهم ؛ لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب ، وإنما قذف الرعب في قلوبهم ، وجلوا عن منازلهم إلى خيبر ، ولم يكن ذلك عن

٢٣٥

قتال من المسلمين لهم ؛ فقسمها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بين المهاجرين ، ليرفع بذلك مؤونتهم عن الأنصار ؛ إذ كانوا قد ساهموهم في الأموال والديار. غير أنه أعطى أبا دجانة ، وسهل بن حنيف لحاجتهما.

وقال غير ابن إسحاق : وأعطى ثلاثة من الأنصار ، وذكر الحارث بن الصمة فيهم» (١).

وعن عمر بن الخطاب ، قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خالصة.

وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ، وقال مرة : قوت سنة ، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عزوجل (٢).

ونقول : لو صح ذلك من فعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإنه يكون تبرعا منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما هو له ، كسائر الأموال التي يملكها الإنسان ويرغب في إنفاقها في مورد خاص.

وقد جاء عن عمر بن الخطاب أيضا قوله : مال بني النضير ، كان فيئا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خاصة (٣).

__________________

(١) مسند أحمد ج ٢ ص ١٠٦ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٢٢ عنه ، وعن أبي يعلى.

(٢) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١. وحكاية الإجماع حول أموالهم في فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٤.

(٣) مسند أحمد ج ١ ص ٢٥ وفتح القدير ج ٥ ص ١٩٩ عن الصحيحين وغيرهما ، ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ١٣٢ و ١٤٠ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٢٨ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٥١ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٥ ، والجامع لأحكام ـ

٢٣٦

وكان عمر أيضا يقول : «كانت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثلاث صفايا (١) ، فكانت بنو النضير حبسا لنوائبه ..» ، ثم ذكر بقية الصفايا (٢).

وعبارة بعض المصادر : أنها كانت حبسا لنوائبه (٣).

__________________

القرآن ج ١٨ ص ١١ وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٤٢٩ وفتوح البلدان قسم ١ ص ٢٠ و ٣٤ والجامع الصحيح ج ٤ ص ٢١٦ وسنن النسائي ج ٧ ص ١٣٢ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٣٩٣ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٤١ والخراج للقرشي ص ٣٤ والمغني لابن قدامة ج ٧ ص ٣٠٨ و ٣٠٩ والتبيان ج ٩ ص ٥٦١ و ٥٦٢ وراجع : أحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧٧٢ والدر المنثور ج ٦ ص ١٩٢ عن بعض من تقدم ، وعن ابن المنذر ، والأموال ص ١٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢٣ وتاريخ المدينة ج ١ ص ٢٠٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٢ و ٢٦٣ والإكتفاء ج ٢ ص ١٤٨ ومعجم البلدان ج ٥ ص ٢٩٠ ومدارك التنزيل مطبوع بهامش لباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٧ لكن ليس في المصادر الثلاثة الأخيرة : أن القائل هو عمر.

(١) الصفايا : الغنائم التي يختاره الرئيس لنفسه.

(٢) التبيان ج ٩ ص ٥٦١ وأنساب الأشراف قسم حياة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ص ٥١٩ و ٥١٨ وراجع المصادر التالية : (ولكنها لم تصرح باسم عمر) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢٠ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٠١ وراجع ص ٢٠٣ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٦٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٥٥ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ١٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٢ ونسب هذا القول إلى الزهري ومحمد بن إسحاق في كتاب الخراج للقرشي ص ٣٢.

(٣) المغازي ج ١ ص ٣٧٧ وفتح القدير ج ٥ ص ١٩٩.

٢٣٧

وفي نص آخر : حبسا لمواليه (١). ولعله تصحيف.

وقال الزهري : «.. وكانت أرض بنو النضير للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خالصا ، لم يفتحوها عنوة ، افتتحوها على صلح الخ ..» (٢).

وكان أول أرض افتتحها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرض بني النضير (٣).

«وبقي منها صدقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التي كانت في أيدي بني فاطمة» (٤).

«واصطفى منها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أموال بني النضير ، وكانت أول صافية قسمها رسول الله بين المهاجرين الأولين (والأنصار). وأمر عليا ؛ فحاز ما لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فجعله صدقة ، وكانت

__________________

(١) فتوح البلدان قسم ١ ص ٢٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٩ عن الإمتاع وفتح الباري ج ٦ ص ١٤٣ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٧٨ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٤١ والدر المنثور ج ٦ ص ١٩٢ عنه وعن ابن مردويه والخراج للقرشي ص ٣٤.

(٢) مسند أبي عوانة ج ٤ ص ١٤٢.

(٣) فتوح البلدان قسم ١ ص ١٧.

(٤) سنن أبي داود ج ٣ ص ١٥٧ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢١ ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٩٩٨ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٦١ والدر المنثور ج ٦ ص ١٨٩ عن عدة مصادر وفتح الباري ج ٦ ص ١٤٠ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣١ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ١٩٧ والإرشاد للمفيد ص ٥٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣.

٢٣٨

في يده مدة حياته ، ثم في يد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» بعده ، وهو في ولد فاطمة «عليها‌السلام» حتى اليوم» (١).

وأرجع «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ بعد فتح بني النضير ـ الأراضي والأشجار ، التي كانت قد وهبت له إلى أصحابها من الأنصار.

وقيل : بل كان ذلك حين فرغ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من خيبر (٢).

أموال بني النضير لم تخمس :

قالوا : «كانت بنو النضير صفيا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خالصة له حبسا لنوائبه ، ولم يخمسها ، ولم يسهم فيها لأحد. وقد أعطى ناسا من أصحابه ، ووسع في الناس منها ، فكان ممن أعطى الخ ..» (٣).

ولكننا نجد بعض الروايات تقول : «إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خمسها ، وذهب إليه الشافعي ، وأعطى منها ما أراد لمن أراد ، ووهب العقار للناس ،

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٠ ص ١٧٣ والإرشاد للمفيد ص ٥٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ١٩٧ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٠١ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣.

(٢) راجع : مسند أبي عوانة ج ٤ ص ١٧٤ ـ ١٧٦ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٢ و ١٦٣ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١١ وج ٢ ص ١٢٥ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٣٦٨ و ٣٦٩ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٢٥ و ٢٦ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧٧٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٦ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٦ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٠.

(٣) الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٨ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٢ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٦ عن الكازروني ، وراجع : تاريخ المدينة ج ١ ص ١٧٦ وزاد المعاد ج ٢ ص ٧١.

٢٣٩

وكان يعطي من محصول البعض أهله وعياله نفقة سنة ، ويجعل ما بقي مجعل مال الله» (١).

ولكن دعوى تخميسها لا تصح : فإن الثابت هو أنها لم تفتح عنوة ، وأنها مما أفاءه الله على رسوله ، والفيء لا يخمس ، وإنما تخمس الغنيمة المأخوذة عنوة في الحرب.

إلا أن يكون المراد : أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خمس بعض ما أخذ من متاع القوم قبل وقوع الصلح .. فعممه هؤلاء لحاجة في النفس قضيت.

ولعل دعوى التخميس لها تهدف إلى إلقاء الشبهة على مطالبة علي «عليه‌السلام» وفاطمة «عليها‌السلام» والعباس بها. مع أن عمر بن الخطاب نفسه يصرح في رواية المطالبة هذه (٢) بتركة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حينما انفرد أبو بكر برواية : نحن معاشر الأنبياء لا نورث وفيما سبق بأن أموال بني النضير كانت من الفيء.

بل لقد ورد : أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت من بني النضير؟ كما خمست ما أصبت من بدر؟!

فقال : لا أجعل شيئا جعله الله لي دون المؤمنين بقوله : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ..) (٣) الآية .. كهيئة ما وقع فيه السهمان (٤).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٢.

(٢) ستأتي هذه الرواية مع مصادرها في الفصل السادس إن شاء الله تعالى.

(٣) الآية ٦ من سورة الحشر.

(٤) المغازي ج ١ ص ٣٧٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٨.

٢٤٠