منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

فان الالتزام به (١) بعيد ،

______________________________________________________

(١) أي : بالصرف ولو بنحو التقييد ، وهذا جواب «لا يقال» وهو مشتمل على وجوه :

الأول : أن الالتزام بالصرف ولو بنحو التقييد يستلزم أحد محذورين على سبيل منع الخلو اما التصويب المحال واما التصويب المجمع على بطلانه ، توضيح ذلك : أنه بناء على الصرف المطلق ـ أي لا بنحو التقييد ـ بمعنى كون التكليف مصروفا عن الواقع إلى مؤدى الطريق من غير تقييده بالواقع بأن يكون المنجز على المكلف هو مؤدى الطريق وان خالف الواقع ، يلزم التصويب المحال. أما لزوم التصويب ، فلفرض دوران الحكم وجودا وعدما مدار الطريق. وأما أنه محال ، فلأن كون شيء طريقا إلى شيء يقتضي تقدم وجود ذي الطريق على الطريق حتى يكون الطريق مؤديا إليه ، وفرض ذي الطريق فيما نحن فيه مؤدى الطريق يقتضي تأخر وجوده عن الطريق ، لأن مؤدى الطريق لا يتحقق إلّا بعد قيام الطريق عليه ، فيلزم أن يكون ذو الطريق ـ وهو هنا مؤداه ـ مقدما ومؤخرا

__________________

ثانيهما : الصرف بنحو التقييد بمعنى كون الأثر من حيث الإطاعة والعصيان مترتبا على الحكم الواقعي بما هو مؤدى الطريق لا بما هو واقع ، فلو لم يقم عليه طريق لم يترتب عليه الأثر المزبور وان كان في وعائه الواقعي ثابتا ، فلا تصويب هنا.

والحاصل : أن الحكم الواقعي يقيد موضوعيته للإطاعة والعصيان بقيام الطريق عليه ، وليس هذا تصويبا. هذه هي الوجوه المتصورة في جعل الأحكام الواقعية. والحق أنها غير مقيدة بقيام الطرق عليها لا إنشاء ولا فعلية ، بل الطرق لا توجب إلّا تنجزها مع الإصابة ، والعذر بدونها بناء على ما هو الحق في حجية الأمارات غير العلمية من التنجيز والتعذير كما تقدم في محله.

٦٤١

إذ الصرف لو لم يكن تصويبا محالا (١) (*) فلا أقل (٢) من كونه مجمعا على بطلانه ، ضرورة (٣) (**) أن القطع بالواقع يجدي في الاجزاء

______________________________________________________

في رتبة واحدة ، وهو محال. وبناء على الصرف بنحو التقييد ـ بمعنى كون التكليف الفعلي أو المنجز مصروفا عن الواقع إلى مؤدى الطريق بأن يكون المنجز على المكلف هو الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق لا الواقع بما هو واقع ـ يلزم التصويب ، وهو هنا وان لم يكن محالا ، لعدم دوران الحكم بجميع مراتبه الأربع مدار الطريق ، وانما يكون في بعض مراتبه وهو فعليته أو تنجزه دائرا مداره ، وأما في مرتبته الاقتضائية والإنشائية فهو مشترك بين جميع المكلفين ، لا أنه مختص بمن قام عنده الطريق إليه ، لكنه مجمع على بطلانه ، فالقول بالصرف الّذي هو مبنى اختصاص حجية الظن بالظن بالطريق ساقط عن الاعتبار.

(١) إشارة إلى المحذور الأول.

(٢) إشارة إلى المحذور الثاني ، وضميرا «كونه ، بطلانه» راجعان إلى الصرف.

(٣) هذا تعليل لبطلان الصرف ولو كان بنحو التقييد ، وتوضيحه : أن الإجماع

__________________

(*) ظاهره إرادة كون الصرف المطلق تصويبا محالا ، ومع الغض عنه يكفي الإجماع في بطلانه ، مع أنه ليس كذلك. أما كون ظاهر عبارته إرادة الصرف المطلق ، فيدل عليه قوله : «ومن هنا انقدح أن التقييد أيضا» وأما عدم كونه محالا ، فلان صرف الحكم الواقعي عن الفعلية بقيام الطريق على خلافه لا يوجب خلو الواقع عن الحكم رأسا حتى يلزم المحال ويصح الغض عنه ، فالأولى أن يقال : «إذ الصرف ولو لم يكن محالا لكنه تصويب مجمع على بطلانه».

(**) الأولى ذكر هذا التعليل عقيب قوله : «ومن هنا انقدح أن التقييد

٦٤٢

بما هو واقع لا بما هو مؤدى طريق (١) القطع كما عرفت (٢).

ومن هنا (٣) انقدح أن التقييد أيضا غير سديد. مع أن الالتزام

______________________________________________________

قائم على تنجز الواقع بالعلم والاجتزاء به معه ، مع أنه ليس طريقا مجعولا حتى يكون الاكتفاء بالواقع المعلوم لأجل كونه مؤدى طريق مجعول ، بل لأجل كونه هو الواقع ، فلو كان نصب الطريق صارفا عن الواقع ـ أي : مقيّدا له بكونه مؤدى الطريق ـ لم يجب العمل بمتعلق القطع ، ولم يكن الإتيان به مجزيا ، مع أن الإتيان بالواقع مع الغض عن كونه مؤدى الطريق مجز قطعا ، فالاجزاء دليل على عدم الصرف وبقاء الواقع على حاله من الفعلية.

(١) هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف مثل «جرد قطيفة» وكان الأولى أن يقال : «القطع الطريقي» أو «بما هو طريق».

(٢) يعني : في أول هذا الفصل حيث قال : «وأن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق».

(٣) يعني : ومما ذكرنا في وجه بطلان الصرف لا بنحو التقييد ـ من أن المجدي في الاجزاء هو الواقع بما هو واقع لا بما هو مؤدى الطريق ـ ظهر : أن تقييد الصرف ـ أي الصرف بنحو التقييد أيضا يعني كالصرف لا بنحو التقييد ـ غير سديد في إثبات أقربية الظن بالطريق إلى إصابة الواقع من الظن بنفس الواقع ، لما عرفت من أن المجزي هو الواقع بما هو واقع لا بما هو مؤدى الطريق ، ولا الواقع بما هو مؤدى الطريق ، وذلك لأن الطريق ليس دخيلا في

__________________

أيضا» وذلك لاشتراكه بين التصويب والتقييد ، وعدم اختصاصه بالتصويب ، فان اجزاء الواقع بما هو واقع بديهي ، وذلك ينفي كلّا من التصويب والتقييد.

٦٤٣

بذلك (١) غير مفيد (٢) ، فان الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بأنه (٣) مؤدى طريق معتبر. والظن بالطريق ما لم يظن بإصابة الواقع غير مجد (٤) بناء على التقييد ، لعدم استلزامه الظن

______________________________________________________

فعلية الحكم بحيث يقيد فعلية الواقع بصيرورته مؤدى الطريق ، إذ على تقدير الصرف ـ بحيث يقيد الواقع بنحو من الأنحاء بالطريق ـ لا يتصور اجزاء الواقع من حيث كونه واقعا بعد فرض تقيده بالطريق المنصوب ، بل لا بد من القول بأنه من حيث كونه معلوما ومؤدى الطريق مجز ، وقد عرفت أنه مجمع على بطلانه.

(١) أي : بمطلق الصرف ولو بنحو التقييد ، وهذا هو الوجه الثاني من وجوه الإشكال على الصرف ، وتوضيحه : أن الالتزام بالصرف مطلقا ـ ولو كان بنحو التقييد ـ لا يجدي في إثبات حجية الظن بالطريق ، لأن الظن بالواقع ـ فيما يبتلى به المكلف من التكاليف ـ لا ينفك غالبا عن الظن بكونه مؤدى طريق معتبر ، وهذه الملازمة الغالبية كافية في إثبات حجية الظن بالطرق المؤدية إلى الأحكام ، ولا حاجة معها إلى الالتزام بالصرف ولو بنحو التقييد.

(٢) يعني : في إثبات أقربية الظن بالطريق إلى إصابة الواقع من الظن بنفس الواقع.

(٣) أي : بأن الواقع مؤدى طريق معتبر.

(٤) خبر «والظن بالطريق» وهذا هو الوجه الثالث ، وهو مختص بثاني وجهي الصرف وهو الصرف بنحو التقييد ، ولا يجري في الصرف لا بنحو التقييد ، إذ المفروض في هذا الوجه الثاني أن الحكم الفعلي مؤلف من أمرين : أحدهما وجود الحكم واقعا ، ثانيهما : كونه مؤدى طريق معتبر ، ومن المعلوم أن هذين

٦٤٤

بالواقع المقيد (١) به بدونه (٢) هذا.

مع (٣) عدم مساعدة نصب الطريق [نصبه] على الصرف ولا على

______________________________________________________

الأمرين مفقودان في أول وجهي الصرف ـ وهو الصرف لا بنحو التقييد ـ لتقومه بخلو الواقع عن الحكم. وكيف كان فتوضيح ما أفاده المصنف : أنه ـ بناء على التقييد وأن موضوع فعلية الحكم هو الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق ـ لا يجدي في فعلية الحكم الظن بالطريق فقط ، لأنه ظن بجزء موضوع الحجية لا تمامه ، فلا بدّ في حجية الظن بالطريق من الظن بإصابة الواقع حتى يكون المظنون هو الواقع المتصف بكونه مؤدى الطريق ليتحقق الظن بكلا جزأي موضوع الفعلية ليثبت اعتبار الظن بالطريق بتقييد فعلية الواقع بكونه مؤدى الطريق المعتبر ، إذ من المعلوم أن الظن بالطريق لا يستلزم الظن بالواقع دائما.

(١) صفة للواقع ، وضمير «به» راجع إلى الطريق وضمير «استلزامه» إلى الظن بالطريق.

(٢) أي : بدون الظن بالإصابة. ومحصله : أن الظن بالطريق لا يستلزم الظن بالواقع إلّا مع الظن بالإصابة ، ومعه يكون الظن بكل من الواقع والطريق موجودا. وبعبارة أخرى : الظن بالواقع يستلزم غالبا الظن بالواقع والطريق المعتبر معا ، بخلاف الظن بالطريق فقط ـ أي من دون ظن بالإصابة ـ فانه لا يستلزم الظن بالواقع ، فلا يكفي الظن بالطريق فقط في تحقيق الظن بالواقع.

(٣) هذا هو الوجه الرابع ، وحاصله : أن نصب الطريق ـ بعد تسليمه ـ لا يقتضي الصرف إلى مؤديات الطرق ، وتقييد الواقعيات بها ، بل غاية ما يقتضيه نصب الطريق بمثل قوله : «صدق العادل» هو اختصاص الحكم الواقعي المنجز بما أدى إليه الطريق ، فلا يكون الواقع الّذي لم يؤدّ إليه الطريق منجزا ، لكن هذا

٦٤٥

التقييد ، غايته (١) أن العلم الإجمالي بنصب طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية (٢) إلى (٣) العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة

______________________________________________________

الاختصاص منوط بمنجزية العلم الإجمالي بنصب الطريق ، والمفروض عدمها ، لكون الاحتياط التام في أطرافه ـ وهي مظنونات الطريقية ومشكوكاتها وموهوماتها ـ موجبا للاختلال ، فيبطل ، أو العسر فلا يجب. وبناء على سقوط العلم الإجمالي عن التأثير لأجل الترخيص في بعض أطرافه لا أثر للعلم الإجمالي بنصب الطرق ، فيكون حال الأحكام الواقعية في كفاية الظن بها حال عدم هذا العلم الإجمالي ، والمفروض أن العلم الإجمالي الكبير المتعلق بنفس الأحكام سقط عن التأثير أيضا ، لعين ما ذكر من الاختلال أو العسر ، فلا بد حينئذ في إثبات لزوم رعاية الأحكام الواقعية من استكشاف إيجاب الاحتياط شرعا على ما تقدم في المقدمة الرابعة ، ولا شك حينئذ في اعتبار الظن بالواقع لو لم يكن أولى من الظن بالطريق ، لكونه أقرب إلى ما اهتم به الشارع من حفظ الواقعيات بإيجاب الاحتياط ، هذا. وقد تعرض الشيخ الأعظم لهذا الوجه وأجاب به عن الإشكال ، قال (قده) : «ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع ، لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها واعتبار مساعدتها في إرادة الواقع ، بل مؤدى وجوب العمل بها جعلها عين الواقع ولو بحكم الشارع لا قيدا له ... إلخ».

(١) أي : غاية نصب الطريق هو أن العلم ... إلخ.

(٢) وهو العلم الإجمالي الكبير بالاحكام الواقعية.

(٣) متعلق بـ «انحلال» أي : انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير المتعلق بمضامين الطرق ، و «من التكاليف» بيان للموصول في «بما».

٦٤٦

من التكاليف الفعلية ، والانحلال (١) وان كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤدّ إليه الطريق من التكاليف الواقعية ، إلّا أنه (٢) إذا كان رعاية العلم بالنصب لازما (٣) ، والفرض (٤) عدم اللزوم ، بل عدم الجواز ، وعليه (٥) يكون التكاليف الواقعية كما إذا لم يكن (٦) هناك علم بالنصب (٧) في كفاية الظن بها حال انسداد باب العلم كما لا يخفى ، ولا بد حينئذ (٨)

______________________________________________________

(١) أي : وانحلال العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية بسبب العلم الإجمالي الصغير وهو العلم الإجمالي بنصب الطرق وان كان مقتضاه عدم تنجز الواقع الّذي لم يؤدّ إليه الطريق ، لكن هذا الانحلال مبني على منجزية العلم الإجمالي الصغير وإيجابه للاحتياط في أطرافه.

(٢) أي : عدم التنجز ، و «من التكاليف» بيان للموصول في «ما لم».

(٣) أي : أن الانحلال انما يكون فيما إذا كان العلم الإجمالي بنصب الطرق حجة. و «إذا كان» خبر لقوله : «انه» و «إذا» ظرفية ومنسلخة عن الشرطية ، يعني : أن عدم تنجز الواقع انما هو في ظرف لزوم رعاية العلم الإجمالي بنصب الطرق ، والمفروض عدم لزومها.

(٤) الواو للحال ، أي : والحال أن رعاية الاحتياط غير لازم لأجل العسر ، بل غير جائز لاختلال النظام.

(٥) أي : وعلى ما ذكر من عدم لزوم الاحتياط أو عدم جوازه.

(٦) لفرض سقوط العلم الإجمالي بالنصب عن التأثير ، فوجوده كعدمه ، وقوله : «كما» خبر «يكون».

(٧) أي : بنصب الطريق ، وضمير «بها» راجع إلى التكاليف الواقعية.

(٨) أي : حين سقوط العلم الإجمالي بنصب الطريق كسقوط العلم بالتكاليف

٦٤٧

من عناية أخرى (١) (*) في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الإطاعة وعدم (٢) إهمالها رأسا كما أشرنا (٣) إليها. ولا شبهة في أن الظن بالواقع

______________________________________________________

الواقعية عن المنجزية ، لعدم إمكان الاحتياط في أطرافه ، للاختلال ، أو الحرج كما كان ذلك مانعا عن العلم بالطرق على ما يدعيه القائل بحجية الظن بالطريق.

(١) يعني : غير العلم الإجمالي في الأحكام والطرق ، لسقوطه في كليهما بالاختلال أو الحرج ، ومراده بـ «عناية أخرى» كما أفاده في المقدمة الثالثة وفي حاشيته على هذه العبارة هو إيجاب الاحتياط الشرعي المستكشف ببرهان اللّم أعني اهتمام الشارع بالاحكام.

(٢) عطف تفسيري لـ «الإطاعة» وقوله : «بنحو» متعلق بـ «رعاية».

(٣) أي : أشرنا إلى هذه العناية في المقدمة الثالثة من مقدمات الانسداد ، حيث

__________________

(*) وهي إيجاب الاحتياط في الجملة المستكشف بنحو اللّم من عدم الإهمال في حال الانسداد قطعا إجماعا بل ضرورة ، وهو يقتضي التنزل إلى الظن بالواقع حقيقة أو تعبدا إذا كان استكشافه في التكاليف المعلومة إجمالا ، لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بكل ما يجب تحصيل القطع به حال الانفتاح إلى الظن به في هذا الحال ، وإلى الظن بخصوص الواقعيات التي تكون مؤديات الطرق المعتبرة أو بمطلق المؤديات لو كان استكشافه في خصوصها أو في مطلقها ، فلا يكاد أن تصل النوبة إلى الظن بالطريق بما هو كذلك وان كان يكفى ، لكونه مستلزما للظن بكون مؤداه مؤدى طريق معتبر ، كما يكفي الظن بكونه كذلك ولو لم يكن ظن باعتبار طريق أصلا كما لا يخفى.

وأنت خبير بأنه لا وجه لاحتمال ذلك ، وانما المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال بعد عدم لزوم رعاية الطرق المعلومة بالإجمال بين أطراف كثيرة ، فافهم.

٦٤٨

لو لم يكن أولى حينئذ (١) ـ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك [أو ترك] الحرام ـ من (٢) الظن بالطريق ، فلا أقل من كونه (٣) مساويا فيما يهم العقل من (٤) تحصيل الأمن من العقوبة في

______________________________________________________

قال : «وقد علم به يعني بإيجاب الاحتياط بنحو اللّم ، حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه ... إلخ».

(١) أي : حين عدم لزوم رعاية العلم الإجمالي بنصب الطريق ، وكونه كالعدم ، ومن المعلوم أنه لا شبهة في أولوية الظن بالواقع من الظن بالطريق ، لسقوط العلم بنصب الطرق عن الاعتبار ، فلا مجال لرعاية الظن به ، هذا.

(٢) متعلق بـ «أولى» وضميرا «لكونه ، به» راجعان إلى الظن بالواقع ، وضمير «به» في قوله : «ما به» راجع إلى الموصول المراد به فعل الواجب وترك الحرام.

(٣) أي : فلا أقل من كون الظن بالواقع مساويا للظن بالطريق. ولا يخفى أن المصنف من باب التنزل جعل الظن بالطريق مساويا للظن بالواقع ، وإلّا فعلى تقدير عدم لزوم رعاية العلم بنصب الطريق لا مجال لاعتبار الظن بالطريق ما لم يستلزم الظن بالواقع.

(٤) بيان للموصول في «فيما يهم». والحاصل : أن الظن بالواقع أقرب من الظن بالطريق ، لأن احتمال الخطأ فيه أقل من احتماله في الظن بالطريق ، لتطرق احتمال عدم الإصابة في الظن بالواقع من جهة واحدة وهي عدم إصابة الظن للواقع ، بخلاف الظن بالطريق فان احتمال الخطأ فيه أزيد ، لأنه كما يكون من جهة عدم إصابة الظن بالطريق ، كذلك يكون من جهة عدم إصابة المؤدى للواقع.

٦٤٩

كل حال (١) ، هذا. مع ما عرفت (٢) من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق [الطريق] وهو بلا شبهة يكفي لو لم يكن هناك ظن بالطريق ، فافهم فانه دقيق.

______________________________________________________

وعليه فالظن بالواقع أقرب إلى ما اهتم الشارع به من الظن بالطريق القائم عليه.

(١) سواء في حال الانفتاح أم الانسداد.

(٢) قبل أسطر حيث قال : «مع أن الالتزام بذلك غير مفيد فان الظن بالواقع ... إلخ» وضمير «أنه» راجع إلى الظن بالواقع ، وضمير «بأنه» إلى الواقع وقوله : «وهو بلا شبهة يكفى» يعني : وكون الظن بالواقع ملازما عادة للظن بأن هذا الواقع المظنون مؤدى طريق يكفي بلا شبهة في الوصول إلى ما اهتم به الشارع من فعل الواجب وترك الحرام ، وحاصله : أنه لا يترتب ثمرة على اعتبار خصوص الظن بالطريق ، إذ الظن بالواقع الّذي يبتلي به المكلف لا ينفك عن الظن بأنه مؤدى طريق معتبر ، هذا (*).

__________________

(*) لا يخفى أنه تكرار لما ذكره قبيل هذا. مضافا إلى أن القائل بنصب الطريق ولزوم مراعاته انما يدعي حجية الظن بالطريق وان لم يكن مستلزما للظن بالواقع ، فالظن بالواقع وان كان غير منفك غالبا عن الظن بأنه مما قام عليه الطريق ، لكنه غير الظن بالطريق الّذي هو مدعى القائل بحجية الظن بالطريق.

إلّا أن يقال : انه (قده) ذكر هذا الكلام هناك ليعلل به عدم إفادة الالتزام بالصرف ولو بنحو التقييد ، وذكره هنا لبيان كفايته في الوصول إلى ما اهتم به الشارع ، ولذا قال : «مع ما عرفت» فلاحظ.

٦٥٠

ثانيهما : ما اختص به بعض (١) المحققين ، قال : «لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية ، ولم يسقط عنّا التكليف بالاحكام الشرعية (٢) وأن (٣) الواجب علينا أوّلا هو تحصيل العلم بتفريغ الذّمّة في حكم المكلّف (٤)

______________________________________________________

(١) وهو المحقق الشيخ محمد تقي الأصبهاني (قده) صاحب حاشية المعالم ، وهذا الوجه هو أول الوجوه الثمانية التي أقامها على حجية الظنون الخاصة ، وقد اختص به ولم يتبعه صاحب الفصول ، ونقله شيخنا الأعظم عنه ، وكيف كان فمحصل ما ذكره مؤلف من أمور :

الأول : العلم بأننا مكلفون بالتكاليف الواقعية وأنها لم تسقط عنّا في حال الانسداد.

الثاني : أن همّ العقل في كل من حالي الانفتاح والانسداد هو إحراز فراغ ذمة العبد عن التكليف الّذي اشتغلت به.

الثالث : أن نصب الشارع الطريق إلى الواقع يستلزم القطع بحكمه بفراغ ذمة المكلف ـ إذا عمل على طبقه ـ فإذا حصل له العلم بالطريق المنصوب ـ كما في حال الانفتاح ـ حصل له العلم بالفراغ إذا عمل على طبقه ، وإذا حصل له الظن به ـ كما في حال الانسداد ـ حصل له الظن بالفراغ إذا عمل على طبقه ، ففي حال الانسداد ينحصر المفرّغ في الظن بالطريق بعد فرض نصبه.

(٢) يستفاد من هذه العبارة ما ذكرناه بقولنا : «الأول : العلم ...».

(٣) عطف على «كوننا» أي : ولا ريب في أن الواجب علينا ، وهذا هو الأمر الثاني.

(٤) بصيغة الفاعل وهو الشارع ، وكلمة «في» بمعنى الباء ، أو أنها متعلقة

٦٥١

بأن يقطع معه (١) بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به ، وسقوط (٢) تكليفنا عنّا سواء حصل العلم معه بأداء (٣) الواقع أولا (٤) حسبما مرّ تفصيل القول فيه ، فحينئذ نقول : ان صح لنا (٥)

______________________________________________________

ب «تحصيل العلم» والمقصود أن اللازم عقلا هو تحصيل العلم بحكم الشارع بتفريغ الذّمّة.

(١) الضمير راجع إلى الإتيان بالمكلف به المستفاد من سياق الكلام ، وضمير «بحكمه» راجع إلى المكلّف ـ بالكسر ـ المراد به الشارع.

(٢) معطوف على «بتفريغ» والأولى تبديل «السقوط» بـ «الإسقاط» أو «التفريغ» بـ «الفراغ» لتصح المقابلة بينهما.

(٣) متعلق بـ «العلم» يعني : سواء حصل مع حكم الشارع بتفريغ الذّمّة العلم بأداء الواقع أم لم يحصل.

(٤) لأن مفاده تحصيل العلم بحكم الشارع بالفراغ سواء حصل ـ مع هذا الحكم بالفراغ ـ العلم بوجود الواقع وتحققه أم لا ، فانه كالصريح في أن العمل بما نصبه طريقا إلى الأحكام الواقعية يوجب العلم بحكم الشارع بفراغ الذّمّة عنها ولو لم يحصل العلم بإتيان الواقع ، وهذا كالصريح في بقاء الواقع على ما هو عليه وعدم صرفه إلى مؤدى الطريق ، وبهذا يفترق هذا الوجه عن الوجه الأول الّذي ذكره صاحب الفصول تبعا لبعض الفحول.

(٥) هذا شروع في كيفية تحصيل فراغ الذّمّة ، وهو الأمر الثالث ، وتوضيحه : أنه مع العلم بالطريق المنصوب يجب تحصيل العلم به ، لتوقف العلم بالفراغ عليه ، ومع عدمه ـ لانسداد باب العلم بالطريق ـ يجب تحصيل الظن به ، لأنه الأقرب إلى العلم بالطريق. فالنتيجة حينئذ بعد العلم ببقاء التكليف ولزوم امتثاله

٦٥٢

تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في (١) حكم الشارع ، فلا إشكال في وجوبه (٢) وحصول البراءة به ، وان انسد علينا سبيل العلم كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه ، إذ (٣) هو الأقرب إلى العلم به (٤) ، فيتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم (٥) العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع (٦) ببقاء التكليف دون (٧) ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

______________________________________________________

بالطرق المنصوبة عليه هو اعتبار الظن بالطريق.

(١) كلمة «في» بمعنى الباء أو متعلقة بـ «تحصيل العلم» وقد تقدم نظيرها آنفا وسيأتي أيضا في قوله : «بالبراءة في حكمه».

(٢) أي : وجوب تحصيل العلم بالتفريغ ، وضمير «به» راجع إلى العلم بالتفريغ.

(٣) تعليل لوجوب تحصيل الظن ، وضمير «هو» راجع إلى الظن.

(٤) أي : إلى العلم بالتفريغ ، وضمير «حكمه» راجع إلى الشارع.

(٥) متعلق بقوله : «فيتعين» والضمير في «الأخذ به» راجع إلى الظن ، يعني : أنه يتعين بحكم العقل الأخذ بالظن لأجل المقدمة الخامسة وهي قبح ترجيح المرجوح على الراجح.

(٦) معطوف على قوله : «انسداد».

(٧) قيد لقوله : «تحصيل الظن بالبراءة» يعني : أن الواجب تحصيل الظن بالبراءة ، لا تحصيل الظن بأداء الواقع

٦٥٣

وفيه أولا (١) : أن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذّمّة بالإطاعة والامتثال انما هو العقل ، وليس للشارع في هذا الباب (٢) حكم مولوي يتبعه حكم العقل ، ولو حكم في هذا الباب كان بتبع [يتبع] حكمه إرشادا إليه (٣) ، وقد عرفت (٤) استقلاله بكون الواقع [بما هو]

______________________________________________________

(١) أجاب المصنف عن دليل صاحب الحاشية (قده) بوجوه ثلاثة ، هذا أولها ، وتوضيحه : أنّا نمنع وجود الحكم المولوي في مقام الفراغ حتى يجب عقلا إحرازه على ما سيأتي توضيحه في الفصل الآتي من أن الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعة والعصيان هو العقل ، ولا يصلح موردهما للحكم المولوي ، ولو حكم الشارع فيه كان إرشادا إلى ما استقل به العقل ، فالحاكم بالفراغ عند القطع بموافقة الواقع أو الطريق هو العقل لا الشرع ، فالحاكم في باب الإطاعة والمعصية بوجوب القطع بتحصيل المؤمّن من عقوبات التكاليف وتبعاتها هو العقل أيضا لا الشرع ، ولا ريب في أن القطع به يحصل عنده بموافقة كل من الطريق أو الواقع بما هو واقع لا بما هو معلوم ، فالإتيان بالواقع حقيقة أو تعبدا ـ بما هو واقع كذلك ـ مفرّغ للذمة لا بما هو معلوم ، هذا في حال الانفتاح. وكذا في حال الانسداد ، فان الظن فيه يقوم مقام القطع فيما ذكر ، فالمفرغ للذمة في حال الانسداد هو الواقع المظنون بما هو واقع لا بما هو مظنون ، أو الطريق المظنون بما هو طريق لا بما هو مظنون.

والحاصل : أن المفرغ في كل من حالتي الانفتاح والانسداد هو الواقع بما هو واقع لا بما هو معلوم ولا بما هو مظنون ولا بما هو مؤدى طريق ظني.

(٢) أي : باب تفريغ الذّمّة ، وقوله : «بالإطاعة» متعلق بـ «الحاكم».

(٣) أي : إرشادا إلى حكم العقل ، وضمير «حكمه» راجع إلى العقل.

(٤) يعني : في أوائل هذا الفصل ، حيث قال : «وأن المؤمن في حال الانفتاح

٦٥٤

مفرّغ (١) [مفرغا] وأن (٢) القطع به حقيقة أو تعبدا (٣) مؤمّن جزما ، وأن (٤) المؤمّن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمّنا حال الانفتاح ، فيكون الظن أيضا (٥) مؤمّنا حال الانسداد.

وثانيا : سلمنا ذلك (٦) ،

______________________________________________________

هو القطع ... إلخ» وضمير «استقلاله» راجع إلى العقل.

(١) الصواب ـ كما في بعض النسخ ـ نصبه ، لأنه خبر لقوله : «بكون الواقع» يعني : وقد عرفت استقلال العقل بكون الواقع بما هو واقع مفرّغا للذمة.

(٢) مجرور محلا عطفا على «بكون الواقع» أي : وقد عرفت أيضا استقلاله بأن القطع بالواقع حقيقة ... إلخ.

(٣) الأول في القطع بإتيان الواقع ، والثاني في القطع بموافقة الطريق المنصوب شرعا ، فهما قيدان لـ «القطع».

(٤) عطف على «وأن القطع» أي : وقد عرفت أيضا استقلال العقل بأن المؤمن في حال الانسداد ... إلخ.

(٥) يعني : مثل مؤمنية الظن بالطريق ، إذ المفروض قيام الظن مقام العلم في حال الانسداد ، ومن المعلوم أن العلم بكل من الواقع والطريق في حال الانفتاح كان مؤمنا ، فالظن بكل منهما في حال الانسداد مؤمن أيضا كما لا يخفى.

(٦) أي : سلمنا أن للشارع في باب الإطاعة حكما مولويا ، وهذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم الوجه الأول ـ نقول : ان جعل الطريق كما يكون مستلزما لجعل الفراغ ، كذلك يستلزم جعل الحكم الواقعي لجعل الفراغ بالأولوية ، لكون الواقع أصلا ومؤدى الطريق بدلا عنه ومنزلا منزلته ، فترتب الحكم بالفراغ على جعل الحكم الواقعي أولى من ترتبه على جعل الطريق.

٦٥٥

لكن حكمه بتفريغ الذّمّة ـ فيما (١) إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب ـ ليس (٢) إلّا بدعوى أن النصب يستلزمه (٣) ، مع أن دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى (٤)

______________________________________________________

ويستفاد هذا الجواب من مطاوي ما أجاب به الشيخ الأعظم عن كلام صاحب الحاشية ، فقال في جملة ما ذكره : «فترجيح الظن بسلوك الطريق المقرّر على الظن بسلوك الواقع لم يعلم وجهه ، بل الظن بالواقع أولى في مقام الامتثال ، لما أشرنا إليه سابقا من حكم العقل والنقل بأولوية إحراز الواقع ... إلى أن قال : فالحكم بأن الظن بسلوك الطريق المجعول يوجب الظن بفراغ الذّمّة بخلاف الظن بأداء الواقع ، فانه لا يوجب الظن بالفراغ إلّا إذا ثبت حجية ذلك الظن ، وإلّا فربما يظن بأداء الواقع من طريق يعلم بعدم حجيته تحكّم صرف».

(١) متعلق بـ «حكمه بتفريغ» وضمير «حكمه» راجع إلى الشارع.

(٢) خبر «لكن حكمه».

(٣) الضمير المستتر فيه راجع إلى «النصب» والبارز راجع إلى حكم الشارع ، يعني : يستلزم النصب حكم الشارع بفراغ الذّمّة ، وتوضيحه : أن جعل الحكم بالفراغ ـ لو سلم فانما هو لكونه من لوازم النصب ، وإلّا فليس الحكم بالفراغ مجعولا نفسيا مستقلا.

(٤) خبر «أن دعوى» يعني : أن دعوى حصول الفراغ بالواقع أولى من حصوله من الظن بمؤدى الطريق ، إذ لمّا كان الحكم بالفراغ من لوازم جعل الطريق ، فكونه من لوازم جعل الواقع أولى ، كما تقدم تقريبه. فقوله : «مع أن دعوى» ليس وجها مستقلا ، بل هو تتمة للوجه الثاني ، فكأنه قال : «والحال

٦٥٦

كما لا يخفى ، فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا (١).

ان قلت (٢) : كيف يستلزم (٣) [يستلزمه] الظن بالواقع مع أنه ربما

______________________________________________________

أن دعوى ... أولى».

(١) يعني : أن الظن بالواقع ظن بالحكم بالتفريغ كالظن بالحكم بالفراغ إذا تعلق بالطريق ، فضمير «به» راجع إلى الواقع.

(٢) غرض هذا المستشكل منع الملازمة التي ادعاها المصنف بقوله : «ان التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ» وتقريب المنع : أن الظن بالواقع قد لا يستلزم الظن بحكم الشارع بالفراغ ، كما إذا حصل الظن به من القياس الّذي يعلم بعدم كونه طريقا شرعا ، وهذا بخلاف الظن بالطريق المنصوب ، فانه مستلزم للظن بحكم الشارع بالفراغ وان كان الظن بطريقية شيء ناشئا من القياس (*).

(٣) أي : كيف يستلزم الظن بالواقع للظن بحكم الشارع بالفراغ؟ وبناء على كون النسخة «يستلزمه» فلا حاجة إلى التقدير ، لرجوع الضمير البارز إلى الظن بحكم الشارع بالفراغ ، والمآل واحد.

__________________

(*) لعل عدم منع الملازمة بين الظن بالطريق مطلقا وان كان من القياس وبين الظن بالفراغ ، لأجل اختصاص عدم حجية القياس في نفس الأحكام الفرعية بلا واسطة ، وعدم شمول النهي عنه لما إذا قام على طريقية شيء ، فان كان هذا هو الوجه في عدم منع الملازمة ، ففيه ما لا يخفى ، لما يستفاد من النواهي من عدم جواز استعمال القياس في كل ما يتعلق بالشرعيات ولو في أدلتها كأصول الفقه.

٦٥٧

يقطع بعدم حكمه به معه (١) ، كما إذا كان (٢) [إذا ظن بالحكم] من القياس ، وهذا (٣) بخلاف الظن بالطريق ، فانه يستلزمه (٤) ولو كان من القياس.

قلت : الظن بالواقع أيضا (٥) يستلزم الظن (*) بحكمه بالتفريغ

______________________________________________________

(١) أي : بعدم حكم الشارع بالفراغ مع الظن بالواقع.

(٢) أي : كما إذا كان الظن الحاصل من القياس ، وفي بعض النسخ «كما إذا ظن بالحكم» أي : كما إذا حصل الظن بالحكم الواقعي من القياس ، والأمر سهل.

(٣) أي : والظن بالواقع بخلاف الظن بالطريق ، فان الأول غير مستلزم للظن بالفراغ بخلاف الثاني.

(٤) أي : فان الظن بالطريق يستلزم الظن بحكم الشارع بالفراغ ولو حصل الظن بالطريق من القياس ، كالظن بطريقية الإجماع المنقول الحاصل من قياسه على الخبر الواحد مثلا.

(٥) أي : كالظن بالطريق في استلزامه الظن بالفراغ ، وتوضيح ما أفاده في دفع الإشكال : أن الظن بالواقع يستلزم الظن بالفراغ مطلقا وان نشأ الظن بالواقع من القياس ، وذلك لأن النهي عن القياس طريقي ناش عن مخالفته أحيانا للواقع ، فمع المصادفة تحصل براءة الذّمّة عن الواقع ، نعم إذا كان النهي موضوعيا

__________________

(*) وذلك لضرورة الملازمة بين الإتيان بما كلف به واقعا وحكمه بالفراغ ، ويشهد به عدم جواز الحكم بعدمه لو سئل عن أن الإتيان بالمأمور به على وجهه هل هو مفرّغ ، ولزوم حكمه بأنه مفرغ ، وإلّا لزم عدم اجزاء الأمر الواقعي ، وهو واضح البطلان.

٦٥٨

على الأقوى (١) ، ولا ينافى (٢) القطع بعدم حجيته (٣) لدى الشارع ، وعدم كون المكلف معذورا ـ إذا عمل به (٤) فيهما ـ فيما (٥) أخطأ ، بل كان (٦) مستحقا للعقاب ولو فيما أصاب لو بنى (٧)

______________________________________________________

لحدوث مفسدة في سلوك القياس غالبة على مصلحة الواقع فلا يكون حينئذ ظنا بالفراغ ، لصيرورة الواقع بسبب سلوك القياس مبغوضا. لكن ظاهر النهي عنه هو الأول ، فالظن بالواقع الناشئ من القياس يستلزم الظن بالفراغ حينئذ.

(١) في بعض النسخ هكذا : «الظن بهما أيضا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ» والظاهر رجوع ضمير «بهما» إلى الظن بالواقع والظن بالطريق اللذين قطع بعدم حجيتهما.

(٢) لما عرفت من كون النهي طريقيا ، والضمير المستتر في «لا ينافى» راجع إلى الاستلزام.

(٣) أي : بعدم حجية الظن بالواقع الحاصل من مثل القياس.

(٤) أي : بذلك الظن غير المعتبر ، وضمير «فيهما» راجع إلى الظن بالواقع والظن بالطريق الحاصلين من الظن الّذي يقطع بعدم حجيته شرعا كالقياس.

(٥) متعلق بـ «معذورا».

(٦) أي : بل كان المكلف مستحقا للعقاب ، لتفويته الواقع باختياره فيما أخطأ.

(٧) أي : لو بنى المكلف على حجية ذلك الظن غير المعتبر كالقياس ، لكن العقاب حين الإصابة يكون على التشريع ، إذ المفروض أنه بنى على حجيته ، وفي صورة الخطأ يكون على تفويت الواقع والتشريع معا.

٦٥٩

على حجيته والاقتصار عليه ، لتجريه (١) ، فافهم (٢).

وثالثا (٣) : سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به ، لكن قضيته (٤)

______________________________________________________

(١) علة لاستحقاق العقوبة في صورة الإصابة ، والمراد بالتجري هو التشريع.

(٢) لعله إشارة إلى ما ذكرنا من أن العقاب على سلوك القياس لا ينافي الحكم بالفراغ عن الواقع في صورة الإصابة.

لا يقال : ان النهي الطريقي ينافي العقوبة مع الإصابة ، إذ الغرض من النهي الطريقي ـ كالأمر الطريقي ـ هو حفظ الواقع من دون وجود مفسدة في المنهي عنه توجب استحقاق العقوبة ارتكابه حتى في صورة الإصابة كما هو شأن الموضوعية وعليه ، فاستحقاق العقوبة في صورة الإصابة كاشف عن عدم كون النهي طريقيا ، بل موضوعي.

فانه يقال : العقاب انما هو لأجل التشريع ، إذ المفروض أنه بنى على حجية القياس وأسنده إلى الشارع ، ومن المعلوم حرمة التشريع ، فيستحق العقوبة حتى في صورة الإصابة.

(٣) هذا هو الإشكال الثالث على دليل صاحب الحاشية ، وتوضيحه : أن الدليل المتقدم ـ بعد تسليم عدم استلزام الظن بالواقع للظن بحكم الشارع بفراغ الذّمّة ـ لا ينتج حجية خصوص الظن بالطريق ، لأنه بعد بنائه على عدم التصويب والتقييد ، بل بقاء الواقع على حاله وفعليته ، فاللازم هو اعتبار الظن بواقع يظن بكونه مؤدى طريق معتبر. وعلى هذا ، فلا ينفك الظن بالواقع عن الظن بكونه كذلك ، فالظن بالواقع حجة أيضا ، لا خصوص الظن بالطريق كما تخيله المستدل.

فتلخص : أنه لا دليل على اختصاص نتيجة مقدمات دليل الانسداد بحجية الظن بالطريق.

(٤) أي : لكن مقتضى عدم الاستلزام ليس ... ، وضمير «به» راجع إلى

٦٦٠