منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الثاني يلزم خروج الواجب [الموقت] عن كونه واجباً ، ولو انفتح هذا الباب يجري الكلام في كل واحد واحد من أفعال الصلاة ويفضي الأمر إلى ارتفاع جلّ التكاليف ، وهذا مفسدة واضحة لا يشرع لأحد الاجتراء عليه ، ومعلوم فساده ضرورة.

وعلى الثالث يلزم خلاف العدل ، لاستوائهما في الحركات الاختيارية الموجبة للمدح والذم ، وانما حصل مصادفة الوقت وعدمه بضرب من الاتفاق من غير أن يكون لأحد منهما فيه ضرب من التعمل والسعي. وتجويز مدخلية الاتفاق الخارج عن المقدور في استحقاق المدح أو الذم مما هدم بنيانه البرهان ، وعليه إطباق العدلية في كل زمان ...» انتهى محل الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

__________________

وقوعها في وقتها الواقعي ، والآخر عدم إحراز وقتها ، وفي الأخرى فاقدة لشرط واحد وهو عدم إحراز وقتها مع وقوعها ، وهذا لا يوجب تفاوتاً بينهما في صدق الإخلال العمدي بالشرط الشرعي وهو إحراز الوقت ، ومن المعلوم صدق العصيان على هذا الإخلال الموجب لاستحقاق العقوبة في الصورتين ، وأين هذا من التجري المغاير للعصيان كشرب مقطوع الخمرية مع كونه خلا مثلا.

نعم بناءً على عدم كون إحراز الوقت شرطاً شرعياً بل مما تقتضيه قاعدة الاشتغال ، لتوقف يقين الفراغ عليه ، فلا محيص عن صحة الصلاة الواقعة في الوقت ولو مع الجهل به وعدم استحقاق العقاب ، للإتيان بالمأمور به على وجهه ، إذ المفروض عدم كون الإحراز شرطاً شرعياً حتى يكون الإخلال بمراعاته ولو مع وقوع الصلاة في الوقت عصياناً موجباً للبطلان واستحقاق العقاب.

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما ما أفاده الماتن فتوضيحه : أنه إذا فرضنا شخصين قطعا بخمرية مائعين فشرباهما وكان أحد المائعين خمراً واقعاً والآخر خلاً مثلا كذلك ، فحينئذ اما أن يحكم باستحقاق كليهما للعقاب واما بعدم استحقاق كليهما له أصلا ، واما باستحقاق خصوص من صادف قطعه الواقع ، واما بالعكس ، والصور منحصرة عقلا في أربع ، لدوران الأمر بين النفي والإثبات ، لا سبيل إلى الثاني والرابع ، لاستلزامه عدم ترتب استحقاق العقاب على المعصية الحقيقية ، وهو باطل عند العقلاء القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين ، فلا بد اما من الالتزام باستحقاق كليهما للعقاب وهو المطلوب ، واما من الالتزام باستحقاق خصوص من صادف قطعه الواقع ، ولا سبيل إلى الأخير ، لاستلزامه إناطة استحقاق العقوبة بأمر غير اختياري وهو المصادفة ، إذ لا تفاوت بين هذين الشخصين الا في ذلك ، فيتعين المصير إلى استحقاق كليهما للعقاب وهو المقصود.

__________________

لكن عبارة الذخيرة «لأن استحقاق العقاب انما يكون لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه» تعليلا لاستحقاق العقوبة في كلتا صورتي وقوع الصلاة في الوقت وخارجه تدل بوضوح على قيدية العلم بالوقت شرعاً بحيث لا يكون الآتي بالصلاة في الوقت بدون العلم به آتياً بالمأمور به على وجهه ، فيتضح حينئذ أجنبية كلام الذخيرة عن التجري وعدم صحة الاستشهاد به عليه ، ولعله لذلك ـ أي لدخل العلم بالوقت شرعاً في صحة الصلاة ـ أبدل شيخنا الأعظم (قده) مثال الجاهل بوقت الصلاة بشرب شخصين قطعا بخمرية مائعين ، حيث ان القطع بالخمرية طريق محض ، ولا قيدية له بالنسبة إلى الموضوع وحكمه الشرعي وان كان له موضوعية بالنسبة إلى الحكم العقلي من التنجيز كما هو واضح.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فتلخص مما ذكرناه أمور :

الأول : أن ظاهر عبارة الذخيرة اعتبار إحراز دخول الوقت شرعاً في الصلاة كسائر الأمور المعتبرة فيها كذلك كالطهارة والاستقبال والستر ونحوها بقرينة قوله : «لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه» لظهور «على وجهه» في الوجه المعتبر شرعاً في المأمور به ، لا الوجه المعتبر عقلا في العلم بامتثال الأمر.

وقد تعرض لبعض الجهات المتعلقة بمسألة الجهل بوقت الصلاة صاحب الفصول (قده) في أواخر مباحث الاجتهاد والتقليد.

الثاني : أجنبية مفروض كلام الذخيرة عن مبحث التجري إلّا بناء على طريقية العلم بالوقت لا موضوعيته وقيديته ، لكن الطريقية خلاف ظاهر تعليله (قده) لاستحقاق العقوبة في كلتا الصورتين بعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

الثالث : مغايرة المثال المذكور في الرسائل لما في الذخيرة من مسألة الوقت.

وقد ظهر مما ذكرنا : متانة تعليل استحقاق العقوبة في كلتا الصورتين بما أفاده من : «عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه» وعدم الحاجة معه إلى قوله : «لاستوائهما في الحركات الاختيارية الموجبة للمدح والذم .. إلخ» إذ مجرد استوائهما في الأفعال الاختيارية بدون شرطية إحراز الوقت شرعاً لا يوجب استحقاق العقوبة في صورة وقوع الصلاة في الوقت ، لصحتها حينئذ مع فرض قصد القربة ، ومع صحتها لا وجه للعقاب ، فالموجب لاستحقاق العقوبة في كلتا الصورتين هي الإخلال بالشرط الشرعي أعني العلم بالوقت.

٦٣

العقوبة بما هو خارج عن الاختيار من (١) مصادفة قطعه الخارجة (٢) عن تحت قدرته واختياره» مع (٣) بطلانه وفساده ، إذ (٤) للخصم أن يقول :

______________________________________________________

(١) بيان للموصول في قوله : «بما هو خارج».

(٢) صفة للمصادفة ، يعني : أن مصادفة القطع للواقع خارجة عن الاختيار.

(٣) يعني : لا حاجة ـ مع حكم الوجدان والآيات والروايات باستحقاق المتجري للعقاب ـ إلى التشبث بهذا الدليل العقلي الرباعي الّذي هو باطل في نفسه كما سيأتي بيانه.

(٤) تعليل لقوله : «بطلانه وفساده» وهذا شروع في الجواب عن الدليل العقلي الرباعي ، وقد أجاب عنه بوجهين ، أشار إلى أولهما بقوله : «إذ للخصم» وحاصله : أنه يمكن الالتزام باستحقاق من صادف قطعه الواقع للعقاب دون من لم يصادف ، يعني : أن العاصي يستحق العقوبة دون المتجري. توضيحه : أن سبب استحقاق المؤاخذة مؤلف من أمرين :

أحدهما : قصد المخالفة والطغيان عن علم وعمد.

والآخر مصادفة قطعه للواقع. والأول أمر اختياري ، والثاني غير اختياري ، ولا ضير في استحقاقه للعقوبة ، إذ الأمر غير الاختياري الّذي يمتنع إناطة استحقاق العقاب به هو ما يكون بتمامه غير اختياري لا جزءه ، فإذا كان السبب مركباً من أمر اختياري وغيره فلا مانع منه ، ومن المعلوم أن العلة في المعصية الحقيقية بكلا جزأيها متحققة ، بخلاف التجري ، فان الجزء الثاني ـ وهو المصادفة ـ غير متحقق فيه وان كان عدم تحققه فيه خارجاً عن اختياره ، فلا وجه لاستحقاقه العقاب ، وعدم العقاب على أمر غير اختياري ـ وهو عدم المصادفة للواقع ـ لا قبح فيه ، فهذا الدليل الرباعي قاصر عن إثبات استحقاق المتجري للعقاب.

٦٤

بأن استحقاق العاصي دونه انما هو لتحقق سبب الاستحقاق فيه (١) وهو (٢) مخالفته (*) عن عمد واختيار ، وعدم (٣) تحققه فيه لعدم مخالفته (٤)

______________________________________________________

(١) أي : في العاصي ، وضمير «دونه» راجع إلى المتجري.

(٢) أي : سبب الاستحقاق مخالفة العاصي عن عمد واختيار.

(٣) معطوف على «تحقق» يعني : وعدم تحقق سبب الاستحقاق في المتجري انما هو لعدم تحقق المخالفة.

(٤) أي : المتجري ، وهذا تعليل لعدم تحقق سبب الاستحقاق في المتجري ، وحاصله : أن المتجري لا يستحق العقوبة ، لعدم مخالفته أصلا كما إذا شرب الخل باعتقاد كونه من المحرمات الشرعية ، ثم تبين له أنه لم يكن حراماً شرعاً ، فحينئذ صدر منه فعل اختياري وهو شرب الخل بقصد كونه شرب الخل ، لكن ليس شربه له مخالفة لحكم المولى ، لعدم ارتكابه للحرام ولو كان عدم مخالفته لتكليف المولى لأمر غير اختياري وهو خطأ قطعه.

__________________

(*) لا يخفى أن المخالفة التي تنتزع من المصادفة ليست فعلا اختيارياً حتى تصح إناطة استحقاق العقوبة عقلا بها ، وقد ثبت في محله أن ما يتصف بالحسن والقبح العقليين لا بد أن يكون فعلا اختيارياً ، ومن المعلوم أن شيئاً من المخالفة وتفويت الغرض وارتكاب المبغوض لا يصلح لأن يكون مناطاً لاستحقاق العقوبة ، لوجودها في صورة الجهل أيضا مع عدم استحقاقها عقلا ، وليس ذلك إلّا لأجل عدم اختياريتها ، فلا محيص عن كون مناطه فعلا اختيارياً يقبحه العقل ، وهو في المقام منحصر بالفعل الصادر تجرياً وطغياناً على المولى وهتكاً لحرمته ، ومن المعلوم اشتراكه بين العاصي والمتجري ، فالدليل الرباعي الّذي أفاده المحقق السبزواري (قده) المذكور في الرسائل والمشار إليه في المتن

٦٥

أصلا ولو بلا اختيار (١) ، بل عدم (٢) صدور فعل منه في بعض أفراده

______________________________________________________

(١) يعني : ولو كان عدم مخالفة المتجري مستنداً إلى ما هو خارج عن اختياره ، حيث انه مستند إلى عدم المصادفة الّذي هو خارج عن اختياره.

(٢) بالجر عطف على قوله : «لعدم» واضراب عنه ، وهذا هو الجواب الثاني عن الدليل المزبور ، وحاصله : أن الدليل الرباعي المذكور لما كان مورده صدور الفعل من المتجري واستحقاق العقاب على الفعل ، أراد أن يزيفه بأنه أخص من المدعى ، إذ قد يتفق عدم صدور فعل اختياري من المتجري حتى يقال بترتب استحقاق العقوبة عليه ، وذلك كما إذا اعتقد انطباق عنوان محرم كالخمر مثلا على مائع شخصي ، فشربه بقصد الخمرية ، ثم ظهر كونه ماء ، فان ما أراده من شرب الخمر لم يتحقق في الخارج كما هو المفروض ، وما تحقق في الخارج من شرب الماء لم يكن مقصوداً له ، فلم يصدر منه فعل اختياري.

وهذا مطرد في الموضوعات دون الأحكام ، فإذا شرب الماء بعنوان شرب الماء معتقداً بحرمته ـ وظهر عدم حرمته ـ فان شرب الماء فعل اختياري له.

والفرق بين الجوابين : أن الأول يجري في مطلق التجري ، والثاني يختص بالشبهات الموضوعية ، إذ المفروض كونه متجرياً في تطبيق الموضوع المعلوم الحرمة ـ كالخمر في المثال المذكور ـ على الماء.

__________________

يثبت المطلوب وهو استحقاق المتجري للعقاب كالعاصي. وجواب المصنف (قده) عنه المذكور هنا وفي حاشيته على الرسائل بقوله : «فان استحقاق من صادف قطعه انما هو لتحقق سببه وهو المخالفة اختياراً ... إلخ» مخدوش ، لما عرفت من أن سبب الاستحقاق لا بد أن يكون فعلا اختيارياً وقبيحاً عقلياً حتى يناط استحقاق العقوبة به ، والمخالفة ليست اختيارية ، لأنها منتزعة عن المصادفة ، والّذي صدر اختياراً هو التمرد والطغيان والخروج عن رسوم العبودية ، وهذا

٦٦

بالاختيار (*) كما في التجري (١) بارتكاب ما قطع أنه من مصاديق الحرام ، كما إذا قطع مثلا بأن مائعاً خمر مع أنه لم يكن بالخمر ، فيحتاج (٢) إلى إثبات أن المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية الاختيارية

______________________________________________________

(١) إشارة إلى الخطأ في الموضوعات ، وضمير «أفراده» راجع إلى التجري وضمير «أنه» راجع الموصول في قوله : «ما قطع» المراد به المائع مثلا.

(٢) يعني : بعد إثبات عدم صدور فعل اختياري في بعض أفراد التجري ، فلا بد في الحكم باستحقاق العقوبة حينئذ من إثبات كون المخالفة الاعتقادية كالواقعية الاختيارية سبباً لاستحقاق العقوبة ، وهو أول الكلام ، فالمتعين الاستدلال

__________________

سبب الاستحقاق في كل من المتجري والعاصي ، فلا فرق بينهما في استحقاق العقوبة أصلا.

وقد ظهر مما ذكرنا : أن الحاكم باستحقاق العقوبة في التجري كالعصيان هو العقل لا الشرع بدعوى حرمته ، لعدم قابلية التجري للحرمة الشرعية بعد وضوح كونه كالعصيان واقعاً في سلسلة معلولات الأحكام لا عللها ، فلو دل دليل نقلي على ترتب العقاب عليه كان إرشاداً إلى حكم العقل وقاصراً عن إثبات حرمته بالبرهان الإني ، كقصور قاعدة الملازمة عن إثباتها بالبرهان اللّمي ، حيث ان موردها علل الأحكام لا معلولاتها ، كما تقدم في بعض التعاليق. فالبحث عن الجهة الفقهية وهي حرمة التجري ساقط رأساً ، لعدم قابلية المورد للحكم المولوي.

(*) فيه ما لا يخفى ، إذ الحركة لا تخلو من كونها طبعية أو قسرية أو إرادية ، ومن المعلوم انتفاء الأوليين في المقام ، فيتعين الأخير ، فشرب ماء قطع بخمريته فعل إرادي للشارب. وتخلف عنوان الخمرية لا يقدح في إرادية شربه بعنوان التمرد على المولى كما مر في بعض التعاليق.

٦٧

كما عرفت (١) بما لا مزيد عليه.

ثم (٢)

______________________________________________________

بما ذكرناه من حكم الوجدان وشهادة الآيات والروايات ، لعدم تمامية الدليل الرباعي المزبور في صورة عدم صدور فعل من المتجري.

(١) يعني : عرفت حكم العقل بسببية المخالفة الاعتقادية كالواقعية لاستحقاق العقوبة ، وشهادة الآيات والروايات به.

(٢) هذا تمهيد لرد كلام الفصول ، ولا بأس بتوضيح مقصوده أولا ثم التعرض لشرح كلام المصنف. أما صاحب الفصول فانه في التنبيه الرابع من تنبيهات مقدمة الواجب ـ بعد أن اختار ترتب الثواب على الواجبات الغيرية وان لم تكن بخطاب أصلي خلافاً لمن ذهب إلى ترتب الثواب على خصوص الواجب التبعي الثابت بخطاب أصلي ـ قال : «وأما ترتب الذم والعقاب على تارك مقدمة الواجب وان لم يصادف بعدُ زمن الواجب كما يشهد به العقل والعادة ، ولهذا يزجر ويعزر عليه ، فلا نسلم أنه يترتب عليه من حيث كونه تاركاً لمقدمة الواجب ، بل من حيث كونه متجرياً على ترك الواجب ، فان التحقيق أن التجري على المعصية معصية أيضا ، لكنه ان صادفها تداخلا وعُدّا معصية واحدة ، وانما تظهر الثمرة فيما لو تخلف عنها».

وغرضه (قده) من هذا الكلام : أن ترك المقدمة وتفويتها قبل زمان الواجب ـ كإتلاف ما عنده من الماء قبل الوقت مع علمه بعدم وجدانه له بعد الوقت ـ يكون تجرياً على ترك الواجب ، فإذا لم يعثر على الماء بعد الوقت يصير مصادفاً للمعصية الحقيقية ويعدّان معصيتين فيستحق عقابين ، لكن يتداخلان ، للإجماع على أنه يعاقب عقوبة واحدة.

إذا عرفت مقصود الفصول ، تعرف أن ما قد يتوهم من كلامه من أن الاعتقاد

٦٨

لا يذهب عليك أنه ليس (١) في المعصية الحقيقية الا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة ـ وهو هتك واحد ـ فلا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين كما توهم ، مع (٢) ضرورة أن المعصية الواحدة لا توجب الا عقوبة واحدة ، كما لا وجه لتداخلهما على تقدير استحقاقهما كما لا يخفى.

ولا منشأ لتوهمه (٣) إلّا بداهة أنه ليس في معصية واحدة الا عقوبة واحدة ،

______________________________________________________

الواحد كيف يطابق الواقع ويخالفه حتى يتحقق كل من عنواني المعصية الحقيقية والتجري ، فيكون اجتماع المعصية والتجري من المحالات ، أجنبي عن كلامه.

(١) هذا رد لكلام صاحب الفصول ، وحاصل الرد : أن منشأ استحقاق العقوبة في المعصية الحقيقية لما كان أمراً واحداً ـ وهو الهتك الواحد ـ فلا موجب لتعدد العقوبة ، وعلى تقدير تعددها لا وجه للتداخل ، ولعل الداعي إلى الالتزام بالتداخل هو الجمع بين حكم العقل باقتضاء تعدد السبب تعدد المسبب ، إذ كل من المعصية والتجري سبب مستقل لاستحقاق العقاب ، وبين ما ادعى الإجماع وضرورة المذهب عليه من وحدة العقاب في المعصية الحقيقية ، فيجمع بالتداخل بين حكم العقل وبين الضرورة المزبورين.

(٢) هذا رد آخر على الفصول القائل بتعدد العقاب ، وحاصله : أنه كما أن المعصية الحقيقية ليس لها إلّا منشأ واحد فلا موجب لتعدد العقاب ، كذلك قامت الضرورة على أن هذه المعصية الواحدة لا توجب الا عقوبة واحدة ، فلا موجب أيضا لتعدد العقاب. وأوضحه في حاشية الرسائل بقوله : «انما يكون تعدد العقوبة أو المثوبة استحقاقاً بتعدد إظهار الطغيان والكفران أو الموافقة والطاعة ، ووحدتها بوحدته».

(٣) أي : لتوهم التداخل ، وضمير «أنه» للشأن ، وقوله : «إلّا بداهة» إشارة

٦٩

مع الغفلة (١) عن أن وحدة المسبب تكشف بنحو الآن عن وحدة السبب.

الأمر الثالث (٢) : أنه قد عرفت (٣)

______________________________________________________

إلى ما ذكرناه من دعوى الإجماع وضرورة المذهب على وحدة العقاب في المعصية الحقيقية ، فجعل صاحب الفصول وحدة العقوبة كاشفة عن تداخل المسبب أي العقابين.

(١) هذا رد لما توهمه صاحب الفصول من كشف وحدة العقوبة المدعى عليها الإجماع وضرورة المذهب عن تداخل العقابين ، وحاصل الرد : أنه لم لا يجعل وحدة المسبب كاشفة إنّاً عن وحدة السبب؟ يعني : أن سبب الاستحقاق واحد لا تعدد فيه حتى نلتجئ إلى القول بتداخل المسبب أعني العقابين.

(٢) الغرض من عقده التعرض لأمرين :

الأول : أقسام القطع.

الثاني : قيام بعض الأمارات والأصول العملية مقام القطع الطريقي.

(٣) هذا إشارة إلى الأمر الأول ، وحاصله : أن للقطع أقساماً خمسة ، إذ القطع اما طريقي محض من دون دخله في متعلقه دخلا موضوعياً سواء كان متعلقه موضوعاً خارجياً كالقطع بمائية مائع أو خمريته أو غيرهما ، أم حكماً شرعياً تكليفياً كالقطع بوجوب الصلاة وحرمة الغيبة ، أو وضعياً كالقطع بطهارة التراب ومالكية سيدتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها لفدك.

واما موضوعي ، بأن يكون تمام الموضوع أو جزؤه ، وعلى التقديرين اما يؤخذ على وجه الصفتية أي بلحاظ كونه صفة قائمة بالقاطع أو المقطوع به ، واما على وجه الكشف والطريقية ، فأقسام القطع الموضوعي أربعة ، وبعد ضم القطع الطريقي إليها يصير مجموع الأقسام خمسة. ثم ان المراد بالقطع الطريقي هو

٧٠

أن القطع بالتكليف أخطأ (١) أو أصاب يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب ، أو الذم والعقاب (٢) من دون أن يؤخذ (٣) [يوجد] شرعاً في خطاب ،

______________________________________________________

طريقيته بالنسبة إلى الحكم الشرعي ، وأما بالنسبة إلى الحكم العقلي وهو الحجية فيكون موضوعاً له ، كما هو واضح ، وسيتضح ما يتعلق بهذه الأقسام في طي شرح كلام المصنف.

(١) كما في صورة التجري.

(٢) على المخالفة ، كما أن استحقاق المدح والثواب على الموافقة.

(٣) نائب الفاعل ضمير راجع إلى القطع ، وهذا هو القطع الطريقي ، وجه عدم أخذه موضوعاً لما تعلق به من الخطاب لزوم الدور (*).

__________________

(*) ولكن مع ذلك قد تصدى غير واحد من المحققين لتصحيح أخذ العلم موضوعاً لمتعلقه بوجوه :

منها : ما عن المحقق النائيني (قده) «من تصحيحه بمتمم الجعل بعد تمهيد مقدمات :

إحداها : لزوم الدور من تقييد الحكم بالقطع به.

ثانيتها : أن استحالة تقييد الشيء بقيد تستلزم استحالة إطلاقه بالإضافة إليه ، لكون تقابل الإطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة.

ثالثتها : أن إهمال الموضوع بالإضافة إلى قيد في الواقع غير معقول ، لأنه اما دخيل في الملاك الّذي اقتضى تشريع الحكم ، واما ليس دخيلا فيه.

فعلى الأول لا بد من لحاظه مقيداً به.

وعلى الثاني لا بد من لحاظه مطلقاً بالإضافة إليه بمعنى ثبوت الحكم في

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كلتا صورتي وجود القيد وعدمه. ومقتضى المقدمتين الأوليين إهمال الخطابات الأولية بالإضافة إلى العلم بها ، لأن تقييدها به المستلزم للدور مستحيل ، واستحالة التقييد تستلزم استحالة الإطلاق ، للملازمة بين الأمرين ، لكن الإهمال الثبوتي أيضا مستحيل كما عرفت في المقدمة الثالثة ، فلا بد من جعل آخر يفيد نتيجة الإطلاق أو نتيجة التقييد ، وهذا الجعل هو المصطلح عليه بمتمم الجعل.

وعليه فاستكشاف كل من الإطلاق والتقييد منوط بدليل آخر ، هذا بحسب الثبوت.

وأما بحسب الإثبات ، فما دل من الروايات والإجماع بل الضرورة على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل يكون دليلا على نتيجة الإطلاق ، كما أن ما دل على اختصاص بعضها بالعالمين بها مثل موارد الجهر والإخفات والقصر والإتمام وغيرها يكون دليلا على نتيجة التقييد واختصاص تلك الأحكام بالعالمين بها وعدم شمولها للجاهلين.

فمحصل مراده (قده) : استحالة تقييد الخطابات الأولية كاستحالة إطلاقها بالإضافة إلى الانقسامات الثانوية كالعلم وقصد القربة والوجه ونحوها ، هذا في الإطلاق والتقييد اللحاظيين.

وأما نتيجتهما فلا بد منها ، لاستحالة الإهمال الثبوتي أيضا ، فملاك تشريع الحكم ان كان موجوداً في كلتا حالتي العلم والجهل فالحكم مطلق ، وان كان موجوداً في خصوص حال العلم فالحكم مقيد ومختص بالعالم به.

وبالجملة : فالممتنع هو الإطلاق والتقييد اللحاظيان دون نتيجتهما» هذا.

وفيه : أن المانع ـ وهو اجتماع النقيضين الممتنع ذاتاً ـ من الأمور الواقعية

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

غير المنوطة باللحاظ ، ضرورة استحالة موضوعية العلم لمتعلقه في كل صقع من الثبوت والإثبات ، ومن اللحاظ وغيره ، فان استحالة اجتماع السواد وعدمه لا تختص بحال دون حال ، ففي المقام يستحيل اجتماع وجود العلم وعدمه قبل الحكم ، فليس المحذور إثباتياً فقط حتى يرتفع بنتيجة التقييد ومتمم الجعل. نعم يتجه هذا في مثل قصد القربة مما لا يمكن أن يتكفله الخطاب الأولى ، إذ المحذور فيه امتناع إطلاق الخطاب الأولى بالإضافة إليه ، لقصوره عن شموله للأمور المتأخرة عنه المترتبة عليه ، وهذا القصور يرتفع بخطاب ثان متمم للقصور الشمولي ، فدخل مثل قصد القربة في العبادة بخطاب ثانوي ممكن ، إذ لا يلزم منه محذور ، بخلاف دخل العلم موضوعياً في متعلقه كما مر آنفاً. ففرق بين دخل العلم في متعلقه كذلك وبين دخل قصد القربة ، والفارق هو إمكان دخل الثاني في العبادة بمتمم الجعل دون الأول الّذي وزانه وزان دخل الإطاعة في تعلق الأمر وتقييده بها في الاستحالة ، وقد تقدم في مبحث التعبدي والتوصلي بعض الكلام في ذلك ، فراجع.

فالمتحصل : أن الالتزام بنتيجة التقييد لا أثر له في المقام ، إذ لا يدفع غائلة استحالة الدور.

وأما ما جعله دليلا على نتيجة التقييد واختصاص بعض الأحكام بخصوص العالمين من الروايات الدالة على صحة صلاة من أخفى في موضع الإجهار وبالعكس ، ومن أتم صلاته في موضع القصر كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال عليه‌السلام : أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقص صلاته وعليه الإعادة ،

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فان فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء وقد تمت صلاته» (١). وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا : «قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام رجل صلى في السفر أربعاً أيعيد أم لا؟ قال عليه‌السلام : ان كان قرأت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعاً أعاد ، وان لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه» (٢)

ففيه : أنه لا يدل على دخل العلم في وجوب الجهر والإخفات والقصر والإتمام أصلا فضلا عن كون ذلك بنحو نتيجة التقييد لو لم نقل بدلالتها على عدم دخل العلم فيها ، فان قوله : «جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ... إلخ» ظاهر في عدم دخل العلم في أصل التشريع وعدم اختصاص الوجوب في هذه الموارد بالعالم به.

ومجرد الحكم بالصحّة وتمامية المأتي به لا يدل على دخل العلم في الوجوب ، بل حكم المشهور باستحقاق العقوبة في هذه الموارد على ما نسب إليهم يؤيد أيضا عدم الدخل.

فالاجزاء وعدم الإعادة ليس لأجل دخل العلم في الوجوب ، بل لتصرف الشارع في مرحلة الإطاعة تسهيلا منه كتصرفه في موارد الشك التي تجري فيها قاعدة التجاوز أو الفراغ مع العلم بدخل المشكوك فيه شطراً أو شرطاً ، وحكم العقل بلزوم العلم بإتيانه في تحقق الامتثال لو لا حكم الشارع بالاجزاء. هذا كله مضافاً إلى : أن لازم دخل العلم موضوعياً في الحكم عدم وجوب تحصيل العلم به ، لأنه من تحصيل الموضوع كالاستطاعة وهو غير واجب.

__________________

(١) الوسائل ج ٤ الباب ٢٦ من أبواب القراءة الحديث ١.

(٢) الوسائل ج ٥ الباب ١٧ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٤.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وإلى : أن لازمه القطع بعدم الحكم عند الجهل به من دون حاجة إلى أصل البراءة ، لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه قطعاً.

ومنها : ما عن المصنف (قده) من كون العلم بمرتبة الإنشاء موضوعاً لمرتبته الفعلية ، فالعلم بإنشاء وجوب القصر مثلا موضوع لفعليته ، وبتعدد المرتبة يرتفع غائلة الدور.

وفيه : ـ مضافاً إلى ابتنائه على ما ذهب إليه من تعدد مراتب الحكم وهي الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجز وهو ممنوع ثبوتاً وإثباتاً ، فان المتيقن منها اثنتان إحداهما الفعلية والحكم على الموضوع الموجود بجميع ما له دخل فيه جزءاً وشرطاً كوجود الاستطاعة ، فان الوجوب المترتب عليها يصير فعلياً بوجودها. وثانيتهما التنجز وهو وصول هذا الحكم الفعلي بحجة معتبرة إلى المكلف بحيث لا يعذر في مخالفته ، بل يحكم العقل بحسن مؤاخذته ـ أنه لا يجدي أيضا في دفع الإشكال ، حيث ان مرجعه إلى عدم موضوعية العلم لنفس متعلقه ، لمغايرة الحكم الإنشائي الّذي فرض كونه متعلق العلم للحكم الفعلي الّذي جعل العلم موضوعاً له.

وان شئت فقل : ان العلم ليس موضوعاً لعين ما تعلق به ، بل متعلقه والحكم المترتب على العلم به متغايران. نظير جعل العلم بوجوب الصلاة موضوعاً لوجوب التصدق ، وهذا خارج عن موضوع البحث والتزام بالإشكال لا دفع له كما هو واضح للمتأمل.

كما لا يندفع الإشكال بما قيل : «من كون وجوب القصر على المسافر

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تخييرياً وبالعلم به يصير تعيينياً ، فإذا صلى المسافر تماماً جهلا بالحكم صحت ، لكون التمام أحد عدلي الواجب المخير ، بخلاف ما إذا أتى بها تماماً بعد العلم بوجوب القصر ، فانها باطلة ، لكون المأمور به حينئذ صلاة القصر تعييناً ، وكذا الحكم في الجهر والإخفات» وذلك لخروجه عن مفروض البحث أيضا ، حيث ان العلم بالوجوب التخييري موضوع للوجوب التعييني ، فمتعلق العلم والحكم المترتب عليه متغايران ، نظير موضوعية العلم بوجوب الصلاة لوجوب التصدق كما مر آنفاً.

مضافاً إلى : أنه خلاف ظاهر قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم : «ان كان قرأت عليه آية التقصير وفسرت له» لظهوره في تفسير قوله تعالى : «لا جناح» الظاهر في الوجوب التخييري بالوجوب التعييني ، فالواجب تعييناً على المسافر وان كان جاهلا هو القصر.

ومثله في الضعف ما قيل أيضا من : «أن وجوب الجهر والإخفات في موردهما نفسي ، وبالعلم به يصير شرطياً ، فلو صلى جهراً في موضع الإخفات أو بالعكس عالماً بطلت صلاته ، لكونها فاقدة للشرط ، ولو كان الوجوب باقياً على النفسيّة لم يكن وجه للبطلان ، بل كانت الصلاة صحيحة مع استحقاق العقوبة على ترك الواجب النفسيّ. هذا في الجهر والإخفات.

وأما في القصر والإتمام ، فيقال : ان الواجب على المسافر الجاهل بوجوب القصر هو ما فرضه الله تعالى لا بشرط ، ولذا لو أتى بالصلاة تماماً كانت صحيحة وبعد العلم بوجوب القصر يصير وجوب ما فرضه الله بشرط لا ، بمعنى اشتراطه بعدم انضمام ما فرضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه ، فيتصف حينئذ فرض

٧٦

وقد يؤخذ (١) في موضوع حكم آخر (٢) يخالف (٣) متعلقه [مخالف لحكم

______________________________________________________

(١) أي : القطع ، وهذا شروع في بيان أقسام القطع الموضوعي.

(٢) كما إذا قال : «إذا علمت بوجوب الصلاة وجب عليك التصدق» فان العلم بوجوب الصلاة أخذ موضوعاً لحكم آخر وهو وجوب التصدق ، فقوله : «آخر» صفة لـ «حكم» يعني : قد يؤخذ القطع موضوعاً لحكم غير الحكم الّذي تعلق به القطع.

(٣) يعني : الحكم الآخر ـ الّذي أخذ القطع في موضوعه ـ يخالف الحكم الّذي تعلق به القطع فيما إذا كان متعلقه حكماً شرعياً ، ويخالف حكما ما تعلق به القطع ـ كما هو مقتضى ما في بعض النسخ ـ فيما إذا كان متعلقه موضوعاً خارجياً لا يماثله.

__________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمانعية».

وجه الضعف : أن مرجع هذا الوجه إلى موضوعية العلم لحكم آخر غير متعلقه ، لتغاير اللابشرط وبشرط لا ، والوجوب النفسيّ والغيري سنخاً ، ومن المعلوم أنه خروج عن محل البحث لا دفع للإشكال وتصحيح لأخذ العلم موضوعاً لمتعلقه.

وبالجملة : فهذان الوجهان وغيرهما مما ذكروه لدفع إشكال موضوعية العلم لمتعلقه لا تدفعه أصلا وان سلمنا صحتها في نفسها. فالحق امتناع أخذ العلم موضوعاً لمتعلقه. ولو فرض وجود ما يدل بظاهره على ذلك فلا بد من تأويله ، ولذا وجّه الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أخبار الجهر والإخفات والقصر والإتمام في كتبهم الفقهية بوجوه عديدة ، ولعلنا نشير إليها في أواخر قاعدة الاشتغال إن شاء الله تعالى.

٧٧

متعلقه] لا يماثله ولا يضاده (١) ، كما إذا ورد مثلا في الخطاب أنه «إذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك التصدق بكذا» تارة (٢) بنحو يكون تمام الموضوع بأن يكون القطع بالوجوب مطلقاً ولو أخطأ (٣) موجباً

______________________________________________________

(١) كالمثال المتقدم وهو «إذا علمت بوجوب الصلاة وجب عليك التصدق» فان وجوب التصدق لا يماثل وجوب الصلاة ، لتغاير متعلقيهما ، ومع تغاير المتعلقين ـ وهما الصلاة والتصدق ـ لا يكون وجوباهما مثلين ولا ضدين ، بل هما متخالفان. نعم لو كان القطع بوجوب الصلاة موضوعاً لوجوب آخر للصلاة كأن يقول : «إذا عملت بوجوب الصلاة وجب عليك الصلاة بوجوب آخر» كان من اجتماع المثلين ، ولو كان العلم بوجوب الصلاة موضوعاً لحرمتها ، كأن يقول : «إذا علمت بوجوب الصلاة حرمت عليك الصلاة» كان من اجتماع الضدين.

(٢) هذا شروع في بيان أقسام القطع الموضوعي ، وهذا أولها ، وهو كون القطع تمام الموضوع للحكم بحيث لا دخل للواقع فيه أصلا ، كمانعية الغصب ولبس ما لا يؤكل للصلاة ، حيث انها مترتبة على العلم بهما ، فإذا علم بهما وصلى بطلت صلاته وان تبين أن لباسه مما يؤكل أو إباحة مكانه واقعاً.

(٣) بيان للإطلاق ، يعني : لا فرق في كون القطع تمام الموضوع بين كونه مصيباً ومخطئاً. والفرق بين أخذ القطع تمام الموضوع وبين أخذه طريقاً محضاً هو : أنه على الأول يدور الحكم مدار القطع وجوداً وعدماً ، كمثال العلم بالغصبية المتقدم.

وعلى الثاني يدور الحكم مدار الواقع وجوداً وعدماً بحيث لا دخل للعلم فيه أصلا.

٧٨

لذلك (١) ، وأخرى (٢) بنحو يكون جزؤه أو قيده (٣) بأن يكون القطع به (٤) في خصوص ما أصاب موجباً له ، وفي كل منهما (٥) يؤخذ طوراً بما هو كاشف (٦)

______________________________________________________

(١) يعني : لذلك الحكم الآخر المخالف للحكم الّذي تعلق القطع به أو بموضوعه.

(٢) هذا هو القسم الثاني وهو كون القطع جزء الموضوع بحيث يكون لكل من العلم والمعلوم دخل في الحكم الآخر ، وذلك كما إذا فرض أن العلم بوجوب الصلاة جزء موضوع وجوب التصدق ، والجزء الآخر نفس وجوب الصلاة واقعاً ، وكالعلم بالمشهود به المأخوذ جزءاً لموضوع جواز الشهادة ، فالواقع المنكشف موضوع لجواز الشهادة ، لا مطلق الانكشاف وان كان خطاء ، ولا المنكشف بوجوده الواقعي وان لم يكن منكشفاً لدى المكلف ، فالقطع المصيب هو الموضوع ، لا مطلق القطع وان لم يكن مصيباً.

(٣) هذا الضمير وضمير «جزءه» راجعان إلى الموضوع ، واسم «يكون» ضمير راجع إلى القطع.

(٤) أي : يكون القطع بالحكم في خصوص ما أصاب موجباً للحكم الآخر لا فيما أخطأ.

(٥) يعني : وفي كل واحد من تمام الموضوع وجزء الموضوع يؤخذ القطع تارة بنحو الصفتية وأخرى بنحو الكاشفية ، فأقسام القطع الموضوعي أربعة.

(٦) هذا تقريب أخذ القطع الموضوعي بنحو الكشف ، وحاصله : أن للقطع جهتين :

إحداهما : كونه صفة حقيقية قائمة بالنفس ، فيكون العلم حينئذ كسائر الصفات النفسانيّة كالجود والبخل والشجاعة وغيرها.

٧٩

وحاكٍ عن متعلقه ، وآخر (١) بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به ، وذلك (٢) لأن القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة (٣)

______________________________________________________

ثانيتهما : كونه حاكياً وكاشفاً عن متعلقه ومرآتاً له ، فيكون العلم حينئذ طريقاً إلى إحراز متعلقه ، إذ ليس العلم من الصفات الحقيقية المحضة كالحياة ، ولا إضافة محضة ، بل للعلم واقعية وإضافة إلى ما يتعلق به ، فلذا يعد من الصفات الحقيقية ذوات الإضافة ، فلا يتحقق العلم بدون العالم والمعلوم.

وبالجملة : فهاتان الجهتان مما لا يمكن انفكاكهما عن العلم ، لكن الملحوظ في نظر جاعل الحكم تارة يكون هو العلم باعتبار كونه صفة قائمة بالنفس ، وأخرى باعتبار كونه حاكياً عن متعلقه.

ثم ان في جنس العلم وأنه من مقولة الكيف النفسانيّ كما هو المشهور أو الإضافة كما عن الفخر الرازي أو الانفعال كما عن جماعة أو الفعل كما عن بعض خلافاً مذكوراً في محله.

(١) بالفتح عطف على قوله : «طوراً».

(٢) يعني : الأخذ بأحد النحوين ، وغرضه بيان وجه انقسام القطع إلى الطريقي والصفتي ـ والصحيح الوصفي لأن النسبة ترد الأشياء إلى أصولها ، فالتعبير بالصفتية جرى على ما اشتهر من قولهم : غلط مشهور خير من صحيح مهجور ـ وكيف كان فقد عرفت توضيح كلا النحوين. وضمير «متعلقه» راجع إلى القطع.

(٣) وهي الصفات المتأصلة التي تحتاج في تحققها إلى طرف آخر كالعلم والقدرة المضافين إلى المقدور والمعلوم ، في قبال الصفات الحقيقية المحضة وهي الصفات المتأصلة القائمة بالنفس التي لا تحتاج في تحققها إلى إضافتها إلى شيء آخر كالشجاعة والحياة والقوة ، وفي قبال الصفات الانتزاعية كالفوقية

٨٠