الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-180-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٠

والعباس صريح في أنهما متفقان على أنها غير إرث ، وإلا .. لكان للعباس سهم ، ولعلي سهم زوجته ، ولم يكن للخصام بينهما وجه ؛ فخصامهما إنما هو لأجل كونها صدقة ، وكل منهما يريد أن يتولاها ؛ فأصلح بينهما عمر (رض) ، وأعطاها لهما الخ ..» (١).

وقال إسماعيل القاضي : إنما تنازعا ـ يعني عند عمر ـ في ولاية الصدقة ، وفي صرفها كيف تصرف (٢).

الثاني : ما أجاب به العسقلاني بقوله : «إن كلا من علي وفاطمة والعباس اعتقد : أن عموم قوله لا نورث ، مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض ، ولذلك نسب عمر إلى علي والعباس : أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك» (٣).

ونقول :

إن ذلك لا يصح ، أما بالنسبة لما عدا الجواب الأخير ، فلما يلي :

ألف : إننا نقول : لو صح ما ذكروه لكان عمر اقتصر على ذكر هذا المعنى ولم يكن بحاجة إلى المناشدة المذكورة ، والاستدلال على عدم كونها إرثا بحديث لا نورث.

ب : قال العسقلاني : «لكن في رواية النسائي ، وعمر بن شبة (٤) ، من

__________________

(١) الصواعق المحرقة ص ٣٧.

(٢) فتح الباري ج ٦ ص ١٤٥.

(٣) المصدر السابق.

(٤) سنن النسائي ج ٧ ص ١٣٦ وتاريخ المدينة ج ١ ص ٢٠٤ وشرح النهج ج ١٦ ص ٢٢٢ وراجع سائر المصادر التي تقدمت للرواية في أوائل هذا الفصل.

٢٨١

طريق أبي البخترى ، ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث ، ولفظه في آخره : ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا : أريد نصيبي من ابن أخي ، ويقول هذا : أريد نصيبي من امرأتي ، والله ، لا أقضي بينكما إلا بذلك ، أي إلا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية. وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد ، عن مالك بن أوس نحوه».

ثم ذكر دعوى أبي داود : أنهما أرادا من عمر أن يقسمها بينهما للانفراد بالنظر فيما يتوليان ، وأن أكثر الشراح اقتصروا عليه واستحسنوه ثم تنظر فيه بما تقدم.

ثم إنه بعد ذلك تعجب من ابن الجوزي ومن الشيخ محيي الدين ، لجزمهما بأن عليا والعباس لم يطلبا إلا قسمة النظر والولاية .. مع أن السياق صريح في أنهما جاءاه مرتين في طلب شيء واحد ، ثم اعتذر بأنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري (١).

ج : إن العم لا يرث مع وجود البنت لبطلان التعصيب ، كما سيأتي.

د : قول ابن كثير : إنه كان قد وقع بين علي والعباس خصومة شديدة ، بسبب إشاعة النظر بينهما محض رجم بالغيب ، إذ ليس في الرواية ما يدل على أن سبب الخصومة هو ذلك ، ولا حدثنا التاريخ بشيء عن السبب المذكور. بل الأمر على العكس كما تقدم عن العسقلاني.

ه : لم نفهم معنى لهذا التحرج المدعى من قبل عمر ، فإنه إذا كان الأنبياء لا يورثون ، فإن قسمة النظر بينهما لا تخالف حديث لا نورث ـ إن

__________________

(١) فتح الباري ج ٦ ص ١٤٥.

٢٨٢

صح ـ لا في الظاهر ولا في الباطن ، وإذا كان حديث لا نورث باطلا ، وكانوا يورثون ، فمخالفة الحديث لا ضير فيها ولا حرج.

و : لم نفهم لماذا لا تصح القسمة إلا في الأملاك ـ كما ذكره العيني ـ وكيف غفل علي والعباس عن ذلك ، وكيف لم يقل لهما عمر ، ولا أحد ممن حضر الخصومة : إن القسمة لا تقع في الأملاك؟!.

ز : لم نفهم كيف أصبح استباب علي والعباس دليلا على كون أرض بني النضير ليست إرثا؟ أليس الإرث يحتاج إلى القسمة ، وقد يقع الخلاف في هذا القسم أو ذاك؟! فلعل أحدهما يريد هذه القطعة ، وذاك يريدها أيضا ، فيقع الخصام ، ويحتاج إلى الفصل بينهما ، وإراحة كل منهما من الآخر.

وأما بالنسبة لجواب العسقلاني ، فإننا نقول :

ألف : قد صرح المعتزلي الشافعي : بأن خبر أبي بكر يمنع من الإرث مطلقا ، قليلا كان أو كثيرا ، ولا سيما مع إضافة كلمة : «ما تركناه صدقة».

وأضاف : «فإن قال قائل : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ، ولا فضة ، ولا أرضا ، ولا عقارا ، ولا دارا ..

قيل : هذا الكلام يفهم من مضمونه : أنهم لا يورثون شيئا أصلا ، لأن عادة العرب جارية بمثل ذلك. وليس يقصدون نفي ميراث هذه الأجناس المعدودة دون غيرها ، بل يجعلون ذلك كالتصريح بنفي أن يورثوا شيئا ما على الإطلاق» (١).

وإن كان لنا تحفظ على إضافته المذكورة ، فإن ظاهر قوله : نحن معاشر

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢٢٤.

٢٨٣

الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة الخ .. أنهم ما جاؤوا لأجل جمع حطام الدنيا لأنفسهم ، وليورثوه أبناءهم ، وإنما هم زهاد تاركون للدنيا ، ولا يجمعون ذهبا ولا فضة ليقع في ميراثهم لمن بعدهم.

ب : قول العسقلاني : إن اعتقاد علي والعباس ظلم من خالفهما يدل على اعتقادهما باختصاص حديث لا نورث ببعض الأموال دون بعض .. لا يصح ، إذ كما يمكن أن يكون ذلك لأجل اعتقادهما بما ذكر ، كذلك يمكن أن يكون لأجل اعتقادهما بعدم صحة أصل الحديث ، وأنه مجعول ومختلق.

وهذا الثاني هو الصحيح ؛ لإنكار علي «عليه‌السلام» ، وفاطمة «عليها‌السلام» ، والعباس «رحمه‌الله» هذا الحديث من الأساس ، ومطالبتهم بتركة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، كما هو ظاهر لا يخفى.

خامسا : إن العم لا يرث مع وجود البنت ، كما هو الحق الذي لا محيص عنه ، وإنما ترث البنت الواحدة نصف التركة بالفرض ، والنصف الباقي بالرد عليها ، والتعصيب يعني توريث العصبة النصف ـ كالعم ـ مع البنت ، باطل ولا يصح ، وقد استدل العلماء على بطلانه بما لا مزيد عليه ؛ فليراجع في مظانه (١).

ويبدو : أن توريث العلم ـ مع البنت الذي هو من التعصيب الباطل ـ قد نشأ عن إرادة تقوية موقف أبي بكر ، وإضعاف موقف فاطمة وعلي

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ج ٣٩ ص ٩٩ ـ ١٠٥ ، وتلخيص الشافي ج ١ هامش ص ٢٥٤ ـ ٢٥٩ ونهج الحق ص ٥١٥ واللمعة الدمشقية ج ٨ ص ٧٩ و ٨٠ والحدائق الناضرة (كتاب المواريث) ص ٤٩ ـ ٥٥ وأي كتاب فقهي للشيعة الإمامية تعرض فيه لمسائل الإرث.

٢٨٤

«عليهما الصلاة والسلام».

سؤال .. وجوابه :

ويرد هنا سؤال ، وهو : أنه إذا كان العباس لا يرث ؛ فلما ذا شارك في المطالبة بإرث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أبي بكر ، ثم من عمر؟!.

وأجاب السيد ابن طاووس : بأن هذه المطالبة ، بل وحتى إظهار الخصومة مع علي في ذلك عند عمر ، قد كان لأجل مساعدة علي وفاطمة «عليهما‌السلام» ، وقطع حجة أبي بكر ، وإقامة الحجة على عمر في ذلك. ثم ذكر ابن طاووس هنا قصة الجارية التي قالت للرشيد العباسي : إن عليا «عليه‌السلام» والعباس كانا في هذه القضية كالملكين ، اللذين تحاكما إلى داود في الغنم ، حيث أرادا تعريفه وجه الحكم ؛ فكذلك أراد علي والعباس تعريف أبي بكر وعمر : أنهما ظالمان لهما بمنع ميراث نبيهما (١).

وقد يجاب عن ذلك : بأن العباس كان يظن في ظاهر الحال أنه يرث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعمومته له ، وكان علي «عليه‌السلام» يرفض ذلك ، على اعتبار أن العم لا يرث ، فترافعا إلى عمر على هذا النحو ليقيما الحجة عليه.

سادسا : قال الشيخ المظفر «رحمه‌الله» : «إن أمير المؤمنين لو سمع ذلك ؛ أي حديث : لا نورث الخ .. فلم ترك بضعة الرسول أن تطالب بما لا حق لها فيه؟! أأخفى ذلك عنها راضيا بأن تغصب مال المسلمين؟! أو أعلمها فلم

__________________

(١) راجع : الطرائف ص ٢٨٣ ـ ٢٨٥.

٢٨٥

تبال؟! وعدت على ما ليس لها فيه حق! فيكون الكتاب كاذبا ، أو غالطا بشهادته لهما بالطهارة ، فلا مندوحة لمن صدق الله ، وكتابه ، ورسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يقول بكذب هذه الأحاديث» (١).

وقال المعتزلي : «.. وهل يجوز أن يقال : إن عليا كان يعلم ذلك ، ويمكّن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه؟! خرجت من دارها ، ونازعت أبا بكر ، وكلمته بما كلمته إلا بقوله ، وإذنه ورأيه»! (٢).

سابعا : قال المظفر والمعتزلي : «إن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» والعباس ، لو كانا سمعا من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما رواه أبو بكر ، حتى أقرا به لعمر ؛ فكيف يقول لهما عمر : ـ كما في حديث مسلم ـ : رأيتما أبا بكر كاذبا ، آثما ، غادرا ، خائنا ، ورأيتماني آثما ، غادرا ، خائنا» (٣).

ثامنا : قال العلامة الحلي ما حاصله : إن عمر بن الخطاب قد أخبر : أن عليا والعباس يعتقدان فيه وفي أبي بكر بأنهما : كاذبان آثمان غادران خائنان ، فإن كان ذلك حقا ، فهما لا يصلحان للخلافة ، وإن كان كذبا ، لزمه تطرق الذم إلى علي والعباس ، لاعتقادهما في أبي بكر ، وعمر ما ليس فيهما ؛ فكيف استصلحوا عليا «عليه‌السلام» للخلافة؟ مع أن الله قد نزهه عن الكذب والزور وطهره.

وإن كان عمر قد نسب إلى العباس وعلي «عليه‌السلام» شيئا لا

__________________

(١) دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٣٣.

(٢) شرح النهج ج ١٦ ص ٢٢٤.

(٣) دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٣٣ وشرح النهج للمعتزلي الشافعي ج ١٦ ص ٢٢٦.

٢٨٦

يعلمانه ، لزمه تطرق الذم إلى عمر نفسه ، لأنه يفتري عليهما ، وينسب إليهما ما لا يعتقدانه.

مع أن البخاري ومسلما ذكرا في صحيحيهما : أن قول عمر هذا لعلي والعباس ، قد كان بمحضر مالك بن أوس ، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير وسعد. ولم يعتذر أمير المؤمنين عن هذا الاعتقاد الذي نسب إليهما ، ولا أحد من الحاضرين اعتذر لأبي بكر وعمر (١).

وأجاب البعض عن ذلك : بأنه قد جاء على لسان عمر على سبيل الفرض والتقدير ، والزعم ؛ فإن الحاكم إذا حكم بخلاف ما يرضي الخصم ، يقول له : تحسبني ظالما ولست كذلك ، ولذلك لم يعتذر علي «عليه‌السلام» ولا العباس ولا غيرهما ممن حضر (٢).

ورد عليه العلامة المظفر «رحمه‌الله» : بأن هذا مضحك ، إذ كيف لا يكون على سبيل الحقيقة ، وهما إنما يتنازعان عند عمر في ميراث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد سبق رواية أبي بكر وحكمه؟ فإن هذا النزاع بينهما لا يتم إلا بتكذيبهما لأبي بكر في حديثه ، وحكمهما عليه بأنه آثم غادر خائن على وجه يعلمان : أن عمر عالم بكذب حديث أبي بكر ، وأن موافقته له في السابق كان لسياسة دعته إلى الموافقة ، ولو لم يكونا عالمين بأن عمر عالم بكذب حديث أبي بكر ، لم يصح ترافعهما إلى عمر من جديد (٣).

__________________

(١) نهج الحق ص ٣٦٥ و ٣٦٦ وراجع دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٤ و ١٢٥.

(٢) دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٦.

(٣) دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٨ و ١٢٩.

٢٨٧

تاسعا : إن من المعلوم : أن الحكام بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد دفعوا الحجر إلى زوجاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١). كما أن خلفاء بني العباس قد تداولوا البردة والقضيب (٢).

وقد قال ابن المعتز مخاطبا العلويين :

ونحن ورثنا ثياب النبي

فلم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العم أولى بها (٣)

فأجابه الصفي الحلي بقوله :

وقلت ورثنا ثياب النبي

فكم تجذبون بأهدابها

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها (٤)

وقال الشريف الرضي «رحمه‌الله» :

ردوا تراث محمد ردوا

ليس القضيب لكم ولا البرد (٥)

كما أنهم دفعوا آلته وبغلته وحذاءه وخاتمه وقضيبه إلى علي «عليه

__________________

(١) راجع : تلخيص الشافي ج ٣ ص ١٢٩ و ١٣٠ ودلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٩ ونهج الحق ص ٣٦٦.

(٢) تلخيص الشافي ج ٣ ص ١٤٧ و ١٤٨.

(٣) ديوان ابن المعتز ص ٢٩ وراجع : تلخيص الشافي ج ٣ ص ١٤٨ هامش والغدير ج ٦ ص ٥٢.

(٤) راجع : ديوان الصفي الحلي وراجع تلخيص الشافي ج ٣ ص ١٤٨ هامش والغدير ج ٦ ص ٥٣.

(٥) ديوان الشريف الرضي ج ١ ص ٤٠٧ وتلخيص الشافي ج ٣ ص ١٤٨ هامش.

٢٨٨

الصلاة والسلام» (١).

وعليه فيرد ما أورده المعتزلي الشافعي هنا حيث قال : «إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يورث ؛ فقد أشكل دفع آلته ودابته ، وحذائه إلى علي «عليه‌السلام» ، لأنه غير وارث في الأصل ، وإن كان إعطاؤه ذلك لأن زوجته بعرضة أن ترث لو لا الخبر ، فهو أيضا غير جائز ؛ لأن الخبر قد منع أن يرث منه شيئا ، قليلا كان أو كثيرا».

(ثم ذكر ما تقدم عنه آنفا حين الجواب على ما ذكره العسقلاني ، الذي ادّعى : أن عليا «عليه‌السلام» والعباس توهما : أن «لا نورث» ليست عامة).

ثم قال : «.. فإنه جاء في خبر الدابة والآلة ، والحذاء : أنه روي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا نورث ، ما تركناه صدقة» ، ولم يقل : «لا نورث كذا وكذا» وذلك يقضي عموم انتفاء الإرث عن كل شيء» (٢).

عاشرا : لقد قال أحمد بن حنبل : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل ، عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أأنت ورثت رسول الله أم أهله؟!.

فقال : لا بل أهله.

__________________

(١) راجع : مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٢٦٢ وراجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢٢٤ و ٢١٤ وتلخيص الشافي ج ٣ ص ١٤٧ وفي هامشه أيضا عن : الرياض النضرة.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢٢٤.

٢٨٩

فقالت : فأين سهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول :

«إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ، ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده».

فرأيت أن أرده على المسلمين. قالت : فأنت وما سمعت عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

فنلاحظ : أن الخليفة يعترف بأن أهل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرثونه.

وذلك يكذب دعوى : أن الأنبياء لا يورثون (٢). ولكنه عاد فادّعى أنه يعود إليه لأنه قام بعد الرسول.

ولعل قول فاطمة «عليها‌السلام» أخيرا : فأنت وما سمعت من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ظاهر في أنها تشك في صحة الحديث ، وأرجعت الأمر إلى الله سبحانه ليحكم في هذا الأمر.

ولنا أن نحتمل : أن السلطة قد سارت في موضوع إرث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بخطوات تراتبية تصعيدية ، وربما تكون هذه القضية للزهراء «عليها‌السلام» مع أبي بكر من الخطوات في هذا الاتجاه ، ثم تلاها غيرها إلى أن انتهوا إلى إنكار إرثها «عليها‌السلام» من الأساس.

حادي عشر : قد اعترض ابن طاووس على دعوى : أن عليا «عليه

__________________

(١) مسند أحمد ج ١ ص ٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٨٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢١٨ و ٢١٩ ودلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٤٤ عن كنز العمال ج ٣ ص ١٣٠ عن أحمد وابن جرير ، والبيهقي وغيرهم وراجع : سنن أبي داود ج ٣ ص ١٤٤.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٢١٩.

٢٩٠

السلام» قد غلب العباس على أرض بني النضير ، وقال : إن ذلك غير صحيح.

«لاستمرار يد علي «عليه‌السلام» وولده على صدقات نبيهم ، وترك منازعة بني العباس لهم ، مع أن العباس ما كان ضعيفا عن منازعة علي ، ولا كان أولاد العباس ضعفاء عن المنازعة لأولاد علي في الصدقات المذكورة».

ثم ذكر «رحمه‌الله» روايتين عن قثم وعن عبد الله ابني عباس ، يقرّان فيها : أن الحق في إرث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي «عليه‌السلام» (١).

ويجب أن لا ننسى مدى حرص الحكام على كسر شوكة علي «عليه‌السلام» ، وإبطال قوله وقول أهل بيته «عليهم‌السلام» ، سواء في ذلك أولئك الذين استولوا على تركة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أو الذين أتوا بعدهم من الأمويين أو العباسيين.

ثاني عشر : قال العلامة : «كيف يجوز لأبي بكر أن يقول : أنا ولي رسول الله ، وكذا لعمر ، مع أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مات وقد جعلهما من جملة رعايا أسامة بن زيد» (٢).

وأجاب البعض : أن المراد بالولي : من تولى الخلافة ، فإنه يصبح المتصرف في أمور رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعده ، وتأمير أسامة عليهما لا يجعلهما من رعاياه ، بل هم جميعا من رعايا النبي «صلى الله عليه

__________________

(١) راجع : الطرائف لابن طاووس ص ٢٨٤ و ٢٨٥.

(٢) نهج الحق ص ٣٦٤ وراجع : دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٤.

٢٩١

وآله» (١).

وهو جواب لا يصح : فقد قال الشيخ محمد حسن المظفر «رحمه‌الله» ، ما حاصله : إن الولي للشخص هو المتصرف في أموره ؛ لسلطانه عليه ولو في الجملة ، كالمتصرف في أمور الطفل والغائب. ولا يصدق على الوكيل أنه ولي ، مع أنه متصرف في أموره. فلا أقل من أن ذلك إساءة أدب معه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولو سلم اعتبار السلطنة في معنى الولي فدعواهما أنها وليا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غير صحيحة ، لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يستصلحهما حين وفاته إلا لأن يكونا في جملة رعايا أسامة ، فكيف صلحا بعده للإمامة على الناس عامة ومنهم أسامة؟

على أن إضافة الولي إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، من دون اعتبار السلطنة في معنى الولي ، تقتضي ظاهرا : أن تكون الولاية مجعولة من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأنها من إضافة الصفة إلى الفاعل ، لا إلى المفعول ، وذلك باطل بالاتفاق ، وإنكار إطلاق الرعية على مثل تأمير أسامة في غير محله (٢).

ثالث عشر : قال العلامة الحلي ما حاصله : كيف استجاز عمر أن يعبر عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للعباس : تطلب ميراثك من ابن أخيك ، مع أن الله تعالى يخاطبه بصفاته ، مثل يا أيها الرسول ، يا أيها النبي ، ولم يذكره باسمه إلا في أربعة مواضع شهد له فيها بالرسالة لضرورة تخصيصه وتعيينه ..

__________________

(١) هذا كلام ابن روزبهان في كتابه المسمى : «إبطال نهج الباطل» فراجع دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٥.

(٢) دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٦.

٢٩٢

وقد قال الله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ..) (١).

ثم عبر عمر عن ابنته مع عظم شأنها وشرف منزلتها بقوله : يطلب ميراث امرأته (٢).

أضف إلى ذلك : أنه عبر عن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» باسم الإشارة ، فقال : «هذا».

وأجاب البعض :

بأنه : «إنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم أن لو كان هناك ميراث ، لا أنه أراد الغض منهما بهذا الكلام» (٣).

وقال آخر : هذا القول من عمر قد جاء على طريق محاورات العرب ، وهو يتضمن ذكر علة طلب الميراث ، وهو كونه ابن أخيه ، وليس فيه إساءة أدب ، وعمر لم يذكر النبي باسمه ..

وبالنسبة للزهراء ، فإن الأولى ترك ذكر النساء بأسمائهن في محضر الرجال ، فهو متأدب في ترك ذكر اسمها ، لا مسيء للأدب بذلك (٤).

ولكنها أجوبة لا تصح : فقد قال العلامة المظفر «رحمه‌الله» تعالى ، ما

__________________

(١) الآية ٦٣ من سورة النور.

(٢) نهج الحق ص ٣٦٥ وراجع : دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٤ وراجع : ميزان الإعتدال ج ٢ ص ٦١١ وسير أعلام النبلاء ج ٩ ص ٥٧٢ وفي هامشه عن الضعفاء للعقيلي ص ٢٦٥ و ٢٦٦.

(٣) فتح الباري ج ٦ ص ١٤٤ و ١٤٥.

(٤) هذا كلام الفضل بن روزبهان ، راجع : دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٥.

٢٩٣

حاصله : إن محاورات العرب إذا اقتضت التوهين برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلا بد من تركها ، فإنه لا يصح ترك أدب القرآن ، والعمل بآداب الأعراب ، وأهل الجاهلية ..

وبالنسبة إلى علة الميراث ، فإنه لا حاجة إلى ذكرها ، وترك الأدب مع الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فهل لم يكن علي «عليه‌السلام» والعباس «رحمه‌الله» أو أحد من الحضور يعلم هذه العلة؟!.

هذا .. بالإضافة إلى أنه كان يمكنه ذكر علة الميراث ، ومراعاة الأدب معه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في آن واحد.

وبالنسبة إلى أن عمر لم يذكر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باسمه الشريف ، فإن المقصود : أن تكريمه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مطلوب ، وليس في عبارته ذلك ، وقد قال تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ..).

كما أن تعبيره ب «امرأته» ليس فيه علة الميراث التي هي بنوّتها لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وقد كان يمكنه احترام الزهراء «عليها‌السلام» بذكر بعض ألقابها. وعدم ذكر النساء بأسمائهن لا يحل المشكلة ، فقد كان يمكنه تجنب اسمها «عليها‌السلام» ، وذكرها ببعض ألقابها المادحة لها (١).

الانتصار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم لعمر الفاروق؟!

قال العقيلي : «سمعت علي بن عبد الله بن المبارك الصنعاني يقول : كان

__________________

(١) دلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٧.

٢٩٤

زيد بن المبارك لزم عبد الرزاق ، فأكثر عنه ، ثم خرق كتبه ، ولزم محمد بن ثور ، فقيل له في ذلك ، فقال : كنا عند عبد الرزاق ، فحدثنا بحديث معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان الحديث الطويل ؛ فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس : «فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته من أبيها».

قال عبد الرزاق : انظروا إلى الأنوك يقول : تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ألا يقول : رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!.

قال زيد بن المبارك : فقمت ، فلم أعد إليه ، ولا أروي عنه.

قال الذهبي : «لا اعتراض على الفاروق (رض) فيها ، فإنه تكلم بلسان قسمة التركات» (١).

وقال : «إن عمر إنما كان في مقام تبيين العمومة والبنوة ، وإلا .. فعمر (رض) أعلم بحق المصطفى وبتوقيره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتعظيمه من كل متحذلق متنطع.

بل الصواب أن نقول عنك : انظروا إلى هذا الأنوك الفاعل ـ عفا الله عنه ـ كيف يقول عن عمر هذا ، ولا يقول : قال أمير المؤمنين الفاروق»؟! (٢).

ونقول :

__________________

(١) راجع : الضعفاء الكبير ج ٣ ص ١١٠ وميزان الإعتدال ج ٢ ص ٦١١ وسير أعلام النبلاء ج ٩ ص ٥٧٢ وفي هامشه عن الضعفاء للعقيلي ص ٢٦٥ و ٢٦٦ ودلائل الصدق ج ٣ قسم ٢ ص ١٢٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٥٧٢.

٢٩٥

١ ـ إن بيان العمومة والبنوة ليس ضروريا هنا ، وذلك لوضوحهما لكل أحد.

٢ ـ إن بيانهما والتكلم بلسان قسمة التركات لا يمنع من الإتيان بعبارة تفيد توقير رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» واحترامه.

٣ ـ إن التكلم بلسان قسمة التركات في غير محله ، لأن العباس لا يرث ؛ لبطلان التعصيب ..

٤ ـ إذا صح : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يورث ، فلا حاجة إلى التحدث بلسان قسمة التركات ، لا سيما وأن المطلوب ـ حسب ما يدّعون ـ هو قسمة النظر ، كما تقدم ، وتقدم بطلانه ..

٥ ـ إن زيد بن المبارك لا يعود إلى عبد الرزاق ، لأنه رآه ينتصر لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وينتقد عمر على عدم توقيره للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وهذا من ابن المبارك عجيب!! وعجيب جدا!!

٦ ـ إن الذهبي ، وغيره يغضبون لعمر ، ويشتمون عبد الرزاق لتوهينه عمر ، ولا يغضبون لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا يقبلون حتى بانتقاد من يتصدى لإهانته «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٧ ـ إنهم يطلبون من عبد الرزاق أن يذكر عمر بألقابه ، ولا يطلبون من عمر أن يذكر النبي بألقابه التي شرّفه الله تعالى بها .. فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

يحسبهم الجاهل أغنياء :

وبعد .. فإن إلقاء نظرة فاحصة على حياة فاطمة الزهراء «عليها

٢٩٦

السلام» ، تعطينا : أنها «صلوات الله وسلامه عليها» ، لم تتغير حياتها ـ بعد فتح بني النضير وخيبر ، وملكها فدكا وغيرها ـ عما كانت عليه قبل ذلك ، رغم غلتها الكثيرة والوافرة ، فهي لم تعمر الدور ، ولم تبن القصور ، ولا لبست الحرير والديباج ، ولا اقتنت النفائس ، ولا احتفظت لنفسها بشيء. وهكذا كانت حال زوجها علي «عليه الصلاة والسلام» رغم توفر الأموال له.

بينما نجد : أن بعض أولئك الذين استفادوا من أموال بني النضير وغيرها قد خلفوا من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس ، ويكفي أن نذكر هنا :

١ ـ أن الزبير بن العوام بنى داره المشهورة بالبصرة ، وفيها الأسواق ، والتجارات ، وبنى دورا في الكوفة ، ومصر ، والإسكندرية ، وبلغ ثمن ماله خمسين ألف دينار ، وترك ألف فرس ، وألف مملوك ، وخططا بمصر والإسكندرية ، والكوفة والبصرة (١).

وقالوا : كان للزبير خمسون مليونا ومئتا ألف.

وقيل : بل مجموع ماله سبعة وخمسون مليونا وست مئة ألف (٢).

٢ ـ أما عبد الرحمن بن عوف : فقد كان له ألف بعير ، وعشرة آلاف

__________________

(١) مشاكلة الناس لزمانهم ص ١٣ وحديث الألف مملوك موجود أيضا في : ربيع الأبرار ج ١ ص ٨٣٠ وراجع : حياة الصحابة ج ٢ ص ٢٤٢ وحلية الأولياء ج ١ ص ٩٠ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ١٧ وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ٣٤٥ وراجع : التراتب الإدارية ج ٢ ص ٣٩٧ ـ ٤٠٤ و ٢٤ ـ ٢٩.

(٢) راجع : حياة الصحابة ج ٢ ص ٢٤٤ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢٤٩.

٢٩٧

شاة ، ومائة فرس ، وصولحت إحدى نسائه على ربع ثمن ماله بأربعة وثمانين ألف دينار (١).

وعن أم سلمة : أن عبد الرحمن بن عوف دخل عليها ، فقال : يا أمه ، قد خفت أن تهلكني كثرة مالي ، وأنا أكثر قريش مالا الخ .. (٢).

وحينما مات ابن عوف جيء بتركته إلى مجلس عثمان ؛ فحالت البدر بين عثمان وبين الرجل القائم في الجهة الأخرى. وفي هذه المناسبة ضرب أبو ذر كعب الأحبار بالعصا على رأسه فكانت النتيجة هي نفي أبي ذر (٣).

وبعد إخراج وصاياه كلها ، فإنه قد ترك مالا جزيلا ، من ذلك ذهب قطع بالفؤوس ، حتى مجلت أيدي الرجال (٤).

٣ ـ إن عمر بن الخطاب الذي استفاد هو الآخر من أموال بني النضير وغيرها ، كان أيضا يملك ثروة هائلة في أيام خلافته ، بل هو يدّعي : أنه كان في مكة من أكثر قريش مالا كما ذكره ابن هشام ، حين الحديث عن هجرته

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ٧ ص ١٦٤ ومشاكلة الناس لزمانهم ص ١٤ وحديث ربع الثمن هذا موجود في جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٦ و ١٧.

(٢) كشف الأستار ج ٣ ص ١٧٢ وراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٧٢ وقال : رجاله رجال الصحيح.

(٣) راجع : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٠ ومسند أحمد ج ١ ص ٦٣ وحلية الأولياء ج ١ ص ١٦٠.

(٤) البداية والنهاية ج ٧ ص ١٦٤ وراجع في مقدار تركته مآثر الإنافة ج ١ ص ٩٦ وهناك تفاصيل عجيبة ذكرها في التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٩٧ حتى ص ٤٠٥ و ٢٤ ـ ٢٩.

٢٩٨

هو وعياش بن أبي ربيعة ، فقد أصدق إحدى زوجاته أربعين ألف دينار أو درهم (١).

وقيل : عشرة آلاف. وأعطى صهرا له قدم عليه من مكة عشرة آلاف درهم من صلب ماله (٢).

كما أن : «ابنا لعمر باع ميراثه من ابن عمر (٣) بمائة ألف درهم» (٤).

وفي نص آخر : أن ثلث مال عمر كان أربعين ألفا ، أوصى بها. وإن كان الحسن البصري قد استبعد ذلك ، واحتمل أن يكون قد أوصى بأربعين ألفا فأجازوها (٥).

لقد كان هذا في وقت كان يعيش الناس فيه أقسى حياة تمر على إنسان ، حتى إن بعضهم لم يكن يملك سوى رقعتين ، يستر بإحداهما فرجه ، وبالأخرى

__________________

(١) راجع : الفتوحات الإسلامية ج ٢ ص ٥٥ ، والبحر الزخار ج ٤ ص ١٠٠ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٤٠٥.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٢١٩ والفتوحات الإسلامية ج ٢ ص ٣٩٠ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٥٦ عن ابن سعد ، وعن كنز العمال ج ٢ ص ٣١٧ ، وعن ابن جرير ، وابن عساكر.

(٣) لعل الصحيح : من عمر ؛ وذلك لأن المفروض : أن الوارث هو ابن عمر ، فالمورث لا بد أن يكون هو عمر نفسه. واحتمال أن يكون المراد بابن عمر هو عبد الله ، ويكون أحد أبناء عمر قد باع ميراثه من أبيه إلى أخيه عبد الله بمائة الف ، هذا الاحتمال بعيد عن مساق الكلام وقد كان ينبغي إلفات النظر إلى ذلك مع العلم بأن هذا الاحتمال ، لا يضر بما نريد أن نستفيده من هذا النص ، وذلك ظاهر.

(٤) جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٧.

(٥) المصدر السابق.

٢٩٩

دبره (١).

فهؤلاء يجمعون الأموال ، ويتنعمون بها ، ثم يرثها عنهم أبناؤهم وزوجاتهم ، ليكون لها نفس المصير أيضا.

وفي المقابل ، فإن عليا أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» ، الذي وقف على الحجاج مائة عين استنبطها في ينبع (٢) ،

يروى عنه : أن صدقات أمواله قد بلغت في السنة أربعين ألف دينار (٣).

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ج ٦ ص ٣٦٧ وراجع : ص ٢٦٨ والسنن الكبرى ج ٧ ص ٢٠٩.

(٢) أصول مالكيت ج ٢ ص ٧٩ عن المناقب ج ٢ ص ١٢٣ وراجع : البحار ج ٤١ ص ٣٢ وراجع حول ثورته «عليه‌السلام» أيضا ج ٤١ ص ١٢٥ ففيه قصة طريفة حول هذا الموضوع وراجع : الوسائل ج ١٢ ص ٢٢٥.

(٣) راجع : كشف المحجة ص ١٣٤ والبحار ج ٤١ ص ٢٦ و ٤٣ وأنساب الأشراف ج ٢ ص ١١٧ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٥٦٠ ومسند أحمد ج ١ ص ١٥٩ وينابيع المودة ص ٣٧٢ عن فصل الخطاب لخواجة پارسا وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٩٩ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٣ والتراتيب الإدارية ، ج ١ ص ٤٠٧ وتهذيب الأسماء ج ١ ص ٣٤٦ وصيد الخاطر ص ٢٦ وملحقات إحقاق الحق ج ٨ ص ٥٧٤ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٧٢ وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ، بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٤٥٠ و ٤٥١ وحلية الأولياء ج ١ ص ٨٦ وكنز العمال ج ١٥ ص ١٥٩ عن أحمد وأبي نعيم والدورقي ، والضياء في المختارة ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٧. والرياض النضرة ج ٤ ص ٢٠٨ وعن أرجح المطالب ص ١٦٦ وعن ربيع الأبرار وراجع : أصول مالكيت (فارسي) للأحمدي ج ٢ ص ٧٤.

٣٠٠