منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

المعلوم إجمالا (*) بل بمقدار (١) لم يكن معه (٢) مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط وان لم يكن (٣)

______________________________________________________

(١) عطف على «بمقدار» واضراب عن اعتبار كون موارد الأصول المثبتة للتكليف بمقدار أطراف العلم الإجمالي في انتفاء المانع العقلي أو الشرعي عن إجراء الأصول النافية ، ويريد بهذا الإضراب : أنه لا مانع عقلا أو شرعا عن إجراء الأصول النافية حتى لو لم تكن موارد الأصول المثبتة بمقدار أطراف العلم الإجمالي أيضا بأن كانت أقل منها بحيث لم يكن مع هذا المقدار الأقل مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط ، فالمناط في انتفاء المانع عن إجراء الأصول النافية هو عدم استكشاف إيجاب الاحتياط ، لا عدم كون المعلوم بمقدار جميع الأطراف.

وبعبارة أخرى : أن إجراء الأصول النافية وعدم وجوب الاحتياط قد يكون لأجل انحلال العلم الإجمالي بالظفر بمقدار جميع أطراف المعلوم بالإجمال علما أو علميا مع الأصول المثبتة ، وقد يكون لأجل قيام الأمارات والأصول على أكثر أطراف المعلوم بالإجمال ، كما إذا فرضنا أن أطرافه عشرة واستفيد حكم ثمانية منها بالأمارات المعتبرة والأصول المثبتة ولم يعلم حكم الطرفين الباقيين ، فانه لا مانع من إجراء الأصول النافية للتكليف بالنسبة إليهما ، ولا يمكن استكشاف إيجاب الاحتياط فيهما من الإجماع أو العلم باهتمام الشارع.

(٢) أي : مع هذا المقدار غير الوافي بجميع الأطراف.

(٣) أي : وان لم يكن هذا المقدار المعلوم بمقدار جميع الأطراف ، بل

__________________

(*) لكن دعوى الانحلال تنافي أيضا ما أفاده في دفع محذور المناقضة من الغفلة عن العلم الإجمالي حين استنباط الأحكام ، إذ الانحلال فرع الالتفات إلى العلم كما لا يخفى.

٦٠١

بذاك [بذلك] المقدار (*) ، ومن الواضح أنه يختلف (١) باختلاف الأشخاص والأحوال.

وقد ظهر بذلك (٢) : أن العلم الإجمالي بالتكليف ربما ينحل ببركة

______________________________________________________

كان وافيا بمعظم الأطراف.

(١) أي : أن ذلك المقدار يختلف باختلاف الأشخاص ، فان بعضا يختار اعتبار الخبر الصحيح الأعلائي ، وآخر يختار ما هو أوسع من ذلك ، فعلى الأول يكون المقدار الثابت من الأحكام أقل من المقدار الثابت بغير الخبر الصحيح الأعلائي كخبر الموثوق الصدور مثلا ، وكذا يختلف باختلاف الأحوال ، فانه يمكن أن يبني المجتهد في أول استنباطه على حجية الخبر الصحيح فقط وفي حال شيخوخته وتضلعه على اعتبار خبر الثقة مثلا ، لكثرة البحث والممارسة في الأدلة ، أو بالعكس ، فان المجتهد قد يتبدل نظره في كل دورة يراجع المسائل ، وقد يؤيد نظره السابق بوجه جديد أدق من الوجه الّذي استند إليه سابقا ، وهكذا ...

(٢) أي : بما ذكره بقوله : «لو كانت موارد الأصول المثبتة ... إلى قوله بمقدار المعلوم بالإجمال» وغرضه : أنه إذا كان المقدار الثابت من الأحكام

__________________

(*) لكن هذا مبني على مختاره من سقوط العلم الإجمالي عن التأثير بأدلة نفي الحرج ، خلافا للشيخ القائل بعدم سقوطه عن التأثير بها ، فانه بعد سقوطه عن التأثير بأدلة الحرج يكون المانع عن جريان الأصول النافية منحصرا في الإجماع والعلم بالاهتمام ، والمفروض ارتفاعهما بثبوت مقدار من التكاليف بحيث يمنع عن استكشاف إيجاب الشارع الاحتياط بهما وان لم يكن بمقدار المعلوم بالإجمال.

٦٠٢

جريان الأصول المثبتة وتلك الضميمة (١) ، فلا موجب حينئذ (٢) للاحتياط عقلا ولا شرعا أصلا ، كما لا يخفى. كما ظهر أنه لو لم ينحل بذلك (٣) كان خصوص موارد الأصول النافية مطلقا ولو من مظنونات عدم

______________________________________________________

ـ بالأصول المثبتة وغيرها ـ بمقدار المعلوم بالإجمال انحل العلم الإجمالي.

(١) وهي ما نهض عليه علم أو علمي.

(٢) أي : حين انحلال العلم الإجمالي لا موجب للاحتياط لا عقلا ولا شرعا ، أما الاحتياط عقلا ، فلان موجبه هو العلم الإجمالي ، والمفروض انحلاله ، وأما الاحتياط شرعا ، فلأنه مع ثبوت هذا المقدار من الأحكام لا إجماع على الاحتياط ، ولا علم باهتمام الشارع يحرز به وجوبه شرعا.

(٣) يعني : كما ظهر مما تقدم في أول المقدمة الرابعة في قوله : «وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع ... إلخ» أنه لو لم ينحل العلم الإجمالي بالأصول المثبتة وتلك الضميمة ، كان خصوص موارد الأصول النافية ... إلخ.

وبالجملة : ففي صورة عدم الانحلال يجب الاحتياط بمقتضى حجية العلم الإجمالي في موارد الأصول النافية. أما الأصول المثبتة فهي موافقة لقاعدة الاحتياط.

ولا يخفى أن هذا تعريض بالمشهور القائلين بأن نتيجة مقدمات الانسداد وجوب العمل بالظن وترك الاحتياط في المشكوكات والموهومات ، وحاصل التعريض : أنه لو لم ينحل العلم الإجمالي يجب الاحتياط عقلا ، ولا يرفع اليد عنه إلّا بمقدار يرفع اختلال النظام أو العسر ، فان الضرورات تتقدر بقدرها ، فان ارتفع الاختلال أو العسر بترك الاحتياط في بعض الموهومات اقتصر على ذلك ، فلا وجه لترك الاحتياط في البعض الآخر من الموهومات فضلا عن تمام

٦٠٣

التكليف (١) [مظنونات التكليف] محلا (٢) للاحتياط فعلا ، ويرفع اليد عنه فيها (٣) كلا أو بعضا بمقدار (٤) رفع الاختلال أو رفع العسر على ما عرفت (٥)

______________________________________________________

المشكوكات.

وبالجملة : فالمدار رفع العسر ، وعليه فلا بد في موارد الأصول النافية من الاحتياط وان كان احتمال التكليف فيها موهوما جدا فضلا عن كون التكليف فيها مشكوكا أو مظنونا ، ولا يرتفع الاحتياط في شيء منها إلّا بمقدار الاختلال أو العسر.

(١) المراد به موهومات التكليف ، كما إذ ظن بعدم وجوب السورة في الصلاة مثلا من أمارة ، فانه ملازم لوجوبها الموهوم أي المرجوح. وما أفاده إشارة إلى : أنه إذا لم ينحل العلم الإجمالي وجب الاحتياط في جميع الموارد التي يحتمل فيها التكليف ولو بالاحتمال الموهوم بحيث كان عدم التكليف الإلزامي فيها مظنونا ، فضلا عما إذا كان مشكوك التكليف أو مظنونه.

هذا بناء على كون النسخة «عدم التكليف» كما هو الأصح ، وفي بعض النسخ «مظنونات التكليف» ولكن الظاهر سقوط كلمة «عدم» ليناسب الإتيان بكلمة «ولو» للإشارة إلى الفرد الخفي من وجوب الاحتياط مطلقا ، فان الظن أقوى الاحتمالات ، فلا حاجة إلى بيان وجوب الاحتياط في المظنونات بكلمة «لو».

(٢) خبر «كان» وقوله : «فعلا» أي : حين عدم الانحلال.

(٣) أي : في موارد الأصول النافية ، وضمير «عنه» راجع إلى الاحتياط.

(٤) متعلق بـ «ويرفع اليد» وبيان لـ «كلا أو بعضا».

(٥) في أول تفصيل المقدمة الرابعة بقوله : «فهي بالنسبة ... إلخ».

٦٠٤

لا محتملات (١) التكليف مطلقا.

وأما الرجوع (٢) إلى فتوى العالم ، فلا يكاد يجوز ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «خصوص موارد الأصول النافية» يعني : أن محل الاحتياط ـ حين عدم انحلال العلم الإجمالي ـ هو خصوص موارد الأصول النافية لا جميع محتملات التكليف مطلقا يعني حتى في موارد الأصول المثبتة له ، كما أن رفع اليد عن الاحتياط في هذه الموارد ـ أعني المثبتة ـ انما هو بمقدار رفع العسر والاختلال ، ولو فرض تحققه بترك الاحتياط رأسا تركناه ، وعليه فلا نلتزم برفع اليد عن الاحتياط في خصوص موهومات التكليف أو مشكوكاته ، والعمل به في مظنوناته كما نسب إلى المشهور.

وبالجملة : ففي فرض عدم الانحلال يكون خصوص موارد الأصول النافية محلا للاحتياط ، والمناط في رفع اليد عنه حينئذ هو لزوم العسر أو اختلال النظام ، فلو لم يرفع العسر أو الاختلال إلّا بترك الاحتياط رأسا تركنا العمل به مطلقا يعني حتى في مظنونات التكليف ، كما أنه لو ارتفع العسر أو الاختلال برفع اليد عنه في بعض الموارد تركنا العمل به كذلك وعملنا به في الباقي وان كان مشكوك التكليف أو موهومه.

(٢) هذا هو المطلب الثالث والأخير الّذي تعرض له في شرح المقدمة الرابعة ولا بد من إبطالها أيضا ، وقد نبه عليه شيخنا الأعظم بقوله : «وأما رجوع هذا الجاهل الّذي انسد عليه باب العلم في المسائل المشتبهة إلى فتوى العالم بها وتقليده فيها فهو باطل لوجهين ... إلخ».

وحاصل ما أفاده المصنف : أن رجوع الانسدادي إلى المجتهد الانفتاحي باطل ، إذ رجوعه إلى الانفتاحي تقليد له ، وهو من باب رجوع الجاهل إلى

٦٠٥

ضرورة أنه (١) لا يجوز إلّا للجاهل لا للفاضل الّذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي ، فهل يكون رجوعه إليه بنظره (٢) الا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل؟

وأما المقدمة الخامسة ، فلاستقلال العقل بها ، وأنه (٣) لا يجوز

______________________________________________________

العالم ، وليس المقام منه حتى يشمله دليل جواز التقليد ، ضرورة أن الانسدادي يعتقد بخطإ الانفتاحي ، وأن مستنده غير صالح للاعتماد عليه ، فالانفتاحي جاهل بنظر الانسدادي ، وليس رجوعه إليه من رجوع الجاهل إلى العالم حتى يشمله دليله ، بل من رجوع الفاضل إلى الجاهل ، فيبطل رجوع الانسدادي إليه.

(١) أي : أن الرجوع إلى العالم لا يجوز إلّا للجاهل.

(٢) أي : فهل يكون رجوع الانسدادي إلى من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي إلّا من رجوع الفاضل إلى الجاهل؟ فالاستفهام للإنكار ، يعني : لا يكون رجوعه إليه الا من باب رجوع الفاضل إلى الجاهل.

(٣) عطف تفسيري لقوله : «فلاستقلال» وغرضه : أن المقدمة الخامسة ـ وهي لزوم الإطاعة الظنية عند عدم التمكن من الإطاعة العلمية ـ مسلمة ، لأنه مما يستقل به العقل ، إذ لو لم تلزم الإطاعة الظنية حينئذ بأن جاز التنزل إلى الإطاعة الاحتمالية مع التمكن من الظنية لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو قبيح عقلا. توضيح ذلك : أن مراتب الإطاعة أربع :

الأولى : العلمية التفصيلية ، وفقدانها في المقام معلوم ، إذ المفروض انسداد باب العلم بالاحكام.

الثانية : العلمية الإجمالية المعبر عنها بالاحتياط ، وفقدانها أيضا واضح ، لعدم إمكانه أو عدم وجوبه كما مر مرارا.

٦٠٦

التنزل ـ بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها ـ إلّا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية ، لبداهة (١) مرجوحيتهما بالإضافة إليها ، وقبح (٢) ترجيح المرجوح على الراجح. لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية مع (٣) دوران الأمر بين الظنية

______________________________________________________

الثالثة : الظنية ، وهي أن يأتي المكلف بما يظن أنه المكلف به.

الرابعة : الإطاعة الاحتمالية من الشكية والوهمية ، وهي التي لا توجب شيئا من العلم أو الظن بامتثال التكليف ومن المعلوم أنه بعد فقدان المرتبتين الأوليين تصل التوبة إلى المرتبة الثالثة وهي الإطاعة الظنية دون الاحتمالية ، لمرجوحيتها بالنسبة إلى الامتثال الظني ، فتقديمها عليه قبيح ، لأنه ترجيح المرجوح على الراجح (*) ، هذا. وقد تعرض شيخنا الأعظم قدس‌سره لبيان هذه المراتب الأربع بعد ذكر هذه المقدمة بقوله : «توضيح ذلك : أنه إذا وجب عقلا أو شرعا التعرض لامتثال الحكم الشرعي ، فله مراتب أربع ... إلى أن قال : وهذه المراتب مرتبة لا يجوز بحكم العقل العدول عن سابقه إلى لاحقة إلّا مع تعذرها ... إلخ».

(١) تعليل لقوله : «لا يجوز التنزل» وقد عرفت توضيحه ، وضمير «مرجوحيتهما» راجع إلى الإطاعة الشكية والوهمية ، وضمير «إليها» إلى الإطاعة الظنية.

(٢) بالجر عطف على «بداهة» أي : ولقبح ترجيح المرجوح.

(٣) يعني : وعدم دوران الأمر ، فالأولى تبديل «مع» بـ «وعدم» ليكون

__________________

(*) لا يخفى أن هذا الامتثال الظني يكون من التبعيض في الاحتياط ، فليس العمل بالظن لأنه حجة ، بل هو من باب الاحتياط.

٦٠٧

والشكية والوهمية من جهة (١) ما أوردناه على المقدمة الأولى من

______________________________________________________

معطوفا على «عدم وصول». وكيف كان فتوضيح ما استدركه بقوله : «لكنك عرفت» على أفاده ـ من المراتب الأربع للإطاعة ، وقبح ترجيح المرجوح على الراجح ، وتعين الامتثال الظني بعد تعذر الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها ـ هو : أنه لا تصل النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية من الشكية والوهمية ـ وهي المرتبة الرابعة من المراتب الأربع المتقدمة ـ حتى يدور الأمر بينها وبين المرتبة الثالثة وهي الإطاعة الظنية ، لتقدم الظنية على غيرها ، وذلك لأن وصول الأمر إليها منوط بعدم انحلال العلم الإجمالي الكبير أعني العلم الإجمالي بوجود التكاليف الإلزامية بين الوقائع المظنونة والمشكوكة والموهومة حتى يكون ـ بسبب عدم انحلاله ـ مقتضيا للاحتياط التام ، لكن لمّا لم يكن الاحتياط التام ممكنا أو لم يكن واجبا يرفع اليد عنه بالاقتصار على الاحتياط في بعض الأطراف ، فيدور الأمر ـ في الامتثال ـ بين الأطراف المظنونة وبين المشكوكة والموهومة ليقال : لا تصل النوبة إلى الأطراف المشكوكة والموهومة ما دامت المظنونة موجودة ، لأنه إذا وصلت النوبة إليها وقدّمت على المظنونة لزم ترجيح المرجوح على الراجح.

وأما بناء على انحلال العلم الإجمالي الكبير بسبب العلم إجمالا بصدور روايات كاشفة عن أحكام إلزامية موجودة في الكتب المعتبرة ، فلا مجال للأطراف الاحتمالية ، إذ لا تصل النوبة إليها ، بل يجب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي الثاني أي الصغير ، ولا وجه لرفع اليد عن هذا الاحتياط ، لعدم لزوم عسر منه فضلا عن اختلال النظام.

(١) تعليل لقوله : «عدم وصول النوبة ... إلخ».

٦٠٨

انحلال العلم الإجمالي بما في أخبار الكتب المعتبرة ، وقضيته [وقضية] الاحتياط بالالتزام [بالإلزام] عملا (١) بما فيها من التكاليف ، ولا بأس به (٢) حيث لا يلزم منه عسر فضلا عما يوجب اختلال النظام. وما أوردناه (٣) على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى الأصول

______________________________________________________

(١) قيد لـ «الالتزام» يعني : أن مقتضى الانحلال هو الاحتياط بالالتزام بالعمل بما فيها من التكاليف. وقد تحصل مما ذكرنا : أن الأمر لا ينتهي إلى الدوران بين الإطاعة الظنية والشكية والوهمية بعد ما عرفت من بطلان المقدمة الأولى بسبب انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير ، وأن مقتضى انحلاله به هو الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي الصغير ، وأطرافه هي الاخبار ولو كان احتمال التكليف فيها موهوما ، ولا مانع حينئذ من الرجوع إلى الأصول النافية في غير مورد الاخبار ولو كان التكليف فيها مظنونا. وقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح أجنبية عن المقام ، إذ موردها دوران الأمر بين الأخذ بالمرجوح والأخذ بالراجح بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، فيقع التزاحم بينهما ، ومن المعلوم أنه بعد فرض انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم إجمالا بصدور روايات متضمنة لأحكامه تعالى لا دوران أصلا ، إذ المتعين هو الاحتياط في خصوص الاخبار دون سائر الأمارات ولو أفادت الظن بالتكليف.

(٢) أي : بالاحتياط التام في أطراف العلم الإجمالي الصغير وهي الاخبار كما تقدم في بيان المقدمة الأولى ، وضمير «منه» راجع إلى الاحتياط التام.

(٣) معطوف على «وما أوردناه على المقدمة الأولى» وتوضيحه : أن الدوران بين الإطاعة الظنية وما دونها موقوف على تمامية المقدمات ، والمفروض عدم تماميتها ، لما عرفت من بطلان الأولى بالانحلال ، وبطلان المقدمة الرابعة ،

٦٠٩

مطلقا ولو كانت نافية ، لوجود المقتضي وفقد المانع عنه لو كان التكليف في موارد الأصول المثبتة وما علم منه تفصيلا أو نهض عليه دليل معتبر بمقدار (١) معلوم [المعلوم] بالإجمال ، وإلّا (٢) فإلى الأصول المثبتة وحدها ، وحينئذ (٣) كان خصوص موارد الأصول النافية محلا لحكومة

______________________________________________________

لما تقدم من جواز الرجوع إلى الأصول مطلقا من المثبتة والنافية ، لوجود المقتضي له من حكم العقل ان كانت عقلية ، وعموم النقل ان كانت شرعية ، وعدم المانع منه على تقدير انحلال العلم الإجمالي بالأصول المثبتة ، والعلم التفصيليّ أو العلمي ، كما إذا كان ذلك المقدار الثابت من الأحكام بها بمقدار المعلوم بالإجمال. وعلى تقدير عدم انحلاله بذلك تجري الأصول المثبتة فقط ، ويجب الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي في موارد الأصول النافية ، فان كان الاحتياط في جميعها موجبا للعسر ، فيؤخذ به في المظنونات ، ويرفع اليد عنه في غيرها لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح كما تقدم ذلك.

(١) خبر «كان» وقوله : «ما علم» معطوف على «التكليف» ، وقوله : «منه» بيان للموصول في «ما علم» المراد به التكليف ، وضميرا «منه ، عليه» راجعان إلى التكليف ، وقوله : «نهض» معطوف على «علم» أي : ما علم أو ما نهض.

(٢) أي : وان لم يكن المقدار الثابت من الأحكام بالأصول المثبتة وغيرها بمقدار المعلوم بالإجمال ، جاز الرجوع إلى الأصول المثبتة فقط ، ويرجع في موارد الأصول النافية إلى الاحتياط ، فيجب الاحتياط في جميعها ان لم يكن مستلزما للحرج ، وإلّا رفع اليد عنه بمقدار رفع الحرج ، ووجب في الباقي ، ومن المعلوم تعين الاحتياط حينئذ في المظنونات ، وعدم وصول النوبة إلى المشكوكات والموهومات ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

(٣) أي : وحين الرجوع إلى الأصول المثبتة فقط كان ... إلخ.

٦١٠

العقل ، وترجيح (١) مظنونات التكليف فيها على غيرها ولو بعد استكشاف (٢) وجوب الاحتياط في الجملة شرعاً بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعا أو عقلا (٣) على ما عرفت تفصيله ، هذا هو التحقيق على ما يساعد عليه النّظر الدّقيق ، فافهم وتدبر.

______________________________________________________

(١) معطوف على «حكومة العقل» وضمير «فيها» راجع إلى «موارد الأصول النافية» وضمير «غيرها» إلى «مظنونات التكاليف» وقوله : «ولو بعد» قيد لقوله : «ترجيح» و «بعد عدم» قيد لقوله : «في الجملة».

(٢) غرضه : أنه بناء على سقوط العلم الإجمالي عن التأثير ـ لأجل الاختلال أو العسر ـ يكفي في ثبوت الاحتياط استكشافه شرعا من الإجماع أو العلم بالاهتمام ، وعلى كل حال يتعين جعل مورد الاحتياط خصوص المظنونات ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

(٣) أما الأول فلأدلة نفي الحرج ، وأما الثاني فللزوم الاختلال.

ثم ان المتحصل مما أفاده المصنف (قده) في دليل الانسداد : عدم تمامية المقدمة الأولى وهو العلم الإجمالي ، لانحلاله ، ووجوب الاحتياط في خصوص الاخبار ، وعلى تقدير تماميتها وعدم انحلاله فان كان المقدار الثابت بالأصول المثبتة والعلم التفصيليّ والعلمي بمقدار المعلوم بالإجمال جرت الأصول مطلقا سواء كانت مثبتة أم نافية ، لوجود المقتضي وعدم المانع كما تقدم. وان لم يكن بذلك المقدار جرت الأصول المثبتة فقط ، وكانت الأصول النافية موردا للاحتياط العقلي ان لم يسقط العلم الإجمالي عن التأثير لأجل دليل الحرج ، وإلّا فللاحتياط الشرعي المستكشف بالإجماع أو العلم بالاهتمام.

٦١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة : فعلى تقدير عدم انحلال العلم الإجمالي تكون نتيجة المقدمات لزوم الاحتياط التام في خصوص موارد الأصول النافية ان لم يلزم منه حرج ، وان لزم منه حرج تعين التبعيض في الاحتياط وجعل مورده خصوص المظنونات ، والله تعالى هو الهادي للصواب.

٦١٢

فصل

هل قضية المقدمات (١) ـ على تقدير سلامتها ـ هي حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما؟ أقوال

______________________________________________________

(الظن بالطريق والظن بالواقع)

(١) الغرض من عقد هذا الفصل بيان أن نتيجة مقدمات الانسداد هل هي حجية الظن بالواقع ، أم حجية الظن بطريقية شيء إلى الواقع ، أم حجية الظن بكليهما ، وتوضيحه : أنه وقع الخلاف في أن نتيجة المقدمات ـ بعد فرض تماميتها ـ هل هي حجية الظن بالواقع دون الظن بالطريق ، فلا يجب العمل بخبر العدل الواحد المظنون اعتباره الدال على حرمة شيء أو وجوبه ان لم يحصل الظن بنفس الحرمة أو الوجوب ، أم حجية الظن بالطريق فيجب العمل بالخبر المزبور وان لم يحصل الظن بالحرمة أو الوجوب ، وبالقرعة إذا لم يفد الظن ولكن ظن باعتبارها ، أم حجية كليهما ، فيجب العمل بالخبر إذا حصل الظن بأحد الأمرين على سبيل منع الخلو اما باعتباره أو بمضمونه ، فيه أقوال ثلاثة :

٦١٣

والتحقيق أن يقال : انه لا شبهة (١) في أن همّ العقل على [في] كل

______________________________________________________

الأول : ما ذهب إليه جمع من المحققين ومنهم الشيخ والمصنف (قدهما) وهو حجية الظن بكل من الواقع والطريق ، وسيأتي وجهه.

الثاني : حجية الظن بالواقع فقط.

الثالث : حجية الظن بالطريق دون الواقع. هذا وقد عقد شيخنا الأعظم أول تنبيهات الانسداد للبحث عنه ، فقال : «أنك قد عرفت أن قضية المقدمات المذكورة وجوب الامتثال الظني للأحكام المجهولة ، فاعلم : أنه لا فرق في الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي ، وبين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن كالقرعة مثلا ... إلى أن قال : وقد خالف في هذا التعميم فريقان ... إلخ».

(١) هذا شروع في الاستدلال على ما اختاره من أن مقتضى المقدمات حجية الظن بكليهما ، وتوضيحه : أن هناك مقدمتين تنتجان حجية الظن بكل من الواقع والطريق.

الأولى : أنه لا ريب في أن همّ العقل الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعة والعصيان سواء في حال انفتاح باب العلم أم انسداده هو تحصيل ما يؤمّنه من تبعات التكاليف وعقوباتها المترتبة على مخالفتها.

الثانية : مركبة من صغرى وكبرى ، أما الكبرى فقد أشار إليها مجملا بقوله : «كما لا شبهة في استقلاله» ثم فصلها بقوله : «وفي أن كل ما كان القطع به مؤمنا ... إلخ» وحاصله : أن تعيين ذلك المؤمّن وتمييزه أيضا يكون بنظر العقل ان لم يعينه الشارع وأوكله إليه. وأما الصغرى فقد أشار إليها بقوله : «وأن

٦١٤

حال انما هو تحصيل الأمن من تبعة التكاليف المعلومة من (١) العقوبة على مخالفتها ، كما لا شبهة (٢) في استقلاله في تعيين ما هو المؤمّن منها ، وفي (٣) أن كلّما كان القطع به مؤمِّنا في حال الانفتاح كان الظن به

______________________________________________________

المؤمن في حال الانفتاح ... إلخ» وتوضيحها : أن كل ما يكون مؤمنا في حال الانفتاح يقوم الظن مقامه حال الانسداد ، ومن المعلوم أن المؤمّن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان الواقع الحقيقي أو الجعلي ـ أي ما أدى إليه الطريق المعتبر شرعاً كخبر الثقة ـ ففي حال الانسداد يقوم الظن بالمكلف به الواقعي والجعلي مقام القطع بهما.

ومقتضى هاتين المقدمتين هو اعتبار الظن مطلقاً سواء تعلق بالواقع أم بالطريق (*).

(١) بيان لـ «تبعة» ومتعلق بـ «الأمن» وضمير «مخالفتها» راجع إلى التكاليف.

(٢) إشارة إلى إجمال الكبرى من المقدمة الثانية ، وقد عرفت توضيحه ، وضمير «استقلاله» راجع إلى العقل.

(٣) عطف على «في استقلاله» وبيان له.

__________________

(*) لكن ينبغي تقييد اعتبار الظن بالطريق بما إذا لم يكن منافيا للظن بالواقع ، كما إذا ظن بطريقية شيء قام على عدم وجوب فعل مع الظن بوجوبه ، أو على عدم حرمته مع الظن بحرمته ، أو على حرمته مع الظن بوجوبه ، إذ لا يحكم العقل حينئذ بحجية الظن بالطريق ، فمؤمّنية الظن بالطريق منوطة بعدم مخالفة الظن بالواقع له ، ويختص ذلك بما إذا لم يكن الظن بالواقع مخالفا لما أدى إليه مظنون الطريقية.

٦١٥

مؤمنا حال الانسداد جزما ، وأن المؤمن (١) في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك (٢) [هو] لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق ومتعلق (٣) العلم ، وهو (٤) طريق شرعا وعقلا ، أو بإتيانه (٥) الجعلي ، وذلك لأن (٦) العقل قد استقل بأن الإتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو

______________________________________________________

(١) إشارة إلى صغرى المقدمة الثانية ، وقد تقدم توضيحه.

(٢) أي : بما هو مكلف به واقعي.

(٣) بفتح اللام وهو معطوف على قوله : «معلوم ومؤدى» وغرضه الإشارة إلى فساد توهم أن المعتبر هو الظن بالواقع لا من حيث هو ، بل من حيث كونه مؤدى الطريق كما ينسب إلى صاحب الحاشية وسيأتي بيانه.

(٤) الواو للحال ، والضمير راجع إلى العلم ، وغرضه : إثبات عدم تقيد الواقع بالعلم بما حاصله : أن العلم ليس إلّا طريقا محضا إلى الواقع ومرآتا له فلا يمكن تقييد المتعلق به بحيث يكون العلم موضوعا له ، لاستلزامه للدور كما تقدم في مبحث القطع ، فالواجب مثلا في الصلاة هو السورة ، لا السورة المعلوم وجوبها. وحق العبارة أن تكون هكذا : «لأنه طريق» وقد اتضح المقصود منه.

(٥) معطوف على «بإتيان» والضمير راجع إلى المكلف به ، فالجعلي صفة للضمير ، وهو ضعيف من حيث الصناعة وان قيل بوروده في قوله : «اللهم صلّ عليه الرءوف الرحيم» بجر الوصف.

(٦) بيان لما ذكره بقوله : «وأن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع ... إلخ» ولا يخفى أنه لم يذكر في هذا البيان أكثر مما ذكره بقوله : «وأن المؤمن

٦١٦

هو لا بما هو مؤدى الطريق مبرئ للذمة قطعا ، كيف (١)؟ وقد عرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل إحداثا وإمضاء إثباتا ونفيا (٢). ولا يخفى أن قضية ذلك (٣) هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق.

ولا منشأ لتوهم الاختصاص (٤) بالظن بالواقع الا توهم أنه قضية

______________________________________________________

في حال الانفتاح» إلّا أنه أبدل «المؤمن» بـ «المبرئ للذمة» وأسقط القطع بإتيان الواقع الجعلي ، ولا بأس به بعد كون ما أفاده في قوله «وذلك» تكرارا لما ذكره قبيل هذا.

(١) أي : كيف يكون الإتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو مؤدى الطريق ـ أي بوصف أنه متعلق العلم ـ مبرئا للذمة لا بما هو هو ومحض أنه الواقع؟ مع أن القطع طريق محض ... إلخ.

(٢) كما تقدم في أول الكتاب ، فلاحظ.

(٣) أي : أن مقتضى مؤمنية القطع بالواقع الحقيقي والجعلي هو التنزل إلى الظن بعد وضوح أنه في حال الانسداد قائم مقام القطع ، سواء تعلق الظن بالواقع أم بالطريق.

(٤) هذا شروع في بيان وجه القول باختصاص الحجية الثابتة بدليل الانسداد بالظن بالواقع ، وعدم شموله للظن بالطريق ، وحاصله : أن مصب المقدمات لمّا كان خصوص الفروع ، فمقتضى ذلك اختصاص نتيجتها ـ وهي اعتبار الظن ـ بنفس الحكم الشرعي الفرعي كالوجوب والاستحباب مثلا ، دون الظن بطريقية مثل خبر العدل إلى الواقع ، إذ مفاد المقدمات أجنبي عنه ، ومعه لا موجب للتنزل

٦١٧

[أن قضيته] اختصاص المقدمات بالفروع ، لعدم (١) انسداد باب العلم في الأصول (*) ، وعدم إلجاء في التنزل إلى الظن فيها (٢) ، والغفلة (٣) عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام تحصيل [يحصل] الأمن من عقوبة التكاليف وان كان باب العلم في

______________________________________________________

من تحصيل العلم باعتبار الطريق إلى الظن به بمجرد انسداد باب العلم بالاحكام الفرعية مع انفتاحه في المسائل الأصولية.

قال شيخنا الأعظم في عدّ الأقوال : «الثاني مقابل هذا وهو من يرى أن المقدمات المذكورة لا تثبت الا اعتبار الظن في نفس الأحكام الفرعية ... إلى أن قال : لجريانها ـ أي المقدمات ـ في المسائل الفرعية دون الأصولية» ثم نقل الاستدلال عليه في التنبيه الثالث ، فراجع.

(١) هذا وجه اختصاص مصبّ المقدمات بالفروع ، وقد عرفته آنفا.

(٢) أي : في الأصول.

(٣) معطوف على «توهم» وهو جواب عن توهم القول باختصاص حجية الظن بالواقع ، وتوضيحه : أن الغرض من جريان المقدمات في الفروع هو حجية الظن في مقام تفريغ الذّمّة وتحصيل الأمن من العقوبة المترتبة على مخالفة التكاليف ، ومن المعلوم أنه لا فرق حينئذ بين الظن بالواقع وبين الظن بالطريق.

__________________

(*) لا يخفى أنه ـ بناء على عدم انسداد باب العلم في الأصول ـ لا وجه للاكتفاء بالظن ، إذ هو ظن بالفراغ مع أنه لا موجب له ، فيكون المقصود من المقدمة الثانية هو انسداد باب العلم فقط دون العلمي ، فالظن بالتكاليف حال الانسداد قائم مقام العلم بها ، ولا يفيد دليل الانسداد اعتبار الظن بالطريق أصلا.

٦١٨

غالب (١) الأصول مفتوحا (*) ، وذلك (٢) لعدم التفاوت في نظر العقل في ذلك (٣) بين الظنين.

كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان :

أحدهما : ما أفاده بعض الفحول (٤) وتبعه في الفصول ، قال

______________________________________________________

(١) المراد بغالب الأصول ما عدا الطرق الشرعية كخبر الواحد والشهرة الفتوائية ، حيث ان باب العلم فيها منسد ، إذ لو كان باب العلم فيها أيضا مفتوحا لكان باب العلمي في الفروع مفتوحا ، ولما تمت مقدمات الانسداد ، إذ منها ـ كما تقدم ـ انسداد باب العلم والعلمي بالاحكام الشرعية.

(٢) تعليل لقوله : «موجب لكفاية الظن بالطريق» يعني : أن الوجه في كون جريان المقدمات في الفروع موجبا لكفاية الظن بالطريق هو وحدة المناط في الموردين أعني الفروع والأصول وهو تحصيل الأمن من العقوبة ، لتساوي الظنين فيهما فيما هو همّ العقل من تحصيل المؤمن والخروج عن عهدة التكليف.

(٣) أي : في مقام يحصل الأمن من العقوبة.

(٤) وهو ـ كما في شرح المحقق الآشتياني وغيره ـ المحقق المدقق الشيخ أسد الله الشوشتري ، وتبعه في ذلك تلميذاه المحققان صاحبا الحاشية والفصول ، قال في أوثق الوسائل : «وقد اختار الثاني ـ أي إفادة مقدمات الانسداد اعتبار خصوص الظن بالطريق ـ صاحب الهداية والفصول ، وسبقهما الشيخ اعتبار خصوص الظن بالطريق ـ صاحب الهداية والفصول ، وسبقهما الشيخ أسد الله التستري ، وهو لا يقدح فيما ذكره في الفصول من أنه لم يسبقه إلى ما

__________________

(*) لكن قد عرفت أنه مع انفتاح باب العلم في الأصول لا وجه للاكتفاء بالظن فيها ، لكونه إطاعة ظنية مع التمكن من الإطاعة العلمية.

٦١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اختاره أحد ، لأنه مع أخيه الفاضل البارع صاحب الهداية من تلامذة الشيخ المذكور ، ولا غرو في نسبة التلميذ مطالب شيخه إلى نفسه كما جرى ديدنهم عليه في أمثال هذا الزمان».

أقول : الّذي ظفرنا عليه من عبارة المحقق الشوشتري في آخر كتابه كشف القناع وان كان ظاهرا فيما نسب إليه من حجية الظن بالطريق لكنه لم يبرهن عليه ، ولعله أقام الدليل عليه في موضع آخر ، قال (قده) : «وأما الاستناد إلى قضية انسداد باب العلم ، فباطل هنا من وجوه ... إلى أن قال : رابعها : أنه وان اشتهر في هذه الأعصار القول بحجية كل ظن مطلقا الا ما خرج بالدليل كالقياس ـ كما عليه جماعة منهم ـ والقول بالاقتصار على الظنون المخصوصة الثابتة الحجية بأدلة خاصة كما عليه آخرون ، إلّا أن الحق الحقيق بالاتباع والتحقيق هو فساد القولين معا ، وأن انسداد باب العلم لا يقتضي إلّا جواز العمل بالظن في طريق الوصول إلى الأدلة السمعية المقررة واستنباط الأحكام منها ، فالمتواتر منها وما في حكمه يعمل بالظن مطلقا في طريق الوصول إلى معناه ... إلخ» هذا.

وقد حكى المحقق الآشتياني في بحث الإجماع المنقول عبارة مبسوطة عن كشف القناع فيها دلالة على ما نقلناه عن المحقق الشوشتري ، فراجع (١) ، هذا.

وأما المحقق التقي فقد عدّ هذا الوجه ثاني الوجوه الثمانية التي أقامها على حجية الظنون الخاصة ، فراجع هداية المسترشدين.

وأما عبارة الفصول فقد نقل المصنف قسما منها مع تغيير بعض الكلمات

__________________

(١) الجزء الأول من شرح الرسائل ، ص ١٣٧.

٦٢٠