منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

عدم وجوب الاحتياط. وأما (١) لو كان من مقدماته بطلانه (*) لاستلزامه (٢) العسر المخل بالنظام ، أو لأنه (٣) ليس من وجوه الطاعة والعبادة ،

______________________________________________________

إشارة إلى الصورة الثالثة من الصور الأربع المتقدمة.

(١) معطوف على «بناء على أن يكون» وهو إشارة إلى الصورة الرابعة.

(٢) هذا الضمير وضمير «بطلانه» راجعان إلى الاحتياط ، وهذا أحد الوجوه التي يستدل بها على بطلان الاحتياط في العبادات ، وهو يعم ما لو كان الاحتياط مستلزماً للتكرار وما لم يكن كذلك كما سيأتي التعرض له مفصلا في مبحث الاشتغال إن شاء الله تعالى.

(٣) أي : لأن الاحتياط ، وهو معطوف على «لاستلزامه» وهذا وجه آخر لبطلان الاحتياط ، وحاصله : عدم كون الاحتياط من وجوه الطاعة اما لحكم العقل بذلك ، لفوات التمييز أو قصد الوجه أو كليهما ، واما لحكم الشرع بعدم كون

__________________

(*) بطلان الاحتياط هو مبنى الكشف ، كما أن عدم وجوبه مبنى الحكومة ، فتعين الامتثال الظني المترتب على بطلان الاحتياط انما هو على الكشف دون الحكومة ، إذ المفروض جواز الاحتياط عليها لا بطلانه.

ومن هنا يظهر : أن تعجب الشيخ الأعظم (قده) من ذهاب من يعمل بالطرق والأمارات من باب الظن المطلق إلى تقديم الامتثال الظني على الاحتياطي في محله ، لأن حجية الظن كشفاً متوقفة على بطلان الاحتياط لا جوازه ، بخلاف حجيته على الحكومة ، لجواز الاحتياط عليها ، فتقديم الامتثال الظني عليه ـ بناء على الحكومة ـ لا يخلو من التعجب ، إذ لا منشأ لتقديمه عليه بعد فرض جواز الاحتياط أيضا. نعم لو كان تعجبه (قده) ناشئاً من مجرد العمل بالظن المطلق ـ ولو على الحكومة ـ لم يكن في محله.

٢٠١

بل هو نحو لعب (١) وعبث بأمر المولى فيما إذا كان بالتكرار كما توهم ، فالمتعين (٢) هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك (٣). وعليه (٤) فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد وان احتاط فيها (٥) ، كما لا يخفى.

هذا بعض الكلام في القطع مما (٦) يناسب المقام ، ويأتي بعضه الآخر (٧) في مبحث البراءة والاشتغال ، فيقع المقال فيما هو المهم

______________________________________________________

الاحتياط من وجوه الطاعة ، لما ادعي من الإجماع على عدم مشروعية الامتثال الاحتمالي والرجائي.

(١) هذا الوجه مختص بالاحتياط المتوقف على التكرار.

(٢) جواب «وأما لو كان» وقوله : «فيما» قيد لـ «لعب».

(٣) أي : تفصيلا ، إذ المفروض بطلان الامتثال الاحتياطي ، فالمتعين هو الامتثال الظني.

(٤) أي : وبناء على هذا التنزل عن القطع التفصيليّ إلى الظن التفصيليّ ـ لبطلان الاحتياط ـ فلا مناص عن الذهاب ... إلخ.

(٥) أي : في العبادات ، لفرض بطلان الاحتياط.

(٦) من المباحث المتعلقة بتنجيز العلم الإجمالي ، لما عرفت من أن المناسب لمبحث القطع هو البحث عن تنجيزه بنحو العلية أو الاقتضاء أو عدم تنجيزه مطلقاً على التفصيل الّذي عرفته.

(٧) المراد بهذا البعض المباحث المتعلقة بجريان الأصل وعدمه في أطراف العلم الإجمالي ، فان المناسب لهذه المباحث هو المقصد المتكفل لأحكام الشك ، فعلى القول بالاقتضاء يبحث في أصل البراءة عن وجود المانع عن جريان

٢٠٢

من [عن] عقد هذا المقصد وهو (١) [في] بيان ما قيل باعتباره من الأمارات أو صح أن يقال ، وقبل الخوض في ذلك (٢) ينبغي تقديم أمور :

أحدها (٣)

______________________________________________________

البراءة في أطراف العلم الإجمالي وعدمه ، وعلى القول بالعلية يبحث في أصل الاشتغال عن عدم جريان الأصول.

(١) أي : ما هو المهم ، وضمير «باعتباره» راجع إلى الموصول في «ما قيل» المراد به الأمارات غير العلمية.

(٢) أي : في بيان الأمارات.

عدم اقتضاء الأمارة غير العلمية للحجية ذاتاً

(٣) الغرض من عقد هذا الأمر : إثبات أن الحجية للأمارات غير العلمية ممكنة الثبوت لها وليست ضرورية الثبوت لها لا بنحو العلية ولا بنحو الاقتضاء ، وحاصل الكلام فيه : أن إقامة البرهان على إثبات محمول لموضوع منوطة بعدم كون ذلك المحمول من مقتضيات ذات الموضوع ولوازمه ، وبعدم كون المحمول ممتنع الثبوت للموضوع ، ضرورة عدم صحة إقامة الدليل على ثبوت المحمول للموضوع في هاتين الصورتين ، إذ في الصورة الأولى لا حاجة إلى البرهان ، لفرض كون المحمول من لوازم الموضوع ومقتضياته التي لا تنفك عنه ، فإقامة البرهان على ثبوته للموضوع من قبيل تحصيل الحاصل ، وهو محال. وفي الثانية لا يمكن الحمل ، لفقدان مصحح الحمل ـ وهو الاتحاد الوجوديّ بينهما ـ بعد فرض امتناع ثبوته له.

٢٠٣

أنه لا ريب في أن الأمارة الغير العلمية (١) ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها (٢) (*) بنحو العلية (٣)

______________________________________________________

إذا عرفت هذا فاعلم : أن محصل ما أفاده المصنف في هذا الأمر : أن الأمارة غير العلمية ليست علة تامة للحجية ـ كما في القطع ـ ولا مقتضية لها ، إذ لا كشف تاماً لها عن الواقع ، بل الحجية ممكنة الثبوت لها ذاتاً ، وحينئذ فلا بد في ثبوت اعتبارها من جعل الحجية لها شرعاً ، كجعل الحجية لخبر الواحد أو الإجماع المنقول ، أو من حصول مقدمات توجب الحجية لها كالظن المطلق إما عقلا بناءً على تمامية مقدمات الانسداد على تقرير الحكومة ، واما شرعاً بناءً على تماميتها بنحو الكشف كما سيأتي.

(١) كخبر الواحد والإجماع المنقول وغيرهما.

(٢) الضميران راجعان إلى «الأمارة غير العلمية» و «بنحو» متعلق بـ «لوازمها» و «مقتضياتها» اسم المفعول تفسير لـ «لوازمها».

(٣) كما في القطع ، فانه علة تامة للحجية.

__________________

(*) حتى يذهب القائل بحجية قاعدة المقتضى والمانع إلى أن الظن مقتض للحجية ، فإذا شك في وجود مانع عنها وارتفع بالأصل ثبت اعتباره ، فينقلب أصل عدم حجية الظن بمقتضى قاعدة المقتضى والمانع إلى أصالة اعتباره.

والمصنف (قده) أنكر اقتضاءه للحجية لئلا يبقى مجال لهذا التوهم.

لكن الأولى إسقاط كلمة «لاقتضائها» لئلا يتوهم رجوع ضميره إلى الأمارات وأنها مقتضية للحجية وان كان الظاهر رجوع الضمير إلى المقدمات والحالات فهي المقتضية للحجية لا نفس الأمارات ، فحق العبارة حينئذ أن تكون هكذا : «وطرو حالات موجبة لحجيتها».

٢٠٤

بل مطلقاً (١) وأن ثبوتها (٢) لها محتاج إلى جعل (٣) أو ثبوت (٤) مقدمات وطروء [وطرو] حالات موجبة لاقتضائها (٥) الحجية بنحو الحكومة (٦) ، وذلك (٧) لوضوح (٨) عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك (٩)

______________________________________________________

(١) اضراب عن قوله : «بنحو العلية» يعني : أن الأمارة لا تكون مقتضية للحجية لا بنحو العلية التامة ولا بنحو الاقتضاء.

(٢) معطوف على قوله : «أن الأمارة» يعني : ولا ريب أيضا في أن ثبوت الحجية للأمارة غير العلمية محتاج إلى ... إلخ ، وهذا إشارة إلى أن الحجية ممكنة الثبوت للأمارة ، وليست ضرورية لها.

(٣) أي : جعل الشارع كالظنون الخاصة ، وكالظن المطلق الانسدادي بناء على الكشف.

(٤) معطوف على «جعل» يعني : أن حكم العقل بالحجية انما يكون لأجل تلك المقدمات.

(٥) أي : لاقتضاء المقدمات أو الحالات للحجية.

(٦) إذ على الكشف تكون الحجية بجعل الشارع ، و «بنحو» متعلق بـ «اقتضائها».

(٧) أي : ما ذكرنا من عدم اقتضاء الأمارات غير العلمية للحجية مطلقاً انما هو لوضوح ... إلخ.

(٨) تعليل لما ذكره من عدم كون الأمارات علة تامة للحجية ولا مقتضية لها ، وحاصله : أن الوجدان وبناء العقلاء شاهدان على عدم حجية الظن ومنجزيته ، وعدم كون العبد تحت الخطر لو خالف ظنه كما هو واضح.

(٩) أي : بدون الجعل أو ثبوت مقدمات.

٢٠٥

ثبوتاً (١) بلا خلاف (*) ، ولا سقوطاً (٢) وان كان ربما يظهر فيه (٣) من بعض (٤) المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ ، ولعله (٥) لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل ، فتأمل (٦).

______________________________________________________

(١) يعني : في مقام إثبات التكليف.

(٢) أي : في مقام امتثال التكليف وسقوطه ، فلا يكفي الظن بفراغ الذّمّة.

(٣) أي : في سقوط التكليف بالظن.

(٤) كالمحققين الخوانساري والبهبهاني على ما قيل.

(٥) أي : ولعل الاكتفاء ، وهذا توجيه للاكتفاء بالظن في مرحلة الفراغ ، وحاصله : أن المقام من صغريات قاعدة دفع الضرر المحتمل ، ببيان : أن عدم الاكتفاء بالظن بالفراغ ملازم لاحتمال بقاء التكليف وعدم سقوطه ، وبقاؤه مستلزم للضرر على مخالفته ، ودفع الضرر المحتمل لازم ، فعدم الاكتفاء بالظن بالفراغ لازم ، ولكن حيث ثبت عدم لزوم دفع الضرر المحتمل فلا تجب مراعاة احتمال بقاء التكليف حتى لا يكتفي بالظن بالفراغ ، بل يكتفي به. وبعبارة أخرى : لو كان دفع الضرر المحتمل واجباً لم يجز الاكتفاء بالظن بالفراغ عن التكليف ، لاحتمال بقائه المستلزم للضرر على مخالفته ، لكن دفع الضرر المحتمل غير لازم ، فعدم جواز الاكتفاء بالظن بالفراغ غير ثابت ، فيجوز الاكتفاء به ، وهو المطلوب.

(٦) يمكن أن يشير به إلى : أن هذه القاعدة لا تثبت ما أراده ذلك البعض

__________________

(*) ان كان غرضه التمسك بنفي الخلاف عند المتشرعة ، ففيه : أنه لا وجه له بعد كون عدم الحجية بمقتضى الوجدان وبناء العقلاء كما عرفت. وان كان غرضه نفي الخلاف عند العقلاء فلا بأس به ، إلّا أن ذكر الوجدان لعله أولى وأمتن.

٢٠٦

ثانيها (١)

______________________________________________________

من اقتضاء الظن للحجية وجواز الاكتفاء به في مرحلة الفراغ ، إذ التعليل بقاعدة عدم لزوم دفع الضرر المحتمل تعليل بما هو خارج عن مقام الذات ، والمدعى اقتضاء الظن ذاتاً للحجية المستلزمة لجواز الاكتفاء به في مرحلة الفراغ ، لا اقتضاؤها لها بما هو خارج عن ذاته ، فلا يصلح عدم لزوم دفع الضرر المحتمل لأن يكون علة لاقتضاء الأمارات ذاتاً ـ كما عبر به بعض ـ للحجية.

أو يشير به إلى عدم صغروية الفراغ لتلك القاعدة ، إذ موردها هو الشك في ثبوت التكليف لا سقوطه الّذي يكون المرجع فيه قاعدة الاشتغال ، فدعوى اقتضاء الأمارة ذاتاً للحجية في مرحلة الفراغ في غير محلها ، بل المرجع عند الشك في الفراغ قاعدة الاشتغال.

إمكان التعبد بالأمارة غير العلمية وقوعاً

(١) بعد أن أثبت في الأمر الأول الإمكان الذاتي فقط لحجية الأمارات دون العلية والاقتضاء عقد الأمر الثاني لبيان الإمكان الوقوعي لها كما نسب إلى المشهور ، إذ لا ملازمة بين الإمكانين ، حيث ان الإمكان الذاتي هو سلب الضرورة عن الطرف المخالف بالنظر إلى نفس الذات كإمكان زيد ، فان معناه عدم ضرورية عدمه بالنظر إلى ذاته ، وهذا المعنى لا ينافي امتناعه بلحاظ ما هو خارج عن الذات ، فالممكن الذاتي يمكن أن يكون ممتنعاً بالغير ، فلا يكون حينئذ ممكناً بالإمكان الوقوعي ، فالإمكان الذاتي أعم من الإمكان الوقوعي ، ويقابل الإمكان الوقوعي الامتناع الوقوعي ، وهو ما يلزم من وجوده محذور ، والمراد بالإمكان هنا هو الوقوعي في مقابل من يدعي الامتناع الوقوعي كابن قبة (١)

__________________

(١) قال في الكنى والألقاب : «بكسر القاف وفتح الموحدة المخففة كعدة أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي فقيه رفيع المنزلة من عيون أصحابنا وصالحيهم المتكلمين».

٢٠٧

في بيان إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية شرعاً (١) وعدم لزوم محال [المحال] منه عقلا (٢) في قبال دعوى استحالته للزومه (٣).

وليس (٤) الإمكان بهذا المعنى (٥) بل مطلقاً (٦) أصلا متبعاً عند العقلاء

______________________________________________________

الّذي هو من قدماء الأصحاب ، فانه قد ادعى عدم الإمكان الوقوعي ، فابن قبة والمشهور يتفقان في دعوى الإمكان الذاتي لحجية الأمارات غير العلمية ويختلفان في أن المشهور يدعون الإمكان الوقوعي لها أيضا ، وابن قبة يدعي الامتناع الوقوعي لها ، لما تخيله من ترتب محال أو باطل على التعبد بالأمارات كما سيظهر.

(١) قيد لـ «التعبد» ، وقوله : «في قبال» متعلق بـ «إمكان».

(٢) قيد لـ «محال» وضمير «منه» راجع إلى التعبد.

(٣) أي : استحالة التعبد للزوم المحال.

(٤) غرضه التعريض بشيخه الأعظم الأنصاري (قده) حيث اعترض على المشهور ـ المستدلين على إمكان التعبد بالأمارات بأنا نقطع بعدم لزوم محال من التعبد بها ـ بما لفظه : «وفي هذا التقرير نظر ، إذ القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف على إحاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة ، وعلمه بانتفائها ، وهو غير حاصل فيما نحن فيه ، فالأولى أن يقرر هكذا : انا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان» وظاهر كلامه : أن الإمكان أصل متبع عند العقلاء عند الشك في إمكان شيء وامتناعه. والمصنف (قده) أورد عليه بوجوه ثلاثة سيأتي بيانها.

(٥) أي : الوقوعي.

(٦) يعني : سواء كان ذاتياً أم وقوعياً أم قياسياً كما سيأتي بيانه.

٢٠٨

في مقام احتمال ما يقابله (١) من الامتناع ، لمنع (٢) كون سيرتهم على (٣) ترتيب آثار الإمكان عند الشك فيه. ومنع (٤) حجيتها لو سلم ثبوتها ، لعدم (٥) قيام دليل قطعي على اعتبارها (٦) ، والظن به (٧) لو كان فالكلام الآن في إمكان التعبد به [بها] وامتناعه (٨) فما ظنك به (٩)؟ لكن دليل (١٠)

______________________________________________________

(١) أي : الإمكان ، و «من الامتناع» بيان للموصول في «ما يقابله».

(٢) هذا هو الإيراد الأول على كلام الشيخ الأعظم (قده) وحاصله : المنع من ثبوت سيرة العقلاء على ترتيب آثار الإمكان عند الشك في إمكان شيء وامتناعه.

(٣) خبر «كون» والضمير في «الشك فيه» راجع إلى الإمكان.

(٤) بالجر معطوف على «منع» وهذا هو الإيراد الثاني على كلام الشيخ (قده) وحاصله : أن السيرة ـ على تقدير ثبوتها ـ لا اعتبار لها ، لعدم دليل قطعي على حجيتها ، والظن باعتبارها لا يكفي في الحجية ، لأن الشأن في اعتبار الظن ، فلا يمكن إثبات حجية الظن بالظن بالحجية ، لاستلزامه الدور.

(٥) تعليل لـ «منع حجيتها».

(٦) هذا الضمير وضميرا «حجيتها ، ثبوتها» راجع إلى السيرة.

(٧) أي : والظن بالاعتبار لو كان وثبت ، فـ «كان» هنا تامة.

(٨) هذا الضمير وضمير «التعبد به» راجعان إلى الظن.

(٩) أي : بالظن ، والاستفهام للإنكار ، يعني : أنه ـ بعد أن كان الظن بالسيرة ساقطاً عن الاعتبار ، إذ هو من أفراد الظن الّذي لم ينهض إلى الآن دليل على اعتباره ـ كيف يكون الظن بالسيرة دليلا على اعتبار مطلق الظن؟ وهل الشيء يكون دليلا ومثبتاً لنفسه؟

(١٠) اسم «لكن» و «من طرق» خبره ، وغرضه من ذلك إثبات الإمكان الوقوعي

٢٠٩

وقوع التعبد بها من طرق إثبات إمكانه (١) (*) ، حيث يستكشف به عدم ترتب محال من (٢) تال باطل ، فيمتنع (٣) مطلقاً (٤) أو على الحكيم (٥) تعالى ، فلا حاجة (**)

______________________________________________________

بطريق آخر غير ما ذكره الشيخ والمشهور ، لعدم ارتضائه له ، لما عرفت من عدم السيرة أولا ، وعدم اعتبارها ثانياً ، وحاصل ذلك الطريق هو : أن الدليل على وقوع التعبد بالأمارة دليل على إمكانه ، لتفرع الفعلية على الإمكان ، فالوقوع أقوى دليل على الإمكان.

(١) أي : إمكان التعبد.

(٢) بيان لـ «محال» وضمير «به» راجع إلى وقوع التعبد.

(٣) بالفتح ، لأنه نتيجة لترتب المحال ، أي : لا يترتب محال حتى يمتنع.

(٤) كما إذا كان اللازم المترتب على التعبد بالأمارة محالا ذاتياً كاجتماع النقيضين أو الضدين.

(٥) كما إذا كان اللازم محالا عرضياً كقبحه عقلا ، نظير تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة ، فان صدور القبيح من الحكيم تعالى محال ، لمنافاته والإلقاء في المفسدة ، فان صدور القبيح من الحكيم تعالى محال ، لمنافاته لحكمته ، فدليل فعلية التعبد كاشف عن عدم المحال بقسميه.

__________________

(*) لكن فيه : أن دليل الوقوع ليس دليلا على الإمكان بالنسبة إلى من يدعي الامتناع الوقوعي والاستحالة ، إذ المنكر لا يرى ما يدعيه المثبت من الوقوع واقعاً حتى يكون صغرى للكبرى المسلمة ، وهي كون الوقوع أدل دليل على الإمكان. وعليه فإذا قام دليل ظاهراً على وقوع محال فلا بد من طرحه أو تأويله.

(**) عدم الحاجة إلى إثبات الإمكان في دعوى الوقوع انما هو مع تسليم الخصم لدليل الوقوع ، وأما مع إنكاره وعدم تسليمه له وبنائه على الامتناع وطرح

٢١٠

معه (١) [في دعوى الوقوع] إلى إثبات الإمكان (٢) ، وبدونه لا فائدة في إثباته (٣) كما هو واضح (*).

______________________________________________________

(١) أي : فلا حاجة مع دليل الوقوع ، وهذا هو الإيراد الثالث على الشيخ (قده) ، وحاصله : أنه مع فعلية التعبد لا حاجة إلى البحث عن الإمكان ، كما لا فائدة في إثبات إمكان التعبد بدون دليل الوقوع ، لوضوح أن الأثر العملي مترتب على فعلية التعبد ، لا على مجرد إمكانه كما لا يخفى.

(٢) أي : إثبات إمكان التعبد ، كما تقدم في عبارة شيخنا الأعظم.

(٣) أي : وبدون الوقوع لا فائدة في إثبات الإمكان ، إذ مجرده لا يدل على الوقوع.

__________________

ما ظاهره الوقوع أو تأويله فلا محيص حينئذ عن إثبات الإمكان أولا ثم إقامة الدليل على الوقوع.

(*) ان كان مراد شيخنا الأعظم (قده) من الإمكان المقابل للامتناع والوجوب ـ كما هو ظاهر إطلاق عبارته ـ فورود ما في المتن من الإشكالات الثلاثة عليه واضح. ولا يندفع بما في تقرير بحث بعض الأعاظم ، قال المقرر : «أما الوجه الأول فلثبوت بنائهم على الأخذ بظاهر الكلام ما لم يثبت من العقل استحالته.

وأما الوجه الثاني ، فلثبوت حجية بنائهم هذا ، لأنه يرجع إلى بنائهم على حجية الظواهر ما لم يثبت خلافه ، ومن الظاهر أن الشارع قد أمضى بناءهم على حجية الظواهر. وأما الوجه الثالث ، فلان مورد بنائهم هذا في المقام انما هو وقوع الدليل على التعبد ، فلا يكون بلا أثر» إذ هي مبتنية على مقام الإثبات والاستفادة من ظواهر الألفاظ ، والمقام ـ لكونه ثبوتياً ـ أجنبي عن ظواهر الألفاظ ، إذ لا سبيل إلى إحراز إمكان ماهية أو امتناعها عند دوران أمرها بينهما الا بالبرهان.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وبناء العقلاء ـ بعد تسليم ثبوته ـ لا يجدي هنا ، لعدم الدليل على حجيته ، وانما يكون معتبراً ـ في موارد اعتباره كظواهر الألفاظ ـ بإمضاء الشارع ولو بعدم الردع ، وليس مورد البحث منها ، فلاحظ.

نعم لا يرد على شيخنا الأعظم ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قدهما) حيث قال : «والمراد من الإمكان المبحوث عنه في المقام هو الإمكان التشريعي ، يعني : أن من التعبد بالأمارات هل يلزم محذور في عالم التشريع من تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة ، واستلزامه الحكم بلا ملاك ، واجتماع الحكمين المتنافيين وغير ذلك من التوالي الفاسدة المتوهمة في المقام ، أو أنه لا يلزم شيء من ذلك ، وليس المراد من الإمكان هو الإمكان التكويني بحيث يلزم من التعبد بالظن أو الأصل محذور في عالم التكوين ، فان الإمكان التكويني لا يتوهم البحث عنه في المقام وذلك واضح» إذ فيه : أن الإمكان أمر وحداني اعتباري ذهني كالوجوب والامتناع ، ولا ينقسم إلى قسمين تكويني وتشريعي حتى يقال : ان مورد بناء العقلاء هو الإمكان التكويني لا التشريعي الّذي هو مورد البحث ، والاختلاف انما يكون في متعلقه ، فقد يكون تكوينياً وقد يكون تشريعياً.

نعم ينقسم الإمكان باعتبار علته وجوداً وعدماً إلى الواجب بالغير والامتناع كذلك ، لكنه أجنبي عما نحن فيه.

وان كان مراد شيخنا الأعظم (قده) بناء العقلاء على الأخذ بظاهر دليل يدل على وقوع شيء يشك في إمكانه وامتناعه ـ كما استظهره بعض الأعاظم

٢١٢

وقد انقدح بذلك (١) ما في دعوى شيخنا العلامة أعلى الله مقامه من كون الإمكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلا والإمكان (٢) في كلام الشيخ الرئيس : «كل ما قرع سمعك من الغرائب ، فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك (٣) عنه واضح البرهان» بمعنى (٤) الاحتمال المقابل للقطع

______________________________________________________

(١) أي : بما تقدم من الإشكال على السيرة التي ادعاها الشيخ الأعظم كما تقدم في عبارته.

(٢) هذا دفع لما يمكن توهمه من : أن أصالة الإمكان في عبارة شيخنا الأعظم مما يدعيه الشيخ الرئيس أيضا ، حيث ان ظاهر عبارته هو الحكم بالإمكان حتى يثبت امتناعه بالبرهان.

(٣) أي : ما لم يمنعك ، وضمير «عنه» راجع إلى الموصول في «كل ما».

(٤) خبر قوله : «والإمكان» ودفع للتوهم ، وحاصله : أن الإمكان في كلام الشيخ الرئيس ليس بمعنى الإمكان الذاتي ولا الوقوعي حتى يكون هذا الكلام دليلا على أن الأصل المتبع عند العقلاء ـ لو سلم هو الإمكان بأحد هذين المعنيين ، أما أنه ليس بمعنى الإمكان الذاتي فلان الإمكان الذاتي مما لا نزاع فيه فيما نحن فيه ، مع أنه بمجرده لا يفيد الوقوع الّذي هو محل البحث. وأما أنه ليس بمعنى الإمكان الوقوعي حتى يكون أصلا متبعاً يستند إليه في المقام ،

__________________

المذكور ـ فلا ينبغي الإشكال في ثبوت هذا البناء منهم وحجيته ، لكونه من ظواهر الألفاظ التي هي معتبرة ما لم يقم برهان قطعي على استحالته ، إذ لا بد حينئذ من رفع اليد عن هذا الظاهر بهذا البرهان القطعي ، فلو قام دليل على حجية خبر الواحد وفرض شك في إمكانها ، فلا ريب في أن بناءهم على الأخذ بظاهر دليل الاعتبار.

٢١٣

والإيقان ، ومن الواضح أن لا موطن له (١) الا الوجدان ، فهو المرجع فيه (٢) بلا بينة وبرهان.

______________________________________________________

فلأنه لو كان بمعنى الإمكان الوقوعي لما احتاج المشهور القائلون بإمكان التعبد إلى التمسك في وقوعه بما سيأتي من الأدلة.

بل الإمكان في كلام الشيخ الرئيس بمعنى الاحتمال المقابل للقطع الشامل لجميع أقسام الممكن ، بل الواجب ، لصدق كلام الشيخ الرئيس حينئذ على الواجب أيضا ، كما إذا سمع أن هنا موجوداً بسيطاً داخلا في الأشياء لا بالممازجة خارجاً عنها لا بالمباينة ... إلى غير ذلك مما يدل على الوجوب الذاتي ، فانه أيضا يُجعل في بقعة الإمكان أي : احتمال وجوده مع كونه واجباً في نفسه ، فلا يمكن حمل قوله : «فذره في بقعة الإمكان» على الإمكان بأحد المعنيين المذكورين.

(١) أي : للإمكان بمعنى الاحتمال ، وحاصله : أن الإمكان الاحتمالي من الأمور الوجدانية غير المحتاجة إلى إقامة برهان ، ولعل غرضه من هذه العبارة دفع ما ربما يتوهم من أن حمل الإمكان في كلام الشيخ الرئيس على الاحتمال لا ينافي كونه أصلا في المقام ، لاحتمال أن يكون مورد النزاع بين ابن قبة والمشهور في التعبد بالأمارات وعدمه هو الاحتمال ، بأن يكون ابن قبة مدعياً لعدم احتمال التعبد بغير العلم ، والمشهور مدعين لاحتماله.

فدفعه المصنف بأن الإمكان بهذا المعنى أمر وجداني غير قابل للإنكار حتى يحتاج في إثباته إلى إقامة بينة وبرهان ، مع أن المشهور أقاموا البرهان على ذلك ، فيعلم أن مرادهم بالإمكان ليس هو الاحتمال ، هذا.

(٢) أي : أن الوجدان هو المرجع في الإمكان بمعنى الاحتمال.

٢١٤

وكيف كان (١) فما قيل أو يمكن (٢) أن يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال أو الباطل ولو لم يكن بمحال أمور :

أحدها (٣)

______________________________________________________

(١) أي : سواء كان الإمكان بمعنى الاحتمال أو بمعنى الإمكان الوقوعي.

(٢) هذا شروع في بيان ما استدل به على امتناع وقوع التعبد بالأمارات غير العلمية ، وأنه يترتب عليه محاذير ، وهو ثلاثة أوجه ، لأن ما يترتب عليه اما محذور خطابي وملاكي معاً ، أو خطابي فقط أو ملاكي فقط ، والمراد بالمحذور خطابي هو اجتماع الحكمين المتماثلين أو المتضادين في محل واحد كاجتماع وجوبين أو وجوب وحرمة في موضوع واحد. وبالمحذور الملاكي أن يكون التنافي بين نفس الملاكين أعني ما يكون مبدأً للحكم ومتقدماً عليه تقدم العلة على المعلول كالمصلحة والمفسدة.

(٣) حاصل ما أفاده في هذا الوجه من امتناع التعبد بالطريق غير العلمي هو ترتب المحذور الخطابي والملاكي معاً عليه ، أما الأول ـ وهو المحذور الخطابي ـ فلاستلزامه اجتماع المثلين فيما إذا أدت الأمارة إلى الحكم المماثل للحكم الواقعي نظير أدائها إلى الوجوب أو الحرمة أو الإباحة مثلا مع كون الحكم الواقعي مثل مؤدى الأمارة ، فيلزم اجتماع المثلين من الوجوبين أو الحرمتين أو الإباحتين ، كطهارة العصير العنبي بعد الغليان واقعاً مع قيام الأمارة عليها أيضا. ويلزم اجتماع الضدين من الوجوب والحرمة أو الوجوب والإباحة فيما إذا أدت الأمارة إلى الحكم المخالف للحكم الواقعي كما إذا فرض وجوب الاستعاذة قبل القراءة واقعاً مع قيام الأمارة على استحبابها.

وأما الثاني ـ وهو المحذور الملاكي ـ فللزوم اجتماع الضدين من الإرادة والكراهة فيما إذا أخطأت الأمارة ، لنشوء الأمر عن الإرادة ، والحرمة عن

٢١٥

اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين مثلا فيما (١) أصاب ، أو ضدين من إيجاب وتحريم (٢) ومن إرادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين (٣) بلا كسر وانكسار في البين فيما (٤) أخطأ ، أو التصويب (٥)

______________________________________________________

الكراهة ، ومن المصلحة والمفسدة المؤثرتين في الإرادة والكراهة فيما إذا لم يكن بينهما كسر وانكسار ، إذ معهما لا يكون كل من الإرادة والكراهة متصفة بالملزمية حتى يتحقق التضاد بينهما ، لعدم تأثير كل منهما بالاستقلال في الإرادة أو الكراهة حتى تحدث إرادة بالاستقلال أو كراهة كذلك ، بل تتحقق إحداهما ، فلا يحصل التضاد بينهما ، لصيرورة الحكم على طبق ما هو الغالب منهما ، وهو ـ أي تحقق إحداهما ـ خلاف المفروض ، إذ الفرض وجود الإرادة والكراهة المستقلتين اللتين هما تابعتان للمصلحة والمفسدة الملزمتين اللتين يكون اجتماعهما من اجتماع الضدين.

وبالجملة : ففي صورة الخطأ يلزم اجتماع الضدين في كل من الخطاب والملاك.

(١) متعلق بـ «اجتماع المثلين».

(٢) إشارة إلى المحذور الخطابي.

(٣) إشارة إلى المحذور الملاكي.

(٤) متعلق بـ «أو ضدين».

(٥) معطوف على قوله : «اجتماع المثلين» يعني : أن ما ذكرنا من اجتماع المثلين أو الضدين مبنى على كون الحكم الواقعي الموافق المؤدى الأمارة أو المخالف له محفوظاً وباقياً على حاله. وأما بناء على عدم كونه محفوظاً بل منقلباً إلى ما تؤدي إليه الأمارة فيلزم التصويب ، وانحصار الحكم في مؤديات

٢١٦

وأن لا يكون (١) هناك غير مؤديات [غير مورد] الأمارات أحكام.

ثانيها (٢) : طلب الضدين فيما أخطأ [إذا أخطأ] وأدى إلى وجوب ضد الواجب (٣).

ثالثها (٤) :

______________________________________________________

الأمارات ، ومن المعلوم أن التصويب اما محال واما باطل كما قرر في محله.

(١) تفسير للتصويب.

(٢) أي : ثاني الأمور المترتبة على التعبد بغير العلم طلب الضدين ، وهو نظير قيام الأمارة على وجوب صلاة الجمعة مع كون الواجب الواقعي هو الظهر بعد فرض التضاد ـ ولو شرعاً ـ بين الظهر والجمعة ، وطلب الضدين اما محال ان قلنا بسراية التضاد من المطلوب إلى نفس الطلب ، فلا يمكن انقداح الإرادتين المتعلقتين بالمتضادين في نفس المولى ، فهو من قبيل اجتماع الإرادة والكراهة. وان قلنا بعدم السراية ـ كما قيل ـ كان قبيحاً بالعرض ، لعدم قدرة العبد على الانبعاث عنهما. وان شئت فقل : ان طلب الضدين يكون من باب التزاحم لا التعارض على ما تقرر في محله من ضابط التعارض والتزاحم. وقد ظهر من هذا البيان : الفرق بين هذا الوجه وسابقه ، حيث ان متعلق التكليف في هذا الوجه متعدد كصلاتي الظهر والجمعة. بخلاف الوجه الأول ، فان المتعلق فيه واحد كاجتماع الوجوب والحرمة على فعل واحد ، كما إذا فرض حرمة شرب التتن واقعاً وقام الأمارة على حليته.

(٣) نظير صلاة الجمعة التي هي ضد للواجب الواقعي وهي الظهر.

(٤) أي : ثالث الأمور اللازمة من التعبد بغير العلم : فوات المصلحة كما إذا أدت الأمارة إلى عدم وجوب صلاة الجمعة مع فرض وجوبها واقعاً ، فان

٢١٧

تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فيما (١) أدى إلى عدم وجوب (٢) ما هو واجب أو عدم حرمة (٣) ما هو حرام ، وكونه (٤) محكوماً بسائر الأحكام.

والجواب (٥) : أن ما ادعي لزومه اما غير لازم أو غير باطل ،

______________________________________________________

التعبد بالأمارة حينئذ موجب لفوات مصلحة الوجوب عن المكلف أو الوقوع في المفسدة ، كما إذا أدت الأمارة إلى إباحة العصير العنبي وحليته قبل ذهاب ثلثيه مع فرض حرمته واقعاً ، فان التعبد بالأمارة موجب لوقوع المكلف في مفسدة الحرمة الواقعية. ولا يخفى أن هذا المحذور الملاكي ليس بمحال كاجتماع الضدين والنقيضين ، لكنه قبيح على الحكيم ، لمنافاته لحكمته.

(١) المراد بالموصول «الأمارة» يعني : فيما إذا أدت الأمارة إلى عدم وجوب ... إلخ» فتذكير «أدى» باعتبار الموصول. ويحتمل أن يراد بالموصول «التعبد بالأمارة» فالمقصود حينئذ : فيما إذا أدى التعبد بالأمارة إلى عدم وجوب ... إلخ.

(٢) هذا مثال لتفويت المصلحة.

(٣) هذا مثال للإلقاء في المفسدة.

(٤) أي : وكون مؤدى الأمارة ، وهو معطوف على قوله : «عدم وجوب» يعني : أن الأمارة لم تؤد إلى وجوب ما هو واجب واقعاً ، أو إلى حرمة ما هو حرام كذلك ، بل أدت إلى كون مؤداها محكوماً بسائر الأحكام كالمثالين المتقدمين ، فالأولى سوق العبارة هكذا : «وكونه محكوماً بغير الوجوب أو الحرمة من سائر الأحكام».

(٥) حاصل ما أفاده في الجواب عن المحاذير الثلاثة المتقدمة اما راجع

٢١٨

وذلك لأن التعبد بطريق غير علمي انما هو بجعل حجيته (١) ، والحجية (٢)

______________________________________________________

إلى منع الصغرى ، وهي لزوم ما ادعي لزومه وهما المحذوران الأوّلان ، واما راجع إلى منع الكبرى وهي بطلان اللازم وهو المحذور الثالث. أما منع الصغرى وهي ما أشار إليه بقوله : «وذلك لأن التعبد ... إلخ» فتوضيحه : أن الحجية من الاعتبارات القابلة للجعل كالملكية والزوجية والرقية والحرية ونحوها ، ومعنى جعلها ترتيب آثار الحجة الذاتيّة ـ وهي العلم ـ من التنجيز والتعذير على الأمارة غير العلمية التي صارت حجة بالتعبد ، وليس معنى جعل الحجية جعل الحكم التكليفي لمؤدى الأمارة ، مثلا إذا قام خبر الواحد على وجوب صلاة الجمعة ، فان معنى حجيته تنجيز الواقع عند الإصابة وتعذير المكلف عند المخالفة ، لا أن معنى حجيته وجوب صلاة الجمعة حتى يلزم اجتماع المثلين فيما إذا كانت واجبة واقعاً ، أو الضدين فيما إذا لم تكن واجبة واقعاً. وعليه فليس في مورد الأمارة المعتبرة حكم غير الحكم الواقعي حتى يلزم اجتماع المثلين في صورة توافقهما أو الضدين في صورة تخالفهما.

ومما ذكرنا ظهر عدم لزوم التصويب أيضا ، إذ لزومه مترتب على ثبوت أمرين :

أحدهما : كون مؤدى الأمارة حكماً مجعولا.

ثانيهما : خلو الواقع عن الحكم. والمفروض بطلانهما ، أما الأول فلما قلنا من عدم استتباع حجية الأمارة للحكم الشرعي. وأما الثاني ، فلوضوح أن لكل واقعة حكماً يشترك فيه العالم والجاهل. وأما منع الكبرى فسيأتي.

(١) أي : حجية الطريق غير العلمي.

(٢) هذا إشارة إلى ما ذكرناه بقولنا : «وليس معنى الحجية جعل الحكم ... إلخ»

٢١٩

المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدى إليه (١) الطريق ، بل انما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب وصحة الاعتذار به إذا أخطأ [لو أخطأ] (٢) ولو كان مخالفته وموافقته تجرياً وانقياداً مع عدم اصابته (٣) كما هو شأن الحجة غير المجعولة (٤) ، فلا يلزم (٥) اجتماع حكمين مثلين أو ضدين ولا طلب الضدين ولا اجتماع

______________________________________________________

(١) الضمير راجع إلى الموصول المراد به الحكم التكليفي ، و «بحسب» متعلق بـ «إنشاء».

(٢) اسم «تكون» ضمير راجع إلى الحجية المجعولة ، والضمير في «أصاب» و «به» في الموضعين راجع إلى الطريق ، يعني : بل تكون الحجية المجعولة موجبة لتنجز التكليف بالطريق المجعول حجيته إذا أصاب ذلك الطريق ، ولصحة الاعتذار به إذا أخطأ. وبعبارة أوضح : أن الآثار الأربعة الثابتة للحجة الذاتيّة ـ وهي القطع ـ من التنجيز والتعذير في صورة موافقة القطع ، والتجري في صورة مخالفته مع عدم الإصابة ، والانقياد في صورة الموافقة مع عدم الإصابة مترتبة على الحجة غير الذاتيّة أيضا.

(٣) هذا الضمير وضميرا «مخالفته ، موافقته» راجع إلى الطريق غير العلمي ، و «لو» في «ولو كان» وصلية ، وقوله : «تجرياً» متمم لقوله : «مخالفته» وقوله : «وانقياداً» متمم لقوله : «وموافقته» على طريق اللف والنشر المرتب.

(٤) أي : القطع.

(٥) لما عرفت من عدم كون الحجية مستتبعة لأحكام تكليفية مع وضوح أن منشأ الاجتماع المزبور هو جعل الحكم التكليفي في التعبد بالأمارات ، والمفروض عدمه.

٢٢٠