منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

وهو (١) بحمد الله وأف بمعظم الفقه (٢) لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها (٣) كما لا يخفى.

وأما المقدمة الثالثة (٤) ، فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزا مطلقا (٥)

______________________________________________________

(١) أي : الخبر الّذي يوثق بصدقة.

(٢) هذه الدعوى في غاية الوضوح لمن تصدى للاستنباط.

(٣) أي : من الأحكام ، وغرضه : أنه بعد ضم الأحكام المعلومة تفصيلا إلى الاخبار التي يوثق بصدورها لا يبقى مجال لانسداد باب العلمي بالنسبة إلى معظم الفقه ، فلا تثبت المقدمة الثانية.

(٤) وهي عدم جواز إهمال الأحكام.

(٥) يعني : في جميع الموارد ، وغرضه : أن وجوب التعرض لامتثال الأحكام ، وعدم جواز إهمالها ليس مستندا إلى العلم الإجمالي بوجود تلك الأحكام في

__________________

مثل ما ذكره هنا ، قال : «إلّا أن الإنصاف بحسب مساعدة الأدلة السابقة هو حجية خبر يوثق بصدوره ولو لاحتفافه بما يوجب ذلك ، ومثله بحمد الله في الاخبار المودعة في الكتب المعتبرة الأربعة كثير جدا بحيث يفي بمعظم الفقه».

ولما كان المعتمد في مسألة حجية الخبر اعتبار الخبر الموثوق الصدور سواء نشأ الوثوق بصدوره من كون الراوي ثقة أم من احتفاف الخبر بقرائن تفيده ، أم من عمل المشهور أم غير ذلك. وكان ذلك الخبر الموثوق الصدور بمقدار واف بمعظم الفقه ، فلا حاجة لنا إلى التشبث بدليل الانسداد بل وغيره من الأدلة العقلية المتقدمة على حجية مطلق الظن.

٥٨١

أو فيما (١)

______________________________________________________

الشريعة المقدسة حتى يمنع وجوب امتثالها اما بدعوى عدم تنجيز العلم الإجمالي أصلا ، كما هو مذهب بعض كالمحققين القمي والخوانساري فيما نسب إليهما (قدهما) حيث جعلاه كالشك البدوي في عدم الحجية ، أو بدعوى عدم تنجيزه في خصوص ما إذا لم يجب الاحتياط في جميع أطرافه أو لم يجز الاحتياط كما إذا كان مخلا بالنظام ، بل هو ـ يعني وجوب التعرض لامتثال الأحكام وعدم جواز إهمالها ـ مستند إلى وجهين آخرين : أحدهما : الإجماع على عدم جواز الإهمال ، ثانيهما : استلزامه للخروج عن الدين ، لأن إهمال معظم الأحكام مستلزم له ، ومن المعلوم أن الشارع راغب عنه.

وبالجملة : فيمكن إثبات عدم جواز إهمال الأحكام بوجوه ثلاثة : العلم الإجمالي ، والإجماع ، واستلزام الخروج عن الدين. فلو نوقش في العلم الإجمالي بعدم تنجيزه مطلقا أو في خصوص ما جاز أو وجب الاقتحام في بعض الأطراف كالاضطرار إلى بعض أطرافه إذا كان مقارنا للعلم الإجمالي أو متقدما عليه ، حيث لا يجب الاجتناب عن سائر الأطراف مما لا اضطرار إليه ، ففي الوجهين الآخرين غنى وكفاية ، وقد تعرض الشيخ الأعظم لهذا بقوله : «وأما المقدمة الثانية ... فيدل عليه وجوه : الأول : الإجماع القطعي على أن المرجع ... ليس هي البراءة وإجراء أصالة العدم في كل حكم ، إلى أن قال : الثاني : أن الرجوع في جميع تلك الوقائع إلى نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة ... إلى أن قال : الثالث ... أنه لا دليل على الرجوع إلى البراءة من جهة العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات ... إلخ».

(١) عطف على «مطلقا» يعني : أو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزا في خصوص ما جاز أو وجب الاقتحام ... إلخ.

٥٨٢

جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام (١) حسب ما يأتي ، وذلك (٢) لأن إهمال معظم الأحكام ، وعدم (٣) الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بأنه (٤) مرغوب عنه شرعا ، ومما (٥) يلزم تركه إجماعا (*).

______________________________________________________

(١) حيث ان الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة مخل بالنظام ، أو سبب للمشقة المجوزة للاقتحام في بعض الأطراف ، فيكون المقام كالاضطرار إلى بعض الأطراف بل عينه.

(٢) تعليل لقوله : «فهي قطعية» وأنه لا يجوز الإهمال ، لما تقدم من الوجهين كما عرفت توضيحه بقولنا : «وبالجملة : فيمكن ...».

(٣) معطوف على «إهمال» من باب عطف الخاصّ على العام.

(٤) الضمير راجع إلى الموصول في «مما» المراد به الأمور المرغوب عنها شرعا ، وقوله : «مما يقطع» خبر «لأن الإهمال» وهذا إشارة إلى أول الوجهين المذكورين أعني الخروج عن الدين.

(٥) عطف على «مما يقطع» وهذا إشارة إلى الوجه الثاني من الوجوه المستدل بها على حرمة إهمال معظم الأحكام.

__________________

(*) وفيه أولا : أن المسألة لم تكن معنونة عند القدماء حتى يتضح حال الإجماع لديهم.

وثانيا : أنه على فرض العلم باتفاقهم على حرمة إهمال الأحكام وعلى تقدير تمامية مقدمات الانسداد عندهم ، لم يكن ذلك إجماعا تعبديا ، إذ يحتمل قويا استنادهم في ذلك إلى حكم العقل بقبح المخالفة القطعية الكثيرة أو غيره.

٥٨٣

ان قلت (١) : إذا لم يكن العلم بها منجزا لها ، للزوم (٢) الاقتحام في بعض الأطراف كما أشير إليه (٣) ، فهل (٤) كان العقاب على المخالفة في سائر الأطراف حينئذ (٥) على تقدير المصادفة الا عقابا بلا بيان ، والمؤاخذة (٦) عليها الا مؤاخذة بلا برهان؟

قلت : هذا (٧) انما يلزم لو لم يعلم بإيجاب الاحتياط ، وقد علم به

______________________________________________________

(١) توضيحه : أنه بعد سقوط العلم الإجمالي عن التأثير ، لفرض وجوب الاقتحام أو جوازه في بعض الأطراف يكون قاعدة قبح العقاب بلا بيان في غير ما وجب أو جاز الاقتحام فيه من سائر الأطراف محكّمة ، فلو خالف الأحكام الإلزامية الواقعة في سائر الأطراف لزم أن لا يعاقب عليه ، لكونه عقابا بلا بيان ، مع أن المسلم عقابه وصحة مؤاخذته.

(٢) تعليل لعدم التنجيز ، وضميرا «بها ، لها» راجعان إلى الأحكام.

(٣) بقوله قبل أسطر : «فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه».

(٤) الاستفهام إنكاري ، أي : لا يكون العقاب على المخالفة على تقدير المصادفة الا عقابا بلا بيان.

(٥) أي : حين لزوم الاقتحام في بعض الأطراف أو جوازه.

(٦) معطوف على «العقاب» أي : وهل كان المؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان؟

(٧) أي : العقاب بلا بيان انما يلزم لو لم يعلم وجوب الاحتياط ، فإذا علم وجوبه لم يلزم ذلك ، بل كان عقابا مع البيان ، وغرضه من هذا الكلام : منع جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان بإثبات البيان وهو إيجاب الاحتياط الرافع لموضوع هذه القاعدة في الأطراف التي لا اضطرار إليها ، والمثبت لكون العقاب

٥٨٤

بنحو اللّم (١) ، حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه بحيث ينافيه (٢) عدم إيجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعاة ولو كان (٣) بالالتزام ببعض المحتملات. مع صحة (٤) دعوى الإجماع على عدم

______________________________________________________

فيها مع البيان ، وحاصل ما أفاده في منع جريانها وجهان يستكشف من كل منهما وجوب الاحتياط : أحدهما : أن الشارع لما اهتم بحفظ أحكامه حتى في حال الشك وانسداد باب العلم والعلمي إليها ، لما تقدم من أن إهمال معظم الأحكام مستلزم للخروج عن الدين ، وهو مرغوب عنه عنده ، كان اهتمامه هذا بحفظ أحكامه علة لإيجاب الاحتياط ولو في بعض المحتملات ـ أي غير الأطراف التي وجب الاقتحام فيها ـ فمن شدة هذا الاهتمام يحصل لنا العلم بإيجابه الاحتياط لحفظ الأحكام ، ومع العلم بإيجابه لا مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان في غير ما وجب الاقتحام فيه ، لورود قاعدة الاحتياط الشرعي عليها ، وكونها بيانا على التكاليف الفعلية الواقعية.

(١) وهو الاستدلال على المعلول بوجود العلة ، لما عرفت من أن اهتمام الشارع علة لإيجاب الاحتياط. والواو في «وقد علم» للحال ، وضمير «به» راجع إلى إيجاب الاحتياط ، وقوله : «حيث علم» تقريب للدليل اللّمي.

(٢) هذا الضمير راجع إلى اهتمام الشارع ، يعني : ينافي عدم إيجاب الشارع الاحتياط اهتمامه بحفظ أحكامه ، وقوله : «الموجب» صفة للاحتياط.

(٣) يعني : ولو كان الاحتياط بالالتزام ببعض المحتملات ، لا تمامها الموجب لحصول العلم بالواقع.

(٤) هذا هو الوجه الثاني لاستكشاف وجوب الاحتياط ، وحاصله : أن الإجماع على عدم جواز الإهمال في حال الانسداد ـ كما تقدم تقريبه ـ يكشف

٥٨٥

جواز الإهمال في هذا الحال (١) ، وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا [وأما مع استكشافه] (٢) فلا يكون المؤاخذة والعقاب حينئذ (٣) بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره.

وأما المقدمة الرابعة (٤)

______________________________________________________

عن وجوب الاحتياط شرعا ، ومع هذا الوجوب لا يكون العقاب بلا بيان.

(١) أي : حال الانسداد ، وقوله : «وأنه» معطوف على «عدم» وضميره راجع إلى الإهمال.

(٢) الظاهر أنه سهو من الناسخ ، ويؤيده خلوّ بعض النسخ عنه ، وذلك للاستغناء عنه بقوله : «وقد علم به بنحو اللم» فالحق إسقاطه ، فيكون قوله : «فلا يكون» متصلا بـ «قطعا» ونتيجة لإيجاب الاحتياط الثابت بالدليل اللّمي وبالإجماع المذكورين (*).

(٣) أي : حين وجوب الاحتياط شرعا.

(٤) تعرض المصنف وفاقا للشيخ (قدهما) لتفصيل ما أجمله في المقدمة الرابعة ، وقد عرفت اشتمالها على مطالب ثلاثة : الأول : عدم وجوب الاحتياط التام ، بل عدم جوازه في الجملة. الثاني : إبطال الرجوع إلى الأصل العملي

__________________

(*) لا يخفى أن مستند وجوب الاحتياط ان كان هو الإجماع فهو حكم شرعي وليس عقليا من باب منجزية العلم الإجمالي حتى يقال : انه لو جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه لسقط اعتباره في سائر الأطراف أيضا ، وعليه فلا مانع من جعل إيجابه في بعض الأطراف فحسب لا جميعها بناء على إمكان إيجاب الاحتياط الشرعي.

٥٨٦

فهي (١) بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام

______________________________________________________

في كل مسألة. الثالث : إبطال الرجوع إلى فتوى المجتهد الانفتاحي ، وسيأتي بيان كل واحد منها عند تعرض المصنف له. قال شيخنا الأعظم : «المقدمة الثالثة في بيان بطلان وجوب تحصيل الامتثال بالطرق المقررة للجاهل من الاحتياط أو الرجوع في كل مسألة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك المسألة ،أو الرجوع إلى فتوى العالم بالمسألة وتقليده فيها (*) ، فنقول : ان كلا من هذه الأمور الثلاثة وان كان طريقا شرعيا في الجملة لامتثال الحكم المجهول ، إلّا أن منها ما لا يجب في المقام ومنها ما لا يجري».

(١) هذا شروع في المطلب الأول ، وحاصل ما أفاده فيه : أن الاحتياط التام ان كان عسرة مخلا بالنظام ، فلا كلام في عدم وجوبه بل عدم جوازه عقلا. وان لم يكن عسرة مخلا به ، فعدم وجوب الاحتياط محل نظر بل منع ، يعني : أن الاحتياط إذا لم يوجب اختلال النظام ، فقاعدة نفي العسر والحرج غير حاكمة عليه حتى يرتفع بها وجوبه ، فوجوبه باق وان كان عسرا ، وذلك لما أفاده بقوله : «وذلك لما حققناه ... إلخ» وتوضيحه : أن دليل نفي العسر والضرر ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة ، وقد وقع اثنان منها مورد البحث والنقاش بين الشيخ والمصنف (قدهما) فاختار الشيخ الأعظم أن المنفي نفس الحكم الّذي ينشأ منه الضرر والحرج ، بدعوى : أن الضرر والحرج من صفات نفس الحكم بحيث يصح حمل كل منهما عليه ويقال : «هذا الحكم ضرر أو حرج» وعليه فيكون

__________________

(*) وكان الأنسب تقديم البحث عن حكم الرجوع إلى فتوى الانفتاحي على التكلم عن حكم الرجوع إلى الأصل في كل مسألة ، إذ الأصل دليل حيث لا دليل ، فلا بد أولا من إبطال الرجوع إلى فتوى الانفتاحي ، ثم التكلم عن حال جريان الأصل.

٥٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نفي الضرر والحرج بسيطا ، ومعنى بساطة نفيهما نفي أنفسهما ، فان معنى بساطة النفي نفي الشيء وسلبه في قبال تركب النفي ، فان معناه نفي شيء عن شيء وسلبه عنه كما هو الحال في الجعل البسيط والمركب.

وبالجملة : فنفي الضرر والحرج هنا بسيط ، لوروده على نفس الحكم الضرري والحرجي ، ومعنى قوله عليه‌السلام : «لا ضرر أو لا حرج» أن الحكم الّذي هو ضرر أو حرج منفي ، يعني : أنه لا جعل له ، فالمنفي هو ما يتلو «لا» النافية حقيقة وبلا عناية.

واختار المصنف (قده) ـ كما سيأتي في قاعدة لا ضرر ـ أن المنفي هو متعلق الحكم وموضوعه وهو الفعل الضرري والحرجي ، فمعنى «لا ضرر» أنه لا بيع ضرري مثلا ، لكن بما أنه لا معنى لورود النفي التشريعي حينئذ على ما هو موجود تكوينا وبالوجدان كالضرر والحرج فيما نحن فيه ، حيث انهما موجودان في الخارج دائما ، فلا محالة يتوجه النفي إلى الموضوع ظاهرا وإلى الحكم واقعا ، ويقال : ان الفعل الضرري أو الحرجي لا حكم له ، فمعنى قول الشارع : «لا ضرر» أن البيع الضرري منفي حكمه ، كقوله : «لا شك لكثير الشك» فان معناه : أن الشك الكثير منفي حكمه يعني لا حكم له ، فيكون نفي الضرر حينئذ من باب نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

وقد ظهر بما ذكرنا : أن ارتفاع الحكم الأولي ـ تكليفيا أو وضعيا ـ بالضرر أو الحرج منوط بكون متعلقه ضرريا أو حرجيا ، فإذا لم يكن في المتعلق ضرر أو حرج لم يرتفع حكمه الأولي وان كان الحكم الأولي علة للوقوع في الضرر والحرج.

هذا محصل الوجهين اللذين اختارهما الشيخ والمصنف (قدهما) وعليهما

٥٨٨

فيما (١) يوجب عسرة اختلال النظام ، وأما فيما لا يوجب فمحل نظر ، بل منع ، لعدم (٢) حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط ،

______________________________________________________

يترتب جريان قاعدة العسر في المقام وعدم جريانها ، فبناء على المعنى الأول الّذي اختاره الشيخ (قده) تجري القاعدة ، لأن الاحتياط بالجمع بين المحتملات نشأ عن لزوم مراعاة الأحكام الواقعية ، فالملقي في الحرج حقيقة هو تلك الأحكام ، فهي منفية بدليل نفي الحرج ، فالاحتياط الحرجي منفي بقاعدة الحرج الرافعة للأحكام الواقعية التي نشأ منها الاحتياط الحرجي. وبناء على المعنى الثاني الّذي اختاره المصنف (قده) لا تجري القاعدة ، ضرورة أنه لا عسر في نفس متعلقات التكاليف الواقعية ، إذ لو كانت معلومة لما كان فيها حرج أصلا ، وانما يكون الحرج في الجمع بين المحتملات من باب الاحتياط ، هذا.

ثم ان شيخنا الأعظم استدل على بطلان الاحتياط بوجهين ، حيث قال : «أما الاحتياط فهو وان كان مقتضى الأصل والقاعدة العقلية والنقليّة عند ثبوت العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات ، إلّا أنه في المقام غير واجب لوجهين : أحدهما : الإجماع القطعي على عدم وجوبه في المقام ... إلى أن قال : الثاني : لزوم العسر الشديد والحرج الأكيد في التزامه ، لكثرة ما يحتمل موهوما بوجوبه ... إلخ» ولم يتعرض المصنف (قده) للإجماع هنا وناقش فيه في حاشية الرسائل فراجع.

(١) متعلق بـ «بلا كلام» وضمير «عسرة» راجع إلى الاحتياط التام ، يعني : أن عدم وجوب الاحتياط التام مما لا إشكال فيه في كل مورد كان عسرة موجبا لاختلال النظام ، وأما الموارد التي لا يوجب عسرة فيها اختلال النظام ، فعدم وجوبه محل نظر بل منع.

(٢) تعليل لكون عدم وجوب الاحتياط ـ فيما إذا لم يوجب اختلال النظام ـ

٥٨٩

وذلك (١) لما حققناه (٢) في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما (٣) ودليل التكليف (٤) أو الوضع (٥) المتعلقين بما يعمهما (٦)

______________________________________________________

محل نظر بل منع ، وقد تقدم توضيحه.

(١) تعليل لقوله «لعدم حكومة» وقد مر بيانه.

(٢) سيأتي تفصيله في آخر بحث الاشتغال ، وأفاد في وجهه في حاشية الرسائل بقوله : «فانه لا يبعد أن يكون مفادها بملاحظة نظائرها نفي ما للأمر العسر من الإلزام وغيره من الأحكام التي تقتضي المنة رفعها عنه ، لا نفي الحكم الّذي ينشأ منه العسر. وعليه لا يكون قاعدة العسر ناهضة على الجواز ، لأن الإلزام في المقام ليس إلّا بأمور يسيرة ، وانما العسر انما جاء من قبل امتثال التكليف بها بعد طروّ الجهل والإجمال عليها ... إلخ».

(٣) أي : دليل نفي الضرر والعسر ، وقوله : «من أن التوفيق» بيان للموصول في قوله : «لما حققناه».

(٤) كدليل وجوب الوضوء الّذي له إطلاق بالنسبة إلى الضرر والحرج وغيرهما ، فإذا تردد الماء المطلق بين مائعات كثيرة يعسر الاحتياط بتكرار الوضوء بالجميع لإحراز كونه بماء مطلق ، فلا حكومة لمثل «ما جعل عليكم في الدين من حرج» على ما دل على وجوب تحصيل الطهارة المائية للدخول في الصلاة ونحوها مما يشترط بها.

(٥) كدليل لزوم العقد مثل «أوفوا بالعقود».

(٦) أي : بما يعم الضرر والحرج ، يعني : أن الدليل الأولي يعم الضرر والحرج ، فان وجوب الوضوء يشمل الوضوء الضرري وغيره ، وكذا دليل

٥٩٠

هو (١) نفيهما عنهما بلسان نفيهما (٢) ، فلا يكون له (٣) حكومة على الاحتياط العسر إذا كان (٤) بحكم العقل (*) ، لعدم العسر في متعلق التكليف ،

______________________________________________________

الحكم الوضعي ، ووجه الشمول إطلاق دليل الحكم الأولي من حيث الحالات.

(١) خبر «أن التوفيق» ومرجعه إلى التوفيق ، كما أن مرجع ضمير «نفيهما» هو التكليف والوضع.

(٢) هذا الضمير وضمير «عنهما» راجعان إلى الضرر والحرج ، يعني : أن التكليف والوضع ينفيان عن الموضوع الضرري والحرجي بلسان نفي نفس الضرر والحرج ، ولذا يكون من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، ويعبر عنه بأن الموضوع الضرري أو الحرجي لا حكم له.

(٣) أي : لما دلّ على نفي الضرر والحرج ، ووجه عدم الحكومة ما تقدم من أن قاعدة العسر لا تجري الا فيما إذا كان متعلق الحكم عسريا كالوضوء حال شدة البرد لبعض الأشخاص ، وأما إذا لم يكن في متعلقه عسر ، فلا تجري ، والمقام من هذا القبيل ، إذ متعلقات التكاليف الواقعية ان كانت معلومة لنا لم يكن في امتثالها عسر أصلا ، وانما نشأ العسر من الجمع بين المحتملات والوقائع المشتبهة ، فلا موضوع لقاعدة نفي العسر هنا.

(٤) أي : الاحتياط ، والتقييد بحكم العقل لإخراج الاحتياط الشرعي ،

__________________

(*) لا يخفى أن مقتضى مفهومه تسليم حكومة قاعدة نفي العسر على الاحتياط إذا كان بحكم الشرع ، لكنه مشكل ، لعدم صلاحية القاعدة للحكومة على حكم ثبت لموضوعه بهذا العنوان كإيجاب الاحتياط الشرعي في المقام ، إذ لا يكون مقتضي الشيء رافعا له كما قرر في محله. إلّا أن يمنع تشريعه بهذا العنوان العسري ، فان لحكومة قاعدة نفي العسر حينئذ على إيجاب الاحتياط مجالا بناء على إمكان إيجابه شرعا ، فتدبر.

٥٩١

وانما هو (١) في الجمع بين محتملاته احتياطا.

نعم (٢) لو كان معناه (٣) نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل (٤) لكانت قاعدة نفيه محكمة (*) على قاعدة الاحتياط ، لأن العسر حينئذ (٥) يكون من قبل التكاليف المجهولة ، فتكون (٦) [فيكون] منفية

______________________________________________________

فان حكومة قاعدة العسر عليه حينئذ في محله ، إذ متعلق وجوب الاحتياط الشرعي ـ وهو الجمع بين المحتملات ـ عسري ، وقوله : «لعدم» تعليل لـ «فلا يكون».

(١) هذا الضمير راجع إلى العسر ، وضمير «محتملاته» إلى التكليف.

(٢) استدراك على قوله : «فلا يكون له حكومة» وغرضه : أنه ـ بناء على ما اختاره الشيخ الأعظم في معنى نفي الضرر والحرج من جعلهما عنوانين لنفس الحكم ، فيكون «لا ضرر» من النفي البسيط ـ يتجه حكومة قاعدة نفي العسر على الاحتياط العسر ، لأن العسر نشأ من الأحكام الواقعية ، فتنفيها القاعدة ، إذ الموجب للعسر والملقي للعبد فيه هو تلك الأحكام.

(٣) أي : معنى ما دل على نفي الضرر والعسر.

(٤) والقائل هو الشيخ الأعظم (قده) وقد تقدم توضيح كلامه.

(٥) أي : حين كون معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر.

(٦) أي : فتكون التكاليف المجهولة منفية بنفي العسر.

__________________

(*) يمكن منع حكومة قاعدة نفي العسر على قاعدة الاحتياط حتى على مختار الشيخ أيضا ، حيث ان الجمع بين المحتملات وان كان موجبا للحرج ، لكن منشأه انما هو حكم العقل من باب وجوب الإطاعة ، لا حكم الشارع حتى تكون القاعدة حاكمة عليه. وعليه فلا فرق في عدم حكومة القاعدة على الاحتياط بين مذهب الشيخ والمصنف (قدهما).

٥٩٢

بنفيه.

ولا يخفى أنه على هذا (١) لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها ، بل لا بد من دعوى وجوبه (٢) شرعا كما أشرنا إليه (٣) في بيان المقدمة

______________________________________________________

(١) المشار إليه هو قوله : «نعم لو كان معناه ... إلخ» وهذا تعريض بالشيخ (قده) حيث انه ذهب إلى وجوب الاحتياط في بقية الأطراف بعد ارتفاع وجوبه في جميعها بقاعدة نفي العسر حيث قال : «فتحصل مما ذكرنا : أن العمدة في رد الاحتياط هي ما تقدم من الإجماع ولزوم العسر دون غيرهما ... إلى أن قال : ويبقى الاحتياط على حاله في الزائد على هذا المقدار ، لما تقرر في مسألة الاحتياط من أنه إذا كان مقتضى الاحتياط هو الإتيان بمحتملات وقام الدليل الشرعي على عدم وجوب إتيان بعض المحتملات في الظاهر تعين مراعاة الاحتياط في باقي المحتملات ... إلخ».

وحاصل التعريض : أنه لا موجب لرعاية الاحتياط في بقية الأطراف ، حيث ان التكليف المعلوم إجمالا ان كان في مورد الاضطرار فلا علم بالتكليف في غير ما اضطر إليه ، ومع عدم العلم به لا موجب للاحتياط فيه ، وسيأتي في الجزء الآتي تفصيل الكلام حول سقوط العلم الإجمالي عن التأثير وعدمه مع الاضطرار إلى بعض الأطراف ، فانتظر. وعليه فيتعين استكشاف وجوب الاحتياط من اهتمام الشارع بحفظ أحكامه حتى في ظرف الجهل والانسداد ، وإلّا فلا وجه للاحتياط العقلي.

(٢) أي : وجوب الاحتياط ، وضمير «تمامها» راجع إلى الأطراف.

(٣) حيث قال : «قلت : هذا انما يلزم لو لم يعلم بإيجاب الاحتياط ، وقد

٥٩٣

الثالثة ، فافهم وتأمل جيدا.

وأما الرجوع إلى الأصول (١) ، فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن إجرائها عقلا مع

______________________________________________________

علم به ... إلخ».

(١) هذا شروع في المطلب الثاني أعني إبطال الرجوع إلى الأصل العملي في كل مسألة بخصوصها ، وقد أفاد ذلك الشيخ الأعظم بقوله : «وأما الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة ... فان كان فيها حكم سابق يحتمل بقاؤه استصحب كالماء المتغير بعد زوال التغير ، وإلّا فان كان الشك في أصل التكليف كشرب التتن أجرى البراءة ، وان كان الشك في تعيين المكلف به مثل القصر والإتمام ، فان أمكن الاحتياط وجب ، وإلّا تخير ... ثم أخذ في رده ، إلى أن قال : وبالجملة : فالعمل بالأصول النافية للتكليف في مواردها مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة ، وبالأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط والاستصحاب مستلزم للحرج ... إلخ»

ولكن المصنف استدل على ذلك ببيان أبسط ، ومحصل ما أفاده : أن الأصول اما نافية للتكليف واما مثبتة له ، أما المثبتة فلا بأس بجريانها ، لوجود المقتضي وعدم المانع ، أما الأول ، فلحكم العقل ان كان الأصل عقليا كالاحتياط ، وعموم النقل ان كان شرعيا كالاستصحاب وأما الثاني ، فلان المنجز للواقعيات ـ سواء كان هو العلم الإجمالي ، أم المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين ، أم الإجماع ، أم وجوب الاحتياط الشرعي المستكشف من العلم باهتمام الشارع بأحكامه ـ لا يكون مانعا عن جريان الأصول المثبتة ، لوضوح عدم المنافاة بين ما هو المنجز للواقعيات وبين الأصول المثبتة لها كما هو واضح. وأما

٥٩٤

حكم العقل (١) وعموم النقل ، هذا ولو قيل (٢) بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ، لاستلزام (٣) شمول دليله لها التناقض في

______________________________________________________

الأصول النافية فسيأتي الكلام عنها.

ثم انه قد استدل على بطلان الرجوع إلى الأصول المثبتة للتكليف بوجهين : أحدهما مشترك بين جميعها وهو : لزوم الحرج من العمل بها كما عرفته من عبارة شيخنا الأعظم (*) ، والآخر مختص بالاستصحاب وسيأتي توضيحه.

(١) يعني : مع وجود المقتضي من حكم العقل أو عموم النقل وعدم المانع لا وجه لعدم جريان الأصول المثبتة كما عرفت توضيحه.

(٢) هذا هو الوجه الثاني المختص بالاستصحاب ، وحاصله : أنه لا يجري الاستصحاب المثبت للتكليف في أطراف العلم الإجمالي ، مثلا إذا علمنا إجمالا بوجوب بعض الأفعال في زمن حضور الإمام عليه‌السلام كوجوب صلاة الجمعة والعيدين ووجوب التسبيحات الأربع مثلا في الصلوات الثلاثية والرباعية ووجوب الدعاء عند رؤية الهلال وغيرها ، وعلمنا إجمالا أيضا بانتقاض بعض هذه الأحكام في زمن الغيبة ، لدخل حضوره عليه‌السلام في بعضها ، ولكن لم نعلم ذلك بعينه ، فانه لا مجال حينئذ لاستصحاب كل واحد من تلك الأحكام لعدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الإجمالي ، للمناقضة بين صدر الدليل وذيله ، وقد تقدم في موضعين من هذا الجزء توضيح التناقض (١).

(٣) تعليل لعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي.

__________________

(*) لكن فيه : أنه لا يلزم الحرج من ذلك أصلا ، لقلة موارد الأصول المثبتة فيما هو محل الكلام من الشبهات الحكمية.

(١) راجع آخر بحث الموافقة الالتزامية الصفحة ١٤٤ ، والأدلة العقلية على حجية الخبر الصفحة ٥٢٩.

٥٩٥

مدلوله (١) ، بداهة (٢) تناقض حرمة النقض في كل منها لوجوبه (٣) في البعض ، كما هو (٤) قضية «ولكن تنقضه بيقين آخر» وذلك لأنه (٥) انما يلزم فيما

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «دليله» راجعان إلى الاستصحاب ، وضميرا «لها ، منها» راجعان إلى الأطراف.

(٢) تعليل للتناقض بين صدر الدليل وذيله.

(٣) أي : لوجوب النقض ، وهو متعلق بقوله : «تناقض» وتقريب له ، يعني : أن من الواضح مناقضة حرمة النقض في كل واحد من الأطراف ـ المستفاد من قوله : «لا تنقض» ـ لوجوب النقض في بعضها وهو المعلوم بالإجمال.

(٤) أي : وجوب النقض ، غرضه : أن وجوب النقض هو مقتضى قوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر».

(٥) أي : لأن التناقض انما يلزم ... إلخ ، وهذا تعليل لقوله : «فلا مانع من إجرائها» وغرضه : إثبات عدم المانع من جريان الاستصحاب المثبت للتكليف حتى على القول بعدم جريانه في أطراف العلم الإجمالي من جهة التناقض المزبور ، توضيحه : أن التناقض بين صدر دليله وذيله موقوف على جريان الاستصحاب في كل واحد من الأطراف كما هو مقتضى صدره ، لأنه المناقض للحكم بوجوب النقض في بعضها وهو المعلوم بالإجمال كما هو مقتضى ذيله ، وجريان الاستصحاب في كل واحد من الأطراف منوط بتحقق موضوعه ـ وهو اليقين والشك الفعليان ـ وهو غير حاصل ، لتوقفه على الالتفات إلى كل واحد من الأطراف ، ولا يحصل هذا الالتفات للمجتهد إلّا تدريجاً كما هو واضح ، والمدار في الاستصحاب على الشك الفعلي لا التقديري ، ولازم عدم الالتفات فعلا إلى جميع الفروع هو عدم العلم الإجمالي بالانتقاض ، فقوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر»

٥٩٦

إذا كان الشك في أطرافه فعليا ، وأما إذا لم يكن كذلك (١) بل (٢) لم يكن الشك فعلا إلّا في بعض أطرافه ، وكان بعض أطرافه الآخر غير ملتفت إليه فعلا كما هو (٣) حال المجتهد في مقام استنباط الأحكام كما لا يخفى (٤)

______________________________________________________

أجنبي عن المقام مع فرض عدم الالتفات الفعلي ، فيكون كل فرع يستنبط المجتهد حكمه موردا لصدر الدليل ـ أعني «لا تنقض» ـ فقط ، ولا ينطبق عليه الذيل حتى يلزم التناقض المزبور ، للغفلة عن سائر الأطراف المانعة عن تحقق الشك الفعلي ، فإشكال التناقض غير وارد هنا.

وببيان أوجز : أن التناقض يكون بين حرمة النقض ووجوبه ، وهذان الحكمان كغيرهما من الأحكام منوطان بموضوعهما ، ولا موضوع للحكم الثاني ـ أعني وجوب النقض ـ لأن موضوعه الشك الفعلي ، وهو مفقود ، لعدم الالتفات دفعة إلى جميع الفروع حتى يحصل العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة فيها ، ومع الالتفات التدريجي لا يحصل علم إجمالي حتى يتحقق موضوع وجوب النقض ، فلا تناقض.

(١) أي : لم يكن الشك في جميع أطراف العلم الإجمالي فعليا ، بل كان فعليا في بعض أطرافه ، وضمير «أطرافه» في المواضع الثلاثة راجع إلى العلم الإجمالي.

(٢) عطف تفسيري لـ «كذلك».

(٣) مثال للنفي وهو عدم الالتفات فعلا إلى بعض الأطراف.

(٤) لوضوح أن المتصدي للاستنباط غافل عن غير الحكم الّذي يريد استنباطه واستخراجه من الأدلة الشرعية.

٥٩٧

فلا يكاد (١) يلزم ذلك ، فان (٢) قضية «لا تنقض» ليست [ليس] حينئذ (٣) إلّا حرمة النقض في خصوص الطرف المشكوك ، وليس فيه (٤) علم بالانتقاض كي يلزم التناقض في مدلول دليله (٥) من شموله له ، فافهم (٦).

ومنه (٧) قد انقدح ثبوت حكم العقل وعموم النقل بالنسبة إلى

______________________________________________________

(١) جواب قوله : «وأما إذا لم يكن» أي : فلا يكاد يلزم التناقض المزبور.

(٢) تعليل لعدم لزوم التناقض ، وقد عرفت توضيحه.

(٣) أي : حين كون بعض الأطراف غير ملتفت إليه.

(٤) أي : في الطرف المشكوك حين عدم الالتفات إلى غيره.

(٥) أي : دليل الاستصحاب ، و «من شموله» متعلق بـ «يلزم» وضمير «له» راجع إلى الطرف غير الملتفت إليه ، يعني : حتى يلزم التناقض من شمول دليل الاستصحاب للطرف غير الملتفت إليه.

(٦) لعله إشارة إلى : أن فرض الغفلة عن بعض الأطراف الموجب لجريان الاستصحاب في المقام ينافي ما جعله المصنف مقدمة أولى لدليل الانسداد من دعوى العلم الإجمالي بالتكاليف الفعلية في الشريعة المقدسة. هذا تمام الكلام حول الأصول المثبتة.

(٧) أي : ومن عدم العلم الإجمالي بالانتقاض لأجل الغفلة والذهول عن بعض الأطراف ظهر ... وحاصل مرامه : أنه لا مانع من جريان الأصول النافية للتكليف أيضا ، لعدم لزوم محذور التناقض لأجل الغفلة عن بعض الأطراف كما تقدم ، فحكم العقل بجريان الأصل العقلي ، وعموم النقل بالنسبة إلى الأصل الشرعي باق على حاله. وتوضيحه : أن المانع من جريان الأصول النافية أحد أمور : اما العلم الإجمالي بثبوت التكاليف ، واما الإجماع على وجوب الاحتياط في

٥٩٨

الأصول النافية أيضا (١) ، وأنه (٢) لا يلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدليل لها لو لم يكن هناك مانع عقلا (٣) أو شرعا من إجرائها (٤) ، ولا مانع

______________________________________________________

الجملة ، واما العلم باهتمام الشارع بالتكاليف الموجب للعلم بإيجابه الاحتياط. وشيء من هذه الأمور لا يصلح للمانعية.

أما الأول ، فلانحلاله بالعلم أو العلمي أو الأصول المثبتة التي قد عرفت عدم المانع من جريانها ، ومع الانحلال لا مانع من جريان الأصول النافية في أطرافه.

وأما الأخيران ، فلتوقف مانعيتهما على عدم انحلال العلم الإجمالي الكبير ، إذ المتيقن من الإجماع على وجوب الاحتياط ، أو استكشافه من العلم باهتمام الشارع بالاحكام الشرعية هو صورة عدم ثبوت مقدار معتد به من التكاليف ، وأما مع ثبوته وان لم يكن مساويا للمعلوم بالإجمال ، فلا يثبت إجماع على وجوب الاحتياط في غيره ، ولا علم باهتمام الشارع بما عدا ذلك المقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف ليستكشف به وجوب الاحتياط فيما عدا ذلك المقدار المعلوم. وعليه فلا مانع حينئذ من جريان الأصول النافية لا شرعا كالإجماع ولا عقلا كالعلم الإجمالي ، فظهر عدم بطلان الرجوع إلى الأصول النافية ، وقد كانت تمامية المقدمة الرابعة متوقفة على بطلانه.

(١) أي : كما في الأصول المثبتة.

(٢) الضمير للشأن ، وهذا بيان لوجه الانقداح.

(٣) كالعلم الإجمالي. والمانع الشرعي كالإجماع.

(٤) أي : إجراء الأصول النافية ، وضمير «لها» راجع إلى الأطراف.

٥٩٩

كذلك (١) لو كانت (٢) موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه علمي (٣) بمقدار (٤)

______________________________________________________

(١) أي : عقلا أو شرعا.

(٢) غرضه : أن عدم المانع العقلي أو الشرعي من إجراء الأصول النافية موقوف على عدم انحلال العلم الإجمالي الكبير بثبوت مقدار من التكاليف بالعلم التفصيليّ الحاصل من الاخبار المتواترة والضرورة والإجماع القطعي بضميمة الأصول المثبتة ، أو انحلاله بثبوت مقدار من التكاليف بالأمارات المعتبرة مع الأصول المثبتة ، إذ مع انحلال العلم الإجمالي الكبير لا يبقى علم إجمالي حتى يلزم من جريان الأصول النافية في باقي أطرافه محذور عقلي وهو المخالفة القطعية الكثيرة ، أو شرعي وهو مخالفة الإجماع على وجوب الاحتياط ، إذ مع الانحلال المزبور لا يثبت إجماع حتى تحرم مخالفته. كما لا سبيل حينئذ إلى العلم باهتمام الشارع بالتكاليف حتى يستكشف به وجوب الاحتياط شرعا.

(٣) المراد به هنا : العلمي الوافي ببعض الأحكام بحيث لا يؤثر في انحلال العلم الإجمالي بالاحكام إلّا بعد ضم ما يثبت بالأصول المثبتة إليه ، وعليه فلا يتوهم منافاة قوله : «أو نهض عليه علمي» لما ذكره في المقدمة الثانية من مقدمات دليل الانسداد من انسداد باب العلم والعلمي ، وجه عدم المنافاة : أن المقصود بانسداد باب العلمي في تلك المقدمة هو العلمي الوافي بمعظم الأحكام بحيث لا يلزم من إجراء البراءة في الموارد الباقية محذور المخالفة القطعية ، بخلاف العلمي هنا ، فان المقصود به ـ كما عرفت ـ وفاؤه بمعظم الأحكام بضميمة الأصول المثبتة ، لا بمجرده.

(٤) خبر قوله : «كانت».

٦٠٠