منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

فصل

قد عرفت (١) حجية ظهور (*) الكلام في تعيين المرام ، فان أحرز (٢)

______________________________________________________

احتمال وجود القرينة أو قرينية الموجود

(١) لمّا عقد الفصل السابق لبيان جهة كبروية وهي حجية ظواهر الألفاظ تعرض في هذا الفصل للبحث عن الصغرى وهي إحراز الظهور وأن اللفظ الفلاني ظاهر في المعنى ، ومحصل ما أفاده : أن الظهور ان أحرز بالقطع فلا شك في حجيته ولزوم اتباعه ، وان لم يحرز به ، فاما أن يكون الشك وعدم إحراز الظهور لأجل احتمال وجود القرينة ، واما للشك في قرينية ما هو موجود ، واما للشك في الوضع ، وأن الموضوع له هل هو هذا المعنى أم غيره ، فالصور ثلاث سيأتي بيانها.

(٢) بالبناء للمجهول ، والنائب عن الفاعل ضمير مستتر يرجع إلى ظهور

__________________

(*) لا فرق في كون منشأ هذا الظهور الوضع وغيره ، لاستقرار بناء العقلاء على حجية الظواهر وكشفها النوعيّ عن المرادات مع الغض عن منشأ الظهور من الوضع وغيره.

٣٢١

بالقطع ، وأن المفهوم منه جزماً بحسب متفاهم أهل العرف هو ذا فلا كلام ، وإلّا (١) فان كان (٢)

______________________________________________________

الكلام ، وقوله : «وأن المفهوم» عطف تفسير للنائب عن الفاعل المستتر ، وضمير «منه» راجع إلى الكلام.

(١) أي : وان لم يحرز ظهور الكلام بالقطع فان كان ... إلخ.

(٢) أي : عدم الإحراز ، وهذا إشارة إلى الصورة الأولى وهي كون الشك في الظهور ناشئاً من احتمال وجود القرينة ، وحاصل ما أفاده فيها : أنه لا خلاف في أن الأصل عدم القرينة والبناء على كون اللفظ ظاهراً فيما هو الموضوع له ، انما الكلام في أن البناء على المعنى الموضوع له هل يكون بعد البناء على عدم القرينة لأصالة عدمها بأن يثبت أولا ببركة هذا الأصل ظهور اللفظ في المعنى الحقيقي ثم حجيته بأصالة الظهور كما قال به بعض ، أم يكون أصالة الظهور حجة عند احتمال وجود القرينة بلا حاجة إلى أصل عدمي كما عليه المصنف ، أم ليس في البين إلّا أصالة عدم القرينة ، وأن مرجع أصالة العموم والإطلاق والحقيقة إلى أصالة عدم القرينة كما عليه الشيخ الأعظم ، حيث قال في مقام بيان ما خرج عن عموم حرمة العمل بالظن ما لفظه :

«منها : الأمارات المعمولة في استنباط الأحكام الشرعية من ألفاظ الكتاب والسنة ، وهي على قسمين : القسم الأول : ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال إرادته خلاف ذلك كأصالة الحقيقة عند احتمال إرادة المجاز وأصالة العموم والإطلاق ومرجع الكل إلى أصالة عدم القرينة الصارفة عن المعنى الّذي يقطع بإرادة المتكلم الحكيم له لو حصل القطع بعدم القرينة ... إلخ». وعليه يظهر الفرق بين ما ذكره المصنف من التزامه بأصالة الظهور التي هي

٣٢٢

لأجل احتمال وجود قرينة (١) فلا خلاف في أن الأصل عدمها ، لكن الظاهر أنه معه (٢) يبنى على المعنى الّذي لولاها كان اللفظ ظاهراً فيه

______________________________________________________

أصل وجودي ، وما ذكره الشيخ من إرجاع أصالة العموم ونحوها إلى أصل عدمي أعني به أصالة عدم القرينة ، فلاحظ.

(١) أي : رافعة للظهور ، كالقرينة الصارفة كـ «يرمي» في قولك : «رأيت أسداً يرمي» أو دافعة أي : مانعة عن انعقاد الظهور كالإجمال الناشئ عن اشتراك اللفظ بين معنيين أو أكثر.

(٢) أي : مع احتمال وجود القرينة ، وضمير «أنه» للشأن ، وهذا تعريض بما أفاده شيخنا الأعظم في عبارته المتقدمة ، وحاصل ما أفاده الشيخ : أن الأخذ بظاهر الكلام منوط بأحد أمرين :

الأول : القطع بعدم وجود قرينة على خلافه.

الثاني : البناء على عدم القرينة ـ فيما إذا شك في وجودها ـ بأصالة عدم القرينة.

وأورد عليه المصنف هنا وفي حاشية الرسائل بأن بناء العقلاء على الأخذ بظاهر الكلام ما لم يقطع بوجود قرينة على الخلاف ، وليس بناؤهم على إجراء أصالة عدمها في ظرف الشك في وجودها كما يدعيه شيخنا الأعظم (قده) قال في حاشية الرسائل : «وكذا أصالة عدم القرينة في مثل المقام ، فان المعلوم من حالهم انما هو عدم الاعتناء باحتمالها في صرف الظهور المستقر عليه الكلام لا في أصل انعقاده واستقراره له لو لم يكن المعلوم منهم خلافه».

والفرق بين مختار الشيخ والمصنف هو : أنه بناء على ما أفاده الماتن يحمل الكلام على ظاهره عند احتمال وجود القرينة بلا حاجة إلى التمسك بأصالة

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم القرينة. وبناءً على مذهب الشيخ يكون الأخذ بالظهور منوطاً بإجراء أصالة عدم القرينة المشروط بالفحص عنها واليأس عن الظفر بها (*).

فحاصل الفرق بينهما : أن حمل اللفظ على معناه الظاهر متوقف على الفحص عن القرينة عند احتمالها بناءً على مذهب الشيخ (قده) ولا يتوقف عليه بناء على مذهب المصنف (قده).

__________________

(*) ولكن الحق الاحتياج إلى كلتيهما معاً ، أما أصل عدم القرينة فلنفيها ليثبت به بقاء الظهور الثابت بالوضع ونحوه وعدم عدول المتكلم عنه بقرينة ، وأما أصالة الظهور فلإثبات حجية هذا الظهور الّذي ثبت بقاؤه بأصالة عدم القرينة ، وكونه مراداً جدياً للمتكلم ، فالأصل العدمي ينقح الصغرى ، والوجوديّ يثبت الكبرى.

وبالجملة : ففي المقام مراحل ثلاث : الأولى : أصل الظهور الثابت بالوضع ونحوه. الثانية : بقاء هذا الظهور وعدم عدول المتكلم عنه ، والمثبت له أصالة عدم القرينة. الثالثة : كون هذا الظاهر مراداً ويثبت بأصالة الظهور.

ولا يخفى أن صريح كلام الشيخ (قده) رجوع الأصول المرادية من أصالتي العموم والإطلاق إلى أصل عدمي وهو أصالة عدم القرينة. لكن الظاهر خلافه ، إذ شأن أصالة عدم القرينة إحراز بقاء الظهور وعدم العدول عنه كما تقدم آنفاً ، وشأن الأصول المرادية الوجودية كأصالتي العموم والإطلاق إثبات كون الظاهر مراداً جدياً للمتكلم وكاشفاً عن مرامه ، فعلى هذا تكون أصالة عدم القرينة محققة لموضوع الأصول المرادية ومتقدمة عليها رتبة ، فلا يغني إجراء أصالة عدم القرينة عن هذه الأصول المرادية ، كما أن ما استظهره المصنف من اكتفائه بأصالة الظهور غير خال عن الإشكال ، لما عرفت من عدم إغناء أصالة الظهور عن أصالة عدم القرينة ، لأنها محققة لموضوع أصالة الظهور.

٣٢٤

ابتداء (١) ، لا أنه يبنى عليه (٢) بعد البناء على عدمها (٣) كما لا يخفى ، فافهم (٤).

وان كان (٥) لاحتمال قرينية الموجود ، فهو وان لم يكن مجالا [بمحل] للإشكال بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد ، الا

______________________________________________________

(١) يعني : أنه يبنى على المعنى الموضوع له من دون إجراء أصالة عدم القرينة والبناء على عدمها ليتوقف على الفحص وعدم الظفر بالقرينة.

(٢) أي : على المعنى الظاهر ، وضمير «أنه» للشأن ، وضميرا «لولاها ، عدمها» راجعان إلى القرينة.

(٣) يعني : لا أنه تجري أصالة عدم القرينة أوّلا ثم يبنى على ظهور اللفظ في معناه.

(٤) لعله إشارة إلى ما ذكرناه في التعليقة من أنه لا بد أوّلا من إجراء أصالة عدم القرينة ليثبت موضوع أصالة الظهور حتى تجري هي فيه.

(٥) معطوف على قوله : «فان كان» وهذا إشارة إلى الصورة الثانية ـ وهي الشك في قرينية الموجود ـ يعني : وان كان عدم إحراز الظهور للشك في قرينية الموجود كالاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعددة كقوله : «أكرم الفقهاء والنحاة والأصوليين الا شعراءهم» فان الاستثناء صالح للرجوع إلى الأخيرة وإلى الجميع أيضا ، فملخص ما ذكره فيه : أنه ـ بناء على حجية أصالة الحقيقة تعبداً من العقلاء لا من باب الظهور ـ لا إشكال في البناء على المعنى الحقيقي وعدم رفع اليد عنه إلّا بحجة على خلافه ، لعدم اشتراط الظهور في حجية أصالة الحقيقة على هذا البناء ، فهي حجة سواء كانت كاشفة عن المراد أم لا.

هذا بناء على ما هو الصحيح من كون العبارة «وان لم يكن مجالا» أو «وان لم يكن بمحل». وأما بناء على كون النسخة «وان لم يكن بخال عن

٣٢٥

أن الظاهر (١) أن يعامل معه (٢) [معها] معاملة المجمل.

وان كان (٣) لأجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفاً ، فالأصل يقتضي عدم حجية الظن فيه (٤)

______________________________________________________

الإشكال» فلا يستقيم المعنى ، وذلك لأن المستفاد من العبارة حينئذ هو : أنه بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد يشكل التمسك بها في الشك في قرينية الموجود ، حيث ان حجيتها عند العقلاء اما مطلقة أو مقيدة بوجود الظهور وان لم يكن من باب الاتفاق كاشفاً عن المراد ، فعلى الأول تجري أصالة الحقيقة دون الثاني ، لعدم انعقاد الظهور للكلام المحفوف بما يصلح للقرينية. ولكن بطلان هذا التوجيه واضح ، إذ بناء على إناطة الحجية بالظهور لا تعبد في البين لكون الظهور كاشفاً عادياً عن المراد ، فالصواب كما عرفت أن تكون العبارة هكذا «وان لم يكن مجالا أو بمحل» فلاحظ.

(١) لأن أصالة الحقيقة حجة من باب الظهور لا التعبد ، فحينئذ يعامل معه معاملة المجمل ، لإجمال الكلام بسبب ما احتف به مما يصلح للقرينية ، فلا ظهور حتى تجري فيه أصالة الظهور ، ومن المعلوم أن حكم المجمل حينئذ الرجوع إلى الأصل العملي في المسألة.

(٢) أي : مع الكلام المحفوف بما يصلح للقرينية.

(٣) معطوف على «فان كان لأجل وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة ـ وهي الشك في الموضوع له ـ أي : وان كان عدم إحراز الظهور لأجل الجهل بالمعنى الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفاً ، فحكمه عدم حجية الظن فيه ، لأنه ظن بالظهور ، ولا دليل إلَّا على حجية الظهور المعلوم ، فيبقى الظن بالظهور داخلا تحت أصالة عدم حجية الظن.

(٤) أي : في هذا الظهور الّذي لم يحرز للشك في منشئه وهو الموضوع

٣٢٦

فانه (١) ظن في أنه ظاهر ، ولا دليل على حجية الظن بالظواهر [ولا دليل الا على حجية الظواهر].

نعم (٢) نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص (٣) في تعيين الأوضاع ، واستدل لهم [واستدلالهم] باتفاق العلماء (٤) ، بل

______________________________________________________

له أو مفهومه العرفي ، وضمير «منه» راجع إلى الكلام.

(١) أي : فان الظن بظهور اللفظ في الموضوع له ـ الّذي لم يعلم وضع اللفظ له ـ ظن في أن اللفظ ظاهر في هذا المعنى ، ومن المعلوم عدم حجية هذا الظن ، لأنه ـ مع فرض كونه مظنوناً ـ لم يحرز الظاهر الّذي هو موضوع الحجية ببناء العقلاء حتى يكون الظن بالظهور حجة فيه.

حجية قول اللغوي

(٢) هذا استدراك على قوله : «ولا دليل على حجية الظن بالظواهر» وحاصله : أنه إذا كان منشأ الشك في الظهور الجهل بالموضوع له ، فقد نسب إلى المشهور حجية الظن الحاصل من قول اللغوي به ، واستدل لهم بوجوه خمسة سيأتي بيانها.

ثم ان هذه المسألة عنونها شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «وأما حجية الظن في أن هذا ظاهر ، فلا دليل عليه عدا وجوه ذكروها في إثبات جزئي من هذه المسألة ، وهي حجية قول اللغويين في الأوضاع ، فان المشهور كونه من الظنون الخاصة التي ثبت حجيتها مع قطع النّظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية ... إلخ» فراجع.

(٣) أي : بأدلة خاصة سيأتي بيانها ، لا بدليل الانسداد.

(٤) هذا هو الوجه الأول من الوجوه التي استدل بها على حجية قول

٣٢٧

العقلاء (١) على ذلك (٢) ، حيث لا يزالون يستشهدون بقوله (٣) في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد ولو مع المخاصمة واللجاج ، وعن بعض (٤) دعوى الإجماع على ذلك (٥)

______________________________________________________

اللغوي ، وحاصله : أنه استقرت سيرة العلماء على التمسك بقول اللغوي في مقام الاستدلال ، إذ لو سُئلوا عن الوجه الداعي لهم إلى جعل لفظ قالباً لمعنى لأجابوا بأن الداعي إلى ذلك هو الظفر بذلك المعنى في كلام اللغويين ، ولو كان هناك لجاج ومخاصمة لسكت الخصم بذلك ، ولا يعترض عليهم بأنه لا ينبغي التمسك بقول اللغوي في تشخيص الأوضاع ، والسكوت وعدم الإنكار دليل على اتباع قول اللغوي عندهم وعملهم به.

(١) هذا هو الوجه الثاني وحاصله : استقرار سيرة العقلاء بما هم عقلاء على الرجوع إلى قول اللغوي والاستناد إلى كلامه في تشخيص الموضوع له عن غيره ، والظاهر أن هذه السيرة ممضاة لعدم الردع عنها. وقد تعرض شيخنا الأعظم لبيان هذين الوجهين بقوله : «وكيف كان فاستدلوا على اعتبار قول اللغويين باتفاق العلماء بل جميع العقلاء على الرجوع إليهم في استعلام اللغات والاستشهاد بأقوالهم في مقام الاحتجاج ، ولم ينكر ذلك أحد على أحد».

(٢) أي : على التمسك بقول اللغوي الكاشف عن حجيته.

(٣) أي : اللغوي ، وقوله : «بلا إنكار» متعلق بـ «يستشهدون».

(٤) كالسيد المرتضى على ما نسب إليه.

(٥) أي : على حجية قول اللغوي ، وهذا هو الوجه الثالث والفرق بينه وبين الوجه الأول أعني اتفاق العلماء هو : أن الأول وكذا الثاني إجماع عملي على الرجوع إلى قول اللغوي بما أن قوله حجة ، وهذا الوجه إجماع قولي. وقد

٣٢٨

وفيه (١) : أن الاتفاق ممنوع (٢) ، ولو سلم [وان الاتفاق لو سلم اتفاقه (٣)

______________________________________________________

ذكره شيخنا الأعظم بقوله : «وقد حكي عن السيد (ره) في بعض كلماته دعوى الإجماع على ذلك ، بل ظاهر كلامه المحكي اتفاق المسلمين».

(١) هذا جواب عن الوجه الأول والثاني أعني اتفاق العلماء والعقلاء معاً ، وحاصل ما يمكن استفادته من العبارة أجوبة ثلاثة :

الأول : عدم ثبوت الاتفاق العملي على الرجوع إلى قول اللغوي لا من العقلاء ولا من العلماء.

الثاني : أنه على تقدير ثبوت الاتفاق المزبور لا يفيد ذلك الاتفاق شيئاً ، إذ مناط حجيته هو الكشف عن دليل معتبر ، وهو غير ثابت ، لاحتمال عدم ثبوت السيرة في زمان المعصوم عليه‌السلام حتى يكون عدم ردعها مع إمكانه دليلا على إمضائه.

الثالث : أن السيرة لما كانت دليلا لبياً ، فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقن منها وهو صورة اجتماع شرائط الشهادة من التعدد والعدالة في اللغوي ، ومع الشك في اجتماع الشرائط ـ كما هو محل البحث ـ لا تكون السيرة حجة ، وإلّا فلا كلام فيما إذا حصل العلم أو الوثوق بقوله.

والمذكور في الرسائل من الأجوبة عن الاتفاق هو هذا الثالث ، قال (قده) : «وفيه : أن المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ونحو ذلك لا مطلقاً ، ألا ترى أن أكثر علمائنا على اعتبار العدالة فيمن يرجع إليه من أهل الرّجال ، بل وبعضهم على اعتبار التعدد ... إلخ».

(٢) إشارة إلى الجواب الأول المتقدم بقولنا : «عدم ثبوت الاتفاق ...».

(٣) الضمير راجع إلى الاتفاق ، وهذا إشارة إلى الجواب الثاني المتقدم

٣٢٩

فغير مفيد (*) ، مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه (١) مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة.

والإجماع المحصل (٢) غير حاصل ، والمنقول منه غير مقبول ،

______________________________________________________

بقولنا : «انه على تقدير ...» ومقصوده (قده) : أنه لو سلم وقوع الإجماع العملي من العلماء والعقلاء من باب الاتفاق على حجية قول اللغوي فهذا الاتفاق العملي غير مفيد.

(١) أي : مع أن المتيقن من الاتفاق العملي هو الرجوع إلى قول اللغوي مع اجتماع شرائط الشهادة ، وهذا إشارة إلى الجواب الثالث.

(٢) هذا رد للدليل الثالث وهو دعوى الإجماع عليه ، وحاصل ما أفاده في الرد : أن الإجماع اما محصل واما منقول. أما المحصل ، فهو غير حاصل ، إذ بعد احتمال استناد المجمعين إلى بناء العقلاء لا يتحقق الإجماع المحصل الكاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام.

وأما المنقول ، ففيه إشكالان :

أحدهما : أن الإجماع المنقول ليس حجة في شيء من المقامات كما

__________________

(*) ان كان غرضه من عدم الإفادة تسليم ثبوت الاتفاق في زماننا وعدم ثبوته في زمان المعصوم عليه‌السلام حتى يكون عدم ردع الشارع إمضاء للسيرة ، ففيه : أنه يمكن إثبات اتصال السيرة المحققة في زماننا قطعاً بزمان المعصوم عليه‌السلام بالاستصحاب.

وان كان غرضه عدم ثبوت حجية السيرة مع فرض اتصالها بزمانه عليه‌السلام ، ففيه : أن عدم الردع عن مثلها مع عدم مانع عنه كتقية أو غيرها دليل على إمضائها ، وهو كاف في حجيتها.

٣٣٠

خصوصاً في مثل المسألة مما احتمل قريباً (١) (*) أن يكون وجه ذهاب

______________________________________________________

سيجيء إن شاء الله تعالى. وقد أشار إلى هذا بقوله : «غير مقبول».

ثانيهما : أنه مع احتمال استناد المجمعين إلى بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة لا يبقى وثوق بكون الإجماع تعبدياً ، فلو سلم حجية الإجماع المنقول في سائر الموارد لا يمكن الاعتماد عليه هنا ، لاحتمال مدركيته. وقد أشار المصنف إلى هذا الإشكال بقوله : «خصوصاً في مثل المسألة».

(١) هذا إشارة إلى الوجه الرابع من الوجوه التي استدل بها على حجية قول اللغوي ، وهو أوسع من الوجوه الثلاثة المتقدمة ، وحاصله : أن قول اللغوي معتبر ، لأنه من أهل الخبرة فيما يختص به ، وقد بنى العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة فيما يختصون به ، فيكون الرجوع إلى اللغوي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة.

وهذا الوجه حكاه الشيخ عن الفاضل السبزواري (قدهما) بقوله : «قال الفاضل السبزواري ـ فيما حكي عنه في هذا المقام ـ ما هذا لفظه : صحة المراجعة إلى أصحاب الصناعات البارزين في صنعتهم البارعين في فنهم فيما اختص

__________________

(*) ويستفاد من عبارة المصنف حيث جعل الإجماع مدركياً أن هناك وجهاً آخر لحجية قول اللغوي وهو استقرار سيرة العقلاء على مراجعة أهل الخبرة من كل فن كما حكاه شيخنا الأعظم عن الفاضل السبزواري. لكن لو أريد إثبات المعنى الحقيقي بالرجوع إلى اللغوي من حيث انه من أهل الخبرة ، ففيه : أنه ليس من أهل خبرة الأوضاع حتى يصح الرجوع إليه ، بل ليس هو من أهل خبرة موارد الاستعمال أيضا ، لوضوح اعتبار النّظر والرّأي في الخبروية ، فاعتبار العدد والعدالة حينئذ متجه.

٣٣١

الجل لو لا الكل هو اعتقاد أنه (١) مما اتفق عليه (٢) العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما (٣) [مما] اختص بها ، والمتيقن من ذلك (٤) انما هو فيما إذا كان الرجوع موجباً للوثوق والاطمئنان ، ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع ، بل (٥) (*) لا يكون

______________________________________________________

بصناعتهم مما اتفق عليه العقلاء في كل عصر وزمان» وقد أورد المصنف (قده) على هذا الدليل بوجهين كما سيأتي.

(١) أي : أن الرجوع إلى قول اللغوي.

(٢) الضمير راجع إلى الموصول المراد به الرجوع إلى أهل الخبرة ، وقوله : «من الرجوع» بيان للموصول.

(٣) متعلق بـ «الرجوع».

(٤) أي : من الرجوع إلى أهل الخبرة ، وهذا أحد الإيرادين على الدعوى المتقدمة ، وحاصله : أن المتيقن من هذه السيرة العقلائية هو ما إذا حصل الوثوق والاطمئنان بقول أهل الخبرة ، ولا يحصل ذلك من قول اللغوي ، ومع عدم حصوله لا دليل على اعتبار قوله وان كان من أهل الخبرة.

(٥) هذا هو الإيراد الثاني ، وحاصله : ـ بعد تسليم حجية قول أهل الخبرة ـ أن الرجوع إلى قول اللغوي أجنبي عن الرجوع إلى أهل الخبرة ، ضرورة أن اللغوي ليس من أهل الخبرة بالأوضاع ، بل شأنه ضبط موارد الاستعمال ، لا تعيين حقائقها ومجازاتها ، فاللغوي خبير بموارد الاستعمال من دون أن يميز الحقائق عن المجازات.

__________________

(*) الأولى تقديم هذا الإيراد الثاني على الأول ، بأن يقال : «ليس

٣٣٢

اللغوي من أهل خبرة ذلك (١) ، بل انما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال (*) بداهة (٢) أن همّه ضبط موارده ، لا تعيين أن أيّاً منها (٣) كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازاً (**) وإلّا لوضعوا لذلك (٤) علامة ،

______________________________________________________

(١) أي : من أهل الخبرة بالأوضاع ، والأولى أن يقال : «من أهل الخبرة بها».

(٢) تعليل لعدم كون اللغوي من أهل الخبرة بالأوضاع.

(٣) أي : من موارد الاستعمال ، وضمير «همه» راجع إلى اللغوي ، وضمير «موارده» إلى الاستعمال ، وضمير «فيه» إلى «أيا».

(٤) غرضه إثبات عدم كون اللغوي خبيراً بالأوضاع ، وحاصله : أنه لو كان خبيراً بكل من المعاني الحقيقية والمجازية لكان اللازم وضع علامة لتشخيص

__________________

اللغوي من أهل الخبرة أولا ، ولم ينهض دليل على اعتبار قوله ـ بعد تسليم كونه من أهل الخبرة ـ ثانياً» لأن مناط اعتبار قولهم ـ وهو إفادة الوثوق ـ مفقود في قول اللغوي ، فلا وجه لاعتباره.

لكن فيه : أن بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة ليس على الوثوق الشخصي ، بل النوعيّ ، وهو حاصل من قول اللغوي بناءً على كونه من أهل الخبرة.

(*) بل ليس اللغوي من أهل خبرة موارد الاستعمال أيضا بناء على اعتبار النّظر والحدس في الخبروية كما هو كذلك ، وقد مرت الإشارة إليه في بعض التعاليق.

(**) لكن الإنصاف أن اللغوي وان لم يكن خبيراً بالأوضاع وعارفاً بالحقائق والمجازات ، إلّا أن قوله موجب لظهور اللفظ في المعنى الّذي استعمله فيه ، وهذا المقدار كاف في إثبات الظهور الّذي هو موضوع الحجة العقلائية.

٣٣٣

وليس ذكره أوّلا (١) علامة كون اللفظ حقيقة فيه ، للانتقاض (٢) (*) بالمشترك.

وكون (٣) موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن تحصى ،

______________________________________________________

الحقائق عن المجازات ، وعدم وضعها له دليل على عدم اطلاعه بالأوضاع.

(١) إشارة إلى وهم ودفعه ، أما الوهم فهو : أن اللفظ إذا كان له معنى حقيقي ومجازي ، فما يذكره اللغوي أوّلا هو المعنى الحقيقي ، فتقديم أحد المعنيين أو المعاني بالذكر علامة كونه هو المعنى الحقيقي.

وأما الدفع ، فهو : أن ذكر أحد المعاني أوّلا ليس علامة كون اللفظ حقيقة فيه ومجازاً في سائر المعاني ، لانتقاضه بالمشترك ، إذ من المسلّم أن جميع المعاني المذكورة له قد وضع بإزائها اللفظ ، فلو كان المذكور أوّلا هو المعنى الحقيقي لزم أن يكون ما عداه من المعاني الموضوع لها اللفظ المشترك مجازات ، وهذا خلاف ما تسالموا عليه من وضع اللفظ بإزاء جميع المعاني. وعليه فلا يمكن الالتزام بأن المعنى المذكور أوّلا هو المعنى الحقيقي حتى يكون اللغوي لأجله عالماً بالأوضاع مضافاً إلى علمه بموارد الاستعمال.

(٢) تعليل لقوله : «ليس» وقد عرفت توضيحه. وضميرا «ذكره ، فيه» راجعان إلى المعنى.

(٣) هذا هو الدليل الخامس على حجية قول اللغوي ، وحاصله : التمسك بدليل الانسداد ، بتقريب : أن باب العلم والعلمي بتفاصيل اللغات منسد ،

__________________

(*) هذا النقض غير وارد ، إذ للقائل بعلاميته أن يقول باختصاص أماريته بحال الجهل ، وأما مع العلم بتعدد الوضع والاشتراك اللفظي فليس ذكره أوّلا علامة الوضع ، فالأولى منع العلامية لعدم الدليل عليها.

٣٣٤

لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالباً بحيث (١) يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه وان (٢) كان المعنى معلوماً في الجملة لا يوجب (٣)

______________________________________________________

والرجوع إلى البراءة غير جائز لاستلزامه الخروج عن الدين ، أو المخالفة القطعية في كثير من الموارد ، والاحتياط غير واجب للعسر ، والأصول الشخصية باطلة ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، فيتعين العمل بقول اللغوي ، لكونه مفيداً للظن.

وبالجملة : فانسداد باب العلم والعلمي بتفاصيل اللغات يوجب اعتبار الظن الحاصل فيها بقول اللغوي ، للاحتياج إلى معرفة معانيها.

(١) متعلق بـ «العلم بتفاصيل» وبيان له.

(٢) وصلية ، وهو قيد لـ «انسداد باب العلم» ومثال معلومية المعنى إجمالا لفظ «الغناء» فانه وان تردد بين كونه مطلق الصوت المطرب وبين كونه الصوت المطرب المشتمل على الترجيع ، لكن القدر المتيقن منه هو المشتمل على الترجيع ، وأما غيره فلم يظهر شمول لفظ الغناء له.

ومثله لفظ الصعيد ، فانه لا يعلم أنه مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب الخالص. وغيرهما من الألفاظ المأخوذة في حيّز الخطابات الشرعية التي لا يعلم مفهومها سعة وضيقاً مع العلم بالمعنى في الجملة.

(٣) خبر قوله : «وكون» وجواب عنه ، وملخصه : أن فرض الانسداد في تفاصيل اللغات مع انفتاح باب العلم أو العلمي في الأحكام الشرعية لا يجدي في حجية قول اللغوي ، إذ لا يلزم من الاحتياط أو جريان أصل البراءة في موارد انسداد باب العلم والعلمي بتفاصيل اللغات المحذور اللازم من انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إلى معظم الأحكام من العسر والحرج الناشئين من الاحتياط

٣٣٥

اعتبار قوله ما دام (١) انفتاح باب العلم بالاحكام كما لا يخفى ، ومع الانسداد (٢) كان قوله معتبراً إذا أفاد الظن من باب حجية مطلق الظن

______________________________________________________

والخروج عن الدين ، أو المخالفة القطعية الكثيرة الناشئ من جريان البراءة ، وعليه ، فلا يثبت اعتبار قول اللغوي فيها ، مع أن جريان مقدمات الانسداد منوط بترتب أحد هذين المحذورين ، ومن المعلوم أنه لا يلزم من إجراء أصل البراءة في موارد الجهل بتفاصيل اللغات محذور الخروج عن الدين ، كما لا يلزم من إجراء أصل الاحتياط في تلك الموارد العسر أو الحرج المنفيان في الشريعة المقدسة ، ومع عدم لزوم أحد هذين المحذورين لا يتم دليل الانسداد لإثبات حجية الظن الحاصل من قول اللغوي ، نعم إذا ترتب أحد المحذورين المتقدمين ثبت انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام ، فيصير مطلق الظن ـ الّذي منه الظن الحاصل من قول اللغوي ـ حجة.

فالنتيجة : أنه لا تتم مقدمات الانسداد الصغير لإثبات حجية قول اللغوي.

ثم ان ما تقدم من تقرير الانسداد وجوابه قد أفاده الشيخ الأعظم (قده) بقوله : «ولا يتوهم أن طرح قول اللغوي غير المفيد للعلم في ألفاظ الكتاب والسنة مستلزم لانسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام ، لاندفاع ذلك بأن أكثر موارد اللغات إلّا ما شذّ وندر كلفظ الصعيد ونحوه معلوم من العرف واللغة كما لا يخفى ... إلخ».

(١) ظرف لقوله : «لا يوجب» و «دام» هنا تامة بمعنى ثبت ، أي : لا يوجب اعتبار قوله في ظرف ثبوت انفتاح باب العلم.

والأولى أن يقال : «ما انفتح باب العلم بالاحكام» أو «ما دام باب العلم بالاحكام مفتوحاً».

(٢) أي : ومع انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إلى معظم الأحكام كان

٣٣٦

وان فرض انفتاح باب العلم باللغات (١) بتفاصيلها فيما عدا المورد (٢).

نعم (٣) لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد أن يكون انسداد

______________________________________________________

قول اللغوي حجة في خصوص هذا المعظم بشرط افادته الظن ، فحجيته حينئذ تكون من باب حجية مطلق الظن وان فرض انفتاح باب العلم والعلمي بالنسبة إلى ما عدا هذا المعظم من اللغات ، وقد تقدم تقريبه بقولنا : «نعم لا ريب ... إلخ».

(١) فلا يكون انسداد باب العلم والعلمي في اللغات منشأ لحجية قول اللغوي.

(٢) أي : فيما عدا المورد الّذي لا يعلم تفصيل المعنى اللغوي فيه.

(٣) غرضه الاستدراك على ما ذكره من أن انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات لا يوجب اعتبار قول اللغوي ، وأن المدار على الانسداد في الأحكام ، وحاصل الاستدراك : أن الانسداد في اللغات وان لم يترتب عليه اعتبار قول اللغوي ، لعدم كونه دليلا على ذلك ، لكن يمكن أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات حكمة لتشريع حجية قول اللغوي إذا قام هناك دليل خاص على اعتباره ، فيكون حينئذ من الظنون الخاصة كما نبّه عليه شيخنا الأعظم (قده) بقوله في صدر المسألة : «فان المشهور كونه من الظنون الخاصة التي ثبت حجيتها مع قطع النّظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية وان كانت الحكمة في اعتبارها انسداد باب العلم في غالب مواردها».

وبالجملة : فالانسداد حكمة لتشريع الحجية لقول اللغوي ولو في حال انفتاح باب العلم ، لا علة لتشريعها له حتى لا يعتبر قوله مع التمكن من تحصيل العلم في المورد ، والداعي إلى جعل الانسداد حكمة لا علة هو منافاة إطلاق دليل حجيته الشامل لحالتي إمكان العلم وعدمه لعلية الانسداد المقتضية لاختصاص حجيته بحال الانسداد كما لا يخفى.

٣٣٧

باب العلم بتفاصيل اللغات موجباً له (١) على نحو الحكمة لا العلة.

لا يقال (٢) : على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة.

فانه يقال (٣) : مع هذا (٤) لا يكاد تخفي الفائدة في المراجعة إليها ، فانه (٥) ربما يوجب القطع بالمعنى (٦) وربما يوجب القطع بأن اللفظ

______________________________________________________

(١) أي : لاعتبار قول اللغوي ، وضمير «اعتباره» راجع إلى قول اللغوي.

(٢) هذا إشكال على ما تقدم في الجواب عن الاستدلال على حجية قول اللغوي بكونه من أهل الخبرة بالأوضاع ، وحاصل الإشكال : أنه على ما ذكرت ـ من عدم حجية قول اللغوي لعدم كونه من أهل الخبرة بالأوضاع ـ لا يبقى فائدة في الرجوع إلى اللغة ، لعدم إحراز الأوضاع بأقوال اللغويين حسب الفرض.

(٣) هذا دفع الإشكال ، وتوضيحه : أن ما أنكرناه هو اعتبار قول اللغوي من حيث كونه ظناً ، وأما إذا أفاد الوثوق والاطمئنان ـ خصوصاً مع اتفاق كلهم أو جلّهم على معنى ـ فلا إشكال في اعتباره من هذه الحيثية ، إذ قول اللغوي حينئذ يكون من مناشئ الحجة وهي ـ أي الحجة ـ العلم العادي أو الوجداني ، لا أنه بنفسه حجة ، ولا منافاة بين هذا ـ أي حصول الوثوق بقول اللغوي أحياناً ـ وبين ما تقدم سابقاً بقوله : «ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع» إذ ما ذكره هناك راجع إلى عدم الوثوق بقوله في الأوضاع في كل مورد ، فيمكن تحقق الوثوق بالوضع من قوله في بعض الموارد كما ظاهر.

(٤) أي : مع عدم كون اللغوي من أهل الخبرة بالأوضاع لا يكاد ... إلخ.

(٥) أي : فان الرجوع إلى قول اللغوي ربما ... إلخ.

(٦) المراد بالمعنى هو المعنى الحقيقي بقرينة مقابلته لقوله (قده) : «ظاهر في معنى ... إلخ» يعني : أن الرجوع إلى قول اللغوي ربما يوجب القطع

٣٣٨

في المورد ظاهر في معنى (١) بعد الظفر به وبغيره (٢) في اللغة وان لم يقطع [نقطع] بأنه حقيقة فيه (٣) أو مجاز (*) كما اتفق كثيراً ،

______________________________________________________

بالمعنى الحقيقي ، كما أنه ربما يوجب القطع في مورد بظهور اللفظ في معنى أعم من أن يكون حقيقياً أو مجازياً ، وهذا المقدار ـ أعني القطع بظهور اللفظ في معنى ما ـ كاف في مقام الإفتاء ، لعدم توقفه على معرفة أن المعنى حقيقي أو مجازي.

(١) فما نفاه هناك هو الوثوق بالأوضاع في جميع الموارد ، فلا ينافيه حصوله في بعض الموارد ، فتدبر.

(٢) أي : بعد الظفر بذلك المعنى وبغير ذلك المعنى في اللغة ، وغرضه : أنه بعد الظفر بذلك المعنى وبغيره في اللغة ربما يحصل الوثوق بقرائن حالية أو مقالية أو مقامية بكون اللفظ ظاهراً في ذلك المعنى ، فيحمل عليه في مقام الاستنباط.

(٣) الضمير راجع «إلى «معنى» في قوله : «ظاهر في معنى» أي : وان لم نقطع بأن اللفظ ـ الّذي كان ظاهراً في معنى ـ حقيقة في ذلك المعنى أو مجاز فيه ، لكفاية الظهور في مقام الفتوى.

__________________

(*) بل يمكن إثبات الوضع بقول اللغوي أيضا بعد البناء على وثاقته في نقل موارد الاستعمال ، بأن يقال : انه بعد وقوفه على استعمال أهل اللسان لفظاً في معنى بلا قرينة ، فلا محالة يكون ذلك المعنى حقيقياً ، إذ لو كان مجازياً لنصبوا عليه قرينة ، واحتمال نصبهم لها وإهمال اللغوي لذكرها خلاف ما فرض من كونه ثقة في النقل ، كما أن احتمال وجود قرينة خفية على اللغوي مندفع بالأصل.

وبالجملة : فنقل اللغوي لموارد الاستعمال ـ مع ملاحظة ما عرفت ـ يدل

٣٣٩

وهو (١) يكفي في الفتوى (*).

______________________________________________________

(١) يعني : أن القطع بظهور اللفظ في معنى ـ وان لم يعلم بأنه معنى حقيقي له ـ كافٍ في مقام استنباط الحكم ، إذ المدار على الظهور ، وهو حاصل بالفرض ، دون تمييز كونه حقيقياً أو مجازياً ، كما تقدم.

فتلخص : أن قول اللغوي حجة من باب الظن المطلق بناءً على تمامية مقدمات الانسداد في الأحكام ، وغير حجة بناءً على عدم تماميتها وان فرض انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات ، إذ لا يكفي مجرد ذلك في إثبات حجية قوله كما مر ، إلّا إذا أفاد الوثوق والعلم العادي بكون اللفظ ظاهراً في المعنى ، والله العالم.

__________________

على وضع اللفظ فيما استعمل فيه ، وهذا غير كون الأصل في الاستعمال الحقيقة ، إذ المدار هنا على الظهور المجرد عن القرينة بمعونة الأصل العقلائي ، وهناك على الاستعمال في المعنى المعلوم قصده ، مع الجهل بكونه حقيقة أو مجازاً ، ومن المعلوم أن مجرد الاستعمال ليس أمارة على الحقيقة.

(*) لا يخفى أن لسيدنا الأستاذ (قده) وجهاً لحجية قول اللغوي قد أفاده في مجلس الدرس وفي حقائق الأصول بقوله : «ثم ان أقوى ما يستدل به على حجية قول اللغوي هو ما دل على حجية خبر الثقة في الأحكام. ودعوى أن خبر اللغوي ليس متعرضاً للحكم ، لأنه من الخبر عن الموضوع فاسدة ، لأن المراد من الخبر في الأحكام كل خبر ينتهي إلى خبر عن الحكم ولو بالالتزام ... إلخ».

وملخصه بطوله : أن ما دل على حجية خبر الثقة في الأحكام يشمل قول اللغوي ، حيث ان الاخبار عن الحكم أعم من الدلالة المطابقية كما إذا قال الراوي : «سمعت الإمام عليه‌السلام يقول : يجوز التيمم بالتراب الخالص» فانه اخبار عن

٣٤٠