منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

الثالث (١) : أنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل

______________________________________________________

ناقل الإجماع مثل المحقق والعلامة وأضرابهما من أساطين الفقه ، فلا بعد في حصول القطع منه لبعض برأي المعصوم عليه‌السلام ، فلا فرق في إمكان حصول القطع من أحد النقلين برأيه عليه‌السلام بين الاطلاع التفصيليّ على الفتاوى وبين الاطلاع الإجمالي عليها.

نقل التواتر بالخبر الواحد

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان حال نقل الخبر المتواتر بخبر الواحد ، وأنه كنقل الإجماع به فيما ذكر له من الأحكام ، وقد تعرض له شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام في المتواتر المنقول ، وأن نقل التواتر في خبر لا يثبت حجيته ولو قلنا بحجية خبر الواحد ... إلخ» وحاصل ما أفاده المصنف : أن ما ذكرناه في نقل الإجماع بخبر الواحد يجري في نقل التواتر به ، فحجية نقل التواتر من حيث المسبب ـ وهو رأي الإمام عليه‌السلام ـ منوطة بالملازمة بين السبب والمسبب عند المنقول إليه ليدل نقل السبب ـ وهو التواتر ـ بالالتزام على نقل المسبب وهو رأي الإمام عليه‌السلام ، فنقل التواتر انما يثبت المسبب إذا تحققت الملازمة في نظر المنقول إليه ، وإلّا فلا يكون حجة في إثبات المسبب ، هذا كله في حجيته من حيث المسبب.

وأما حجيته من حيث السبب ـ وهو الّذي أشار إليه بقوله : «ومن حيث السبب» ـ فحاصله : أنه ان كان التواتر المنقول الّذي هو نقل أخبار جمع إجمالا مقداراً يعتبر في تحقق التواتر لو نقل آحاد تلك الاخبار تفصيلا.

__________________

فالمتحصل : أن مسألة الإجماع من المسائل الفرضية ، وأنه على فرض وجوده لا فرق في الاعتبار وعدمه بين إجماع القدماء وإجماع المتأخرين.

٣٨١

التواتر ، وأنه (١) من حيث المسبب وآثاره لا بد في اعتباره (٢) من كون الاخبار به اخباراً على الإجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر (٣) به لو علم به [بها]

______________________________________________________

وبعبارة أخرى : ان كانت هذه الاخبار المنقولة إجمالا المتواترة بزعم الناقل بمقدار التواتر المعتبر عند المنقول إليه في حصول العلم له بمسببه كان هذا التواتر حجة ، لأنه سبب تام ، فيثبت به مسببه ، وان لم يكن بهذا المقدار لم يكن حجة ، لأنه حينئذ سبب ناقص ، فلا يثبت به مسببه ، فلا بدّ في إثبات مسببه من تتميمه بضم مقدار آخر من الاخبار إليه بحيث يبلغ المجموع الحد المعتبر في تحقق التواتر عند المنقول إليه ، فلو فرض أن الناقل قصد بقوله مثلا : «قد تواتر الاخبار بقدوم الحاج» اخبار عشرة أشخاص به ، وكان الحد المعتبر في تحقق التواتر عند المنقول إليه اخبار عشرة أشخاص أيضا ، كان ما نقله الناقل سبباً تاماً فهو حجة ، ولو فرض في المثال أن الحد المعتبر عند المنقول إليه في تحقق التواتر اخبار خمسة عشر شخصاً كان ما نقله الناقل سبباً ناقصاً ، فلا يكون حجة ، بل لا بد من ضم اخبار خمسة أشخاص آخرين إليه ليتحقق السبب التام عند المنقول إليه ويحصل له العلم بالمسبب.

(١) معطوف على «حال» والضمير للشأن ، وضمير «آثاره» راجع إلى المسبب.

(٢) هذا الضمير راجع إلى التواتر ، وضمير «به» إلى المسبب.

(٣) بصيغة المجهول ، ونائب الفاعل ضمير راجع إلى المنقول إليه ، والمراد بالموصول المسبب ، وضمير «به» في «لو علم به» راجع إلى المقدار ، يعني : لو علم المنقول إليه بذلك المقدار الّذي نقل إليه وكان كافياً في حصول القطع برأي الإمام عليه‌السلام ، فهذا التواتر حجة ، وان لم يكن ذلك المقدار الّذي أخبر به الناقل كافياً في حصول القطع بالمسبب لو علم به المنقول إليه لم يكن هذا

٣٨٢

ومن حيث السبب يثبت به (١) كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه ، كما إذا أخبر (٢) به على التفصيل ، فربما لا يكون إلّا دون حد التواتر ، فلا بدّ في معاملته معه (٣) معاملته (٤)

______________________________________________________

التواتر حجة ، بل لا بد من ضم ما يتممه إليه كما تقدم.

(١) أي : بالتواتر المنقول ، وضمير «اخباره» راجع إلى الناقل ، يعني : ومن حيث السبب يثبت بهذا التواتر المنقول إجمالا كل مقدار كان اخبار الناقل بالتواتر تفصيلا دالا عليه ، فقوله : «كما إذا أخبر به ... إلخ» مشبه به للتواتر المنقول على الإجمال ، يعني : أن التواتر المنقول على الإجمال لا بد أن يكون كالتواتر المنقول على التفصيل في افادته القطع بالمسبب للمنقول إليه ، فلو قال : «يثبت به كل مقدار كان اخباره به تفصيلا دالا عليه» كان أكثر وضوحاً واختصاراً.

(٢) بصيغة المجهول ، ونائب الفاعل ضمير راجع إلى المنقول إليه ، وضمير «اخباره» راجع إلى الناقل ، وضميرا «عليه ، به» والمستتر في «يكون» راجعة إلى المقدار.

(٣) أي : في معاملة التواتر مع المقدار الّذي هو دون حد التواتر.

(٤) هذا الضمير راجع إلى المنقول إليه ، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله ، وضمير «معه» راجع إلى المقدار الّذي هو دون حد التواتر ، وقوله : «معاملته» بالنصب مفعول مطلق نوعي لـ «في معاملته» وضميره راجع إلى التواتر التام ، وقوله : «من لحوق» متعلق بـ «فلا بدّ» يعني : فلا بدّ في معاملة المنقول إليه مع المقدار الّذي هو دون حد التواتر عنده معاملة التواتر التام من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع حد التواتر الموجب للعلم.

٣٨٣

من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحد (١). نعم (٢) لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة ولو عند المخبر لوجب ترتيبه عليه (٣) ولو لم يدل على ما بحد التواتر من (٤) المقدار (*).

______________________________________________________

(١) أي : الحد الموجب للعلم بالمخبر به.

(٢) استدراك على ما ذكره من عدم ثبوت التواتر ، وعدم ترتب الأثر عليه إذا كان نقل الاخبار إجمالا دون حد التواتر ، وحاصله : أنه إذا فرض أن أثراً شرعياً مترتب على هذا المقدار المنقول الّذي هو متواتر في الجملة ـ أي عند الناقل دون المنقول إليه ـ وجب ترتيب هذا الأثر الشرعي على هذا المتواتر في الجملة ، إذ المفروض كونه متواتراً تاماً عند الناقل وان لم يكن بمقدار التواتر المعتبر عند المنقول إليه.

(٣) أي : ترتيب الأثر على الخبر المتواتر في الجملة.

(٤) بيان للموصول في «ما بحد» يعني : ولو لم يدل هذا المقدار المنقول على المقدار المعتبر في التواتر عند المنقول إليه ، كما إذا فرض أن حد التواتر عند الناقل اخبار عشرة أشخاص وعند المنقول إليه اخبار عشرين شخصاً.

__________________

(*) ينبغي تكميل مباحث الإجماع المنقول بخبر الواحد ببيان أمور :

الأول : أن الفرق بين الإجماع وبين سائر الأدلة هو : أن الإجماع ـ أعني اتفاق أهل الفتوى على حكم ـ ليس بنفسه دليلا معتبراً على حذو اعتبار الكتاب والسنة ، بل اعتباره انما هو لأجل كشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، فمع القطع بكشفه عنه يكون حجة على الحكم ، وبدونه ـ ولو مع الظن بكشفه ـ لا حجية فيه.

نعم بناء على حجية الإجماع بنفسه وان لم يفد القطع بقول المعصوم عليه‌السلام كما ربما يستدل عليه بقوله عليه‌السلام في مقبولة ابن حنظلة : «فان

٣٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المجمع عليه لا ريب فيه» بناءً على كونه من العلة المنصوصة وإناطة حسن التعليل بعموم العلة ، حيث ان المستفاد منه حينئذ اعتبار كل ما أجمع عليه وان لم يكن رواية ـ يندرج الإجماع المنقول في خبر الواحد ، ويصير حجة من دون توقف على كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام ، ويكون وزانه في الحجية وزان أخبار الآحاد. لكن ثبت في محله بطلان الاستدلال المزبور ، واختصاص العلة المذكورة في المقبولة بالروايات ، وأن وجه حجية الإجماع هو كشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، وأن اتفاق الفتاوى بنفسه لا حجية فيه ما لم يكشف قطعياً عنه.

الثاني : أن نقل السبب ـ أعني اتفاق الكل ـ حسياً لما كان ممتنعاً عادة خصوصاً في الأعصار السابقة الفاقدة للوسائل الارتباطية بين البلاد مع انتشار أرباب الفتاوى في الأقطار وعدم كتاب فتوائي لكل واحد منهم حتى يطلع المتتبع على فتاواهم وينقلها عن حس ، فلا بدّ من توجيه نقلهم للإجماعات اما بالظفر على فتوى جماعة والاعتقاد بانحصار أرباب النّظر بهم ولو باستصحاب عدم اجتهاد غيرهم ، واما بابتناء الحكم على قاعدة يعتقد ناقل الإجماع تسلمها عند الكل ، فدعوى الإجماع مبنية على أمرين :

أحدهما : ابتناء الحكم على تلك القاعدة.

ثانيهما : تسالم الفقهاء عليها.

واما بحصول الوثوق للناقل من اتفاق جماعة من الأكابر باتفاق الكل.

وعلى كل حال لا يكون نقل السبب ـ فضلا عن نقل المسبب الّذي هو مناط حجية الإجماع ـ حسياً ، فلا يندرج الإجماع المنقول بخبر الواحد في الخبر

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الواحد الحسي أو الحدسي القريب به حتى يشمله أدلة حجية الخبر.

الثالث : أنه يعتبر في صحة الاستدلال بالإجماع أن لا يكون هناك ما يمكن التمسك به لحكم المسألة ، إذ مع وجوده يحتمل استناد المجمعين إليه ، لا إلى الإجماع ، فلا يحصل القطع بإجماع تعبدي في المسألة.

وعليه فتسقط الإجماعات عن الاعتبار في كثير من الموارد التي يذكر فيها الإجماع وغيره من الأدلة ، والإجماعات المجردة عن سائر الوجوه في غاية القلة ، وهي معدودة في أبواب الفقه. فالحق أن الإجماعات بمنزلة الشهرة ، بل هي عينها كما مر في بعض التعاليق ، فلا يمكن الاستناد إليها في الحكم الشرعي ، الا الإجماعات المتلقاة بالقبول في كل طبقة مع عدم وجه آخر يصح الاستناد إليه في الفتوى ولو رواية مرسلة ، وقد أنهاها بعض الفقهاء رضوان الله عليهم في جميع أبواب الفقه إلى خمسة وعشرين ، وآخر إلى أكثر ، وثالث إلى أقل من ذلك.

الرابع : أن المحقق النائيني على ما حكاه سيدنا الأستاذ (قدهما) عنه في مجلس الدرس «نفي البأس عن حجية الإجماع في موردين :

أحدهما : نقل الاتفاق عن جميع أرباب الفتاوى وأصحاب الأئمة عليهم‌السلام حساً ، لكشفه قطعاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

ثانيهما : نقل اتفاق خصوص أرباب الفتاوى من الصدر الأول إلى زمان ناقل الإجماع من دون اتصاله بزمان أصحاب الأئمة عليهم الصلاة والسلام ، وهذا الإجماع ـ مع القطع بورع الفقهاء وعدم إفتائهم بغير علم ـ يكشف عن ظفرهم برواية معتبرة عندهم بحيث لو ظفرنا بها كانت حجة عندنا أيضا بشرط عدم عموم أو إطلاق أو أصل يحتمل استناد المجمعين إليه ، إذ مع وجوده يخرج عن

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الإجماع التعبدي».

وأنت خبير بأن القسم الأول وان كان مفيداً قطعاً ، لكشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام بلا إشكال ، لكنه مجرد فرض ، لامتناع تحقق النقل الحسي بهذه المثابة. ومثله القسم الثاني ، إذ من الممتنع عادة كتمان أصحاب الحديث والكتب الاستدلالية لتلك الرواية المبتلى بها وعدم ضبطها في الجوامع وغيرها ، وشدة الاهتمام بإخفائها والإيصاء بعدم كتبها وعدم نقلها الا إلى الصدور ، فان ذلك مما يقطع بعدمه.

نعم مقتضى ورعهم وشدة تقواهم عدم إفتائهم إلّا بما اعتقدوا حجيته وصحة استنادهم إليه ، وهذا لا يستلزم اعتبار مستندهم عندنا أيضا.

الخامس : أن اعتبار خبر العادل الحسي يقتضي اعتبار نقل الإجماع بمعنى البناء على تصديق الناقل في نقل اتفاق الفتاوى عن حس ، وأنه لم ينقله عن حدس ، لكن مجرد ذلك لا يسوغ الاعتماد على هذا الإجماع والاستناد إليه في الحكم الشرعي ما لم يكن كاشفاً قطعياً عن رأي المعصوم عليه‌السلام في نظر المنقول إليه.

٣٨٧

فصل

مما قيل باعتباره بالخصوص (١) الشهرة في الفتوى (*)

______________________________________________________

(الشهرة الفتوائية)

(١) أي : بعنوانه الخاصّ ، لا بعنوان كونه مفيداً للظن ، وقد تعرض شيخنا الأعظم (قده) لذلك بقوله : «ومن جملة الظنون التي توهم حجيتها بالخصوص الشهرة في الفتوى الحاصلة بفتوى جل الفقهاء المعروفين ... إلخ» وقد استدل على اعتبار الشهرة بوجوه تعرض المصنف لجملة منها ، وسيأتي بيانها.

__________________

(*) لا يخفى أن للشهرة أقساماً ثلاثة :

الأول : الشهرة الفتوائية التي هي محل الكلام فعلا ، والمراد بها اشتهار الفتوى بحكم بدون العلم بمستندها.

الثاني : الشهرة من حيث الرواية بمعنى اشتهار الرواية بين الرّواة بكثرة نقلها وضبطها في كتب الحديث ، وهذه الشهرة هي التي عدها المشهور ـ على ما قيل ـ من المرجحات السندية في باب تعارض الخبرين ، ويأتي الكلام فيه في باب التعادل والترجيح إن شاء الله تعالى.

الثالث : الشهرة العملية ، وهي استناد المشهور إلى رواية في مقام الاستنباط ،

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وهذه الشهرة كما نسب إلى المشهور هي الجابرة لضعف سند الرواية ، كما أن إعراضهم عن رواية صحيحة أو موثقة موهن ومسقط لها عن الحجية بحيث يرجع إلى دليل آخر ان كان ، وإلّا فإلى الأصل العملي ، خلافاً لبعض الأعاظم ، وقد وجه ذلك في تقريراته (١) بما لفظه : «لكن الإنصاف أن جعل عمل المشهور على رواية جابراً لضعفها وإعراضهم عنها موجباً لوهنها مما لا يسعنا الالتزام به ، فان الرواية بعد فقد شرائط الحجية عنها لا يمكن العمل بها ، لكونه عملا بالظن ، فان عمل المشهور بها لا يزيد على الظن شيئاً ، وقد نهينا عن العمل به والاعتماد عليه ، كما أنه بعد اجتماع شرائط الحجية فيها لا يمكن طرحها والعمل بغيرها ، لأنه طرح لما أوجب الشارع العمل بها». وقد تعرض أيضا لذلك مفصلا في أواخر دليل الانسداد من أراد الوقوف عليه فليراجعه.

وملخص ما أفاده في ذلك : منع الانجبار بعمل المشهور كبرى وصغرى ، أما الكبرى ، فلان عملهم بخبر ضعيف لا يوجب إلّا الظن الّذي نهي عن العمل به ولا يكون توثيقاً للراوي ، وضم غير الحجة إلى مثله لا يوجب الحجية ، فوجود عمل المشهور بخبر ضعيف كعدمه. وأما الصغرى ، فلأنه لا سبيل إلى إحراز استنادهم إلى الخبر الضعيف في مقام الاستنباط ، حيث ان المدار في الجبر عند القائلين به انما هو على عمل قدماء مشهور الأصحاب باعتبار أن عملهم بخبر ضعيف مع قربهم بزمان المعصوم عليه‌السلام يكشف عن وجود قرينة دالة على صحة الخبر ، والمفروض أن كتب القدماء خالية عن الاستدلال على فتاواهم ،

__________________

(١) مباني الاستنباط ، الصفحة ٢٦٥.

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فإحراز الصغرى أصعب من إثبات الكبرى.

أقول : لا يخفى أن ما أفاده ـ بناءً على حجية الاخبار تعبداً وعلى عدم إفادة عمل المشهور برواية ضعيفة إلّا الظن ـ متين جداً ، حيث ان أدلة الاعتبار لا تشمل الخبر الضعيف الّذي عمل به المشهور ، إذ المفروض عدم اجتماع شرائط الحجية فيه ، والظن الحاصل له بعملهم ليس حجة أيضا ، بل نهي عنه. وكذا الخبر الصحيح الواجد لشرائط الحجية ، فان إعراض مشهور الأصحاب عنه لا يوجب إلّا الظن بعدم اعتباره ، وهو لا يخرجه عن عموم أدلة حجية الخبر ، لعدم اشتراط اعتباره بعدم الظن بخلافه.

وأما بناءً على حجية الاخبار ببناء العقلاء ، بمعنى : أن المعتبر هو الخبر المفيد للاطمئنان والعلم العادي ، فلا محيص عن الذهاب إلى الجبر والوهن المزبورين ، وذلك لأن الخبر الموثوق الصدور ـ وان لم يكن راويه ثقة ـ حجة سواء حصل هذا الوثوق من الراوي أو من الخارج كعمل المشهور به أو غيرهما ، ومن المعلوم أن العمل بالخبر الضعيف من المشهور الذين هم في الدرجة العليا من العلم وسعة الباع ودقة النّظر وكمال التثبت وغاية الورع والتقوي ـ بل كثير منهم ضعّفوا راوي ذلك الخبر في كتبهم الرجالية ولم يعملوا بروايته في سائر الموارد ، ومع ذلك عملوا بخبره هذا ـ يوجب تكويناً الوثوق والاطمئنان بصدور خبره ، فان عمل كل واحد من المشهور يوجب الظن بصدوره وتراكم الظنون من الأسباب الموجبة للعلم الوجداني أو العادي ، وهذا غير قابل للإنكار. واحتمال الغفلة في كل واحد منهم مدفوع بالأصل العقلائي. واستدلالهم به مع ضعفه اخبار بحجيته ، لما ظفروا به من قرينة دالة على اعتباره.

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لا يقال : ان الثابت اعتباره من الخبر هو خصوص الحسي منه.

فانه يقال : نعم ، لكن المشكوك كونه عن حس أو حدس ملحق بالخبر الحسي ، فلا يرد : أن اخبارهم عن احتفاف الخبر الضعيف بقرينة دالة على حجيته حدسي ، فلا يشمله دليل اعتبار الخبر ، هذا كله في الجبر بعمل المشهور.

ومنه يظهر : حال الوهن بإعراضهم عن الخبر الصحيح أو الموثق ، فانه يرفع عنه الوثوق بصدوره تكويناً ، وقد مر أنه مدار حجية الخبر ، فلا يكون عدم العمل به طرحاً للحجة ، ولما أوجب الشارع العمل به.

فالنتيجة : أنه لا ينبغي الإشكال في صحة الكبرى.

وأما الصغرى ، فيمكن إحرازها بالفحص عن الروايات في الجوامع المتقدمة والمتأخرة ، كإحراز عدم المخصص والمقيد للعمومات والإطلاقات به بالمقدار الموجب للقطع العادي بعدمهما ، وصحة التمسك بعده بالعموم أو الإطلاق ، ففي المقام يعلم عادة ـ بعد الفحص وعدم الظفر برواية أخرى ـ أن مستندهم هو هذا الخبر الضعيف خصوصاً بعد استدلال مثل الشيخ (قده) ممن قرب عصره بعصر القدماء بذلك.

وبالجملة : فكما يحرز بالفحص عدم المخصص والمقيد للعمومات والمطلقات ، فكذلك يحرز عدم رواية أخرى في المسألة غير الخبر الضعيف ، والمفروض عدم عموم أو إطلاق أو أصل في المسألة يمكن استناد المشهور إليه ، فيحصل القطع العادي بعدم مستند لهم سوى هذا الخبر الضعيف.

نعم يتوقف حصول هذا القطع على إتعاب النّفس بالفحص التام في الجوامع العظام ، واحتمال استنادهم إلى رواية معتبرة لم تصل إلينا بعد الاطلاع على

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بذل كمال الجهد والوسع من المحدثين في ضبط الروايات في غاية الوهن والسقوط.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أن عمل المشهور برواية ضعيفة يوجب الوثوق الشخصي بالصدور الّذي هو مناط حجية الخبر ، كما أن إعراضهم عن رواية معتبرة سنداً يرفع الوثوق عنه ، فما أفاده المشهور من الجبر والوهن هو المعتمد.

نعم لو لم يوجب عمل المشهور الوثوق الشخصي في مورد لم يعبأ به وكان وجوده كعدمه ، وكذا الاعراض ، فانه إذا لم يرفع الوثوق بالصدور عن الرواية الصحيحة في مورد لم يكن مانعاً عن حجيتها ، فليس للعمل والاعراض موضوعية لإثبات الحجية ونفيها ، بل هما طريقان لإحراز مناط الحجية وعدمها.

فان كان مراد بعض الأعاظم صورة عدم حصول الوثوق بعمل المشهور ، بل الحاصل به هو الظن الّذي نهينا عنه ، فهو متين. وان كان نفي الجبر والوهن مطلقاً ولو مع حصول الوثوق الشخصي بالصدور من عمل المشهور وارتفاعه بإعراضهم ، فلا يمكن المساعدة عليه ، فلاحظ وتأمل والله تعالى هو العالم.

هذا كله من حيث السند.

وأما من حيث الدلالة فلا يكون حمل المشهور لرواية على خلاف ظاهرها جابراً لضعف دلالتها ، ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر ، وإرادة خلاف الظاهر ولو بعمل الأصحاب أجنبية عن ظواهر الألفاظ التي هي حجة عقلائية ، فلا أثر لإعراض المشهور وعملهم بالنسبة إلى الدلالة.

٣٩٢

ولا يساعده (١) دليل [ولا دليل يساعده عليه مطلقاً] وتوهم دلالة أدلة حجية الخبر الواحد عليه بالفحوى (٢)

______________________________________________________

(١) أي : ولا يساعد القول باعتبار الشهرة بالخصوص دليل ، وأما بناءً على النسخة الثانية ، فضمير «يساعده» يرجع إلى القائل المستفاد من الكلام ، وضمير «عليه» إلى القول بالاعتبار ، يعني : ولا دليل يساعد هذا القائل بالاعتبار على قوله.

(٢) هذا هو الوجه الأول ، وقد أفاده في الرسائل بقوله : «ثم ان منشأ توهم كونها من الظنون الخاصة أمران : أحدهما : ما يظهر من بعض من أن أدلة حجية خبر الواحد يدل على حجيتها بمفهوم الموافقة ، لأنه ربما يحصل منه الظن الأقوى من الحاصل من خبر العادل ...» وتوضيحه : أن أدلة حجية خبر الواحد تدل بالأولوية على اعتبار الشهرة ، وجه الأولوية : أن مناط حجية الخبر ـ وهو الظن ـ أقوى في الشهرة ، إذ الظن الحاصل من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من الخبر ، فتكون هي أولى بالاعتبار منه ، هذا. ولا يخفى أن هذا الدليل موقوف على أمور :

الأول : القطع بأن مناط اعتبار الخبر هو الظن.

الثاني : أن هذا المناط علة للجعل لا حكمة له ، إذ لو كان حكمة له لم يتعدّ منه إلى غيره ، لما قيل من عدم اطراد الحكمة وانعكاسها ، بخلاف العلة ، فان الحكم يدور مدارها وجوداً وعدماً ، فإذا تحققت العلة في موارد أخرى ترتب عليها الحكم.

الثالث : أن الظن الناشئ من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من الخبر ، وإلّا فلا تتحقق الأولوية المسماة بالفحوى ، إذ دلالة اللفظ على معنى في مورد ـ كالمفهوم ـ بالأولوية من دلالته على ذلك المعنى في مورد آخر ـ كالمنطوق ـ

٣٩٣

لكون (١) الظن الّذي تفيده (٢) [يفيده] أقوى مما يفيده الخبر ، فيه (٣) ما لا يخفى ، ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره افادته (٤) الظن ،

______________________________________________________

منوطة بوجود مناط الدلالة في المفهوم بنحو أقوى من وجوده في المنطوق كما في آية التأفيف ، فان دلالتها على الحرمة في المفهوم ـ أعني الضرب والشتم ـ بطريق أولى من دلالتها على الحرمة في المنطوق ـ أعني قول : «أف» ـ انما هي لأن مناط الحرمة ـ وهو الإيذاء ـ في المفهوم أقوى منه في المنطوق.

وبالجملة : فالتشبث بالفحوى ـ وهي دلالة اللفظ على المفهوم الموافق بالأولوية ـ منوط بهذه الأمور ، ومنعه يتحقق بمنع بعضها.

(١) تعليل لقوله : «بالفحوى» وتقريب له ، وضمير «عليه» راجع إلى اعتبار الشهرة بالخصوص.

(٢) أي : الظن الّذي تفيده الشهرة أقوى من الظن الّذي يفيده الخبر.

(٣) خبر قوله : «وتوهم» ودفع له ، وحاصل ما أفاده في دفعه وجهان ، أشار إلى أولهما بقوله : «ضرورة» وهو رد للأمر الأول من الأمور الثلاثة المتقدمة ، وحاصله : أنه لم يحصل القطع بأن المناط في اعتبار الخبر هو الظن ، فان أدلة اعتبار خبر الواحد لا دلالة فيها على أن المناط في حجيته ذلك ، فلا بدّ من استنباط هذه العلة من الخارج ، ومن المعلوم عدم سبيل إلى حصول القطع بأن الظن علة لحجية الخبر ، بل غايته أنها علة مستنبطة ظنية ، فتكون الأولوية حينئذ ظنية لا قطعية ، ولا دليل على اعتبار الظن بأن المناط هو الظن ، فالأصل عدم حجيته.

(٤) الضميران راجعان إلى الخبر ، وضمير «دلالتها» إلى أدلة حجية الخبر.

٣٩٤

غايته تنقيح ذلك (١) بالظن ، وهو (٢) لا يوجب إلّا الظن بأنها أولى بالاعتبار ، ولا عبرة به. مع (٣) أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط غير (٤) مجازفة (*).

______________________________________________________

(١) أي : المناط ، وغرضه : أن تنقيح المناط ظني ، ولم يثبت اعتباره ، فوجوده كعدمه.

(٢) أي : الظن ، يعني : أن الظن بكون مناط حجية الخبر هو الظن لا يوجب إلّا الظن بأولوية الشهرة من الخبر في الاعتبار ، ومن المعلوم أنه لا عبرة بالظن بالأولوية ، بل لا بد من القطع بها ، فضمير «به» راجع إلى الظن بالأولوية.

(٣) هذا هو الإيراد الثاني على الدليل الأول أعني الأولوية ، وقد أفاده شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «مع أن الأولوية ممنوعة رأساً ، للظن بل العلم بأن المناط والعلة في حجية الأصل ليس مجرد إفادة الظن» وحاصله : منع تنقيح المناط الظني المزبور ، والقطع بعدمه ، يعني : انّا نقطع بعدم كون مناط اعتبار الخبر هو الظن ، وذلك لحصول الظن من غير الخبر أيضا كفتوى الفقيه الموجبة لظن فقيه آخر بالحكم الشرعي ، مع أنها ليست حجة عليه حتى تكون سنداً له على الحكم الشرعي ، وكعدم حصول الظن من الخبر أحياناً مع كونه حجة ، والانفكاك بين الظن والحجية كاشف عن عدم كون مناط اعتبار الخبر هو الظن.

(٤) خبر «دعوى» وضمير «بأنه» راجع إلى الظن ، ووجه عدم المجازفة ما عرفته من تخلف الحجية عن الظن بقولنا : «لحصول الظن من ... إلخ».

__________________

(*) قد عرفت أن القطع بكون المناط هو الظن لا يفيد في الأولوية إذا لم يحرز كونه بنحو العلة لا الحكمة ، فالتفكيك الّذي تعرض له المصنف (ره) وان كان يمنع الأولوية ، لكنه لا يمنع عن أن يكون المناط بنحو الحكمة هو الظن ، ومقصوده من المناط هو العلة ، لإناطة الأولوية بها.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وبالجملة : فما أفاده في الجوابين يرجع إلى منع كون مناط حجية الخبر هو الظن كما هو واضح.

ثم ان للشيخ الأعظم (قده) وجهاً آخر في الجواب ، وهو قوله : «وأضعف من ذلك تسمية هذه الأولوية في كلام ذلك البعض مفهوم الموافقة ، مع أنه ما كان استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظي الدال على حكم الأصل مثل قوله تعالى : ولا تقل لهما أف» وأورد عليه المصنف في حاشيته على الرسائل بما لفظه : «لا يخفى أنه يمكن تقريب دلالة بعض أدلة حجية الخبر الواحد بمفهوم الموافقة على حجية الشهرة مثل آية النبأ ، بأن يقال : انه لما كانت هذه الآية مفصلة بين الفاسق والعادل منطوقاً ومفهوماً مع تعليل الحكم في طرف المنطوق بعدم إصابة القوم بالجهالة وحصول الندم بذلك كانت دالة من حيث دلالتها المفهومية عرفاً على حجية كل أمارة كانت أقوى ظناً وأبعد من الإصابة بالخطإ من خبر العدل بطريق أولى ..

إلى أن قال : فعلى هذا يكون استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظي الدال على حكم الأصل ، فيكون تسميتها بمفهوم الموافقة في محله ... إلخ».

وأنت خبير بعدم إمكان المساعدة عليه ، لابتنائه على أمرين :

أحدهما : اختصاص التعليل بالمنطوق ، وهو خلاف ما عن أبناء المحاورة من إناطة حسن التعليل بعموم العلة نظير قول الطبيب للمحموم مثلا : «لا تأكل الرمان ، لأنه حامض» إذ من البديهي عموم النهي لكل حامض ، وعدم اختصاصه بالرمان.

وعليه فالتعليل في آية النبأ لا يختص بالمنطوق ، فكل خبر غير علمي يجب التبين فيه وان لم يكن الجائي به فاسقاً ، وهذا التعليل مانع عن تحقق المفهوم.

٣٩٦

وأضعف منه (١) توهم دلالة المشهورة (٢) [المرفوعة]

______________________________________________________

(١) أي : من توهم الأولوية ، وسيأتي وجه الأضعفية.

(٢) هذا هو الوجه الثاني من وجوه حجية الشهرة الفتوائية ، وحاصله : دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة على ذلك ، والمرفوعة هي المروية في غوالي اللئالي عن العلامة مرفوعة إلى زرارة ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال يا زرارة : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر ، قلت : يا سيدي انهما معاً مشهوران مأثوران عنكم ، قال : خذ بما يقوله أعدلهما ...» وتقريب

__________________

ثانيهما : دلالة الآية على المفهوم وعلى إناطة حجية خبر العادل بإفادته الظن حتى يدل على حجية الظن الأقوى منه كالحاصل من الشهرة بالفحوى.

وكلاهما ممنوع ، أما الأول ، فلما عرفت من كون عموم التعليل مانعاً عنه.

وأما الثاني ، فلان المفهوم بعد تسليمه لا يقتضي إلّا حجية خبر العادل وعدم وجوب تحصيل العلم به ، فلو لم يفد خبره الظن بل ظن خلافه كان حجة أيضا ، فلا يدل المفهوم على حجية الظن أصلا في خبر العادل حتى يستدل به على حجية الظن الأقوى منه الحاصل من الشهرة أو غيرها بالأولوية ، هذا.

مع أنه يمكن أن يقال : ـ بعد تسليم المفهوم ودلالته على اعتبار الظن الحاصل من نبأ العادل ـ انه خارج عما اصطلحوا عليه من مفهوم الموافقة ، لاعتبار كون ما يدل على حكم الأصل هو المنطوق كقوله تعالى : «ولا تقل لهما أف» الدال بالأولوية على حرمة الشتم والضرب ونحوهما ، وعدم كفاية المفهوم في الدلالة على حكم الأصل كما ادعاه المصنف في آية النبأ. فما أفاده شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «وأضعف من ذلك تسمية هذه الأولوية ... إلخ» في غاية المتانة ولا يرد عليه ما ذكره المصنف ، فتأمل جيداً.

٣٩٧

والمقبولة (١)

______________________________________________________

الاستدلال بها : أن الموصول في قوله : «خذ بما اشتهر» مطلق ، فيكون المعنى : خذ بكل شيء اشتهر بين أصحابك ، والشهرة الفتوائية من مصاديق الشيء المشهور ، فيجب الأخذ بها ، وقد تعرض له شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «بناء على أن المراد بالموصول مطلق المشهور رواية كان أو فتوى» (*).

(١) وهي ما رواه المشايخ الثلاثة عن عمر بن حنظلة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث» (١) الحديث ، وقد نقل قسماً منها شيخنا الأعظم ، ثم قال : «بناءً على أن المراد بالمجمع عليه في الموضعين هو المشهور بقرينة إطلاق المشهور على ما يقابل الشاذ في قوله : ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور ، فيكون في التعليل بقوله : فان المجمع عليه ... إلخ دلالة على أن المشهور مطلقاً مما يجب العمل به وان كان مورد التعليل الشهرة في الرواية ... إلخ» ومحل الاستشهاد بها على ما أفاده المصنف (قده) أيضا هو قوله عليه‌السلام ـ بعد فرض تساوي الراويين في العدالة ـ : «ينظر إلى

__________________

(*) وللشيخ الأعظم تقريب آخر للاستدلال بالمشهورة مبني على إطلاق الصلة ـ أعني قوله عليه‌السلام : «اشتهر» ـ وهو ما أفاده بقوله : «أو أن إناطة الحكم بالاشتهار يدل على اعتبار الشهرة بنفسه وان لم يكن في الرواية» الظاهر في علية الشهرة بما هي شهرة لترجيح الخبر المشهور على غيره ، فيدل على اعتبار الشهرة مطلقاً سواء كانت في الفتوى أم في الخبر أم غيرهما ، هذا.

لكن يمكن أن يقال : ان إطلاق الصلة لما كان بمقدمات الحكمة التي منها عدم ما يصلح للتقييد ، ومن المعلوم أن الموصول ـ المراد به الخبر ـ صالح لذلك ، فلا ينعقد إطلاق للصلة. نعم تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، لكن لا عبرة بالإشعار ، لعدم اندراجه في الظهورات التي هي حجة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث : ١ ، ص ٩٨.

٣٩٨

عليه (١) ، لوضوح (٢) أن المراد بالموصول في قوله عليه‌السلام في

______________________________________________________

ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فان المجمع عليه لا ريب فيه ... الحديث» وتقريب الاستدلال به ما تقدم في المرفوعة ، بل هو هنا أظهر مما سبق ، لاشتماله على التعليل بقوله عليه‌السلام : «فان المجمع عليه لا ريب فيه» بعد ظهوره في المشهور ، إذ يدل على أن كل مشهور لا ريب فيه ، فيشمل الشهرة الفتوائية.

(١) أي : على اعتبار الشهرة.

(٢) تعليل لقوله : «وأضعف منه» وجواب عن الوجه الثاني من وجوه حجية الشهرة في الفتوى ، وهو الاستدلال بالروايتين ، وحاصله : منع الإطلاق فيهما ، لأن المراد بالموصول ـ أعني : «ما اشتهر في المرفوعة» و «ما كان» في المقبولة ـ هو خصوص الرواية ، فلا إطلاق في الموصول حتى يشمل كل مشهور وان كان فتوى المشهور. ووجه إرادة خصوص الرواية من الموصول واضح ، أما في المقبولة فللتصريح بذلك بقوله عليه‌السلام : «من روايتهم عنا ... إلخ». وأما في المشهورة فلقول الراوي بعد ذلك : «قلت جعلت فداك انهما معاً مشهوران» فانه قرينة على أن المراد بـ «ما اشتهر» هو خصوص الرواية. وإنكار قرينيته ـ كما في بعض الحواشي ـ لا وجه له ، وخارج عن طريقة المحاورات العرفية الملحوظة في باب الاستظهارات من الألفاظ كما لا يخفى. وقد أجاب الشيخ الأعظم عن الرواية الأولى بقوله : «يرد عليها مضافاً إلى ضعفها ... إلى أن قال : أن المراد بالموصول خصوص الرواية المشهورة من الروايتين دون مطلق الحكم المشهور ... إلخ» فراجع.

٣٩٩

الأولى : «خذ بما اشتهر بين أصحابك» وفي الثانية : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به» هو الرواية (*)

______________________________________________________

ثم ان وجه أضعفية التمسك بالروايتين من الوجه الأول ـ أعني الفحوى ـ بناء على أن مورد الاستدلال فيهما هو إطلاق الموصول كما في المتن واضح ، إذ مناط الاستدلال حينئذ هو جعل الموصول كل مشهور ، وهو خارج عن طريقة أبناء المحاورة في الاستظهار ، ضرورة وجود قرينة ـ بل قرائن ـ على أن المراد بالموصول هو خصوص الخبر. وهذا بخلاف الفحوى ، إذ حجية المفهوم الموافق مما لا كلام فيه ، غاية الأمر منع إناطة حجية الخبر بالظن ، هذا.

وأما بناء على أن مورد الاستدلال فيهما هو إطلاق الصلة أعني قوله عليه‌السلام في المرفوعة : «اشتهر بين أصحابك» وفي المقبولة «المجمع عليه بين أصحابك» المعلل بقوله عليه‌السلام : «فان المجمع عليه لا ريب فيه» فلا وجه للأضعفية كما لا يخفى على المتأمل.

__________________

(*) لكن الحق أن مورد الاستدلال بالمقبولة ليس هو قوله عليه‌السلام : «ما كان من روايتهم ... إلخ» إذ لا مجال له بعد كون «من روايتهم» بياناً للموصول ، فالمتعين الاستدلال بقوله : «فان المجمع عليه» بعد إرادة المشهور منه ، إذ المدار حينئذ على الشهرة مطلقاً وان كانت في الفتوى على ما هو قضية العلة المنصوصة ، هذا.

ثم ان الظاهر من هذا الجواب ـ أعني استظهار إرادة خصوص الرواية من الموصول ـ هو كون نظر المصنف (ره) في الاستدلال إلى إطلاق الموصول

٤٠٠