منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

الملازمة ، هذا (١) فيما انكشف الحال. وأما فيما اشتبه (٢) فلا يبعد أن يقال بالاعتبار ، فان (٣) عمدة أدلة حجية الاخبار هو بناء العقلاء ، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس ، حيث انه (٤) ليس بناؤهم ـ إذا أخبروا بشيء ـ على التوقف والتفتيش عن أنه (٥) عن حدس أو حس ، بل العمل على طبقه

______________________________________________________

(١) أي : ما ذكرناه من أحكام الأقسام الثلاثة المتقدمة للإجماع المنقول.

(٢) أي : وأما إذا اشتبه أن نقل المسبب عن حس أو حدس ولم يحرز كون نقل الإجماع بالنسبة إلى المسبب حسياً أو حدسياً ، فلا يبعد القول باعتباره ، لأن بناء العقلاء قد استقر على العمل بالخبر المشكوك كونه عن حس ، كاستقراره على العمل بالخبر المعلوم كونه عن حس ، ولذا لو اعتذر شخص عن عدم العمل بالخبر باحتمال كونه عن حدس لم يقبل ذلك منه ، وليس إلّا لأجل بنائهم على العمل بالمشكوك كونه عن حس كبنائهم على العمل بالمعلوم كونه عن حس.

ومن هنا يظهر : أن مستند حجية الخبر ان كان هو الآيات والروايات وادعي انصرافهما إلى خصوص الخبر الحسي لم يقدح ذلك في الاعتماد على بناء العقلاء المقتضي لإلحاق المشكوك كونه عن حس بالمعلوم كذلك ، لوضوح أن الآيات والروايات لا تتكفل حكم الشك ، بخلاف بناء العقلاء ، فانه يتكفل ذلك ، فلا تنافي بين عدم دلالتهما الا على اعتبار الخبر الحسي ، وبين بناء العقلاء على إلحاق المشكوك بالمعلوم ، هذا.

(٣) تعليل لقوله : «فلا يبعد» وقد عرفت توضيحه.

(٤) الضمير للشأن ، وضمائر «أنه ، به ، كونه» راجعة إلى الخبر.

(٥) أي : أن الاخبار عن ذلك الشيء عن حدس أو حس ... إلخ.

٣٦١

والجري (١) على وفقه (٢) بدون ذلك (٣). نعم (٤) لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك (٥) فيما (٦) لا يكون هناك أمارة على الحدس أو اعتقاد (٧) الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة ، هذا. لكن (٨) الإجماعات المنقولة في ألسنة

______________________________________________________

(١) بالجر عطف تفسيري لـ «العمل» وهما معطوفان على «على التوقف» أي بل بناؤهم على العمل والجري.

(٢) هذا الضمير وضمير «طبقه» راجعان إلى الاخبار.

(٣) أي : بدون التفتيش.

(٤) استدراك على ما ذكره من بناء العقلاء على العمل على طبق ما أخبروا به بلا توقف وتفتيش ، وتوضيحه : أن بناء العقلاء على إلحاق الخبر المشكوك كونه عن حس بالخبر المعلوم كونه كذلك لا يبعد أن يكون في غير صورة وجود الأمارة على الحدس أو اعتقاد الناقل الملازمة بين السبب والمسبب مع عدم ثبوتها عند المنقول إليهم ، فإذا كان هناك أمارة على الحدس أو على اعتقاد الناقل الملازمة فيما لم يعتقدها فيه المنقول إليهم لم يحرز بناء العقلاء في هاتين الصورتين على معاملة الخبر الحسي مع المشكوك كونه عن حس.

(٥) أي : على العمل بدون التوقف والتفتيش فيما ... إلخ ، إلحاقاً منهم للخبر المشكوك كونه عن حس بالخبر المعلوم كونه عن حس.

(٦) خبر قوله : «أن يكون».

(٧) بالجر معطوف على «الحدس» يعني : لا يبعد أن يكون بناؤهم على العمل بلا تفتيش فيما لا يكون أمارة على الحدس ، أو على اعتقاد الناقل الملازمة بين السبب والمسبب فيما لا يعتقد المنقول إليهم تلك الملازمة بينهما ، وأما فيما كان أمارة على الحدس أو على اعتقاد الناقل الملازمة المذكورة فلا يعملون به.

(٨) هذا استدراك على قوله : «فلا يبعد أن يقال» وحاصله : أن البناء المزبور

٣٦٢

الأصحاب غالباً مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا ، فلا اعتبار (١) لها ما لم ينكشف أن نقل السبب كان مستنداً إلى الحس ، فلا بدّ (٢)

______________________________________________________

ليس ثابتاً في الإجماعات المنقولة ، لوجود أمارة الحدس فيها ، والمراد بالأمارة هو الغلبة الموجبة لإلحاق النادر بالغالب ، لوضوح ابتناء غالب الإجماعات هو الغلبة الموجبة لإلحاق النادر بالغالب ، لوضوح ابتناء غالب الإجماعات المنقولة على حدس الناقل ، أو اعتقاده الملازمة بين اتفاق الفتاوى وبين رأي المعصوم عليه‌السلام عقلا كما في قاعدة اللطف.

(١) هذا متفرع على ما ذكره من عدم ثبوت بناء العقلاء على إلحاق الخبر المشكوك كونه عن حس بالمعلوم كونه عن حس فيما إذا كان هناك أمارة على حدسيته أو على اعتقاد الملازمة فيما لا يعتقدها فيه المنقول إليهم ، كالإجماعات المنقولة. وعليه ، فمقتضى ما تقدم هو البناء على عدم شمول أدلة اعتبار خبر الواحد للإجماعات المنقولة ما لم يحرز نقل السبب فيها عن حس حتى يكون نقل المسبب عن حس أيضا بوجه من وجوه الملازمة بينهما.

(٢) غرضه : أنه بعد أن ثبت عدم بناء العقلاء على إلحاق المشكوك بالمعلوم حسيته فيما إذا كان فيه أمارة الحدسية كما في الإجماعات المنقولة ، فمجرد نقل الإجماع لا يكون حجة ، لعدم كشفه عن رأيه عليه‌السلام حساً ، بل لا بد حينئذ من ملاحظة مقدار دلالة ألفاظ الإجماع صراحة وظهوراً ولو بقرينة حال الناقل لسعة باعه ووفور اطلاعه وتثبته في النقل ، وأنه يتتبع ولا يعتمد على ظاهر كلمات من ينقل الإجماع ، ولا على بعض المسالك التي سلكها الناقل في إحراز اتفاق الأصحاب المبتنية على الحدس. وقيل : ان الجامع لهذه الصفات لا يبعد أن يكون جماعة من المتأخرين كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وأضرابهم كالفاضل الهندي وغيره رضوان الله عليهم أجمعين.

٣٦٣

في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة (١) من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ولو بملاحظة حال الناقل (٢) وخصوص موضع النقل (٣) ، فيؤخذ بذلك المقدار (٤)

______________________________________________________

وكيف كان ، فان دل لفظ الإجماع ـ ولو بقرينة ما عرفت ـ على اتفاق يكون تمام السبب في الكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام أخذ به كقول الناقل : «أجمع أصحابنا» أو «أجمع فقهاء أهل البيت» أو «اتفقت الإمامية» أو «هذا مما انفرد به الإمامية». وان لم يكن نقل الإجماع تمام السبب في استكشاف رأي الإمام عليه‌السلام ، فيضم إليه مما حصله من سائر الأقوال أو الأمارات مقداراً يوجب سببيته للكشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

وبالجملة : فلا اعتبار بنقل الإجماع في هذه الأعصار بحيث يكون دليلا في المسألة على حذو سائر الأدلة ، بل لا بد من ملاحظة أن هذا النقل بالنسبة إلى السبب هل هو حسي أم لا ، فإن كان حسياً فهل يكون سبباً تاماً للكشف عن رأيه عليه‌السلام أم لا ، فإن كان تاماً فلا إشكال فيه ، وإلّا فلا بدّ في الاعتماد عليه من ضم أمارات إليه إلى أن يتم سببيته ، هذا.

(١) كقول الحاكي للإجماع : «اتفق أو أطبق أو أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو فقهاؤنا» فانه كالصريح في اتفاق الكل ، بخلاف قوله : «لا خلاف فيه» أو «لا نعرف فيه خلافاً» أو «لم يظهر فيه خلاف» فانه ظاهر في اتفاق الكل.

(٢) أي : حين نقله من جهة ضبطه وتورعه في النقل ومقدار بضاعته في العلم ووقوفه على الكتب وتتبعه للأقوال وغير ذلك من الأوصاف الدخيلة في الضبط والإتقان.

(٣) ككونه من المسائل المحررة في كتب الأصحاب أو المهملة في جملة منها.

(٤) أي : المقدار الّذي يدل عليه لفظ الإجماع مع ملاحظة القرائن الأخر

٣٦٤

ويعامل معه كأنه (١) المحصل ، فان كان (٢) بمقدار تمام السبب ، وإلّا (٣) فلا يجدي ما لم يضم (٤) [ينضم] إليه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات (٥) ما (٦) به تم ،

______________________________________________________

من رعاية حال الناقل وموضع النقل ، ويعامل مع ذلك المقدار مع ملاحظة تلك القرائن معاملة المحصل ، فكأن المنقول إليه بنفسه قد حصل تلك الأقوال التي هي مورد الإجماع.

(١) أي : يكون ذلك المقدار مثل تحصيل تلك الأقوال بنفسه ، وضميرا «معه ، كأنه» راجعان إلى المقدار.

(٢) أي : فان كان ذلك المقدار تمام السبب للكشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام فهو المطلوب.

(٣) أي : وان لم يكن ذلك المقدار المنقول بمقدار تمام السبب لم يجد ذلك المقدار في الاستناد إليه في مقام الفتوى.

(٤) كلمة «ما» ظرف لقوله : «فلا يجدى» ، ومفعول «يضم» هو الموصول في قوله : «ما به تم» وقد بين هذا الموصول بقوله : «مما حصله» فذكر المبين ـ بالكسر ـ قبل المبين ـ بالفتح ـ ، ولو قال : «ما لم يضم إليه ما به يتم السبب مما حصله أو نقل له» كان أحسن.

(٥) من شهرة أو رواية مرسلة أو غيرهما.

(٦) مفعول لقوله : «يضم» والمعنى : أنه لا يجدي هذا المقدار المنقول الناقص في كشف رأيه عليه‌السلام ما لم يضم إليه من الأقوال أو الأمارات مقداراً يتم به سببية ذلك المقدار المنقول ، بمعنى صيرورة المجموع من المنقول وما يتم به سببية ذلك المقدار المنقول ، بمعنى صيرورة المجموع من المنقول وما انضم إليه سبباً لكشف قول المعصوم عليه‌السلام. وعلى هذا يكون الإجماع

٣٦٥

فافهم (١).

فتلخص بما ذكرنا (٢) : أن الإجماع المنقول بخبر الواحد [بالخبر الواحد] من جهة حكايته رأي الإمام عليه‌السلام بالتضمن (٣)

______________________________________________________

المنقول جزء السبب الكاشف ، وان لم يصر المنقول والمنضم إليه سبباً ، فلا يكون جزء السبب أيضا.

(١) لعله إشارة إلى : أن اعتباره حينئذ لا يكون من حيث كونه إجماعاً ، بل من حيث كونه كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام ولو من باب تراكم الظنون الموجب للقطع.

فالمتحصل : أن الإجماع المنقول لا يكون بنفسه حجة ما لم يكن موجباً للقطع بقول المعصوم عليه‌السلام ، فالمدار على هذا القطع سواء حصل من نقل فتاوى جماعة فقط أو مع ضمائم أخر ، هذا.

(٢) من حجية الإجماع المنقول في قسمين ، وهما : نقل السبب والمسبب عن حس ، واستلزام نقل السبب حساً للمسبب حدساً بنظر المنقول إليه. وحاصل ما أفاده : أن الإجماع المنقول من حيث حكايته عن رأي المعصوم عليه‌السلام تضمناً ، كما في الدخولي ، أو التزاماً كما في الإجماع اللطفي حجة كخبر الواحد بشرط أن يكون المنقول إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه‌السلام وبين ما نقله الناقل من الأقوال إجمالا ، فان أدلة اعتبار خبر الواحد تشمل الإجماع المنقول في هاتين الصورتين.

أما صورة التضمن ، فلكون نقل المسبب فيها كالسبب حسياً.

وأما صورة الالتزام ، فلان المفروض أن نقل السبب فيها عن حس مستلزم ـ في نظر المنقول إليه ـ لرأيه عليه‌السلام وسبب للقطع به عقلا أو عادة ، وهاتان الصورتان مشمولتان لأدلة الاعتبار.

(٣) كما في الإجماع الدخولي ، وضمير «حكايته» راجع إلى الإجماع.

٣٦٦

أو الالتزام (١) كالخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه‌السلام وما نقله (٢) من الأقوال بنحو الجملة والإجمال ، وتعمه (٣) [فعليه يعمه] أدلة اعتباره وينقسم بأقسامه (٤) ، ويشاركه في أحكامه (٥)

______________________________________________________

(١) كما في الإجماع اللطفي والحدسي ، وقوله : «كالخبر الواحد» خبر «أن الإجماع».

(٢) معطوف على «رأيه» وقوله : «من الأقوال» بيان للموصول ، والمراد بالأقوال السبب الكاشف عن رأيه عليه‌السلام الّذي هو عبارة أخرى عن الإجماع ، يعني : وبين الإجماع الّذي حكاه مدعي الإجماع ، والأولى أن يقال : «وبين ما نقل إليه» وقوله : «بنحو الجملة» متعلق بـ «نقله» فان الإجماع نقل للأقوال إجمالا في مقابل حكايتها تفصيلا ، حيث ان قول ناقل الإجماع : «أجمع أصحابنا» مثلا متضمن لنقل أقوال الأصحاب جملة لا تفصيلا. فالمراد بالإجمال هو الجملة ، لا الجهل والسترة ، فالمقصود : نقل الأقوال بعبارة واحدة جامعة لها.

(٣) هذا هو الموجود في أكثر النسخ ، وفي بعضها «فعليه يعمه» ، والأولى «فتعمه» بإسقاط «فعليه» ليكون نتيجة لتشبيه الإجماع بالخبر الواحد ، والمعنى : فتعم أدلة اعتبار الخبر الواحد الإجماع المنقول.

(٤) أي : وينقسم الإجماع بأقسام الخبر ، لأنه بعد أنه صار هذا النحو من الإجماع من مصاديق خبر الواحد ، فلا جرم ينقسم إلى أقسامه من الصحيح والحسن والموثق والمسند والمرسل ، كما إذا قال : «حكي عليه الإجماع» فهذا الإجماع كالرواية المرسلة ، وعليه فإن كان ناقل الإجماع عدلا إماميّا اتصف الإجماع بالصحّة ، وان كان إماميّا ممدوحاً بمدح لا يفيد العدالة اتصف بالحسن ، وهكذا.

(٥) أي : ويشارك الإجماع الخبر الواحد في أحكامه ، من كونه منجزاً عند

٣٦٧

وإلّا (١) لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية (٢).

وأما من جهة نقل السبب ، فهو (٣) في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار

______________________________________________________

الإصابة ومعذراً عند الخطأ ، وكذا إجراء أحكام تعارض الخبرين على الإجماعين المتعارضين ، ويستفاد اتحاد حكم الإجماع والخبر الواحد مما نبه عليه شيخنا الأعظم في صدر المسألة بقوله : «ان ظاهر أكثر القائلين باعتبار الإجماع المنقول ان الدليل عليه هو الدليل على ...».

(١) أي : وان لم يكن نقل الإجماع غير الدخولي في نظر المنقول إليه مستلزماً لرأيه عليه‌السلام ، لم يكن مثل الخبر الواحد في الحجية والحكاية لرأيه عليه‌السلام ، إذ المفروض عدم كشفه عن رأيه عليه‌السلام الّذي هو مناط حجيته ، هذا كله من حيث الحكاية عن المسبب. وأما من جهة نقل السبب فكما أشار إليه بقوله : «وأما من جهة نقل السبب ... إلخ».

(٢) يعني : أن ما ذكرناه كان من حيث الحكاية عن المسبب ، وأما من جهة نقل السبب فما نقل له من الأقوال إجمالا بلفظ الإجماع ونحوه يكون كالمنقول له تفصيلا ، فان كان هو مع ما ينضم إليه من الأقوال والأمارات سبباً تاماً للقطع برأيه عليه‌السلام كان المجموع كالإجماع المحصل في الاعتبار ، وإلّا فلا. فالأولى بسوق العبارة أن يقال : «هذا كله من حيث الحكاية عن المسبب ، وأما من جهة ... إلخ».

(٣) يعني : أن الإجماع المنقول ـ الّذي هو نقل للأقوال على الإجمال ـ يكون مثل نقل الأقوال على التفصيل في الاعتبار والحجية ، فإذا انضم إليه من سائر الأقوال والأمارات ما يجعله كسبب تام في الكشف عن المسبب ـ أعني رأي المعصوم عليه‌السلام ـ كان المجموع كإجماع محصل ، فيترتب عليه أحكامه.

٣٦٨

من الأقوال التي نقلت إليه (١) على الإجمال بألفاظ نقل الإجماع مثل (٢) ما إذا نقلت على التفصيل ، فلو ضمّ (٣) إليه مما حصله أو نقل (٤) له [إليه] من (٥) أقوال السائرين أو سائر الأمارات مقدار كان (٦) المجموع منه وما (٧) نقل بلفظ الإجماع بمقدار (٨) السبب التام كان (٩) المجموع كالمحصل ، ويكون حاله (١٠)

______________________________________________________

(١) أي : إلى المنقول إليه ، و «على الإجمال» متعلق بـ «نقلت».

(٢) بالرفع خبر «فهو» أي : أن نقل الأقوال جملة بلفظ الإجماع كنقلها تفصيلا.

(٣) مبنياً للمجهول ، وقوله : «مقدار» نائب فاعل له ، وضمير «إليه» يرجع إلى الإجماع.

(٤) عطف على «حصله» وكل منهما بيان المقدار ، وضمير «حصله» راجع إلى الموصول المراد به المقدار ، وضمير «له» راجع إلى المنقول إليه.

(٥) نائب فاعل لـ «نقل».

(٦) صفة لـ «مقدار» وضمير «منه» راجع إلى المقدار.

(٧) في محل جر معطوف على الضمير المجرور في «منه» أي : كان الإجماع المنقول ـ وسائر الأقوال التي حصلها أو نقلت إليه ـ سبباً تاماً في الكشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

(٨) خبر «كان المجموع».

(٩) جواب قوله : «فلو ضم» يعني : كان المجموع كالمحصل في إحراز جميع الفتاوى واتفاق الكل الّذي هو السبب ، ولكنه كالمنقول في الحجية ، للملازمة بينه وبين رأي الإمام عليه‌السلام.

(١٠) أي : يكون حال المجموع من الإجماع وما ضمّ إليه أو نقل إليه حال

٣٦٩

كما إذا كان كله منقولا ، ولا تفاوت (١) في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه أو ما له دخل فيه ، وبه قوامه (٢) ، كما يشهد به (٣)

______________________________________________________

الإجماع الّذي يكون كله منقولا. وبعبارة أخرى : الإجماع الّذي يكون جزء السبب الكاشف كالإجماع المنقول الّذي يكون تمام السبب في الحجية.

(١) إشارة إلى توهم ودفعه ، أما التوهم فحاصله : أن دليل اعتبار الخبر يشمل الإجماع المنقول الّذي يكون تمام السبب لرأي المعصوم عليه‌السلام ولا يشمل الإجماع المنقول الّذي يكون جزء السبب ، لعدم ترتب رأيه عليه‌السلام ـ الّذي هو الأثر الشرعي ـ على هذا الإجماع ، وانما يترتب على المجموع منه ومما ضم إليه ، والمفروض أن الحجية تكون بلحاظ الأثر الشرعي ، كما لا يخفى. وأما الدفع ، فحاصله : أن ترتب الأثر الضمني كاف في صحة التعبد والحجية كما في البينة ، فان الأثر الشرعي يترتب على مجموع قولي الشاهدين ، لا على كل منهما بالاستقلال. وكما في الاخبار عن بعض الخصوصيات الدخيلة في الحكم على ما سيأتي توضيحه في شرح عبارته المتعلقة بذلك.

(٢) هذا الضمير وضميرا «تمامه ، فيه» راجع إلى السبب ، وضميرا «له ، به» راجعان إلى «ما» الموصول المراد به جزء السبب.

(٣) أي : بعدم التفاوت ، وضمير «حجيته» راجع إلى الجزء ، يعني : أنه يشهد بما ذكرناه من عدم التفاوت المذكور في الاعتبار والحجية حجية الخبر في تعيين حال السائل ، كما إذا كان الراوي مردداً بين عدل أو ثقة أو ضعيف ، فلو أخبر حينئذ ثقة بأن الراوي يكون ذلك العدل أو الموثق دون الضعيف ، فلا إشكال في اعتبار خبره مع أنه ليس تمام الموضوع للأثر الشرعي كما لا يخفى.

٣٧٠

حجيته بلا ريب في تعيين (١) حال السائل ، وخصوصية (٢) القضية الواقعة المسئول عنها ، وغير ذلك (٣) مما له دخل في تعيين مرامه عليه‌السلام من كلامه.

وينبغي التنبيه على أمور

______________________________________________________

(١) هذا وقوله : «بلا ريب» متعلقان بقوله : «حجيته».

(٢) معطوف على قوله : «تعيين» وحاصله : أن قول الراوي حجة في الواقعة التي سأل حكمها عن الإمام عليه‌السلام ، كما إذا سأل عن حكم الفأرة التي وقعت في بئر كذا ، فأجابه الإمام عليه‌السلام بنزح ثلاث دلاء منها ، فانه لو لم يكن قول الراوي حجة في إثبات الواقعة المسئول عنها لم يمكن استفادة الحكم الشرعي من كلامه صلوات الله عليه أصلا ، فالأسئلة الواقعة في الروايات دخيلة في إثبات الحكم الشرعي.

(٣) كما إذا أخبر الراوي المضمِر للخبر بقوله : «سألته» بأن مقصودي هو الصادق عليه‌السلام مثلا ، فان هذا الخبر ليس تمام الموضوع للحكم الشرعي كما هو واضح ، ولكنه دخيل في تعيين مرام السائل ، هذا إذا كان ضمير «مرامه» راجعاً إلى السائل.

وأما إذا أريد به الإمام خصوصاً بقرينة تعقيبه برمز عليه‌السلام كما في بعض النسخ ، فهو كما إذا قال عليه‌السلام : «المستطيع يحج» فسأل الراوي : «ما الاستطاعة؟» ففسرها الإمام عليه‌السلام بالزاد والراحلة وتخلية السرب وغيرها فان في هذه الرواية خصوصية معينة لمرام الإمام من موضوع الحكم أعني المستطيع.

٣٧١

الأول (١) : أنه قد مر (٢) أن مبنى دعوى الإجماع غالباً هو اعتقاد الملازمة عقلا ، لقاعدة (٣) اللطف ، وهي باطلة (٤)

______________________________________________________

تنبيهات مبحث الإجماع المنقول

بطلان الطرق المتقدمة لاستكشاف رأى الإمام

(١) المقصود من عقد هذا الأمر الإشارة إلى بطلان الطرق المتقدمة لاستكشاف قول المعصوم عليه‌السلام من الإجماع ، ولا يخفى أن غالب ما ذكره في هذا التنبيه تكرار للمباحث المتقدمة ، والمختص بذكره هنا بيان بطلان قاعدة اللطف التي هي مستند الشيخ وأتباعه كما سيأتي توضيحه عن قريب.

(٢) يعني : في قوله : «لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالباً مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا».

(٣) تعليل لقوله : «اعتقاد الملازمة عقلا».

(٤) ووجه بطلانها ـ كما عن السيد المرتضى (قده) ويظهر من غيره أيضا ـ : إما كوننا نحن السبب في غيبته عليه‌السلام والحرمان عن فيوضاته وتصرفاته ، فلا يجب عليه اللطف حينئذ ، بل يجب علينا رفع المانع عن غيبته عجل الله تعالى فرجه إذ لا دليل على وجوب بيان الأحكام عليه بغير الطرق المتعارفة ، ومن المسلم تحقق ذلك ، فالاختفاء عرض بسوء أعمالنا ، ولذا قيل : «وجوده لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منا». وأما وجوب اللطف عليه صلوات الله عليه فانما هو فيما إذا كانت المسألة المجمع عليها من الأحكام الفعلية المنجزة ، وأما إذا لم تكن كذلك ، كما إذا كان هناك مانع عن فعليتها وتنجزها ، أو كان الحكم الواقعي من غير الأحكام الإلزامية ، فلا دليل على وجوب اللطف عليه عليه‌السلام حينئذ ، وبعد بطلان قاعدة اللطف لا تكون دعوى الإجماع من جهة المسبب

٣٧٢

أو اتفاقاً (١) بحدس رأيه عليه‌السلام من فتوى جماعة ، وهي (٢) غالباً غير مسلمة. وأما كون (٣) المبنى العلم بدخول الإمام بشخصه في الجماعة ، أو العلم (٤) برأيه ، للاطلاع (٥) بما يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جداً في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب كما لا يخفى ، بل (٦)

______________________________________________________

حجة ، إذ ليست دعواه حينئذ اخباراً عن رأيه عليه‌السلام ، وحينئذ فاما أن يكون حجة بمعنى كونه جزء السبب أو لا يكون حجة أصلا ، وإلّا فلا ملازمة بينهما عقلا ولا عادة.

(١) معطوف على قوله : «عقلا» والباء في قوله : «بحدس» للسببية ، يعني : أو يكون مبنى دعوى الإجماع اعتقاد الملازمة الاتفاقية بسبب حدس رأيه عليه‌السلام من اتفاق جماعة على حكم.

(٢) يعني : أن الملازمة الاتفاقية غير مسلمة ، لعدم كشف اتفاق جماعة عقلا ولا عادة عن رأيه عليه‌السلام.

(٣) هذا إشارة إلى بطلان الإجماع الدخولي ، وحاصله : أن هذا القسم من الإجماع نادر جداً في زمان الغيبة ، بل معدوم ، إذ يبعد صحة دعوى العلم بدخوله عليه‌السلام في ضمن المجمعين في ذلك الزمان.

(٤) هذا إشارة إلى بطلان الإجماع الحدسي ، لندرة حصول القطع برأي الإمام عليه‌السلام من اتفاق جماعة على حكم شرعي.

(٥) تعليل لقوله : «العلم برأيه» والضمير المستتر في «يلازمه» راجع إلى الموصول المراد به فتاوى العلماء ، والضمير البارز راجع إلى رأي الإمام عليه‌السلام.

(٦) اضراب عن قوله : «فقليل جداً» يعني : أن الإجماع الدخولي لا يكاد يتفق في زمن الغيبة فضلا عن كونه قليلا.

٣٧٣

لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه‌السلام على نحو الإجمال في الجماعة في زمان الغيبة وان احتمل تشرف (١) (*) بعض (٢) الأوحدي بخدمته ومعرفته أحياناً ، فلا يكاد (٣) يجدي نقل الإجماع الا من باب نقل

______________________________________________________

(١) يعني : أن الإجماع الدخولي غير معلوم التحقق في عصر الغيبة ، وتشرف بعض الأكابر بخدمته صلوات الله عليه وأرواحنا فداه وان كان محتملا ، لكن مجرد هذا الاحتمال لا يجدي في حجيته ، لعدم كشفه عن مناط الحجية وهو رأيه عليه‌السلام. نعم لو ثبت أن أصحاب الأئمة عليهم‌السلام عملوا عملا بمحضرهم عليهم الصلاة والسلام ، ولم ينبهوهم على خطائهم كان ذلك تقريراً قطعياً منهم عليهم‌السلام لذلك وإمضاء له ورضى به ، لكنه قليل أيضا.

(٢) هكذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها «تشرف الأوحدي» بدون «بعض» وهو الصواب ، إلّا أن تكون كلمة «بعض» مقرونة بالألف واللام ليكون الأوحدي صفة لها ، أو يقال : «بعض الأوحدين» بصيغة الجمع ، لكنه خلاف الظاهر ، لعدم وجوده بصيغة الجمع في أكثر النسخ.

(٣) هذا تفريع على جميع ما ذكره من بطلان الملازمة العقلية المبنية على قاعدة اللطف ، والملازمة الاتفاقية ، وندرة الإجماع الدخولي والتشرفي ، والإجماع المستلزم عادة للعلم برأيه عليه‌السلام ، لوضوح عدم حجية نقل الإجماع من حيث المسبب في جميع الأقسام ، لفقدان جهة الكشف عن رأيه عليه‌السلام في جميعها (**).

__________________

(*) ظاهره كونه فرداً للإجماع الدخولي ، لكنك عرفت أن الإجماع التشرفي ليس إجماعاً حقيقة ، وانما هو مجرد اصطلاح وأجنبي عنه.

(**) فما في حاشية المحقق المشكيني (قده) من جعل قوله : «فلا يكاد»

٣٧٤

السبب بالمقدار الّذي أحرز من لفظه بما (١) اكتنف به من حال أو مقال ، ويعامل معه (٢) معاملة المحصل (٣).

الثاني (٤) : أنه لا يخفى أن الإجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان

______________________________________________________

(١) الباء بمعنى «مع» والمراد بالموصول ـ كما سيبينه بقوله : «من حال أو مقال» ـ القرينة الحالية أو المقالية المكتنفة بالسبب أعني الإجماع ، وغرضه : أنه بعد ما تقدم ـ من أن نقل الإجماع لا يجدي من حيث المسبب بل يجدي من حيث السبب فقط ـ نقول : ان كان ظاهر النقل ـ ولو بمعونة القرائن المكتنفة به حالية أو مقالية ـ اتفاق جماعة يوجب العلم برأيه عليه‌السلام كان حجة وكاشفاً عن قوله عليه‌السلام. وان كان ظاهره ما لا يوجب العلم برأيه عليه‌السلام ، فان حصل له ضمائم يوجب ضمها إلى النقل المزبور القطع برأيه عليه‌السلام فلا إشكال في حجيته ـ أي كونه جزء السبب الكاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ـ وإلّا فلا فائدة في هذا النقل أصلا.

(٢) هذا الضمير وضميرا «لفظه ، به» راجع إلى السبب المراد به الإجماع.

(٣) كما تقدم توضيحه بقولنا : «ان كان ظاهر النقل ولو بمعونة ... إلخ».

تعارض الإجماعات المنقولة

(٤) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان حكم تعارض الإجماعات المنقولة ،

__________________

تفريعاً على خصوص الأقسام الثلاثة الأخيرة غير سديد ، إذ لا وجه لهذا التخصيص بعد وضوح عدم حجية نقل الإجماع من جهة الكشف عن المسبب في الجميع حيث لا فرق في عدم حجيته في المسبب بين القطع بعدم الكشف عن رأيه عليه‌السلام ـ كما هو كذلك بناء على بطلان قاعدة اللطف ـ وبين الشك في ثبوت رأيه عليه‌السلام بنقل الإجماع كما في الحدس ، وعلى هذا فلا مانع من جعل قوله : «فلا يكاد» تفريعاً على جميع ما ذكره من أول التنبيه إلى هنا ، فتدبر.

٣٧٥

منها أو أكثر ، فلا يكون التعارض إلّا بحسب المسبب (١) (*) ، وأما

______________________________________________________

وملخص الكلام فيه : أن التعارض يكون في المسبب ـ أعني رأيه عليه‌السلام ـ دون السبب ـ وهو نفس أقوال المجمعين ـ وذلك لأن التعارض هو تنافي مدلولي الدليلين ثبوتاً بحيث لا يمكن اجتماعهما في نفس الأمر ، كوجوب صلاة الجمعة وحرمتها مع وحدة الموضوع ، إذ مرجع التعارض إلى التناقض أو التضاد ، ومع عدم إمكان اجتماعهما يعلم إجمالا بكذب أحدهما ، ومن المعلوم تحقق التعارض والتهافت بالنسبة إلى المسبب ، إذ لا يمكن تعدد رأيه عليه‌السلام في واقعة واحدة ، فالإجماعان المتعارضان يكونان متنافيين من حيث المسبب بلا إشكال.

ثم ان في الحصر المستفاد من قوله : «فلا يكون التعارض إلّا بحسب المسبب ... إلخ» غموضاً ، لما سيظهر من إمكان التعارض بحسب السبب أيضا ، وكان حق العبارة أن يقال : «إذا تعارض اثنان منها فقد يكون في كل من السبب والمسبب كما في قاعدة اللطف ، وقد يكون في المسبب فقط ـ كما في غير قاعدة اللطف ـ دون السبب لاحتمال صدق ... إلخ».

(١) لأن الإجماعين يدلان التزاماً على صدور حكمين متباينين من الإمام عليه‌السلام ، كما إذا نقل الإجماع من المتقدمين على انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة ، وعن المتأخرين على طهارتها ما لم تتغير.

__________________

(*) لا يخفى أن التعارض بحسب المسبب لا يختص بما إذا كان وجه حجية الإجماع الاستلزام العقلي أو العادي لرأي الإمام عليه‌السلام ، بل يعم ما إذا كان وجه حجيته حجة معتبرة ، حيث ان مرجع التعارض في الجميع إلى تنافي الحكمين ، لعدم إمكان صدورهما عن الإمام عليه‌السلام من دون فرق في تنافيهما بين كون الدال عليهما نفس الإجماع وبين كونه حجة معتبرة.

٣٧٦

بحسب (١) السبب فلا تعارض في البين ، لاحتمال (٢) صدق الكل ، لكن (٣)

______________________________________________________

(١) حاصله : أن نقل الإجماع ان كان ظاهراً في حكاية آراء جماعة حصل منها للناقل القطع برأي المعصوم عليه‌السلام ، لحسن ظنه بهم أمكن صدق كل من ناقلي الإجماع ، فلا يكون النقلان متعارضين ، إذ بعد فرض ظهور نقل الإجماع في حكاية آراء جمع من العلماء لا تهافت بين الإجماعين المختلفين ، إذ لا تعارض بين الحكايتين ، لإمكان صدق كلا النقلين ، والمناط في التعارض العلم الإجمالي بكذب أحدهما ، وحيث فقد هذا المناط ـ كما هو المفروض ـ فلا يتحقق التعارض بين النقلين وان تحقق بين محكيي هذين الإجماعين كما لا يخفى.

وأما ان كان النقل ظاهراً في اتفاق جميع العلماء ـ كما إذا كان مبنى الناقل قاعدة اللطف ـ فلا محالة يقع التعارض بين النقلين أيضا ، لامتناع اتفاق الكل على حكمين متناقضين.

وبالجملة : فلا وجه لحصر التعارض في المسبب كما هو ظاهر قوله : «فلا يكون التعارض إلّا بحسب المسبب» كما لا وجه لنفي التعارض بحسب السبب على الإطلاق. ولعل كلامه مبني على ما هو الغالب في نقل الإجماع من عدم كون مبنى الناقل قاعدة اللطف حتى يتصور التعارض في كل من السبب والمسبب ، بل مبناه الحدس ، فينحصر التعارض حينئذ في المسبب ، والله العالم.

(٢) لأن كلا من الناقلين رأى الملازمة بين ما نقله من الفتاوى وبين رأي المعصوم عليه‌السلام.

(٣) غرضه : أن مجرد نفي التعارض في السبب ـ أعني نقل الفتاوي ، لاحتمال صدق الكل ـ لا يوجب صلاحيته لأن يكون سبباً للكشف عن رأيه عليه‌السلام ، لتحقق الخلاف في الفتاوي المانع عن حصول العلم برأيه عليه‌السلام ، إلّا إذا كان في أحد النقلين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه‌السلام ، فحينئذ

٣٧٧

نقل الفتاوى على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذٍ لا يصلح لأن يكون سبباً (١) ولا جزء سبب (*) لثبوت (٢) الخلاف فيها ، إلّا (٣) إذا كان في أحد المتعارضين (٤) خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه‌السلام لو اطلع عليها ولو مع (٥) اطلاعه على الخلاف ، وهو (٦) وان لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد (٧) ، الا

______________________________________________________

يكون ذلك النقل حجة.

(١) يعني : في صورة عدم خصوصية في أحد النقلين ، وذلك واضح ، لأنه مع اختلاف النقلين وعدم الخصوصية لا يكون شيء منهما سبباً للقطع برأيه عليه‌السلام ، وقوله : «حينئذ» أي : حين التعارض.

(٢) تعليل لقوله : «لا يصلح» يعني : أن ثبوت الخلاف في الفتاوى مانع عن كون الإجماع سبباً أو جزء سبب للكشف عن رأيه عليه‌السلام ، ضرورة امتناع سببيتهما ، لحصول القطع بالمتنافيين.

(٣) استثناء من قوله : «لا يصلح» يعني : أنه قد يكون في أحد النقلين خصوصية باعتبار المورد أو الناقل توجب القطع برأيه عليه‌السلام للمنقول إليه.

(٤) أي : النقلين ، إذ المفروض وقوع التعارض في السبب دون المسبب.

(٥) يعني : أن الخصوصية تكون بنحو توجب حصول القطع للمنقول إليه برأي المعصوم عليه‌السلام مطلقاً حتى مع اطلاعه على الخلاف في الفتاوي.

(٦) يعني : وإيجاب الخصوصية للقطع برأيه عليه‌السلام.

(٧) خبر «وان لم يكن» وقوله : «مفصلا» قيد لقوله : «مع الاطلاع»

__________________

(*) هذا ممنوع ، إذ يمكن ضم ما يحصله المنقول إليه من الأمارات إليه ، وبعده يحصل من المجموع القطع برأيه عليه‌السلام ، وهذا واضح ، فلا بد من التأمل في كلامه حتى يظهر مرامه.

٣٧٨

أنه (١) مع عدم الاطلاع عليها كذلك (٢) الا مجملا (٣) بعيد ، فافهم (٤) (*).

______________________________________________________

وحاصل ما أفاده : أن المنقول إليه تارة لا يطلع على الخلاف ، وأخرى يطلع عليه. وعلى الثاني قد يكون اطلاعه عليه بالتفصيل ، وقد يكون بالإجمال. فان لم يطلع على الخلاف أصلا فلا ريب في إيجاب الخصوصية لحصول القطع برأي الإمام عليه‌السلام من أحد الإجماعين المنقولين. وان اطلع على الخلاف تفصيلا ، فلا يبعد أن تكون تلك الخصوصية موجبة لحصول القطع للمنقول إليه برأيه عليه‌السلام ، كما إذا كان أرباب الفتاوى المنقولة من الطبقة العليا من الفقهاء وأعلام الدين. وان اطلع عليه إجمالا ، فيبعد أن توجب تلك الخصوصية حصول القطع له برأيه عليه‌السلام ، لاحتمال أن تكون تلك الفتاوى التي لم يطلع عليها تفصيلا بمثابة مانعة لتلك الخصوصية عن أن توجب القطع للمنقول إليه برأيه عليهم‌السلام. فقوله : «وان لم يكن ... ببعيد» إشارة إلى ما ذكرناه بقولنا : «وان اطلع على الخلاف تفصيلا ... إلخ».

(١) أي : إلّا أن إيجاب الخصوصية لقطع المنقول إليه برأيه عليه‌السلام. وهذا إشارة إلى ما ذكرناه بقولنا : «وان اطلع عليه إجمالا ... إلخ».

(٢) أي : مفصلا ، وضمير «عليها» راجع إلى الفتاوى.

(٣) استثناء من عدم الاطلاع مفصلا ، أي : أنه مع اطلاعه الإجمالي يبعد أن تكون تلك الخصوصية موجبة للقطع برأي الإمام عليه‌السلام. ومن هنا ظهر زيادة قوله : «كذلك» أو قوله : «الا مجملا» إذ لا معنى لأن يقال : «إلّا أنه مع عدم الاطلاع عليها مفصلا الا مجملا بعيد» إلّا أن تكون نسخة الأصل «بل» بدل «الا».

(٤) لعله إشارة إلى : أن الحق عدم صحة الاستبعاد المزبور أصلا ، فانه إذا كان

__________________

(*) لا يخفى أن دعوى الإجماع بمعنى اتفاق الكل مجازفة ، بداهة أن الإحاطة بفتاوى علماء عصر واحد مع كثرتهم وانتشارهم في البلاد والبوادي من المحالات

٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

العادية خصوصاً في الأعصار السابقة التي كانت فاقدة لوسائل نقل الأشخاص والارتباطات وطبع الكتب ونشر الفتاوى ، فلا محيص حينئذ عن حمل نقل الإجماع وتحصيله على نقل الشهرة وتحصيلها ، فالبحث عن نقله وتحصيله من الأبحاث الفرضية التي لا وجود لها خارجاً.

ثم انه على فرض وجوده في الخارج لا فرق في اعتباره وعدمه بين الإجماع المنقول في كلمات القدماء وكلمات المتأخرين ، لوحدة مناط الحجية وعدمها في كليهما ، ودعوى الفرق بينهما بحجية الأول دون الثاني ـ كما عن بعض الأعاظم ـ استناداً إلى احتمال أن يكون مستندهم في اعتباره هو السماع من المعصوم عليه‌السلام ولو بالواسطة لقرب عصرهم بزمان الحضور ، فضموا أقوال العلماء إلى قوله عليه‌السلام ونقلوه بلفظ الإجماع ، غير مسموعة.

أما أولا : فلان صرف الاحتمال لا يجدي في حجية الإجماع وان قلنا بكفاية احتمال استناد الخبر إلى الحس في حجيته ، وذلك لوهن الاحتمال المزبور بأن الشيخ (قده) استند في دعوى الإجماع إلى قاعدة اللطف ، لا إلى السماع من المعصوم عليه‌السلام ولو بالواسطة ، والسيد (قده) استند في دعوى الإجماع إلى أصل أو قاعدة أجمع عليهما واعتقد انطباقهما على مورد ، مثل دعواه الإجماع على جواز الوضوء بالمائع المضاف استناداً إلى أصالة البراءة مع عدم قائل به ظاهراً.

وأما ثانياً : فلأنه لو كان كذلك لكان عليه النقل عن المعصوم عليه‌السلام والإسناد إليه عليه‌السلام كسائر الروايات ، فان النقل بلفظ الإجماع لا يخلو من تدليس بعيد عن ساحتهم المقدسة.

٣٨٠