الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-180-7
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٠

وقد أسلفنا : أننا نرجح هذه الرواية التي تنص على وجود كعب بن الأشرف ، وعلى دور له في قضية بني النضير ، وقد استحق بذلك الدور أن يأمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقتله فقتل.

ولكننا لا ندري حقيقة هذا الدور ، فلعل كعبا قد عاقد أبا سفيان على حرب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم هجا المسلمين ، وشبب بنسائهم ، ثم حاول نقض العهد حين طلب منه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الوفاء بتعهداته المالية ، حيث قد كان ثمة عهد ينص على التعاون في الديات.

وكان ذلك من كعب بالتعاون مع قومه ، حين انتدب عمرو بن جحاش لتنفيذ المهمة.

فكان أن تركهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقفل عائدا إلى أصحابه ، فأمر بقتل كعب بن الأشرف ، ثم غدا على بني النضير بالكتائب.

فإن من الطبيعي أن نجد رسول الإسلام الأكرم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتحمل منهم نقض العهد أكثر من مرة ، من أجل أن يقطع لهم كل عذر وتعلل في ذلك ، وليتضح لكل أحد ما بيتوه من مكر وخداع ، وما أبطنوه من ختل وغدر ، ويحق الله الحق بكلماته ، وليخزي الفاسقين ، بفضل صبر الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأناته.

ثم جاء أهل الحديث والرواية فذكروا كل واحدة مما تقدم على أنها سبب مستقل لما جرى على هؤلاء الغدرة الفجرة ، مع الذهول عن أن تكرر ذلك منهم قد جعل من مجموع تلك الأسباب والعوامل سببا واحدا لما حصل ..

٨١

رواية لا يعتمد عليها :

وتقدم في الفصل الأول من هذا الباب رواية تقول :

إنهم حين جاءهم الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومعه بعض أصحابه ، فكروا في أن يقتلوه ، ويأخذوا من جاء معه من أصحابه أسرى ، ويبيعوهم من أهل مكة.

ونحن نشك في هذه الرواية أيضا ، فإن أسر من جاء معه وبيعهم إلى أهل مكة ، معناه إثارة حرب طاحنة فيما بين بني النضير وبين الأوس والخزرج ، ومن معهم من سائر المسلمين ، ولن يمكنهم الوصول بهم إلى مكة قبل أن تندر الرؤوس ، وتطيح الأيدي ، وتخرب البلاد ، وتهلك العباد ..

وقد جرب اليهود حظهم مع الأوس والخزرج فيما سبق ، واستطاع هؤلاء أن يخرجوا أولئك من المدينة ليعيشوا حواليها ، وفي أطرافها.

وقد كان هذا وأمر اليهود مجتمع ؛ فكيف تكون الحال بعد أن أجلي منهم بنو قينقاع مع كون العلاقات بين بني قريظة والنضير غير متكافئة ولا طبيعية بسبب التمييز الظالم لبني النضير عليهم ، حسبما أوضحناه حين الحديث حول كونهم بمنزلة بني المغيرة في قريش كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وبعد أن أصبح بنو النضير أضعف ناصرا وأقل عددا ، فإن التكفير بهذا الأمر يصبح في عداد المحالات والممتنعات ..

وذلك أمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان ، ولا إلى إقامة برهان.

٨٢

نقض العهد .. والتكبير :

وقد ورد في بعض النصوص : أنهم حين أبلغوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنقض بني النضير للعهد أظهر التكبير ، وقال : الله أكبر ، حاربت يهود. وكبر المسلمون بتكبيره (١).

كما تقدم : أن المسلمين باتوا يحاصرون بني النضير ، ويكبرون حتى أصبحوا ..

ونقول : إن إظهار المسلمين للتكبير ، وتكبير النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالذات أمر له دلالاته الهامة ، وآثاره الظاهرة ، ويتضح بعض ذلك ضمن النقاط التالية :

١ ـ لقد كان من الطبيعي أن يتوقع اليهود : أن يواجه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمون نقضهم للعهد بكثير من القلق ، وعدم الارتياح ، بل وحتى بالخوف ، وبالوجوم الناجم عن الارتباك ، والتزلزل ..

ولكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين قد قابلوا ذلك ـ وبسرعة غير متوقعة ـ بموقف لا يمكن أن يخطر لليهود على بال ، الأمر الذي من شأنه أن يربكهم ، ويوقعهم في حيرة ، ويثير لديهم أكثر من سؤال ، ثم يزعزع

__________________

(١) راجع في ذلك ما يلي : الثقات ج ١ ص ٢٤٢ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٥٧ و ٥٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٠ وتفسير القمي ج ٢ ص ٣٥٩ والبحار ج ٢٠ ص ١٦٩ عنه والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٥٣ وزاد المعاد ج ٢ ص ٧١ وتفسير الصافي ج ٥ ص ١٥٤ وتفسير البرهان ج ٤ ص ٣١٣ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٧٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٤ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٢٦.

٨٣

ثباتهم ، ويذكي مخاوفهم ، بصورة كبيرة وخطيرة

٢ ـ إنه إذا كان يوجد فيما بين المسلمين من ينظر إلى اليهود نظرة إجلال وإكبار ، ويكن لهم في نفسه قدرا من الثقة والاحترام ؛ فإن معنى ذلك هو أن نشاطات المنافقين ـ وعلى رأسهم عبد الله بن أبي ـ في التخذيل عن حربهم ، والصد عن مواجهتهم ، لسوف تجد مجالا واسعا ، ولسوف تترك آثارها السلبية على تماسك الصف الإسلامي في مواجهتهم ..

ولعل وجود أبناء للمسلمين في بني النضير لسوف يجعل اتخاذ موقف حازم ضدهم على درجة من الصعوبة بالنسبة لكثير من الآباء ، ومن يتصل بهم بسبب ، أو بآخر.

ولأجل ذلك ، فإن توفر جو حماسي جماهيري لسوف يضعف حالة التردد لدى هؤلاء وأولئك ، وينقلهم من أجواء الانسياقات العاطفية ، والاندهاش والانبهار بالانتفاخات غير الواقعية ، التي تؤثر في نشوء حالة من التقديس غير المنطقي ـ ينقلهم ـ إلى أجواء الشعور بالقوة ، ثم التغلب على عوامل الضعف النفسي من خلال مساعدة العامل الداخلي ، بعامل خارجي يعطيه القدرة على الصمود والتصدي ، كما ويعطيه المناعة والمصونية من التأثر بعامل العاطفة منفصلا عن الإحساس بالمسؤولية ، أو التأثر بعامل التوهمات ، والتقديسات ، التي لا ترتكز على الدليل المقنع ، ولا تقوم على التأمل القاطع لكل الشبهات ، ولكل التساؤلات المنطقية التي يثيرها العقل الفطري السليم والراشد.

وهكذا ، فإن هذا العامل المساعد للإحساس الواقعي بالمسؤولية ، والقادر على المواجهة الحازمة ، القائمة على الدراية والعقل ، لسوف يضعف

٨٤

من قدرة اليهود والمنافقين على التأثير في درجة التصميم على التصدي ، أو التأثير في خلخلة الوضع الداخلي ، وتمييع الموقف بالاستفادة من عامل العاطفة أو عامل الانبهار القائم على التخيل والتوهم غير المنطقي ولا المسؤول.

٣ ـ وإذا كان القرآن الكريم ، والنبي الأمي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكذا التاريخ الطويل الزاخر بالأحداث قد قدم للمسلمين صورة تكاد تكون واضحة عن الحالة الأخلاقية الذميمة لليهود ، وعن طموحاتهم اللامنطقية واللامشروعة والتي كانوا يدعمونها بتعاليم دينية مزيفة ، ويعملون على تحقيقها بسياساتهم الخبيثة في مجال الإعلام والسياسة ، والاقتصاد ، وكل نشاطاتهم الاجتماعية ـ إذا كان كذلك ـ فإن صدق هذه النبوءة ، المتمثل في بروز صفة الغدر والخيانة فيهم على صعيد الواقع بصورة ملموسة وظاهرة للعيان ، لسوف يمسح عن أعين الكثيرين غبار الخداع والانخداع ، ولسوف تكون في ذلك آية أخرى تدل على صدق هذا النبي الأكرم ، وعلى حقانية موقفه ، وصواب سياساته منهم ويقطع من ثم كل عذر ، ويزيل كل شبهة ، فقد (تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) (١) ، (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٢).

نقض العهد والمؤامرة :

هذا ، ونجد : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اعتبر تآمرهم على

__________________

(١) الآية ٢٥٦ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٩ من سورة الكهف.

٨٥

حياته ، ومحاولتهم اغتياله ، وإن لم ينجحوا في مجال تنفيذ ذلك ، نقضا للعهد يبرر مواجهتهم بالموقف الصارم والحازم.

وواضح : أن اغتيال القيادة الإسلامية هو أجلى مظاهر الخيانة ، وأخطرها ، ولا يجب أن ننتظر من الخائنين إعلانهم للحرب ، والتصدي الفعلي والظاهر لها ، كما ربما يفترضه البعض.

المعاهدات في الإسلام :

ويحدثنا التاريخ : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عاهد بني النضير ، كما عاهد غيرهم ، ولعل أبرز عهد عقده هو عهد الحديبية ، حيث أمر بكتابة نسختين للكتاب (١) لأن بالكتابة يتم الحفاظ على النص ، ويمكن الالتزام به ، ويكون مرجعا لا يمكن التشكيك ولا المراء فيه فيما إذا ثار خلاف. وقد اعتبر الإسلام هذه العهود وسيلة لإيقاف الحروب ، وللمنع من نشوبها ، تتوفر للإنسان المسلم في ظلها حرية التعبير ، وحرية العمل والحركة كما سنرى.

وهذا بالذات هو السر في أننا نجد الإسلام قد أولى العهود والاتفاقات أهمية بالغة ، ورسم لها حدودها ، وبيّن بوضوح تام مختلف الأصول والأهداف التي لا بد من رعايتها ، والحفاظ عليها فيها.

وبديهي : أن دراسة هذا الموضوع بعمق ، والإلمام بجميع جوانبه إسلاميا وتاريخيا ، يتطلب بذل جهد كبير ، ويحتاج إلى دارسة مستقلة ومنفصلة ، وإلى وقت يتيح الفرصة للاطلاع على قدر كاف من الآيات

__________________

(١) آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص ٦٥٩ عن السياسة الشرعية ، للبنّا.

٨٦

الشريفة والنصوص الواردة عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والأئمة «عليهم‌السلام» ، ثم دراسة المعاهدات التي عقدت في صدر الإسلام وظروفها ، ولا نجد أنفسنا قادرين على توفير ذلك في ظروفنا الراهنة.

إلا أن ذلك لا يمنع من إيراد إلماحة سريعة ، ترتكز ـ عموما ـ على بعض ما ورد في هذا المجال في خصوص نهج البلاغة ، فنقول :

من عهد الأشتر :

قال «عليه‌السلام» في عهده لمالك الأشتر :

«.. ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا ؛ فإن في الصلح دعة لجنودك ، وراحة من همومك ، وأمنا لبلادك ، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك ، بعد صلحه ؛ فإن العدو ربما قارب ليتغفل ، فخذ بالحزم ، واتهم في ذلك حسن الظن.

وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة ، أو ألبسته منك ذمة ، فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمتك بالأمانة ، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت ؛ فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا ، مع تفرق أهوائهم ، وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود.

وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر (١) ؛ فلا تغدرن بذمتك ، ولا تخيسن بعهدك ، ولا تختلن عدوك ؛

__________________

(١) هذا يؤيد بما قدمناه في الجزء الثاني من هذا الكتاب من أن العرب كانوا أوفياء بعهودهم ، وقد فرض عليهم هذا الأمر طبيعة الحياة التي كانوا يعيشونها حيث رأوا : أنه لا يمكنهم العيش بدون ذلك.

٨٧

فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي.

وقد جعل عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته ، وحريما يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون إلى جواره ؛ فلا إدغال ، ولا مدالسة ولا خداع فيه.

ولا تعقد عقدا يجوز فيه العلل ، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة ، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق ، فإن صبرك على ضيق أمر لزمك ترجو انفراجه ، وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته ، وأن تحيط بك من الله طلبته ، فلا تستقيل فيها دنياك وآخرتك» (١).

__________________

(١) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٣ ص ١١٧ و ١١٨ ومعادن الحكمة ج ١ ص ١٠٩ وتحف العقول ص ١٢٦ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٣٥٠ والبحار ج ٨ ص ٦٠٩ ثم شرحه ، وج ٧٧ ص ٢٤٠ عن النهج والتحف ، ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٩٥ وأضاف العلامة المحقق الأحمدي : أن بعضه قد نقل في كنز العمال ج ١٥ ص ١٦٥ و ١٦٦ عن الدينوري ، وابن عساكر ، ومآثر الإنافة ج ٣ ص ٦ عن صبح الأعشى ، ومفتاح الأفكار. وأشار إليه النجاشي في رجاله ص ٧ وذكر سنده أيضا الشيخ في الفهرست. وقال في معجم رجال الحديث ج ٣ ص ٢٢٢ : طريق الشيخ إلى عهد مالك الأشتر صحيح. وذكره في نهج السعادة ج ٥ ص ٥٨ عن جمع ممن تقدم ، وقال : روى قطعة منه مسندا في تاريخ الشام ج ٣٨ ص ٨٧ وفي النسخة المرسلة ص ١٩٣. وذكر في خاتمة المستدرك ص ٢١٨ عن مجلة المقتطف عدد ٤٢ ص ٢٤٨ : أنه نقله عن نسخة السلطان بايزيد الثاني ، وفي دستور معالم الحكم ص ١٤٩ شواهد لهذا العهد ، ونقله في مصادر نهج البلاغة عن جمع ممن تقدم ، وعن نهاية الإرب للنويري ج ٦ ص ١٩. ثم ذكر في مصادر نهج البلاغة بعضا من شرح هذا العهد ، مثل : آداب الملوك لرفيع الدين التبريزي ، وأساس السياسة في

٨٨

__________________

تأسيس الرئاسة للكجوري الطهراني ، والتحفة السليمانية للبحراني ، والراعي والرعية لتوفيق الفكيكي ، والسياسة العلوية لآل مظفر (خطية). وشرح عهد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للمجلسي ، وشرح عهد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للمولى محمد باقر القزويني ، وشرح عهد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للميرزا حسن القزويني ، وشرح عهد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للميرزا محمد التنكابني.

وشرح عهد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للشيخ هادي القائيني البيرجندي ، وشرح الفاضل بدايع نكار المثبت في المآثر والآثار ، ونصايح الملوك لأبي الحسن العاملي. ومقتبس السياسة وسياج الرئاسة للشيخ محمد عبده ، انتزع من شرحه وطبع على حدة ، والقانون الأكبر في شرح عهد الأشتر للسيد مهدي السويج (مخطوط) ومع الإمام في عهده لمالك الأشتر للشيخ محمد باقر الناصري. ونزيد هنا في ما يرتبط بشروحه ، ما أورده السيد هبة الدين الشهرستاني في مقدمته لكتاب الراعي والرعية ص ٨ و ٩ والشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة ص ٣٧٣ و ٣٧٥ وج ١٥ ص ٣٥٣ ، حيث أضافا إلى شروح العهد : شرح الحسين الهمداني الموسوم بهدية الحسام لهداية الحكام.

وشرح محمد صالح الروغني القزويني ، من علماء القرن الحادي عشر ، ودستور حكمت. وترجمه الوصال الشيرازي المتوفى سنة ١٢٧٤ ونظمه شعرا بالفارسية.

وترجم محمد جلال هذا العهد إلى التركية ، ونظمه شعرا بالتركية. فرمان مبارك لجواد فاضل. وعنوان رياست (ترجمة لهذا العهد أيضا للسيد علي أكبر بن سلطان العلماء السيد محمد النقوي اللكنهوي). هذا كله عدا عن شرح شراح النهج له في ضمنه كالمعتزلي وابن ميثم وغيرهما.

بقي أن نشير إلى أن صاحب الذريعة قد قال في ج ١٥ ص ٢٦٢ : (نسخة العهد بخط ياقوت المستعصمي موجودة في المكتبة الخديوية بمصر تاريخ فراغها سنة ثمانين وستمائة كما في فهرسها).

٨٩

الوفاء بالعهد :

أما بالنسبة إلى ضرورة الالتزام بالعهود والوفاء بها ، حتى لغير المسلمين ، فإن الله تعالى يقول : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) (١).

ويقول سبحانه : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٢).

ويقول : (.. وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (٣).

وفي آية أخرى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) (٤). فقد جعل الله العهد مع الأعداء عهدا لله سبحانه ..

الشرط الأساس في كل عهد :

وبعد .. فإن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» قد قرر : أن الشرط الأساس في كل عهد هو أن يكون «لله فيه رضا» كما ورد في عهده «عليه‌السلام» للأشتر «رحمه‌الله».

وواضح : أن رضا الله سبحانه إنما هو في حفظ مصلحة الإسلام العليا ، وكرامة المسلمين ، وحريتهم في الدعوة إلى الله سبحانه بأمن ودعة واطمئنان.

وحين يكون الداعي للصلح الذي فيه رضا الله سبحانه هو العدو فإن معنى ذلك هو أن العدو قد اعترف بك ، وبموقعك ، وأصبح على استعداد لأن يقبل شروطك العادلة ، ومعنى ذلك هو : أنك تكون قد سجلت نصرا

__________________

(١) الآية ٤ من سورة التوبة.

(٢) الآية ٣٤ من سورة الإسراء.

(٣) الآية ٩١ من سورة النحل.

(٤) الآية ٦١ من سورة الأنفال.

٩٠

من أقرب طريق وأيسره.

وأما إذا دعاك هذا العدو إلى صلح ظالم وفيه ذل للمسلمين ، ووهن على الإسلام ، فإن من الطبيعي أن ترفض صلحا كهذا لأنه تسجيل انتصار للعدو من أسهل طريق ..

وثمة شرط آخر : لا بد من توفره في أي عهد ، وذلك من أجل أن يحتفظ بقيمته ، وبفعاليته ، في حسم الصراع ، ثم من أجل أن لا يوجب عقد العهد ضعفا في موقف المسلمين ، وفتح باب التشكيك في حقهم ، أو إعطاء فرصة المناورة للباطل.

وهذا الشرط لا بد للجانب المحق من الاهتمام به ، والعمل على توفيره بصورة أجلى وأتم ، وهو أن : «لا تعقد عقدا تجوز فيه العلل ، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة».

أي أنه لا بد أن لا تكون في العهد إبهامات يمكن التشبث بها من قبل العدو ، كما أنه لا بد أن يكون نفس العهد هو المعيار والمرجع والفيصل في الأمور ، فلا يعتمد على مواعيد أو لحن قول ، فإن ذلك يوجب وهنا في العهد نفسه ، وفيه فتح باب النقض ، والخيانة ، من دون أن يكون ثمة حرج ظاهر في ذلك.

وذلك يعتمد على نباهة ودقة ذلك الذي يتصدى لعقد العهد ، وهو يتحمل مسؤولية أي تقصير في هذا المجال.

العهود لا تنقض ، وهي ملزمة للجميع :

١ ـ ونجد في نص المعاهدة التي كتبها علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام»

٩١

فيما بين ربيعة ، اليمن ، ما يدل على أن العهد ملزم لكل الآخرين الذين ينتمي إليهم المباشرون لعقد العهد .. وذلك يقطع أي عذر ، ويمنع من أي تعلل ، أو محاولة خداع.

وهذا مطلب عادل ، وسليم ، فإن كل الأمور التي تمس حياة المجتمعات ، لا يمكن أن يعتمد فيها مبدأ موافقة كل فرد منها ولا سيما مع اختلاف المصالح ، وتشتت الآراء ، وتباين الأهواء ، حسبما ذكر أمير المؤمنين «عليه‌السلام» في الفقرة المنقولة عنه في عهده للأشتر النخعي «رحمه‌الله» ..

٢ ـ إن عتب العاتبين ، وغضب الغاضبين ، لا يجوز أن يجعل ذريعة لنقض العهد ، ما دام أن إرضاء كل أحد غير ممكن ، ولا سيما في الأمور المرتبطة بمستقبل الجماعات ، وعلاقاتها ومواقفها ، حتى ولو كان العاتبون والغاضبون فريقا ثالثا ، يريد أن يحصل على مكاسب سياسية أو غيرها ، ويكون له دور ما في التحرك السياسي ، أو تأثير ـ إيجابي أو سلبي ـ على ساحة الصراع.

فإذا كان القانون العام هو عدم نقض العهد بسبب ذلك ، فلا بد أن تنقطع أطماع الطامعين ، ما دام أن عتبهم لن يجدي نفعا ، ولن يؤثر شيئا.

٣ ـ إن العهد لا ينقض لأجل استذلال قوم قوما ، ولا لمسبة قوم قوما ؛ فإن تعرض فريق للاستذلال من قبل فريق آخر ، بسبب عقده للعهد ، وكذا اتخاذ عقد العهد من قوم وسيلة لتعييرهم ومسبتهم ، لا يبرر للعاقدين له نقض عهدهم ..

وإذا .. فإن من يقدم على عهد ، لا بد وأن يعلم مسبقا : أنه لا بد له من الوفاء بما عقده ، حتى في أشق الأحوال ، وأصعبها ، فهو إذن عالم بما يفعل ،

٩٢

ومطلع على نتائجه مسبقا ، وقد أقدم مختارا على ذلك .. فعليه أن يتحمل نتائج ما أقدم عليه ..

وقد أشار علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» إلى ذلك كله في العهد الذي كتبه بين اليمن وربيعة ، فقد جاء فيه :

«.. لا ينقضون عهدهم لمعتبة عاتب ، ولا لغضب غاضب ، ولا لاستذلال قوم قوما ولا لمسبة قوم قوما على ذلك شاهدهم وغائبهم ، وسفيههم وعالمهم ، وحليمهم وجاهلهم ، ثم إن عليهم عهد الله الخ ..» (١).

إحترام أمور المعاهدين :

وحين يكون المعاهدون يتمتعون بحماية دولة الإسلام ، فإن أموالهم ـ كأموال المسلمين ـ لا تمس ، بل تبقى لهم ، ويمارسون حريتهم التجارية بصورة تامة ..

قال علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» في كتاب له إلى عمال الخراج :

«ولا تمسن مال أحد من الناس ، مصل ، أو معاهد ، إلا أن تجدوا فرسا ، أو سلاحا الخ ..» (٢).

المعاهدون لا يجفون ولا يقصون :

وقد كتب علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» إلى بعض عماله : «واعزز

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ١٤٨ الرسالة رقم ٧٤.

(٢) نهج البلاغة بشرح عبده ج ٣ ص ٩٠ الرسالة رقم ٥١.

٩٣

المسلمين ، ولا تظلم المعاهدين» (١).

وكتب أيضا إلى عامل آخر له ، يقول :

«أما بعد ، فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة ، واحتقارا وجفوة ، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم ، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم ، فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة ، وداول لهم بين القسوة والرأفة ، وأمزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء» (٢).

من نتائج الصلح والعهد :

وعن نتائج الصلح والعهد ، فهي :

١ ـ دعة الجنود.

٢ ـ الراحة من الهموم.

٣ ـ الأمن لبلاد المسلمين.

وذلك معناه : أنك أصبحت قادرا على التخطيط للمستقبل لأنك قد ارتحت من همومك ، وأصبحت قادرا أيضا على تنفيذ خططك ، لأنك تملك الوقت الكافي ، والطاقات الفاعلة ، المهيأة للعمل الجاد والدائب ، دونما مانع أو رادع ..

كما أن هذا السلم والأمن لسوف يجنب بلادك التعرض للأزمات الإقتصادية الحادة ، ويحفظ مرافقها الإقتصادية والحيوية من التدمير ، أو

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٠ و ٢٠١.

(٢) نهج البلاغة ج ٣ ص ٢١ الرسالة رقم ١٩ ، وأنساب الأشراف ج ٢ ص ١٦١ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٣.

٩٤

التعطيل ، أو صرفها في مواجهة متطلبات الحرب.

هذا ، عدا عن حفظ القوى الفاعلة والمؤمنة من أن تتعرض للتدمير ، أو للتشويه ، ثم ما ينشأ عن ذلك من آثار إجتماعية لا تجهل.

ويجب أن لا ننسى أن حالة عدم الاستقرار ، بل والخوف وعدم الأمن في أحيان كثيرة ، من شأنها أن تشل حركة المجتمع في المجالات المختلفة ، وتمنعه من أن يقوم بدوره على النحو المطلوب والمؤثر.

ثم هناك الحالة الفكرية والنفسية وكثير من السلبيات الأخرى ، التي تنشأ عن ظروف الحرب ، وتتفاعل بصورة تصاعدية في كثير من المجالات ، والقطاعات ..

وكل ذلك يمثل هموما حقيقية لأي حاكم يشعر بمسؤولياته الإلهية ، والإنسانية تجاه مجتمعه وأمته.

العهد .. والحذر :

وإذا كان عقد العهد مع العدو لا يعني أن العدو قد تنازل عن كل طموحاته ، وصرف النظر عن كل مراداته وخططه ، فإنه ربما يكون قد قارب ليجد الفرصة للوثوب ، وإيراد الضربة القاصمة ..

فقد جاء النهي عن الاطمئنان لهذا العدو ، حيث قد تقدم قول أمير المؤمنين «عليه‌السلام» في عهده للأشتر : «ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ؛ فإن العدو ربما قارب ليتغفل ، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن».

٩٥

وقال تعالى : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) (١).

الخيانة في حجمها الكبير :

وبما أن الله سبحانه قد جعل عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته ، وحريما يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون إلى جواره ، فإن الشرط الأساس فيه هو أنه لا إدغال ، ولا مدالسة ولا خداع فيه ؛ فإذا رأى أن العدو لا يعمل بشروط الصلح ومقتضيات العهد ، وإنما هو يتآمر ، ويعد العدة للغدر ، فإن نفس هذه الأعمال تكون نقضا منه للعهد ، وتخليا عن شروطه ، فلا معنى حينئذ للالتزام بهذا العهد من طرف واحد ، وإنما لا بد من نبذ العهد إليه ومعاملته معاملة الخائن المجرم ، قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٢).

وعن علي «عليه‌السلام» : الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله ، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله (٣).

وبالنسبة إلى بني النضير ، فإنهم قد مارسوا الخيانة في أبشع صورها وأفظعها ، حين تآمروا على القيادة الإسلامية والإلهية ، فرد الله كيدهم إلى

__________________

(١) الآية ١٠٢ من سورة النساء.

(٢) الآية ٥٨ من سورة الأنفال.

(٣) نهج البلاغة ج ٣ ص ٢١٠ الحكمة رقم ٢٥٩ وغرر الحكم ج ١ ص ٦٠ وروض الأخيار ص ١١١ وربيع الأبرار ج ٣ ص ٣٧٥ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٤٩.

وغرر الخصائص الواضحة ص ٥٩ ومصادر نهج البلاغة ج ٤ ص ٤ وص ٤٠١ عن بعض من تقدم وعن شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢١٦.

٩٦

نحورهم ، وحفظ الله نبيه ، وأعز دينه ، وأدال المسلمين من أعدائهم ، من أسهل الطرق ، وأيسر السبل.

الوفاء بالعهد ضرورة حياتية :

ونجد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» قد أوجب على واليه الوفاء بالعهد ، بل هو قد طلب منه أن يجعل نفسه جنة دون ما أعطاه.

وقد علل ذلك : بأنه من الأمور التي اتفقت عليها جميع الناس ، رغم تفرق أهوائهم ، وتشتت آرائهم ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم ، وذلك انطلاقا من إحساسهم بضرورة ذلك ، حين رأوا : عواقب الغدر الوخيمة ، التي من شأنها أن تدمر حياتهم ، وتقضي على كل نبضات الراحة والاستقرار فيها.

ولكنهم قد خالفوا ضميرهم ووجدانهم ، وكل المعايير الأخلاقية ، والعقلية في تعاملهم مع المسلمين ، حيث أجازوا لأنفسهم نقض عهودهم معهم ، وتحمل كل ما لذلك من تبعات ونتائج .. وذلك يدلل على عدم انسجامهم مع قناعاتهم ولا مع فطرتهم في مواقفهم تجاه الإسلام والمسلمين.

وقد اعتبر «عليه‌السلام» : من يخيس بعهده ، ويغدر بذمته ، ويختل عدوه ، ويجتري على الله جاهلا لا يعرف الأمور ومواردها ، ولا الصالح من الطالح ، وهو شقي أيضا ، لأنه بالإضافة إلى أنه يكون متجرئا على الله سبحانه في ذلك ، فإنه يكون قد جر على نفسه الكثير من المصائب والبلايا نتيجة لسياساته الخاطئة هذه.

وخلاصة الأمر : أن العهد في الإسلام ليس وسيلة للمكر والخداع

٩٧

بهدف الإيقاع بالعدو ، وإنما هو أمانة ضميرية ، ذات قاعدة إيمانية أساسية ؛ فلا بد من رعايتها والوفاء بها ولا يسوغ نقض العهد «بغير حق» حتى ولو كان فيه ما يوجب الضيق كما تقدم في عهد علي «عليه‌السلام» للأشتر ، وروي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قوله : «لا دين لمن لا عهد له» (١).

وقد مدح الله من يفي بعهده فقال : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ..) (٢).

وقد ذم علي «عليه‌السلام» عمرو بن العاص فقال : «ويسأل فيبخل ، ويخون العهد» (٣).

وقد ذم «عليه‌السلام» أهل البصرة بقوله : «وعهدكم شقاق» (٤).

وقال «عليه‌السلام» : «وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون» (٥).

الغدر عجز وعدم ورع :

وقد قال علي «عليه‌السلام» : «إن الوفاء توأم الصدق ، ولا أعلم جنة أوقى منه ، ولا يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ

__________________

(١) السنن الكبرى ج ٩ ص ٢٣١ وغرر الخصائص الواضحة ص ٦٠.

(٢) الآية ١٧٧ من سورة البقرة.

(٣) نهج البلاغة ج ١ ص ١٤٥ الخطبة رقم ٨٠.

(٤) نهج البلاغة الخطبة رقم ١٢ ج ١ ص ٤٠ والأخبار الطوال ص ١٥١ وربيع الأبرار ج ١ ص ٣٠٨.

(٥) نهج البلاغة الخطبة رقم ١٠٢ ج ١ ص ٢٠٤.

٩٨

أكثر أهله الغدر كيسا ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ، ما لهم؟ قاتلهم الله. قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة ، ودونه مانع من أمر الله ونهيه ؛ فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين» (١).

الغادر هو الذي يعاقب :

وطبيعي أن ينال العقاب خصوص أولئك الذين ينقضون العهد ، ويخونون أماناتهم ، وقد أوضح ذلك أمير المؤمنين «عليه‌السلام» حينما قال :

«مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله ، ولذي النصيحة حقه ، غير متجاوز متهما إلى بريء ، ولا ناكثا إلى وفيّ» (٢).

السلاح في أيدي المعاهدين :

كما أن من الطبيعي : أن يحتاط الحاكم الإسلامي ، فلا يترك في أيدي المعاهدين ، الذين يعيشون في ظل حكمه ، وتحت حمايته ، من السلاح والتجهيزات ما يشكل خطرا على أمن الدولة ، مع التأكيد على احترام كل ما يعود إليهم من أموال وممتلكات ، وعدم المساس بها في أي حال. قال علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» : «.. ولا تمسن مال أحد من الناس ، مصل ولا معاهد ، إلا أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام ؛ فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام ؛ فيكون شوكة عليه

__________________

(١) نهج البلاغة بشرح عبده ج ١ ص ١٨٨ الخطبة رقم ٤٠.

(٢) نهج البلاغة ، بشرح عبده ج ٣ ص ٤١ الرسالة رقم ٢٩.

٩٩

الخ ..» (١).

موقف له دلالاته :

ومن المعلوم : أن مواقف علي أمير المؤمنين تعتبر التجسيد الدقيق والحي لمفاهيم الإسلام ، وأحكامه ، وسياساته. والتاريخ يحدثنا : أنه حين بلغه «عليه‌السلام» إغارة خيل معاوية على بلاد المسلمين ، خطب «عليه‌السلام» خطبة الجهاد المعروفة ، وقد جاء فيها :

«هذا أخو غامد ، وقد وردت خيله الأنبار ، وقد قتل حسان بن حسان البكري ، وأزال خيلكم عن مسالحها.

ولقد بلغني : أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها ، وقلبها ، وقلائدها ، ورعاثها (٢) ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ، ثم انصرفوا وافرين ، ما نال رجلا منهم كلم ، ولا أريق لهم دم ؛ فلو أن امرءا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندي جديرا» (٣).

ونحن نسجل هنا ما يلي :

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٩٠ الرسالة رقم ٥١.

(٢) الرعاث : جمع رعثة : القرط ، والحجل : الخلخال ، والقلب : السوار.

(٣) نهج البلاغة ، بشرح عبده ج ١ ص ٦٤ و ٦٥ خطبة رقم ٢٦ والأخبار الطوال ص ٢١١ و ٢١٢ والغارات ج ٢ ص ٤٧٥ و ٤٧٦ والمبرد في الكامل ج ١ ص ٢٠ والعقد الفريد ج ٤ ص ٧٠ ومعاني الأخبار ص ٣١٠ وأنساب الأشراف (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٢ ص ٤٤٢.

١٠٠