منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

بعدم استحقاقها معه (١) ، فيحتمل العقوبة حينئذ (٢) على المخالفة. ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة (٣) جدا (*) لا سيما (٤) (**) إذا كان هو العقوبة الأخروية ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) أي : بعدم استحقاق العقوبة مع الظن بالتكليف.

(٢) أي : حين عدم استقلال العقل بعدم استحقاق العقوبة مع الظن.

(٣) لاحتمال كون الظن بالحكم أو الشك فيه بياناً ومنجزاً له ، كاحتمال التكليف المنجز في الشبهات البدوية قبل الفحص ، حيث يستقل العقل بإيجابه الاحتياط.

(٤) وجه الخصوصية هو أهمية العقوبة الأخروية من الدنيوية بمراتب.

__________________

(*) بل بعيدة جدا ، لما تقدم في أول بحث الأمارات غير العلمية من أن الظن المشكوك اعتباره بحكم المعلوم عدم اعتباره وان كان حجة واقعا ، لأن البيان الرافع لموضوع البراءة العقلية والمصحح للعقوبة هو الحجة الواصلة إلى المكلف ، فلا يكفي في تصحيح العقوبة مجرد جعل الحجية لشيء مع عدم وصوله إلى العبد كما هو واضح. وعليه فالظن بالتكليف ما لم يثبت اعتباره لا يستلزم العقوبة على مخالفته ، فليست العقوبة محتملة حتى يحكم العقل بلزوم دفعها كحكمه بلزوم دفع الضرر المظنون. نعم تصح هذه الدعوى في أطراف العلم الإجمالي.

(**) هذه الجملة مستدركة ، إذ الكلام في منع الصغرى على تقدير إرادة خصوص العقوبة من الضرر ، كما تقدم بقوله : «أما العقوبة» فالكلام حول الضرر بمعنى العقوبة لا مطلق الضرر حتى يتجه قوله : «لا سيما».

٥٦١

وأما المفسدة (١)

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «أما العقوبة» أي : وأما إذا كان المراد بالضرر المذكور في صغرى الدليل هو المفسدة فلأنها ... إلخ ، وهذا هو الاحتمال الثاني في المراد من الضرر المذكور في صغرى الدليل ، وقد أجاب عنه بوجهين ، ثانيهما ما سيذكره بقوله : «مع منع كون الأحكام تابعة ... إلخ» ، وأولهما ما ذكره هنا بقوله : «فلأنها وان كان الظن ... إلخ» وسننبه في توضيح الوجه الثاني على أنه كان الأولى تقديمه على هذا الوجه الأول ، وكيف كان فتوضيح هذا الوجه الأول : أن المفسدة وان كانت مظنونة بظن التكليف ، حيث ان الملاكات من قبيل الأمور التكوينية والخواصّ المترتبة على الأشياء التي لا تنفك عنها ، فالظن بالتكليف كالعلم به والشك فيه مستلزم للظن بالملاك أو العلم به أو الشك فيه ، فان الملازمة بين الحكم وبين ملاكه ثابتة في جميع المراحل ، بخلاف العقوبة كما عرفت ، فلا يمكن التفكيك بين الظن بالحكم وبين الظن بملاكه ، إلّا أن هذا التكليف اما أن يكون هو الحرمة ، واما أن يكون هو الوجوب ، فان كان هو الوجوب كانت المفسدة المظنونة ـ لو خولف الوجوب المظنون ـ هو فوات المصلحة ، وسيأتي التعرض له عند قول المصنف : «وأما تفويت المصلحة ... إلخ». وان كان هو الحرمة ، فالمفسدة وان كانت مظنونة حينئذ ، إلّا أن المفاسد على قسمين ، فانها قد تكون نوعية وقد تكون شخصية ، فان كانت نوعية لم توجب ضررا على الفاعل كإيذاء أحد معاندي الدين في مركز أهل الديانة ، فانه لا يوجب ضررا على الفاعل وان كان ضررا على المؤمنين القاطنين في أقطار أعداء الدين ، فالمفسدة النوعية توجب قبح الفعل ، لكنها ليست ضررا على الفاعل حتى يجب عليه دفعه عند الظن به ، فنفس عنوان المفسدة ليس ضررا ولا ملازما له.

٥٦٢

فلأنها وان كان الظن بالتكليف يوجب (١) الظن بالوقوع فيها لو خالفه ، إلّا أنها ليست بضرر على كل حال (٢) ، ضرورة (٣) أن كل ما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله ، بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر

______________________________________________________

وان كانت المفسدة شخصية ، فالعقل وان حكم بوجوب دفعها ، لأنه ضرر على شخص الفاعل ، لكن لزوم دفعها منوط بإحرازها علما أو ظنا ، وما لم يحرز ذلك الضرر لم يحكم العقل بلزوم دفعه والتخلص منه ، فان المورد شبهة موضوعية تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان. هذا ما أفاده المصنف في منع الصغرى ، ولكن شيخنا الأعظم منعها بوجه آخر ، وناقش المصنف فيه في حاشية الرسائل ، فراجع.

(١) للملازمة الواقعية بين التكليف بوجوده الواقعي وبين ملاكه ، ومن المعلوم أن هذه الملازمة تتحقق في صورة العلم بالتكليف والظن به والشك فيه ، وضمائر «فلأنها ، فيها ، أنها» راجعة إلى المفسدة ، وضمير «خالفه» إلى التكليف.

(٢) يعني : أن المفسدة ليست ضرراً مطلقا وان كانت نوعية ، بل هي ضرر ان كانت شخصية فقط.

(٣) تعليل لعدم كون المفسدة ضررا مطلقا ، تقريبه : أن «القبيح» أعم من الضرر ، فالمفسدة ـ ولو كانت نوعية ـ توجب قبح الفعل من دون أن تكون ضررا ، فلا ملازمة بين القبح وبين الضرر الشخصي الّذي هو مورد قاعدة دفع الضرر المظنون كما لا يخفى.

٥٦٣

عليه (١) أصلا كما لا يخفى.

وأما تفويت المصلحة (٢) ، فلا شبهة في أنه ليس فيه (٣) مضرة ، بل ربما يكون في استيفائها (٤) المضرة كما في الإحسان بالمال ، هذا.

مع منع (٥) كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور بها

______________________________________________________

(١) أي : على الفاعل ، وضمير «عليه» المتقدم راجع إلى الفعل.

(٢) غرضه منع الصغرى ـ أعني كون الظن بالحكم ملازما للظن بالضرر ـ مطلقا سواء كان المظنون الحرمة أم الوجوب. أما الحرمة ، فقد تقدم الكلام فيها ، وأما الوجوب ـ وهو المقصود بالذكر فعلا ـ فمحصل ما أفاده في وجهه : أن مخالفة الوجوب المظنون لا توجب إلّا الظن بفوات المصلحة ، ومن المعلوم أن فوات المصلحة ليس ضررا ـ أي نقصا ـ بل عدم نفع ، ومن الواضح أن تحصيل النّفع غير لازم حتى يجب العمل بالوجوب المظنون.

وقد تحصل من جميع ذكرنا في منع صغرى هذا الدليل العقلي : أن الملازمة المدعاة بين الظن بالحكم والظن بالضرر ممنوعة سواء كان الحكم المظنون وجوباً أم حرمة ، وسواء أريد بالضرر الضرر الدنيوي ـ أعني المفسدة ـ أم الأخروي أعني العقوبة ، وعليه فلا يكون الظن بالحكم حجة.

(٣) أي : في تفويت المصلحة ، وضمير «أنه» للشأن.

(٤) أي : استيفاء المصلحة ، وغرضه : أن فوات المصلحة لا يكون مطلقا ضرراً ، لعدم كونه نقصا ، بل قد يكون الضرر في استيفائها كما في استيفاء مصلحة الإحسان بالمال والجهاد ، فان الأول موقوف على الضرر المالي والثاني على الضرر النفسيّ.

(٥) هذا ثاني الوجهين اللذين ذكرهما في منع الصغرى بناء على الاحتمال

٥٦٤

والمنهي عنها ، بل انما هي تابعة لمصالح فيها (١) كما حققناه في بعض فوائدنا (*).

______________________________________________________

الثاني ـ أعني ما إذا أريد بالضرر المذكور فيها المفسدة ـ وهذا الوجه ناظر إلى إنكار أصل تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، وكان الأولى تقديمه على الوجه الأول المتقدم بقوله : «فلأنها وان كان الظن ... إلخ» لتقدمه عليه طبعا ، فكان المناسب أن يقول هكذا : «أما المفسدة ففيها أولا عدم تسليم كونها في الفعل وثانيا منع كونها ضررا على كل حال».

وكيف كان فتوضيح هذا الوجه الثاني : أن الظن بالحكم ليس ملازما للظن بالمفسدة أو فوات المصلحة ، إذ هذه الملازمة مبنية على حصر المصالح والمفاسد في متعلقات التكاليف حتى تكون مخالفة العبد سببا للوقوع في المفسدة أو فوات المصلحة. وأما إذا كانتا في نفس الجعل ، فهما حاصلتان بنفسه ، ولا ربط لهما بمخالفة العبد وموافقته للحكم المظنون.

(١) أي : في نفس الأحكام.

__________________

(*) لم نظفر بذلك فيما بأيدينا من فوائده المطبوعة مع حاشيته على الفرائد ، بل فيها ما يكون ظاهرا أو صريحا في تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ، حيث قال في الفائدة التي عقدها لتحقيق ما اشتهر من الملازمة بين حكم العقل والشرع ما لفظه : «فهاهنا دعويان : الأولى : عدم لزوم الإلزام شرعا بما ألزم به عقلا. الثانية : لزوم أن لا يلزم شرعا إلّا بما يلزم به عقلا ، وذلك لأن الطلب الحقيقي والبعث الجدي الإلزامي لا يكاد أن يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه ، ولا يكاد أن يكون فيه بالنسبة إليه تعالى ملاك الا المصلحة الذاتيّة أو العارضة بسبب بعض الوجوه الطارئة ، حيث لا يعقل في حقه تبارك وتعالى غرض وداع آخر.

٥٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ان قلت : نعم ، ولكنه يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في (من) نفس الطلب والإلزام من دون أن يكون مصلحة ومفسدة في الواجب والحرام ، كما هو كذلك في غير مورد من الموارد منها الأوامر الامتحانية ، ومنها الأمر في الواجبات والمستحبات العبادية ، إذ الطلب فيهما لم يتعلق بالراجح وما فيه المصلحة ، فانها بدون قصد القربة غير راجحة ولا مما فيها المصلحة ، مع أنها كذلك متعلقة للطلب.

إلى أن قال : ومنها أوامر التقية ، بداهة أنه لا حسن الا في نفسها لا في المأمور بها.

قلت : الطلب الحقيقي والإلزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد أن يتعلق بشيء ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارئة عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة ، وإلّا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحاً بلا مرجح ، وهذا واضح ، ولا يكون تلك الخصوصية بالنسبة إليه تعالى الا المصلحة المرجحة لصدورها عقلا كما لا يخفى.

وأما الأوامر الامتحانية فليست بأوامر حقيقة بل صورية ، إذ لا إرادة ، فلا طلب ولا بعث عن جد ، والكلام انما هو في التكليف الحقيقي لا الصوري. نعم بناء على عدم اتحاد الطلب والإرادة يمكن أن يكون فيها الطلب الحقيقي مع عدم الإرادة ، وقد عرفت في بعض الفوائد اتحادهما بما لا مزيد عليه» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه. ولا يخفى أن قوله : «كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح» كالصريح في تبعية الأحكام لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد كما هو مذهب المشهور.

وأفاد نظير ما ذكره هنا في حاشيته على الرسائل فيما يتعلق بهذا الدليل العقلي ، قال (قده) : «ثانيها : أن الأحكام الواقعية وان كانت على المشهور بين

٥٦٦

وبالجملة (١) : ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الأحكام بمضرة (٢) ، وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من (٣) الأفعال على القول باستقلاله

______________________________________________________

(١) هذا حاصل ما ذكره في الوجه الأول ومزيد توضيح له ، فكان المناسب بيانه قبل قوله : «مع منع كون ...» وتوضيحه : أنه ليس ملاك حكم العقل بحسن شيء أو قبحه هو كونه ذا نفع عائد إلى الفاعل أو ضرر وارد عليه ، بل ملاك حكمه بهما أعم من ذلك ، فعلى القول باستقلال العقل بالحسن والقبح لا يتوقف حكمه بهما على النّفع والضرر الشخصيين ، بل يكفي في اتصاف الفعل بالحسن والقبح المصلحة والمضرة النوعيتان كما لا يخفى.

(٢) خبر «ليست المفسدة».

(٣) بيان للموصول في الموضعين.

__________________

العدلية تابعة للمصالح والمفاسد التي تكون في نفس المأمور بها والمنهي عنها ، لا المصالح في نفس الأمر والنهي ، إلّا أن مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبيّ أو التحريمي لا يوجب ظنا بالضرر».

نعم في ذيل عبارته احتمل عدم تبعية الأحكام لهما ، قال : «مع احتمال عدم كون الأحكام تابعة لهما ، بل تابعة لما في أنفسها من المصلحة ، فلا يكون حينئذ ظن بهما أيضا ... إلخ».

ثم ان قيام المصلحة بنفس الأمر دون المتعلق يتصور تارة بقيامه بامتثال المأمور به وأنه منقاد لأمر مولاه أم لا ، وأخرى بقيامه بفعل الآمر ، كالمصلحة في تشريع الأحكام وإتمام الحجة على العبد بقطع عذره الجهلي. والظاهر أن مراده القسم الثاني لا الأول.

٥٦٧

بذلك (١) هو (٢) كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه ، ولعمري هذا (٣) واضح ، فلا مجال (٤) لقاعدة دفع الضرر المظنون هاهنا أصلا. ولا استقلال (٥) للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه

______________________________________________________

(١) أي : بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة ، وضمير «باستقلاله» راجع إلى العقل.

(٢) خبر «وليس مناط» وضمير «كونه» راجع إلى الموصول في الموضعين المراد به الأفعال.

(٣) أي : ما ذكرناه بقولنا : «وليس مناط حكم العقل ... إلخ» واضح.

(٤) لما عرفت من عدم كون الظن بالحكم من صغرياتها من غير فرق في ذلك بين الضرر الأخروي والدنيوي ، ومن دون تفاوت أيضا فيه بين كون الحكم المظنون وجوبيا وتحريميا.

(٥) غرضه دفع ما قد يتوهم من أن المفسدة وان لم تكن ملازمة للضرر حتى يكون الظن بها صغرى لكبرى وجوب دفع الضرر المظنون ـ بأن يقال : الظن بالمفسدة ظن بالضرر ، وكل ضرر مظنون يجب دفعه ، فالمفسدة المظنونة يجب دفعها ـ إلّا أن هنا قاعدة أخرى يكون الظن بالمفسدة من صغرياتها ، وهي حكم العقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة وترك ما فيه احتمال المصلحة ، فالظن بالحكم ملازم للظن بالمفسدة ، ويصير من صغريات هذه القاعدة ، بأن يقال : الظن بحرمة شيء مثلا مستلزم لاحتمال المفسدة في فعله ، وكل ما احتمل المفسدة في فعله ففعله قبيح ، فالظن بحرمة شيء مستلزم لقبح فعله ، هذا.

وقد دفع المصنف (قده) هذا التوهم بما حاصله : عدم تسليم هذه القاعدة ، فانه لم يظهر استقلال العقل بقبح ما فيه احتمال المفسدة. نعم هذا الحكم مسلم

٥٦٨

احتمال المصلحة ، فافهم (١).

الثاني (٢) : أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح. وفيه : أنه (٣)

______________________________________________________

فيما إذا تنجز الحكم كما في أطراف العلم الإجمالي ، وليس المقام منه.

فالمتحصل من جميع ما ذكره المصنف : عدم حجية الظن بالحكم من حيث صغرويته لكبرى وجوب دفع الضرر المظنون ، ولا لكبرى حكم العقل بقبح ما فيه احتمال المفسدة ، هذا.

(١) لعله إشارة إلى ضعف ما أفاده بقوله : «فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ... إلخ» لما تقدم منه من أن المفسدة قد تكون من الإضرار أحيانا ، ولازمه أن الظن بالحرمة مستلزم لاحتمال الضرر ، وقد تقدم منه أن دفع الضرر المحتمل واجب كالضرر المظنون.

(٢) هذا الوجه العقلي مذكور في الرسائل بمثل ما في المتن ، وتوضيحه : أنه يدور الأمر بين العمل بالظن بالحكم وبين العمل بالشك والوهم فيه ، ومن المعلوم تقدم الظن عليهما ، وإلّا لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وفساده بمكان من الوضوح.

(٣) أجاب شيخنا الأعظم عن الدليل المذكور بوجهين : أحدهما جواب نقضي ، وقد نقلناه في التعليقة ، وثانيهما جواب حلي (*) حيث قال : «وثانيا

__________________

(*) قال الشيخ : «فالأولى الجواب أولا بالنقض بكثير من الظنون المحرمة العمل بالإجماع أو الضرورة». ولعل إعراض المصنف عن نقله لعدم صحته ، حيث ان النهي عن الظنون الممنوعة موجب لجواز العمل بموهوماتها ، ولازمه ترجيح المرجوح على الراجح ، لكن ليس كذلك ، إذ لا دلالة للمنع عن العمل

٥٦٩

لا يكاد يلزم منه ذلك (١) الا فيما إذا كان الأخذ بالظن أو بطرفه (٢) لازماً مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا (٣)

______________________________________________________

بالحل ، وتوضيحه : تسليم القبح إذا كان التكليف وغرض الشارع متعلقا بالواقع ولم يمكن الاحتياط ... إلى أن قال : وأما إذا لم يتعلق التكليف بالواقع أو تعلق به مع إمكان الاحتياط فلا يجب الأخذ بالراجح ... إلى أن قال : فلا بد من إرجاع هذا الدليل إلى دليل الانسداد الآتي ... إلخ» وقد اختار المصنف (قده) هذا الجواب الحلي ، وتوضيحه : أن هذا الدوران انما يتحقق فيما إذا لزم الأخذ بالمظنون وأخويه ولم يمكن الجمع بينهما عقلا ، لاختلال النظام ، أو شرعا ، للعسر والحرج ، فحينئذ إذا ترك العمل بالظن دفعا للمحذور العقلي أو الشرعي لزم ترجيح المرجوح ـ وهو الشك والوهم ـ على الراجح وهو الظن ، ومن المعلوم أنه لا يجب العمل بالمظنون وأخويه إلّا بعد تمامية مقدمات الانسداد ، ومعها لا يكون هذا الوجه دليلا مستقلا ، بل هو خامسة مقدمات الانسداد ، وسيأتي في دليله وجه لزوم الجمع بين المظنون وأخويه إلّا إذا منع عنه مانع عقلا أو شرعا.

(١) أي : يلزم من عدم الأخذ بالظن ترجيح المرجوح على الراجح.

(٢) أي : بطرف الظن وهو الوهم.

(٣) لاختلال النظام.

__________________

بها على جواز العمل بموهوماتها ، إذ لا ملازمة بينهما أصلا. هذا مضافا إلى أن حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح معلق على عدم منع الشارع عن العمل ببعض الظنون ، إذ مع منع الشارع عن العمل ببعضها لم يبق راجح حتى يكون غيره ـ أعني الموهوم ـ مرجوحاً ليقبح ترجيحه عليه كما لا يخفى.

٥٧٠

أو عدم وجوبه شرعا (١) ليدور الأمر بين ترجيحه وترجيح طرفه ، ولا يكاد يدور الأمر بينهما إلّا بمقدمات دليل الانسداد (٢) ، وإلّا (٣) كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو

______________________________________________________

(١) لاستلزام الاحتياط التام للعسر المنفي ، وضمير «وجوبه» راجع إلى الجمع بينهما ، وضميرا «طرفه ، ترجيحه» راجعان إلى الظن ، و «بينهما» إلى الظن وطرفه.

(٢) توقف دوران الأمر بين العمل بالظن أو طرفه على مقدمات الانسداد واضح ، لأنه ـ بعد أن وجب عقلا امتثال الأحكام ولم يجب أو لم يجز الاحتياط التام ـ يدور الأمر بين العمل بالمشكوكات والموهومات وإهمال المظنونات وبين العمل بهذه وطرح المشكوكات والموهومات ، فمقتضى المقدمة الأخيرة من مقدمات دليل الانسداد الآتي ـ وهي قبح ترجيح المرجوح على الراجح ـ هو تعين الأخذ بالظن ، وطرح المشكوك والموهوم ، ففي الحقيقة يكون هذا الدليل المقدمة الأخيرة من مقدمات الانسداد ، وليس دليلا آخر ، فتأمل جيداً.

(٣) أي : ومع قطع النّظر عن مقدمات دليل الانسداد كان اللازم ... وغرضه : أن دوران الأمر بين الأخذ بالظن وبين الأخذ بطرفه منوط بمقدمات الانسداد ، إذ مع اختلالها وعدم تماميتها يجب الرجوع إلى العلم أو العلمي ان كانت إحدى مقدماتها ـ وهي انسداد باب العلم والعلمي ـ منتفية بأن كان باب العلم أو العلمي مفتوحا ، أو الرجوع إلى الاحتياط ان كانت مقدمة أخرى من مقدماته ـ وهي بطلان الاحتياط أو البراءة ـ منتفية بأن أمكن الاحتياط ، أو لم تبطل البراءة على ما سيأتي توضيحه في دليل الانسداد.

٥٧١

غيرهما (١) [غيرها] على حسب اختلاف الأشخاص (٢) أو الأحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال.

الثالث : ما عن السيد الطباطبائي (٣) قدس‌سره من «أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى ذلك (٤)

______________________________________________________

(١) كالاستصحاب وفتوى المجتهد ، هذا بناء على ما في أكثر النسخ ، والأولى ـ كما في بعضها «غيرها» لرجوع الضمير إلى جميع ما ذكر ، لأنها ذكرت على نسق واحد.

(٢) لاختلافهم في استظهار الحجية من الأدلة المتقدمة ، فإذا استظهر اعتبار الاخبار ، كان باب العلمي مفتوحاً ، ومعه لا مجال للرجوع إلى غيره من الأصول وغيرها ، وكذا الحال بالنسبة إلى سائر المقدمات ، فان اختلافهم فيها في غاية الوضوح. وعلى كل حال ، فجواز الرجوع إلى الظن منوط بثبوت مقدمات الانسداد ، فهذا الوجه العقلي لا يثبت حجية الظن إلّا بعد ضم سائر مقدمات الانسداد إليه ، فلا وجه لعدّه دليلا مستقلا.

(٣) وهو السيد المجاهد (قده) وقد حكاه شيخنا الأعظم عنه أيضا بمثل ما في المتن ، وتوضيحه : أنا نعلم بوجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى هذا العلم الإجمالي الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما ، وترك كل ما يحتمل الحرمة كذلك ، لكن لما كان هذا الاحتياط موجبا للعسر والحرج ، فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط والحرج هو العمل بالاحتياط في المظنونات وطرحه في المشكوكات والموهومات ، لأن الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعا.

(٤) أي : العلم الإجمالي ، وقوله «كذلك» أي : ولو موهوما.

٥٧٢

وجوب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل الحرمة كذلك ، ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك (١) كله ، لأنه (٢) عسر أكيد وحرج شديد ، فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء [ونفى] الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات ، لأن الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعا».

ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد ، فانه (٣) بعض مقدمات دليل

______________________________________________________

(١) أي : عدم وجوب الإتيان بكل ما يحتمل الوجوب ، وترك كل ما يحتمل الحرمة.

(٢) أي : لأن وجوب الإتيان بكل ما يحتمل الوجوب ، وترك كل ما يحتمل الحرمة عسر أكيد.

(٣) أي : فان هذا الوجه بعض مقدمات الانسداد ، وحاصل ما أفاده في رده : أن هذا الوجه هو أولى مقدمات الانسداد وهي العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرمات في الشريعة ، وكذا يتضمن المقدمة الرابعة وهي عدم وجوب الاحتياط التام ، لكونه مستلزما للعسر والحرج الشديدين ، وللمقدمة الخامسة أيضا وهي العمل بالمظنونات ، ورفع العسر بطرح المشكوكات والموهومات ، فليس هذا وجها آخر في قبال دليل الانسداد. وهذا الجواب أفاده الشيخ بقوله : «وفيه أنه راجع إلى دليل الانسداد الآتي ، إذ ما من مقدمة من مقدمات ذلك الدليل الا ويحتاج إليها في إتمام هذا الدليل ، فراجع وتأمل حتى يظهر لك حقيقة

٥٧٣

الانسداد ، ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ، ومعه (١) لا يكون دليلا (٢)

______________________________________________________

الحال» (*).

ثم ان الفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الثاني هو : أن هذا الوجه مؤلف من جملة من مقدمات الانسداد ، والوجه الثاني ليس فيه إلّا مقدمة واحدة من مقدماته وهي قبح ترجيح المرجوح على الراجح ، فلاحظ وتأمل.

(١) أي : ومع سائر المقدمات لا يكون هذا الدليل دليلا آخر غير دليل الانسداد.

(٢) هذا هو الصواب كما في بعض النسخ ، فما في أكثرها من «دليل» بالرفع من سهو النساخ.

__________________

(*) ويرد على هذا الدليل ما أورده عليه شيخنا الأعظم ثانيا بقوله : «مع أن العمل بالاحتياط في المشكوكات أيضا كالمظنونات لا يلزم منه حرج قطعا ، لقلة موارد الشك المتساوي الطرفين كما لا يخفى ، فيقتصر في ترك الاحتياط على الموهومات فقط ، ودعوى أن كل من قال بعدم الاحتياط في الموهومات قال بعدمه أيضا في المشكوكات في غاية الضعف والسقوط».

بل يرد عليه ثالثا : أن مقتضاه ليس حجية الظن ، بل وجوب العمل به احتياطا ، لأن الظن حينئذ من أطراف العلم الإجمالي ، فلا خصوصية فيه توجب حجيته ، وعليه فيجب العمل بالمشكوكات والموهومات أيضا ، غاية الأمر : أن الاحتياط ـ لما كان مستلزما لاختلال النظام أو العسر والحرج ـ تتضيق دائرته بما لا يلزم منه هذان المحذوران وان أوجب العمل ببعض الموهومات فضلا عن المشكوكات.

٥٧٤

آخر ، بل ذاك الدليل (١).

الرابع : دليل الانسداد (٢) ، وهو مؤلف من مقدمات (٣) يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنية حكومة أو كشفا (٤) على ما تعرف ، ولا يكاد يستقل بها بدونها (٥) ، وهي خمسة [خمس] (*):

______________________________________________________

(١) بنصب «الدليل» على أنه خبر لـ «يكون» محذوفا ، يعني : بل يكون هذا الدليل هو ذاك الدليل ـ أي دليل الانسداد ـ بعينه ، أو برفعه على أنه خبر لمبتدإ محذوف ، يعني : بل هذا الدليل هو ذاك الدليل.

دليل الانسداد

(٢) لا يخفى أنه قد جرى اصطلاح الأصوليين على تسمية الظن الّذي يكون مستند حجيته دليل الانسداد بالظن المطلق ، والظن الّذي يكون مدرك اعتباره غير دليل الانسداد بالظن الخاصّ.

(٣) المراد بها مطلق ما يتوقف عليه الشيء ، لا خصوص المقدمة باصطلاح الميزانيين.

(٤) سيظهر تفسيرهما إن شاء الله تعالى.

(٥) يعني : ولا يكاد يستقل العقل بكفاية الإطاعة الظنية حكومة أو كشفا بدون هذه المقدمات.

__________________

(*) لا يخفى أن الشيخ (قده) جعل المقدمات أربعا ، ولم يذكر المقدمة الأولى التي ذكرها في المتن ، والحق إسقاطها ، لعدم توقف الاستنتاج عليها ، لكفاية الاحتمال في تنجز التكاليف الإلزامية الواقعية في أخذ النتيجة من دليل الانسداد. نعم يكون العلم الإجمالي من براهين المقدمة الثانية كما سيأتي.

٥٧٥

أولها : أنه يعلم (١) إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.

ثانيها : أنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي (٢) إلى كثير منها (٣).

ثالثها : أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها (٤) أصلا.

رابعها : أنه لا يجب علينا الاحتياط (٥)

______________________________________________________

(١) أي : يعلم إجمالا بوجود تكاليف إلزامية كثيرة في مجموع المشتبهات التي هي أطراف العلم الإجمالي الكبير. وقد تقدم في التعليقة أن عبارة شيخنا الأعظم خالية عن هذه المقدمة ، حيث قال : «الدليل الرابع هو الدليل المعروف بدليل الانسداد وهو مركب من مقدمات : الأولى : انسداد باب العلم والظن الخاصّ في معظم المسائل الفقهية» وقال المصنف في حاشيته على الرسائل : «لا يخفى أن الأولى : جعل المقدمة الأولى هو العلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعلية علينا في الشريعة وان كان ذلك بيّن اللزوم لما جعله أولى المقدمات ، بداهة أن وضوح المقدمة لا يوجب الاستغناء عنها ، فيكون الدليل مركباً من مقدمات خمس ... إلخ».

(٢) المراد به الأمارات المعتبرة غير العلمية كخبر الواحد.

(٣) أي : من التكاليف ، وهذه هي المقدمة الأولى التي ذكرها الشيخ (قده) وهي العمدة في الاستنتاج من هذا الدليل ، بل قيل : ان بعض المتقدمين اقتصر على هذه المقدمة في أخذ النتيجة ، والمتأخرون هم الذين أضافوا إليها سائر المقدمات.

(٤) هذا الضمير وضمير «إهمالها» راجعان إلى التكاليف.

(٥) أي : الاحتياط التام في جميع الأطراف من المظنونات والمشكوكات والموهومات ، وسيأتي وجه عدم وجوبه أو عدم جوازه في الجملة إن شاء الله تعالى.

٥٧٦

في أطراف علمنا (١) ، بل لا يجوز في الجملة ، كما لا يجوز الرجوع (٢) إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط (٣).

خامسها : أنه كان (*) ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا ، فيستقل (٤) العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة ، وإلّا (٥) لزم بعد انسداد باب العلم والعلمي بها اما إهمالها واما لزوم

______________________________________________________

(١) أي : علمنا الإجمالي بوجود تكاليف كثيرة في الشريعة المقدسة.

(٢) يعني : الرجوع إلى الطرق المقررة للجاهل من الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة ، أو الرجوع إلى الأصل في المسألة من البراءة والاستصحاب والتخيير والاحتياط ، أو التقليد بأخذ فتوى الغير الّذي يرى انفتاح باب العلم والعلمي ، فليس له الرجوع ولا الإرجاع إلى المجتهد الانفتاحي ، لأنه بنظر الانسدادي جاهل بالاحكام.

(٣) المراد به أصالة الاحتياط في المسألة ، لا الاحتياط التام الجاري فيها وفي غيرها.

(٤) هذا نتيجة المقدمات الخمس بنحو الإجمال ، يعني : أنه بعد أن ثبت عدم جواز الإهمال ، وعدم جواز الرجوع إلى الطرق المزبورة ، وقبح ترجيح المرجوح على الراجح ـ أي ترجيح الشك والوهم على الظن ـ فلا محيص حينئذ عن الرجوع إلى الظن في امتثال التكاليف.

(٥) أي : وان لم يستقل العقل بلزوم الإطاعة الظنية لزم أحد هذه التوالي

__________________

(*) الأولى سوق العبارة هكذا : «خامسها أن ترجيح المرجوح على الراجح قبيح» حتى يلائم قوله : «فيستقل العقل» لترتب حكم العقل على جميع ما تقدم.

٥٧٧

الاحتياط في أطرافها ، واما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النّظر عن العلم بها أو التقليد فيها ، أو الاكتفاء بالإطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية ، والفرض بطلان كل واحد منها.

أما المقدمة الأولى ، فهي وان كانت بديهية ، إلّا أنه قد عرفت انحلال العلم الإجمالي بما في الاخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام التي (١) تكون فيما بأيدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ، ومعه (٢) لا موجب للاحتياط الا في خصوص ما في الروايات (*)

______________________________________________________

الباطلة التي سيأتي وجه بطلانها في شرح المقدمات ، فهنا قضية منفصلة حقيقية مانعة الخلو ذات أطراف كثيرة هكذا : اما أن يلزم ـ بحكم العقل ـ الإطاعة الظنية ، أو إهمال الأحكام ، أو الاحتياط في أطرافها ، أو الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة ، أو التقليد فيها ، أو الاكتفاء بالإطاعة الشكية والوهمية مع فرض التمكن من الظنية ، والتوالي كلها باطلة ، لما سيأتي ، فيتعين المقدم وهو الاكتفاء بالإطاعة الظنية ، وهو المطلوب ، فالمقام نظير أن يقال : هذا العدد اما فرد ، واما زوج ، لكنه ليس بزوج لعدم انقسامه إلى متساويين ، فهو فرد.

(١) صفة لـ «الاخبار الصادرة» وضمير «أنه» للشأن ، و «بما في الاخبار» متعلق بـ «انحلال» يعني : ينحل العلم الإجمالي بالتكاليف بالأخبار الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام الموجودة في ضمن الروايات المدونة في الكتب الأربعة.

(٢) أي : ومع الانحلال لا موجب للاحتياط ، إذ الموجب للاحتياط التام

__________________

(*) الأولى سوق العبارة هكذا : «الا في خصوص ما بأيدينا من الروايات المشتملة على تلك الاخبار الصادرة».

٥٧٨

وهو (١) غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ، ولا إجماع على عدم وجوبه ولو (٢) سلم

______________________________________________________

هو وجود العلم الإجمالي الكبير ، والمفروض انحلاله بالعلم الإجمالي الصغير أي العلم الإجمالي بصدور روايات في الكتب المعتبرة لبيان أحكام الله الواقعية ، وهذه الروايات تكون بمقدار المعلوم في العلم الإجمالي الكبير ، فينحل بها ذلك ، فلا يجب الاحتياط الا في نفس الروايات ، لكونها هي أطراف العلم الإجمالي الصغير.

(١) أي : الاحتياط في خصوص ما بأيدينا ، وهذا دفع توهم ، أما التوهم فحاصله : أن العلم الإجمالي الصغير الموجود في الروايات لا يوجب انحلال العلم الإجمالي الكبير إلّا إذا كان مؤثرا في جميع أطرافه ، وهي الروايات ، ولا يكون مؤثرا كذلك ، للزوم الاختلال أو العسر ، أو الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في جميع الروايات.

وأما الدفع فملخصه : أن الاحتياط في جميع الروايات لا يوجب عسرا فضلا عن لزوم الاختلال ، وكذا لا إجماع على عدم وجوب الاحتياط في جميع الاخبار ، وعلى هذا لا مانع من كون العلم الإجمالي الصغير موجباً لانحلال العلم الإجمالي الكبير ، ومع الانحلال لا موجب للاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة ، بل الموجب له انما هو خصوص الروايات.

(٢) كلمة «لو» وصلية ، يعني : أنه لا نسلم الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الروايات وان سلمناه في صورة عدم انحلال العلم الإجمالي الكبير بما في الروايات.

والحاصل : أنه لا ملازمة بين عدم وجوب الاحتياط في صورة عدم انحلال العلم الإجمالي الكبير وبين وجوبه في صورة الانحلال ، إذ في صورة الانحلال

٥٧٩

الإجماع على عدم وجوبه (١) لو لم يكن هناك انحلال.

وأما المقدمة الثانية (٢) ، فأما [أما] بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بيّنة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد. وأما بالنسبة إلى العلمي ، فالظاهر أنها (٣) غير ثابتة ، لما عرفت من نهوض الأدلة (٤) على حجية خبر يوثق بصدقة (*)

______________________________________________________

لا مانع من وجوب الاحتياط في الروايات.

(١) أي : على عدم وجوب الاحتياط.

(٢) وهي كما عرفت أهم المقدمات وباعتبارها سمي هذا الوجه بدليل الانسداد ، وقد نبه عليها شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «أما المقدمة الأولى فهي بالنسبة إلى انسداد باب العلم في الأغلب غير محتاجة إلى إثبات ... إلخ» فراجع.

(٣) أي : أن المقدمة الثانية.

(٤) يعني : بعض ما ذكره من الأدلة ، لا جميعها ، وعمدة ما ركن إليه في إثبات حجية خبر الواحد هي بناء العقلاء ، وإلّا فقد ناقش هو (قده) في أكثر الأدلة المتقدمة ، فراجع وتأمل.

__________________

(*) لا يخفى أن ما اختاره في بحث حجية الخبر هو اعتبار خبر الثقة ، لا خبر يوثق بصدقة ـ أي بمطابقته للواقع ـ فلاحظ ما ذكره هناك في سيرة العقلاء ، ومن المعلوم أن النسبة بينهما عموم من وجه ، إذ يمكن فرض المخبر ثقة مع عدم الوثوق بصدق خبره ، كما يمكن فرض الوثوق بصدق الخبر مع عدم كون المخبر ثقة ، غير أن الغالب اجتماعهما ، يعني : أن الغالب حصول الوثوق بصدق خبر المخبر الثقة ، وقد صدر من قلمه الشريف في حاشية الرسائل

٥٨٠