منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

ولذا (١) كان العلم نوراً لنفسه (٢) ونوراً لغيره (٣) صح (٤) أن يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة بإلغاء (٥) جهة كشفه أو اعتبار (٦) خصوصية أخرى (٧)

______________________________________________________

والتحتية ونحوهما التي لا وجود لها في الخارج ، وانما الوجود لمنشإ انتزاعها.

(١) أي : ولكون القطع من الصفات الحقيقية ذات الإضافة كان العلم ... إلخ.

(٢) فيكون العلم من الحقائق الموجودة الخارجية.

(٣) يعني : كاشفاً عن غيره وهو متعلق العلم ، فالعلم منور لغيره ، فكان التعبير به أولى.

(٤) جواب «لما كان» أي : صح أن يؤخذ القطع في موضوع الحكم.

(٥) متعلق بقوله : «يؤخذ» والمراد بإلغاء جهة كشفه عدم لحاظها ، وإلّا فالكاشفية ذاتية للعلم ، فكيف يعقل إلغاؤها وسلبها عنه ، فكان الأولى أن يقول : «بلا لحاظ جهة كشفه».

(٦) معطوف على «إلغاء» وحق العبارة أن تكون هكذا : «مع اعتبار خصوصية أخرى فيه معها أو بدونه» إذ المقصود كون القطع مأخوذاً في الموضوع بما أنه صفة لا بما أنه كاشف ، غاية الأمر أنه قد يلاحظ مع صفتية القطع خصوصية أخرى ، مثل تقيد القطع بسبب خاص أو شخص مخصوص ، وقد لا يلاحظ ذلك ، وعبارة المتن لا تفي بهذا المطلب.

(٧) كاعتبار كون العلم ناشئاً من سبب خاص كما قيل : ان جواز تقليد العالم موضوعه العالم بالاحكام الشرعية عن الأدلة المعروفة ، لا من كل سبب ، أو اعتبار شخص خاص ككون العالم بالاحكام الّذي يجوز تقليده خصوص الإمامي لا غيره.

٨١

فيه معها (١) ، كما صح (٢) أن يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاكٍ عنه (٣) فيكون أقسامه أربعة (*)

______________________________________________________

(١) أي : في الموضوع مع صفتية القطع.

(٢) هذا إشارة إلى القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الكشف والطريقية لا الصفتية ، ولو قال : «وصح أن يؤخذ» ليكون معطوفاً على قوله : «صح» كان أولى ، لأن أخذ القطع على وجه الصفتية والكاشفية مترتب على قوله : «لما كان من الصفات الحقيقية ... إلخ».

(٣) أي : عن المتعلق ، وضميرا «متعلقه ، أقسامه» راجعان إلى القطع.

__________________

(*) لا يخفى أن شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) أنكر القطع المأخوذ تمام الموضوع على وجه الطريقية ، بل ذهب إلى امتناعه ، قال مقرر بحثه الشريف ما لفظه : «نعم في إمكان أخذه تمام الموضوع على وجه الطريقية إشكال بل الظاهر أنه لا يمكن من جهة أن أخذه تمام الموضوع يستدعي عدم لحاظ الواقع وذي الصورة بوجه من الوجوه ، وأخذه على وجه الطريقية يستدعي لحاظ ذي الطريق وذي الصورة ، ويكون النّظر في الحقيقة إلى الواقع المنكشف بالعلم كما هو الشأن في كل طريق ، حيث ان لحاظه طريقاً يكون في الحقيقة لحاظاً الّذي الطريق ، ولحاظ العلم كذلك ينافي أخذه تمام الموضوع. فالإنصاف أن أخذه تمام الموضوع لا يمكن إلّا بأخذه على وجه الصفتية».

وملخص ما أفاده في وجه الامتناع هو لزوم اجتماع اللحاظين الاستقلالي والآلي وهو محال ، لأن لحاظ القطع استقلالياً يقتضي عدم لحاظ متعلقه ، ولحاظه آلياً يقتضي لحاظ متعلقه ، والجمع بين هذين اللحاظين ليس إلّا الجمع بين المتناقضين ، هذا.

ويمكن الجواب عنه تارة بالنقض :

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أولا : بدخل العلم بعدالة امام الجماعة في جواز الائتمام به ، فانه أخذ موضوعاً لجوازه كاشفاً وطريقاً لا صفة. أما موضوعيته فلعدم وجوب الإعادة بعد انكشاف الخلاف كما ورد به النص. وأما طريقيته فلقيام الأمارات كالبينة وبعض الأصول كالاستصحاب مقامه ، إذ من الواضح عدم قيامها مقام القطع المأخوذ على وجه الصفتية.

وثانياً : بما التزم به المحقق النائيني نفسه من صحة أخذ القطع جزء الموضوع على وجه الطريقية مع وحدة ملاك الاستحالة في كلتا صورتي أخذه تمام الموضوع وجزءه على نحو الطريقية ، حيث ان ملاكها ـ وهو اجتماع اللحاظين ـ موجود في كلتيهما.

وأخرى بالحل ، توضيحه : أن مورد امتناع اجتماع اللحاظين مصداق العلم وهو العلم الخارجي المتعلق بالأشياء لا مفهومه ، فان القاطع بخمرية مائع لا يرى إلّا ذلك المقطوع به مع الغفلة عن قطعه فضلا عن لحاظه استقلالا ، نظير الناظر في المرآة لرؤية وجهه ، فانه لا يلتفت في هذا النّظر إلى نفس المرآة. هذا في مصداق العلم الّذي لا شأن له إلّا إراءة الواقع ورفع الحجاب عنه.

وأما مفهوم العلم ، فهو قابل لاجتماع اللحاظين فيه بأن يجعل مفهومه ـ وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الكاشف عنه كشفاً تاماً ـ موضوعاً لحكم من الأحكام إذ لا مانع من أن يلاحظه الحاكم مع هذا الكشف التام موضوعاً لجواز الشهادة مثلا ، فوقع الخلط بين المفهوم والمصداق. وعليه فما عن المشهور من انقسام القطع الموضوعي إلى أقسام أربعة لا يخلو من وجه وان كان لمزيد التأمل فيه مجال.

٨٣

مضافة [مضافاً] إلى ما هو طريق (١) محض عقلا غير مأخوذ في الموضوع

______________________________________________________

(١) وهو القسم الأول أعني القطع الطريقي الّذي عرفته قبل أقسام القطع الموضوعي ، فيصير المجموع خمسة أقسام كما تقدم.

ولا يخفى أن مقسم الأقسام الأربعة المذكورة في كلام المصنف (قده) للقطع الموضوعي هو كون القطع بحكم موضوعاً لحكم يخالف حكم متعلق القطع فيما إذا كان متعلقه موضوعاً ، فان الصور فيه أربع ، إذ القطع حينئذ اما أن يكون تمام الموضوع أو جزؤه ، وعلى التقديرين اما أن يلاحظ القطع بما هو صفة أو بما هو كاشف ، ومثل هذه الصور الأربع يتصور فيما إذا كان القطع بحكم موضوعاً لحكم يماثل حكم متعلق القطع أو يضاده ، أو يكون ذلك الحكم نفس حكم متعلق القطع ، فهذه اثنتا عشرة صورة منضمة إلى الأربع الأولى ويصير المجموع ست عشرة صورة.

كما أن مثل هذه الصور الأربع أيضا يتصور فيما إذا كان القطع بموضوع كالقطع بخمرية مائع موضوعاً لحكم يخالف حكم متعلق القطع أو يماثله أو يضاده ، أو يكون ذلك الحكم نفس حكم متعلق القطع ، فالمجموع ست عشرة صورة أيضا ، فهذه اثنتان وثلاثون صورة.

وكما أن مثل هذه الصور الأربع يتصور أيضا فيما إذا كان القطع بحكم موضوعاً لحكم يخالف متعلق القطع فيما إذا كان متعلقه حكماً أو يماثله أو يضاده أو يكون ذلك الحكم نفس متعلق القطع ، وفيما إذا كان القطع بموضوع موضوعاً لحكم يخالف متعلق القطع أو يماثله أو يضاده أو يكون نفسه ، فهذه أيضا اثنتان وثلاثون صورة فجميع الصور في القطع الموضوعي أربع وستون صورة. ولا يخفى على الفطن كل من الصور الصحيحة والممتنعة.

٨٤

شرعاً (*).

ثم لا ريب (١) في قيام الطرق والأمارات (٢) المعتبرة بدليل حجيتها

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الأمر الثاني ، وهو التعرض لبيان قيام الأمارات مقام بعض أقسام القطع.

(٢) قد يطلق كل منهما على مطلق الطريق والمحرز سواء كان ذو الطريق موضوعاً خارجياً كقيام البينة على كون مائع خاص خمراً أو خلا ، أم حكماً شرعياً كقيام خبر الثقة على وجوب صلاة الجمعة. ولكن يطلق الطرق كثيراً ما على الأدلة المثبتة للأحكام الكلية ، والأمارات على الحجج المثبتة للموضوعات الخارجية. وغرض المصنف من هذا الكلام التعرض لحكم من أحكام القطع وهو قيام الأمارات والأصول مقامه وعدم قيامهما ، ولما كان القطع طريقياً محضاً وموضوعياً بنحويه بأن أخذ صفة تارة وطريقاً أخرى جعل المصنف (قده) البحث عن قيام الأمارات مقام القطع مقامات ثلاثة.

أحدها : قيام الأمارات مقام القطع الطريقي المحض.

ثانيها : عدم قيامها مقام القطع الموضوعي على وجه الصفتية.

ثالثها : عدم قيامها مقام القطع الموضوعي على وجه الكشف والطريقية. وجعل البحث عن قيام الأصول مقامه في مقام واحد ، وهو عدم قيام الأصول مقام القطع مطلقاً حتى الطريق المحض عدا الاستصحاب كما سيأتي إن شاء الله

__________________

(*) ثم ان هذه الأقسام الخمسة المذكورة في القطع تجري في الظن أيضا حرفاً بحرف كما نبه عليه الشيخ الأعظم بقوله : «ثم ان الّذي ذكرناه من كون القطع مأخوذاً تارة على وجه الطريقية وأخرى على وجه الموضوعية جار في الظن أيضا».

٨٥

واعتبارها مقام هذا القسم (١).

كما لا ريب (٢)

______________________________________________________

تعالى ، فالمقامات أربعة.

المقام الأول : في قيام الأمارات مقام القطع الطريقي المحض ، وحاصل ما أفاده فيه : أنه لا ريب في قيام الأمارات بنفس دليل حجيتها مقام القطع الطريقي المحض ، وتوضيحه : أن المراد بقيامها مقام القطع هو ترتيب أثره ـ من الحكم العقلي وهو التنجيز في صورة الإصابة والتعذير عند الخطأ في القطع الطريقي المحض ـ على الأمارات القائمة مقامه. وعليه ، فمقتضى أدلة اعتبار الأمارات ـ سواء كان مفادها جعل الحكم التكليفي وهو وجوب العمل على طبق الأمارة كما عن الشيخ (قده) أم جعل الحجية أم تتميم الكشف أم غيرها من المباني ـ هو قيام الأمارات مقام القطع الطريقي المحض ، لأن البناء على كون الأمارة طريقاً محرزاً للواقع يقتضي تنجيز مؤداها مع الإصابة والتعذير عند الخطاء ، وإلّا فلا معنى لحجية الأمارات ، فترتب أثر القطع ـ وهو الحجية ـ بمعنى التنجيز والتعذير على الأمارات المعتبرة مما لا بد منه ، وهذا مما لا ينبغي إطالة الكلام فيه. والظاهر أنه لا فرق في قيام الأمارات مقام القطع الطريقي المحض بين حجيتها على الطريقية أو الموضوعية ، غاية الأمر أنها على الطريقية تنجز الواقع ، وعلى الموضوعية تنجز مؤداها على كل حال سواء طابق الواقع أم خالفه ، إذ المفروض كون مؤداها حكماً على كل تقدير كما لا يخفى.

(١) وهو القطع الطريقي المحض ، وضميرا «حجيتها ، اعتبارها» راجعان إلى الأمارات.

(٢) هذا إشارة إلى المقام الثاني وهو بيان عدم قيام الأمارات بنفس أدلة اعتبارها مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الصفتية ، فلا بد لإثبات قيامها

٨٦

في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل (١) مقام ما أخذ (٢) في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الأقسام (٣) ، بل لا بد من دليل آخر (٤) على التنزيل ، فان (٥) قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع [القطع] بما هو حجة من (٦)

______________________________________________________

مقامه من التماس دليل آخر غير دليل اعتبارها ، ذلك لأن مفاد دليل اعتبار الأمارة هو ترتيب آثار القطع بما أنه كاشف وطريق على الأمارة ، إذ من المعلوم أن تلك الآثار مترتبة على القطع بلحاظ كشفه عن الواقع ، لأنه بهذا اللحاظ منجز للواقع مع الإصابة ومعذر مع الخطاء ، ولا تترتب هذه الآثار على القطع بلحاظ كونه صفة من الصفات النفسانيّة ، ضرورة أنه بهذا اللحاظ يكون كسائر الصفات النفسانيّة كالشجاعة والسخاوة والعدالة في أجنبية الحجية المتقومة بالكشف عنها. فقيام الأمارات مقام القطع الموضوعي الملحوظ صفة منوط بدليل آخر غير الأدلة العامة الدالة على حجية الأمارات.

(١) أي : الدليل العام الدال على حجية الأمارات.

(٢) يعني : مقام القطع الّذي أخذ في الموضوع على نحو الصفتية.

(٣) يعني : الأقسام الأربعة للقطع الموضوعي.

(٤) يعني : غير دليل حجيتها ، حتى يدل ذلك الدليل على تنزيل الأمارات منزلة القطع الموضوعي على نحو الصفتية.

(٥) تعليل لقوله : «كما لا ريب في عدم قيامها» وحاصله : أن مقتضى دليل حجية الأمارة كون الأمارة كالقطع في الحجية التي لا تترتب الا على حيثية طريقية القطع ، لا على حيثية كونه صفة من الصفات النفسانيّة كما عرفت ، فدليل الحجية قاصر عن إثبات جواز قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي على وجه الصفتية.

(٦) بيان للموصول في قوله : «ما للقطع».

٨٧

الآثار ، لا ما له بما هو صفة (١) وموضوع ، ضرورة (٢) أنه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصفات.

ومنه (٣)

______________________________________________________

(١) يعني : لا ترتيب ما للقطع بما هو صفة من الآثار ، بل ترتيب ما له بما هو كاشف من التنجيز والتعذير.

(٢) تعليل لعدم ترتيب آثار القطع بما هو صفة على الأمارات ، يعني : ضرورة أن القطع بما هو صفة يكون كسائر الموضوعات والصفات في عدم حجيتها ومحرزيتها للواقع ، فإذا فرض أن الشارع أخذ العلم في موضوع جواز الشهادة بما هو صفة خاصة كما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سئل عن الشهادة أنه قال : «هل ترى الشمس ، على مثلها فاشهد أو دع» (١) وفي موضوع حكم الركعتين الأوليين العلم بما هو صفة خاصة أيضا ، فلا يقوم في هذين الموردين شيء من الأمارات أو الظنون مقامه إلّا بدليل خاص كرواية حفص بن غياث (٢) الدالة على جواز الشهادة استناداً إلى اليد ، وما ورد من بعض الروايات الدالة منطوقاً على اعتبار الظن في الركعتين الأخيرتين ، ومفهوماً على اعتباره في الأوليين ، فلاحظ.

(٣) أي : ومن عدم قيام الأمارة بمجرد دليل اعتبارها مقام القطع الموضوعي الصفتي قد ظهر ... إلخ ، وهذا هو المقام الثالث ، وحاصله : أن مقتضى ما ذكرناه ـ في القطع الموضوعي الملحوظ صفة ـ من عدم قيام الأمارة بنفس دليل اعتبارها مقامه هو عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الطريقية أيضا ، ضرورة أن دليل حجية الأمارة لا يثبت لها أزيد من كونها كالقطع في

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ص ٢٥٠ الباب ٢٠ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ج ١٨ ص ٢١٥ الباب ٢٥ الحديث ٢.

٨٨

قد انقدح عدم قيامها بذلك الدليل (١) مقام ما أخذ في الموضوع على نحو الكشف ، فان القطع المأخوذ بهذا النحو (٢) في الموضوع شرعاً كسائر ما لها [ماله] (٣) دخل في الموضوعات أيضا (٤) فلا يقوم مقامه

______________________________________________________

الكشف عن الواقع حكماً كان أم موضوعاً ، فإذا كان للقطع حيثيات أخرى غير الكشف والطريقية ـ ككونه مأخوذاً في الموضوعي على وجه الطريقية ـ فدليل اعتبار الأمارة قاصر عن إثبات هذه الحيثيات لها ، فقيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي كقيامها مقام القطع الموضوعي الصفتي في عدم ثبوته بنفس دليل اعتبارها.

(١) يعني : بمجرد دليل حجيتها ، وضمير «قيامها» راجع إلى الأمارات والطرق.

(٢) أي : الكشف والطريقية.

(٣) أي : كسائر الصفات التي لها دخل في موضوعات الأحكام ، فكما أن دليل اعتبار الأمارة قاصر عن إثبات قيامها مقام هذه الصفات ، فكذلك قاصر عن إثبات قيامها مقام القطع الموضوعي على نحو الكشف. وتذكير الضمير ـ كما في بعض النسخ ـ باعتبار اللفظ ، وتأنيثه ـ كما في بعضها الآخر ـ باعتبار ما يراد منه.

(٤) الأولى تقديم هذه الكلمة على «في الموضوعات» إذ المقصود ان كان تنظير القطع الموضوعي بسائر ما له دخل في الموضوع في عدم قيام الأمارة مقامه ، فحق العبارة أن تكون هكذا «فان القطع الموضوعي أيضا كسائر الصفات التي لها دخل في الموضوعات في عدم كفاية دليل اعتبار الأمارة لإثبات تلك الصفات» بل لا حاجة إلى هذه الكلمة بعد تضمن الكلام لهذا التنظير بقوله : «كسائر ما لها دخل في الموضوعات». وان كان المقصود ـ كما هو الظاهر ـ

٨٩

شيء (١) بمجرد حجيته (٢) أو قيام (٣) [وقيام] دليل اعتباره ما لم (٤) يقم دليل على تنزيله ودخله في الموضوع كدخله (٥).

وتوهم (٦) «كفاية دليل الاعتبار الدال على إلغاء احتمال خلافه ،

______________________________________________________

تنظير المقام الثالث بالمقام الثاني ، فكان المناسب أن يقال : «كسائر ما لها دخل في الموضوعات على نحو الكشف أيضا» فتدبر في العبارة.

(١) أي : فلا يقوم مقام القطع الموضوعي المأخوذ بنحو الطريقية شيء من الأمارات.

(٢) أي : الشيء ، والمراد بمجرد الحجية هو الظن المطلق على الحكومة.

(٣) كما في الأمارات المعتبرة بالأدلة الخاصة المعبر عنها بالظنون الخاصة. هذا ـ أي تفسير الشيء بالظن المطلق على الحكومة تارة وبالظنون الخاصة أخرى ـ بناء على ما في أكثر النسخ من العطف بـ «أو» ، وأما إذا كان العطف بالواو فيكون قوله : «وقيام دليل» عطف تفسير للحجية.

(٤) ظرف لقوله : «فلا يقوم» يعني : فلا يقوم مقامه شيء ما لم يقم دليل خاص غير دليل الحجية على تنزيل ذلك الشيء منزلة القطع الموضوعي على الكشف أو منزلة غير القطع مما له دخل في موضوع الحكم ، وضميرا «اعتباره ، تنزيله» راجعان إلى الشيء.

(٥) أي : القطع الموضوعي على نحو الكشف.

فالمتحصل مما ذكر : أن مختار المصنف (قده) هو عدم قيام الأمارات بنفس أدلة حجيتها مقام القطع الموضوعي بأقسامه الأربعة ، لأن أدلة حجية الأمارات لا تثبت الا طريقية الشيء للموضوع أو الحكم ، وإثبات الموضوعية للأمارة لا بد وأن يكون بدليل آخر.

(٦) هذا تعريض بما ذكره شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «بخلاف المأخوذ

٩٠

وجعله (١) بمنزلة القطع من (٢) جهة كونه موضوعاً ومن جهة كونه طريقاً فيقوم مقامه (٣) طريقاً كان (٤) أو موضوعاً» فاسد (٥) جداً

______________________________________________________

في الحكم على وجه الموضوعية ، فانه تابع لدليل ذلك الحكم ، فان ظهر منه أو من دليل خارج اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالأمثلة المتقدمة قامت الأمارات والأصول العملية مقامه ... إلخ». وحاصله : أن الأمارة بنفس دليل اعتبارها قد تقوم مقام القطع الموضوعي الّذي أخذ بنحو الطريقية بدعوى إطلاق دليل تنزيلها منزلة القطع الشامل ذلك الإطلاق لجميع آثار القطع من الطريقية التي أثرها تنجيز الواقع والموضوعية التي أثرها وجود الموضوع وتحققه ، فان إطلاق دليل اعتبار الأمارة ينزل الأمارة منزلة القطع في جميع آثاره ولوازمه المترتبة عليه من كونه طريقاً محضاً وموضوعاً بنحو الطريقية.

والحاصل : أن مصب النزاع بين الشيخ والمصنف (قدهما) هو القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية ، حيث ان الشيخ يرى قيام الأمارة مقامه بنفس دليل اعتبارها ، والمصنف لم يلتزم به وأورد عليه بما في المتن. وأما القطع الطريقي المحض فلا ريب في قيام الأمارة مقامه ، كما لا إشكال في عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الصفتي كما تقدم بيانهما مفصلا.

(١) الضميران راجعان إلى «شيء» المراد به الأمارة.

(٢) هذا بيان لمنزلة القطع وتقريب لإطلاق التنزيل.

(٣) هذا الضمير وضمير «كونه» في الموضعين راجع إلى القطع ، وضمير الفاعل في «يقوم» راجع إلى «شيء» المراد به الأمارة.

(٤) هذا تصريح بالإطلاق ، واسم «كان» ضمير راجع إلى القطع.

(٥) خبر قوله : «وتوهم» ودفع له ، وحاصل هذا الدفع : أن مقتضى إطلاق دليل التنزيل وان كان تنزيل الأمارة منزلة القطع في كل ما للقطع من الموضوعية

٩١

فان (١) الدليل الدال على إلغاء الاحتمال لا يكاد يكفي إلّا بأحد التنزيلين ، حيث (٢) لا بد في كل تنزيل منهما (٣) من لحاظ المنزل والمنزل عليه ، ولحاظهما (٤)

______________________________________________________

والطريقية وغيرهما ، إلّا أن الإطلاق ممتنع في المقام ، لاستلزامه اجتماع الضدين ، توضيحه : أنه لا بد في كل تنزيل من لحاظ المنزل والمنزل عليه معاً ، والمنزّل في المقام هو الأمارة والمنزل عليه هو القطع ، وحينئذ فتنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي موقوف على لحاظ القطع استقلالا ، لأن مقتضى موضوعية الشيء هو استقلاله في اللحاظ من دون كونه تبعاً للغير ، وتنزيلها منزلة القطع الطريقي موقوف على لحاظه آلة للغير وهو الواقع المنكشف به ، فيكون الواقع هو الملحوظ بالاستقلال وهو المنزل عليه في الحقيقة حينئذ ، فلحاظ القطع آلي ، ومن الواضح أن هذين اللحاظين متضادان ، فيمتنع اجتماعهما في إنشاء واحد.

والحاصل : أن تنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي الطريقي يستلزم لحاظ المنزل عليه ـ وهو القطع ـ بلحاظين متضادين في إنشاء واحد ، لحاظ استقلالي نظراً إلى موضوعيته ، ولحاظ آلي نظراً إلى طريقيته ، وهو محال.

فالنتيجة : أن دليل حجية الأمارة قاصر عن إثبات التنزيلين معاً ، فلا بد أن يكون ناظراً إلى أحدهما ، فلا وجه للتشبث بإطلاق دليل التنزيل لإثبات قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي.

(١) هذا تقريب فساد التوهم ، وقد عرفت توضيحه.

(٢) تعليل لعدم وفاء الدليل إلّا بأحد التنزيلين.

(٣) أي : من التنزيلين.

(٤) يعني : ولحاظ المنزل والمنزل عليه في أحد التنزيلين ـ وهو تنزيل

٩٢

في أحدهما (١) آلي وفي الآخر (٢) استقلالي ، بداهة (٣) أن النّظر في حجيته وتنزيله (٤) منزلة القطع في طريقيته (٥) في الحقيقة إلى الواقع (٦) ومؤدى الطريق (٧) ، وفي كونه (٨)

______________________________________________________

الأمارة منزلة القطع الطريقي ـ آلي ، لأن لحاظهما حينئذ يكون بلحاظ الغير وهو المؤدى في الأمارة والواقع في القطع ، وفي الآخر ـ وهو تنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي ـ استقلالي كما هو مقتضى الموضوعية ، فتنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي الطريقي يستلزم اجتماع لحاظين متضادين كما تقدم توضيحه وهو محال.

(١) وهو تنزيل الأمارة منزلة القطع الطريقي ، إذ لحاظهما حينئذ يكون تبعاً للحاظ المؤدى والواقع.

(٢) وهو تنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي ، وكون لحاظهما استقلالياً حينئذ واضح.

(٣) تعليل لكون النّظر في أحدهما استقلالياً ، وفي الآخر آلياً ، وقد عرفته.

(٤) الضميران راجعان إلى الشيء المراد به الأمارة.

(٥) أي : في طريقية القطع ، وهو متعلق بـ «تنزيله».

(٦) خبر لقوله : «ان النّظر» وقوله : «في الحقيقة» متعلق بـ «النّظر».

(٧) معطوف على «الواقع» يعني : أن المنزل عليه في الحقيقة حينئذ هو الواقع والمنزل هو مؤدى الأمارة ، فلحاظ القطع والأمارة يكون آلياً ، حيث ان لحاظهما آلة للحاظ الواقع والمؤدى.

(٨) معطوف على «حجيته» والضمير راجع إلى «الشيء» يعني : وبداهة أن النّظر في كون الشيء بمنزلة القطع الموضوعي إلى نفس الأمارة والقطع ، فيكون النّظر حينئذ استقلالياً.

٩٣

بمنزلته في دخله (١) في الموضوع إلى أنفسهما (٢) ولا يكاد يمكن الجمع بينهما (٣). نعم (٤) لو كان في البين ما بمفهومه (٥) جامع بينهما يمكن (٦) أن يكون دليلا على التنزيلين ، والمفروض أنه (٧) ليس ،

______________________________________________________

(١) الضميران راجعان إلى القطع.

(٢) أي : الشيء ـ وهو الأمارة ـ والقطع ، يعني : أن النّظر بناء على هذا التنزيل يكون إلى ذاتهما لا إلى متعلقهما.

(٣) أي : بين النظرين : الآلي والاستقلالي.

(٤) هذا استدراك على ما ذكره من امتناع اجتماع اللحاظين ، وتوضيحه : أن ما ذكرنا من لزوم محذور اجتماع اللحاظين انما هو فيما إذا لم يكن هناك جامع مفهومي. وأما إذا كان بينهما جامع مفهومي ، فلا يلزم هذا المحذور ، ويكون الدليل الواحد دليلا على التنزيلين ، لصحة إطلاقه الشامل لكلا النظرين هذا.

ولكن وجود الجامع مجرد فرض ، لأن لسان دليل الاعتبار ـ سواء كان تصديق الخبر أم حجيته أم إلقاء احتمال الخلاف ، أم الوسطية في الإثبات أم غيرها ـ يكون موضوعه خبر العادل أو الثقة مثلا ، ومن المعلوم أن الخبر اما ملحوظ طريقاً وكاشفاً أو ملحوظ موضوعاً ، ولا يعقل اجتماع لحاظي الموضوعية والطريقية في شيء واحد ، فلا بد من أن يكون مسوقاً بأحد اللحاظين.

(٥) الموصول اسم «كان» وخبره «في البين» وصدر صلة الموصول محذوف يعني : لو كان في البين ما هو بمفهومه جامع بينهما ، فكلمة «جامع» خبر للضمير المحذوف ، والجملة صلة للموصول.

(٦) جواب «لو كان».

(٧) أي : أن الجامع ، و «ليس» هنا تامة ، ومعناها مجرد النفي ، يعني :

٩٤

فلا يكون (١) دليلا على التنزيل إلّا بذاك اللحاظ الآلي ، فيكون (٢) حجة موجبة لتنجز متعلقه ، وصحة العقوبة على مخالفته في صورتي (٣) اصابته وخطائه بناء (٤) على استحقاق المتجري ، أو بذلك (٥) [بذاك] اللحاظ الآخر الاستقلالي ، فيكون (٦) مثله في دخله في الموضوع وترتيب ما له عليه من (٧) الحكم الشرعي.

______________________________________________________

والمفروض أن الجامع المفهومي معدوم.

(١) يعني : فلا يكون دليل اعتبار الأمارة دليلا على التنزيل الا ... إلخ.

(٢) يعني : فيكون الشيء ـ المراد به الأمارة ـ حجة منجزة لمتعلقه ومصحِّحة للعقوبة على مخالفته سواء أصاب أم أخطأ بناء على ما اختاره من استحقاق المتجري للعقاب.

(٣) قيد لـ «صحة العقوبة» يعني : أن استحقاق المؤاخذة يكون في صورتي الإصابة والخطأ ، وضمير «متعلقه» راجع إلى الشيء ، وضمير «مخالفته» إلى متعلقه.

(٤) قيد لـ «خطائه» يعني : أن الاستحقاق في كلتا الصورتين مبني على كون المتجري مستحقاً للعقاب ، وإلّا كان استحقاق العقوبة مختصاً بصورة الإصابة ، وضميرا «اصابته ، خطائه» راجعان إلى الشيء المراد به الأمارة.

(٥) معطوف على قوله : «بذاك اللحاظ الآلي».

(٦) يعني : فيكون الشيء ـ وهو الأمارة ـ مثل القطع في كونه دخيلا في الموضوع.

(٧) بيان لـ «ما» الموصول ، أي : وفي ترتيب الحكم الشرعي الثابت للقطع الموضوعي على الشيء وهو الأمارة ، وقوله : «وترتيب» معطوف على قوله :

٩٥

لا يقال (١) : على هذا (٢) لا يكون (٣) دليلا على أحد التنزيلين ما لم يكن هناك قرينة في البين.

فانه يقال (٤) : لا إشكال في كونه (٥) دليلا على حجيته ، فان (٦) ظهوره في أنه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه ، ولا شبهة تعتريه ، وانما

______________________________________________________

دخله.

(١) غرض هذا المستشكل : إثبات إجمال دليل اعتبار الأمارة ، وعدم صحة التمسك به أصلا ، وتوضيحه : أنه بناءً على كون الدليل ناظراً إلى أحد التنزيلين لا يصح التشبث به ، لإجماله الناشئ عن عدم قرينة على تعيين أحد اللحاظين ، فيسقط عن الاستدلال به على قيام الأمارة مقام القطع الطريقي أيضا. نعم إذا قامت قرينة على خصوص أحد التنزيلين صح التمسك به على ذلك.

(٢) أي : على ما ذكرنا من امتناع اجتماع اللحاظين وعدم وجود جامع مفهومي بينهما ليصح اجتماعهما ، وأنه لا مناص عن كون التنزيل ناظراً إلى أحدهما.

(٣) أي : لا يكون دليل الاعتبار دليلا على أحد التنزيلين.

(٤) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أن إشكال إجمال الدليل غير وارد في المقام ، ضرورة أن الأثر الظاهر للقطع هو الكشف والمرآتية ، فدليل تنزيل الأمارة منزلة القطع يكون ظاهراً في تنزيلها منزلته في الطريقية لا الموضوعية ، فيترتب بنفس دليل اعتبار الأمارة آثار طريقية العلم عليها دون موضوعيته ، فلا إجمال في دليل حجية الأمارة أصلا ، ولا نرفع اليد عن هذا الظهور ما لم تقم قرينة على خلافه.

(٥) أي : في كون دليل الاعتبار دليلا على حجية الشيء وهو الأمارة.

(٦) تعليل لقوله : «لا إشكال» يعني : فان ظهور دليل اعتبار الأمارة وتنزيلها

٩٦

يحتاج تنزيله (١) بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من (٢) نصب دلالة عليه ، فتأمل في المقام ، فانه دقيق ومزال الإقدام للاعلام.

ولا يخفى أنه لو لا ذلك (٣) لأمكن أن يقوم الطريق بدليل واحد دال على إلغاء احتمال خلافه مقام القطع بتمام أقسامه ولو فيما (٤)

______________________________________________________

منزلة القطع في أن التنزيل انما هو بحسب اللحاظ الآلي دون الاستقلالي مما لا شك فيه ، وقد عرفت وجه الظهور وهو : أن أظهر آثار القطع الكشف والطريقية ، وهو يوجب ظهور الدليل في كون التنزيل بلحاظ الطريقية لا الموضوعية.

(١) أي : تنزيل ذلك الشيء أي الأمارة.

(٢) متعلق بقوله : «يحتاج» والصواب تبديل كلمة «من» بـ «إلى» بأن يقال : «إلى نصب دلالة عليه». وضمير «عليه» راجع إلى تنزيله بحسب اللحاظ الآخر.

(٣) المشار إليه هو : محذور امتناع اجتماع اللحاظين الاستقلالي والآلي ، وحاصله : أن المانع من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي هو هذا المحذور ، ولولاه لأمكن القول بقيام الأمارة مقام القطع بأقسامه الخمسة بنفس دليل اعتبارها ، إذ بعد فرض إمكان الإطلاق في دليل الاعتبار لا يتفاوت الحال بين أقسام القطع ، وضمير «خلافه» راجع إلى الطريق.

(٤) الظاهر أنه تعريض بما أفاده الشيخ الأعظم (قده) من التفصيل بين القطع الموضوعي الطريقي في قيام الأمارة مقامه ، وبين القطع الموضوعي الصفتي في عدم قيامها مقامه ، حيث قال : «وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع في الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره ... إلخ» ووجه التعريض هو : أن المانع من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي مطلقاً هو ما تقدم من امتناع اجتماع اللحاظين الاستقلالي والآلي ، وهذا المحذور

٩٧

أخذ في الموضوع على نحو الصفتية كان تمامه أو قيده (١) ، وبه قوامه (٢).

فتلخص مما [بما] ذكرنا (٣) : أن الأمارة لا تقوم بدليل اعتبارها فقط الا مقام ما ليس مأخوذاً [بمأخوذ] في الموضوع أصلا.

وأما الأصول (٤)

______________________________________________________

موجود في كل من القطع الموضوعي الصفتي والطريقي ، فلا وجه للتفصيل المزبور بين القطع الموضوعي الطريقي والموضوعي الصفتي بتجويز قيام الأمارة بنفس دليل اعتبارها مقام الأول دون الثاني (*).

(١) أي : سواء كان القطع تمام الموضوع أم قيد الموضوع.

(٢) وهذا عطف تفسير لـ «قيده» أي : وبالقطع قوام الموضوع.

(٣) يعني : من امتناع اجتماع اللحاظين ، فلا يصلح دليل الاعتبار الا لإثبات قيام الأمارة مقام القطع الطريقي المحض كما عرفت تفصيله.

(٤) هذا هو المقام الرابع ، وهو بيان قيام الأصول مقام القطع ، وحاصل مرامه : أن ما عدا الاستصحاب من الأصول العملية لا يقوم مقام القطع الطريقي المحض ، لأن مفاد هذه الأصول ليس إلّا وظائف للجاهل بالأحكام ، فموضوع

__________________

(*) الظاهر أن هذا التعريض في غير محله ، إذ المانع من قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي الصفتي عند المصنف هو محذور اجتماع اللحاظين ، وليس هذا مانعاً في نظر الشيخ (قده) ، بل المانع عنده هو قصور دليل الاعتبار عن دلالته على قيامه مقام القطع الموضوعي الصفتي ، لظهوره في حجية الأمارة بلحاظ الطريقية والكشف ، فالمانع عند الشيخ (قده) إثباتي وهو قصور الدليل ، وعند المصنف ثبوتي ، للزوم اجتماع اللحاظين المتضادين ، فتدبر.

٩٨

فلا معنى لقيامها مقامه بأدلتها (١) أيضا (٢) غير الاستصحاب ، لوضوح (٣) أن المراد من قيام المقام (٤) ترتيب ما له من الآثار والأحكام من (٥) تنجز التكليف وغيره كما مرت إليه الإشارة (٦) ، وهي (٧) ليست إلّا وظائف مقررة للجاهل (٨) في مقام العمل شرعاً أو (٩) عقلا (١٠.

______________________________________________________

هذه الأصول هو الجهل بالاحكام ، ومع الجهل لا نظر لها إلى الأحكام الواقعية أصلا ، ومع عدم النّظر إليها كيف يعقل ترتيب أثر الطريقية إلى الواقع ـ الثابتة للعلم ـ من التنجيز والتعذير على الأصول؟

(١) أي : بأدلة الأصول.

(٢) يعني : كعدم قيام الأمارة بنفس دليل اعتبارها مقام القطع الموضوعي بأقسامه ، لمحذور اجتماع اللحاظين كما عرفت.

(٣) تعليل لقوله : «فلا معنى لقيامها» وقد عرفت توضيحه.

(٤) بضم الميم ، والمراد به الأصول ، أي قيام الأصول مقام القطع ، وضمير «له» راجع إلى القطع.

(٥) بيان للآثار والأحكام كالعذر ، وضمير «وغيره» راجع إلى التنجز.

(٦) في قوله تفريعاً على اللحاظ الآلي : «فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه وصحة العقوبة على مخالفته».

(٧) الواو للحال ، والضمير راجع إلى الأصول.

(٨) من دون نظرها إلى الواقع ، ولذا لا يترتب عليه آثار الواقع.

(٩) كالبراءة الشرعية المستفادة من حديث رفع التسعة وغيره.

(١٠) كالبراءة العقلية المستفادة من قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

٩٩

لا يقال (١) : ان الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه (٢) في تنجز التكليف لو كان (٣).

فانه يقال (٤) : أما الاحتياط العقلي فليس إلّا نفس حكم العقل

______________________________________________________

(١) هذا الإشكال ناظر إلى ما منعه المصنف (قده) من قيام غير الاستصحاب من الأصول ـ الشامل ذلك الغير للاحتياط ـ مقام القطع ، وأن الاحتياط يقوم مقامه كالاستصحاب ، وتوضيح الإشكال : أنه يمكن قيام الاحتياط مقام القطع الطريقي في تنجيز التكليف في الموارد المشتبهة لو كان تكليف واقعاً ، إذ كما يتنجز الواقع بالعلم به ويستحق العقوبة على مخالفته والمثوبة على موافقته كذلك يتنجز بإيجاب الاحتياط ، وعليه ، فلا بأس بقيامه مقام القطع ، لفرض اشتراكه معه في أثره المهم وهو التنجيز. ويمكن جعل قوله : «بقيامه مقامه في تنجز التكليف» قرينة على كون المراد بالقطع المبحوث عنه في قيام الأصول مقامه وعدمه هو خصوص القطع الطريقي ، فتأمل.

(٢) أي : لا بأس بالقول بقيام الاحتياط مقام القطع.

(٣) يعني : لو كان تكليف ، فـ «كان» هنا تامة.

(٤) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أن الاحتياط اما عقلي بمناط دفع الضرر المحتمل كما في أطراف العلم الإجمالي ، واما نقلي كإيجاب الاحتياط الشرعي في الشبهات الحكمية التحريمية بعد الفحص عند القائل به. فان كان عقلياً ، فلا معنى لقيامه مقام القطع الطريقي ، إذ ليس الاحتياط العقلي الا حكم العقل بحسن المؤاخذة على المخالفة ، وليس هو شيئاً آخر ثبت له هذا الحكم العقلي ، كما أن التنجيز الثابت للقطع ليس شيئاً غير هذا الحكم العقلي. وببيان آخر : لا بد في صحة التنزيل ـ مضافاً إلى المغايرة بين المنزل والمنزل عليه ـ من المغايرة بين المنزل وبين حكم المنزل عليه الثابت للمنزل بسبب التنزيل ، كتنزيل

١٠٠