منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

مطلقاً ، فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر (١) ، حيث (٢) انه ليس شأن الراوي الا الاخبار بما تحمله ، لا التخويف والإنذار (٣) ، وانما هو (٤) شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد.

قلت (٥) : لا يذهب عليك أنه ليس حال الرّواة في الصدر الأول

______________________________________________________

(١) بل بما هو خبر متضمن للتخويف.

(٢) تقريب للإشكال وقد عرفته ، وضمير «انه» للشأن.

(٣) الّذي هو عبارة لغة وعرفاً عن الإبلاغ مع التخويف ، قال في الصحاح : «الإنذار هو الإبلاغ ولا يكون إلّا في التخويف» وفي القاموس : «أنذره بالأمر إنذاراً أعلمه وحذره وخوفه في إبلاغه».

(٤) أي : التخويف والإنذار.

(٥) هذا جواب الإشكال المتقدم ، وحاصله : أن نقلة الروايات كنقلة الفتاوى إلى العوام في أنه كما يصح التخويف من نقلة الفتاوى كذلك يصح من نقلة

__________________

كلتا الجهتين ـ وهما جهة التخويف وجهة الحكاية ـ على الكل ولو كان مجتهداً ، كما أفاده هو (قده) بقوله : «والثاني كأن يقول في مقام التخويف ... إلخ» حيث انه ظاهر في ترتب جميع ما للخمر ـ من الحكم والمؤاخذة ـ على شرب العصير.

نعم إذا لم يكن المنقول عن الإمام عليه‌السلام بتلك المثابة من الصراحة أو الظهور في التخويف بأن كان ذا وجهين أو وجوه كما إذا أمكن حمله على الاخبار وعلى الاستفهام ، والاستفهام على الحقيقي والإنكاري والتوبيخي مثلا تم ما ذكره (قده) لأن حمله على التخويف اجتهاد منه ، فلا يكون حجة الا على مقلديه.

٤٨١

في نقل ما تحملوا من النبي صلّى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام أو الإمام عليه‌السلام من الأحكام إلى الأنام إلّا كحال (١) نقلة الفتاوى إلى العوام ، ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الإبلاغ والإنذار والتحذير بالبلاغ ، فكذا من الرّواة (٢) ، فالآية لو فرض دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف كان نقله حجة بدونه (٣) أيضا ، لعدم الفصل بينهما (٤) جزماً ، فافهم (٥).

______________________________________________________

الروايات ، فإذا كان نقل الرواية مع التخويف حجة كان نقلها بدونه حجة أيضا ، لعدم القول بالفصل بينهما ، فنقل الرواية يصير حجة مطلقاً سواء أكان مع التخويف أم بدونه ، وهو المطلوب.

(١) خبر «ليس» و «من الأحكام» بيان للموصول في «ما تحملوا» يعني : أن نقلة الروايات لا يخرجون عن كونهم نَقَلة ، كعدم خروج نقلة الفتاوى عن عنوان النقلة بسبب الإنذار.

(٢) أي : من غير الصدر الأول ، وضمير «منهم» راجع إلى نقلة الفتاوى.

(٣) أي : بدون التخويف ، و «أيضا» يعني : ككونه حجة مع التخويف.

(٤) أي : بين نقل الراوي مع التخويف ونقله بدون التخويف.

(٥) لعله إشارة إلى : أن مقوِّم الحجية إذا كان هو الإنذار بمدلول الخبر مع النّظر وإعمال الفكر ، فلا مجال لتسرية الحكم إلى الخبر من حيث كونه خبراً ، لاختلاف الموضوع ، نعم ان كان التخويف ظرفاً للحجية لا مقوماً لها فلا بأس بدعوى عدم الفصل بينهما. أو إشارة إلى : أن التخويف أعم من أن يكون بالدلالة المطابقية أو الالتزامية ، مثلا إذا نقل الراوي أن الإمام عليه‌السلام قال : «تجب صلاة الجمعة» أو «يحرم شرب المسكر» فان هذا النقل واجد للإنذار بالدلالة

٤٨٢

ومنها : آية الكتمان : «ان الذين يكتمون ما أنزلنا» (١) الآية (*)

______________________________________________________

الالتزامية ، لأن الاخبار عن الملزوم ـ وهو الوجوب أو الحرمة ـ اخبار التزاماً عن اللازم وهو استحقاق العقوبة على المخالفة لكنه أخص من المدعى ، وهو حجية الخبر مطلقاً سواء كان مفاده حكماً إلزامياً أم غيره ، ومن المعلوم أن الرواية التي لا تتضمن حكماً إلزامياً ليس فيها اخبار عن العقاب حتى يكون إنذاراً. أو إشارة إلى : أن وجوب الحذر مترتب على الإنذار الواجب ، لا على مجرد صحة الإنذار ، ومن المعلوم عدم وجوب الإنذار على الرّواة من حيث انهم رواة كعدم وجوبه على نقلة الفتاوى ، والمفروض وجوب الحذر في خصوص ما إذا وجب الإنذار ، دون ما إذا صح وان لم يكن واجباً.

__________________

(*) الحق أجنبية هذه الآية الشريفة عما نحن فيه ، لوجهين :

أحدهما : أن مورد الآية هو نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المعلوم عدم حجية خبر الواحد فيها لكونها من أصول الدين ، فلا ربط لها بالفروع ، فالتعدي عن مورده إلى الفروع بلا وجه ، ولو بني على التعدي فلا يتعدى الا إلى مثلها مما هو من أصول الدين.

ثانيهما : أن حرمة الكتمان عبارة أخرى عن حرمة الإخفاء ، فيجب إظهار ما ليس بظاهر وأما إذا كان واضحاً وظاهراً كالمقام لقوله تعالى : «من بعد ما بيناه للناس» فالمراد بالكتمان حينئذ هو إبقاء الواضح على حاله ، وعدم بيانه اتّكالا على وضوحه ، لا أن المراد بالكتمان ترك إظهار الشيء الخفي كما في آية كتمان النساء لما خلقه الله في أرحامهن.

وبالجملة : فعلماء اليهود كتموا ما كان ظاهراً ومبيناً في التوراة من علائم نبوة نبينا وصفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث لو لم يكتموه لظهر الحق

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٥٩.

٤٨٣

وتقريب الاستدلال بها : أن حرمة الكتمان تستلزم القبول (١) عقلا ، للزوم لغويتها [لغويته] بدونه (٢).

ولا يخفى أنه ـ لو سلمت هذه الملازمة ـ لا مجال (٣) للإيراد

______________________________________________________

٣ ـ آية الكتمان

(١) الأولى أن يقال : «تستلزم وجوب القبول» كما في عبارة شيخنا الأعظم (قده) أيضا.

(٢) أي : لغوية حرمة الكتمان بدون وجوب القبول ، وتوضيح ما أفاده : أن حرمة كتمان الفروع ـ بناءً على أعمية الآيات والبينات من الأصول والفروع ، وإطلاق الحرمة يعني : حتى إذا لم يكن الإظهار موجباً للعلم ـ تستلزم عقلا وجوب القبول ، للزوم لغوية حرمة الكتمان بدون وجوب القبول ، هذا.

وقد تعرض الشيخ الأعظم للاستدلال بهذه الآية بقوله : «ومن جملة الآيات التي استدل بها جماعة تبعاً للشيخ في العدة ... إلى أن قال : والتقريب فيه نظير ما بيناه في آية النفر من أن حرمة الكتمان يستلزم وجوب القبول عند الإظهار».

(٣) الصواب أن يقال : «فلا مجال» لعدم صلاحيته لجعله شرطاً ، فلا بدّ من

__________________

بنفسه لعامة الناس ، لكن كانوا مكلفين ببيان ما كان ظاهراً ، لأن المطلوب إشاعة الحق وكثرة إظهاره ، لا قبول الخبر تعبداً كما هو المقصود في مسألة حجية خبر الواحد ، فلا يصح الاستدلال بهذه الآية الشريفة بدعوى الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول تعبداً.

نعم لا بأس بدعوى هذه الملازمة في آيتي حرمة كتمان النساء لما في أرحامهن وحرمة كتمان الشهادة على الشاهد ، فتأمل جيداً.

٤٨٤

على هذه الآية بما أورد على آية النفر من دعوى الإهمال ، أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم ، فانها (١) تنافيهما [ينافيهما] كما لا يخفى. ولكنها (٢) ممنوعة ، فان اللغوية غير لازمة ، لعدم (٣) لعدم انحصار الفائدة

______________________________________________________

اقترانه بالفاء جواباً لـ «لو» وغرضه من هذه العبارة دفع ما أورده الشيخ الأعظم على الاستدلال بهذه الآية بقوله : «ويرد عليها ما ذكرنا من الإيرادين الأولين في آية النفر من سكوتها وعدم التعرض فيها لوجوب القبول وان لم يحصل العلم عقيب الإظهار أو اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالأمر الّذي يحرم كتمانه ويجب إظهاره ... إلخ» وحاصل هذين الإيرادين كما تقدم هو التشكيك في الإطلاق المثبت لحجية الخبر وان لم يفد العلم كما هو المطلوب في حجيته ودعوى استظهار اشتراط الحجية بما إذا أفاد العلم.

ومحصل دفعهما : أنه ـ بعد تسليم الملازمة العقلية بين وجوب الإظهار ووجوب القبول ـ لا مجال لدعوى الإهمال أو استظهار الاختصاص ، إذ لا إهمال في موضوع حكم العقل ، لأنه إذا أحرز موضوع حكمه حكم به بنحو الإطلاق.

(١) أي : فان الملازمة تنافي الإهمال والاختصاص ، كما عرفته.

(٢) أي : ولكن الملازمة ممنوعة ، وهذا إشكال على الاستدلال بالآية ، وحاصله : منع الملازمة ، لعدم انحصار الفائدة في القبول تعبداً كما هو المطلوب لتثبت الملازمة ويتم الاستدلال بها على حجية الخبر غير العلمي ، لإمكان أن تكون الفائدة في وجوب الإظهار إفشاء الحق وإتمام الحجة ، لا لأجل حجيته تعبداً.

(٣) تعليل لعدم لزوم اللغوية ، وقوله : «فان» تقريب لمنع الملازمة.

٤٨٥

بالقبول تعبداً (١) ، وإمكان (٢) أن تكون حرمة الكتمان (٣) لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه (٤) ، لئلا يكون للناس على الله حجة ، بل كان له عليهم الحجة البالغة.

ومنها : آية السؤال عن أهل الذّكر (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١) وتقريب الاستدلال بها ما في آية الكتمان (٥).

______________________________________________________

(١) كما هو المطلوب في حجية الخبر الواحد.

(٢) عطف على «عدم» أي : ولإمكان أن تكون ... قال الشيخ الأعظم : «ويشهد لما ذكرنا أن مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النبي بعد ما بين الله لهم ذلك في التوراة ، ومعلوم أن آيات النبوة لا يكتفي فيها بالظن ...».

(٣) الأولى سوق العبارة هكذا : «حرمة الكتمان ووجوب الإظهار ليتضح الحق ... إلخ».

(٤) هذا الضمير والضمير الظاهر في «أفشاه» راجع إلى الحق.

٤ ـ آية السؤال

(٥) من دعوى الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول ، إذ يلزم لغوية وجوب السؤال بدون وجوب القبول ، فيدل وجوب السؤال على وجوبه. ولا يخفى أن صحة هذا الاستدلال منوطة بأمور : الأول : أن لا يكون المراد بأهل الذّكر علماء أهل الكتاب كما هو ظاهر الآية بحسب المورد ، ولا الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين كما ورد به النص المستفيض ، مثل ما رواه عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : «فاسألوا أهل الذّكر

__________________

(١) سورة النمل ، الآية ٤٣ ، الأنبياء ، الآية ٧.

٤٨٦

وفيه : أن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم (١) ، لا للتعبد بالجواب.

______________________________________________________

ان كنتم لا تعلمون ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الذّكر أنا والأئمة أهل الذّكر ، وقوله عزوجل : وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : نحن قومه ونحن المسئولون» (١).

الثاني : أن يكون مورد السؤال أعم من الأصول والفروع.

الثالث : أن لا يكون للسؤال فائدة الا القبول تعبداً ، إذ لو كانت له فائدة سواه لا يتم التلازم بين وجوب السؤال ووجوب القبول تعبداً ، هذا. لكن الجميع محل المناقشة خصوصاً الأخير ، لوضوح أن ترتب القبول أحياناً ـ يعني فيما إذا أفاد الجواب العلم ـ كاف في دفع لغوية وجوب السؤال ، فلا تدل الآية الشريفة على حجية قول أهل الذّكر مطلقاً ولو مع عدم افادته العلم كما هو المطلوب ، هذا.

وقد تعرض شيخنا الأعظم للاستدلال بهذه الآية أيضا بقوله : «ومن جملة الآيات التي استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالى : فاسألوا أهل الذّكر ان كنتم لا تعلمون بناء على أن وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب وإلّا لغا وجوب السؤال ... إلخ» والظاهر أن المقصود ببعض المعاصرين صاحب الفصول (قده) حيث جعل الآية الشريفة رابع الأدلة على حجية الخبر الواحد ، فلاحظ.

(١) إذ الظاهر من وجوب السؤال في صورة الجهل ـ كما يقتضيه قوله تعالى :

__________________

(١) راجع أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٠ ، الحديث : ١ ، وغيره من الأحاديث المذكورة في باب أن أهل الذّكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم‌السلام ، وكذا تفسير نور الثقلين ج ٣ ، ذيل الآية الشريفة.

٤٨٧

وقد أورد عليها (١) بأنه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذّكر ، فلا دلالة لها (٢) على التعبد بما يروي الراوي ، فانه (٣) بما هو راو لا يكون من أهل الذّكر والعلم ، فالمناسب (٤) انما هو الاستدلال بها على حجية الفتوى لا الرواية.

______________________________________________________

ان كنتم لا تعلمون ـ هو كون السؤال لتحصيل العلم ، ويؤيده ما قيل من : «أن لكل داء دواء ودواء الجهل السؤال» فان الدواء رافع للمرض ، فالسؤال يوجب ارتفاع مرض الجهل وصيرورة الجاهل عالماً ، فلا تدل الآية على وجوب الأخذ بقول أهل الذّكر تعبداً ، بل في خصوص صورة إفادة العلم. وهذا الجواب قد ذكره الشيخ الأعظم بقوله : «وثانياً : ان الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبداً ، ... إلخ».

(١) أي : على الاستدلال بالآية ، فالأولى تذكير الضمير ، وضمير «بأنه» للشأن» وهذا ثالث مناقشات الشيخ الأعظم ، قال : «... قلنا : ان المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم ولو بسماع رواية من الإمام عليه‌السلام ، وإلّا لدل على حجية قول كل عالم بشيء ولو من طريق السمع والبصر ... إلى أن قال : ولذا تمسك به جماعة على وجوب التقليد» وحاصله : أن الآية ـ بعد تسليم دلالتها على وجوب القبول تعبداً ـ تدل على حجية قول أهل العلم ، لا حجية ما يروي الراوي الّذي لا يكون ـ من حيث كونه راوياً ـ من أهل العلم ، فالآية تدل على حجية فتوى الفقيه ، فالمناسب جعل الآية من أدلة حجية الفتوى ، لا الرواية.

(٢) هذا الضمير وضمير «دلالتها ، بها» الآتي راجع إلى الآية.

(٣) أي : فان الراوي بما هو راو لا يكون من أهل الذّكر.

(٤) تفريع على قوله : «فلا دلالة لها».

٤٨٨

وفيه (١) : أن كثيراً من الرّواة يصدق عليهم أنهم أهل الذّكر والاطلاع على رأي الإمام عليه‌السلام كزرارة ومحمد بن مسلم

______________________________________________________

(١) هذا جواب عن الإيراد الثالث المتقدم في كلام الشيخ ، وتوضيحه : أن أهل العلم وان كان لا يطلق اصطلاحاً على من علم من طريق الحواس الظاهرة كما في المقام ، حيث ان الراوي يعلم كلام المعصوم عليه‌السلام بالسمع ، فلا يطلق عليه أهل العلم ، وانما يطلق على خصوص من علم بالقوة الناطقة ، إلّا أن عدة من الرّواة كانوا واجدين لمرتبتين : الفتوى والرواية ، فالآية تدل على حجية قوله من حيث انه من أهل الذّكر ، ويثبت اعتبار قوله من حيث كونه راوياً بعدم الفصل في اعتبار الرواية بينه وبين من لا يكون إلّا راوياً كجملة من الرّواة الذين لم يكونوا من أهل الذّكر ، يعني : كل من قال باعتبار رواية واجداً لمرتبتين قال باعتبار رواية الواجد لمرتبة الرواية فقط. كما يثبت اعتبار قول الراوي مطلقاً بعدم الفصل أيضا بين ما يكون مسبوقاً بسؤال وبين غيره ، فان مقتضى هذه الآية وان كان حجية قول أهل الذّكر ـ دون الرّواة ـ في خصوص ما يكون مسبوقاً بالسؤال ، فيكون أخص من المدعى ، ولكن بعدم الفصل المزبور يتم المطلوب ويندفع إشكال الأخصية ، هذا (*).

__________________

(*) لكن فيه ما لا يخفى ، لأن ظاهر كل عنوان أخذ في حيز خطاب هو الموضوعية ، فلو كان في مورده عنوان آخر لا يكون لذلك دخل في الحكم أصلا ، فالتعدي عن العنوان المأخوذ موضوعاً إلى عنوان آخر غير ظاهر. وان شئت فقل : ان مقوم الحجية هو كون المسئول من أهل الذّكر ، فبانتفائه ينتفي الحكم وان اجتمع معه عنوان آخر ككونه راوياً للحديث ، هذا.

لكن الإنصاف صحة الاستدلال بالآية الشريفة ، وذلك لمناسبة الحكم

٤٨٩

ومثلهما (١) ، ويصدق على السؤال عنهم (٢) أنه (٣) السؤال عن أهل الذّكر والعلم ولو كان السائل من أضرابهم (٤) ، فإذا وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم ورواية غيرهم من العدول مطلقاً (٥) ، لعدم (٦) الفصل جزماً في وجوب القبول بين المبتدأ والمسبوق بالسؤال ، ولا بين أضراب زرارة وغيرهم ممن لا يكون من أهل الذّكر ، وانما يروي ما سمعه أو رواه ، فافهم (٧).

______________________________________________________

(١) الأولى أن يقال : «وأمثالهما».

(٢) ضمائر الجمع من هنا إلى «وغيرهم ممن لا يكون» راجعة إلى كثير من الرّواة.

(٣) فاعل «يصدق» أي : يصدق أن السؤال عنهم سؤال عن أهل الذّكر.

(٤) كهشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن وأبان بن تغلب.

(٥) يعني : سواء كان في مقام الجواب بما هو راو أم بما هو مفت ، وسواء كان مسبوقاً بالسؤال أم لم يكن ، فالصور أربع.

(٦) تعليل لقوله : «وجب قبول روايتهم» وقد عرفته.

(٧) لعله إشارة إلى ما ذكرناه ـ في التعليقة ـ من عدم الوجه في التعدي عن العنوان الموضوعي وهو القدر المتيقن من مورد الآية ـ أعني كون المجيب

__________________

للموضوع ، حيث انها تقتضي إرادة السؤال من كل من هو عالم بموضوع السؤال سواء كان المسئول مجتهداً أم راوياً أم غيرهما من أرباب الحرف والصناعات.

٤٩٠

ومنها : آية الأذن «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ، وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» (١) فانه (١) تبارك وتعالى مدح نبيه

______________________________________________________

من أهل الذّكر ومسبوقاً بالسؤال ـ إلى غيره من الصور الثلاث الأخر ، وانما يتجه التعدي فيما إذا كان العنوان ظرفاً للحكم أعني وجوب السؤال لا موضوعاً ومقوماً له ، كما هو ظاهر الكلام ، فالاستدلال بهذه الآية كالآيات السابقة غير ظاهر.

(٥ ـ آية الأذن)

(١) هذا تقريب الاستدلال بالآية الشريفة على حجية خبر الواحد ، توضيحه ان الله سبحانه وتعالى مدح نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يصدِّق المؤمنين ، وتسرية الحكم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى غيره اما من جهة دلالة الآية على حسن التصديق مطلقاً من غير فرق بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وو غيره ، واما من جهة ما دل على حسن المتابعة والتأسي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحسن التصديق يلازم حجية الخبر ، والمصدق كل واحد من المؤمنين لا جميعهم بعنوان الاجتماع ، فدلت الآية على حجية كل خبر مؤمن وان لم يفد العلم. ولا يمكن حمله على ما إذا أفاد العلم ، لأن التصديق في صورة إفادة العلم ليس من جهة تصديق المؤمن من حيث انه مؤمن حتى يكون مدحاً ، وانما هو من جهة العلم بالواقع فلا يكون مدحاً ، وظاهر الآية أنها في مقام المدح ، فيكون تصديق المؤمن بما هو تصديق المؤمن محبوباً خصوصاً مع اقترانه بتصديقه له تبارك وتعالى ، ومن المعلوم أن تصديقه تعالى لازم ، فكذا ما بعده من تصديق المؤمنين ، فدلت الآية المباركة على حجية قول المؤمن. قال شيخنا الأعظم (قده) بعد ذكر

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٦١.

٤٩١

بأنه يصدق المؤمنين ، وقرنه (١) بتصديقه تعالى.

وفيه (٢) أولا : أنه (٣) انما مدحه بأنه أذن ، وهو سريع القطع (*) ، لا الأخذ بقول الغير تعبداً (٤).

______________________________________________________

الآية ما لفظه : «مدح الله عزوجل رسوله بتصديقه للمؤمنين ، بل قرنه بالتصديق بالله جل ذكره ، فإذا كان التصديق حسناً يكون واجباً ... إلخ».

(١) أي : وقرن الله تصديق النبي للمؤمنين بتصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله له تبارك وتعالى ، فكما لا يتصف تصديق النبي لله سبحانه الا بالحسن فكذا تصديق النبي للمؤمنين ليس إلّا حسناً ، ولازم ذلك أن قول المؤمن لا بد أن يكون معتبراً في نفسه حتى يتصف قبوله بالحسن.

(٢) أورد المصنف على الاستدلال بالآية بوجهين مذكورين في الرسائل ، أولهما ما تعرض له الشيخ بقوله : «إن المراد بالأذن السريع التصديق والاعتقاد بكل ما يسمع ، لا من يعمل تعبداً بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقة ، فمدحه بذلك بحسن ظنه بالمؤمنين وعدم اتهامهم» وحاصله : أن الآية تدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سريع القطع ، فيكون تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمؤمنين لأجل حصول القطع بقولهم ، لا مطلقاً ولو تعبداً ، فيكون أجنبياً عن المقام الّذي هو اعتبار قول المؤمن تعبداً.

(٣) الضمير للشأن ، وضميرا «مدحه ، بأنه» راجعان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) كما هو المطلوب في حجية الخبر الواحد.

__________________

(*) ولا يخفى أن هذا الإيراد بظاهره لا يلائم مقام النبوة ، والتفصيل في محله.

٤٩٢

وثانياً : أنه (١)

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، والأولى بسوق العبارة أن يقال : «وثانياً ان المراد ... إلخ» وكيف كان فهذا ثاني إيرادي الشيخ الأعظم قال : «وثانياً : أن المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعاً وترتيب جميع آثاره عليه ، إذ لو كان المراد به ذلك لم يكن أذن خير لجميع الناس ... إلخ» وتوضيحه : أن المطلوب في حجية خبر الواحد هو ترتيب جميع الآثار الشرعية ـ المترتبة على المخبر به واقعاً ـ على اخبار الثقة أو العادل سواء كانت ضرراً على المخبر أم نفعاً له ، وحينئذ فإذا أريد من التصديق غير هذا المعنى لم يكن مرتبطاً بحجية الخبر. وفي المقام حيث ان الآية الشريفة تدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أذن خير لجميع المؤمنين ، لدلالة الجمع المحلى باللام على العموم ، فلا يمكن إرادة جميع الآثار من التصديق ، إذ لو أريد منه ذلك لما كان هو صلى‌الله‌عليه‌وآله أذن خير لجميع الناس بل أذن خير لخصوص المخبر ، مثلا إذا أخبره شخص بأن بكراً شرب الخمر ، فان التصديق المطلوب في حجية الخبر هو ترتيب آثار الصدق على اخباره ، بأن يجري على بكر حد شرب الخمر ، ومن المعلوم أنه ليس خيراً لبكر ، بل هو خير للمخبر فقط ، لتصديقه. ويؤيد إرادة هذا المعنى بل يدل عليه ما عن تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام من تعليل تصديق المؤمنين بقوله : «لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رءوفاً رحيماً بالمؤمنين» (١) ، حيث ان الرأفة بجميع المؤمنين تنافي قبول قول أحدهم على الآخر بمعنى ترتيب الآثار على قوله وان أنكر المخبر عنه وقوع ما نسب إليه ، فمع الإنكار لا بد من تكذيب أحدهما ، فلا يكون أذن خير للجميع.

وبالجملة : فالمراد من التصديق بالنسبة إلى المؤمنين هو التصديق الصوري

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٢٣٧ الحديث ٢٢٠ عن تفسير العياشي.

٤٩٣

انما أراد بتصديقه (١) للمؤمنين [المؤمنين] هو ترتيب خصوص الآثار

______________________________________________________

لا التصديق بمعنى ترتيب جميع آثار الصدق عليه كما هو كذلك بالنسبة إلى الله تعالى ، ويؤيده أيضا ـ كما أفاده الشيخ ـ بل يشهد له ما في تفسير القمي (قده) من «أنه كان سبب نزولها : أن عبد الله بن نفيل كان منافقاً وكان يقعد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين ويتم عليه ، فنزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال يا محمد : ان رجلا من المنافقين ينمّ عليك وينقل حديثك إلى المنافقين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من هو؟ فقال : الرّجل الأسود الكثير شعر الرّأس ينظر بعينين كأنهما قدران وينطق بلسان شيطان ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره ، فحلف أنه لم يفعل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد قبلت منك فلا تقعد ، فرجع إلى أصحابه فقال : ان محمداً أذن ، أخبره الله أنّي أنمّ عليه وأنقل أخباره فقبل ، وأخبرته اني لم أفعل ذلك فقبل ، فأنزل الله على نبيه : ومنهم الذين يؤذون النبي ... الآية» (١) ومن المعلوم أن تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقاً.

وربما يشهد بتغاير معنى الإيمان في الموضعين : تعديته في الأول بالباء ، وفي الثاني باللام.

وبالجملة : فبعد ملاحظة هذه القرائن وغيرها لا يبقى مجال لتوهم إرادة التصديق المطلوب في باب حجية الخبر ـ وهو ترتيب جميع آثار الصدق ـ على المخبر به تعبداً من قوله تعالى : «ويؤمن للمؤمنين» فلا تدل هذه الآية أيضا على حجية خبر الواحد.

(١) أي : بتصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للمؤمنين ، وضمير «أنه» للشأن».

__________________

(١) تفسير القمي ج ١ ، ص ٣٠٠.

٤٩٤

التي تنفعهم ولا تضر غيرهم ، لا التصديق بترتيب جميع الآثار كما هو (١) المطلوب في باب حجية الخبر. ويظهر ذلك (٢) من تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للنمام بأنه ما نمه (٣) ، وتصديقه لله تعالى بأنه نمه (٤) ، كما هو (٥) المراد من التصديق في قوله عليه‌السلام : «فصدقه وكذبهم» حيث قال ـ على ما في الخبر ـ : «يا أبا (٦) محمد : كذب سمعك وبصرك عن أخيك ، فان شهد عندك خمسون قسامة (٧)

______________________________________________________

(١) أي : كما أن التصديق بترتيب جميع الآثار هو ... إلخ.

(٢) أي : يظهر أن المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ... ، وغرضه إثبات أن التصديق في الآية غير التصديق المطلوب في باب حجية الخبر ، وأن المراد به في الآية ترتيب خصوص ما ينفعهم ولا يضر غيرهم ، وفي باب حجية خبر الواحد ترتيب جميع الآثار على المخبر به ، وهذا أحد الأمور الموجبة لكون التصديق غير التصديق المطلوب في اعتبار خبر الواحد.

(٣) أي : بأن النمام ما نم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) أي : بأن النمام نم النبي ، وضمير «تصديقه» راجع إلى النبي.

(٥) أي : ترتيب خصوص الآثار النافعة دون الضارة.

(٦) هكذا في الرسائل أيضا ، لكن الموجود في عقاب الأعمال وروضة الكافي والوسائل (١) نفلا عنهما «يا محمد» والظاهر أنه الصحيح ، لأنه خطاب لمحمد بن الفضيل القائل للإمام عليه‌السلام ، وكنية «محمد» هذا «أبو جعفر» فراجع.

(٧) قال في المصباح المنير : «القسامة ـ بالفتح ـ الأيمان ، تقسم على أولياء

__________________

(١) الوسائل ، ج ٩ ، ص ٦٠٩ الحديث : ٤.

٤٩٥

أنه قال قولا (١) ، وقال : لم أقله ، فصدقه وكذبهم» فيكون مراده تصديقه (٢) بما ينفعه ولا يضرهم ، وتكذيبهم (٣) فيما يضره ولا ينفعهم ، وإلّا (٤)

______________________________________________________

القتيل إذا ادعوا الدم ، يقال : قتل فلان بالقسامة ، إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل ، فادعوا على رجل أنه قتل صاحبهم ومعهم دليل دون البينة ، فحلفوا خمسين يميناً أن المدعى عليه قتل صاحبهم ، فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمون قسامة» (١).

(١) لعل هذا نقل له بالمعنى كما فسره بما يقرب منه الملا صالح المازندراني (قده) في شرحه (٢) ، حيث قال : «والمقصود أنه ان شهد عندك خمسون رجلا مع حلفهم بالله أن مؤمناً فعل كذا وقال كذا ، وقال لك ذلك المؤمن اني لم أفعله أو لم أقله فصدقه وكذبهم» ، وإلّا فالموجود في عقاب الأعمال وروضة الكافي والوسائل نقلا عنهما هكذا : «فان شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولا فصدقه وكذبهم» الحديث وهذا بظاهره غير مستقيم المعنى ، إلّا أن يكون أصل الحديث ـ والله العالم ـ هكذا : «فان شهد عندك خمسون قسامة على الأخ وقال لك قولا يخالفهم ، فصدقه وكذبهم».

(٢) أي : تصديق أخيك ـ المنكر ـ بما ينفعه ولا يضر القسامة الذين شهدوا عليه بأنه قال قولا ، وضمير «مراده» راجع إلى الإمام عليه‌السلام.

(٣) أي : وتكذيب القسامة المخبرين فيما يضره ـ يعني ذلك الأخ ـ ولا ينفع القسامة.

(٤) أي : وان لم يكن المراد بالتصديق في الآية الشريفة ترتيب خصوص

__________________

(١) المصباح المنير ، مادة «قسم» ص ٥٠٣.

(٢) ج ١٢ ، ص ١٤٨.

٤٩٦

فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين ، وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل (١) ، فتأمل جيداً.

______________________________________________________

الآثار النافعة دون الضارة ، بل كان المراد ترتيب جميع الآثار الضارة والنافعة ـ كما هو المطلوب من التصديق في باب حجية خبر الواحد ـ فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين؟

(١) نقلها شيخنا الأعظم بعد تقريب الاستدلال بآية الأذن بقوله : «ويزيد في تقريب الاستدلال وضوحاً : ما رواه في فروع الكافي (١) في الحسن بابن هاشم» وساق الرواية ، وهي كما في الكافي بإسناده عن حريز قال : «كانت لإسماعيل ابن أبي عبد الله عليه‌السلام دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن ، فقال إسماعيل : يا أبت ان فلاناً يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا ديناراً فترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بضاعة من اليمن؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا بني! أما بلغك أنه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل : هكذا يقول الناس ، فقال : يا بني لا تفعل ، فعصى إسماعيل أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ولم يأته بشيء منها ، فخرج إسماعيل ، وقضى أن أبا عبد الله عليه‌السلام حج وحج إسماعيل تلك السنة ، فجعل يطوف بالبيت ويقول : اللهم أجرني واخلف عليّ ، فلحقه أبو عبد الله عليه‌السلام فهمزه بيده من خلفه ، فقال له : مه يا بني ، فلا والله ما لك على الله حجة ، ولا لك أن يأجرك ولا يخلف عليك ، وقد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته ، فقال إسماعيل : يا أبت اني لم أره يشرب الخمر ، انما سمعت الناس يقولون ، فقال يا بني : ان الله عزوجل يقول في كتابه : يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ، يقول : يصدق الله ويصدق المؤمنين ، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم ، ولا

__________________

(١) الكافي ، ج ٥ ، ص ٢٩٩ الحديث : ١.

٤٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تأتمن شارب الخمر» الحديث.

ثم ذكر (قده) في توجيهها : «أن المسلم إذا أخبر بشيء فلتصديقه معنيان : أحدهما : ما يقتضيه أدلة تنزيل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، فان الاخبار من حيث انه فعل من أفعال المكلفين صحيحة ما كان مباحاً ، وفاسدة ما كان نقيضه كالكذب والغيبة ونحوهما ، فحمل الاخبار على الصادق حمل على أحسنه.

والثاني : هو حمل اخباره من حيث انه لفظ دال على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها على كونه مطابقاً للواقع بترتيب آثار الواقع عليه. والمعنى الثاني هو الّذي يراد من العمل بخبر العادل ، وأما المعني الأول فهو الّذي يقتضيه أدلة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، وهو ظاهر الاخبار الواردة في أن من حق المؤمن على المؤمن أن يصدقه ولا يتهمه ، خصوصاً مثل قوله عليه‌السلام : يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك .. إلى أن قال : فان تكذيب القسامة مع كونهم أيضا مؤمنين لا يراد منه إلّا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم لا ما يقابل تصديق المشهود عليه فانه ترجيح بلا مرجح ، بل ترجيح المرجوح ، نعم خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن وان أنكر المشهود عليه ، وأنت إذا تأملت هذه الرواية ـ يعني بها رواية محمد بن الفضيل ـ ولاحظتها مع الرواية المتقدمة في حكاية إسماعيل لم يكن لك بد من حمل التصديق على ما ذكرنا» أي حمل «فصدقهم» في حكاية إسماعيل على المعنى الأول من المعنيين ، فلاحظ.

٤٩٨

فصل

في الاخبار (١) التي دلت على اعتبار الأخبار الآحاد

وهي وان كانت طوائف كثيرة كما يظهر من مراجعة الوسائل وغيرها.

______________________________________________________

(الاستدلال بالأخبار على حجية الخبر الواحد)

(١) وهي على طوائف ، وكلها بين ما تدل على اعتبار خبر الثقة وخبر العادل وخبر الشيعة وخبر الثقة العادل وهو أخصها مضموناً ، ونحن نتعرض لنقل بعض هذه الاخبار مع الاقتصار على المعتبر منها في كل طائفة ان كان :

الطائفة الأولى : الاخبار العلاجية الدالة على أن حجية الاخبار الآحاد كانت مسلمة بين الأصحاب ، وانما سألوا عن أحكامها من جهة المعارضة ، ومن المعلوم أنه لم يكن مورد الاخبار العلاجية السؤال عن خصوص الخبرين المتعارضين المقطوع صدورهما ، لعدم مناسبة المرجحات المذكورة فيها العلم السائل بالصدور ، فلا جرم كان السؤال عن حكم تعارض مطلق الاخبار الآحاد ، وهاكها :

١ ـ صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب

٤٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه» (١).

٢ ـ حسنة سماعة ـ بل صحيحته على الأقوى ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال : يرجئه حتى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه» (٢).

وبهذا المضمون وغيره روايات كثيرة مذكورة في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي من قضاء الوسائل لم نتعرض لها لما في أسنادها من المناقشة.

الطائفة الثانية : الاخبار الآمرة بالرجوع إلى أشخاص معينين من الرّواة أو توثيق بعضهم ، وهي :

١ ـ صحيحة أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته وقلت : من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال : العمري ثقتي ، فما أدى إليك عني فعني يؤدي ، وما قال لك عنّي فعني يقول ، فاسمع له وأطع فانه الثقة المأمون ، قال : وسألت أبا محمد عليه‌السلام عن مثل ذلك ، فقال : العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك فعني يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فانهما الثقتان المأمونان» (٣).

٢ ـ صحيحة يونس بن عمار : «ان أبا عبد الله عليه‌السلام قال له في حديث : أما ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام فلا يجوز لك أن ترده» (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٣٥

(٢) المصدر المتقدم ، الحديث : ٥ ، رواه عن الكافي.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٤.

(٤) المصدر المتقدم ، الحديث : ١٧ ، رواه عن رجال الكشي.

٥٠٠