الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-180-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٠

كانت أموالنا بأيدينا الخ .. (١).

وفي نص آخر : «فجاء عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة ، ليطرحها عليه ، فأمسك الله يده ، وجاء فأخبره ، فخرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» راجعا إلى المدينة.

ثم دعا عليا ، وقال : لا تبرح مقامك. فمن خرج عليك من أصحابي ، فسألك عني ، فقل : توجه إلى المدينة ، ففعل ذلك علي ، حتى انصبوا إليه ، ثم تبعوه ولحقوا به» (٢).

كانت تلك طائفة من النصوص الواردة حول قضية بني النضير ، وقد حان الآن وقت تسجيل ما يفيد ويجدي في الاستفادة منها ، أو في التأييد ، أو التفنيد لأي منها ، فيما سيأتي في الفصل الثاني.

__________________

(١) دلائل النبوة لأبي نعيم ص ٤٢٨ و ٤٢٩.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٠ وراجع البحار ج ٢٠ ص ١٦٤ عن الكازروني وغيره وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٤.

٦١
٦٢

الفصل الثاني :

قبل أن تدق الطبول

٦٣
٦٤

بداية :

قد تقدمت في الفصل السابق طائفة من النصوص التي تتحدث عن غزوة بني النضير ، أو عن بعض ما يتصل بها ، وسنجد فيما يلي من مطالب وفصول كثيرا من النصوص التي اقتضى البحث إيرادها ، لسبب أو لآخر ..

وحيث إن لنا الكثير من الوقفات والتساؤلات ، بل وتراودنا شكوك قوية حول عدد منها ، فإننا نشير إلى شيء من ذلك ضمن البحوث التي أوردناها في هذا الفصل وفيما يليه من فصول ، فنقول ..

ومن الله نستمد العون ، ومنه نطلب التوفيق والتسديد :

إن أول ما يطالعنا في نصوص قضية بني النضير هو :

الاختلافات الفاحشة :

إن هناك الكثير من الموارد التي اختلفت فيها النصوص وتناقضت بصورة فاحشة وظاهرة.

وما دام : أن المهم هو الإلماح إلى أن الواقع لا يمكن أن يكون هو كل ما تضمنته تلك الروايات والمنقولات ، وإنما هو واحد ، وواحد فقط .. فإننا نكل أمر تقصي هذه الاختلافات إلى القارئ نفسه ، إن وجد ضرورة إلى ذلك.

٦٥

ولأجل ذلك ، فنحن نصرف عنان الكلام إلى التركيز على مفاصل أساسية ، نجد أنها بحاجة لمزيد من البحث ، والجهد. وإن كنا قد اكتفينا فيها بما يتناسب في حجمه ومستواه مع سائر بحوث الكتاب وفصوله.

وأول ما نبدأ الحديث عنه هنا هو :

تاريخ غزوة بني النضير :

قالوا : إن غزوة بني النضير كانت سنة أربع ، في شهر ربيع الأول منها ، خرج إليهم عشية الجمعة لتسع مضين من ربيع الأول ، ثم راح إليهم عشية الثلاثاء.

وقد جعلها ابن إسحاق بعد سرية بئر معونة. وهذا مذكور في معظم المصادر فلا حاجة إلى تعداد مصادره ..

ولكن قال الزهري ، وكذا روي عن عروة وعن عائشة : إنها كانت بعد غزوة بدر بستة أشهر (١).

__________________

(١) راجع : دلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٢ ـ ٤٤٤ وليراجع في قول الزهري وحده ، أو منضما إلى غيره المصادر التالية : الروض الأنف ج ٣ ص ٣٥٠ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٤ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٥٩ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧٦٥ وسيرة مغلطاي ص ٥٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٠ والجامع للقيرواني ص ٢٧٨ و ٢٧٩ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٢ و ٣٣٤ والأموال ص ١٥ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٢٩٧ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٣٦ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١١٩ و ١٩٧ والدر المنثور ج ٦ ص ١٨٧ عن

٦٦

وهو ما جرى عليه البخاري ، وذهب إليه النووي وغيره (١).

أما نحن فنقول :

إن هذا هو الصحيح ، وذلك للأمور التالية :

١ ـ إنهم يقولون : إن أبا سلمة بن عبد الأسد قد استفاد من أرض بني النضير (٢).

ومن المعلوم : أن أبا سلمة قد مات قبل شهر ربيع الأول سنة أربع ،

__________________

البيهقي في الدلائل ، وعن ابن مردويه ، وعن الحاكم وصححه. وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٣ و ٢٥٥ و ٢٥٦ ومجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٠ و ١٦٢ عنه وزاد المعاد ج ٢ ص ٧١ و ١١٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٤ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٢٦ وبهجة الحافل ج ١ ص ٢١٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٤٥ كلاهما عن : البخاري ، والبيهقي ، وتفسير ابن حبان ، والمصنف ج ٥ ص ٣٥٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠ وفتح القدير ج ٥ ص ١٩٨ وفتوح البلدان قسم ١ ص ١٨ ومرآة الجنان ج ١ ص ٩.

(١) راجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٣ ـ ٢١٣ وفتح القدير ج ٥ ص ٢٠٥ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٥٩ وراجع : مرآة الجنان ج ١ ص ٩ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٣٦ وجوامع الجامع ص ٤٤٨. وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥ حيث استغرب من السهيلي ترجيحه قول الزهري وراجع أيضا : وفاء الوفاء ج ١ ص ٢٩٧ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٠ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢٢ ـ ١٩٧.

(٢) الطبقات الكبرى ج ١ ص ٥٨ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٨٠. وقالا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أعطاه أرضا تسمى «ويلة». ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٥٧ وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٩.

٦٧

وقبل بئر معونة.

وقال ابن حبان ، بعد ذكره غزوة بني النضير مباشرة : «ثم رجع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المدينة ، ثم بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبا سلمة بن عبد الأسد إلى ماء لبني أسد الخ ..» (١).

٢ ـ إنهم يقولون : إن الحارث بن الصمة قد استفاد هو الآخر من أراضي بني النضير (٢).

مع أنهم يدعون : أن الحارث هذا قد قتل في بئر معونة ، فكيف تكون غزوة بني النضير بعدها؟

هذا .. بالإضافة إلى أننا قد قدمنا : أن تاريخ سرية بئر معونة كان قبل السنة الرابعة ، فراجع ما ذكرناه هناك.

وجعل قتله في بئر معونة دليلا على ضعف هذا الخبر (٣) ، ليس بأولى من العكس ، أي جعل استفادته من أراضي بني النضير دليلا على عدم صحة

__________________

(١) الثقات ج ١ ص ٢٤٣.

(٢) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٦٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٥١ عن المدارك ، وعن معالم التنزيل والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٩ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٦ وجوامع الجامع ص ٤٨٧ والتفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٨٥ والكشاف ج ٤ ص ٥٠٥ والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ١١ وراجع ص ١٤ و ٢٤ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧٧١ و ١٧٧٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٢ والروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١ عن غير ابن إسحاق ، وبهجة المحافل ج ١ ص ٢١٦ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٩.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٩.

٦٨

قتله في بئر معونة. ولا أقل من أنه يدل على تقدم غزوة بني النضير على تلك الغزوة التي يقال : إنه قد قتل فيها. ويتأكد ذلك إذا عرفنا أن أحدهما ليس ناظرا إلى الآخر ، مع ملاحظة : أنه لا داعي للجعل والوضع في أي من الموردين ، بالنسبة إلى هذا الرجل بخصوصه.

تذكير بما سبق :

ولنا هنا ملاحظة وهي : أن ابن التين قد قوى أن تكون غزوة بني النضير بعد سرية بئر معونة ، وذلك استنادا إلى دليل لا يصح ، وقد ذكرناه مع جوابه في سرية بئر معونة في الجزء السابق من هذا الكتاب ، فليراجع هناك.

٣ ـ إنه لا شك في كون غزوة بني النضير قد كانت قبل حرب الخندق بثمانية أشهر في أقل الأقوال.

وقد قوينا : أن تكون الخندق قد حصلت في السنة الرابعة من الهجرة وليس في السنة الخامسة منها (١) ، فتكون غزوة بني النضير قبلها ..

بل إن ابن إسحاق ـ الذي ذكر : أن إجلاء بني النضير قد كان بعد أحد أي في السنة الرابعة ـ قد ذكر : أن فتح قريظة كان مرجعه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الأحزاب (أي الخندق) ، وبينهما سنتان (٢).

__________________

(١) راجع كتابنا : حديث الإفك ص ٩٦ ـ ١٠٦ والجزء الثامن من هذا الكتاب حين الحديث عن تحرر سلمان المحمدي (الفارسي) من الرق.

(٢) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٠ عنه وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٢ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٥ وراجع : الجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٣٦ وراجع أيضا : تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢١.

٦٩

فإذا كان بينهما سنتان (وإذا كانت قريظة التي هي بعد الخندق مباشرة) في السنة الرابعة فلا شك في كون غزوة بني النضير قد حصلت في السنة الثانية ، بعد بدر مباشرة ، لا بعد غزوة أحد.

٤ ـ إن بعض النصوص تذكر : أن سبب غزوة بني النضير هو : أن كفار قريش كتبوا ـ بعد بدر ـ إلى اليهود يهددونهم ، ويأمرونهم بقتال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأجمع حينئذ بنو النضير على الغدر ، وأرسلوا إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك.

ثم تذكر الرواية كيف : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غدا عليهم بالكتائب فحصرهم ، وطلب منهم العهد ، فقاتلهم يومه ذاك ثم تركهم وغدا إلى بني قريظة ، ودعاهم إلى أن يعاهدوه ففعلوا. فانصرف عنهم إلى بني النضير بالكتائب ، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء (١).

وعند العسقلاني : أن هذا أقوى مما ذكره ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير هو طلبه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منهم المساعدة في دية

__________________

(١) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ١٨٩ عن عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر والبيهقي : وأبي داود وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ ، والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٦٠ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٥٦ و ١٥٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٥ و ٤٤٦ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥ عن ابن مردويه ، وعبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢٠ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣١ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٢٩٨ وحياة الصحابة ج ١ ص ٣٩٧ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٤ ومدارك التنزيل بهامشه نفس الصفحة وأسباب النزول ص ٢٣٦.

٧٠

العامريين (١).

٥ ـ إن عددا من النصوص يذكر : أن كعب بن الأشرف كان لا يزال حيا إلى حين غزوة بني النضير ، وأنه قد قتل حينها ، أو بعدها ..

ومن المعلوم : أن قتل كعب بن الأشرف قد كان على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة ، ومعنى ذلك هو صحة ما ذكر من أن هذه الغزوة قد كانت بعد ستة أشهر من بدر.

ونذكر من الشواهد على دور كعب في هذه الغزوة ما يلي :

ألف : إن بعض النصوص تقول : إنه لما جاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى بني النضير يستسلفهم في دية العامريين قصد أولا كعب بن الأشرف ، فلما دخل عليه قال كعب : مرحبا يا أبا القاسم وأهلا. وقام كأنه يصف له الطعام ، وحدث نفسه بأن يقتل رسول الله ، ويتبع أصحابه ، فنزل جبرئيل إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأخبره (٢).

ب : إن كعب بن الأشرف ذهب إلى مكة في أربعين رجلا ، فاجتمع بأبي سفيان ، وكان في أربعين رجلا أيضا ، وتعاهدا بين الأستار والكعبة ، فنزل جبرائيل بسورة الحشر. فبعث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» محمد بن مسلمة بقتله ، فقتله في الليل ثم قصد إليهم ، وعمد إلى حصارهم ، فضرب قبته في

__________________

(١) فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥.

(٢) تفسير القمي ج ٢ ص ٣٥٩ وإعلام الورى ص ٨٩ والبحار ج ٢ ص ١٦٣ و ١٦٩ وتفسير البرهان ج ٤ ص ٣١٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٤٩ وتفسير الصافي ج ٥ ص ١٥٣. وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٦.

٧١

بني خطمة (١).

ج : ولكن ذكر الشيخ المفيد «رحمه‌الله» وغيره : أن قتل كعب بن الأشرف قد كان حين قتل أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للعشرة ، الذين خرجوا يلتمسون غرة من المسلمين ، قال المفيد «رحمه‌الله» :

«وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف واصطفى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أموال بني النضير» (٢).

ويفهم من الأربلي وغيره أيضا : أن قتل ابن الأشرف كان أثناء حصار بني النضير ، فراجع (٣).

د : ولكن آخرين يذكرون : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما أمر بقتل كعب حين ذهب إلى بني النضير ، يستعينهم في دية العامريين ، فاطلع على محاولتهم الغدر به ، فانصرف راجعا ، وأمر بقتل كعب بن الأشرف ثم أصبح غاديا عليهم بالكتائب ، وكانوا بقرية يقال لها زهرة ، فوجدهم ينوحون على كعب ، فقالوا : يا محمد ، واعية إثر واعية ، ثم حشدوا للحرب ، وفي آخره :

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٦٩ وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٤ وشرحه بهامش نفس الصفحة ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٤. والبحار ج ٢٠ ص ١٥٨ ومجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٧ وغرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج ٢٨ ص ٣٣.

(٢) الإرشاد للمفيد ص ٥٠ وكذا في مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٧.

(٣) راجع : كشف الغمة ج ١ ص ٢٠١ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٦ وراجع المصادر المتقدمة.

٧٢

قالوا : ذرنا نبكي سويعة ، ثم ائتمر أمرك (١).

وعلى كل حال ، فإن عددا من المؤرخين والمؤلفين قد صرحوا بأن غزوة بني النضير كانت صبيحة قتل ابن الأشرف (٢).

ه : ويؤيد ذلك الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين «عليه‌السلام» في هذه المناسبة ، فمنها قوله «عليه‌السلام» :

وأن تصرعوا تحت أسيافه

كمصرع كعب ابن الأشرف

إلى أن قال :

فدس الرسول رسولا له

بأبيض ذي هبة مرهف

فباتت عيون له معولات

متى ينع كعب لها تذرف

وقلن لأحمد ذرنا قليلا

فإنا من النوح لم نشتف

فخلاهم ثم قال اظعنوا

دحور على رغم الآنف

__________________

(١) راجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٤ عن البخاري وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٥ عن مسلم وأبي داود والترمذي ، ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦١.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦١ عن معالم التنزيل ، وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٦ عن عبد بن حميد في تفسيره وراجع : الجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٤ والتفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٧٨ والكشاف ج ٤ ص ٤٩٨ وجوامع الجامع ص ٤٨٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ والمصادر المتقدمة في الهامش السابق وراجع : مجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٧ والبحار ج ٢٠ ص ١٥٨ و ١٥٩ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٢٩٨ عن عبد بن حميد في تفسيره.

٧٣

وأجلى النضير إلى غربة

الخ ..... (١)

فإن هذه الأبيات إنما تقرر القصة المذكورة فيما تقدم ..

و : ويؤيد ذلك أيضا : أن البعض يقول : إن آية : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (٢) ، يقال : نزلت في كعب بن الأشرف (٣).

وكذا قوله : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) ، قيل : بقتل سيدهم كعب بن الأشرف (٤).

ومعنى ذلك : أن قتل كعب كان سببا في هزيمتهم ، وأن قتله قد كان بعد غدرهم ، وإعلانهم للحرب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما يفهم من الآيات الشريفة.

ز : وأخيرا ، فإن بعض النصوص تقول : ـ وذاك أمر غريب حقا ـ إن كعب بن الأشرف قد اعتزل قتال بني النضير ، وزعم : أنه لم يظاهر على

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٥٢ ـ ١٥٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٩.

(٢) الآية ٢ من سورة الحشر.

(٣) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٥١ وراجع : مجمع البيان ج ٩ ص ١٥٨ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٠ عنه وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج ٢٨ ص ٣٤ ومدارك التنزيل المطبوع بهامش لباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٥.

وراجع : والجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٣ عن أبي صالح ، والسدي ، وأبن جريج والتفسير الكبير ج ٢٩ ص ٢٧٩ وراجع : الكشاف ج ٤ ص ٤٩٩ وجوامع الجامع ص ٤٨٤ وفتح القدير ج ٥ ص ١٩٥.

(٤) فتح القدير ج ٥ ص ١٩٦.

٧٤

المسلمين ، فتركه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم انبعث يهجوه والمؤمنين ، ثم سار إلى قريش يستعديهم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الخ .. (١).

ولعل المراد : أنه اعتزل قتال بدر ، وإلا .. فإن بقاءه إلى ما بعد غزوة بني النضير مما تضافرت النصوص التاريخية على خلافه فراجع حكاية مقتله في سيرة ابن هشام ، والطبري ، وتاريخ الخميس ، وغير ذلك.

٦ ـ وسيأتي أنهم يقولون : إن آية : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (٢) قد نزلت في غزوة بني النضير ، ومعلوم أن هذه الآية قد وردت في سورة البقرة ، التي نزلت في أوائل الهجرة ويبعد : أن يستمر نزولها إلى ما بعد بدر ، حيث نزلت سورة الأنفال.

ولم يرد : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لهم : ضعوا هذه الآية في السورة الفلانية ، فالظاهر : أنها في جملة الآيات التي نزلت تدريجا ، فراجع في كيفية نزول القرآن ما ذكرناه في كتابنا : «حقائق هامة حول القرآن الكريم» ، فصل : الترتيب والنزول.

٧ ـ ونشير أخيرا إلى أن الحاكم قد ذكر : أن إجلاء بني النضير وبني قينقاع قد كان في زمان واحد (٣).

__________________

(١) تاريخ المدينة ج ٢ ص ٤٦١ و ٤٦٢ وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٥ كلاهما عن البخاري والبيهقي.

(٢) الآية ٢٥٦ من سورة البقرة.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٦.

٧٥

تهافت ظاهر :

وبعد ما تقدم ، فإن القول : بأن هذه القضية قد حصلت في السنة الرابعة ، لا يجتمع مع القول : بأنها كانت متزامنة مع قتل كعب بن الأشرف ـ كما صدر من البعض (١) ـ لأن ابن الأشرف قد قتل قبل هذا التاريخ بحوالي سنتين ، كما يعلم بالمراجعة لكتب التاريخ والرواية.

سبب غزوة بني النضير :

لقد ذكرت معظم المصادر : أن سبب هذه الغزوة هو : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد جاءهم يستعينهم في دية العامريين ، اللذين قتلهما بعض أصحابه بعد سرية بئر معونة ، فأرادوا الغدر به ، فجاءه الخبر من السماء ، إلى آخر ما تقدم ذكره.

قال البعض : «وكانوا قد عاهدوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ترك القتال ، وعلى أن يعينوه في الديات» (٢).

ولكننا نجد في مقابل ذلك أقوالا أخرى ، وهي :

الأول : أن السبب هو أنهم قد طلبوا من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن يخرج إليهم في ثلاثة نفر ، ليناقشوه في أمر الدين ، وكانوا قد خبأوا الخناجر ، فأرسلت إليه امرأة منهم ـ بواسطة أخيها ـ تعلمه بخيانتهم فلما أخبره

__________________

(١) راجع على سبيل المثال : ما قاله اليعقوبي في تاريخه ج ٢ ص ٤٩.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٠ وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢١٣ ، وشرحه للأشخر اليمني ، مطبوع بهامشه ، نفس الجلد والصفحة.

٧٦

بالأمر ، رجع قبل أن يصل إليهم (١).

ويبدو أن هذه هي نفس الرواية القائلة : إنهم طلبوا إليه أن يخرج إليهم في ثلاثين رجلا ، وهم في مثلهم ، ثم لما رأوا : أنه لا يمكن التفاهم فيما بين هذا العدد الكبير اقترحوا خروجه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ثلاثة ، ومنهم كذلك .. وقد كان ذلك بسبب تهديد قريش لهم بعد غزوة بدر (٢).

وقد تقدم : أن العسقلاني قد اعتبر هذه الرواية أقوى مما ذكره ابن إسحاق ، ووافقه عليه جل أهل المغازي ، من أن السبب هو أنه خرج إليهم في دية العامريين (٣).

وقد عرفنا فيما تقدم : أن هناك العديد من الدلائل والشواهد التي تؤكد على أن غزوة بني النضير ، قد كانت قبل بئر معونة ..

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ و ٢٦٤ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٢٩٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٢.

(٢) راجع هذه القضية في : دلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٥ و ٤٤٦ والمصنف ج ٥ ص ٣٥٩ و ٣٦١ ولباب التأويل ج ٤ ص ٢٤٤ ومدارك التنزيل مطبوع بهامشه نفس الصفحة وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣١ وحياة الصحابة ج ١ ص ٣٩٧ عن فتح الباري ، وعن بذل المجهود ج ٤ ص ١٤٢ عن الدر المنثور وفتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥ عن ابن مردويه ، وعبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق ، وأسباب النزول ص ٢٣٦ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٥٦ و ١٥٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ١٢٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ والدر المنثور ج ٦ ص ١٨٩ عن عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وأبي داود ، وعبد بن حميد ، والبيهقي في الدلائل ، ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٢٩٨.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ٢٥٥.

٧٧

فإن العامريين المشار إليهما هما اللذان قتلا بعد بئر معونة ، فلا ينسجم ذلك مع ما تقدم. ولا يصح ما ذكره ابن إسحاق ، وإن كانا قد قتلا قبل ذلك ، وفي مناسبة وقضية أخرى ، فلا إشكال فيه من هذه الناحية.

الثاني : قيل : إنه إنما ذهب إليهم لأخذ دية العامريين لأن بني النضير كانوا حلفاء لبني عامر (١) ، فيسهل الدفع منهم ؛ لكون المدفوع لهم من حلفائهم (٢).

ولكن لا ندري لماذا يريد أن يأخذ الدية من حلفاء المقتول ، فهل جرت عادة العرب على ذلك؟!

أم أنه يريد إذلال بني النضير في ذلك؟!

فإذا كان كذلك ، فهل المراد الإيحاء بأن ناقض العهد في الحقيقة هو نفس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وذلك بغيا منه وتعديا في أمر لا حق له به؟ نعوذ بالله من الخطأ والخطل ، في القول العمل ..

الثالث : إن البعض يقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ذهب إلى بني النضير ، ليسألهم كيف الدية عندهم ، وذلك للعهد الذي كان بينهم وبين بني عامر (٣).

ولا ندري لماذا لم يكتف بإرسال بعض أصحابه إليهم ليسألوهم عن ذلك ، وهل كان ثمة اتفاق خاص في مقدار الدية فيما بين بني النضير وبني عامر ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٣ و ٢٦٤.

(٢) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٠.

(٣) المصدر السابق.

٧٨

يختلف عن مقدارها لدى سائر الناس الذين يعيشون في تلك المنطقة؟!

وإذا كان كذلك ، فكيف يريد هو أن يدفع خصوص هذا المقدار الذي اتفق عليه هؤلاء ، ولماذا لا يدفع المقدار المتعارف عليه فيما بين سائر الناس؟!.

وإذا كان يريد أن يدفع المقدار المتعارف عليه بين عامة الناس ، فهل كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يجهل هذا المقدار؟!. وإذا كان ـ والعياذ بالله ـ يجهل به ، فهل لم يكن أحد من أصحابه ، من سائر أهل المدينة ، وسائر القبائل والأقوام الذين يعيشون فيها وحولها ، يعلم بمقدار الدية؟! حتى يحتاج إلى المسير مع جماعة من أصحابه إلى خصوص بني النضير؟! ..

أم أن المقصود هو إظهار : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يعرف أحكام الشريعة السابقة ـ شريعة اليهود خاصة ـ دون غيرهم من سائر أهل الملل ، فلا بد أن يتفضل عليه اليهود ، ويعلموه مما عندهم ، ويصبح مدينا لهم ، هو وشريعته ، وكل أتباعه من بعده؟

ثم ليثبت من خلال ذلك : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يعمل بشريعة اليهود وأحكامهم!!

مع أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يخالفهم في كل شيء حتى لقد عبروا عن استيائهم من أنه يريد أن لا يدع من أمرهم شيئا إلا خالفهم فيه (١).

لا ندري .. ولعل الفطن الذكي يدري ..

فإنا لله وإنا إليه راجعون .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

__________________

(١) راجع حول إصرار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على مخالفة اليهود : الجزء الخامس من هذا الكتاب ص ١٩٦.

٧٩

الرابع : قد تقدم أن بني النضير لما هزم المسلمون في أحد ارتابوا ونقضوا العهد ، فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة ، وحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد ، ثم دخل أبو سفيان في أربعين وكعب بن الأشرف في أربعين المسجد ، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة.

ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة ، ونزل جبرئيل ، فأخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما تعاقد عليه كعب بن الأشرف وأبو سفيان ، وأمره بقتل كعب بن الأشرف ، فقتله محمد بن مسلمة الأنصاري ، وكان أخاه من الرضاعة (١).

الخامس : ورد في نص آخر ما ملخصه : أنه ذهب مع أصحابه يستقرض مالا من كعب بن الأشرف ، فحدث كعب نفسه بقتل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأخبره جبرائيل ، فقام كأنه يقضي حاجة ، وعرف : أنهم لا يقتلون أصحابه وهو حي ، وأخذ طريق المدينة ، فاستقبله بعض أصحاب كعب ، فأخبر كعبا بذلك ، ورجع المسلمون.

فأخبرهم ابن صوريا بأن رب محمد أطلعه على ما همّوا به ، وأنه سوف يأمرهم بالجلاء إن لم يسلموا ، فاختاروا الجلاء (٢).

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٠ ص ١٥٨ ومجمع البيان ج ٩ ص ٢٥٧ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٦ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٠ وقد تقدمت بقية المصادر حين الحديث عن تاريخ غزوة بني النضير ، فلتراجع هناك.

(٢) راجع : إعلام الورى ص ٨٨ و ٨٩ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٣ و ١٦٩ وتفسير الصافي ج ٥ ص ١٥٣ وتفسير القمي ج ٢ ص ٣٥٩ وتفسير البرهان ج ٤ ص ٣١٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٤٩ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٩٦.

٨٠