منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

بهذا الخطاب وان كان (١) لا يمكن أن يكون ملحوظاً [ملحوظة] لأجل المحذور. وإلى (٢) عدم القول بالفصل بينه (٣) وبين سائر الآثار في وجوب (٤) الترتيب لدى الاخبار بموضوع صار أثره الشرعي وجوب التصديق وهو (٥) خبر العدل ولو (٦) بنفس الحكم في الآية ،

______________________________________________________

اعتبار خبر العادل.

(١) أي : وان كان لا يمكن أن يكون الأثر ـ وهو وجوب التصديق ـ ملحوظاً وشاملا لوجوب التصديق لفظاً لأجل محذور اتحاد الحكم والموضوع ، ولكن يشمله مناطاً كما عرفت.

(٢) عطف على «إلى القطع» وهذا هو الوجه الثالث من وجوه الجواب عن الإشكال ، وحاصله : أنه لم يوجد قول بالفصل بين وجوب التصديق وبين غيره من الآثار في وجوب ترتيبه على خبر العادل ، فيجب ترتيب كل أثر شرعي على خبره وان كان هو وجوب تصديقه.

(٣) أي : بين الأثر المذكور ـ وهو وجوب التصديق ـ وبين سائر الآثار كجواز الائتمام وتحمل الشهادة وقبولها عند أدائها وغيرها من آثار العدالة.

(٤) متعلق بـ «عدم القول» وقوله : «لدى» ظرف متعلق بـ «وجوب» وقوله : «صار» صفة لـ «موضوع».

(٥) أي : الموضوع الّذي صار أثره الشرعي وجوب التصديق هو خبر العدل.

(٦) قيد لـ «صار أثره» أي : ولو كانت صيرورة أثره الشرعي وجوب التصديق بسبب نفس وجوب التصديق المستفاد من الآية الشريفة ، فوجوب التصديق الّذي صار موضوعاً يكون نظير جواز الائتمام بالعادل في موضوعيته لوجوب تصديق العادل الّذي أخبر بعدالة زيد ، ولا فرق في وجوب ترتيب هذه الآثار

٤٦١

فافهم (١).

ولا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك (٢) للإشكال في خصوص الوسائط (٣) من الاخبار ، كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا بأنه (٤) لا يكاد يكون خبراً تعبداً إلّا بنفس الحكم بوجوب

______________________________________________________

بين أثر وأثر آخر.

(١) لعله إشارة إلى : أن المجدي هو القول بعدم الفصل لا عدم القول به ، والأول غير ثابت. أو إلى : أن عدم القول بالفصل وان سلم كونه مجدياً في سائر المقامات ، لكنه لا يجدي في المقام ، لاحتمال استناده إلى أحد الوجهين المتقدمين.

(٢) أي : بما ذكر من الوجوه الثلاثة المتقدمة في دفع الإشكال ، وقوله : «للإشكال» متعلق بـ «لا مجال».

(٣) يعني : ـ بعد دفع الإشكال المذكور عن الاخبار الواسطة بجميع مراتبها ـ لا مجال لإيراده على خصوص الوسائط دون مبدأ سلسلة السند ومنتهاها ، بأن يقال : ان الإشكال لا يرد على مبدأ السلسلة كالشيخ الطوسي (قده) لأنه يخبرنا عن حس ، ولا على منتهاها كالصفار لترتب الأثر الشرعي ـ وهو حكم الإمام عليه‌السلام ـ عليه ، بل يرد على ما بين المبدأ والمنتهى ، فهو ـ كما سيأتي تقريبه ـ مختص بالوسائط ، وهم ما بين من روى عن الإمام عليه‌السلام كالصفار وزرارة وبين الشيخ الطوسي والكليني (قدس الله أسرارهم) فان ثبوت خبر المفيد وغيره انما هو بالتعبد ـ أي بوجوب تصديق خبر الشيخ ـ فيتحد الحكم والموضوع ، كما أنه لا أثر له غير وجوب التصديق الآتي من قبل الآية الشريفة.

(٤) متعلق بـ «للإشكال» وبيان له ، وضميره راجع إلى خبر الصفار ، وقد

٤٦٢

تصديق العادل الشامل للمفيد ، فكيف يكون (١) هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبداً مثلا حكماً (٢) له أيضا (٣)

______________________________________________________

نبه على هذا الإشكال شيخنا الأعظم (قده) ـ بعد جوابه عن دعوى الانصراف ـ بقوله : «ولكن قد يشكل الأمر بأن ما يحكيه الشيخ عن المفيد صار خبراً للمفيد بحكم وجوب التصديق ، فكيف يصير موضوعاً لوجوب التصديق الّذي لم يثبت موضوع الخبرية الا به» وحاصله : أن الآية ونحوها لا تشمل الخبر مع الواسطة ، إذ بوجوب تصديق الشيخ المستفاد من «صدق العادل» المدلول عليه بآية النبأ يثبت «حدثني المفيد» تعبداً ، فهذه الجملة ـ أعني «حدثني المفيد» ـ قد تولدت من «صدق العادل» فهي متأخرة عنه ، فلا يمكن أن يشملها «صدق العادل» لأن مقتضى شموله لها ترتبه عليها ، وهو يقتضي تقدمها عليه ، لأنها تكون بمنزلة الموضوع للحكم المستفاد من «صدق العادل» ، والموضوع مقدم رتبة على الحكم ، فلو شمل «صدق العادل» المستفاد من الآية الاخبار الوسائط لزم تقدم الحكم على الموضوع ، ومن المعلوم استحالته ، لتأخر الحكم عن الموضوع رتبة.

(١) هذا هو منشأ الإشكال وهو استحالة تولد الموضوع ـ أعني نفس خبر العدل كخبر المفيد ـ من الحكم أعني وجوب التصديق ، فالإشكال حينئذ يكون من جهة علية الحكم لوجود الموضوع ولو تعبداً ، وما يتولد منه الموضوع كيف يكون حكماً له؟ وبعبارة أخرى : كيف يكون «صدق العادل» حكماً لما يتولد هو منه وهو «حدثني المفيد».

(٢) خبر «يكون» وضمير «له» راجع إلى خبر الصفار ، و «تعبدا» قيد لـ «المحقق» والمراد بهذا الحكم هو وجوب التصديق.

(٣) يعني : ككونه محققاً لموضوعيته. وبتعبير آخر وجوب التصديق

٤٦٣

وذلك (١) لأنه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند اخبار العدل به (٢) كسائر (٣) ذوات الآثار من الموضوعات ، لما عرفت (٤) من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر

______________________________________________________

ـ الّذي يحقق خبرية خبر الصفار مثلا ويجعله موضوعاً ـ لا يمكن أن يكون بنفسه حكماً له أيضا ، وحق العبارة أن تكون هكذا : «المحقق لخبر الصفار مثلا حكماً له تعبداً أيضا».

(١) تعليل لقوله : «لا مجال» ودفع للإشكال المزبور على خصوص الوسائط ، وحاصله : أن ما تقدم من الوجوه الثلاثة في الجواب عن الإشكال المزبور جار بعينه هنا ، لأن منشأ الإشكال هو لحاظ أفراد الأثر موضوعاً لوجوب التصديق دون ما إذا كان الملحوظ طبيعة الأثر ، فإذا لوحظت طبيعة الأثر موضوعاً لم يرد الإشكال ، لأن طبيعة الأثر لا تكون ناشئة عن نفس الحكم بوجوب التصديق حتى يلزم محذور اتحاد الحكم والموضوع. كما أننا نقطع بعدم الفرق بين الآثار الأخرى المترتبة على ما أخبر به العادل وبين هذا الأثر أعني وجوب التصديق. هذا مضافاً إلى عدم القول بالفصل في ترتيب الآثار بين أثر وأثر آخر.

(٢) هذا الضمير وضميرا «أثره ، عليه» راجع إلى خبر العدل.

(٣) كنفس العدالة التي هي موضوع لترتيب آثارها ـ من جواز الائتمام به وقبول شهادته ـ عليها ، فقوله : «من الموضوعات» بيان لمحذوف ، وهو «أشياء» أي : كسائر الأشياء ذوات الآثار.

(٤) تعليل لقوله : «وجب ترتيب أثره».

٤٦٤

بنحو (١) القضية الطبيعية (٢) ، أو لشمول الحكم فيها له (٣) مناطاً وان لم يشمله لفظاً ، أو لعدم القول بالفصل (٤) ، فتأمل جيداً.

ومنها : آية النفر (١) ، قال الله تبارك وتعالى : «فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة» الآية ، وربما يستدل بها من وجوه :

أحدها : أن كلمة لعل (٥) وان [ولو] كانت مستعملة على التحقيق

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «الحاكي» والمراد بالخبر هنا «صدق العادل» المستفاد من آية النبأ.

(٢) كما هو مقتضى الوجه الأول.

(٣) أي : شمول الحكم في الآية للخبر الحاكي مناطاً وان لم يشمل الخبر الحاكي لفظاً كما هو مقتضى الوجه الثاني.

(٤) كما هو مقتضى الوجه الثالث.

٢ ـ آية النفر

(٥) توضيحه : أنه قد تقدم في مبحث الأوامر أن الصيغ الإنشائية التي ينشأ بها التمني والترجي والاستفهام يكون إنشاؤها تارة بداعي ثبوت هذه الصفات حقيقة ، وأخرى يكون إنشاؤها بداع آخر كصيغة الأمر ، حيث انه قد يكون الداعي إلى إنشاء الطلب بها هو الطلب حقيقة ، وقد يكون غيره من الإنذار والإهانة والتعجيز وغيرها ، وعلى كلا التقديرين تكون كلمة «لعل» مستعملة في إنشاء الترجي ، فان قلنا بأنها حقيقة في إنشاء الترجي فيما إذا كان الإنشاء بداعي الترجي الحقيقي ، ومجاز فيما إذا كان بداع آخر غير الترجي الحقيقي ، فلا محيص عن

__________________

(١) التوبة ، الآية ١٢٢.

٤٦٥

في معناها الحقيقي ، وهو الترجي الإيقاعي الإنشائي (١) ، إلّا أن الداعي

______________________________________________________

الالتزام بكونها مجازاً إذا وقعت في كلامه تبارك وتعالى ، لاستلزامه الجهل بوقوع الأمر المرجوّ ، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي ـ فيما نحن فيه ـ هو المحبوبية وان لم يكن الترجي بمعنى المحبوبية في كلام غيره تعالى ، لأن الترجي هو الترقب من غير فرق بين تعلقه بمحبوب أو مكروه.

وان قلنا بأنها حقيقة في إنشاء الترجي وان كان بداع آخر غير الترجي الحقيقي فاستحالة كونها بمعنى الترجي الحقيقي في حقه تعالى أوضح ، إذ المفروض عدم كونها مستعملة في كلامه تعالى في معنى مجازي غير الترجي ، والترجي سواء كان بداعي الترجي الحقيقي أو غير الحقيقي مستحيل في حقه تعالى ، لما تقدم من استلزامه الجهل بالأمر المرجوّ ، فلا بدّ أن تكون بمعنى المحبوبية. وعلى كل حال فمدخول كلمة «لعل» في خصوص المقام يكون محبوباً ، لأنه غاية للإنذار المأمور به ، وإذا ثبتت محبوبيته ثبت وجوبه شرعاً ، لعدم القول بالفصل بين محبوبية مدخولها وبين وجوبه ، يعني كل من قال بمحبوبية مدخولها قال بوجوبه ، ولم يقل أحد بمحبوبية مدخولها وعدم وجوبه ، وسيأتي لهذا مزيد توضيح.

وقد تعرض للاستدلال بهذه الآية شيخنا الأعظم ، قال بعد نقل الآية : «دلت على وجوب الحذر عند إنذار المنذرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة ، فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد ، أما وجوب الحذر فمن وجهين : أحدهما : أن لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجي ظاهرة في كون مدخولها محبوباً للمتكلم ، وإذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه ، اما لما ذكره في المعالم من أنه لا معنى لندب الحذر ، إذ مع قيام المقتضي يجب ، ومع عدمه لا يحسن. واما لأن رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالإجماع المركب ، لأن كل من أجازه فقد أوجبه».

(١) حيث ان معنى كلمة «لعل» إنشاء الترجي ولو كان بدواع مختلفة ، وليس

٤٦٦

إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي كان (١) هو محبوبية التحذر عند الإنذار ، وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعاً (٢) لعدم (٣) الفصل ، وعقلا (٤)

______________________________________________________

معناها الصفة القائمة بالنفس حتى يستحيل في حقه تعالى ، وضمير «إليه» راجع إلى الترجي.

(١) جواب «حيث» أي : كان الداعي إلى الترجي محبوبية التحذر ، وضميرا «وجوبه ، محبوبيته» راجعان إلى التحذر.

(٢) قيد لـ «وجوبه» وان أمكن جعله قيداً لـ «ثبت» الثاني.

(٣) تعليل لـ «ثبت وجوبه» يعني : أن دليل وجوب الحذر شرعاً بمعنى حجية الخبر الواحد هو الإجماع المركب ، حيث ان الأصحاب بين من لا يجوز العمل بخبر الواحد كالسيد المرتضى وأتباعه ، وبين من يجوزه ويلتزم بحجيته بمعنى وجوب العمل به ، فالقول بجواز العمل ورجحانه دون وجوبه خرق للإجماع المركب ، كما تقدم في عبارة الشيخ الأعظم (قده).

(٤) عطف على «شرعاً» وهو إشارة إلى الملازمة العقلية الموجودة بين حسن الحذر ووجوبه كما تقدم في كلام الشيخ الأعظم عن صاحب المعالم (قدهما) وحاصله : أن الحذر هو الاحتراز عما فيه الخوف كالعقوبة ، ومن المعلوم أنه لا يوجد الخوف الا مع وجود المقتضي له من قيام حجة على التكليف ، فالعقوبة حين وجود مقتضي الخوف معلومة أو محتملة باحتمال منجز ، فيجب عقلا الحذر عن العقوبة المعلومة أو المحتملة ، لارتفاع عدم البيان الّذي هو الموضوع لحكم العقل بعدم العقاب ، ومع عدم المقتضي للخوف ـ يعني عدم الحجة على التكليف ـ لا حسن للحذر ، إذ لا خوف من العقوبة مع عدم البيان الّذي هو المؤمن العقلي

٤٦٧

لوجوبه (١) مع وجود ما يقتضيه ، وعدم حسنه (٢) ، بل عدم إمكانه (٣) بدونه.

ثانيها (٤)

______________________________________________________

على عدم العقاب حتى يحسن الحذر منه ، فيستكشف إنّا من وجوب الحذر المترتب على الإنذار حجية قول المنذر ، وكون قوله بياناً رافعاً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

والحاصل : أنه ان استند لإثبات حجية الخبر إلى الإجماع المركب كان مدلوله حكماً شرعياً ، فالخبر الواحد حجة شرعاً. وان استند إلى حكم العقل كان مدلوله حكماً عقلياً ، إذ الملاك في حجية الخبر حينئذ هو دفع محذور المخالفة ، فيكون وجوب العمل بالخبر حكماً عقلياً.

(١) تعليل للوجوب العقلي وبيان له ، وقد عرفت توضيحه ، وضميره وكذا ضمائر «يقتضيه ، حسنه ، إمكانه» راجع إلى التحذر.

(٢) لما عرفت من أنه مع عدم المقتضي له لا خوف حتى يحسن الحذر ، لوجود المؤمن حينئذ.

(٣) لأن عدم العقاب بدون الحجة على التكليف قطعي ، فلا يمكن الخوف منه. وضمير «بدونه» راجع إلى الموصول في «ما يقتضيه» المراد به الموجب للحذر.

(٤) توضيحه : دعوى الملازمة بين الإنذار الواجب بسبب كونه غاية للنفر الواجب وبين وجوب الحذر. أما وجوب النفر ، فلدلالة «لو لا» التحضيضية عليه ، لأن حروف التحضيض ـ وهي «لو لا ، لو ما ، الا ، ألّا ، هلا» ـ إذا دخلت على المضارع أفادت طلب الفعل والحث والترغيب عليه ، وإذا دخلت على الماضي ـ كما في الآية الشريفة ـ أفادت الذم والتوبيخ على تركه ، قال في شرح الجامي : «فمعناها ـ أي فمعنى حروف التحضيض ـ إذا دخلت على

٤٦٨

أنه لمّا وجب الإنذار لكونه (١) غاية للنفر الواجب ، كما هو (٢) قضية كلمة «لو لا» التحضيضية وجب (٣) التحذر ، وإلّا لغا (٤) وجوبه.

ثالثها (٥)

______________________________________________________

الماضي التوبيخ واللوم على ترك الفعل ، ومعناها في المضارع الحض على الفعل والطلب له» هذا ، ومن المعلوم أنه لا يحسن الذم والتوبيخ على ترك شيء إلّا إذا كان واجباً ، فلا بد وأن يكون النفر واجباً ، لتوجه الذم على تركه. وأما وجوب الإنذار ، فلما ذكره في المتن من كونه غاية للنفر الواجب ، وما هو غاية للواجب واجب. وأما وجوب الحذر فلأنه لو لم يجب الحذر بقبول قول المنذر والعمل به لغا وجوب الإنذار ، إذ لا معنى لوجوب الإنذار مع عدم وجوب العمل بقول المنذر ، نظير ما يأتي في آيتي الكتمان والسؤال من أن وجوب الإظهار والسؤال ملازم للقبول ، فمناط هذا الوجه هو لغوية وجوب الإنذار إذا لم يكن القبول واجباً.

(١) أي : لكون الإنذار غاية للنفر ، لدخول «لام» الغاية عليه مثل «ليتفقهوا»

(٢) أي : وجوب النفر مقتضى كلمة «لو لا» كما عرفت توضيحه.

(٣) جواب «لمّا».

(٤) أي : وان لم يجب التحذر مع وجوب الإنذار لزم لغوية وجوب الإنذار ، فضمير «وجوبه» راجع إلى الإنذار.

(٥) أي : ثالث وجوه الاستدلال بآية النفر : أن التحذر جعل في الآية غاية للإنذار الواجب ، لوقوع «لعل» هنا موقع الغاية ، نظير قوله : «أسلم لعلك تفلح» وقوله تعالى : «لعلكم تتقون» و «لعلكم تفلحون» وغير ذلك مما ورد في الكتاب المجيد ، وحينئذ فالغاية المترتبة على الإنذار الواجب ـ لكونه غاية للنفر الواجب ـ هي الحذر ، وغاية الواجب واجبة ، فيكون الحذر واجباً.

٤٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والفرق بين هذه الوجوه الثلاثة : أن الوجه الأول ناظر إلى دعوى الملازمة بين محبوبية الحذر عند الإنذار وبين وجوبه شرعا وعقلا ، والثاني ناظر إلى لزوم لغوية وجوب الإنذار لو لم يجب الحذر ، والثالث إلى دعوى الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر ، لكونه غاية للإنذار كوجوب نفس الإنذار ، لكونه غاية للنفر الواجب ، وقد أفاد هذين الوجهين الثاني والثالث شيخنا الأعظم بقوله : «الثاني ـ يعني من طرق إثبات وجوب الحذر ـ أن ظاهر الآية وجوب الإنذار لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا ، فإذا وجب الإنذار أفاد وجوب الحذر ، لوجهين (*) : أحدهما : وقوعه غاية للواجب ، فان الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الأمر بانتفائه ، ... إلى أن قال : الثاني : أنه إذا وجب الإنذار ثبت وجوب القبول ، وإلا لغا الإنذار ... إلخ» فراجع.

ولا يخفى أن الشيخ (قده) جعل منشأ وجوب الحذر وجهين : أحدهما : ظهور «لعل» في المحبوبية ، ثانيهما وجوب الإنذار ، وجعل هذا الوجه الثاني أيضا وجهين ، كما عرفت من عبارته المتقدمة. لكن المصنف (قده) جعل في المتن كلا من الوجه الأول ووجهي الوجه الثاني وجهاً مستقلا للاستدلال بآية

__________________

(*) الظاهر أن الملاك في كلا الوجهين لزوم اللغوية ، إذ لو لم يجب الحذر لزم لغوية وجوب الإنذار ، حيث انه مع الغض عن اللغوية لا دليل على وجوب ما هو غاية للواجب وان قلنا بوجوب العكس ـ وهو وجوب المقدمة بوجوب ذيها ـ ، لكنه أجنبي عن المقام ، لكون الإنذار الواجب مقدمة للحذر ، ومقتضاه إثبات وجوب الإنذار بوجوب الحذر ، مع أن المطلوب إثباته عكس ذلك ، إذ المقصود الاستدلال على وجوب الحذر بوجوب الإنذار.

٤٧٠

أنه جعل غاية للإنذار الواجب ، وغاية الواجب واجبة (*).

______________________________________________________

النفر ، حيث جعل الاستدلال بها من وجوه ثلاثة ـ كما تقدم ـ وجعل أول وجهي الوجه الثاني من كلام الشيخ (قده) وجهاً ثالثاً لكلام نفسه ، والوجه الثاني منهما وجهاً ثانياً لكلامه ، فلاحظ.

__________________

(*) وزاد في حاشية الرسائل تقريباً رابعاً للاستدلال بالآية ، فقال : «انه ـ أي إيجاب الإنذار ـ مستلزم له ـ أي لوجوب الحذر ـ عرفاً وان لم يكن بينهما لزوم لا عقلا ولا شرعاً» ثم ناقش فيه بقوله : «ان الاستلزام عرفاً انما هو بين إيجاب إظهار الواقع والإنذار به وبين لزوم قبوله على تقدير إحرازه لا تعبداً ، وهذا واضح لا سترة عليه».

أقول : لو تم الاستدلال بالآية الشريفة اقتضى ذلك حجية قول المنذر ـ بالكسر ـ والبناء على أنه هو الواقع في ظرف الشك.

وبعبارة أخرى : تدل الآية الشريفة على أن ما ينذر به النافر هو الواقع تعبداً ، فيجب القبول ، فلا يلزم أن يكون التمسك بها مع عدم إحراز كون ما ينذر به هو الواقع تشبثاً بالعامّ في الشبهة المصداقية.

هذا ، لكن الكلام كله في صحة الاستدلال بالآية الشريفة ، لقوة احتمال أن يراد بالإنذار الاعلام بما تفقهوا فيه وتعلموه من الأحكام ، فيكون الإنذار اخباراً بالاحكام المعلومة لهم ، فالمستفاد من هذه الآية المباركة وجوب تعليم النافرين وإرشادهم للجاهلين إلى معالم الدين ، والتعليم يوجب علم المتعلم ، فكأنه قيل : «ليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم» فالحذر حينئذ عبارة عن العمل الناشئ عن العلم ، لا مجرد العمل ولو تعبداً ، نظير الأمر بسؤال أهل العلم ، وسؤال الأعرابي عن الطريق مثلا ، و «أن لكل داء دواء ودواء الجهل السؤال» فان السؤال انما هو لتحصيل العلم ، وكذلك الدواء ، فانه رافع للمرض ، فالسؤال دواء رافع

٤٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لمرض الجهل ، وكذلك تعليم النافرين المتفقهين في الدين والعالمين بأحكامه ، فانه يوجب علم الجاهلين المنذرين ـ بالفتح ـ فتكون الآية المباركة إرشاداً إلى ما عليه العقلاء من بنائهم على اعتبار خبر الثقة الموجب للعلم العادي ، ولا تدل على اعتبار خبر الواحد غير العلمي تعبداً كما هو المطلوب.

وقد يستدل على وجوب الغاية وهي التحذر «بأن المطلوب بالذات هي الغاية وذو الغاية مطلوب بالعرض ، فلا يمكن أن يكون ذو الغاية مطلوباً بالطلب اللزومي ، ولا تكون الغاية كذلك ، مع أنها فعل اختياري لا مانع من تعلق الطلب بها».

لكن فيه : أن المطلوب بالذات وان كان هو العمل ، لمقدمية التعليم والتعلم له ، لكن كونه كذلك مطلقاً حتى بدون علم المنذر ـ بالفتح ـ غير ثابت ، لأنه على هذا التقدير لا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لكونه بديهياً.

مضافاً إلى : أنه لو كان كذلك انعكس الأمر ، وكان وجوب الإنذار مترشحاً من وجوب التحذر ، مع أن ظاهر عطف «لينذروا» على قوله تعالى : «ليتفقهوا» وجوب الإنذار كالتفقه شرعياً لا غيرياً مقدمياً ، كيف؟ وهو كالتفقه من الواجبات الكفائية.

فالأولى إثبات وجوب التحذر بلزوم لغوية وجوب الإنذار بدونه كما قيل ، وهذه اللغوية توجب الملازمة بين الغاية وذيها في الحكم فيما إذا كانت الغاية فعلا اختيارياً ، ولا وجه لإنكار هذه الملازمة بدعوى انتقاضها في موارد :

منها : وجوب إظهار النبي نبوته ودعوة الناس إليها مع عدم وجوب غايته وهي القبول والتصديق تعبداً.

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ومنها : وجوب أداء الشهادة على الشاهد مع عدم وجوب غايته وهي حكم الحاكم الا بعد شهادة شاهد آخر.

ومنها : وجوب بذل المال للظالم لحفظ النّفس مع عدم وجوب غايته وهي أخذ الظالم للمال ، بل حرمة أخذه له ، إلى غير ذلك مما هو من هذا القبيل.

توضيح عدم الوجه لهذا الإنكار في الأول : أن الغاية فيه ليست هي القبول تعبداً حتى يقال بعدم وجوبها على الناس ، ولزوم انفكاك الغاية عن المغيا في الحكم ، بل الغاية وجوب النّظر عليهم والفحص عن صدق دعواه.

وفي الثاني : أن الغاية فيه ليست حكم الحاكم حتى يرد عليه انفكاك المغيا في الحكم عن الغاية ، بل الغاية دخل الشهادة في تحقق موضوع حكم الحاكم ، إذ لا يجب على الحاكم أن يحكم بشهادة شاهد واحد.

والحاصل : أن الغاية لشهادة كل من الشاهدين هي الدخل في حصول ما هو ميزان الحكم ، فيجب على الشاهد إيجاد موضوع الحكم ، ولا شك في ترتب هذه الغاية على شهادة كل منهما.

وفي الثالث : أن غاية وجوب بذل المال هي وجوب حفظ النّفس ، وهو لا ينفك عن وجوب بذله ، وليست الغاية أخذ الظالم حتى يقال بحرمته الموجبة لانفكاك الغاية عن المغيا في الحكم.

فتلخص : أن شيئاً من هذه الموارد ونظائرها لا يوجب انثلام الملازمة بين الغاية والمغيا في الحكم.

لا يقال : ان وجوب الإنذار المستلزم لوجوب غايته ـ وهي الحذر ـ غير

٤٧٣

ويشكل الوجه الأول (١)

______________________________________________________

(١) غرضه رد الوجه الأول وهو التلازم بين محبوبية الحذر ووجوبه عقلا وشرعاً ، وحاصل رده بالنسبة إلى الملازمة العقلية : أنه إذا كان الحذر عن العقوبة لوجود المقتضي له ـ وهو تنجز التكليف بالحجة من علم أو علمي ـ فلا إشكال حينئذ في ثبوت الملازمة العقلية بين حسن الحذر ووجوبه عقلا ، وأما إذا كان الحذر عن ملاك التكليف أعني المفسدة أو فوات المصلحة مع فرض عدم قيام حجة على نفس التكليف ، فالملازمة بين حسن الحذر وبين وجوبه عقلا ممنوعة أشد المنع ، لكون العقوبة حينئذ بلا بيان ، ولا دليل على وجوب الحذر عن مجرد الملاكات من دون مطالبة المولى لها وان كان حسناً ، بل مقتضى البراءة العقلية في الشبهات البدوية عدمه ، كما إذا فرض أن العبد علم بمصلحة صلاة العيدين ، فان مجرد علمه بالملاك لا يوجب الإتيان بها ما لم يطالبها المولى مع فرض عدم مانع من طلبه.

وبالجملة : فمجرد حسن الحذر لا يلازم عقلا وجوبه ، لكونه لازماً أعم ، ضرورة حسن الحذر في الشبهات البدوية مع عدم وجوب التحذر قطعاً ، بل انما يلازمه إذا كان عن العقوبة الثابتة بقيام الحجة على التكليف ، هذا.

وحاصل رده بالنسبة إلى الملازمة الشرعية هو : أن عدم الفصل بين حسن الحذر ـ فيما لم يقم حجة على التكليف ـ وبين وجوبه شرعاً غير ثابت ، فدعوى

__________________

ثابت ، لعدم كون اللام في «لينذروا» للأمر ، فلا وجه حينئذ لوجوب الحذر.

فانه يقال : ان التفقه والإنذار انما وجبا لكونهما غايتين للنفر الواجب ، فوجوبهما انما هو لأجل غائيتهما له ، واللام الداخل عليهما يدل على أنهما غايتان له ، وهذا الوجوب يستلزم وجوب غايته وهي الحذر.

٤٧٤

بأن التحذر لرجاء (١) إدراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته من فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة حسن (٢) ، وليس (٣) بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف ، ولم يثبت هاهنا (٤) عدم الفصل ، غايته (٥) عدم القول بالفصل.

______________________________________________________

الملازمة الشرعية بين حسن الحذر وبين وجوبه شرعاً كدعوى الملازمة العقلية بينهما ممنوعة جداً.

(١) متعلق بـ «التحذر» وضمير «مخالفته» راجع إلى الواقع.

(٢) خبر «بأن التحذر» و «من فوت» بيان لـ «محذور».

(٣) أي : وليس التحذر بواجب إذا لم يكن هناك حجة على التكليف كموارد البراءة ، لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان بلا مانع.

(٤) أي : في صورة عدم قيام الحجة على التكليف ، وهذا إشارة إلى نفى الملازمة الشرعية بين حسن الحذر ووجوبه ، واختصاص الملازمة بموارد قيام الحجة على التكليف.

(٥) أي : غاية الأمر ، أو غاية ما ثبت هو عدم القول بالفصل ، وغرضه : أن المجدي في ثبوت الملازمة الشرعية بين حسن الحذر في صورة عدم الحجة على التكليف وبين وجوبه هو الإجماع على عدم الفصل ، وليس ذلك ثابتاً في المقام ، بل الثابت فيه هو عدم القول بالفصل ، وهو غير مفيد ، إذ ليس ذلك إجماعاً بل المجدي هو ثبوت عدم الفصل كما لا يخفى (*).

__________________

(*) أقول : ان دعوى عدم القول بالفصل في صورة عدم قيام الحجة على التكليف في غاية الغرابة ، إذ لا شبهة عند الكل حتى المحدثين في مرجعية البراءة في بعض الشبهات الحكمية مع حسن الاحتياط فيها.

٤٧٥

والوجه (١) الثاني والثالث بعدم انحصار فائدة الإنذار بإيجاب التحذر [بالتحذر] تعبداً ، لعدم (٢) إطلاق يقتضي وجوبه على الإطلاق (٣) (*)

______________________________________________________

(١) معطوف على «الوجه الأول» أي : ويشكل الوجه الثاني والثالث ... ، وحاصل ما أورده من الإشكال عليهما : أنهما ـ بعد تسليم اقتضائهما لوجوب الحذر ـ لا يدلان على وجوبه مطلقاً ولو مع عدم إفادة الإنذار للعلم بصدق المنذر ـ بالكسر ـ كما هو المدعى ، إذ لا ينحصر فائدة الإنذار في الحذر حتى يقال بوجوبه على المنذر ـ بالفتح ـ بمعنى العمل بقول المنذر وان لم يفد العلم ـ ما دل على النهي عن العمل بغير العلم ، بل يكفي في عدم لغوية وجوب الإنذار كونه مفيداً للعلم في بعض الأحيان ، فيختص وجوب العمل بقول المنذر بما إذا أفاد العلم ، كما يكفي ذلك ـ يعني كونه مفيداً للعلم في بعض الأحيان ـ غاية للإنذار الواجب ، هذا. وقد ذكر شيخنا الأعظم هذا الإشكال بقوله : «الأول : أنه لا يستفاد من الكلام الا مطلوبية الحذر عقيب الإنذار بما يتفقهون في الجملة ، لكن ليس فيها إطلاق وجوب الحذر ، بل يمكن أن يتوقف وجوبه على حصول العلم ... إلخ» فراجع ، غير أن بين ما أفاده الشيخ (قده) وما أفاده المصنف (قده) فرقاً يسيراً ، وهو أن الشيخ جازم بعدم الإطلاق ، ولكن المصنف منع الإطلاق أولا بقوله : «لعدم إطلاق» ثم تردد فيه بقوله : «ولعل وجوبه كان مشروطاً به».

(٢) تعليل لعدم الانحصار ، وضمير «وجوبه» راجع إلى التحذر.

(٣) يعني : سواء أفاد العلم أم لا حتى يدل على حجية خبر الواحد غير العلمي.

__________________

(*) لكن لو سلم الإطلاق لا يرد عليه : أن مقتضاه حجية قول المنذر مطلقاً وان كان فاسقاً لتدل الآية على حجية خبر الواحد مطلقاً ، وذلك لأن هذا الإطلاق يقيد بمنطوق آية النبأ وهو عدم حجية خبر الفاسق ، فتختص آية النفر بخبر العادل.

٤٧٦

ضرورة (١) أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفي لا لبيان غايتية [غائية] التحذر (٢) ، ولعل وجوبه كان مشروطاً بما إذا أفاد العلم لو (٣) لم نقل

______________________________________________________

(١) تعليل لنفي الإطلاق ، وإشارة إلى دفع توهم ، أما التوهم فهو : أن إطلاق الآية يقتضي عدم اختصاص وجوب الحذر بصورة إفادة الإنذار للعلم ، فيجب العمل بقول المنذر مطلقاً ـ يعني سواء حصل العلم بقوله للمنذر ـ أم لا.

وأما الدفع ، فهو : أنه لا إطلاق للآية من هذه الجهة حتى يدل على حجية قول المنذر مطلقاً ، إذ الآية غير مسوقة لبيان غائية التحذر حتى يكون لها إطلاق من هذه الجهة ، بل مسوقة لبيان وجوب النفر ، ومن المعلوم أنه مع عدم إحراز الإطلاق من جهة لا يمكن التمسك به من تلك الجهة كما قرر في محله ، فلعل وجوب الحذر كان مشروطاً بما إذا أفاد الإنذار العلم كما هو واضح.

(٢) كي يجب التحذر مطلقاً حتى في صورة عدم حصول العلم بصدق المنذر.

(٣) هذا إشكال ثان على الاستدلال بالآية تعرض له الشيخ الأعظم أيضا بقوله : «الثاني أن التفقه الواجب ليس إلّا معرفة الأمور الواقعية من الدين ... فالحذر لا يجب إلّا عقيب الإنذار بها ، فإذا لم يعرف المنذر ـ بالفتح ـ أن الإنذار هل وقع بالأمور الدينية الواقعية أو بغيرها خطأ أو تعمداً من المنذر ـ بالكسر ـ لم يجب الحذر ... إلخ» ومحصل هذا الإشكال : إحراز عدم الإطلاق في الآية وظهورها في اشتراط وجوب الحذر بإفادة الإنذار للعلم ، توضيحه : أن ظاهر الآية هو الإنذار بما تفقهوا فيه من معالم الدين ، فلا بد أن يكون وجوب الحذر مترتباً على هذا النحو من الإنذار ، فما لم يحرز أن الإنذار إنذار بما تفقهوا فيه لم يجب الحذر ، ولا يجوز الحكم بوجوبه ـ عند الشك في أنه إنذار بما تفقهوا فيه أم لا ـ تمسكاً بهذه الآية ، لأنه حينئذ تمسك بها مع الشك في الموضوع ، وهو غير جائز على ما حرر في محله.

٤٧٧

بكونه مشروطاً به (١) ، فان (٢) النفر انما يكون لأجل التفقه وتعلم معالم الدين ، ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين (٣) في تفسير الآية كي [لكي] يحذروا (٤) إذا أنذروا بها ، وقضيته (٥) انما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الإنذار

______________________________________________________

وبالجملة : فمقتضى هذا التقريب اشتراط وجوب العمل بقول المنذر بما إذا علم المنذر ـ بالفتح ـ أن المنذر ـ بالكسر ـ أنذر بما علمه من الأحكام الشرعية ، ومع الشك فيه لا يجب التحذر ، لعدم إحراز موضوعه.

(١) أي : لو لم نقل بكون التحذر مشروطاً بما إذا أفاد العلم.

(٢) بيان لاستظهار كيفية اشتراط وجوب التحذر بإفادة الإنذار العلم.

(٣) متعلق بمحذوف ـ أي كائناً هذا الترديد بين المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير الآية ـ والوجهان أحدهما : أن المتفقهين هم النافرون ، والآخر أن المتفقهين هم المتخلفون ، فعلى الأول يرجع ضمير «يتفقهوا ، ينذروا ، رجعوا» إلى النافرين ، وضمير «إليهم ، لعلهم» إلى المتخلفين. وعلى الثاني ينعكس الأمر الا في «رجعوا».

(٤) أي : يحذر المتخلفون بناءً على الوجه الأول ، ويحذر النافرون بناءً على الوجه الثاني ، وكذا الحال في المستتر في «أنذروا» ، وضمير «بها» راجع إلى معالم الدين.

(٥) أي : ومقتضى كون وجوب النفر لأجل التفقه في الدين أنه لا بد من إحراز أن الإنذار كان بما تفقهوا فيه من معالم الدين حتى يجب التحذر ، وليس هذا إلّا اشتراط وجوب التحذر بحصول العلم بأن الإنذار إنذار بمعالم الدين.

٤٧٨

بها (١) كما لا يخفى.

ثم انه أشكل (٢) أيضا بأن الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر

______________________________________________________

(١) خبر «أن الإنذار» وضميره راجع إلى معالم الدين.

(٢) أي : أشكل الاستدلال ، وضمير «أنه» للشأن. وهذا إيراد على أصل الاستدلال بالآية بتقاريبها الثلاثة ، وهو ثالث الإشكالات التي ذكرها الشيخ (قده) بقوله : «الثالث : لو سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقاً عند إنذار المنذرين ولو لم يفد العلم ، لكن لا تدل على وجوب العمل بالخبر من حيث انه خبر ، لأن الإنذار هو الإبلاغ مع التخويف ، ومن المعلوم أن التخويف لا يجب إلّا على الوعّاظ في مقام الإيعاد على الأمور التي يعلم المخاطبون بحكمها .. إلى أن قال : توضيح ذلك (*) أن المنذر اما أن ينذر ويخوف على وجه الإفتاء ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده ، واما أن يذر ويخوف بلفظ الخبر حاكياً له عن الحجة ... إلخ» وحاصل الإشكال : أن الآية لا تصلح لإثبات حجية الخبر من حيث كونه خبراً وان سلمنا وجوب التحذر مطلقاً وان لم يفد الإنذار علم المنذر ـ بالفتح ـ بصدق المنذر ، وذلك لأن شأن الراوي تحمل الرواية ونقلها إلى غيره من دون إنذار وتخويف ، والآية انما تثبت حجية الخبر فيما إذا كان مع التخويف والإنذار ، والتوعيد شأن الواعظ الّذي وظيفته الإرشاد ، وشأن المجتهد بالنسبة إلى العوام ، فالآية لا تدل على اعتبار الخبر بما هو خبر ، بل تدل على اعتباره بما هو إنذار ، وهو أمر اجتهادي ، فالأولى الاستدلال بها على اعتبار الفتوى.

__________________

(*) لا يخفى أن ما أفاده الشيخ الأعظم بقوله : «وتوضيح ذلك ... إلخ» تفصيل لما أجمله بقوله : «الثالث لو سلمنا ...» وقد عرفت أن حاصله أخصية

٤٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الدليل من المدعى أعني حجية الخبر الواحد مطلقاً وان لم يكن مشتملا على الإنذار ، ولا بأس بالتعرض لكلام الشيخ أزيد مما تقدم لئلا يتوهم التنافي بين كلماته ، قال (قده) بعد عبارته المتقدمة : «فالأوّل ، كأن يقول : يا أيها الناس اتقوا الله في شرب العصير ، فان شربه يوجب المؤاخذة ، والثاني : كأن يقول في مقام التخويف : قال الإمام عليه‌السلام : من شرب العصير ، فكأنما شرب الخمر. أما الإنذار على الوجه الأول فلا يجب الحذر عقيبه الا على المقلدين لهذا المفتي. وأما الثاني ، فله جهتان : إحداهما : جهة تخويف وإيعاد ، والثانية : جهة الحكاية لقول من الإمام عليه‌السلام ، ومن المعلوم أن الجهة الأولى ترجع إلى الاجتهاد في معنى الحكاية ، فهي ليست حجة الا على من هو مقلد له ، إذ هو الّذي يجب عليه التخوف عند تخويفه. وأما الجهة الثانية ، فهي التي تنفع المجتهد الآخر الّذي يسمع منه هذه الحكاية ... إلخ».

وهذه العبارات ظاهرة في بيان موارد الإنذار والتخويف ، كما أن ما تعرض له قبل قوله : «وتوضيح ذلك» بيان لأخصية الدليل من المدعى ، واختصاص حجية الخبر بما إذا كان مشتملا على الإنذار ، وأما أن هذا الإنذار كيف يتحقق ومتى يكون معتبراً فلم يتعرض له وأو كله إلى ما أفاده بقوله : «وتوضيح ذلك».

نعم ما ذكره الشيخ الأعظم بقوله : «وأما الثاني فله جهتان ... إلى قوله : فهي ليست حجة الا على من هو مقلد له» مما لا يمكن المساعدة عليه ، حيث ان ظاهره عدم حجية نقل قول الإمام عليه‌السلام في الجهة الأولى ـ أعني جهة التخويف والإيعاد ـ على غير مقلديه ولو كان مجتهداً ، مع أن الأمر ليس كذلك ، إذ لو كان قول الإمام المنقول بلفظه للغير صريحاً أو ظاهراً عرفاً كان حجة في

٤٨٠